بعيدا عن البولوتيكا.. والخلافات والمنازعات
السياسية وتضارب الزعامات.
والمصالح الشخصية نجح مهرجان وهران السينمائي في
دورته
الثالثة في »لم الشمل«
العربي من خلال كوكبة من نجوم السينما في العالم العربي
جاءوا إلي وهران يحمل كل منهم في قلبه محبة أهل بلده.. رسالة خاصة يتواصل
بها مع
جمهوره العريض من المحيط إلي الخليج في صورة رائعة للحلم
والوفاق
العربي.
الطلة.. واللسان عربي لنجوم أزاحوا..
وأزالوا الحدود السياسية
بموهبتهم.. وإبداعاتهم، فباتت قلوب عشاقهم ومعجبيهم هي أوطانهم بعيدا عن
الخرائط الجغرافية التي خط حدودها مستعمر
أو محتل.
»تجميعة
حب«.. »وترنيمة
محبة«.. لباقة زهر فاح عطرها الزئبقي..
من مصر »يسرا
وإلهام شاهين ..
ونبيلة عبيد..
نجوي فؤاد..
المخرج عادل أديب وزوجته منال سلامة
والمخرج مجدي
أحمد علي والفنان أحمد بدير«
ومن سوريا نجم نجومها »جمال سليمان«
هذا الفنان
ذو الثقافة والمعرفة العالية، الغيور بشدة علي لغتنا العربية وقيمنا الأصيلة
وقائمة طويلة من الأسماء من مختلف الدول العربية دون استثناء.
والحقيقة أن كل
ما اختلفت عليه »السياسات«
في عالمنا العربي..
اتفق عليه الفن وناصره
الفنانون.. وكم كان جميلا أن يحرص كبار الفنانين علي الإصرار والمشاركة في
حضور
عروض زملائهم وأصدقائهم فكان في هذا الحضور أقوي وأكبر دحض لكل ما يتردد عن
الغيرة.
وهذه تحية خاصة للفنان الجزائري الممثل »حسن كشاش«
بطل الفيلم
التاريخي »مصطفي بن بولعيد«
للمخرج أحمد راشدي..
وقد حصل »حسن« عن هذا
الدور علي جائزة »أحسن ممثل«
وهو يستحقها بجدارة..
فقد قدم بأداء رائع لشخصية
هذا الشهيد المناضل الذي يعد من أهم قادة
الثورة الجزائرية..
وبعد انتهاء الفيلم »قوبل
« حسن بعاصفة من التصفيق وتعالت الزغاريد..
وهو ماحدث أيضا في الختام
عندما حصل علي الجائزة..
لكنه هذه المرة لم يستطع أن يتمالك نفسه وأجهش
بالبكاء.. وهو يشكر كل من شاركه في هذا الفيلم الرائع.
< < <
الهم العربي واحد مشترك.. الحزن جماعي والفرح أيضا..
حتي الحلم
والأماني تلزمهما قوة التكتل والوحدة لكي
يتحققا..
ومشكلاتنا كالأواني المستطرقة
تصب إحداهما علي الأخري..
لكن الحصيلة النهائية إن كلا يعاني لكن بقدر..
لكنها
في النهاية معاناة..
ولعل أكثر الشعوب العربية معاناة هو الشعب الفلسطيني..
»آن
ماري جاسر«
أحد الوجوه المميزة في السينما الفلسطينية المستقلة التي تعمل
بها
منذ عام 1994
ككاتبة ومخرجة لعديد من الأفلام التي حصدت العديد
من الجوائز ..
ولعل من أهم أعمالها
»ما بعد اوسلو«.. وبعض الفتات للعصافير..
وكأننا عشرين
مستحيل..«
وفي »ملح هذا البحر«
الذي شارك في المسابقة الرسمية..
وأثار
ردود فعل إيجابية عندما عرض في »كان«
منذ عامين نجحت »آن«
في أن تجذب
الأنظار والتعاطف الشديد مع بلدها وشعبها من خلال حكاية وإن كانت تبدو
بسيطة،
إلا إنها تحمل كل معاني المرارة وتبدو وثيقة حية وتاريخية علي الوحشية
والعدوانية
التي مازالت إسرائيل تمارسها إلي اليوم »ثريا«بطلة الفيلم أو الممثلة القديرة »سهير
حماد« ولدت في بروكلين بأمريكا بعدما أجبرت عائلتها
مع مئات الآلاف من
العائلات علي الرحيل من يافا ليصبحوا بعد ذلك لاجئين »ثريا« بعد وفاة
والديها
تكتشف أن جدها له
ودائع وحسابات في بنك »يافا« .. فتقرر الذهاب إلي هناك
واستعادة هذه الأموال..
ومعرفة أحوال بلدها الأصلي
وشعبها عن قرب..
لتبدأ رحلة
العذاب الكبري من لحظة أن تطأ أقدامها المطار بداية من التفتيش المعتاد..
وأسئلة
كثيرة مستفزة عن سبب عودتها..
وزيارتها الآن..
وبعد أن تتخطي كل هذه الأشياء،
يكون عليها الذهاب للبنك لكنها تكتشف أن كل
ماكان قبل عام
48
لم يعد له
وجود رغم الأوراق الرسمية التي تحملها وتفيد أحقيتها في كل ذلك.. ويدفعها
القدر
للقاء »عماد«
الذي يعمل نادلا في أحد المطاعم..
وتتعرف أيضا بمروان اللذين
يساعدانها في الاحتيال علي البنك واسترداد قيمة مستحقات جدها فقط أي (حقها)
ورغم ذلك توزع المبلغ
عليهم بالتساوي..
ومن »رام الله« إلي »يافا«
لرؤية البحر وبيت الجد يتمكن الثلاثة من الوصول فعلا إلي بيت الجد وهو بيت
عتيق
شديد الجمال علي البحر تقطنه مواطنة إسرائيلية حتي وإن كانت مع حركة
السلام..
تعرض عليها »آن«
إعادة شراء البيت لكنها ترفض قائلة لها
إنها حتي لو وافقت فإن
الوكالة اليهودية ترفض أن يقوم فلسطينيون
بشراء بيوتهم من جديد..
ناسين أنهم
سلبوهم هذه المنازل عام 48
وشردوا مايزيد علي
225 ألفا من أهالي يافا
فلم يبق
منهم إلا ثلاثة آلاف.. وتضطر »ثريا« وعماد إلي الهروب بعد أن
تستدعي لهما »كارلا«
الشرطة.. تاركين مروان مستقرا معها..
ويشعر كل منهما
بالحب تجاه الآخر
»فعماد« الذي كان يحلم بمغادرة البلاد كلها والذهاب إلي
كندا بات يبحث عن مكان يجمعه مع
»ثريا« التي انتهت تأشيرتها لبلادها وعليها
المغادرة
.. وطوال مشاهد الفيلم التي صورت في القدس أو المناطق الفلسطينية
القديمة حيث يشهد الصبار وأشجار الزيتون أن هذه البيوت والنبت لفلسطينيين
تستعرضها »آن
ماري جاسر« بهدوء معتمدة علي الحقائق التاريخية التي يحاول الإسرائيليون
تشويهها بكل الصور ويزيفونها ويعملون علي طمس معالمها.. لكن الحقيقة أكبر
من أن
تطمس ولن تموت أبدا القدس وقضيتها مابقي فينا نفس عربي.
ومن »ملح هذا
البحر« أكبر دليل علي أن الفن الجاد الواعي قادر علي تعديل وتغيير كل ماهو
بعيد
عن الحقيقة وأحيانا تقف أمامه السياسة عاجزة.. ولذا استحق هذا الفيلم
وبجدارة
جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
والجدير بالذكر أن الفيلم سيعرض في الإسكندرية ضمن
مهرجانها الذي يقام بها وبه برنامج خاص
لتكريم السينما الفلسطينية، وهو ماتحتفل
به أيضا عدة مهرجانات عربية أخري.
< < <
كثيرا ما أصرخ بيني
وبين نفسي بصوت عال تنفيسا عن غضب مكتوم من كل مايشيعه الغرب ويردده عنا نحن
العرب المسلمين..
وعندما يعود الهدوء ليستقر في وجداني وأتعامل مع الأمر
بعقلانية وبعيدا عن كل عاطفة..
أقول إنه لهم بعض الحق أحيانا لأننا مسئولون إلي
حد كبير عن هذه الصورة..
مع أننا
فوق حضارتهم وتاريخهم ودينهم
يجعلهم بلا
غرور يتيهون علي الدنيا كلها..
لكن لا أدري لماذا لانحترم أنفسنا ونصون
أقدارنا وكرامتنا ولا نصدر للغرب سوي الصورة الكريهة فقط والتي هي بعيدة كل
البعد
عنا كي نحاصر عنصريتهم البغيضة وكراهيتهم التي باتت بلا حدود.. والأسوأ
أنهم
يعممون وعن جهل كل مايرتبط
بعاداتنا.
لذلك فإن للسينما دورا فعالا كي تحرك هذه
النفوس الراكدة الآسنة.
وفي السينما الروائية القصيرة ربما تجد الكثير والكثير
من الجرأة في طرح الأفكار بتجارب ولغات سينمائية متعددة لاتحتاج إلي
التطويل كما في
الفيلم الروائي الطويل.
وقد برزت مواهب عديدة في الأفلام الروائية القصيرة تنم
عن أن أصحابها سوف يكون لهم باع
في السينما الروائية الطويلة باعتبارها أنها
»الأم«
ومن بين الأفلام الجميلة التي عرضت
بالمهرجان الفيلمان المصريان »ساعة
عصاري« لـ»شريف البنداري«..
و»احيانا«
للمخرج
»محمود سليمان«.. وقد حصل »ساعة
عصاري« علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة والفيلم اللبناني »فينيل«
فحصل
علي جائزة تنويه خاص..
أما الفيلم الجزائري
»قولي لي« علي الجائزة الكبري وهو
للمخرجة »صبرينة دراوي«
وذلك في أول تجربة سينمائية إخراجية لها ولحظة تسلمها
الجائزة وقيمتها (30ألف دولار)
قالت إنها سعيدة لأن جميع من تعاونوا معها
كانوا
مؤمنين بها واثقين فيها ولم يسألها أحد أو يناقشها أجرا..
وبالتالي فإن هذه
الجائزة سوف تذهب إليهم.
والحقيقة أنه يشهد »لصبرينة«
جرأتها في تناول هذا
الموضوع عن صداقة تجمع بين فتاتين تتبادلان الحوار قبل الذهاب للدرس،
فتخوضان معا
في أشياء شخصية وذاتية سواء ما يخصهما أو يخص علاقات جيرانهما والتي كثيرا
ما
يستمعان إلي خباياها..
وبذلك لا يكون للبيوت أسرار.
< < <
في
وهران كنا نشعر بالتعاطف مع لجنة تحكيم الأفلام القصيرة.. ونتفهم الصراع
العنيف
الشرس والمناقشات الصعبة لدي لجنة تحكيم الأفلام الطويلة..!
عموما حيرة لجنة
الأفلام القصيرة عبروا عنها في الكلمة التي ألقتها رئيسة
اللجنة في الختام قائلة
إن هناك سبعة أفلام من أصل خمسة عشر تستحق جوائز!..
وفي سياق هذا الموضوع يجب
أن نشيد بمجموعة الأفلام القادمة من الإمارات ودول الخليج
فكلها لشبان.
يبعثون
علي الأمل والتفاؤل لمنطقة وإن كانت تقدم
مهرجانات دون أن يكون بها صناعة سينما
حقيقية أو إنتاج سينمائي.
فتحية لهؤلاء الشباب.
ومن أكثر الأفلام التي تشعرك
بالألم النفسي والمرارة فيلم
»الكفالة« المغربي للمخرج »نوبراوي«
وهو عن
حكاية رجل سرق مبلغا كبيرا من المال وأخفاه في مصنع قديم وتم الحكم عليه
بالسجن
لمدة عشرين عاما..
قضاها راضيا بين القضبان معتقدا أن هذا المال سوف ينقذه في
شيخوخته معتبرا سنوات السجن سنوات عمل وغربة..
تاركا خلفه زوجة شابة وطفلة
صغيرة..
وعندما يعود لمنزله لايجدهما..
يذهب بعد ذلك لاسترجاع الحقيبة..
يدخل
ملهي ليلي خلف فتاة جميلة..
وفي لحظة تختفي الحقيبة بعد خناقة مفتعلة مع صديق
للفتاة.. يكاد يجن جنون الرجل ..
يعود مهزوما مقهورا لمنزله وعندما
تفتح له
الزوجة يجدها وقد باتت قعيدة كرسي ..
أما الفتاة التي تقف في الخلف وبجوارها
حقيبته فهي »داعرة«
الملهي.
هكذا بدون أي تعليق سوي أن »الحرام«
لايجلب إلا الحرام والدمار والعار وأن
مايدفعه الإنسان ثمنا لأخطائه لاتدرؤه
أموال العالم أجمع.
آخر ساعة المصرية في
12/08/2009 |