العودة الى عمر الـ17
ثمة أفلام لا يمكن للمشاهد إلا أن يحبها، و«العودة الى عمر الـ17» من بين
هذه الأفلام. بين أسباب إعجابنا بهذه الشريحة السينمائية أنها تعرض موضوعا
غير قابل للحدوث بأسلوب كوميدي، من جهة، وتحفزنا على التفكير في تفاصيل
طفولتنا وشبابنا وإمكانية تصحيح ما ارتكبناه من أخطاء فيها بأسلوب جاد، من
جهة أخرى. هي تضيف فكرة جديدة تقوم على افتراض لأن عودة المرء الى الوراء
تفيد في إصلاح ما أفسده الدهر. ومن منا لا يريد العودة الى الماضي لتصحيح
حاضره؟
من المؤكد انها فكرة خيالية، تكررت في أفلام كثيرة خلال السنوات الأخيرة،
لكنها في «العودة الى عمر الـ17»، وبفضل سيناريو محكم وتنفيذ جيد تحملنا
على المضي معها في متعة كبيرة، متناسين ما سبقها، عن طيب خاطر. في مرحلة
المتوسطة، وهو في سن السابعة عشرة، برز مايك أونيل (الممثل زاك أفرون)
كلاعب كرة سلة موهوب ينتظره فيها مستقبل باهر. وفي المدرسة اياها تعرف الى
زميلة أحبها، وفي لحظة يسجلها الشريط بشكل بارع، ترددت في قبوله. في تلك
اللحظة بالذات تغير مصيره. ترك الرياضة الى الأبد، ليظهر أمامنا، بعد عشرين
عاما، كموظف يعمل في مؤسسة تجارية لم يحقق فيها نجاحا يذكر. علاقته بزوجته
شارفت على النهاية، بعدما ترك لها البيت والأولاد وانتقل الى منزل زميل
دراسته الوفي نيد (الممثل توماس لينون). وصلت الأمور الى هذا الحد بعدما
طغى الملل على حياته. كان يعوض حزنه بالعودة الى ذكرياته، الى ايام مراهقته
وصباه، أيام كان فيها قويا وعاشقا ومحبا لكرة السلة. لقد غيرت الحياة
الكثير فيه؛ فزوجته والتي أحبها أيام الدراسة لم تعد نفسها، وعلاقته
بأطفاله لم تكن بالمستوى المطلوب وعمله رتيب. كان في أوج إحباطه. ومع هذا
أبقى المخرج بور ستيرس، أجواء الشريط هادئة، بل بث فيها شيئا من الفرح. لقد
جعل من إحباط بطله حالة مألوفة، يمر بها الكثير من الأميركيين، ثم يتكيفون
معها. ولعل روحه الفكهة هي ما ميز الشريط وفسر المتغيرات الفنتازية التي
طرأت على حياة بطله، حين التقاه طيف حارس مدرسته القديمة. الحارس العجوز
كان يعرف كل شيء عنه، وكان قادرا على قراءة أفكاره، ولهذا اقترح عليه أن
يعود الى عمر الـ17 ليعيد ترتيب حياته وفق ما كان يريده يومذاك.
أيام الصبا
المفارقة ان الحارس أعاده الى مدرسته إياها ليجد نفسه بين أولاده الذين
يدرسون فيها الآن. حياة الأب المستعادة مع زملائه الطلبة بمن فيهم أولاده
نقلت الشريط كاملا الى حالة اختلط فيها الماضي بالحاضر والجد بالهزل، فجاءت
مشاهده مدهشة وكشفت عن أسلوب إخراجي متميز وتفسير بصري مبدع لسيناريو منفلت
الخيال. واستلزمت المفاجآت والأكاذيب المفضوحة، بسبب تقمص الشخصيات أدوارا
مزدوجة، مواهب كوميدية، توافرت في هذا العمل، لدرجة يمكننا معها تعميم
القول أنهم جميعاً أدوا أدوارهم بشكل ملفت ورائع. لقد أدى الممثل مارثو
بيري دور الأب العائد الى الزمن الماضي بصورة مراهق يملك حكمة وعقل رجل
قارب سن الشيخوخة بشكل مقنع الى درجة أن نصائحه لأقرانه في المدرسة، بتجاوز
أخطائهم واحترام ذواتهم وعدم الانقياد وراء نزواتهم العاطفية، بدت وكأنها
مواعظ رجل ينتمي الى عصر آخر. الإكثار منها ربما أربك الشريط بعض الشيء
وجعله يميل الى نزعة أخلاقية مفرطة، لكنه مع هذا، حافظ على طابع كوميدي،
ومفارقاته أنست المشاهد تركة عقود تغير فيها المجتمع الأميركي كثيرا. عمل
بور ستيرس وكان بمثابة مراجعة للواقع التدريسي الذي يوجه له اليوم نقدا
شديدا. فالمدرسة قبل عقدين لم تكن كما هي اليوم؛ حيث الحرية الزائدة
والانفلات الجنسي وقيم العنف. لقد جعل ستيرس من فيلمه مادة لعرض القلق
والتمزق الحياتي لجيل كامل من الأميركيين، عرضها بروح ايجابية وظريفة.
وخاتمة فيلمه جاءت بالروح اياها، فالزوجان عادا الى بعضهما البعض ثانية
وعلاقة بطله بأولاده استقامت. نهاية هوليوودية تقليدية في فيلم لا شيء فيه
تقليدي. الأمر يبدو غريبا، لكن ماذا تنتظر من رجل اقترب من شيخوخته وقد عاد
ثانية الى عمر المراهقة؟
رجل من عندنا ينقذ كوكبا آخر
بخلاف ما سبقه من أفلام الخيال العلمي للأطفال، يساعد هذه المرة رجل من
كوكبنا مخلوقات قادمة من كوكب بعيد على الوصول الى غايتها والتخلص من شرور
مطارديها. فالغرباء هم من يحتاج في فيلم «سباق نحو جبل الساحر» الى
المساعدة لا نحن سكان الكوكب الأزرق والمهدد بالدمار. شركة ديزني كسرت
المألوف واعتمدت حكاية جديدة أبطالها رجل من كوكبنا وطفلان هما سيت (الممثل
الكسندر لودفيغ) وشقيقته سارا (آنا صوفيا روب). ثلاثي جمعتهم المصادفة
فشكلوا فريقا لمقاومة خطة استهدفت تصفية الكوكب الذي ينتمي اليه الصغيران.
الرجل الأرضي سائق سيارة أجرة، ذو ماض سيئ. جاك برونو، قبل أن يقرر كسب
عيشه بصورة شريفة، كان يعمل ضمن عصابات المافيا وقد دخل السجن بسبب تورطه
في أعمال إجرامية. أما الأخوان سارا وسيت فقد وجدا نفسيهما على كوكبنا بعد
اصطدام سفينتهما الفضائية بنيزك سقطت على أثره في صحراء نيفادا. السلطات
الأمنية تدخلت لسحب السفينة الى مكان سري يدعى «جبل الساحر»، وكلفت بمهمة
تصفية الأخوين سارا وسيت باعتبارهما يشكلان خطرا على الوجود الأرضي بأكمله،
يوم سقطت السفينة كانت مدينة لاس فيغاس تحتفل بمهرجان الفضاء الخارجي.
الوجود الكثيف لأطفال يرتدون ملابس تنكرية على هيئة مخلوقات خارجية أربك
وضع سائق التاكسي (الممثل دوين جونسون) عندما صعد معه سارا وسيت وطلبا منه
نقلهما الى مكان بعيد وناء. في الطريق شرحا له سبب وجودهما من أين جاءا. لم
يصدق برونو الحكاية فظل يعاملهما بصفتهما صغارا يحتفلون. الشيء الذي غير
رأيه اكتشافه قدراتهم العجيبة في قراءة الأفكار والسيطرة على حركة الأشياء.
وعزز اقتناعه بكلامهما ظهور رجال غريبي المظهر كانوا يطاردونهما ويريدون
قتلهما. بعد مطاردات مشغولة بتقنية عالية الجودة ومصحوبة بمؤثرات خارجية
استخدمت فيها أعلى التقنيات الحديثة، وجد السائق نفسه مدفوعا الى مساعدتهما
في العثور على سفينتهما والعودة بها الى كوكبهما. الشريط مشغول بشكل جيد.
إيقاع حركته سريع ونبرة هادئة، الأمر الذي شد الجمهور الصغير اليه وضمن، في
الوقت نفسه، مداخيل قياسية اعتادت شركة ديزني على تحقيقها عبر إنتاجها
السينمائي المميز للأطفال.
الأسبوعية العراقية في
23/08/2009 |