فئران المختبرات الأميركية
فيلم «غرفة الموت» وعلى غير المنتظر من أفلام الإثارة، جمع في طياته
أكثر من موضوع سياسي واجتماعي مثير للجدل، كالفقر والإرهاب. ومع سعة هذه
القضايا وأهميتها، لم يترك لها السيناريو سوى مساحة ضيقة لتتحرك وتتفاعل في
داخلها. أمتار قليلة هي مساحة الغرفة التي حولتها أجهزة المخابرات
الأميركية الى مختبر أجرت فيه تجارب نفسية على عينات من الناس، تعاملت معهم
وكأنهم فئران مخبرية لا كائنات بشرية.
النص المكتوب في مقدمة الشريط يوضح ان ثمة مشروعاً سرياً تشرف عليه
المخابرات الأميركية تحت اسم «أم كي»، يجري العمل بتكتم شديد فيه خوفا من
اطلاع وسائل الإعلام عليه ومن ردود فعل الناس السلبية، خصوصاً وان ثلاثة
رؤساء للإدارة الأميركية رفضوا المشروع سابقا، وان إدارة بوش اتخذت من
أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ذريعة لتمريره. المشروع أنيطت مسؤوليته
بالدكتور فيليبس (الممثل بيتر ستورماره) ونسبت له الطبيبة النفسية ايملي
رايلي (الممثلة شلوي سيفجي) ظهرت غاياته من اللقاء الأول: معرفة ردود أفعال
البشر حين يتعرضون لهجوم إرهابي مفاجئ، أو حين يؤخذون كرهائن ويحتجزون في
أماكن مغلقة، وكيف يتصرف كل منهم في مثل هذه الحالات، وتلمس الحدود الفاصلة
بين الخوف وحماية الذات، ليتسنى، وفق نظرية الدكتور فيليبس، اختيار الأشخاص
المؤهلين للتضحية بأنفسهم في سبيل وطنهم، أو بعبارة أدق كما قال لزميلته:
لاختيار الأشخاص لتحويل أجسادهم، من دون تردد، الى قنبلة موقوتة.
وللحصول على عينات حية للمشروع نشر أصحابه إعلانا في الصحف المحلية
طلبوا فيه، مقابل مبلغ مالي، من الراغبين المشاركة في بحثهم العلمي، كما
أدعوا، الحضور الى مكان محدد والإجابة عن الأسئلة التي تضمنتها قسيمة
الفحص، وهكذا أخفوا، كما هو واضح، الهدف الحقيقي من المشروع والطريقة التي
سيعاملون بها المشاركين في التجربة.
فئران بشرية
حين وصل المشاركون الأربعة (امرأة وثلاثة رجال بينهم شاب أسود) كان في
استقبالهم الدكتور فيليبس الذي أدخلهم مباشرة غرفة مطلية باللون الأبيض،
خالية من النوافذ عدا فتحات صغيرة بديلة عنها. كان فيليبس يعرف كل شيء
عنهم، اطلع على أدق تفاصيل حياتهم في الوقت الذي كانوا يجهلون هم كل شيء عن
مهمتهم. هذا التباين في المستوى، بين أبرياء لا يدركون المخاطر التي
تنتظرهم ورجل كان يعرف ماذا ينتظر فئران مختبره، يعبر بقوة عن البون الشاسع
بين الضحية والجلاد، بين البراءة والتخطيط الجهنمي. وفيما المشتركون
منغمسون في قراءة الأوراق والاجابة عن الأسئلة كانت الطبيبة النفسية، ومن
خلال أصوات المراقبين والحاسوب تعاين المشهد.
في هذه الأثناء يتقدم المشرف على المشروع من الشابة ويسألها عن اسمها،
وقبل ان تجيب يسحب مسدسه ويطلق عليها النار فيصاب الجميع بالذهول وينشل
تفكيرهم تماما. بعد لحظات من موتها أدركوا انهم وقعوا في فخ، وان مصيرهم
سيتقرر في هذه الغرفة المعزولة عن العالم. حركاتهم ورعبهم وردود أفعالهم
سيراقبها فيليبس والطبيبة النفسية بدقة وسيخزنها الحاسوب المتطور. لقد
تعمدوا قتل الشابة أولا كي يبدو للمشتركين وكأنهم وقعوا في فخ نصبته لهم
القاعدة. ازدادت قناعة الرجال الثلاثة بهذه الفكرة بعدما تعمد المسؤولون عن
المشروع تسريب أصوات لرجال عرب الغاية منها معرفة مدى رسوخ فكرة الارهاب في
ذهن الأميركي وارتباط حضوره العفوي بالاسلام. وبالفعل سيتوصل المشاركون الى
هذه النتيجة حين يعلن أحدهم ان الأصوات التي يسمعها ولا يفهم شيئاً منها،
ما هي الا أصوات مسلمين. فاللغة عند المواطن العادي صارت مربوطة بالدين
وليس بالناس الذين ينطقون بها، وهذه واحدة من المفارقات التي يقدمها الشريط
بشكل ذكي ومبطن، الى جانب اشتغال مخرجه يونتان ليبسمان على تبريز أدق
حركاتهم المدفوعة غريزياً بالخوف ونقل تعابير وجوههم الى الشاشة بشكل رائع.
فالغرفة المغلقة لا توفر لأي مخرج مجالا للحركة، لكن المصور الماهر هو من
يعوض المشاهد الخارجية المزدحمة بزخم التعبير والصور المقربة داخل الحيز
الضيق، طبعا الى جانب أهمية التمثيل.
قتل بطيء
المرحلة الثانية من الرعب ستأتي مع تنفيذ عملية القتل التدريجي.
فالمشروع وضع خطة لتصفية اثنين من الرجال والابقاء على واحد، هو في النهاية
خلاصة البحث أو ما يمكن وصفه، حسب رأيهم، بالبطل المستقبلي. ووفق ما كان
مخططا بدأ المشرفون بإرسال أسئلة عبر فتحات الجدار طالبين الاجابة عنها.
كان شرطهم واضحا: إذا فشل أحدهم في اجابته فسيكون مصيره الموت. وهكذا لم
يبق في النهاية سوى الشاب الأسود، الذي أراد فيليبس أن يكون المرشح الوحيد
لرجل المستقبل. الرجل الذي يملك الاستعداد بالتضحية بنفسه عندما يأتي
أوانها. هذا الوضع المخيف يوضح الى أي درجة وصل رجال المخابرات في تفكيرهم
وغلوائهم. فالذين يقتلونهم الآن هم أميركيون وليسوا عربا ولا مسلمين.
والحالة الافتراضية التي عاشها المشتركون توضح بدورها الرعب والبشاعة
اللذين يمارسهما الارهابيون ضد الأبرياء لحظة احتجازهم. في «غرفة الموت»
يتجسد مشهد الارهاب كاملا: ارهاب الدولة والمنظمات على السواء. أعمال يروح
ضحيتها أبرياء، هم في الغالب خارج اللعبة. لقد قدم المخرج عملا مثيرا،
اقترب من أفلام الرعب، ولكنه دخل في عمق مشكلات جدية. فعدا الارهاب هناك
جانب البؤس والفقر الذي يدفع الناس الى الاشتراك في اختبارات لا يعرفون
عنها شيئا. فالأشخاص الذين جاءوا الى غرفة الموت كانوا في عوز وحاجة الى
المال، الى عمل ينقذ وضعهم. أما لماذا اختير الشاب الأسود دون غيره فهذا
بدوره يطرح أكثر من سؤال منها: هل اختاره فيليبس لأنه ضعيف، مثلما تختار
القاعدة رجالها؟ هم أيضا يختارون المترددين من الشباب وأكثرهم ضعفا، أم
اختير لأنه كان يريد أن يكتسب موقعاً في ظل ضعف معارفه ومهارته؟ كل هذه
الاسئلة تحيلنا الى التفكير في طبيعة أرهاب الدولة الذي يغذي بدوره ارهاب
المنظمات، ويقدم لها خبرات جاهزة. غرفة الموت تطرح كل هذا بأسلوب سينمائي
نادر، اعتمد المخرج في توصيله على التعبير الجسدي والكادرات المقربة، التي
نقلت حالة الأبطال النفسية لحظة اقتراب الموت. وأفضل ما فيه انه لم يتعكز
على موضوع الارهاب، بل حاول ان يقدم اضاءة تساعد على فهم هذا الوعي الملتبس
الذي صارت دول ومنظمات متطرفة تتقاسم شروره.
12 مغامرة في فيلم واحد
12 دورة هي عدد الجولات التي خاضها المحقق ديفيد فيشر وهو يحاول انقاذ
زوجته من الموت الذي رسمه لها قاتل وارهابي أراد الانتقام لموت صديقته الذي
تسبب به المحقق أثناء مطاردته لهما قبل سنوات. ميزة هذا الشريط انه جمع 12
مغامرة في آن. تصورا درجة الاثارة عند المشاهد وهو يتابع مطاردة رجل الشرطة
لغريمه 12 مرة من دون انقطاع. وإذا كانت قصة واحدة تكفي لبناء شريط-
مغامرة، فلكم أن تتخيلوا حجم المغامرة في هذا العمل الذي بنى مخرجه ريلي
هارلين حبكته على موضوع استند على لعبة اختبار ذكاء بين ارهابي متمرس ومخطط
ذكي ( الممثل ايدان جيلين) ورجل شرطة أميركي (الممثل جون سينا) لا يقل ذكاء
ولا شجاعة عنه. ومن هنا فإن قوة شد الفيلم هي الميزة الأبرز فيه، وقوة
تنفيذ مشاهد المطاردات وتصادم العربات وعبور الجسور كلها نفذت بطريقة تجبر
المشاهد على متابعته. ولهذا لن نستغرب الاقبال الشديد عليه. فأفلام
المغامرات ممتعة خصوصاً لمن يحبها، و12 دورة مثال لهذا النوع. ولا يحتمل
الفيلم الكثير من التحليل، فعشاق هذا النوع من الأفلام لا يكترثون كثيراً
للنقد، وسوف يذهبون لمشاهدته في كل الأحول.
الأسبوعية العراقية في
06/09/2009 |