حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الفيلسوف الضاحك.. نجيب الريحاني

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 28 )

أبو حلموس

أظهر نيازي مصطفى براعة فائقة في رؤيته كمخرج، فلم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا اهتم بها، وهو ما أثار دهشة نجيب الريحاني، إضافة إلى مواصلة الاجتماعات اليومية قبل التصوير وبعده لمناقشة تفاصيل السيناريو، خصوصاً أن نجيب وبديع لم يكونا قد انتهيا من كتابة السيناريو، فما كانا ينتهيان من كتابة جزء حتى يسلماه إلى نيازي، وتبدأ بينهم الاجتماعات والمناقشات.

صحّح نجيب الريحاني تقديره في نيازي مصطفي، فمضى تصوير الفيلم في جو من التفاهم التام لم يكن له به عهد سابقاً. لم يكتف نيازي بحدود واجبه، وكثيراً ما عاون نجيب وبديع بأفكار ثاقبة، وآراء ناضجة، فكان الثلاثة يواصلون العمل معاً، وكل منهم يشعر أنه يؤدي فرضاً واجباً يدفعه إليه الإخلاص والحرص على النجاح.

قبل أن ينتهي نجيب من تصوير الفيلم، قرر العودة إلى المسرح بعد دخول الموسم الجديد، غير أنه لم يستطع وضع رواية جديدة مع بديع لضيق الوقت، فقرر إعادة تقديم «قسمتي» وحشد لها أعضاء فرقته التي عهد إلى طلعت حسن إدارتها… فضم إليها عدداً كبيراً من الفنانين والفنانات منهم، ميمي شكيب، زوجة سراج منير التي تخصصت في أدوار «الزوجة»، وشقيقتها زوزو شكيب التي تخصصت في دور «العشيقة»، ومحمد الديب الذي تخصص في دور «العشيق»، وزوجته جمالات زايد وتخصصت في دور الخادمة بالتبادل مع زينات صدقي، التي تركت الرقص وتفرغت للتمثيل، إضافة إلى أعضاء الفرقة الأساسيين: عبد العزيز خليل (الشرير)، ستيفان روستي (الخواجة)، حسن فايق (المغفل)، فليب كامل (الأجنبي)، عبد اللطيف جمجوم (الباشا)، بشارة واكيم (الشامي)، محمد كمال المصري «شرافنطح» (الجار المشاكس)، عبد الفتاح القصري (ابن البلد الفهلوي)، ماري منيب (الحماة الشلق)، ثم محمد مصطفي وسيد سليمان ومحمد حلمي وعبد العزيز يوسف ومحمد لطفي، في أدوار ثانوية.

الريحاني كاتبا

أصبح الريحاني يمسك بالورق والقلم أكثر من بديع، الذي لاحظ ذلك، فكان كلما دخل حجرة مكتب الريحاني وجد أمامه كومة من الورق للكتابة، فساوره الشك في أن نجيب يكتب رواية جديدة بمفرده لا يريد إطلاعه على تفاصيلها:

= بس… بتكتب من ورايا يا نجيب؟

* أيوه يا أخي. بكتب من وراك… مش أحسن ما أكتب قدامك؟

= لا صحيح. أنا ملاحظ من فترة إنك مشغول بالكتابة. في الأستوديو تاخد جنب وتقعد تكتب، هنا في المسرح، وحتى في البيت. والغريبة إنك أول ما تشوفني. تخفي الورق. طب يا سيدي إذا كانت الرواية مغلباك أوي كدا ما تقوللي يمكن أساعدك.

* دي بالذات مش هتقدر تساعدني فيها!

= ياه… للدرجة دي رواية صعبة ومهمة.

* دي أهم رواية هيكتبها نجيب الريحاني في حياته يا بديع.

= طب دا شيء جميل… بس مش طولت معاك شوية. دا أنت داخل على سنة بتكتب فيها تقريباً.

* بس الحمد لله دخلت على النهاية.

= عال أوي يبقى كدا هنبدأ فيها على طول بعد «قسمتي».

* لا يا بديع. الرواية دي أنا بكتبها ومش همثلها. أنا بكتبها بعد ما مثلتها.

= دا إيه الكلام دا؟. فزورة دي على طريقة بيرم التونسي.

* الرواية دي هاسيبها للي عايز يقراها أو يمثلها. بس بعد ما أكون أنا اختفيت من الوجود. أنا بكتب مذكراتي يا بديع.

= هايل يا نجيب خطوة مهمة جداً. طب يا سيدي ما توريني.

* أنت بالذات لا. لأنك واخد دور البطولة التانية في الرواية.

= ياه. للدرجة دي أنا مهم في حياتك؟

* شوف يا بديع. بجد أنت الجزء المهم اللي كان ناقص في حياتي. وربنا بعتك ليا علشان حياتي تكمل.

= تصدقني لو قلت لك نفس الكلام.

* من غير ما تقول مصدق. لأن عندي نفس الإحساس.

= بس أنت شوقتني لها قوي عايز أقرا.

* هانت. كلها كام يوم ويستلمها الصديق توفيق المردنلي. هينشرها حلقات في مجلة «الاثنين».

انشغال الريحاني في تصوير الفيلم، وعرض رواية «قسمتي» والانتهاء من كتابة مذكراته، لم يحل بينه وبين التفكير مع بديع في الرواية الجديدة «لو كنت حليوة» والتي اقتبسها من الكوميديا الفرنسية «بيشون» للكاتب الفرنسي جان لوتراز، وحولها نجيب إلى نقد الباشاوات والباكوات الذين يقومون على الأوقاف، وينهبونها ويوزعون إيرداتها بطرق مريبة من خلال بطل المسرحية «شحاتة أفندي»، لتكون المسرحية فتحاً جديداً في الكوميديا المصرية.

انتهى تصوير الفيلم والموسم المسرحي، غير أن الارتباط بالتصوير والوقوف أمام الكاميرات نهاراً في الأستوديو وليلاً على خشبة المسرح، سببا له حالة من الإرهاق الشديد، فضلاً عن التهاب عينيه بسبب الإضاءة العالية، فاقترح عليه نيازي مصطفي مرافقته إلى باريس «لطبع» الفيلم وإتمام بقية عملياته الفنية، وانتهاز هذه الفرصة للاستجمام والراحة وعرض عينيه على أطباء باريس، فلم يتردد ووافق على الفور.

لقاء الماضي                                                 

وصل نجيب بصحبة نيازي مصطفى ومعهما فيلم «سلامة في خير» اطمأن نجيب أولاً على حالته الصحية، ثم راح يرافق نيازي كل يوم في الأستوديو الذي يتم فيه مونتاج وطبع الفيلم، وبينما يخرج نجيب من باب الأستوديو، إذا به يجد سيدة أمامه لفتت انتباهه… فعاد ليقف أمامها، ليجدها هي أيضاً توقفت عن سيرها وتلتفت إليه، وكأن الكهرباء صعقت كلا منهما:

= نجيب الريحاني؟!

* مش معقول. لوسي! أنا مش مصدق عينيا. انت لوسي دي فرناي؟

= ياااه… نجيب… مش ممكن. انت هنا في باريس قدامي بعد السنين دي كلها. أنا مش قادرة أصدق.

سالت دموع كل منهما، تحول اللقاء كأنه جزء مهم من فيلم عالمي، البطولة فيه للنجم المصري الكبير نجيب الريحاني وأمامه البطلة الفرنسية لوسي، ولقاء بعد غياب ما يزيد على 17 عاماً، لقاء حار أغرقته الدموع وصفق له العمال والفنيون والزائرون في الأستوديو. دعا نجيب لوسي للدخول معه إلى حجرة المونتاج، ودعته إلى الدخول معها إلى حجرة الأزياء:

* أنت بتشتغلي هنا.

= أيوه. بشتغل مصنفة أزياء. أقوم بتصنيف الأزياء طبقاً لمراحلها التاريخية. وأنت بتعمل إيه هنا؟

* أنا جاي مع الفيلم بتاعي بنعمل له مونتاج هنا في الأستوديو.

= سينما!! أنت بتعمل دلوقت سينما.

* هوهو… صاحبك دلوقت حاجة تانية.

= أنا كنت متأكدة يا نجيب إنك هاتبقى حاجة كبيرة أوي. انت فنان حقيقي ومخلص لأبعد حدود لفنك… علشان كده لازم تاخد اللي تستحقه.

* سيبك مني. طمنيني عليك انت فين ورحتي فين وعملتي إيه في حياتك الفترة الطويلة دي؟

= مفيش… بعد ما سبت مصر جيت على باريس اشتغلت شوية في «المولان روج» واتجوزت بالصدفة من شاب ألماني… وما قدرتش أكمل معاه انفصلنا. ودلوقتي زي ما أنت شايف بشتغل هنا. بس دا باختصار… قوللي أنت بقى عملت إيه؟

* أنا يا ستي… وعلى طريقتك في الاختصار. من ساعة ما سبتيني لحد ما اتقابلنا النهارده… وأنا باحاول أعمل اسم «نجيب الريحاني»… وبين الكلمتين دول حاجات كتير أوي.

قرر نجيب ألا يضيع لوسي منه مرة ثانية، فقد وجد، على رغم مرور السنوات، وكل ما مر به من أحداث وحوادث، أن حبها لا يزال كما هو في قلبه، وبدلاً من الأسبوع الذي كان مقدراً للرحلة منذ غادر القاهرة، استمر بقاؤه في باريس ثلاثة أشهر، قرر خلالها أن يفعل ما لم يفعله منذ 17 عاماً، قرر أن يرتبط رسمياً بحبيبة قلبه لوسي… غير أن ذلك لن يصلح بسبب ارتباطه الذي كان لا يزال قائماً ببديعة مصابني، فعلى رغم انفصالهما قانونياً، إلا أن الكنيسة لن تسمح له بزيجة أخرى، فقرر الارتباط بلوسي مدنياً بعقد موثق.

أمضى العروسان شهراً في باريس، من أسعد الأيام التي مرت في حياة الاثنين، وكالعادة تمر الأيام الجميلة بسرعة خاطفة، فلا بد من أن يعود إلى القاهرة لمواصلة عمله الذي تغيب عنه أكثر من ثلاثة أشهر:

= خلاص… هتسافر.

* غصب عني. الود ودي أفضل جنبك على طول مش عايز أسيبك لحظة واحدة.

= طب انت ليه مش عاوزني أسافر معاك؟

* صدقيني لو ينفع أنا كنت اللي ألحيت إنك تسافري معايا. لكن سفرك معايا مصر دلوقتي هيسبب لنا مشاكل كتير.

= مشاكل إيه؟

* الكلام هيكتر. ومش بعيد يوصل لبديعة. وممكن تعملها مشكلة… وأنت عارفة إن الفنان أكل عيشه سمعته.

= يعني هفضل أنا هنا وأنت في مصر؟

* مين قال كدا؟ أنا هاسافر ارتب أموري أخد لك شقة جديدة وأفرشها بأجمل فرش لأجمل عروسة.

= أنا خايفة يا نجيب. المرة الأولانية بعدنا عن بعض 17 سنة… مين عارف المرة التانية ممكن…

* مفيش مرة تانية… أنا لقيتك ومش ممكن أضيعك من إيدي مرة تانية.

وصل نجيب الريحاني إلى القاهرة ليجد فيلم «سلامة في خير» يحطم الأرقام القياسية في الإيرادات، ما جعل المنتجين والممولين يتهافتون للتوقيع معه على عدد من الأفلام الجديدة، غير أنه وعلى رغم ذلك رفض التوقيع لأي منتج، أو خوض تجارب سينمائية جديدة قبل دراستها دراسة متأنية، للحفاظ على ما وصل إليه من نجاح واسم… ولم العجلة ومعشوقه الأول يناديه؟!

ولي العهد

لم يمض وقت طويل على عودة نجيب إلى القاهرة من باريس، حتى وصله تلغراف من لوسي تخبره فيه:

«هل تريده ولداً أو بنتاً؟ استعد وحضر نفسك لاستقبال ولي العهد… قريباً ستصبح أباً… لوسين».

لم يصدق نجيب نفسه. سيصبح أبا للمرة الأولى في حياته وهو على مشارف الخمسين من عمره! شعر بأنه يريد أن يخرج إلى الشارع يخبر كل من يقابله بأنه سيصبح أباً. غير أنه لم يستطع، فلم يكن هناك من يعرف بأمر هذه الزيجة، حتى أقرب المقربين إليه، سواء شقيقاه توفيق ويوسف أو حتى شقيقه الثالث وصديق عمره بديع خيري، فليس مهماً أن يخبر أحداً ويكفي أن يسيطر عليه هذا الإحساس، لكن الأهم الآن هو كيف سيكون ولي العهد؟ هو يريد أن تكون بنتاً تشبه والدتها.
عاد نجيب إلى المسرح، ووضع مع بديع خيري كوميديا خفيفة بعنوان «الستات ما يعرفوش يكدبوا»، مأخوذة عن أصل فرنسي معاصر بعنوان «حبيبي» ليفتتح بها الموسم الصيفي مبكراً في أبريل 1938، ونجحت نجاحاً فوق العادة. تدور أحداثها حول خلاف بين زوج وزوجته، فيضطر إلى تركها ويسافر، فترسل له خطاباً تخبره فيه بضرورة الحضور لأنه أصبح أباً… فقد شعر نجيب للمرة الأولى كأنه يطير فوق خشبة المسرح، والسبب الخطاب الذي وصله من لوسي، على طريقة بطلة المسرحية:

«رزقنا بفتاة جميلة تشبه أمها… وإن كانت خفيفة الظل مثلك ولها صوت مسرحي قوي لا أستطيع النوم منه. الحمد لله صحتنا أنا وابنتك جيدة وسأغادر المستشفى نهاية الأسبوع، وستحضر أمي من ألمانيا لتعيش معنا في فرنسا حتى تتولى رعاية ابنتك.

بالمناسبة اقترح عليّ بعض الزملاء والزميلات أن اطلق عليها اسم «جينا» لتكون جينا نجيب الريحاني… ما رأيك أنت؟

اتمنى أنا وابنتك رؤيتك في أقرب وقت. وأنتظر منك خطابا تفيدني فيه برأيك في اسم «جينا»… لوسين».

للمرة الأولى تعجل نجيب انتهاء الموسم المسرحي على رغم النجاح الكبير الذي كانت تحققه رواية «الستات ما يعرفوش يكدبوا»، وما إن انتهى الموسم حتى غادر القاهرة متجهاً إلى باريس لرؤية ابنته.

في طريقه، اشترى فستاناً من أغلى أنواع القماش في العالم، وطلب من التاجر أن يطرّز اسم «جينا» وكاد عقله يطيش برؤيتها. يا لها من توليفة مصرية فرنسية ألمانية، فلوسي من أم ألمانية ووالد فرنسي، واضطرت إلى تسجيل ابنتهما جينا باسمه في الأوراق الرسمية خوفاً من المساءلة.

كان أول ما فعله نجيب أن وضع مبلغ 50 ألف فرانك فرنسي باسم جينا في بنك «كريدي لوينه» الفرنسي، على أن تتسلم المبلغ عند بلوغها سن الرشد، ثم راح يستمتع بإحساس الأبوة الذي تأخر عليه كثيراً. عاش أجمل أيام عمره بصحبة جينا، لم يتركها لحظة، خصوصاً أنها بدأت تتنبه وتبتسم له، وتزيد ابتسامتها عندما يناديها Ma Petite Princesse أي «أميرتي الصغيرة»… ما كان باعثاً على سعادة لم يشعر بها طيلة حياته، لم يقطعها عنه سوى التلغراف الذي وصله من طلعت حسن مدير فرقته، والوحيد الذي يعرف عنوان مراسلته:

«أنعي لكم وفاة السيدة جلفدان هانم والدة الأستاذ بديع خيري».

أصر نجيب على مغادرة باريس في اليوم التالي، ليكون بجوار صديق العمر في هذه اللحظة العصيبة من حياته، وما إن وصل حتى اتجه إلى منزل بديع خيري، ليجد سرادقاً للعزاء، وبينما هو يدخل الشارع رأى شيخاً يخرج منه فاستوقفه:

* فضيلة الشيخ محمد رفعت دا إيه الصدفة الجميلة دي.

= أهلاً وسهلاً يا ابني… مين؟

* أنا نجيب الريحاني يا فضيلة الشيخ.

= كشكش بك. دا أنا محظوظ بقى.

* الحظ ليا أنا يا فضيلة الشيخ ما تتصورش أنا بحبك أد إيه وبحب اسمع صوتك.

= أنت طيب أوي يا نجيب وفنان أصيل وتستاهل أد اللي أنت فيه عشرات المرات.

* ربنا يخليك لنا يا سيدنا الشيخ. والله أنا نفسي أقعد معاك كتير بس للاسف مرتبط بعزا والدة صديقي.

= والدة الاستاذ بديع خيري.

* الله… أنت عرفت منين؟

= ما أنا لسه خارج من عزاها قدامك أهه!

لم يصدق نجيب الريحاني ما سمعه، ليس بموت والدة صديقه، بل لأنه اكتشف بعد هذا العمر كله من الصداقة والتقارب والمحبة التي وصلت إلى حد الأخوة، أنه وبديع لم يعرف كل منهما ديانة الآخر، فقد ظنّ نجيب أن بديع يدين بالديانة المسيحية، وظن بديع أن نجيب يدين بالإسلام، وما إن اختليا ببعضهما البعض حتى واجه نجيب بديع بهذا الظن، ونسي حزنه على وفاة والدته، ونظر كل منهما إلى الآخر وانفجرا بالضحك وارتمى كل منهما في أحضان الآخر، فلم تزدهما هذه الحقيقة إلا تماسكاً وحباً وأخوة.

الحرب الثانية

قبل نهاية العام، أرسل نجيب خطاباً إلى لوسي يدعوها وابنتهما إلى زيارة مصر، لترى جينا بلدها ويمضيا معه عيد رأس السنة الميلادية، فطار قلب لوسي يسبقها إلى مصر، حيث مكثا 15 يوماً، تفرغ خلالها نجيب لدور الزوج والأب ليشعر للمرة الأولى بإحساس أن تكون له أسرة.

بمجرد عودة لوسي وجينا إلى باريس، اندلعت الحرب العالمية الثانية وراح هتلر يجتاح دول أوروبا واحدة تلو الأخرى، ما سبب قلقا وتوتراً، لنجيب خوفاً على لوسي وجينا، حاول الاتصال بها للاطمئنان عليهما، غير أن الحرب كانت لم تزل في بدايتها والاتصالات مقطوعة والمواصلات متوقفة، ما سبب رعباً حقيقياً لنجيب، فلم يكن أمامه سوى العودة إلى المسرح، فأعد مع بديع خيري مسرحية «الدلوعة» وأدت دور البطولة أمامه ميمي شكيب، ونجحت المسرحية بشكل كبير.

بسبب التوتر الذي كان يعيشه نجيب والخوف، فضلاً عن الضغط العصبي الذي على المسرح، سقط فجأة فوق الخشبة أثناء قيامه بالتمرينات نهاراً، ونُقل فوراً إلى المستشفى، وسط انزعاج شديد لكل المحيطين به، شقيقيه توفيق ويوسف، وبديع خيري، إضافة إلى أعضاء فرقته، بل انتقل القلق والانزعاج إلى جمهور الريحاني بعدما نشرت جريدة «الأهرام» خبر مرضه:

* إيه يا دكتور أنا عندي إيه؟

= عندك شحنة كوميدية زيادة في القلب.

* لا صحيح… خير أنا أول مرة يحصل لي الكلام دا.

= ابداً… شوية توتر وضغط عصبي عالي. ما انت يا سي نجيب لازم تريح نفسك شوية. انت برضه بني آدم ولازم جسمك يرتاح. ما ينفعش شغل ليل ونهار. ونصيحتي لك إنك تبعد شويه عن المسرح أد شهر.

على رغم عدم اقتناع نجيب بالابتعاد عن المسرح، إلا أنه انصاع لأوامر الأطباء، خصوصاً أن أستوديو مصر، وبعد النجاح الكبير الذي حققه فيلم «سلامة في خير» عرض عليه أن يقدم فريق العمل نفسه في الفيلم الأول، فيلماً آخر.

وافق نجيب على اقتراح استوديو مصر، وراح يكتب مع بديع خيري قصة الفيلم الجديد، وشارك معهما المخرج نيازي مصطفى بغرض إظهار قدراته كمبدع في استخدام الحيل السينمائية والأساليب الحديثة، وهو ما ترجمه نجيب وبديع إلى أفكار فيلم «سي عمر» الذي قام على حبكة درامية بالغة التعقيد، قدم فيه نجيب للمرة الأولى شخصيتين متماثلتين، إحداهما عمر بك الألفي والثانية جابر شهاب الدين الموظف البسيط لديه، وشارك معه في بطولة الفيلم: أمينة (ميمي) شكيب وزوجها سراج منير وشقيقتها زينب (زوزو)، شكيب وماري منيب، عبد الفتاح القصري، محمد كمال المصري (شرفنطح)، استيفان روستي، فكتوريا حبيقة، عبد العزيز أحمد، ورسم مناظر الفيلم الفنان ولي الدين سامح.

البقية في الحلقة المقبلة

الجريدة الكويتية في

16/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)