في فيلم المخرج الجزائري مرزاق علواش “حراقة” يصعد عدد من الشبّان وامرأتان
ظهر مركب سريع يغادر الساحل الجزائري متوجّهاً صوب الساحل الاسباني . هجرة
غير شرعية أخرى تقوم بها مجموعة بينهم الحالم والباحث والمتديّن والهارب من
العدالة والأبرياء البسطاء على حد سواء . فوق المركب، وبعد تمهيد يقع على
الأرض ويستمر نحو نصف ساعة، تتبلور المواقف: السلطة الآن بيد المجرم الهارب
من العدالة، يواجهها متديّن لا يرضى بها فتقع معركة يخسر فيها الاثنان
حياتهما . الأشخاص الثمانية الذين يبقون على ظهر المركب يدركون أنهم تاهوا
عن النقطة التي يقصدون، وحين تتبدّى الأضواء بعيدة، وبعيدة جداً، يقفز
شابان وفتاة للسباحة إلى ساحل الأحلام بينما يبقى من لا يعرف السباحة من
دون ماء أو طعام .
السينما العربية تبدو ممثّلة في هذا الفيلم . هناك مخرجون يسبحون الى
أوروبا ومنهم من يصل ويؤسس لنفسه مكانة ما (بينهم مرزاق علواش نفسه) ومنهم
من يبقى في إطاره المحلّي غير قادر على التمدد إلا بصعوبة . وكما في شريحة
الحياة التي يصوّرها ذلك الفيلم الجيّد، فإن السينمائيين يجدون أنفسهم
مندفعين للبحث عن فرص إنتاج أفضل، سواء بقوا في دولهم العربية أم هاجروا
منها الى الغرب . الفارق الرئيسي الوحيد هو أن عدداً منهم تمكّن من البقاء
في مكانه، لكنه نجح في التعامل والترابط مع جهات أوروبية تكفل له الاستمرار
.
العام 2009 إذاً كان تكريساً لوضع مرّ عليه سنوات عديدة من دون نهاية . لا
أوروبا، وفرنسا خصوصاً، تريد إهمال السينمائيين العرب الواعدين او
الواصلين، ولا السينمائيون العرب قادرون على الاعتماد على شركات الإنتاج
المحلي، في غالب الدول العربية، لتمويل أعمالهم . لذلك باتت السينما
العربية مقرونة بالتمويل غير العربي بنسبة ربما ترتفع عن سواها من السينمات
المحلية غير الأوروبية، فكل الأفلام التي أخرجها عرب وحققت انتشاراً
دولياً هذا العام، أو لفتت الأنظار بمستوياتها الإبداعية هي من تمويل غير
عربي . وكمثال: “أمريكا” لشيرين دعيبس تمويل أمريكي- كندي- كويتي مشترك،
“كل يوم عيد” للبنانية ديما الحر فرنسي- ألماني- لبناني مشترك، الفيلم
الحامل اسم العراق “ضربة البداية” لشوكي أمين كوركي، هو في حقيقته ياباني
التمويل وفيلم “زنديق” لميشيل خليفي هو جهد بريطاني مع حصة إماراتية
وفلسطينية، بينما التمويل الذي أثمر عن قيام إيليا سليمان بتحقيق فيلمه
الجديد “الزمن الباقي” جاء من شركات فرنسية وبريطانية وبلجيكية وإيطالية .
طبعاً المسألة لا علاقة لها بجودة المنتج، فبعض أفضل الأفلام العربية
الجديدة هذا العام من تمويل محلّي صرف، هذا البعض جاء متمثّلاً بالفيلم
المصري “واحد صفر” لكاملة أبوذكرى، والثاني جسده الفيلم المغربي “الرجل
الذي باع العالم” لسهيل وعماد نوري . وكلتا الصناعتين المصرية والمغربية
تعيشان أزمات إنتاجية، لكنهما تستمران بنفس واحد: السينما المصرية عرضت هذا
العام 38 فيلماً جديداً بينما مجمل الأفلام المغربية المنتجة هذه السنة
يبلغ نحو الثلاثين . بطبيعة الحال، فإن معظم هذه الإنتاجات محلية وتجارية،
لكن السينما المصرية عرفت نقطة كان يمكن لها أن تكون فاصلة حين أمت وزارة
الثقافة إنتاج فيلم روائي طويل على حسابها بعنوان “المسافر” لأحمد ماهر،
الذي خسر فرصة تَرْك أثر فني او تجاري وحظي بانتقادات شديدة حتى من داخل
الإعلام المصري نفسه .
لبنانياً، العملية الإنتاجية لا تزال على ذات وضعها منذ سنين . معظم
المُنتج أوروبي، بما في ذلك المأمول إنتاجه من بعد إنشاء مؤسسة جديدة
للانتاج بأموال دنماركية تابعة للاتحاد الأوروبي، كما قيل . هذا أمّن في
السابق، في العام المنصرم، تحقيق بضعة أفلام جيّدة، لكنه لم يؤمن لها
عروضاً ناجحة في أي مكان . العام اللبناني بدأ بمواصلة فيلم “دخان بلا
نار” عروضه السينمائية التي كانت بدأت متأخرة في العام الأسبق وهو إنتاج
مصري- لبناني مشترك نظر إليه حينها كبادرة ربما تدفع عجلة إنتاج مشترك كهذا
الى الأمام، لكن عروضه العربية المحدودة (بما فيها المصرية) أكّدت أن
المسألة ليست بالسهولة المتصوّرة .
على صعيد الإنتاجات الخليجية، فأبرز أحداث 2009 كان أحياناً، ما لم يقع
حدوثه مثل مهرجان جدّة السينمائي الذي صدر قرار بمنعه . السينما الإماراتية
عاندت مخاوف رجال الأعمال وأنجزت نوعين من الإنتاجات: فيلم إماراتي جديد،
بعنوان “دار الحي”، ونوع من الإسهام في التمويلات عربية الإخراج أو أجنبية
كما فعلت في “زنديق” لميشيل خليفي و”ابن بابل” للعراقي محمّد الدراجي .
"الجولدن
جلوب" تعويض منتظر عن إيرادات
ضائعة
حين تنطلق حفلة توزيع جوائز “جولدن جلوب” في السابع عشر من هذا الشهر، فإن
العديد من التوقّعات ستطفو أو ستغرق مع كل نتيجة . هذا العام هناك أهمية
خاصّة في نطاق مسابقة أفضل الممثلين والممثلات بسبب الإيرادات المتدنيّة
التي حققتها معظم الأفلام التي قام نجوم معروفون ببطولتها، وبعض هؤلاء
النجوم من الساعين للفوز بالجائزة على أساس أن الفوز هنا قد يفتح المجال
أمام الجائزة الأكبر، “الأوسكار” في مارس/ آذار المقبل .
يقول أحد المسؤولين عن الحملة الإعلامية لفيلم “في الجو” الذي يقود بطولته
جورج كلوني، المرشّح لجائزة أفضل ممثل درامي: “ابتعاد الجمهور هذه السنة عن
الأفلام التي تقوم ببطولتها أسماء معروفة لا يزال لغزاً شاغلاً، والجائزة
قد تكون أكثر من تعويض .ربما كانت للتذكير بأن الممثلين البشر لا غنى عنهم
لا اليوم ولا غداً” .
إلى جانب جورج كلوني، الذي ينجز فيلمه ذاك بعض النجاح، بسبب ترشيحاته هذه،
نجد مستحقّين آخرين أفضلهم جف بردجز في بطولة فيلم “قلب مجنون” الذي يؤدي
فيه شخصية مغن في مرحلة حرجة من حياته . يليه في القيمة النوعية مورجان
فريمَان الذي يؤدي شخصية نلسون مانديلا في “إنفيكتوس” للمخرج كلينت ايستوود
. ثم توبي ماغواير عن دوره في “شقيقان” وفي المركز النهائي، نوعياً، الممثل
الجديد كولين فيرث في “رجل عازب” .
في الأدوار الكوميدية تبدو الأسماء الرجالية على ذات التنوّع يتقدّمها مات
دامون عن دوره في “المخبر” الذي فشل تجارياً ما يعكس مدى الأزمة التي يعاني
منها الممثلون حاليا . في السباق ذاته أيضاً روبرت داوني جونيور في “شرلوك
هولمز” (هو جيّد، لكن الفيلم رديء) ودانيال داي-لويس عن دوره الغنائي في
فيلم “تسعة”، ثم الاسمان الجديدان جوزف غوردون ليفيت عن دورها في “500 يوم
من سَمر” ومايكل شتولبورغ عن “رجل جاد” .
نسائياً، الأزمة ذاتها متوفّرة على جانبيها . فبينما استطاعت الممثلة
ساندرا بولوك تجاوزها كوميديا، عبر فيلم “العرض” ودرامياً، من خلال فيلم
“الجانب الأعمى”، سقطت تحت وطأتها جوليا روبرتس المتنافسة عن دورها في فيلم
“ازدواجية” . بذلك تتنافس بولوك في مضماري الدراما والكوميديا والشعور
بأنها سوف تنجز النجاح فتنال جائزة واحدة على الأقل في أحد هذين السباقين .
معها في سباق الدراما لاستحواذ الجائزة منافسات بريطانيات هن إميلي بلانت
عن “فكتوريا الشابّة” وهيلين ميرين عن “المحطة الأخيرة” وكاري موليغن عن
“تعليم” . اما المرشّحة الخامسة فهي الأمريكية السوداء غابوري سيبديبي عن
دورها في “غالية” .
كوميدياً، نجد أن المتسابقين مع بولوك وروبرت اثنان فقط: الفرنسية ماريون
كوتيّار عن “تسعة” وميريل ستريب التي تتنافس في سباق التمثيل النسائي
الكوميدي عن فيلمين: “أمر معقّد” و”جولي وجوليا”، بذلك هي ثاني الممثلات
المرشّحات مرتين لجانب ساندرا بولوك .
في نطاق الأدوار المساندة (درامياً أو كوميدياً معاً) هناك بينيلوبي كروز
عن دورها في “تسعة” أيضاً، فيرا فارميغا عن “في الجو”، آنا كندريك عن
الفيلم نفسه، مونيك عن “غالية” وجوليان مور عن “رجل عازب” .
في المقابل الرجالي لسباق الجائزة في قسم الممثلين المساندين، فإن
المتنافسين هم وودي هارلسون عن دوره الرائع في “الرسول” ومات دامون عن
“إنفيكتوس” وكريستوفر بلامر عن “المحطة الأخيرة” (وهو أكبر المرشّحين سناً
هنا)، وستانلي توشي عن “عظام محبوبة” ثم النمساوي كريست وولتز عن دوره في
فيلم كونتين تارانتينو “أبناء زنى غير مجيدين” .
علامات
حياة في السينما
من يقرأ كتاب الزميل أمير العمري يجد نفسه مشدوداً الى ذكريات لا يجدها
المرء في أي مكان آخر .بالطبع هي ذكريات الناقد الغني عن التعريف، وبالتالي
فمن الطبيعي أن لا تكون مطروقة، لكن المثير فيها هي أنها تطرح في كتابه
الجديد “حياة في السينما” ما يخص المثقّفين والسينمائيين والمراجعين جميعاً
. كما يؤكد في المقدمة، يروي جانباً مهماً من حياته الشخصية . كم مهمة؟
مهمة الى درجة أن من يمسك الكتاب سيجد أن الغاية ليست الحديث عن ولادته
ونموّه وارتقائه، ولن يدخل سيرة حياة بالمفهوم البيوغرافي للكلمة، بل سيجد
أمامه شريط ذكريات مصوراً يستعرض فيه الناقد شهاداته على وقائع كثيرة حضرها
وعايشها . وإذ يفعل تستطيع أن تجد أمامك كاتباً يقترب مما يورده ليس من باب
الاستعراض فقط بل من باب القراءة ايضاً وعلى نحو طبيعي لناقد، يبدأ العمري
كتابه بقراءة تحليلية لأول فيلم ترك فيه تأثيراً جعله ينكب على السينما
ويغيّر وجهة نظره فيها . الفيلم كان “بالترتيب” لإيليا كازان (1969) ثم
ينتقل الى فترة ذهبية من فترات الثقافة السينمائية في مصر (والعالم العربي)
هي فترة السبعينات من القرن الماضي ليتحدّث في نحو 56 صفحة عن معايشته
لجمعية نقاد السينما المصريين، ولمن عاصرهم هناك من المرحومين فتحي فرج
وسامي السلاموني الى سمير فريد ومصطفى درويش وحسن بيومي . وهذه الأسماء
تتكرر في مشاهدات وفصول أخرى عبر الكتاب الذي يضع نقاطاً مهمّة على حروف
تلك الفترة ليكتشف، من عاصرها ولم يعايشها مثلي، أن هناك الكثير من جوانبها
لم يكن يعرفه او يصل إليه . ليس على صعيد صراعات داخلية فقط، بل على صعيد
هيكلة الذوق الثقافي في تلك الفترة . أمير العمري لا يُحاسب بل يؤرّخ
كاشفاً أوراقاً تعكس اتجاهات نقدية مهمّة تبعاً للفترات التي وقعت فيها .
ويشرح، خلال مراجعته تلك، موقف نظام الرئيس المصري السابق أنور السادات من
الثقافة وموقف المثقّفين أنفسهم وقد تشيّعوا موالين أو معارضين .
وبحق يسأل (في الصفحة 46) ملاحظاً ظهور واختفاء جريدة سينمائية صدر منها 33
عدداً وخاضت معارك ضد الثقافة المتطبّعة بالخاتم الرسمي، “عما أصاب، ليس
فقط النقد السينمائي في مصر، بل وما حل بالذين كانوا من الأقطاب الرئيسيين
في تلك الجريدة في السبعينات” .
سؤال مرير إذ لا يمكن الإجابة عليه من دون الشعور بأن جهوداً مضنية كثيرة
بُذلت وللأسف ضاعت . كتاب أمير العمري يحرّك الماء الراكد بحرارته المعهودة
وما يطرحه هو ما يشغل باله الى اليوم .
ويكفيه أنه، باستثناء فصل محدود، لم يعمد إلى جمع موادّه من كتب سابقة له
كما بات العديد من النقاد المعروفين يعمد من حين لآخر .
م .ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
03/01/2010 |