أقيم للمرة الثانية والعشرين مهرجان إيدفا للأفلام الوثائقية في
أمستردام، وذلك بالفترة الواقعة من 22 وحتى 29 نوفمبر 2009، وأنشأ المهرجان
المذكور عام 1988 لدعم الثقافة الوثائقية الوطنية والدولية، اليوم يعتبر
واحدا من أهم المهرجانات عالميا في حقل الأفلام الوثائقية. من خلال ظهور
موجة من المخرجين المثقفين الأذكياء تدخل أفلام حلبة المنافسة بدون ثرثرات
سينمائية لا طائل من ورائها، أفلام تصل إلى الهدف المنشود عبر مناقشة قضايا
سياسية وإجتماعية عالمية هامة، وإن حاول بعض المخرجين تكثيف الرتوش
السينمائية على قصص أفلامهم.
كما تتاح الفرصة كل عام لصانع أفلام ومخرج متميز لعرض أفضل عشرة أفلام
له في الأعوام السابقة. دورة المهرجان لهذا العام كانت من نصيب صانع
الأفلام الإسرائيلي إيال سيفان، وهو من مواليد حيفا (1964) ترعرع في القدس
وعمل مصورا في تل أبيب، ثم رحل عام 1985 إلى باريس بعد أن طالب إسرائيل
بالكف عن الممارسات العنصرية التي تحرم الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم
كأصحاب للأرض، والتوقف عن بناء مزيد من المستوطنات، منذ ذلك الحين يعيش
ويعمل متنقلا بين أوربا وإسرائيل.
أخرج وأنتج إيال سيفان وثائقيات سياسية مختلفة المضامين، حصلت على عدة
جوائز هامة في العالم، مثل إيزكور،عبيد الذاكرة (إيدفا 1991)، "الطريق 81"
المأخوذ عنوانه من قرار التقسيم رقم 181الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 ،
فيلم "رحلة إلى فسلطين- إسرائيل" (إيدفا 2003)، أيضا يعتبر كاتب مقالة
متميز يحاضر في العلوم الإجتماعية بجامعة شرق لندن، بين الحين والآخر ينشر
ويقدم محاضرات حول طبيعة الصراع العربي- الإسرائيلي، صناعة الأفلام
الوثائقية، علم الأخلاق وكيفية إستخدام الذاكرة الجماعية لتحقيق الأهداف
المنشودة .
وقد حظي المخرج الإسرائيلي الإنسان "إيال سيفان" بحفاوة وإهتمامين
كبيرين في هولندا، لما قام به من أعمال فذة خلال مسيرته السينمائية التي
تمتد لأكثر من عشرين عام، وتم عرض عشرة من أفضل أفلامه الوثائقية ومن ضمنها
فيلم سيفان الجديد المثير للجدل بعنوان "يافا" أو الكرة البرتقالية ومرشح
لجائزة الأفلام الوثائقية الطويلة، و يشارك في المنافسة على جائزة يوريس
إيفانس. يقول في مطلع حديث له " لقد كنت سعيدا بتكريمي هنا في أمستردام
وأوربا، لكنني في نفس الوقت حزين، في إسرائيل وطني الأم يلقبونني بالشيطان"
.
يعود إسم الفيلم لمدينة يافا أو عروس فلسطين الجميلة حيث تكثر بها
وحولها الحدائق وتحيط بها أشجار البرتقال " اليافاوي" ذي الرائحة المتميزة
و الشهرة العالمية وكان يصدر للخارج من قبل الفلسطينيين قبل نكبة عام 1948
. و تعتبر يافا واحدة من أهم مراكز تصدير الذهب البرتقالي في العالم، في
فيلم " يافا" أو الكرة البرتقالية يشير سيفان إلى طبيعة الصراع الإسرائيلي
-الفلسطيني أيضا كيف تتحول تلك الثمرة العريقة إلى ماركة إسرائيلية، ولعبة
في الصراع المتنامي بين الأقليتين اليهودية والعربية. وكيف تم الإستيلاء
على أراضي يافا بالقوة .
إستخدم سيفان بذكاء كم هائل من المواد الأرشيفية المتميزة، من صور
تعود لعام 1840 و لقطات فيديو غاية بالوضوح تعود للقرن الماضي، أيضا آراء
لفنانين، شعراء، مؤرخين، محللين سياسيين، شهادات فلسطينيين وإسرائيليين
عاصروا النكبة، لقطات لمنتجي ومزارعي البرتقال وقاطفيه، وطبيعة التعاون
والتكافل بين الأقليتين اليهودية والعربية قبل النكبة ، مشاهد للعمال في
البساتين وحقول البرتقال .
يمكن وصف الكرة البرتقالية كرمز للمدينة العريقة و تاريخ قائم لحكومة
إستيطانية وتصوير للإستعمار، العنف المتأصل، أيضا هناك إشارة مبهمة لفيلم
قديم للمخرج الأمريكي كوبريك " البرتقالة الميكانيكية" الذي أنتج
بالسبعينات من القرن الماضي ويعتبر كوبريك واحدا من اجرأ المخرجين وأكثرهم
إثارة للجدل في ذلك الفيلم إستخدم اللون البرتقالي أيضا كمضمون سيكولوجي
رمزي ويعالج الإنحرافات الإجتماعية لبطل الفيلم، أيضا يقدم نظرة واسعة
وبعيدة للعصر المجنون . كان كوبريك يجمع بين الإزدواجية والتناقض في آن
واحد من خلال صنع التحولات الآنية من مشهد لآخر، وطرح رؤى متشائمة
للمستقبل، ويبدو بأن سيفان يشاطره نفس الرأي .
قوبل فيلم سيفان الأخير بالسخرية والإستهزاء وتعرض للمسائلة
والإستهجان من قبل البرلمان الإسرائيلي، وذلك للمضامين التي يحملها الفيلم
ويوجه إنتقادات حادة ضد حكومة الإستيطان، يعترف المخرج بأن الفنانين وصانعي
الإفلام لم يحركوا ساكنا عندما تعرض للهجوم، تلك كانت الطامة الكبرى، أيضا
لم يتضايق من الإنتقادات الموجهة ضده من قبل البرلمان، الهيئات المهنية أو
الناس، لكن من القائمين على صناعة الأفلام في إسرائيل. كما يعتبر
الإسرائيليين الذين هاجروا إلى إسرائيل عنصريين، بسبب ممارستهم لقانون
عنصري، يسمح لهم الهجرة إلى إسرائيل وفي نفس الوقت يحرم الفلسطينيين ممارسة
الحق نفسه. مما نتج عنه طرد الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم وهدم بيوتهم،
وكيف قامت إسرائيل بالتحايل على السكان الفلسطينيين الأصليين وسلبهم
ممتلكاتهم وأراضيهم.
أدب وفن في
06/12/2009 |