تكريما وعرفانا بالدور الكبير للمخرج السينمائي شادي عبد السلام كأحد
المبدعين في خدمة صناعة السينما في مصر، كرم مهرجان القاهرة السينمائي
الدولي في دورته الأخيرة التي انتهت منذ أسبوع، المبدع الراحل خلال حفل
الافتتاح وتسلمت شقيقته مهيبة عبد السلام درع التكريم.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل عرض المهرجان فيلمه الأشهر
«المومياء» بمناسبة مرور 40 عاما على عرضه والذي تم ترميمه من قبل شركة
المخرج «مارتين سكرسيزي»، و قامت إدارة المهرجان بعرض الفيلم مرتين، الأولى
تحت سفح الهرم بالصوت والضوء، وكان ذلك المشهد الأول لرؤية الفيلم بعد
ترميمه وزاد من سحره وبريقه احتوائه على صورة جيدة وألوان ظهرت طبيعية، كما
قدم الفيلم مرة أخرى في عرض خاص للصحفايين. وتكريما لشادي عبد السلام،
أقيمت ندوة شارك فيها الذين عاصروا المخرج الراحل وتحدثوا عن ظروف الفيلم
وكيفية خروجه إلى النور، وجاء النقاش على خلفية عملية الترميم التي أعادت
الفيلم بشكله الجميل في الصورة والصوت، بعد أن كان قد فقد سحره.
ترميم النيجاتيف
أدار الندوة المخرج محمد كامل القليوبي، الذي أوضح أنه على الرغم من
ضخامة ميزانية فيلم «المومياء» التي وصلت إلى 90 ألف جنيه، فإنه حقق أعلى
إيرادات في السينما المصرية آنذاك، مشيراً إلى أن وزارة الثقافة قامت
بترميم نيجاتيف الفيلم بمبلغ 50 ألف يورو.
وأكد القليوبي أن المخرج الراحل انشغل بفكرة تواصل الحضارات، خاصة بعد
هزيمة يونيو عام 1967، حيث كان مؤمنا بأن المصريين أبناء حضارة لابد لها أن
تتواصل.
موافقة الرقابة
بينما تحدث الناقد السينمائي مصطفى درويش عن بدايات مشروع فيلم
«المومياء»، مشيراً إلى أن الفيلم جاء موضوعه مختلفا عن الموضوعات التي
تناولتها السينما المصرية في ذلك الوقت، وقد أدهشني إعجاب النقاد في العالم
بهذا العمل الذي لاقى تجاوبا من كل الذين شاهدوه، والمفاجأة الكبرى أن رئيس
مجلس إدارة الشركة المنتجة للفيلم لم يكن وقتها راضيا عن إنتاج الفيلم منذ
البداية، حيث كان يبحث له عن عيوب حتى لا يتم إنتاجه أو عرضه، لدرجة أنه
عرض على الرقابة على المصنفات الفنية وقتها أن ترفض الفيلم، لكن الرقابة
رفضت هذا الأمر ووجهت له اللوم، حيث إن الفيلم لم يحتو على أي مشاهد تؤذي
الذوق العام أو تهاجم السلطة أو النظام، وهذا الموقف أثار غضب المنتج، الذي
فاجأ الجميع بقوله:إن الفيلم ضد النظام، وأتوقع له الفشل، وبعد أن وافقت
عليه الرقابة أصبحت الشركة المنتجة مضطرة لإنتاج الفيلم.
وقال: أذكر أن المخرج الإيطالي روبرت روسيليني كان يبحث عن سيناريو
جيد فتقدم له المخرجان توفيق صالح ويوسف شاهين، ثم تقدم شادي عبد السلام
بهذا الفيلم الذي لقي إعجابه ورفض ما قدمه توفيق صالح ويوسف شاهين، وقد
أثار هذا غضبهما.
لكن درويش يكشف أن خروج الفيلم إلى النور لم يكن سهلاً، موضحا أن
سلسلة الأزمات التي تعرض لها امتدت إلى ما بعد الانتهاء منه، حيث لم يعرض
في مصر إلا عام 1975 أي بعد عرضه في أوروبا بخمس سنوات كاملة، مشيراً إلى
أن الفيلم اتهم بأنه ضد القومية العربية، لكنه في النهاية لاقى نجاحا كبيرا
وحقق أرباحا لم تحققها أفلام أخرى، حيث كان الفيلم قد تكلف 90 ألف جنيه
بينما بلغت أرباحه 100 ألف دولار، وحتى الآن يحقق أرباحا كثيرة من خلال
عرضه على الفضائيات.
التاريخ الغائب
كما تحدث صلاح مرعي، مصمم ديكور وشقيق بطل فيلم المومياء أحمد مرعي،
قائلا إن الفيلم كان من أحلام شادي عبد السلام وأهم مشروعاته وطموحاته، حيث
ظل يبحث عن التاريخ الغائب وعن الهوية وعن الجذور، وقد أحب التاريخ
الفرعوني، وأراد أن يوظفه من أجل بعث الهمة في روح الشعب المصري.
وأن يستخلص منه دروسا تفيد الأجيال القادمة من خلال تعميق فكرة
الانتماء لديهم وربطهم بماضيهم وحضارتهم وجذورهم، وكان عبد السلام مهتما
ومهموما بمثل هذه الأعمال، حيث عكف بعد الانتهاء من فيلاالمومياءلالا على
أن يبدأ في مشروعه الثاني الذي لم ير النور حتى الآن، وهو فيلم فيلامأساة
البيت الكبيرلالا أو كما عرف باسم فيلاأخناتونلالا نسبة إلى أن الشخصية
المحورية فيه شخصية أخناتون.
وقد ظل يعيد الكتابة لمدة عشر سنوات، وأثناءها قام بإعداد تصميمات
وديكورات، بالإضافة إلى الأزياء والإكسسوارات الخاصة بالفيلم الذي كان
سيقدمه بعد «المومياء»، وقد قدمت له عدة عروض لإنتاج الفيلم لكنه رفضها
جميعا حيث كان يرفض المنطق التجاري من أساسه، وسعى إلى أن تقوم وزارة
الثقافة بإنتاج الفيلم الذي يتطلب تكلفة إنتاجية عالية لكن مجهوداته باءت
بالفشل.
وعن النسخة المرممة ومدى جودتها علق صلاح مرعى قائلا: بالعكس هي تطابق
النسخة الأصلية بنسبة 95% والخمسة في المائة الباقية عبارة عن بقع صغيرة في
بعض المشاهد سنرسل بها تقارير إلي مؤسسة السينما العالمية التي تولت ترميم
الفيلم لمحاولة إصلاحها
وحول سؤال هل يمكن إعادة تجربة شادي عبد السلام في «المومياء» مرة
أخرى؟، أجاب صلاح مرعي: لا أعرف إن كان يمكن تكرار التجربة أم لا، فمن لديه
رغبة حقيقية في صنع شيء مختلف سوف يخرجه حتما ونحن سنراه، وأنا أرى أنه لو
تم إعادة إنتاج الفيلم فإنه بالتأكيد سوف يحتاج إلى ميزانية ضخمة ومن
الممكن بل من المؤكد أنه لن يحقق نجاحا.
الرجل الغريب
بدوره تحدث الفنان محمد مرشد عن سر ارتدائه ملابس بيضاء عكس باقي فريق
العمل قائلا: سألت المخرج شادي عبد السلام عن ذلك، فأوضح لي أن هذا يتوافق
مع دوري في الفيلم حيث أجسد دور الرجل الغريب الذي يقف في أحد المشاهد أمام
حائط مدون عليه كلمات غريبة وغير مفهومة. وأكد أن الدكتور ثروت عكاشة وزير
الثقافة الأسبق، ساند الفيلم مساندة رائعة حتى إنه تم عقد بروفاته بالبدروم
الملحق لمقر عمله.
أغلى العقود
وقال مهندس الديكور أنسي أبوسيف: مشاركتي في «المومياء» تعد أولى
تجاربي الفنية، وأتذكر أنني وقعت عقداً حينها بأجر قدره 25 جنيهاً تسلمت
منه 12جنيهاً ونصفا عند التوقيع ومثله بعد الانتهاء من الفيلم، وأعتبر
تعاقدي للعمل في فيلم «المومياء» من أغلى العقود التي وقعتها.
وأضاف: تعجبت عندما شاهدت فليم «المومياء» لأول مرة في نادي السينما
لأنني كنت أعتقد أنني أعمل في فيلم عن سرقة المومياوات، لكنني اكتشفت أنني
أعمل في فيلم عن سرقة بلد.
الأسلوب السائد
أما المونتيرة رحمة منتصر فأكدت أن «المومياء» كان عملا جديداً على
السينما المصرية سواء في الإخراج أو المونتاج، حيث اعتمد شادي عبد السلام
على اللقطة الطويلة المركبة أثناء تصويره معظم مشاهد الفيلم. وأوضحت أنها
كانت تخشى من أن يفرض المونتير كمال أبوالعلا الأسلوب السائد في السينما
المصرية حينها، لكنه تفهم طريقة شادي عبد السلام ليخرج الفيلم بالروعة التي
ظهر بها.
وفي نهاية الندوة اعتبر المهتمون والعاملون في المجال السينمائي فيلم
«المومياء» من التراث، وأكدوا أهمية أن تجد الأفلام المهمة الرعاية، خاصة
أن مثل هذا الفيلم يعد من أندر الأفلام التي تعبر عن مصر، وما حدث لهذا
الفيلم يفرض علينا أن نهتم بنيجاتيف الأفلام، ونحافظ عليه من التلف.
البيان الإماراتية في
28/11/2009 |