الفيلم المقبل لمارتن سكورسيزي لا يشبه كثيراً أفلامه الأخرى.
إنه “جزيرة مُغلقة” أو ما يمكن ترجمته من “Shutter
Island” وأحد ملامح هذا الفيلم الذي بسببها يبدو مختلفاً
عن أعمال سكورسيزي السابقة كامن في أن ما شوهد منه (عشر دقائق في شو وست
قبل أشهر حين كان لا يزال الفيلم في المختبرات ومقدّمات إعلانية في صالات
السينما) يوحي بأنه فيلم ينتمي إلى القصّة ونوعها أكثر من إنمائه إلى
المخرج وفنّه.
وفي حين أن هذه الدقائق اليسيرة يجب أن لا تشكّل قاعدة للحكم، الا أن
تؤدي إلى هذه النظرة الأولى صحيحة كانت أو غير صحيحة. وإذا ما كانت فذلك
يعني أن سكورسيزي، لأي سبب كان، إنما بحث هنا عن الصفقة التي تضمن له
أماناً اقتصادياً وهذه ليست متوفّرة إلا بشروط الاستديو- كَبُر اسم
سكورسيزي او صَغُر.
الفيلم عن أحداث متخيّلة تقع في العام 1954 عندما يتوجّه المحقق
الفيدرالي مارشال تيدي للتحقيق في اختفاء سجينة متّهمة بالقتل من مستشفى
كانت نزيلته بسبب حالتها العصبية. المستشفى المحاط بالأسلاك يكمن فوق جزيرة
منعزلة يديرها طبيب ومجموعة ممرّضين ويحتوي على عشرات النزلاء الذين يعيشون
في نفي تام عن العالم المحيط بهم. على المحقق أن يتحرّى عما حدث لتلك
السجينة وفي الوقت ذاته يحاول عدم الانزلاق إلى مؤامرة تُحاك له تهدف إلى
إبقائه سجين المكان إلى الأبد.
في البطولة ليوناردو ديكابريو ومارك روفالو وهو التعاون الرابع بين
ديكابريو والمخرج مارتن سكورسيزي بعد “الطيّار” و”عصابات نيويورك”
و”المغادر” وكل شيء سار على ما يرام على أساس أن الفيلم سيفتتح في أكتوبر/
تشرين الأول من هذا العام. لكن ما لم يكن في حسبان أحد وقع قبل أيام قليلة
عندما أعلنت شركة باراماونت عن تأجيلها افتتاح الفيلم إلى شهر فبراير/ شباط
من العام المقبل.
وكان الإعلان مفاجأة لكل من المخرج وممثّله اللذين كانا يرغبان في عرض
الفيلم مسبقاً لترشيحات الأوسكار. حقيقة أن المخرج ربما حقق فيلماً يرضي
فيه الذوق الهوليوودي لا يعني، بأي حال، أنه أنجز فيلماً رديئاً، وهو
بالتأكيد لا يعتقد هذا، لذلك كان يمنّي النفس بعرض الفيلم قبل نهاية هذا
العام كما حدث مع أفلامه السابقة مع الممثل. والمعروف أن المخرج نال
أوسكاره الوحيد للآن عن فيلمه “المغادر” الذي قام ديكابريو ببطولته.
ومن الطبيعي، ومستوى الفيلم ليس حكماً إلى الآن في عملية تأجيله أن
يتساءل الوسط السينمائي في هوليوود عن السبب في ذلك. وكان أول ما قيل من
أسباب إن ميزانية الشركة هذا العام لا تسمح بصرف 30 مليون دولار على لوازم
الترويج والدعاية للفيلم، ما يعكس أزمة مالية تعانيها الشركة. خصوصاً وأن
نتائج افلامها الصيفية، وآخرها فيلم رديء بعنوان “G.I. Joe: Rise of the Cobra” لم تنجز المأمول لها. وفي الواقع لم ينجح لها في
الأشهر القليلة الماضية سوى “ستار ترك” الذي جمع نحو 240 مليون دولار من
السوق المحلية، لكنّه تكلّف نحو 150 مليوناً.
هذا السبب مرتبط بآخر في الشأن الاقتصادي نفسه: لدى باراماونت فيلمان
كبيران آخران تريد إطلاقهما قبل نهاية هذه السنة. أحدهما فيلم لمخرج “سيد
الخواتم” عنوانه “عظام محبوبة” وهو بوليسي مع مارك وولبرغ، راتشل وايز،
سوزان ساراندون وستانلي توشي، والآخر “في الهواء” للمخرج الجديد (نوعاً)
جاسون رايتمَن وهو دراما خفيفة من بطولة جورج كلوني وجاسون بايتمن. والشركة
رأت أن توفّر أموالها للوقوف، إعلامياً وتسويقياً، وراء هذين الفيلمين وأن
تؤجل دعم الفيلم الثالث لما بعد السنة المالية الجديدة.
مع هذا في الحسبان، فإن الثابت أن الوضع الاقتصادي أصاب الشركة كما
أصاب سواها من حقول وأعمال وتعترف الشركة بذلك عن طريق أحد مسؤوليها (براد
غراي) الذي يقول: “حينما أعطينا الضوء الأخضر لهذه الأفلام الثلاثة، كان
الوضع الاقتصادي غير ما هو عليه الآن”.
الى أي حد يعكس ذلك القرار إيمان الشركة بنجم كبير من وزن ديكابريو
(مقابل نجوم الفيلمين الآخرين) هو مرحلة أخرى من الانعكاسات في عام عانى،
لجانب الأوضاع الاقتصادية المتقلّبة، ابتعاد الجمهور عن نجومه المفضّلين
سابقاً.
شاشة البيت
رعب بين الجيران
“آخر منزل ناحية اليسار” فيلم رعب خرج إلى دور العرض بنجاح ضئيل في مطلع
العام الحالي وهو إعادة لفيلم رعب أخرجه قبل سبع وثلاثين سنة وز غرافن في
مطلع حياته في سينما التخويف. القصّة هنا معدّلة لكنها لا تذهب بعيداً عن
الأصل: مجموعة من الضحايا تسقط تحت رحمة مجموعة من الخارجين عن القانون
لجأوا إلى بيت مهجور. ليست مجموعة أشرار بل مجموعة تذبح وتقتل وتغتصب وهي
لم تكن قوام الفيلم السابق لكنها شروط الفيلم الجديد معتقداً أنه بذلك يؤمن
شروط النجاح لكنه أخطأ.
أفلام القمّة
النازية حسب تارنتينو
بشكل مفاجئ أنجز فيلم كونتين تارنتينو الجديد “أولاد بلا مجد” 45
مليون دولار في أسبوعه الأول، وهو فيلم يدور في الفترة النازية حيث على
براد بت أن يقارع كريستوف وولتز ليس على صعيد أحداث الفيلم فقط، بل على
صعيد الموهبة أيضاً إذ يتفوّق الممثل النمساوي وولتز على كل من عداه في هذا
الفيلم. لكن مصدر المفاجأة أن الأسبوع الأخير من شهر اغسطس/ آب عادة ما
يشهد فتوراً في الإقبال تجاوزه هذا الفيلم الجيّد.
قبل العرض
مهام خطرة لديزل
يعود الممثل فان ديزل قريباً إلى المسلسل السينمائي الذي انطلق به سنة
2000 تحت عنوان “XXX”
حسب الخط الرئيسي للأفلام الثلاثة التي تم صنعها من هذا المسلسل السينمائي
فإن بطل الفيلم، إسكندر كايج، كان رياضياً قوي البنية يتم اختياره من قبل
الحكومة لمهام خطرة وخاصّة. العنوان الكامل للفيلم الجديد هو “XXX: The Return of Xander Cage”. والتصوير بعد شهرين من الآن.
جاك ريفيت عميد مخرجي فنيسيا
في حين أنه من الطبيعي وجود غالبية من المخرجين الشبّان ومتوسّطي
العمر من بين أصغرهم سنّاً المخرج المصري أحمد ماهر مشتركين في مسابقة
مهرجان فنيسيا السينمائي في دورته السادسة والستين، فإنه من الطبيعي في
المقابل أن يكون عدد المخرجين المخضرمين الذين تجاوزوا منتصف العمر ولو
أنهم لا زالوا نشطاء، قليلاً على نحو ملحوظ.
وكلّما ارتفعت سنوات الحياة لدى مخرج لا يزال قادراً على توفير الطاقة
البدنية والفكرية وعلى تأمين عناصر الإبداع الضرورية لعمله، كلّما زاد
الاهتمام به من قِبل النقاد لسببين: الأول لتاريخه المديد في السينما،
وثانياً لرغبتهم في معرفة ما الذي يريد أن يقوله هذا المخرج بعد كل هذه
السنوات؟
جاك ريفيت أكبر المخرجين المشتركين في دورة المهرجان الإيطالي هذا
العام. عمره 81 سنة وهو بذلك أصغر من رفيقيه ألان رينيه (87 سنة) وإريك
رمير (89 سنة) وكل من هؤلاء أصغر سنّاً من المعمر البرتغالي مانويل دي
أوليفييرا (100 سنة) وكل من أوليفييرا ورينيه قدّم فيلماً أخيرا له في إطار
مهرجان “كان” السينمائي الأخير. أما ريفيت فاختار لفيلمه الجديد “36 منظراً
لسان-لوب” مهرجان فينيسيا الذي سيستقبله مع أبطاله. وكعادة أعمال ريفيت
السابقة فإن الفيلم يدور حول الحياة الشخصية لفنان. فالفيلم يستعرض حياة
الروائي والموسيقار والكاتب المسرحي الفرنسي ريمون روسيل. لكن، وكعادة
أفلام ريفيت أيضاً، لا تعنيه الحياة الشخصية ولا السيرة التقليدية لمن
يختاره موضوعاً لفيلمه، بل يبحر من خلالها مواضيع تتعلّق بوجدانيات الحياة
وعواطف البشر وكيف أن العلاقات الاجتماعية هي أوهى من أن تحميها تلك
العواطف التي قد تتنازعها الرغبات.
في شبابه كان رييت ناقداً سينمائياً مولعاً بالأفلام حين بدأ الكتابة
في المجلة التي خرّجت كل هؤلاء وهي “كاييه دو سينما”. قبل ذلك كان وُلد في
سنة 1928في مدينة رووَن وانتقل إلى باريس حيث كتب النقد السينمائي في مجلة
“جازيت دو سينما” التي كان يديرها إربك رومير. حين أخذ يحقق أفلامه الأولى
من العام 1960 أبدى ميلا واضحاً نحو التجريبية كما لم يفعل أي من أترابه
إلى حين أخذ جان-لوك غودار، وفي أسلوبه ومنحاه الخاصّين، بتحقيق تلك
الأفلام ذات الهوية التجريبية بدورها.
في تلك الأثناء، كان نقاد السينما الفرنسية الأكثر شهرة والأقل ميولاً
للتغيير يعتبرون أن السينما الفرنسية هي سينما النوعية، أما الأمريكية فهي
سينما الترفيه والهزل والحركة. رييت كان من الذين سعوا لتبديل هذه النظرة:
هناك أفلام أمريكية كثيرة للترفيه والهزل والحركة، لكن ضمن هذه الأفلام
هناك أعمال جيدة ومنفّذة بأساليب فنية صارمة. في نطاق كتاباته عن هذا
الموضوع كشف، وزملاؤه، عن الخصائص الفنية المهمة لدى نيكولاس راي وهوارد
هوكس وجون فورد (في حين اتجه كلود شابرول وفرنسوا تروفو صوب تأكيد أهمية
ألفرد هيتشكوك).
ما بين العام 1958 والعام 1960 وقعت نقلة نوعية للسينما الفرنسية حين
أقدم أربعة من نقاد فرنسا على تحقيق أوّل أفلامهم. البادئ كان كلود شابرول
الذي أخرج “سيرج الجميل” سنة ،1958 تبعه رييت بفيلمه الجيّد “باريس تنتمي
لنا” ثم فرنسوا تروفو ب”النفخات الأربعمائة” سنة 1959 وبعد ذلك أقدم
جان-لوك غودار على إخراج فيلمه الأول “نفس لاهث”.
لكن فيلم رييت وصل آخراً إلى دور العرض لأنه لم يستطع تكملة فيلمه ذاك
لعدم وجود التمويل الكافي. وهو تأخر لاحقاً قبل أن ينجز فيلمه الثاني لذات
الأسباب، لكنه لم يضعف أمام التحديات وأنجز إلى الآن 34 فيلماً.
أوراق ناقد
حب السينما
م.ر
بعض المدوّنات السينمائية العربية التي يكتبها هواة يحبّون السينما
وينشغلون بها، والتي تتوزع عبر الفضاءات من المغرب إلى عُمان هذه الأيام
أفضل من بعض المدوّنات التي يشرف عليها محترفون في العملية الكتابية من
نقاد أو كتّاب سينما.
ولولا أن الأمر سيصبح نوعاً من الدعاية الشخصية التي لا أدري إذا كانت
مسموحة أم لا، لذكرت أسماء وعناوين بعض تلك المواقع التي يمكن للقارئ أن
يرتادها ليلتقي وأصحابها كما يلتقي وأصحابه في مقهى مفتوح. مواقع إماراتية،
وسعودية، ومصرية، ومغربية، وكويتية، ولبنانية.
ما يجعلها أفضل من مواقع لبعض المحترفين أنها تحمل حسّاً طازجاً تجاه
السينما. حبّاً جادّاً لما تعنيه ومعرفة ناتجة عن متابعة شاملة لا تعرف
المحاباة لكل ما هو سينما.
مشكلة بعضنا نحن النقاد أن حب السينما يختلف اليوم عما كان عليه، بل
إنّ بعضنا ما عاد يحبّها على الإطلاق بل يمارسها فقط. مثله في ذلك مثل صاحب
أي وظيفة يؤمّها لأن عليه أن يفعل ذلك والا لن يقبض راتبه نهاية الشهر. وهو
إذ يمارس ما يحبّه لا يستطيع أن يستمر بنفس الإنطلاقة التي بدأ بها مسيرته.
ولا بنفس الروح أو القدرة على الاكتشاف. وما يحدث في هذه الحالة هي أن
قناعاته المسبقة تستولي عليه ويصبح مقيّداً إليها، فلا شيء لافت ولا شيء
جديد ولا إبداع لا من عند السينما ولا من عنده.
من يحب السينما أو يحب المسرح أو الأدب أو الشعر أو أي شيء آخر، يحبّه
من دون شروط ولا شعور بالعجز واللامبالاة ويبقى على خشية من أن يسبقه أحد
إلى ما يحبّه او يجد نفسه أصبح متخلّفاً عن اللحاق به. يريد أن يعرف كل شيء
ولا يتوقّف عن المعرفة والعلم والتواصل هذه هي بعض ملامح ما نجده في هواة
السينما وجمهورها من دون أن يعني ذلك أن كل هؤلاء سيتابعون منوالهم هذا إلى
الأبد.
على أن ما هو مفقود في هذه الصورة مسألة بالغة الأهمية.
الهواية التي تسبح فوق الماء من دون أن تغوص فيها تبقى محدودة وغير
فاعلة. كبداية هي مهمّة وفي شتّى الأحوال هي أشبه بالبوصلة التي عليها أن
تقود المرء إلى اتجاهه الصحيح. لكن لا يمكن الوقوف عند تلك النقطة وحدها.
على من يود الاستمرار في حب السينما أن يغوص في أعماقها ويقلّب في تاريخها
وجوانبها ومختلف شؤونها. ليس أمراً هيّناً، لكن هذا الثمن الذي علينا أن
ندفعه.
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
30/08/2009 |