لا تزال فضيحة دور
النشر «المهمَّشة» ساطعة في أروقة «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، في
دورته
الثالثة والخمسين. أو على الأقلّ في وجدان المهتمّين المنفضّين عن
الاستعراض
الإعلامي لدور نشر كبيرة. لا تزال مسألة «إقامتهم» في الأروقة
المؤدّية إلى مخرج
مركز «بيال» مثيرة للجدل. ذلك أن التقسيم الطبقي، المرتكز على أسس مالية
وعلاقات
عامة ومصالح شخصية، جعل المساحة الإضافية أشبه بحيّز مرميّ في اللامكان،
دافعاً
المقيمين فيه إلى التقوقع داخل زنزانات لا علاقة لها بمعرض
للكتاب، أو بصناعة
الكتاب والاحتفاء به. لم ينفع التحرّك الخفر، الذي قام به مسؤولو دور نشر
وجدوا
أنفسهم معلّقين في الفراغ. لم تنفع تطمينات لا تختلف عن تسويات النزاع
السياسي/
المذهبي القائم في البلد. لكن، بالتوازن مع هذا الأمر، أو ربما استكمالاً
له بما هو
عليه من فوضى ولامبالاة وسوء تنظيم، شكّل جوهر البرنامج المعتمد للنشاطات
الجانبية
وطريقة تنظيمها مدخلاً إلى فهم الانهيار الذي يعانيه أعرق
معارض الكتب في العالم
العربي.
ملاحظات
سوء التنظيم هذا، بالتوافق التام مع الفوضى واللامبالاة،
جعل الدورة الحالية أشبه باستنساخ غير مفيد من الدورات السابقة. الإعلان
الرسمي عن
ندوات ولقاءات لم تكن ضمانة لعقدها، لأن مشاركين عديدين فيها
ينسحبون منها قبيل
لحظات من انعقادها، وإن لم يُقدّم بعضهم أسباباً شافية. هذا دليل على
ارتباك في
إدارة معرض، يُفترض به أن يكون مساحة حيوية وفاعلة للتواصل الصحّي بين
الكتاب
وفضاءاته المتفرّقة من جهة أولى، والمتلقّين جميعهم بأهوائهم
وهواجسهم وأمزجتهم
المتناقضة من جهة أخرى. هذا دليل على لامبالاة مسيئة إلى ذاكرة ومساحة
ثقافية وحيّز
اجتماعي. لكن التعليقات النقدية كلّها لم تعد تجدي نفعاً، لأن القيّمين على
المعرض
(«النادي الثقافي العربي» و«نقابة اتحاد الناشرين في لبنان») لا يكترثون
بأي نقاش
نقدي، يسعى مطلقوه إلى تأهيل المعرض، ودفعه إلى إعادة إنتاج شكل آخر
للثقافة
وصناعتها. يُمكن لأحدهم القول إن إلغاء ندوة أو تبديل نشاط عمل طبيعي
وعادي. لكن
العمل الطبيعي والعادي هذا يُبرَّر إذا حافظ المعرض بقوة على
مكانته الثقافية
والاجتماعية والإعلامية، داخل مدينة قيل إنها منارة الشرق ورائدة الحريات
العامة
ومخترعة الحرف و«عاصمة عالمية للكتاب». أما إذا غابت الفعالية والحيوية
والحماسة،
فإن أسئلة جمّة تُطرح، لفهم المغزى من إقامة معرض للكتاب، في
زمن الانهيار في مستوى
القراءة والوعي المعرفي والرغبة في الاستفادة. إلغاء ندوات ولقاءات في
اللحظات
الأخيرة يؤشّر إلى ملاحظات عدّة، لعلّ أبرزها فقدان المرء ثقته بمعرض
مرتبك، وفقدان
المعرض نفسه مصداقية العلاقة السليمة بينه وبين «مريديه».
ذكرتُ أمس أن كل كلام
يطال «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» مُكرّر. فمنذ أعوام عدّة، فَقد
المعرض
الأعرق في العالم العربي حضوره وفعاليته. التعليقات النقدية المُساقة إزاء
دوراته
السابقة ظلّت «صوتاً صارخاً في البرية»، من دون أن يلقى أذناً
صاغية واحدة. التكرار
مُعيب بحقّ الكتابة وصاحبها. التكرار معيب بحقّ من يُوجَّه إليه نقد سليم،
ولا يأخذ
به ويساجله. والنقد، إذ يصدر عن أسماء حاضرة بفعالية في المشهد الثقافي
اللبناني
والعربي، يُصبح مُتعِباً إذا تبدّد مضمونه الموضوعي في مقاربة
المسائل، جرّاء
لامبالاة المعنيين بالأمر. والمعرض، إذ تغيب إدارته عن نقاش حقيقي للبحث عن
آليات
تجديدية، يزداد فراغاً وسط الكتب العائمة على رفوف بدت محصّنة أمام فعل
التغيير
وحيويته.
لكنها الوظيفة تُفرَض على المرء، فيتوجّه إلى مركز «بيال» لمراقبة وضع
بات متشابهاً في كل عام. والوظيفة، إذ تُجبِر المرء على زيارة تخلو من أدنى
اهتمام
بأي شيء مرتبط بالدورة الحالية، تصبح إلحاحاً مزعجاً لتغطية
صحافية يُفترض بكاتبها
ألاّ يتغاضى عمّا ذكره مراراً وتكراراً في تغطيات سابقة و.. لاحقة. إذ ما
الذي يصنع
الحماسة لزيارة جدّية ومثمرة؟ ما الذي يُحرّض على المُشاركة الفعلية في
نشاطات
جانبية يُمكن، ببساطة، تفاديها لأنها مفرغة من أي منفعة؟ ما هي
الاستفادة المرجوة
من ندوات وحفلات تكريم، يسقط معظمها في المجاملات؟ ما هو مغزى إقامة أمسيات
فنية
عابرة؟ هل تؤدّي التغطية الصحافية دوراً في توطيد العلاقة المرتبكة بين
المعرض
وزوّاره، والغالبية الساحقة من الزوّار هؤلاء تأتيه سائحةً
لأنها لا تكترث بالكتاب
وصناعته ومضامينه؟ هل تمارس الكتابة النقدية مهمّتها في تطوير لغة المعرض
في تعاطيه
مع الكتاب، وفي تواصل الزائر مع المعرض والكتاب في آن واحد؛ أم أنها تذهب
أدراج
الرياح؟ ألم تُشرِّح كتابات نقدية عدّة مكامن الخلل في بنية
المعرض وحضوره ووظيفته
واشتغالاته، من دون أن تدفع القيّمين عليه إلى مراجعة حقيقية وصادقة،
يُفترَض بها
أن تُثمر تغييراً واضحاً وجذرياً في الشكل والمضمون معاً؟ ألم يحن الوقت
لإيجاد
صيغة عصرية، تجعل المعرض أرحب في استقطاب زوّار مهتمّين
بالكتاب، وتمنح الكتاب
ألقاً فَقَده منذ زمن بعيد، وتساهم في دفع دُور النشر إلى تكثيف جهودها
لصناعة أعمق
وأجمل وأهمّ للكتاب؟
ندوات ولقاءات
بعيداً عن التعليقات هذه كلّها، وبعد
الإعلان الرسمي عن تنظيم خمسة أنشطة ثقافية متفرّقة يوم أمس
الاثنين، تمّ إلغاء
محاضرتي «الطلاب ومشكلات الزواج» و«هويات متغيّرة». كان يُفترض بالأولى،
ارتكازاً
على عنوانها على الأقلّ، أن تبحث في شأن اجتماعي وثقافي وإنساني بحت، في
لحظة
الانهيارات الشتّى التي يُعانيها لبنان وناسه، وشبابه تحديداً.
وكان يُفترض
بالثانية أن تعيد تسليط الضوء على علاقة المرء بهويته وانتمائه، انطلاقاً
من
التجربة التي عاشتها مي يماني، بهدف استعادة نقاش متعلّق بجوانب مختلفة من
الحياة
اليومية، في العالم العربي تحديداً. لكن المحاضرتين ألغيتا من
دون إعلان سبب واضح
لذلك، ما أتاح للمهتمين فرصة متابعة ندوة حول كتاب، وحفلة تكريمية،
بالإضافة إلى
ورشة عمل لوزارة الثقافة اللبنانية، تُعتبر بمثابة لقاء سنوي لأمناء
المكتبات
العامة في لبنان. ثلاثة أنشطة فقط، أعادت طرح سؤال جوهري: ما
هي آلية اختيار
العناوين وأسماء المكرَّمين؟ إذا لم يكن الجواب واضحاً، فلا بأس. لأن
القيّمين على
المعرض مطالبون بوضع خطة عمل واستراتيجية ثقافية وصناعية جديدتين، تطاول
الفضاء
المتكامل لمعرض متخصّص بالكتاب وجوانب إنشائه كلّها.
في اليوم الأول من الأسبوع
الجاري، نظّمت وزارة الثقافة اللبنانية لقاء سنوياً جديداً
لأمناء المكتبات العامة
في لبنان، أتاح للمشاركين فيه فرصة التشاور في أمور عدّة تهمّ المكتبات
العامة
وتؤمن التواصل بينها. فقد حدّد مدير دائرة الكتاب والمطالعة في الوزارة
عماد هاشم
نقاطاً عدّة للنقاش، أبرزها: المركز المهني المتخصّص، الذي
يضمّ كتباً تشكّل مرجعية
للمكتبات، كالتصنيف والفهرسة وإدارة المكتبات العامة؛ ومركز موارد أدب
الأطفال في
العالم العربي، الذي يضمّ غالبية الإصدارات العربية في هذا المجال؛ مكننة
المكتبات
وضرورة التقيّد بإرسال التقارير والإحصاءات الشهرية، وضرورة الإطّلاع على
الاتفاقية
الموقّعة بين الوزارة والبلديات لمعرفة حقوق أمين المكتبة
وواجباته؛ وغيرها العديد
من النقاط المهمّة. يُذكر أن عدداً من المشاركين ألقوا كلمات متفرّقة،
أبرزهم نجلا
خوري ومهى علوان وأحمد طي وروبير عجمي. أما الندوة المركزية، فتمحورت حول
«أزمة
القارئ العربي»، وتحدّث فيها عدنان سالم وماهر كيالي، وأدارها
محمد حلاوي نيابة عن
رفيق عطوي. طرح سالم، في مطلع مداخلته، تساؤلات عدّة أبرزها: «هل الإنسان
العربي
يعاني فعلاً أزمة قراءة؟ إن كان كذلك، فمنذ متى بدأت معاناته؟ أهي أزمة
مزمنة أم
طارئة؟ ما هي أعراضها والعوامل التي أدّت إليها والنتائج التي
ترتبت عليها؟ وقبل
ذلك كله: ما هي ضرورة القراءة؟ ما هي أهيمتها؟ ولماذا علينا أن نقرأ؟». لا
شكّ في
أن تساؤلات كهذه تسمح بتسليط الضوء على واحدة من أخطر المآزق الثقافية
اللبنانية
والعربية. لا شكّ في أنها محتاجة إلى أكثر من محاضرة أو ندوة،
لأنها تضع المرء
المهتمّ أمام مسؤولية جوهرية في جغرافيا عربية غارقة في الأمية والجهل. لكن
اقتباساً واحداً من المداخلة الطويلة لسالم يُمكن أن يقدّم صورة مختصرة عن
المناخ
العام الخاصّ بها: «إن مناهج التربية والتعليم مسؤولة عن غرس عادة القراءة
لدى
الإنسان، من أجل بناء مجتمع قارئ. هي القادرة على تكوين القارئ
النهم، الذي يعد
الكتاب حاجة أساسية لتنمية عقله وفكره، مثلما الرغيف حاجة أساسية لنماء
جسده (...).
إن أرادت هذه المناهج أن تستخدم طاقتها في بناء الإنسان القارئ، أقبلت عليه
منذ
الصغر، توسّع مداركه، وتفتح له آفاق المعرفة، وتغريه بها
مستغلّة ما فطر عليه من حب
الإطلاع والسعادة بالتعرّف على المجهول، فتطارحه الأسئلة وتدفعه إلى
التساؤل، وتضع
بين يديه المراجع والمصادر». من جهته، قدّم ماهر كيالي مجموعة من الأرقام
العلمية،
ردّاً على سؤالين اثنين طرحهما بنفسه: «ما هو عدد مراكز البحث العلمي في
العالم
العربي اليوم؟ وأين هو موقع العرب في هذا الحقل من المعرفة؟
لنقرأ هذه الأرقام:
ينفق العرب 300 مليار دولار سنوياً على السلاح، واثنين في الألف من الدخل
القومي
العربي على البحث العلمي، أي أقلّ 25 مرّة مما تفعله إسرائيل في هذا
الميدان، وأقلّ 15
مرّة من المتوسّط العالمي البالغ 1،4
بالمئة». ورأى كيالي أن المفردات التي كانت
تلهب خيال الشباب العرب في القرن العشرين، هي «النهضة، التقدم،
الحرية،
الديموقراطية، الوحدة، الاستقلال، العلم، التنمية، الدستور، القانون،
الدولة
الحديثة، العدالة الاجتماعية، مقاومة الاستعمار، إلخ. أما اليوم، فقد عادت
بعض
المفاهيم إلى الانتعاش: الجاهلية، الهجرة، الكفار، الجهاد،
الحلال والحرام».
إلى ذلك، كُرّم الممثل اللبناني أنطوان كرباج، الذي يُفترض بالمعنيين
بالشأن
الفني اللبناني، مسرحاً وتلفزيوناً بصورة خاصة، أن يعيدوا قراءة التجربة
الممتدة
منذ خمسينيات القرن الفائت لغاية اليوم، التي لمعت فيها أسماء عدّة (من
بينها كرباج
نفسه)، بدا واضحاً أنها محتاجة إلى قراءة نقدية عصرية، لفهم دلالاتها
وموقعها
واختباراتها. اختارت إدارة المعرض تكريم أنطوان كرباج، وطلبت
من الزميلين مي منسى (غابت
عن اللقاء بسبب تعرّضها لحادث سير، فألقى عمر فاضل كلمتها بالنيابة عنها)
وعبيدو باشا. بين نسق شعري واستعادة
تاريخية لسيرة مهنية، رسمت منسّى صورة عامة عن
الرجل، فقالت إن «الجالس أمامنا اليوم بزي البراءة والتواضع
ليس هو ذاته على خشبة
المسرح، ولا هو الآن من ذاكرة الأدوار التي لم يكتف بتمثيلها بل بتقمّصها،
مستبدلاً
ذاته بفاوست وماكبث وهاملت وأوديب والمهرّج وأورست وسواهم»، مضيفة أن
«الانتقال بين
الواقع والفرضية رهان كبير، أتقن كرباج توازنه حتى لا يتيه بين أرضية
المسرح وأرضية
الحياة». وقال باشا إن كرباج لم يصل إلى ما وصل إليه «بالصدفة أو
بالسهولة»، بل
«حضّر
كثيراً لما وصل إليه. قدّم كثيراً حتى يصل إلى ما وصل إليه». ورأى أن الرجل «انتبه إلى أن منير أبو دبس لم ينتبه إليه
وهو يحضر دروسه، وتأكّد له ذلك في أحد
الاختبارات (...) لكنه شرب نبيذه ثم قصد نبيذ المسرح». وأضاف
أن المكرَّم اشتغل «في
تجربة المسرح اللبناني منذ بداية التجربة أواخر الخمسينيات. وقدّم الكثير
من المسرح
الرمز في تاريخ المسرح اللبناني».
برنامج المعرض
أنشطة اليوم الثلاثاء:
ـ ندوة تحت عنوان «مستقبل الإعلام الإلكتروني»، يشترك فيها عبد الهادي
محفوظ،
نادر عبيد، وليد شقير وساطع أرناؤوط، (الرابعة والنصف).
ـ تقديم مشروع
«المكفوفون
يقرأون» ـ «القراءة للجميع»، مشروع يسعى إلى تحويل مجموعة من الكتب
الصادرة عن «دار الساقي» لتصبح مقروءة من قبل المكفوفين. المشروع بالتعاون
مع وزارة
الثقافة. (الخامسة).
ـ ندوة حول كتاب «حوار الأديان وبناء الدولة»، يشارك فيها:
بهيج طبارة، مروان حمادة، الوزير طارق متري
والنائب علي فياض. يديرها سليمان بختي.
(السادسة).
ـ محاضرة لغنوة خليل الدقدوقي بعنوان «إنفلونزا الخنازير
والأوبئة... قضية العصر»، في البرنامج كلمتان لجورج أفتيموس والنائبة بهية
الحريري، (السادسة).
ـ أجلت ندوة حول كتاب شوقي بزيع «بيروت في قصائد الشعراء»، إلى موعد
يحدد لاحقاً.
ـ عرض فيلم «آخر صورة» لوداد حلواني، تحية إلى أوديت سالم. (السابعة والنصف).
التواقيع:
ـ بروين حبيب، «أعطيت المرآة ظهري»، (6ـ 9)،
رياض الريس.
ـ علي المقري، «اليهودي الحالي»، (6ـ8)، دار الساقي.
ـ عباس
الحلبي، «حوار الأديان وبناء الدولة»، السادسة) دار النهار.
ـ أحمد فقيه،
«انثروبولوجيا
سارتر والماركسية»، (6ـ 8)، دار الفارابي.
ـ فؤاد مطر، «الف
فتوى.. وفتوى»، (5ـ 9)، الدار العربية للعلوم.
ـ روحي طعمة، «امرأة للشتاء
المقبل»، (5ـ7)، شركة المطبوعات.
ـ غنوة خليل الدقدوقي، «قضايا وشؤون صحية: بين
سائل ومجيب»، (السادسة)، النادي الثقافي العربي.
ـ رئيفة سعادة، «ذاكرة
الأيام»، (السادسة)، النادي الثقافي العربي.
ـ سلوى النعيمي، «كتاب الأسرار»،
(6ـ 9)، رياض الريس.
السفير اللبنانية في
24/12/2009 |