قصة غرام عظيمة بين السينما الأميركية التي
تحظى بمباركة هوليوود وتأييدها الايديولوجي من جهة ورواية الكارثة من جهة
ثانية.
هذا حبّ قد لا ينتهي مع نهاية الزمن
المتوقعة في 21 كانون الاول من سنة 2012. ولأن
هذا الغرام لم يثمر حتى الآن الا سلسلة افلام تدور على نفسها،
فلم يعد من الممكن
اخفاء واقع أن هذا العشق هو من طرف واحد. أي من طرف أرباب الاستوديوات التي
لا ترى
في هذا الصنف الدرامي الاّ المردود المالي الضخم الذي تجنيه. وبالتأكيد فإن
فيلم
الكارثة، المنتمي الى تقليد أميركي خالص، شأنه شأن الميوزيكال
والـ"وسترن"، يتيح
لأميركا الدولة الرسمية أن تعرض عضلاتها في اعمال تشهد أولاً على تفوقها في
مجال
التكنولوجيا الرفيعة والالكترونيات الحديثة والبعثات الفضائية.
الرسالة
المبعوثة من خلال هذه السينما، على ضحالتها، هي ان السبيل الوحيد للتصدي
لكارثة
طبيعية يكون بامتلاك اسلحة فتاكة وتكنولوجيا هدامة وارادة...
مغامر. رسالة أخرى لا
تنقصها سذاجة: في هذا الصراع لا يُغفَر التخلف والضعف والمكوث في الصفوف
الخلفية.
لكن كيف يفسَّر الاهتمام الشعبي المتصاعد
جيلاً فآخر بفيلم الكارثة الهوليوودي؟
ألأنه يلامس إحدى الغرائز الأكثر تعششاً في الانسان وهي مقاومة
الطبيعة من أجل
البقاء؟ أياً يكن، يبني فيلم الكارثة خطابه الملتوي والمنقوص على أفكار
محافظة،
والجمهور غالباً ما يستجيب!
لا تخفى أيٌّ من هذه النقاط على رولان (أو رولاند)
إيميريك. من "عيد الاستقلال" (1996) الى "يوم ما بعد غد" (2004) مروراً
بالريميك
الهوليوودي لـ"غودزيلا" (1998)، لم يفعل هذا الخمسيني الاّ اثارة خوف
المشاهدين
ورعبهم من نهايات محتملة للحياة على هذا الكوكب، إما جراء حدوث كارثة
طبيعية وغزو
كائنات فضائية وإما بسبب ايادي الانسان التي تعبث بالمحيط الذي
يعيش فيه. كل
الخزعبلات السيناريستية مسموحة ومحتملة لتدمير هذا الكوكب ونشر ثقافة
التخويف. هذا
كله يأتي دوماً ودائماً في مشاهد استعراضية تمسك الكرة الارضية في قبضتها.
وها
انه يعود الينا الآن بإنتاج ضخم يواصل من خلاله هذه الملحمة التي لا بداية
لها ولا
نهاية، وهي تحكي قصة القضاء على البشرية، لكن بتطرف لم يسبق اليه من قبل
ايّ فيلم
على الاطلاق. فما من مبنى سيبقى منتصباً وما من جسر سيبقى
مرفوعاً أو شارع سيبقى
سالكاً أمام العابرين في "2012". وما من مدينة وقارة ومحيط وبحر ستنجو من
غضب
الطبيعة التي ستعيد "خلق" نفسها من جديد، بتوزيع جغرافي آخر، ودائماً بحسب
هذا
الفيلم الذي يستند في اسطرته الابوكاليبتية الى ما بات يُعرف بروزنامة شعب
منقرض
(المايا)
تنبأ بنهاية للعالم في 21 كانون الاول 2012، هي نتيجة تغيرات جغرافية
ومناخية. الأرض ستفتح باطنها وتبتلع كل ما على وجهها أو ما شابه ذلك.
ورولان
إيميريك صدّق الرواية.
يأخذ الفيلم اذاً من هذه الفرضية حقيقته ويبني عليها
حوادث طنانة أقل ما يمكن القول فيها انها مضحكة أحياناً (مشهد انقاذ الكلب
وبكاء
روسية عند فقدان حبيبها الاشقر)، ومؤثرة وجادة في أحايين أخرى (المقاربة
التي تدنو
من أحد أنواع الصوفية). يولد العمل من نظرتين متناقضتين. واحدة
تريد أن تنذر العالم
من الآخرة التي باتت على الابواب. وأخرى تريد أن تجعل من هذه القيامة مادة
للهو
ومناسبة لا تفوَّت لاستعراض هوليوودي يرفع نسبة الادرينالين ويغوي البصيرة.
هنا
المشكلة التي نقع في فخاخها مراراً: كيف لمحنة مثل هذه أن تدعو
الى هذا القدر من
الترفيه البريء البعيد من التأمل؟! ايميريك لا ينشغل بهذا السؤال على
الاطلاق. رأسه
وتفكيره ووجدانه في مكان آخر.
في "حرب العوالم" لسبيلبرغ جاء الابوكاليبس بنظرة
مشبعة بأبعاد واعتبارات دينية - فلسفية - سياسية. فالبعد
الديني تجلى في التعليق
الصوتي، واليه يعود الفضل في اعطاء فيلم سبيلبرغ احجاماً اسطورية، وكأننا
في حكاية
خارج الزمان والمكان أو في احدى الملاحم الدينية. يتأكد ذلك في المشهد الذي
يهرع
فيه منكوبو الكوارث للصعود على متن السفينة التي سرعان ما
يتبين انها ليست "سفينة
نوح" جديدة، كونها ليست آمنة بقدر ما يعتقدون انها كذلك. فما يفعله ايميريك
هنا
بمادته هو نقيض ما فعل اذاً سبيلبرغ بخرافة نهاية العالم. اذ ثمة سفينة
ضخمة، لا بل
سفن ضخمة، ستتولى نقل الناس، الميسورين منهم فقط، الى حيث
الامان، في حال تحقق
فعلاً ما تنبأ به المايا. طريقة الخلاص هذه التي تخيّلها قادة الدول الغنية
بسرية
تامة، وصمّموها، وهي درس في العنصرية واحتقار الناس، تغدو الشيء الذي يبني
عليه
إيميريك نصّه، وينطلق منه الى خطاب شامل يتضمن محورين اساسيين
(ومنهما تتفرع تفاصيل
عدة): أولاً، الصراع بين الناس والناس، وبين الناس والطبيعة، في زمن
الاستعراض (هوليوود نموذجاً افتراضياً)؛ وثانياً،
التمييز العرقي والطبقي. هناك أيضاً تيمة
ثالثة هي اقرب الى التحليل والاستنتاج: عدم قدرة الولايات
المتحدة على حمل مصير
العالم وخطاياه على ظهرها. أياً يكن، ومهما تبلغ التفاصيل مرتبة من
الشيطانية
والخبث، فثمة تعالٍ مقصود على النكتة المتكررة في عدد من الأفلام التي
تعتبر أن
أميركا هي دائماً البلد الذي يشمّر عن ساعديه عند وقوع ازمة
قصوى. هناك تهكم خفيف،
يُقرأ بين الطيّات، من هذه اللازمة التي ضقنا منها ذرعاً، والتي يكسرها
الفيلم
بطريقة ذكية الى حدّ ما من خلال اعادة الاعتبار الى غير الاميركيين أو الى
الأميركيين من أصول مختلفة، وتمجيد دورهم في انقاذ بعض سكان
هذا العالم وأخذهم الى
حيث الامان. لذا، ينبغي ربما أن نضع جانباً الاحقاد التاريخية حيال ايميريك
ونحاول
أن نقارب شغله من منطلق آخر، وهو منطلق يتيحه الفيلم مرةً، ومرةً لا. هكذا
دواليك
حتى جنريك النهاية.
لا شك في أن ما سنراه هنا هو اضعاف ما نشاهده عادة في أفلام
الكوارث الطبيعية، الى حدّ أن متابعته والتلذذ به من المستحسن
أن يكون في صالة
مظلمة وعلى شاشة كبيرة جداً. فطوال ساعتين واربعين دقيقة، نحن في صحبة غبار
ونيران
ورياح وفوضى عارمة يتوه فيها البشر في آخر فصل من فصول اقامتهم على كوكب
الأرض.
اللافت في هذه المشهدية العريضة التي لا تقتصد البتة في الامكانات، هو ان
الدمار
يشق طريقه براحة وطمأنينة الى الهند، آخذاً وجه تسونامي، انطلاقاً من نقطة
رمزية هي
كاليفورنيا. فهذه الولاية هي أولاً وأخيراً الولاية التي تضمّ لوس أنجلس
التي تحوي
بدورها مصنع الأحلام الأميركية: هوليوود. اذا بنينا استنتاجنا على هذا
الحساب
المترابط والبسيط، فإننا نصل الى الآتي: الطبيعة تصب غضبها على
عاصمة الصورة
والتلاعب. وهناك على الاقل شخصيتان نمطيتان تؤكدان جانباً من هذا الطرح،
أولاهما
المسمى جاكسون كرتيس (جون كيوزاك)، البطل المضاد، اربعيني ذليل يهزأ منه
زوج طليقته
معتبراً اياه كاتباً فاشلاً ("لوزر") لم يصل الى جمهوره المحتمل. أما
الشخصية
الثانية فالناسك الذي يعيش في الطبيعة (وودي هارلسون) وينتظر يوم القيامة
ليراقب عن
كثب مشهد الدمار البديع وكأنه أمام شاشة "أل سي دي". الرجلان مرتبطان على
نحو وثيق
بعالم الصورة. من حياة الاول الصورة غائبة. ولأنه قاص، ولأن ايمانه بهذه
الصورة
ضعيف، يتخيّل ان السبيل الوحيد للاطلاع على روايات علم الخيال
التي يكتبها، هي
قراءتها، وليس مثلاً مشاهدتها في نسخة مصورة. أما الثاني فهو نقيضه، اذ
يعبّر عن
بهجة تلقي المحنة القصوى كفيلم حياته.
هذان يوحيان ايضاً بأميركا متهالكة لم
تعد تقوى على المجابهة. أحدهما يتلقى الصورة، والآخر يصنعها بالكلمات
(أليست الكلمة
اساسها الصورة؟). تضاف اليهما شخصية الرئيس الأميركي (داني غلوفر) المغايرة
تماماً
للصورة الكلاسيكية. نحن هنا أمام رئيس أسود يفضل البقاء على
الأرض بدلاً من الصعود
الى الباخرة. هذا العنصر المفاجئ قد يترجَم باعتباره دعوة الى الاقتصاص من
هذا الذي
جسدّ "الشر" في الحياة السياسية الأميركية على مدار عقود، وقد يُترجم بصفته
تعبيراً
لفكرة التضحية التي قد تقزز أبدان الكثير من المشاهدين.
اذاً، نحن أمام فيلم
ايحاءات ورموز، معظمها يهمله كاتبا السيناريو (ايميريك وهارالد كلوزر) في
منتصف
الطريق اذ لا يعرفان ماذا يفعلان بها. النقد هو المحلل النفسي
للفيلم. لا يحتاج
المرء الى قدر كبير من الاطلاع على فرويد ولاكان لإدراك حقيقة أن ايميريك
يترجح بين
قدرته التأسيسية (تتولى المؤثرات البصرية الرقمية الاهتمام بهذا الجانب)،
ورعونة
واضحة في امرار خطاب متماسك وسوي حول مصير الانسانية. انه صراع
بين الدال والمدلول.
أمام هذه الرعونة، لا يملك النصّ الا أن يختار أكثر الحلول راديكالية، وهذا
في
المنطق السينمائي أسهل الحلول. اذ يكتفي كاتب السيناريو بشحطة قلم لتغييب
سكان كوكب
يبلغ عددهم سبعة ملايين. الأقل ذكاء من هذا، هو التهليل لإنقاذ
حفنة من
البورجوازيين القادرين على شراء "حياتهم". لا يكفي اللعب على الوتر الحساس
والتضحية
برجل الاعمال الروسي، وفتح الباب أمام الجموع في اللحظة الحاسمة للتخفيف من
غباء
هذا الخطاب والتعويض عن الشيء بشيء آخر. فالالتباس هو دائماً
الطاغي على الفيلم،
وأحياناً يطالب المشاهد بأكثر من تطبيق لمنطق "مشهد أبيض في مقابل مشهد
أسود"
ليصدّق "انسانية" المخرج الواقف خلف الكاميرا.
في بنية مشتتة بعض الشيء
ومقطوعة الاوصال، يتابع ايميريك تصوير نصّ تزدحم فيه أشياء لا تركب وفق
المنطق
العملي. أشياء لا تصدَّق. منها مثلاً: جاكسون وأفراد عائلته
يقطعون مسافات طويلة،
حيناً بطائرة وحيناً بسيارة وحيناً سيراً. يجتازون ودياناً وتلالاً وبراكين
وتهوي
ناطحات سحاب فوق رؤوسهم، ليصلوا في الختام الى حيث ضربت "زبدة" المجتمعات
موعداً
للإبحار بعيداً. يصلون، وهناك بالكاد بعض الغبار على ملابسهم. فجأة، نجد
أنفسنا
أمام واقع عالم يعيش خوف التسونامي والاعصار والهزات وربما
المحاسبة... واستوديو
يعبق برائحة البخور والبيكسيل. واذا اضفنا الى هذا كله، نحافة الشخصيات
والالاعيب
السياسية التي تذوب سريعاً في العواطف، ينجلي وجه سينما
محافظة توقّف لديها الزمن
عند نوح وسفينته!
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
جمالية الخراب بين مفهومين
الــدمــــــــــار
شـــــعــــــــراً !
على رغم أن ايميريك حطّم بعض الارقام القياسية في
مجال التدمير الشامل للحجر والبشر، الا انه لم يرق الى مستوى ستيفن سبيلبرغ
وروعته
السينمائية "حرب العوالم" الذي أخرجه عام 2005. الفيلمان يلتقيان في بضعة
أماكن
ويتناقضان في أماكن أخرى. الاثنان يتعاملان مع السينما باعتبارها متفوقة
على الفنون
الاخرى على الاقل في تعاطيها مع الزمن والتوقيت ولعبة التوليف، لكن لدى
ايميريك
نزوة مخرج مراهق يلهو بالاشياء، فيما من السهل أن نلمس عند
زميله الرصين الاضطراب
والقلق في أقل وحدة تصويرية. في "حرب العوالم"، شخوص تصارع من اجل الخلاص،
في
مَشاهد يولّد فيها الصمت قلقاً وخوفاً وانذاراً بعاصفة ستجرف كل أثر
للحياة، أشخاص
بالمئات والالاف ينتظرون مرور قطار مشتعل، وأشخاص يشعرون
بالخطر قبل الآخرين، فتنال
ثقة المخرج ولقب البطل في فيلم ليس فيه بطل. في هذه النقطة تحديداً ينسجم
سبيلبرغ
مع ستانلي كوبريك الذي قال ذات يوم ان "لائحة شندلر" لا يصوّر ابادة مجموعة
اشخاص
انما عملية انقاذ مجموعة تفلت من الابادة. وما "2012" الا عملية انقاذ
لمجموعة على
حساب أخرى.
هكذا، يقتفي سبيلبرغ خطى عائلة ومصيرها، بدءاً من الاستقرار الذي
تعيشه وصولاً الى التشرد الذي تصبح ضحيته، والذي لن يكون
بالنسبة الى افرادها،
امتحاناً تؤكد فيه حسن نيات البعض تجاه بعض الآخر. فعند سبيلبرغ، من يمتلك
حدساً
قوياً هو الاجدر بأن يقود الآخرين الى الخلاص. كالعادة، يحظى الطفل بمكانة
خاصة في
عمله، وهو في تفاوت مع محيطه. هذه المقاربة للعائلة مشغولة بعجل في "2012"
لأن
الوقت يدهم الجميع ولا وقت للحديث، فالزمن زمن التحرك!
خلافاً لإيميريك، فما
يبرع فيه سبيلبرغ هو ابتكاره المتجدد وغير المسبوق لأساليب التصوير، ولا
سيما عندما
يؤسس لمشهدية الخراب والدمار والارض القاحلة. عند ايميريك الخراب مصنوع من
عرق
مهندسي المؤثرات البصرية والصوتية. لدى سبيلبرغ الخراب شعر.
فبداية فيلمه كلاسيكية:
عائلة تعاني تمزق الوالدين غير المعلن (الطلاق من المواضيع المتكررة عند
المخرج).
ثم بتروٍّ تتصاعد الوتيرة الى ان تبلغ نقطة
اللا عودة، علماً ان سبيلبرغ سجّل في
"حرب العوالم" إقلاعاً عن احدى مآثره - الميلودراما - التي لم تظهر
رأسها الا في
بعض الفصول. خلافاً لهذا الاسلوب، ينصاع ايميريك في اكثر من لحظة الى
البكائيات
الهوليوودية الفجة. امّا سيناريو سبيلبرغ الذي شارك في كتابته ديفيد كوب،
فهو حريص
على ايجاد حلول منطقية وحجج مقنعة تبقي العائلة على قيد الحياة
طوال الفترة التي
تحتاج القصة الى ذلك، ويبرع النص ايضاً في احاطة القصة بالغموض الكافي
لإثارة
الفضول، وهما الشيئان غير الواردين في بال "2012".
رهانات خليجية جديدة في دبي!
سيعرض مهرجان دبي
السينمائي الدولي، الذي يُعقد من التاسع الى السادس عشر من الشهر المقبل،
ضمن
برنامج "أصوات خليجية"، مجموعة من الإنتاجات الخليجية تأخذنا
إلى قلب المجتمع
الخليجي. ويفيض البرنامج حيوية من خلال أفلام صنعها أبناء المنطقة ممن
حازوا
الثناء، وكانوا محط اهتمام معين في بلادهم. يقول المدير الفني للمهرجان
مسعود
أمرالله آل علي، إن هذا التنوع الكبير في المحتوى (...) انما
يدل بوضوح على التطور
الكبير الذي حققته السينما في المنطقة.
من بين الأفلام الإماراتية التي ستعرض في
البرنامج: "البحث عن الشريك المثالي: ستايل دبي" الذي يصور حيرة الجيل
الجديد بين
العادات والتقاليد من جهة، والحداثة والحياة العصرية من جهة أخرى. ويتناول
هذا
الفيلم الوثائقي الذي أخرجته كلٌّ من إلهام شرف وهند الحمادي،
الطالبتين في السنة
الثالثة في كلية دبي للطالبات، تخصص إعلام تطبيقي، آراء الجيل الشاب في ما
يتعلق
بمفهوم الحرية العصري، والآمال والتطلعات الأسرية، وصفات الشريك المثالي.
وكان
الفيلم قد فاز بالجائزة الثالثة في مسابقة الطلبة للأفلام
الوثائقية ضمن مهرجان
الخليج السينمائي 2009.
ويتناول فيلم "نصف قلب" للمخرج الإماراتي بلال عبد الله،
قصة مؤثرة حول الروابط الأسرية العربية من خلال عيون فتاة حامل
غير متزوجة، في حين
يدور موضوع فيلم "غيمة أمل" للمخرجة الإماراتية راوية عبد الله، الطالبة
الجامعية
التي تدرس العلاقات العامة، على الصبر والأمل أيضاً من خلال عيون شخصية
مفردة.
ويصور الممثل والمخرج الإماراتي نواف الجناحي في أول أعماله الروائية
الطويلة، "الدائرة"،
العلاقة بين لص ورجل مريض ميؤوس من شفائه. وتدور حوادث فيلم "مرة"
للمخرجة الإماراتية نايلة الخاجة، من بطولة السعودي عبد المحسن النمر، على
فتاة
عربية في السابعة عشرة من عمرها تنطلق في رحلة التحول امرأة،
وتأثير ذلك على
علاقاتها بمن حولها.
وتدور حوادث فيلم "القنت" للمخرج العماني المعتصم الشقصي
على مجموعة من الأطفال يحاولون معرفة ماهية أصوات غريبة صادرة
من داخل بيت مهجور.
ويحكي الفيلم البحريني "البشارة" للمخرج محمد راشد بو علي، قصة مبنية على
العادة
الشعبية القديمة والمتمثلة في تعليق ثوب "النشل" على صارية المنزل، إعلاناً
لفرح
أهل المنزل بعودة عزيز من سفر. في حين يصوّر فيلم "مريمي" للمخرج علي
العلي، من
بطولة فاطمة عبد الرحيم وجمعان الرويعي، معاناة راقصة نبذها المجتمع،
ويستكشف
حياتها من منظور صياد سمك. أما المخرج الكويتي عمر المعصب
فيسلط في فيلم التحريك
"مجرد إنسان"، الضوء على جوهر المعرفة البشرية من مراحلها البدائية حتى
الآن، في
حين يتناول مواطنه مقداد الكوت في "موز" قصة رجل يعاني تجربة زوجية فاشلة
ويحاول أن
يجد حلاً لتداعياتها.
خارج الكادر
جـــــــــورج !
أكتب لكم اليوم عن
شخص لا يعرفه أحد. قبل بضعة أشهر قادني صديق لي الى مكبّ النفايات الواقع
في منطقة
الدورة. هدف الزيارة الكريمة: تعريفي الى جورج. المخرج،
الفنان، المصوّر، النابغة
(هكذا
قال لي عنه) الذي حولته ظروف حياته شحاذاً ينام في الطريق ويأكل من القمامة.
لم أسمع لمتشرد كلاماً ينضح ألماً كالذي
سمعته لجورج في الحديث المرتجل الذي أجريته
معه في الشارع فيما راحت القطط تلتف من حولنا. عرفت من خلال
كلماته المعبرة أنه من
الشريط الحدودي الذي لم يزره منذ ما يزيد على عقد ونصف العقد. كان الرجل،
الذي يقول
عن نفسه اليوم انه "موجود بالزور"، يعمل لمنظّمة الصحّة العالمية والبعثة
البابوية.
في مرحلة من حياته امتلك كاميرات
"أريفليكس" 16 ملم، وكانت محطة هيئة الاذاعة
البريطانية عندما تأتي الى لبنان تستأجر منه تلك المعدات.
في فرنسا، عمل مساعد
مخرج لبعض السينمائيين منهم مارك اليغريه في "كوني جميلة واصمتي". تدرّب في
"كوداك"
وعمل في استوديو بيانكور. وفي الخمسينات، أسس مع شخصين آخرين رابطة تعنى
بشؤون
المغتربين. وكتب ما لا يقل عن خمسة عشر ألف رسالة الى المغتربين.
في تلك
المرحلة، أي في خمسينات القرن الفائت وستيناته، كان ينبغي الاعتماد على
الذات
للوصول الى مكانة ما في الحياة اللبنانية. "ليس من مدرسة
تعلّمك أن تصبح مخرجاً.
انت تولد الشيء الذي ستكونه"، هاتان هما الجملتان اللتان اختارهما جورج
لاستقبالي،
قبل أن ينهال عليّ بسيل من الاسئلة المتنوعة تعكس عطشه الى الحوار.
•••
أول ما لفتني، الحبّ المتبادل بينه وبين القطط. اذ
التفّت حوله وكأنها عناصر حماية مستعدة للدفاع عن معلمها عند الحاجة. سألته
اذا كان
يهتم بالقطط أكثر مما يهتم بنفسه. "نوعاً ما. تربية القطط هوايتي". يأكل
جورج
بشراهة وينبغي انتظار أن يبلع اللقمة كي أتلقى الجواب عن سؤالي. يكرر من
دون توقف
أن أرقى البلدان للعجزة هي البلدان الاسكندينافية، وهي أكثر
البلدان التي تشهد
عمليات انتحار. لذا، قرر الناس هناك أن الحيوان حاجة ضرورية لمرافقة
الانسان.
يجلس جورج كطاووس في مكان أشبه بمزبلة، بل انها مزبلة، وليس له سلوك شحاذ
أو
متشرد. لا يطلب منك شيئاً، ولا يتصرف كمتطفل أو انتهازي. يتكلم
عن أفلام صنعها ذات
زمن من مرحلة مؤلمة من حياته، ولا يرغب في استعادة شريط الذكريات. معظم هذه
الأفلام
باتت اليوم في ذاكرته المنكوبة.
لم تعامله الحياة بالمثل. اعطاها الكثير، لكن
لم ينل "حقه" في المقابل. في "الأشياء" البصرية التي أنجزها، تكلم عن
المكفوفين،
مساهماً في جمع تبرعات لتعمير مدرسة. صوّر في كل البلدان العربية. تضمن
سجله نحو 100
فيلم وربما أكثر. اذ كانت منظمة الصحة العالمية انذاك يهمها تعليم الشعوب.
وكان
عمله هذا يكفيه لتكون له حياة كريمة ومدخول مادي يليق برجل
مثقف لديه مخططه في
الحياة.
يقول إن المهم أن تصنع عملاً ناجحاً، سينما أو مسرحية. ويتمنى أن يكون
هناك نشاط سينمائي في لبنان على غرار البلدان العربية الاخرى.
نقول له ان ثمة
محاولات فردية هنا وهناك، وان بيروت لا تهدأ، على الاقل مهرجانياً، لكنه لا
يريد أن
يسمع أي شيء من هذا، يقول: "اليوم اذا اردت أن تنجز شيئاً مفيداً للمجتمع،
لا احد
يساعدك".
ثم يأتي على ذكر قضية لا أستطيع أن أزايد عليه فيها: عدم وجود ضمان
شيخوخة. جورج بلغ الـ77. وقد لا يعيش طويلاً ليرى بيروت تلتفت
الى مهمشيها من جديد.
عندما تسأله اذا كان لديه أقارب قد يهتمون به في شيخوخته (آخرته) التي ربما
ليست
بعيدة، يجيبك مستنفراً: "ألست أخي؟ أنت؟".
•••
بات لجورج من الحكمة ما يتطلبه المرء العاقل، وكان
له متسع من الوقت طوال سنوات التهميش والاقصاء، كي يتأمل في الحياة التي
انقلبت
عليه جراء الحرب الاهلية. مع ذلك كله، بقي واقعياً: "لا، لا أحب حياتي
الحالية. كنت
أفضّل أن أكون "غير هيك"، لكني أفضل البقاء هكذا على أن أمشي مع التيار
الحالي. لا
أريد أن أمشي مع ابليس". تراه ينتقل من موضوع الى آخر، من دون رابط. يقول
عن
السياسيين انهم كذابون جميعاً. أقوالاً وأفعالاً. "أنا انسان شعبي وكلهم
يسلّمون
عليّ. صحيح أصلي من القرد، لكن أنا أنسان. والانسان هو الحيوان الوحيد الذي
يبتسم.
أغلب الناس اليوم لديهم ديون. أربعة في
المئة يملكون 96 في المئة من ثروة البلد".
يرفض جورج أن نطلق على الحرب الاهلية اللبنانية كلمة حرب. يريد أن نسميها
"مسخرة". فهو لم يستطع الى اليوم أن يغفر لها. لا أحد يستطيع أن يلومه
على تصرفه
هذا. فعندما ذهب الى فنزويلا، قبل 1975، ذهب من اجل ان يحاضر في احدى
الجامعات عن
تقنيات السينما. بقي هناك نحواً من ثلاث سنوات، ولكنه عاد ليلبي مقررات من
بنود
عدة، أحدها صناعة مجموعة أفلام سياسية. وهو عاد ليصور هذه
الافلام. لكن لبنان كان
بدأ يدخل في الجحيم فسُرقت منه معدات التصوير القيّمة، فبدأ يدخل شيئاً
فشيئاً في
مصير مجهول، وصولا الى انه بات بلا سقف يؤويه.
هـ. ح.
النهار اللبنانية في
13/11/2009 |