صباح الاربعاء الماضي، أدي اللواء أحمد أنيس آخر مهامه كرئيس لاتحاد
الإذاعة والتليفزيون المصري قبل أن يترك موقعه إلي رئاسة الشركة المصرية
للأقمار الصناعية (النايلسات) خلفا للإعلامي أمين بسيوني، بينما تولي
المهندس أسامة الشيخ مهام رئيس الاتحاد خلفا له، وتتولي الإعلامية هالة
حشيش رئاسة قطاع القنوات المتخصصة خلفا لأسامة الشيخ، وتترك موقعها السابق
في رئاسة الفضائية المصرية، إلي رئيس جديد هو الإعلامي جمال الشاعر، الرئيس
السابق للقناة الثقافية.
وهذا «التعديل الإعلامي» الذي يشبه لعبة الكراسي الموسيقية يطرح
علامات استفهام عديدة حول مفهوم الاختيار في مصر للمواقع القيادية الحساسة،
ومعاييره العملية والنظرية، فما يجمع بين هؤلاء جميعا هو كونهم أعلاميين
عريقين عملوا طويلا في نفس المبني أي اتحاد الاذاعة والتليفزيون المصري
الشهير بمبني ماسبيرو، باستثناء المهندس أسامة الشيخ الذي بدأ حياته
الإعلامية في مجال آخر، بعيدا عن الاذاعة وتقديم وإعداد البرامج، وإنما من
خلال الهندسة الإذاعية وإنشاء الكيانات الإعلامية وتطويرها في بداية عصر
سمح بوجود «الإعلام الخاص» بجانب «الإعلام العام» أو «إعلام الدولة» فأصبح
أحد مؤسسي شبكات مهمة في هذا الإعلام من الـ
ART السعودية التي انطلقت في بداية السبعينيات إلي (دريم) المصرية
الناجحة إلي قنوات وشبكات أخري بعد أن أصبح أحد خبراء الفضائيات المرموقين
في الجانب الأصعب منها، أي الذي لا يراه المشاهد عادة، وهو ما أوصله عام
2007 إلي موقع رئاسة شبكة قنوات النيل المتخصصة في مصر في إطار خطة الوزير
أنس الفقي لتطوير هذه الشبكة وإعادة إطلاقها باسم شبكة تليفزيون النيل «NTN» بعد تخليصها من عدة مشاكل أهمها فك تشفير ثلاث قنوات منها لحساب
شبكة عربية، واضافة قناتين جديدتين تكملان عمل بقية القنوات الخمس الأولي
وهي قناة للسينما (نايل سينما) وقناة للكوميديا (نايل كوميدي) بجانب قنوات
الدراما والمنوعات (نايل لايف) والرياضة والطفل والأسرة والثقافية، ومن
الجدير بالذكر هنا أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة أقر في قرار رئيسه
د. صفوت النحاس رقم 196 والذي صدر في الثالث من مايو هذا العام هكيلا
تنظيميا معدلا لقطاع قنوات النيل المتخصصة جعله أكبر قطاع تليفزيوني
وأكثرها ازدحاما بالقنوات، فغير السبع المذكورة، أصبحت قنوات البحث العلمي
والمعلومات والقنوات التعليمية وقناة التعليم العالي تابعة له، وكان من
المنطقي أن تنضم هذه القنوات وحدها في منظومة خاصة للتليفزيون التعليمي،
خاصة، بعدما تزايدت أهميتها إلي الدرجة القصوي الآن في إطار الحرب ضد
انفلونزا الخنازير واكتشاف كل الأطراف لأهمية الاعتماد عليها وتطويرها
وتقنين دورها في العملية التعليمية.
ومن المهم هنا أن نؤكد أن القرار المذكور لرئيس الجهاز المركزي
للتنظيم والإدارة بشأن إعادة تنظيم قطاعات الإعلام المصري الرسمي صدر من
أجل تنظيم قطاعات التليفزيون وحده تاركا الجزء الثاني من هذا الإعلام، أي
الاذاعة، بدون نظرة لما تحتاجه من تطوير، ربما تنفيذا لخطة مرحلية لإعادة
هيكلة جهاز الإعلام المسموع والمرئي للدولة، وربما انتظارا للتجربة العملية
للتطوير وما يمكن أن تسفر عنه خطة وزير الإعلام في تطوير العمل الاذاعي
والتي بدأت منذ شهور بتخصيص مبلغ 135 مليون جنيه لتحديث البنية الأساسية
لاستديوهات الاذاعة ومرافقها، وتولي رئاسة جديدة لها هي السيدة انتصار
شلبي، وتغيير العديد من قيادات الشبكات الاذاعية من خلال مؤشر واضح هو
اعطاء الفرص للشباب من الجنسين لقيادة العمل الإعلامي (حدث هذا في قيادات
التليفزيون الجديدة ايضا) وليثمر هذا الجهد فيما طرحته في السطر الأول من
هذا المقال، فقد كانت المهمة الأخيرة للواء أحمد أنيس كرئيس لاتحاد الاذاعة
والتليفزيون صباح الاربعاء الماضي هي توزيع جوائز الإبداع والتفوق علي
الاذاعيين والاذاعيات في أول مبادرة من نوعها تقام من أجل تشجيع ابناء
الاذاعة المصرية علي تطوير عملهم وتحسين ادائهم والتنافس معا لرفع مستوي
العمل كله.
المبادرة اطلقتها الرئيسة الجديدة للاذاعة واطلقت عليها اسم
(الاذاعيون يبدعون) بعد شهور قليلة جدا علي توليها موقعها، وقيامها بجلسات
استماع مكوكية في كل مواقع العمل، واكتشافها أن مهمتها الأولي هي رفع الروح
المعنوية للعاملين بالاذاعة واستنهاض عزائمهم وقدراتهم الكبيرة في مواجهة
منافسة شرسة، وربما غير متكافئة مع التليفزيون والعاملين، به. اكتشفت
انتصار شلبي بحسها الإنساني والإعلامي أن تطوير الاستوديوهات وأدوات العمل
لا يكفي بدون الاهتمام بالمبدعين أنفسهم، معنويا وماديا، وحين خاطبت حضور
حفل توزيع أول جوائز للابداع في ستديو 46 يوم 28 أكتوبر أعلنت عن تصميمها
علي استعادة دور الاذاعة وروحها، وعن السعي لتطوير العمل في كل الاذاعات،
وطلبت من الحاضر أن يبلغ الغائب أن الباب مفتوح للجميع لكي يشارك في عودة
الاذاعة إلي مجدها وأن بابها مفتوح لكل الافكار الجديدة وترفض أن يشارك
البعض بالسلب والبعد عن المشاركة.
منذ سنوات لم أر رئيسا لموقع يتحدث بهذا الاصرار والشجاعة والتصميم
علي تجاوز المحنة، ولا توجد مبالغة في كلمة المحنة هذه، وكان العاملون
بالاذاعة يشعرون بها، بسبب الظروف غير المتكافئة بينهم وبين التليفزيونيين،
ولهذا كان رفع معنوياتهم ضروريا مع رفع دخولهم، ثم اطلاق حرياتهم في العمل،
وتقييم عملهم من خلال لجان محايدة متخصصة تختار أفضل الأعمال والمبدعين كل
ثلاثة أشهر، وماذا يساوي مبلغ ثلاثين ألفا من الجنيهات وشهادات تقدير أمام
إحساس رائع يملأ كل مذيع أومذيعة أو معد أو مخرج بأن هناك من يسمعه ويقدر
ابداعه ويحثه علي المزيد في زمن الزحام الإعلامي، إن عودة الروح للاذاعيين
هي الخطوة الاولي لنهضة جديدة للاذاعة المصرية لابد أن تتبعها خطوات أخري
أولها الالتزام بالتطوير ثم تقوية البث الاذاعي نفسه.
الأهالي المصرية في
04/11/2009 |