مع بداية قرار الزعيم جمال عبد الناصر، ببناء السد العالى، توالى
تقديم عدد كبير جدا من الأفلام التسجيلية، منذ بداية التفكير، وحتى بعد
الانتهاء منه.. وبداية عمله، مكونة ثروة قومية حقيقية من الأفلام التسجيلية
حول هذا المشروع القومى التاريخي.. لحظة بلحظة.. غير أننا للأسف لم نعد نرى
منها شيئا.. ولا نعرف تحديدا أين اختفت؟!
من بين هذا الكم الكبير نذكر عددا من المخرجين الذين سجلت كاميراتهم
هذه اللحظات التاريخية فى حينها.. والتاريخ يسطرها:
أحمد عزت: "السد العالي" (1957) يصور بدء فكرة بناء السد العالى،
والخطوات التى اتخذت لتنفيذ هذا المشروع العظيم.
"قصة السد العالي" (1959) يحكى العقبات والصعوبات التى تعرض لها مشروع
السد العالى، وكيف أمكن التغلُب عليها.
سعد نديم: "أسوان" (1959) مسح شامل للمدينة التى تتأهب لاستقبال السد
العالى، ولمواضع الجمال فيها، ومحاولة التعرف على الآثار المصرية العملاقة
التى تعج بها المنطقة.
حسن التلمساني: "السد العالي" (1962) استعراض لمنطقة أسوان ولجهود
شركة "المقاولون العرب" وعملها فى بناء المرحلة الأولى من السد العالي.
عبد القادر التلمساني: "اليوم العظيم" (1964) تسجيل لتحويل مجرى النيل
فى 14 مايو 1964 بعد إقامة جزء مهم من السد العالى، واستعراض للمنطقة
السياحية فى أسوان.
"السد العالي" (1966-1967) حلقتان من سلسلة "سباق مع الزمن"، تسجيل
لخطوات بناء السد العالى، وعظمة إنسان القرن العشرين فى بناء هذه المشروع.
أنور الشافعي: "زيارة خروشوف لـ ج.ع.م" (1964) تسجيل لزيارة خروشوف
لموقع السد العالى خلال تحويل مجرى النيل.
محمد عز العرب: "أسوان 67" (1967) استعراض لمنطقة السد العالى أثناء
العمل، والتقدم الذى حدث فى مدينة أسوان ولمعالمها التى يزورها السائحون.
محمود سامى عطا الله: "الأرض والنيل" (1968) يبرز الفيلم ما أحدثه
بناء السد العالى فى المنطقة المحيطة به، وتأثيره فى حياة سكانها، وعلاقة
الإنسان بالنيل الذى يعتبر شريان حياة الإنسان المصري.
"الناس والبحيرة" (1971) استعراض لبحيرة ناصر ومشاريع استخدامها،
والأبحاث العلمية التى تجرى فيها، وحياة الصيادين فيها، وجمال المنطقة
السياحية المحيطة بها.
محمد سعيد: "9 يناير عيد السد العالي" (1968) استعراض جمالى للمياه
التى غزت الصحراء بفضل السد العالى، ويعتمد الموضوع على إيقاع الموسيقى
المصاحبة لتتابع الصور التى تقدم مشاهد تشكيلية جمالية لتكوينات المياه
وحركتها، وينتهى بلقطة عامة للسد بعد اكتمال بنائه.
فريدة عرمان: "بلد السد" (1970) استعراض لمنطقة السد العالى، والمشروع
الذى يغمُر البلاد بالخير والرفاهية.
صلاح التهامي: سلسلة "مذكرات مهندس": الجزء الأول (1962) رحلة مع
مهندس من القاهرة إلى أسوان، حيث تتغير عقليته نتيجة لاشتراكه فى بناء السد
العالى، فبعد أن كان مثله الأعلى أن يكون مهندسا يشيد العمارات بالقاهرة
ويضع عليها لوحة تحمل اسمه، شعر أن اشتراكه مع الآلاف فى بناء السد العالى
سيمنحه متعة الحياة الحقيقية، وهى المشاركة فى بناء عمل يعود بالنفع على
الملايين.
الجزء الثانى (1963) زيارة فى رفقة المهندس صاحب المذكرات إلى
النوبة.
الجزء الثالث (1964) المهندس يواصل العمل فى حفر الأنفاق وشق قناة
التحويل، المجرى الجديد للنيل، وإقامة السد الركامى، ومعايشة لحظة 15 مايو
1964 الموعد المحدد لتحويل مجرى النيل، وانطلاق المياه فى القناة والأنفاق،
لتواصل رحلتها فى النيل خلف السد العالي.
الجزء الرابع (1966) تسجيل للمسات الأخيرة فى بناء السد، وتركيب
توربينات الكهرباء، إيذانا بميلاد المصانع فى جميع مدن مصر وقراها، لبعث
نهضة مصر الحديثة المشرقة.
الجزء الخامس (1970) خيرات السد العالى تدق باب كل مصرى، ليقدم له
نصيبه من نور الكهرباء فى بيوت الفلاحين، والحياة الوفيرة لاستصلاح الأراضى
والطاقة الكهربائية لتشغيل المصانع الجديدة.
سلسلة "سباق مع الزمن" (36 فيلما من 1963 إلى 1967) وهى أطول سلسلة من
الأفلام المصرية عن تغيير وجه الحياة فى مصر الحديثة، عن طريق إنشاء السد
العالى ، وفيها رصَد المخرج شكل الحياة فى المنطقة التى اختيرت لإنشاء
السد، ثم تابع خطوات الإنشاء فى أدق مراحلها، وتسجيل المنشآت والمجتمعات
الجديدة التى انبثقت مع بناء السد العالى حتى اكتماله، وتغير شكل المنطقة
حوله، ما يجعل السلسلة وثيقة تاريخية لتطور المنطقة خلال هذه الفترة
المهمة.
أفلام أخرى لصلاح التهامي: "كهرباء السد العالي" (1970)، "سد مصر
العالي" (1972)، "أنفاق السد العالي" (1973)
"السينما التسجيلية فى مصر حتى آخر 1980" إعداد منى البندارى وميرفت
الإبياري
صادر عن المركز القومى للسينما ـ 1981 (تحت إدارة أحمد الحضري)
العربي المصرية في
19/01/2010
المصريون يروضون نهر النيل.. فى «ينابيع
الشمس»
لم يكن جون فينى مخرج فيلم "ينابيع الشمس" معنيا بعمل جغرافى عن
النيل، ولكنه كان معنيا بالدرجة الأولى أن يعالج النيل فى إطار حضارة
عريقة، وهو يربط بينه والشمس والقمر، باعتبارها جميعا ظواهر طبيعية بالغة
التأثير فى حياة الإنسان، بل هى فى الواقع مصدر الحياة. ولذلك جاءت ديانة
مصر القديمة مرتبطة تمام الارتباط بهذه الظاهرة، بحيث يمكن القول أن جون
فينى كان يعنيه أن يرُدَّ التفكير الأسطورى والكهنوتى المصرى القديم إلى
تعذر فهم الأسباب العلمية التى تفسر ظواهر الطبيعة، فالشمس تظل إلها والنيل
كذلك إلها آخر، وتتحول الحيوانات إلى رموز للآلهة.
إن الطبيعة هى محور التدين، أو هى المعبود باعتبارها القوة الكبرى
التى لا يملك الإنسان المصرى القديم إلا الخضوع لها، ويلعب النيل دورا
حاسما فى جوهر هذه الديانة المصرية، وكذلك فى تشكيل الإنسان المصرى، عادات
وخُلُقا، فهو من ناحية يربط المصريين حول ضفافه فلا يستطيعون فكاكا منه،
لأن الماء لا ينزل عليهم من السماء، وإنما يأخذونه منه هو، والماء يحتاج
إلى تنظيم، وبناء مشروعات للرى والصرف، فهذه لا يستطيع أن يقوم بها رجل
بمفرده أو قرية أو عدة قرى منفردة. لابد من قيام حكومة مركزية غنية ذات
سلطان تنفذ هذه المشروعات التى يرتبط بها الفلاح تمام الارتباط.
وهكذا يصبح الفلاح عبدا للنيل لأنه مصدر حى أسير للسلطة التى توفر له
تنظيم مائه، فوصلت به السلطة داخل قيود الأسر هذه إلى حد العبادة، فأصبح
الفرعون إلها لأنه المتحكم فى الحياة.. وتظل الأمور هكذا حتى يُكتشف النيل
اكتشافا علميا ويصبح ظاهرة مفهومة ذات أسباب واضحة، الأمر الذى ينفى عنه
صفة الإله، فهو لا يعدو أن يكون مسألة من مسائل الطبيعة الأخرى التى يجعلها
الفهم العقلى مرفوضة كإله، ولا يقبل المصريون بعد ذلك أن يُلقى بجهودهم
وأموالهم فى بناء مقبرة فرعون ميت، وإنما فى بناء صرح علمى للحياة مثل السد
العالي.
وعندما يصل الفيلم إلى مرحلة الرؤية العلمية للواقع الجغرافى للنهر
فإنه يترك الطبيعة تكشف عن نفسها، مركزا على سحرها، وعلى القوة الهائلة
التى تكمن فى اندفاع النهر من منابعه إلى حيث الدلتا ومصبه الأخير.
خلاصة القول أن هناك خطا فكريا واضحا يحكم بناء الفيلم من أوله إلى
آخره، ألا وهو أن النيل كان إلها لأنه مصدر غامض للحياة، ولما انفك عنه
الغموض أصبح أداة من أدوات الحياة، وانتهت آخر مراسم التقديس التى كانت
متبقية من أزمان سحيقة، وهو عيد "وفاء النيل"، فلم تعد الحياة متوقفة على
وفائه أو عدمه، فهناك بحيرة هائلة خلف السد صنعها الإنسان تقوم بهذه المهمة
عندما يعوزها الوفاء.
أما عن الإخراج فيلفت التظر فى تكنيك جون فينى استخدامه للتصوير
البطيء جدا، الذى يمكنه من عرض ظاهرة طبيعية كاملة أمامنا دون أن تستغرق
وقتها الطبيعى، فهو مثلا يحرك الشمس من مشرقها ويخفيها خلف جبال الغرب فى
ثوان معدودات، بينما تستغرق هذه الحركة كظاهرة طبيعية ما لا يقل عن 14 ساعة
كحد أدنى، كذلك حركة الظلال على المعابد. ولا شك أن هذا التكنيك الذى كان
واضحا جدا فى فيلمه القصير "السماء" أفاد كثيرا جدا فى دعم العلاقة التى
أرادها بين الشمس والقمر والأهرام والنيل والمعابد، فلقد مكّنه من الربط
بينها بوضوح، بالإضافة إلى التعليق الذى كان فى أغلب مشاهد الفيلم كأنه ليس
موجودا داخل المعطيات المرئية فى المشهد، فلم يكن التعليق يشرح الصورة،
إنما يضيف إليها جديدا.
ولم يكن فينى بالإضافة إلى هذا جماليا أو شكليا فى تكويناته، وإنما
حرص تماما على أن تؤدى وظيفتها بعناية، باستثناء مشاهد قليلة جدا كانت
شكلية، كمشاهد المياه وهى تغمر الأرض،والنخيل والبيوت منعكسة على صفح
المياه.
وكانت حركة الكاميرا عنده ناعمة شاعرية موظفة فى مكانها الصحيح. ومما
تجدر الإشارة إليه مشهد خروج النيل من منابعه، هنا كانت حركة الكاميرا
مستمرة على الحيوانات والنيل، دون أن نشعر بانقطاع فى حركة الاستمرار. ولعل
عشق جون فينى للطبيعة جعله ينتقى أكثر مظاهرها تأثيرا وشاعرية، لذلك مكّنه
هذا العشق من أن يقيم بينها صراعا يخدم فكرته الأساسية. يؤكد ذلك مشهد
البداية، ومشهد اندفاع المياه وهى تنحدر نحو جنوب السودان، ومشهد الطبع
المزدوج الذى رأينا فيه الملاحين يجرّون المراكب فوق الجنادل الصخرية
العنيدة.
وكانت ألوان الفيلم غالبا تحمل المعنى، سواء كانت الإضاءة صناعية فى
التصوير الداخلى أو الخارجي. وقد أعطت الألوان إحساسا بالأسطورية فى
الأجزاء الأولى من الفيلم. ولعلى أضيف إلى ذلك أنها أعطت الإحساس بالانطلاق
البدائى، خاصة مع سكان الحبشة والدينكا.
ويلعب المونتاج هنا دورا بالغ الأهمية، فهو يجمع المادة من أجل أن تصل
إلى تأكيد الفكرة العامة، ومهمة الاختيار هنا صعبة جدا، لأنه فى الغالب ليس
هنا سيناريو دقيق تتم على أساسه، وإنما رؤية عامة، ومع ذلك كانت كل لقطة فى
مكانها الصحيح، تقول المعنى المطلوب بالقدر الكافي.
وينبغى فى النهاية أن نضيف هذا الفيلم إلى قائمة الأفلام العالمية فى
مجالها، وأنه شاهد لمخرجه على أن الفيلم التسجيلى ليس مجرد سرد خبرى لواقع
مباشر، وإنما بناء فنى يقوم على الصراع من أجل فكرة معينة، وليس خبرا يُلقى
إلى المتفرج.
نشرة "نادى سينما القاهرة" 28 أكتوبر 1970
العربي المصرية في
19/01/2010 |