لا شك أن الشقيقين كاتب السيناريو يوسف إبراهيم والمخرج عمر إبراهيم،
يعتبران من أهم المكاسب التي أفرزتها التظاهرات السينمائية خلال السنوات
الماضية، بدءا بمسابقة أفلام من الإمارات ومرورا بمهرجان دبي السينمائي
والخليج السينمائي، حيث استطاعت هذه الفعاليات الكشف عن مواهب محلية شابة
مسكونة بهاجس تحقيق قفزات فنية في مجال السينما والدراما التلفزيونية.
وإذا كان هناك سبق ليوسف من الناحية الدرامية، لعرض مسلسله «نص درزن»
للفنانة سميرة احمد العام الماضي، فإن فرصة عمر كمخرج دراما أعطته تميزا
كونه المخرج الإماراتي الوحيد لهذا الموسم الرمضاني بمسلسل «حنة ورنة»، وفي
لقاء خاص ل«الحواس الخمس» معهما للاقتراب من هذه التجربة، بما لها وما
عليها كان الحوار التالي.. كيف تقيم تجربتك التلفزيونية من خلال كونك بدأت
أولا الكتابة للسينما؟يوسف إبراهيم: تعتبر مرحلة مسابقة أفلام من الإمارات
هي البدايات التي كونت ما أنا عليه الآن سينمائيا، أما حاليا فأمرّ بتجربة
التعلم في عالم الدراما التلفزيونية، وقد تستغرق هذه الفترة العديد من
السنوات للنضج والاحتراف حتى أتمكن من أدوات الدراما التلفزيونية بشكل
مكتمل، ومع تجربتي الثانية «حنة ورنة» عرفت أن هناك اختلافا كبيرا بين
الكتابة للسينما والشاشة الصغيرة.
ومع الوقت بدأت الخبرة تتبلور أكثر، خصوصا عندما خرجت من العمل مع
التلفزيون بقناعة أنني سينمائي حتى النخاع، وأن حماسي له أقل فهو بالنسبة
لي شيء عارض، ولاتزال لدي الرغبة في كتابة أعمال سينمائية بين قصيرة وطويلة
بنفس الروح التي كنت ولا أزال عليها.وهل (نفسك) في الكتابة للتلفزيون مختلف
عنه في الكتابة للسينما؟من المؤكد أن اختلاف طبيعتهما هو الذي يفرض علي
فنيا التعامل معهما بنفس مختلف، في الإيقاع وحتى في التفكير، والكتابة
للتليفزيون تأخذ وقتا أطول رغم أنها أسهل لأن السينما تحتاج إلى عملية
تكثيف.ما الفرق من وجهة نظرك بين كتابتك لمسلسل «نص درزن» و «حنة ورنة»؟
هناك فرق كبير، العمل الأول درامي اجتماعي تلفزيوني بحت، أما الثاني
كوميدي يعتمد على أسلوب الست كوم بشكل كلاسيكي، واستخدمت فيه تقنيات
الكتابة السينمائية بأسلوب أكثر، لأصل بأفكاره بشكل مباشر إلى الجمهور،
واعتقد أن الكوميديا تكشف الكاتب والمخرج وأيضا الممثلين لأنها من أصعب
الفنون، وبالتالي أعرف أن هذه التجربة مرصودة ومرددوها سيتفاوت لدى
المتلقين.
·
دعنا نعرف هذا الفرق من المخرج،
هل تعاملت مع النص المكتوب بمنطق التلفزيون أم السينما؟
عمر إبراهيم مخرج مسلسل «حنة ورنة»: بالفعل عندما قرأت العمل، رأيت
أنه ليس 30 حلقة، بل 30 فيلما في عمل واحد، وهذا دفعني للتعامل في بعض
حلقاته بتكنيك السينما، سواء على مستوى الممثل أو حركة الكاميرا، ومنذ
اللحظة الأولى تعاملت مع الموضوع دراميا، فنحن لا نقدم سينما في ثوب
تلفزيوني، بل أحيانا الطبع يغلب التطبع ويحرضك علي التعامل مع بعض الأشياء
سينمائيا، لكنني حافظت على أن يكون العمل بكامله تلفزيونيا.
·
هل إخراج العمل الكوميدي أصعب من
التراجيدي؟
لم أقدم دراما تراجيدية من قبل، لكني أعتقد أن الكوميديا أصعب بكثير،
الدراما الحزينة لها مفرداتها ومؤثراتها التي يمكن جلب الدموع من خلالها،
أما الكوميديا فتحتاج إلى مجهود كبير لتخرج عفوية وتؤدي إلى الضحك، وأعتقد
أن المخرج الذي يبدع في الكوميديا بعد عدة أعمال يصبح متمكنا وقويا.
·
ما مدى استفادتك من إخراج
البرامج في تجربتك الأولى دراميا؟
إخراج البرامج التلفزيونية يعطيك وينمي فيك روح القيادة، خصوصا أن أي
برنامج صغير ينفذ يحتاج إلي عدد كبير من الأشخاص، ويظهر نجاح البرنامج من
خلال مقدرتك على القيادة وتوظيف الآخرين من أجل ذلك، لكن يبقى في النهاية
الاختلاف واضحا بين إخراج البرامج والمسلسلات.
·
نعود إلى يوسف، في كتاباتك
الدرامية كما في أفلامك من الواضح أنك أخذت على عاتقك مهمة تعريف الآخر
بالبيئة المحلية الإماراتية، كيف ترى ذلك؟
السينما في الأساس هي تسجيل اللحظة، وهذا ما أتعمده عند تناولي
لموضوعاتي أن أحدد الفترة الزمنية للعمل وأبدأ في استجلاب كل مفرداتها
لأنقل بأمانة إلى الناس مراحل عاشها البعض ولم يدركها آخرون، تماما مثلما
حدث في مسلسل «حنة ورنة» الذي يدور في فترة الستينات، من خلال منطقة أو
«فريج»، ورصدت ما الذي يمكن أن يدور في الحياة اليومية، وركزت على تفاصيل
الملابس والأكل وطريقة التعامل وما الذي يمكن أن يتأثروا به، وما الذي يؤثر
فيهم، وشكل البيوت والبحر القريب منهم، وأشياء كثيرة تعمدت نقلها للأجيال
الجديدة ليتعرفوا على مراحل زمنية أخذت طريقها إلى عالم النسيان.
·
من وجهة نظر الإخراج، هل هذه
النوعية من الأعمال مكلفة إنتاجيا أم يلجأ إليها صناع الدراما لسهولة
تنفيذها ورخصها؟
عمر: على العكس، هذه الأعمال أكبر من حيث الميزانية، أولا لإقامة
منطقة تشبه المرحلة الزمنية المقصودة، ثانيا لأن لديك مفردات كثيرة مثل
الأثاث في البيوت والشوارع والمجالس والملابس والإكسسوارات، وكل ما يعطيك
الانطباع عن هذه الفترة.
·
وهل هذه المراحل الزمنية تجد
إقبالا من المشاهدين؟
خلال السنوات الماضية، وجدنا أن الجمهور متعطش لهذه النوعية من
الأعمال، حيث بدأ مع مسلسل «الفرية» لحياة الفهد، ولا يزال لديه اللهفة
لمعرفة المزيد عن هذه المراحل التي لم يرها الجيل الجديد، كما أن الفرق
يكمن في الحكاية، ماذا تقول ومن يقدمها حتى يتم متابعتها، وهناك أعمال
معاصرة لا تشد المشاهد ولا يتفاعل معها.
·
بالنسبة لكاتب النص، ما الذي
يثير اهتمامه أكثر، نقل التراث أم التركيز على الكوميديا باعتبارها توجها
لعمل مثل «حنة ورنة»؟
يوسف إبراهيم: كان اهتمامي الأول منصبا على الكوميديا، وهذا ليس عيبا،
حتى لو اضطررنا إلى الخروج عن النمط التراثي من أجل التخديم على موقف ضاحك،
ولأن هذه هي المرة الأولى لي في الكتابة الكوميدية، فكانت التجربة ممتعة،
لاسيما أن من أجمل الأشياء التي أحبها في الحياة أن يقول شخصا نكته جميلة،
دون إسفاف أو يكون وراءها مغزى أو معنى فلسفي، وبالفعل يمكن القول إنني
اعتمدت على كوميديا الموقف من خلال نكهة تراثية تكرس لحقبة الستينات.
·
رزيقة الطارش أو «حلوم» في
المسلسل، هل هي شخصية موجودة في المجتمع الإماراتي حاليا أم لا؟
أتوقع أنها ما زالت موجودة وبتفاصيل مختلفة نتيجة البيئة ومشاكل
الحياة، ربما تعيش الآن في شقة أو في جزيرة النخلة، لكنها تبقى في النهاية
هي حلوم.
·
كيف تم الاتفاق على اختيار رزيقة
طارش لتكون حلوم؟
يبادر عمر إبراهيم بالإجابة قائلا: في البداية كانت هناك شخصيات
أساسية للعمل متمثلة في مروان عبد الله وسعيد بتيجا وعلي التميمي، وطبعا
قبلهم رزيقة طارش، وتم الاتفاق مع يوسف على كتابة نص خصيصا لهم، أو بالمعنى
المعروف تفصيل أدوار على مقاسهم، ورغم عيوب ومميزات هذه التجربة، نجح يوسف
في صنع توليفة تتماشى مع تركيبة كل ممثل حيث تفاعلوا معها وأضافت لهم رصيدا
لدى الجمهور.
·
ما سبب تغير عنوان المسلسل من «حلوم
أم علوم» إلى «حنة ورنة»؟
يعترف يوسف إبراهيم بأن جهة الإنتاج والمخرج هما من قاموا بالتغيير
ويوجه لهم هذا السؤال، وهنا يتدخل المخرج عمر إبراهيم قائلا: العمل في
بدايته كان مأخوذا عن مسلسل إذاعي يحمل الاسم ذاته، فشخصية حلوم هي المحور
الأساسي وأم العلوم كانت تعني العارفة بكل الأمور أو كما يقول المثل «عند
جهينة الخبر اليقين».
وصاحب هذا العمل هو المنتج المنفذ خميس إسماعيل، وعندما أسند إلى يوسف
إعادة كتابة النص مرة أخرى، قام بتغيير كل شيء، مع الاحتفاظ بشخصيتي حلوم
وعنتر، وبالتالي كان من الضروري حسب ما رأى صاحب النص الأصلي، تغيير
العنوان ليتماشى مع مضمونه الجديد، الذي ليس له علاقة شكلا ومضمونا مع
العمل الإذاعي السابق.
·
لماذا توجد ملاحظات على مستوى
«حنة ورنة» فنيا، فالبعض يرى أن هناك تذبذبا حيث نشاهد حلقات جيدة وأخرى
ضعيفة؟
عمر إبراهيم: هذا أول عمل لي مع الدراما كمخرج، والطبيعي أن يكون هناك
بعض الأخطاء وأحاول الاستفادة منها، تماما مثلما تدفعك بعض المشاهد الأخرى
للإبداع من ناحية التصوير أو التمثيل، وأراهن ألا يشمل هذا الاتهام أعمالا
درامية أخرى، من المؤكد أن جميع الحلقات لن تكون على المستوى نفسه بل تتعرض
إلى الصعود والهبوط، مع الوضع في الاعتبار أنه لا يحتوي مسلسل «حنة ورنة»
على أي حشو، فالمشاهد مركبة بطريقة سينمائية وسريعة، وهدفها المتعة ورسم
الابتسامة على وجه المتفرجين.
·
كونك مخرجا تعمل في مؤسسة دبي
للإعلام، كيف تقيّم مجهودها لتطوير الدراما المحلية؟
الحمد لله علاقة مؤسسة دبي للإعلام مع الدراما المحلية تسير في اتجاه
الدفع دوما لتطويرها، وجاءت جائزة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
للدراما الرمضانية، أكبر دليل على أن هناك ثقة فيما يتم تقديمه والتعامل
معه، وهذا يجعلنا نشعر بالفرص الكبيرة التي نأخذها، وأعترف بأنني قد أكون
لست أفضل أبناء جيلي إبداعا لكنني أكثرهم حظا، وأحاول الاستفادة لتأكيد ذلك
بالجهد والمثابرة.
وأعتقد أن وضع الدراما الإماراتية سيختلف بعد عشر سنوات سواء من حيث
الكم أو النوع، وقبل خمس سنوات كان هناك عمل واحد محلي يعرض أما الآن اختلف
الأمر والتنافس يشمل 5 أو 6 أعمال، والجديد أن الفرص تمنح للشباب وفي كل
المجالات لتحريك الراكد منذ أعوام.
البيان الإماراتية في
14/09/2009 |