في الوقت الذي ما زالت فيه السينما الأميركية محافظة على الإيراد الأعلى
بين كل صناعات السينما في العالم، بما فيها الهندية والصينية، فإن النظرة
الأدق تشي بأن الأمور ليست وردية كما يجب أن تكون. في الأساس، فإن مسألة
إنجاز هوليوود لمجمل إيرادي لعام 2009 يقترب من الثمانية بلايين دولار
مسجّلة في صالات السينما حول العالم، لا تعني أن عدد روّاد هذه السينما هم
أعلى من روّاد السينما الهندية أو الصينية. ما يعنيه فقط، هو أن سعر
التذكرة، الصانع لهذا الإيراد الضخم في الدول الغربية وفي عدد من الدول
الآسيوية والعربية، أعلى مما هو عليه في دول أخرى مثل الهند وباكستان
والصين وحفنة من الدول اللاتينية في القارّة الأميركية.
لكن هوليوود لا تشكو من سعر التذكرة وبل تدرك أنها لن تستطيع أن تحول في
المستقبل القريب من ارتفاعه مجدّدا، فكلّما تأثّرت صالات السينما بوضع
اقتصادي معيّن اندفعت لرفع الأسعار لأن حصّتها من معظم الأفلام التي تعرضها
هي خمسين في المائة من حصيلة «شبّاك التذاكر» في الأسابيع القليلة الأولى
ثم ينخفض تدريجيا إلى أربعين في المائة ثم إلى ثلاثين في المائة. حين يقل
عن ذلك تطرد الصالة الفيلم من شاشاتها وتستقبل واحدا يستطيع أن يملأ كراسي
قاعاتها.
الوضع الاقتصادي الذي طرأ هذا العام نتج عنه قيام «وورنر» في هوليوود
بتسريح نحو 300 موظّف وهو الوضع ذاته الذي تسجّل فيه الشركة ذاتها إيرادا
يبلغ، حسب أرقامها، ثلاثة مليارات و990 مليون دولار. وهو رقم موضع مقارنة
بينها وبين إيرادات شركة «فوكس» التي كانت أعلنت أن أفلامها سجّلت عالميا
رقما قريبا جدّا من ذلك المذكور. كذلك فإن الوضع ذاته هو الذي يدفع هوليوود
إلى المزيد من الأفلام التي لا يقودها ممثلون، وإذا فعلوا فهم ليسوا ممثلين
معروفين.
هذا العام هو بداية نهاية الممثل - النجم إلا إذا ما تقهقر المدّ الذي شهد
فشل أفلام لنيكول كيدمان، توم كروز، توم هانكس، جورج كلوني، مات دامون،
جينيفر أنيستون، أدام ساندلر، شون بلاك، دنزل واشنطن، جون ترافولتا، مورغان
فريمان، جيم كاري، جوليا روبرتس، إيدي مورفي، بروس ويليس، وآخرين.
طبعا نجحت أفلام لميريل ستريب وساندرا بولوك لكن معظم الناجح الآخر كان من
بطولة ممثلين غير مشهورين كما الحال في أفلام «ستار ترك» و«قمر جديد»
و«ترانسفورمرز 2» و«آثار السهرة» أو
The Hangoverالفيلم
الكوميدي الذي حقق بضع مئات من ملايين الدولارات حول العالم من دون اسم
معروف واحد.
هذا يحدث في الوقت الذي يبدو فيه المشاهدون قد فقدوا الإيمان بشخصيات
تستطيع تحريك الوضع السائد. تلك الأخبار المتداولة على شاشات التلفزيون.
المخاطر التي باتت الحياة تحف بها من كل صوب. الحروب التي لا نهاية لها
والرئاسة الأميركية التي بدت واعدة على نحو لا يزال ينتظر التأكيد، كلها
عوامل اجتماعية ونفسية تسهم في توجيه المشاهدين إلى حالة من اللا إيمان
ببطل فعلي حتى على صعيد قبول هذا البطل كممثل أوّل. إنه كما لو أن الجمهور
قرر أن نجومه المحبوبين أفشلوه. وعدوه بإحلال السلام حول العالم (أو على
الأقل في داخل الوطن)، جعلوه يصدّق قواهم وقدراتهم، باعوه أحلاما وردية
عايشوها فترة طويلة ثم جاء الوقت الذي تبدّت الحقيقة فإذا بهؤلاء النجوم
مجرد بشر غير قادرين على فعل شيء.
كل ذلك يأتي في الوقت نفسه الذي يحط البديل بقسوة غير مسبوقة: روبرت داوني
جونيور كان عليه أن يرتدي بذلة حديدية في العام الماضي لكي يبقى على كل شفة
ولسان. هذا العام شاهدنا «خلاص ترميناتور» و«ترانسفورمرز 2» يميلان إلى حشد
الطاقة البدنية لصالح الشخصيات الحديدية الشريرة. وحوش من عالم الكومبيوتر
غرافيكس تحطّم كل ما تنظر إليه أو تقبض عليه. وحين حاول فيلم «بدلاء»
(بطولة بروس ويليس) التحذير من مغبّة الاعتماد على التكنولوجيا ومحاربة
الروبوتس والتغلّب عليهم أهمله الجمهور الكبير لأن الآلة هي التي باتت أصدق
تعبيرا عن السبب الذي يجعل الجيل الجديد والعشريناتي يتسابق إلى صالات
السينما على حد سواء.
الحال ليس أفضل حين النظر إلى سينما الأنيماشن، حيث كان الممثلون الصغار أو
الكبار الفاشلون وحدهم هم الذين يكترثون للتمثيل بأصواتهم في هذه الأفلام،
لكن اليوم بات النجوم يجدون فيها بديلا ملائما أكثر بقاء في صالات السينما
مما لو ظهروا بوجوههم في أفلام حية.
كل هذا يلتقي وتتويج التطوير التقني الذي كان عليه أن يُصاحب كل هذا المد
من الأفلام غير البشرية (ولا الإنسانية في بعض أبعادها) المتمثّل جيّدا
بفيلم «أفاتار» باستثناء أن هذا الفيلم للمخرج جيمس كاميرون، جدير بالذهاب
إلى أقصى درجات الاعتماد على التقنيات من أجل إنجازه. إن لم يكن لشيء فبسبب
مضمونه الداعي إلى حماية البيئة التي نعيش فيها قبل أن تنهار تحت معاول
المزيد من المتغيّرات والذي، من ناحية أخرى، يتناول ما حدث لحضارات روحانية
سابقة سقطت تحت معول الهدم المدني الحاصل.
هذا الفيلم الذي ينجز حاليا أطنانا من الإيرادات (نحو 450 مليون دولار في
ثلاثة أسابيع للآن) كان في الواقع واحدا من أفلام الخيال العلمي التي
تضمّنت مواضيع تبحث عن كيف يمكن أن يعيد الإنسان خطواته لئلا تجرّه
الصناعات التكنولوجية والمادية إلى حيث لن يستطيع العودة إذا ما أراد
لاحقا. في هذا السبيل شاهدنا «المقاطعة تسعة» الذي يبحث، فيما يبحث، عن
العنصرية وليدة ظروف اللا تآخي، «معرفة» الذي يحذّر من نهاية الحياة على
الأرض بسبب جهل الإنسان الدائم لتبعية تصرّفاته في عالم بات مشحونا
بالتوتّر، «تسعة»، الفيلم الكرتوني الذي يتحدّث فعليا عن إنسان انهزم أمام
الآلة فتنتصر له الدمى و«بدلاء» الذي يطلب الجمهور (عبثا) بمراجعة حساباته
على نحو ليس بعيد مما حذّر منه أندريه تاركوفسكي في «سولاريس» (1972) ومن
قبله «أوديسا الفضاء» (1969) لكن أحدا لم يسمع آنذاك وأحدا لن يسمع اليوم.
وإذا كانت السينما الأميركية بقيت محور المتابعة عالميا هذا العام (وستبقى
كذلك لأعوام كثيرة قادمة) فإن هذا لا يعني أن السينمات الأخرى ملغاة. كل ما
في الأمر أن على العديد منها الارتباط بالآلة الأميركية ذاتها لكي تستمر
وتنتعش كما الحال مع السينما البريطانية التي تعتمد على شريك توزيع أميركي
طوال الوقت لكي تنتقل إلى شاشات العالم وكما الحال مع سينمات أوروبية عديدة
باتت تنتج إما أفلاما على المنوال الهوليوودي أو تطرح أعمالها الناجحة في
مزادات أمام شركات هوليوود لكي تشتري حقوق إعادة صنعها من جديد.
على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من أن العام المنصرم لم يكن أفضل الأعوام
سينمائيا، على صعيدي الفن والثقافة، فإن الناقد لا يزال يستطيع الخروج بعدد
كبير من الأفلام المهمّة. التالي قائمة لأفضل عشرة أفلام عالمية وأفضل خمسة
عربية، ثم أفضل خمسة وثائقية وأفضل فيلمين أنيماشن (الصور المتحركة) علما
بأن المزج بين ما هو هوليوودي وما هو عربي ليس سهلا، لكن في نهاية المطاف
هو أمر لا بد منه.
الشرق الأوسط في
01/01/2010
العشرة الروائية الطويلة الأولى
1 ـ (لحظات أبدية – السويد)
Everlasting Moments:
دراما مشبعة بحنين الأيام من المخرج السويدي العتيق (وغير المعروف عندنا حق
المعرفة) يان ترول حول المرأة التي وقعت في حب الكاميرا الفوتوغرافية وفن
التصوير قبيل الحرب الأولى مع متابعة للمتغيّرات الاجتماعية المصاحبة.
2 ـ (خزنة الألم - الولايات المتحدة)
The Hurt Locker:
فيلم كاثلين بيغلو الذي، في الظاهر، عن الأميركيين في حرب العراق، وتحت
السطح، عن عبثية تلك الحرب ذاتها. إمعان في الرصد وأسلوب يضمن إيقاعا نابضا
بمخاطر ومشاعر اللحظات الحاسمة في حياة أبطاله.
3 ـ (أوغاد شائنون - الولايات المتحدة وألمانيا)
Inglorious Basterds:
الفيلم الذي قام فيه المخرج كونتين تارانتينو بإعادة صياغة ما حدث في الحرب
العالمية الثانية على هواه من دون أن يخسر وجهة نظره التي لا تُعامل أي طرف
كضحية ومع نهاية ربما لو وقعت لانتهت الحرب باكرا وأنقذت حياة بشر.
4 ـ الزمن الباقي (فلسطين):
فيلم إيليا سليمان مفعم بالمقاومة للمحاولات الصهيونية التعتيم على الذاكرة
الفلسطينية التي يختزن المخرج منها الكثير. أبطاله يناضلون ويرصدون
ويقاومون بصور شتّى، إنما المثير هنا هو أسلوب العمل المستقى من رؤية
المخرج الفنيّة والثقافية.
5 ـ واحد صفر (مصر):
كل عنصر رئيسي في فيلم كاملة أبو ذكرى يعكس جهدا متآلفا ومتناسقا على قدر
كبير من الأهمية: السيناريو المكتوب بتعدد شخصياته وأحداثه من دون أن يفقد
بوصلته. التأليف. التمثيل والإخراج المتماسك والمؤدي إلى نهاية هي أفضل من
تلك التي نسجها أكثر من فيلم آخر أراد التعبير عن المجتمع المصري في هذه
المرحلة. وهذا من دون أن ننسى جهد التصوير الرائع لنانسي عبد الفتاح.
6 - الرجل الذي باع العالم (المغرب):
المخرجان عماد وسهيل نوري يوفّران عملا بالغ الاختلاف عن أي عمل عربي آخر
هذا العام. الاختلاف بدوره ليس كافيا، وهذا الفيلم يقرنه بأسلوب تعبيري
وآخر لغوي من الحداثة مما يجعله فريدا. مقتبس عن «قلب ضعيف» لفيودور
دستويفسكي ولا أخال فيلما آخر تم اقتباسه عن دستويفسكي يماثل هذا الفيلم
اختلافا.
7 ـ (رجل جاد - الولايات المتحدة)
A Serios Man:
أنا أُعجب بفيلم حديث للأخوين جوول وإيتان كووَن؟ لم أكن أتوقّع، لكن
الفيلم تجاوز هذه التوقّعات: دراما اجتماعية عن مدرّس يهودي تنقلب فوقه
الظروف من دون أن يفهم أسبابها. وفي محاولته فهم الأسباب يجد نفسه في
مواجهة مع أسئلة وجودية ودينية لا يملك لها جوابا. فيلم صغير الإنتاج
للمخرجين اللذين يستمدّان مواصفات خاصّة من شخصياتهما في أفلامهما السابقة.
8 ـ (شريط أبيض - النمسا/ ألمانيا/ فرنسا)
White Ribbon:
عودة مظفّرة للمخرج ميشيل هنيكي تتعامل (كالعادة) مع الشعور بالذنب
المتجسّد في شخصياته إنما في إطار أحداث تقع في مطلع القرن الماضي حيث تقع
جرائم قد يكون الأطفال مسؤولين عنها. هذا وكل ما يمكن استنتاجه من وضع
الفترة وخصوصية المجتمع الأوروبي يمهّد لعمل يُطرح بأسلوب المخرج المعهود
حيث ما تخفيه الصورة بصمتها أكثر مما تبديه.
9 ـ (أفاتار - الولايات المتحدة)
Avatar:
عودة مظفّرة للمخرج جيمس كاميرون إلى السينما الفانتازية التي يتجاوز بها
كل فيلم أنجزه إلى الآن، بل كل ما أنجزه سواه أخيرا في هذا الشأن ناقلا
سينما الخيال العلمي والفانتازيا إلى مرحلة جديدة، هذا من دون أن ينسى
المضمون النقدي الواضح والسديد.
10 ـ (نبي – فرنسا)
A Prophet:
بطل فيلم جاك أوديار عربي من الجيل الذي وُلد في فرنسا يدخل السجن بريئا
ليس من التهمة بل من شرور الذات. الحياة داخل السجن تعلّمه كيف يتقولب مع
عالم فاسد وفساده منتشر بين جانبي القانون ويمتد ليشمل الحياة خارج السجن
أيضا. أسلوب المخرج مدهم ومفارقاته لا مكان فيها للتنازل.
الشرق الأوسط في
01/01/2010
أفضل 5 أفلام
* أفضل 5 أفلام عربية روائية طويلة
1. الزمن الباقي
2. واحد صفر
3. الرجل الذي باع العالم - زنديق (فلسطين – بلجيكا): فيلم ميشيل خليفي
الجيّد رغم ما يبدو بعض التأكيد على أبعاده وخصوصياته. أحداث تقع مع مخرج
فلسطيني يجد نفسه بلا مأوى لليلة كاملة تحمل في طيّاتها الكثير من الرمزيات.
4. (بالتساوي حرّاقة - الجزائر، فرنسا): يلقي المخرج مرزاق علواش نظرة
نقدية فاحصة على قضيّة اللاجئين بحرا إلى الشاطيء الأوروبي موفّرا دراية
لموضوع مهم وإيقاعا متماسكا.
5 ـ (عصافير النيل – مصر) مجدي أحمد علي في دراما آسرة متأمّلة وهادئة
لكنها تحاول أيضا أن لا تلغي ملكية صاحب الرواية إبراهيم أصلان ما يجعلها
متكررة في بعض المواقف.
* أفضل 5 أفلام وثائقية
1. شواطئ أنييس - (فرنسا)
Beaches of Agnes:
رحلة المخرجة المبدعة إلى عالمها الرحب على جانبيه الخاص والمهني ينتج عنه
فيلم يؤرخ لها ولأعمالها الثرية.
2. اطلبوا العلم ولو في الصين (الجزائر) قارن بين شغل مالك بن إسماعيل في
هذا الفيلم وشغل الفرنسي لورن كانتيه في «الصف» الذي فاز بذهبية «كان»
العام الماضي وسوف تتبدى جليّا حسنات هذا الفيلم الذي يتناول موضوعا
موازيا. الفارق هو أن الهم الاجتماعي يطرح نفسه داخل وخارج المدرسة وعلى
نحو فاعل.
3. طعام متّحد - (الولايات المتحدة)
Food, Inc
: روبرت كَنر يلقي الضوء على صناعة اللحوم في الولايات المتحدة فتدرك أن
جشع الرأسمالية المتناهي هو عدوّك الأول في هذه الحياة. الفساد الإداري
بجانب تعريض الناس للأمراض، أمران يتزامنان بغية تحقيق الربح الأعلى. تخرج
من الفيلم عازما على أن لا تتذوّق اللحم بعد اليوم.
4. أحلام الزبّالين (الولايات المتحدة): على طوله المفرط تعرض المخرجة
الوثائقية المصرية مي إسكندر لشريحة اجتماعية تعيش في مصر على صناعة
الزبالة ومحاولة مواجهة احتمالات انضوائها تحت براثن الشركات المنظّمة مما
يحرم تلك الشريحة من رزقها الوحيد. نظرة قاسية لموضوع غير مطروق.
5. شو صار؟ (لبنان - فرنسا): يعود المخرج ديغول عيد إلى ربوع وطنه ليبحث في
وضع يقلقه: من قتل والدته وأفرادا آخرين من عائلته ومن أبناء القرية في
التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 1980. الجواب لا يأتيه سريعا بل يطلب منه
معاينة. للفيلم قصوره في أكثر من مجال، لكنه يحمل حسّا جيّدا بالموضوع
الذاتي كما بالمكان وتاريخه.
* أفضل أفلام الصور المتحركة
1. (بونيو – اليابان)
Ponyo : ربما ليس أفضل أفلام الياباني هاياو ميازاكي لكنه لا يزال يبعد
أشواطا على ما سواه من نوعه: الصبي الذي تلاحقه سمكة هي في الوقت ذاته
أميرة صغيرة. خلال ذلك حديث عن البيئة والألفة والأسرة وحماية المسنين ضمن
فانتازيا من الأفكار في خانتي الكتابة والرسم.
2 (السيد فوكس الرائع)
Fantastic Mr. Fox:
وَز أندرسن ينجز أول أفلامه في هذا النوع عامدا إلى الأسلوب القديم منجزا
حكايته البسيطة في ظاهرها حول سعي ثعالب البقاء على قيد الحياة بنتائج غير
عادية.
الشرق الأوسط في
01/01/2010 |