أقل ما يقال عن النجمة الأميركية ميريل ستريب، انها نجمة لا تشبع من
الجوائز،
وهي من أجل تلك الجوائز تذهب بعيداً من تجسيد حالة الاقتدار
الفني (الصعب المنال)
عبر اختياراتها الفنية العالية وأدائها المذهل المشبع بمفردات الابداع
والتميز
وأيضاً التقمص الذي يصل الى حد التساؤل، هل ما نشاهده جزءاً من الواقع، أو
هو
الواقع بعينه.. هكذا هي ميريل ستريب، التي رغم مكانتها
وقيمتها، الا انها تظل حريصة
كل الحرص على ان تعيش حياتها، بعيداً عن الصيغ الهوليوودية الاستهلاكية
والأضواء
الزائفة، فهي لا تظهر في المناسبات العامة، وتعيش حياتها ببساطة متناهية،
وتتنقل
متجاوزة أكوام المصورين الفضوليين لتمارس حياتها اليومية.
وبعيداً عن كل ذلك...
نذهب الى ذلك الاقتدار المجلجل.. والابداع الفني..
والاحتراف المقرون بالاحترام للذات والحرفة والمشاهد..
حينما سأل روبرت
دونيرو عن نجمته المفضلة قال:
-
ميريل ستريب.
وأكمل: وبعدها تضع
نقطة.
ممثلة تحضر لدورها عاماً كاملاً، تعيش الشخصية بجميع تفاصيلها
وجزئياتها، بالذات، على صعيد اللكنة واللهجة، أما الأداء
التعبيري فحدث ولا حرج،
حيث المقدرة على الانتقال بين الحالات الدرامية بخصوبة عالية
المستوى.
وللاشارة قبل الانطلاق، نشير الى ان ميريل ستريب ترشحت للأوسكار 15
مرة، وفازت بالجائزة مرتين، وترشحت لجائزة الغولدن غلوب 16
مرة، وهي النجمة الوحيدة
التي فازت 6 مرات متتالية بجائزة اختيار الجماهير التي تتم بواسطة الاقتراح
الهاتفي
في الولايات المتحدة الأميركية.
انها وحسب رأي أهم نقاد السينما العالمية،
أهم ممثلة حية في تاريخ السينما الأميركية.
ولدت ميريل، تحت اسم «ماري لويس
ستريب» في مدينة سوميت في ولاية نيوجرسي عام 1949، والدها كان صيدلياً،
وأمها فنانة
تشكيلية...
درست ميريل في جامعة «فاسار» في نيوجيرسي، وتخرجت منها، وكانت في
بداية حياتها تسعى الى الفنون الأوبرالية، بل انها تلقت عدداً
من الدروس والتدريبات
الصوتية، ولكنها لم تجد الدعم، ولهذا بدأت توجه طاقتها الى الفنون
الدرامية،
والتمثيل ولهذا اتجهت لدراسة التمثيل في جامعة «يال».
وتأتي المحطة
السينمائية الاولى مع فيلم «جوليا» عام 1977، والذي ساهم في ان تستحوذ على
الانتباه، وتشغل النقاد بكتاباتهم التي بلغت حدود الغزل
بموهبتها وحرفتها وفهمها
للشخصية.
وسرعان ما رشحها روبرت دونيرو للوقوف امامه في فيلم «صائد الغزلان»
مع المخرج مايكل كيمينو. ويومها ورغم صغر الدور، ترشحت للاوسكار للمرة
الاولى وهي
لاتزال لم تقدم سوى فيلمين، فأي انجاز واي مقدرة، بل واي تحد للذات.
وتتذكر
ميريل:
كنت مخطوبة الى جون كازال، الذي كان قد عرف بعد ان شارك في «العرب»
وهو من قدمني الى روبرت دونيرو، ويومها شاركت جيمس في، «صائد الغزلان» بدعم
من
روبرت الذي بات احد اصدقائي البارزين.
ولكن فرحة ميريل لم تستمر، فقد داهم
مرض سرطان العظام خطيبها جون كازال، وسرعان ما توفي في نهاية ذلك العام،
مما جعلها
تعيش حالة من الحزن... ولكن انشغالها بأعمالها جعلها تبتعد عن الحزن، حيث
ارهقت
نفسها بالعمل.. والسينما.
وفي عام 1979 يأتي فيلم «كرايمر ضد كرايمر» اما
دستين هوفمان، حيث تقمصت دور زوجة وأم تتصارع مع زوجها من اجل الحصول على
رعاية
ابنها وحضانته.
في ذلك الفيلم كانت تعلم جيدا، بأن العالم سيشاهدها لانها
تقف امام دستين هوفمان، وان عليها ان تبلغ مرحلة عالية من التحدي، وكان لها
ما
ارادت حيث فازت بأوسكارها الاول كأفضل ممثلة... وكأنها تقول لهوليوود:
«انا
الممثلة وليس غيري».
ويؤكد نقاد السينما الاميركية، ان مرحلة الثمانينيات من
القرن الماضي تؤكد بأن ميريل هي نجمتها، بل تلك المرحلة تمثل المرحلة
الذهبية في
مسيرتها، فقد ترشحت «6» مرات للاوسكار، وهذا بحد ذاته انجاز غير مسبوق.
كل
فيلم من افلام ميريل ستريب يعتبر تحفة سينمائية عالية الجودة،
ومن تلك التحف نورد
افراد «زوجة الضابط الفرنسي 1981»، اختيار صوفي 1982 وعنه فازت بالاوسكار
للمرة
الثانية، ثم تأتي افلام «سيلكوود» 1983 و«خارج افريقيا» 1985 وهذا العمل
يمثل تحفة
سينمائية من الطراز الاول اخرجها سيدني بولاك.
ومن اعمالها الخالدة «صرخة في
الظلام» و«العشب الحديدي» امام النجم القدير جاك نيكلسون.
ويمضي الزمن...
وتدخل هوليوود مرحلة جديدة من تاريخها، حيث
تغرق هوليوود في افلام المغامرات وايضا
افلام الشباب، ولأنها لا تنتمى الى تلك الاتجاهات فإنها تبتعد
قليلا، لتعيش عمرها،
وايضا تختار نتاجات سينمائية توازي المرحلة العمرية التي تنتمي إليها.
ويقدم
لها المخرج والنجم الكبير كلينت اسيتوود تحفة اخرى بعنوان «جسور ماديسون
كونتي»
فيلم رائع حيث الصورة في بهائها، والنجوم في مباراة في حق التمثيل، وما
أروع تلك
المباراة الساخنة بين ميريل وكلينت.
معه ترشحت للاوسكار المرة
العاشرة.
وتمضي الرحلة.. حيث افلام «غرفة مارفن».. واشياء حقيقية، وموسيقى
القلب، ومع كل فيلم ترشيح للأوسكار وحصاد من الجوائز فهي كما
اسفلنا نجمة لا تشبع
من الجوائز، التي تشكل بالنسبة لها هاجساً، واملاً، وتحدياً.
الحديث عن
ميريل ستريب يعني الحديث عن نجمة لن يجود الزمان بمثلها مكانة، وقيمة،
وحرفة،
ورصانة فقد ظلت تقرن مسيرتها بالتزامها، وحرصها على ان تكون
الانسانة النموذج،
وحينما يذكر فن التمثيل تذكر ميريل في كم من الافلام الخالدة، ومنها
«كرايمر ضد
كرايمر» و«اختيار صوفي» و«خارج افريقيا».
ودعونا نعود إلى الايام
الاولى..
قبل ان تبدا مشوارها السينمائي، عملت ميريل ستريب كنادلة في فندق
سمرست في سمر مثل نيوجيرسي وهي لاتزال ترى في تلك التجربة حالة
من التحدي وايضا
الفرصة لدراسة وتحصيل كم من الشخصيات التي كانت تشاهدها وبشكل يومي.
واليوم
تحمل لقب فارسة، من خلال الوسام الذي حصلت عليه من الحكومة الفرنسية
تقديراً
لجهودها في اثراء السينما والفن العالمي.
كما لديها اربعة ابناء هم هنري
وماري ويلا وغرس جونز ولويزا جاكوبسون وهي مرتبطة مع النحات الأميركي دون
غومر.
تصفها النجمة ديان كيتون بقولها: انها عبقرية جيلي.
فهل بعد
ذلك من بدع ووصف، خصوصاً، ان ديان كيتون هي الاخرى تعتبر احدى اهم الممثلات
في
العالم.
عملت مع عدد بارز من كبار المخرجين، وان ظلت تقترن بأعمال المخرج ما
يك نيكولاس، وكل منها يمتلك حصة وواحة من الجوائز.
صديقتها المقربة، هي
النجمة القديرة جيل كلايبورغ التي عرفت بدعمها للقضايا العربية والفلسطينية
من خلال
عملها في فيلم، هانا. ك» مع المخرج الفرنسي كوستا غامراس.
وحينما سئلت ميريل
عن نجمها المفضل قالت: «روبرت دونيرو.. ولكنني اعشق مشاهدة «ليوناردو
ويكابيريو
ايضا.
وعن رغبتها في تقديم بعض الاعمال الكوميدية تقول: اتمنى تقديم المزيد
من الاعمال الكوميدية والاستعراضية ولكن الجمهور لا يعطيني
المزيد من الفرص،
يريدونني دائما ان اكون جادة، اقدم لهم حياتهم وقضاياهم وألمهم النفسي وهو
أمر
يسعدني ولهذا انسى الكوميديا الى الميلودراما.
وتؤكد: ما اريده هو ان اعيش
حياتي بشكل بسيط جدا، بعيدا عن الكاميرات، وان امارس حياتي بشكل اعتيادي،
مع زوجي
وابنائي.. واعترف بانني اسأل نفسي كيف لي ان اعيش من دون زوجي
وبما يمتلك من حب
كبير ودفء ومشاعر وحنان لا يوصف.. انه كل حياتي، وامام استقرار حياتي فانني
اعطي
لجمهوري ذلك الفن الذي احسه وهو انعكاس لاستقراري.
وعن علاقتها مع الاوسكار
قالت: لقد ترشحت 15 مرة وفزت بالجائزة مرتين، وفي كل مرة اشعر بانها المرة
الاولى
بالنسبة لي، واسعى لان تتكرر التجربة، ولهذا فانني اظل دائما
في حالة فنية عالية من
الجهوزية وهي امر نادر اليوم.
في كل مرة تطل علينا بها ميريل، فانها تجعلنا
نتساءل، هل يمكن ان تكون ميريل قد عاشت تلك الشخصيات، في زمن سابق، لانها
تبلغ
مرحلة من التقمص لا يمكن وصفها الا بالحقيقة... شاهدوها في «كرايمر» و«صوفي»
و«افريقيا» و«جسور ماديسون». وايضا شاهدها مؤخرا في داوت «الشك» وايضا
«جولي
وجوليا» فهي دائما تلك الممثلة التي تعيش.. ولا تمثل.
النهار الكويتية في
08/10/2009 |