لا شك في أن المخرج مايكل مور استطاع أن يخلق حالة جدلية في الأوساط
السينمائية والجماهيرية وذلك بصرف النظر عن قيمة أفلامه الموضوعية والفنية.
ولعل من إسهاماته الأخيرة في مجال الفيلم الوثائقي إعادته الأخير الى دائرة
الضوء والى الاهتمام الجماهيري اللذين حُرمهما بسبب طبيعته والكثير من
الأفكار المغلوطة. فمنذ "بولينغ من أجل كولومباين" ولاحقاً "فهرنهايت
11/9"، اثار المخرج فضول الجمهور وخاطبه بلهجة مبسطة واسلوب استعراضي على
الرغم من تعقيدات الموضوعات التي تناولتها أفلامه (السلاح، الارهاب، نظام
الطبابة والاستشفاء...). خلافاً لما أشيع قبل عام عن تحضيره لفيلم يتناول
إعصار "كاترينا" وكواليس تعاطي الإدارة الأميركية معه، قدم المخرج قبل اشهر
في مهرجان كان السينمائي الدولي العرض الأول لفيلمه "الرأسمالية: قصة حب"
وجال به مهرجانات عدة قبل خروجه أوائل الشهر الجاري في الصالات الأميركية
وتوقع عرضه في الصالات المحلية الاسبوع المقبل.
ينطلق مور في فيلمه الجديد الذي يتناول الأزمة الاقتصادية العالمية
المستمرة من قصص صغيرة للصوص يسرقون البنوك وأشخاص يطردون من بيوتهم، جراء
عدم قدرتهم على سداد مستحقات غرقوا فيها ونظام تأمين على الحياة، تتبعه
الشركات مع عمالها، يقضي بقبض المبلغ المؤمن عليه، بعد وفاة العامل من دون
علم زوجته، أو عائلته.
إنها مقدمة مور للوصول إلى الأزمة المالية، تمر على نمط العيش
الأميركي والحلم الأميركي، وعلاقة الفقراء بالأغنياء، ومسعى الفقراء الدائم
نحو أن يمسوا أغنياء من خلال اسطورة "الحلم"، قبل ان يستنتج زيف ذلك كله
كما تبين مع الأزمة المالية الأخيرة.
قصة الحب الرئيسة مع الرأسمالية تأتي مع المساعدات المالية التي
نالتها المصارف عند وقوع الأزمة المالية التي لا يعرف أحد كيف وقعت، وتتبع
الضغوط التي تعرض إليها الكونغرس، للقبول على المصادقة عليها، بعد رفضها
لها في البداية، واتباع سياسة الخوف، بحسب ما يرد على لسان عضو معارض في
الكونغرس، يعتبر التخويف أفضل ما يمكن فعله للحصول على ما تريده، وهذا ما
قام به الرئيس الأسبق جورج بوش وإدارته، وليبقى السؤال "ماذا علينا أن
نفعل؟" أمام تسريح العمال وحرمانهم من أبسط حقوقهم وعدم مساعدتهم، بينما
تتلقى المصارف التي كانت أساس إفقارهم مليارات الدولارات. الإجابة في
الفيلم تكمن في "الثورة"، وعلى شيء من العصيان المدني، كأن يساعد الناس من
طردوا من بيوتهم ويعيدهم إليها، كما سنرى في أحد المشاهد، وكذلك الأمر
بالنسبة لعمال يقررون الاعتصام في معملهم، بعد تسريحهم، إلى أن تستجاب
مطالبهم، الأمر الذي يلقى دعماً من الرئيس باراك أوباما، ويتحقق لهم جزء من
هذه المطالبة.
يرصد الفيلم الآمال المعلقة على أوباما وكيف استقبل الشعب الأميركي
فوزه، ولنصل في النهاية إلى صرخة مور التي لابد أن يقوم بها بنفسه، بشيء من
الاستعراضية المألوفة في أفلامه، حيث يمضي بسيارة نقل الأموال المصفحة،
ويطلب الدخول إليها واستعادة الأموال التي سرقتها من الشعب، خصوصاً بعد
نيلها المساعدات المتعلقة بالأزمة المالية، والتي يعتبرها عملية النصب
الأخيرة التي قامت بها، ثم يحيط المصارف، و"وول ستريت"، التي يعتبرها صاحبة
القرار الأولى في ما يتعلق بالسياسة الأميركية، بالشريط الأصفر الخاص
بمواقع الجريمة. ويبدأ بالصراخ بمكبر الصوت، مطالباً باستعادة ما سرقوه.
تجدر الاشارة الى ان مور كان قد تناول في السابق موضوعاً مشابهاً في
فيلمه "روجر وأنا" في العام 1989 الذي وثق فيه آثار اغلاق مصانع جنرال
موتورز في مسقط رأسه فلينت في ولاية ميتشيغن على الموظفين وعائلاتهم.
قبل امتهانه الاخراج، عمل مور في عدد من المجلات المحلية في ولايتي
ميتشيغن وكاليفورنيا حيث انتهج الكتابة النقدية الموجهة للسياسة الأميركية
مما سبب له المشاكل التي انتهت بإقالته ورده برفع قضية على مجلة "ماذر
جونز"، كسب من ورائها مبلغاً مالياً كان الأساس لانتاج أول أفلامه
الوثائقية "روجر وأنا". بالإضافة إلى إخراجه الأفلام الوثائقية، قام مور
بأداء أدوار تمثيل ثانوية في أفلام أخرى مثل "أرقام الحظ" عام 2000
ومسلسلات تلفزيونية مثل "شعب التلفزيون" و"الحقيقة البشعة" والمسلسلان
أيضاً من تأليفه وإخراجه.
المستقبل اللبنانية في
06/11/2009 |