إلى أي اتجاه ذهب الكبار هذا العام عبر اعمالهم الدرامية الجديدة،
التي يتواصل
معها الجمهور هذه الايام خلال الدورة الرمضانية، ونخص الاعمال الدرامية
التي قدمها
الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا والفنانة الكبيرة سعاد عبدالله، واللذان
يذهبان
بعيدا في التصدي لعدد من القضايا الاجتماعية، ولسنا هنا بصدد
عقد مقارنات بين هذا
المنحى أو ذاك، ومستوى هذا الطرح أو ذاك، لاننا امام عملين يختلفان شكلا
ومضمونا...
من حيث الطروحات والقيم اللتين يؤكدان
عليها.
ولهذا سيكون حديثنا، حول المنظور الاجتماعي للاعمال التي قدمها هذا
الثنائي.
وفي المحطة الاولى نتوقف مع مسلسل «الحب الكبير» لنكتشف ومنذ اللحظة
الأولى، ان
الفنان عبدالحسين قادر على فعل ما يريد، خصوصا ان المادة الدرامية التي بين
يديه
تبدو (هشة)، ولكنه يعمل على اعادة تقديمها بأسلوبه الذي يمزج بين ما يريده
النص وما
يريده هو، وهو هنا يقوم بكم من الاجتهادات، التي تتجاوز حدود
النص، و(بحذف) كمية من
المقولات، التي تمارس لغة من الاسقاط سياسيا واجتماعيا...
فما هي الحكاية؟
عبدالحسين عبدالرضا بدور ناظر متقاعد، يعود لاسرته وحياته، ليكتشف بان
اسرته
تعاني من كم من المشاكل، وان الحوار بين افرادها يكاد يكون مقطوعا... وعليه
ان يوصل
ما قطع، ويعيد ما دمر من علاقات، وعلى الصعيد الشخصي، يكتشف انه نسي نفسه..
وعليه
هو الآخر، ان يعيش ما تبقى له من زمن.
وتأتي هذه الرغبات في مناخ من المفارقة، والمشاهد البسيطة، التي لا
يمكن تحميلها
ابعد من مضامينها... مكررين ان لاعمال عبدالحسين عبدالرضا خصوصيتها..
والمشاهدون
ينتظرون عودته... حتى لو كان يرتجل.. ولكن هذا لا يعني ان (نهمس) له وبمحبة
كبيرة،
ان عليه ان (يبحث) طويلا عن نصوص جديدة، سواء على صعيد
التلفزيون او المسرح، من اجل
مرحلة جديدة من مشواره... وتجربته.
ان المشكلة الاساسية، التي يعاني منها الفنان القدير عبدالحسين
عبدالرضا، ومنذ
فترة ليست بقصيرة، هي غياب النص القادر على تفجير قدراته واحاسيسه..
وامكاناته
الفنية الجبارة، بينما ما يقدم، لا يعدو عن كونه مجرد «نزهة»، رغم الجهود
الكبيرة
التي يقوم بها، لاحياء وترميم هذا النص او ذاك، وهذه الشخصية
او تلك.
كما ان علينا ألا نلقي بكل اللوم على الفنان القدير عبدالحسين
عبدالرضا، لانه
ليس وحده الذي يعاني من اشكالية وجود النص، وقيمته، واهميته.
ورغم ذلك، يظل الموعد الرمضاني للتواصل مع الفنان عبدالحسين عبدالرضا
وجديده،
موعدا محببا، ومفضلا حتى وان اختلفنا حول الشكل والمضمون، لان حضور
«بوعدنان» هو
الشكل والمضمون.
اهم ما في هذه التجربة، مبادرته في الاقتراب من جيل الشباب، ولو
تأملوا قائمة
الاسماء التي تحيط به، ستكتشفون أن الفنان عبدالحسين عبدالرضا يقفز الى
مرحلة جديدة
والى جيل جديد من اجيال الحرفة الفنية، ورائع ان يمارس فنان بمكانة وقيمة
عبدالحسين
عبدالرضا لغة العبور بين الاجيال.
وحول المضامين والطروحات، نعود في محطة لاحقة.
وننتقل الى الفنانة الكبيرة سعاد عبدالله في تجربتها الجديدة مع «أم
البنات»
تأليف هبة مشاري حمادة واخراج عارف الطويل.
واذا كان عبدالحسين عبدالرضا، قد ذهب الى موضوع وقضية تبدو بها مساحة
من
الخصوصية، فنحن مع سعاد عبدالله امام موضوع محوري شمولي وان كانت الكتلة
الاهم في
هذه التجربة هي «المرأة».
>
فأي امرأة تغني؟
<
إنها ليست «شريفة» وحدها، بل شرفها وبناتها وكل البنات
والنساء، كل منهن
ترى نفسها «بشكل او بآخر» في تلك الشخصيات التي نثرتها «هبة حمادة» وكأنها
تنصب
الينا (الفخاخ).
في «أم البنات» سكين ومشرط والم وجرح وصديد، وفي «أم البنات» طرح
اجتماعي يمتاز
بالشفافية العالية.
وفي «أم البنات» احداث نعيشها، نعرفها، نحسها، ان لم تكن هنا فهناك،
وان لم تكن
في هذا البيت فعند الجيران.
انها كل القضايا، التسلط والمجتمع، التربية والعلاقات الاجتماعية،
الحوار بين
الاجيال، الانفتاح، قبول الاخر، المرأة والرجل، وقبل كل هذا وذاك، ان هذا
العمل
لايقدم المرأة، او البنت، على انها بنت كويتية، بل هي ابعد، خليجية،
وعربية،
وشمولية.
لان المعاناة غير ومشتركة والقضايا تبدو مشتركة، والالم ذات الالم،
والورطة ذات
الورطة.
في «ام البنات» شخصيات بنيت باحتراف، وتم مزجها باحتراف اكبر، وعبر
كوادر فنية،
استوعبت تلك الشخصيات، بنسب متفاوته، وقدمها بحضور سخي وعامرة بالتفاعلات.
كمية من الشخصيات والخيوط والاحداث والعلاقات تم التمهيد لها،
والتحضير لها،
ليسحب المشاهد الى ورطة المشاهدة، وهي ورطة ممتعة، حتى وان كانت مقرونة
بالالم..
والمعاناة..
وفي «ام البنات» هنالك فرق كبير بين حضور العمل والفعل الدرامي، وحضور
النجم
وسطوته وسيطرته.
ففي «الحب الكبير» حينما يغيب عبدالحسين عبدالرضا يختل المشهد ونشعر
بأننا جئنا
لمشاهدة عبدالحسين رغم الاحترام للاخرين... وهنا تبرز اهمية النص وبناء
الشخصيات.
وفي «ام البنات» الثقل للعمل كافة.. نص.. وشخصيات.. واحداث.. واخراج..
وتمثيل..
وان ظلت شخصية «شريفة» تمثل ثقلا واضحا، عبر ذلك الاداء، والتنامي في
الشخصية، من
ام وزوجته مطيعة الى انسانة تبحث عن قدرها.. ومستقبلها.. ومستقبل بناتها،
وهي امام
تحديات جسام، تتطلب لياقة عالية في الانتقال بالشخصية من حالة درامية الى
اخر اكثر
مقدرة على المواجهة، فمن الضعف والخنوع والاستسلام الى الارادة.. والقوة..
والتحدي.. والكينونة.
عمل درامي يدعونا لان نكون..
كل شخصياته تبدو متوثبة قلقة.. حائرة.. طموحة.. تبحث عن شرارة التوقد..
والتفجر.. وارادة التحدي..
وهذا ما يكون..
ويبقى ان نقول..
انها القراءة الاولى.. لاعمال ونتاجات تستحق منا اكثر من وقفة..
وقراءة..
النهار الكويتية في
12/09/2009 |