مواسم هي السينما في مصر، صيفها يانع وشتاؤها قانع وخريفها متواضع
وربيعها مزهر، تتناثر المواسم وتتلاحق مبتعدة عن الصيف تدريجيا بعد ان بات
ينكمش زمنيا لصالح شهر رمضان الكريم، الذي ينحر الصيف من آخره، فيضطر
المنتجون والموزعون الى الاستعانة بمواسم أخرى.
موسم عيد الفطر دوما يعده المنتجون ملحقا للموسم الصيفي، يستدركون فيه
ما فاتهم في الصيف المزدحم(عرض هذا الصيف 14 شريطا)، والذي لا يتسع الا
لكبار النجوم.
غير ان العيد هذا العام حوصر سينمائيا بأنفلوانزا الخنازير وبالرقابة
معا. الفيروس اللعين بات يخيف الناس حقا في مصر من التجمعات الكبيرة، ودور
السينما والمسارح والمقاهي، في طليعة التجمعات التي تحذر منها وزارة الصحة
المصرية هذه الأيام، خشية تفشي الفيروس الذي اصاب أكثر من 900 مصري الى
اليوم.
بعض دور العرض السينمائية في مصر لجأت الى تعميم ارتداء الكمامة
الواقية من تفشي العدوى، وبعضها الآخر «تركها على الله». فالمصريون لم
يألفوا بعد حياة الكمامات الواقية، والفرجة السينمائية لم تنسجم بعد في
رأيهم وفيروس الانفلوانزا.
الرقابة على المصنفات الفنية من جانبها أكملت الحصار على هذا الموسم
البائس، فمن بين ستة أشرطة تعرض هذه الأيام ضمن موسم عيد الفطر مرت ثلاثة
أشرطة بأزمات رقابية متوسطة وحادة قبل ان تجد طريقها الى دور العرض.
[الديكتاتور
ففي قراءة متفحصة للأشرطة التي بدأ عرضها في سباق عيد الفطر هذا العام
، نجد أن الشريط الأول يناقش ديكتاتورية بعض الحكام العرب فيما يناقش
الشريط الثانى بطش وجبروت بعض رجال الشرطة في حين يناقش الشريط الثالث
المغامرات الخاصة والمجنونة لواحدة من أشهر الشخصيات العالمية الشهيرة ـ
الأميرة الراحلة ديانا سبنسر ـ في ما نجد الأشرطة الثلاثة الأخرى تدور في
فلك أخر يختلف تماما عن الأشرطة الأولى.
الشريط الأول يتصدى لمناقشة ديكتاتورية بعض الحكام في العالم الثالث
هو «بمبوزيا» واسمه المعدل هو «الديكتاتور»، حيث تدور أحداثه في أطار سياسي
ساخر حول رئيس جمهورية افتراضية تسمى بمبوزيا، تقع بالطبع ضمن العالم
الثالث.. وهذا الحاكم يتسم نظامه بالبطش بمن يرفض أو يعترض على أي أمر من
أوامره، ولهذا يخشاه الجميع بسبب ديكتاتوريته الشديدة إلى أن تقع مفاجأة
عنيفة تقلب الامور رأساً على عقب.
يحيلك الشريط مباشرة الى مجموعة من الوجوه المعروفة في التاريخ قديمه
وحديثه، من هتلر الى صدام حسين مرورا بجوزيف ستالين .
الشريط إنتاج وليد صبري وتأليف وأخراج إيهاب لمعي وسيناريو وحوار
ميشيل نبيل وبطولة مايا نصري وخالد سرحان وحسن حسني وعزت ابوعوف ومحمد شرف.
وواجه هذا الشريط مجموعة من الأزمات العنيفة مع الرقابة، والطريف ان
الرقابة ذاتها والتي يرأسها الناقد علي ابو شادي منذ أكثر من ثلاث سنوات،
سمحت بأشرطة قبل ذلك أكثر حدة في نفس السياق، كما ان موقفها ينطوي على
نوايا غير مفهومة، او بتعبير أدق فهم خطأ تماما لنوايا صناع الشريط.. وتم
السماح بعرض (الديكتاتور) بعد حذف مجموعة من مشاهده والاسقاطات التي
تضمنها.
[عزبة أدم
أما الشريط الثاني والذي يتناول بطش وجبروت بعض رجال الشرطة الذين
يستغلون مناصبهم في ارهاب الناس وفرض الأتاوات عليهم والحصول على رشاوى
صريحة ومباشرة فهو شريط «عزبة أدم» بطولة محمود ياسين وفتحي عبد الوهاب
ودنيا سمير غانم وماجد الكدواني وهالة فاخر واحمد عزمي سيناريو وحوار
د.محمد سليمان واخراج محمود كامل .
تدور أحداث الشريط حول أحد ضباط الشرطة الكبار الذى يسعى لفرض نفوذه
وسيطرته على الصيادين والعمال البسطاء والمعدمين، والحصول منهم على رشاوى.
وأدى هذا السياق الذي اثار تخوف الرقابة ايضا، الى إحالة الشريط
لوزارة الداخلية المصرية من قبل الرقابة، والطريف الذي يثبت ان الرقابة
أحيانا تكون «ملكية أكثر من الملك»، ان الداخلية لم تضع على الشريط أية
ملاحظات ولا طلبت اية محذوفات منه، وهي ليست الواقعة الأولى.
الرقابة سبق لها قبل عامين ان أرسلت بشريط «هي فوضى» آخر أشرطة شيخ
المخرجين العرب الراحل يوسف شاهين، الى وزارة الداخلية ولاسباب مشابهة،
واتخذت الداخلية ذات الموقف، وارسلت تتنصل من هذا النموذج من أمناء الشرطة
الذي جسده خالد صالح في الشريط، الى الرقابة مطالبة بعرض الشريط كاملا
لكشفه وفضحه.
[ديانا والدغيدي
غابت المخرجة المصرية الشهيرة ايناس الدغيدي عن السينما سنوات، وظن
البعض انها اعتزلت العمل السينمائي تحت وطأة الهجوم المستمر على اشرطتها،
وملاحقتها قضائيا في الكثير من الدعاوى، غير انها اختارت هذه المرة ان تعود
وبصورة لم يتوقعها خصومها ومحبوها على السواء!
الشريط الثالث على شاشة العيد ممهور بإمضاء ايناس الدغيدي، وهو واجه
أيضا مشاكل رقابية بسبب جرعة الجنس الزائدة ضمن أحداثه، واسمه «مجنون
أميرة».
والشريط يناقش بشكل مثير للغاية المغامرات الحميمية للأميرة الراحلة
ديانا سواء مع دودي الفايد ـ نجل الملياردير المصري الشهير ـ أو غيره، ولكن
الأسماء هنا متغيرة دائما، والمعالجة كلها في اطار فانتازي وليس كما توقع
الناس ان يكون الشريط تسجيلا للسيرة الذاتية للاميرة ديانا سبنسر.
الغريب ان الرقابة تعاطت مع الشريط وكأنه عن سيرة ديانا الذاتية،
متأثرة بما نشرته مواقع الانترنت مسبقا، من دون ان يشاهد مدونوها وزوارها
مشهدا واحدا من الشريط، فواجه تعنتا رقايبا، ومر من عنق زجاجة.
كتب السيناريو والحوار لهذا الشريط مصطفى محرم وشارك في بطولته نورا
رحال وتامر هجرس ومصطفى هريدي وأنعام الجريتلي وهياتم.
[للتسلية فقط
وبخلاف هذه الأشرطة الثلاثة نجد الأشرطة الثلاثة الأخرى لم تواجه أية
أزمات مع الرقابة على المصنفات الفنية .
لم تعترض على أي مشهد من أي شريط من هذه الاشرطة، ولافت للنظر انها
جميعا تندرج تحت نوعية أشرطة معروفة من قديم، لا تهدف سوى الى تسلية
المشاهدين في موسم العيد بجرعة مكثفة من الرقص والضحك والغناء والجنس في
خلطة شعبية لا تقول جديدا.
وأول هذه الأشرطة يحمل عنوان «فخفخينا» تأليف أحمد عبدالسلام وإخراج
إبراهيم عفيفي وبطولة رانيا يوسف وياسمين جمال ونور قدري ولاعب الكرة شريف
عبد المنعم ويوسف شعبان، والوجوه الشابة أحمد تهامي وإيمان رجائي وأحمد
جمال، ويدور موضوعه حول رجل أعمال كبير يقرر تبّني قضايا الشباب ومحاولة حل
مشاكلهم وأزماتهم بإقامة مشاريع كبرى لهم وحث رجال الأعمال الأخرين على
ضرورة القيام بنفس الدور.
أما الشريط الرابع الذي يتم عرضه في السباق فهو «الحكاية فيها منة»
بطولة المطرب الشاب إيساف وبشرى وسيناريو وحوار محمد عبد الحافظ وإخراج
ألفت عمر وتدور أحداثه حول شاب ـ ايساف ـ يسعى لدخول كلية الاقتصاد والعلوم
السياسية لتحقيق حلمه في أن يصبح سياسياً كبيراً إلا أن والده الذى يعمل
حلاقا يعترض طريقه ويقف في طريق حلمه ويلتقى بفتاة جميلة «بشرى»، والتي
تترك أهلها لبعض الظروف العائلية وتنشأ بينهما قصة حب نتيجة لتشابه ظروفهما
الاجتماعية.
الشريط السادس والأخير الذى يدخل سباق هذا العام هو «إبقى قابلني»
تأليف هيثم وحيد وسيد السبكي ومن أخراج إسماعيل فاروق وبطولة سعد الصغير
وأميرة فتحي وحسن حسني ومها أحمد ومحمد لطفي وعلاء مرسى وسليمان عيد
والراقصة شمس.
تدور أحداث الشريط في أطار كوميدي خفيف حول جمعية تحمل اسم «البعد عن
الجريمة» تسعى إلى مساعدة تشغيل خريجي السجون على الالتحاق بأعمال محترمة
وشريفة ومحاولة تغيير نظرة المجتمع لخريجي السجون وفتح صفحة جديدة معهم،
إلا أن القائمين على الجمعية يفشلون في تشغيلهم مما يدفع هؤلاء المسجونين
للعودة للجريمة مرة ثانية وتتوالى الأحداث.
موسم لا يعد محبي السينما المثيرة للأفكار والخيال بشيء، ولا يقدم
لعشاق الفن السابع جديدا. يترنح الموسم بين رقابة فاجأت الجميع بضيق أفقها
بعد ان شهدوا لها باتساعه في السنين الماضية، وفيروس بات يخيف الناس من
التجمعات الجميلة حول شريط سينما او مسرحية.
وعلى قدر هذه الصعوبات لم تجد مخيلات المؤلفين بالوصول الى شيء ذي
بال، ولم يهتم منتج بأن يقدم للجمهور والنقاد شريطا فارقا. اهتم هؤلاء فقط
باغتنام موسم ابتعد عنه كبار الكتاب وكبار النجوم لتقديم بضاعة سينمائية
رديئة المستوى، ومتوسطة في احسن الاحوال.
المستقبل اللبنانية في
27/09/2009 |