يُقال إن رئيس استديوهات ديزني، الراحل وولت ديزني، لم يكن سعيداً حين شاهد
نسخة الأنيماشن التي أنتجتها الشركة سنة 1951 عن رواية لويس كارول «أليس في
أرض العجائب}. صحيح أن الاستديو لم يصرّح بشيء طبعاً، لكن ديزني وجد، وفق
مراجع مختلفة، أن الفيلم أقل تحقيقاً للطموح الذي كان يعتقد أن فنّانيه
سينجحون في إنجازه.
توفي وولت ديزني سنة 1966 عن 65 عاما، وبالتالي من المستحيل طلب رأيه في
هذه النسخة الجديدة التي أخرجها الى الوجود تيم بيرتون، أحد كبار صانعي
الفانتازيات الغريبة في العالم اليوم. لكن هناك مسائل في هذا الفيلم من
شأنها الإيعاز بأنها لم تكن ستعجب رئيس الاستديو الشهير، من بينها أن
الفيلم السابق تكلّف ثلاثة ملايين دولار، أما الفيلم الحالي فيصل الى صالات
السينما وفي رقبته قلادة تقول: «تكلّفت 250 مليون دولار وآمل أن أستردّها».
خاطر مخيف
هو خاطر مخيف أن يخترق مشروع ما سقف المائة مليون دولار (فما البال بمائتي
مليون او مائتين وخمسين مليونا؟!) من دون أن يكون واثقاً من أنه سينجز
إيراداً لا موازياً، بل مضاعفاً لكي يحقق الفيلم الأرباح المرغوبة منه. وهو
خاطر لا يمنع طبعاً من المخاطرة على أسس ومعايير محددة. أولاً، هناك اسم
المخرج بيرتون الذي أنجز الكثير من الأفلام الناجحة، وهناك اسم جوني دب
الذي أنجز أكثر من المخرج أفلاماً ناجحة، ثم اسم الرواية الكلاسيكية
المعروفة بين الصغار والكبار، ثم هناك عنصر الغرائبيات والفانتازيا الذي
يسمح بالإبحار في تقنيات المؤثرات الحديثة. وإذا لم يكن هذا كافياً فهناك
توفير نسخ بالأبعاد الثلاثة، تلك التي باتت مثل الدروس الخاصّة التي يقوم
بها المعلّمون لزيادة دخلهم.
هذه العناصر متوفّرة. ما هو غير متوفّر هو لمسة المخرج الإبداعية بالكامل.
ليس هيّناً ما كان عليه تنفيذه هنا من تشكيل للصورة انتاجياً وتصويرياً
وتصميماً، وليس هيّناً صياغة العالم الذي يتحدّث عنه المخرج من دون أن يسقط
في مطبّات هواجسه الخاصّة ونزعته لتخويف الصغار عوض ترفيههم، لكن المخرج
يبدو كما لو كبح جماحه أكثر مما يجب، ونفّذ الفيلم الذي تريده الشركة ولو
على حساب ما يريده هو.
إنها مشكلة كثيرين من المخرجين الذين عليهم الاختيار بين تحقيق ما يريدون
او احترام التكلفة الباهظة التي وافقوا على العمل بموجبها، ما جعلهم تحت
وطأة مسؤوليات أثقل مما اعتادوا عليه من قبل.
من طفلة إلى شابة
في الرواية المنشورة سنة 1865 كانت أليس فتاة صغيرة دون العاشرة من العمر
تلعب في البستان حين اكتشفت حفرة أرانب. تزحف فيها وتكتشف عالماً جديداً
تحت الأرض فيه مخلوقات غريبة، بعضها -كما فوق سطح الأرض- أفضل من بعضها
الآخر.
سيناريو ليندا وولفرتون للفيلم الحالي (وهي التي كتبت وشاركت في كتابة عدّة
أفلام لديزني) يرقى بسن الفتاة الى التاسعة عشرة سنة من بعد تمهيد مفاده أن
رحلتها هذه الى عالم ما تحت الأرض ليست الأولى لها بل الثانية.
نتعرّف على أليس وهي في سبيل الزواج من رجل ارستقراطي ثري لا تعرفه، وذلك
بفرض من والدتها. الحفلة حاشدة وكل شيء على أهبة الاستعداد لعقد الق.ران.
فجأة تركض الفتاة الشابّة الى حفرة الأرانب وتختفي فيها.
الفيلم من هنا رحلة أليس الى حيث المخلوقات التي هي جزء من المغامرة التي
ستعيشها. يتحوّل الفيلم بعد قليل الى صنعة محسوبة تسرد حكاية غير متساوية
التأثير. في أحيان تنضح بمشاهد مثيرة للدهشة، وفي أخرى تبدو كما لو كانت
منسوجة من خيال داوم مشاهدة كل أفلام هاري بوتر و«مفكرة نارنيا» أكثر مما
قرأ رواية لويس كارول او أكثر مما التزم بها على أي حال. بين هذه المخلوقات
يبرز جوني دب في دور «ماد هاتر» وهيلينا بونهام كارتر في دور «كوين رد».
في الحقيقة، شخصية أليس في هذا الفيلم تبدو كما لو كانت التبرير لوجودهما.
مثلما كانت الحال عندما سطا الشرير آرنولد شوارزنيغر على «باتمان»
التسعينات وسرق، بموافقة المخرج جووَل شوماكر ومنتجي الفيلم، القيادة من
باتمان نفسه (كما أدّاه حينها جورج كلوني) يسطو جوني دب وهيلينا بونهام
كارتر على الفيلم من بين يدي أليس ويسرقان المشاهد بسبب من كتابة ثرية
وإخراج يعتني بهما على حساب بطلة الفيلم. ليس لأن الممثلة ميا اسيكوسكا
جمال بلا موهبة (هي الاثنان) بل لأن السيناريو لم يجد الكثير مما يؤلّفه
عنها او يمنحه لشخصيّتها من حاشية.
في الفيلم السابق، الذي شاهدته مرّة وحيدة في سينما عايدة في بيروت سنة
1962 او نحوها، وإذا لم تخن الذاكرة، بدت أليس كما لو أدركت في نهاية
الفيلم أنها هي العالم الذي «اكتشفته» بخيراته وشروره. أما هنا فالتركيز
ليس على موقفها من العالم، تحت الأرض او فوقها، بل على الآخرين حيالها.
هناك الكثير مما تمكن الإشادة به في هذا الفيلم، لكنه كثير مبعثر في خانات
خاصّة: التصميم الإنتاجي، الإخراج الفني، تنفيذ الأنيماشن والألوان الفاقعة
المستخدمة لبعض الشخصيات (خصوصاً هيلينا) والماكياج لكل الشخصيات. ما
يحتاجه المخرج لإتمام هذه الإيجابيات كان قدراً من اندماجه العاطفي الذي
يبدو ان المخرج كان قادراً عليه، ذلك لأن بيرتون في أفضل حالاته فقط عندما
يرسم عالماً داكناً وحين يكون بوسعه التصرّف بشخصياته على النحو الذي يريده
وتبعاً لحريته الإبداعية. كل من جوني دب وهيلينا بونهام كارتر توليا بطولة
فيلمه السابق «سويني تود» حيث العالَم الفيكتوري نفسه والمكان ذاته (لندن)
والمقارنة وحدها بين هذين الفيلمين هي التي تظهر الفرق بين تملك المخرج
لمقدّراته حين يكون حرّا، وبين امتلاكها لاختياراته حين يكون مقيّداً.
شخصيات نافرة
سينما بيرتون تقوم على تلك الشخصيات التي يحب المخرج تقديمها: شخصيات نافرة
عن المعتاد، لديها حب للجديد والمختلف، وتبدو كما لو أنها كَبُرت من دون أن
تنمو كثيراً. الطفل الذي عاش في داخلها بقي ملازماً لها وقد أصبحت راشدة.
هذه الصورة تكررت في أول أفلام برتون مع ممثله المفضّل جوني دَب «إدوارد
سيزرهاند» وازدادت قتامة فيما بعد، إذ نجدها في فيلمه الثالث مع دب
Sleepy Hollow،
حيث العالم داكن لا يؤتمن، والشخصيات تدور داخل عواطفها لا تستطيع الخروج
مما هي فيه من أزمات. وسواء أكان الفيلم الذي يخرجه كرتونياً او حيّا، او
مزيجاً، كما الحال في «أليس في أرض العجائب»، لكن هذه المعالجة للشخصيات
المتوحّدة والمنفردة، وللعالم الداكن الذي تعيش فيه وتتشرب من لونه وشروطه
كل مصادر شخصيّتها، دائماً ما هي موجودة.
في فيلم «عروس جثّة» الفيلم الكرتوني بالكامل الذي أنتجه بيرتون قبل ثلاثة
أعوام، ولم يخرجه، يقدّم لنا شخصية فتاة صغيرة مطلوب منها أن تتزوّج ممن لا
تحب. تدخل حفرة وتجد نفسها في عالم آخر. بالتأكيد التشابه ليس مقصوداً،
لكنه قائم.
بطاقة الفيلم
الفيلم: أليس في أرض العجائب
Alice in Wonderland
إخراج: تيم بيرتون
تمثيل: جوني دب، ميا اسيكوسكا، هيلينا بونهام كارتر، آن هاذاواي، كرسبن
كلور، تيموثي سبول.
النوع: فانتازيا مقتبسة عن رواية - الولايات المتحدة 2010.
أوراق ناقد
حدث ذات «اراياتي»
هذه الحادثة التي وقعت على مراحل وتم كشف النقاب عن آخر تفاصيلها قبل أيام،
لها أكثر من دلالة. وهي في الوقت ذاته مدعاة للتأمّل في العلاقة بين الناقد
والمخرج والصحيفة وأبطالها، انها صحيفة ارايتي التي كانت لما قبل الأزمة
الاقتصادية تُسمّى بـ«إنجيل السينمائيين» وما زالت مرجعا، وأحد نقّادها هو
روبرت كولر والمخرج جوشوا نيوتن.
اللب في الموضوع هو فيلم سينمائي أخرجه جوشوا نيوتن بعنوان «صليب من حديد»
من بطولة الممثل الراحل روي شايدر (زميل جين هاكمَن في «فرنش كونكشن»)، في
دور أب اميركي يسافر الى ألمانيا ليزور ابنه المبتعد، وتشاء الصدف ان
الساكن في البيت الذي يعلو بيت ابنه، ضابط نازي متخفّ يكتشفه شايدر ويخطط
وابنه للانتقام للضحايا اليهود مما فعله ذلك الضابط بهم.
الناقد كولر شاهد الفيلم وكتب عنه مقالته النقدية التي وجدت أنه «عمل رديء،
مجزأ، يحمل طموحاً يوحي بأفكار طموحة لكنه يخفق في تحقيقها»، قامت قائمة
المخرج وكتب للصحيفة معترضاً قائلاً «إن الناقد لفّق الحقائق، وكتب لغيرها،
كاشفاً على أنه دفع لمجلة اراياتي 400 ألف دولار قيمة إعلانات لأجل ترشيح
الفيلم الى الأوسكار، وأن المجلة تقاضت المبلغ ونشرت الإعلانات لكنها قتلت
الإعلانات وفرص الفيلم بمقالتها النقدية.
ماذا فعلت الصحيفة تبعاً لذلك؟
سحبت المجلة المقالة النقدية عن موقع «اراياتي» الإلكتروني وقام رئيس
التحرير تيموثي غراي بمشاهدة الفيلم لمعرفة ما إذا كانت اتهامات المخرج من
أن الناقد لفّق حقائق صحيحة. بعد المعاينة، وجد رئيس التحرير أن ناقده على
صواب وأن المقالة تلتقي والفيلم من دون خلاف في الحقائق فأعاد نشره على
الموقع من دون تعديل.
بذلك، وقف رئيس التحرير مع ناقده في مواجهة مخرج حاول الانتقام من الناقد
عبر الاحتجاج عليه، وحين أخفق كشف عن أنه دفع للمجلة ثمن اعلانات لأجل
ترشيح الفيلم الى الأوسكار وهو الترشيح الذي لم يحدث لأن الفيلم لم يثر
الإعجاب على أي حال.
ما فعلته الصحيفة أنها فصلت الرأي عن الحقائق. فلو أن الكاتب غيّر في
معطيات الفيلم (كأن يغيّر في قصّة الفيلم او أن يبتدع له مشاهد ومواقف
ليؤيد وجهة نظره فيه)، لكان الناقد على خطأ ولوضع نفسه تحت مسؤولية التحرير
بلا ريب. حين تأكدت الصحيفة من أن ناقدها لم يفعل ذلك، بل أبدى رأيه
النقدي، مارست ديموقراطية الرأي وأعادت نشر المقال كما كان.
ما فعله المخرج (ولا يزال.. إذ يتبرّع بمقابلات صحفية ليوحي بأن الفيلم لم
يصل الى الأوسكار بسبب الصحيفة)، هو أنه اعترض على ما لا مجال للاعتراض
عليه. وهذا لا يحدث مرّة واحدة في العام مع صحيفة واحدة، بل لابد يحدث ما
بين الكثيرين من النقاد والمخرجين في كل أنحاء العالم، ربما مرّة كل شهر
خصوصاً في الدول التي ما زالت تنمو منذ مائة سنة.
العجيب أنه حدث في أميركا. والأعجب أنه حدث مع الصحيفة التي لا تترك فيلماً
تحت الشمس الا وتعرضه ولا مهرجاناً الا وتحضره، موفدة نقّادها، (نحو عشرين
دائمين)، حول أركان الكرة الأرضية. وهذا كلّه يذكّرني بما هو شائع جدّاً في
عالمنا العربي: تكتب عن فيلم عربي ما من زاوية أنه أعجبك، فلا تستلم من
المخرج حتى دعوة لمشاهدة فيلمه المقبل. تكتب عن الفيلم من زاوية سلبية،
فإذا به يكتشف أنك حي يُرزق وينتقل من مبدأ «أنا لا أهتم بالنقد او النقاد»
لمبدأ «سوف أخرب بيته».
ليس أننا نكتب لكي نتلقى الثناء، وعلاقتنا هي مع الفيلم الماثل على الشاشة
والجمهور الذي يريد الحقيقة قبل أن يدخل او حتى بعد ذلك، لكننا بالتأكيد لا
نريد أن نتلقى الشكاوى أيضاً.
حكايات وراء الكاميرا
من الأفضل للماضي أن يبقى مستوراً
عندما وافقت الممثلة سارا جسيكا باركر على بطولة الحلقة الأولى من برنامج
تلفزيوني يتم إعداده حالياً باسم {من تظن نفسك؟} ?Who Do You Think You Are
لم تكن تعلم أنها ستفتح على نفسها باباً كان من الأفضل تركه موصداً.
ففكرة البرنامج تقوم على أن يستعيد نجم معروف تاريخ أجداده باحثاً عن شجرة
العائلة من جذورها الى التاريخ القريب. وجسيكا، مدفوعة بالفكرة ورغبتها
الخاصّة في معرفة من أين أتت ولمن انتمت، اكتشفت أن عائلتها جاءت من
بريطانيا في منتصف العقد الثمانيني من القرن التاسع عشر، وأن والدها الأول
ربما دفع الناس للاعتقاد بأنه انتحر، بينما تسلل هارباً الى كاليفورنيا
بحثاً عن الذهب. أما عائلتها لجهة الأم فلم تكن ألمانية كما اعتقدت سارا
طويلاً بل إنكليزية أيضاً، وقد وصلت الى القارة الجديدة في القرن السابع
عشر حيث انخرطت، حسبما كشف الخبراء للممثلة، في ممارسة السحر وكن من اعتبرن
أنهن ساحرات في محاكمة ما زالت معروفة
Salem Witch Trials
تاريخيا الى اليوم باسم محاكمة سحرة مدينة سالم، وهي المحاكمة التي نتج
عنها شنق معظم من تناولتهن التهمة بمن في ذلك، إحدى جدّات الممثلة.
سيناريو يصلح لفيلم من بطولتها لكن سارا، التي تقول إنها حزينة لما
اكتشفته، مرتبطة بكشف كل هذه الملابسات في الحلقة الأولى من البرنامج في
خريف هذا العام.
دي نيرو يلهث من جديد
أحد افلام الممثل روبرت دي نيرو الناجحة في الثمانينات كان «هروب منتصف
الليل»
Midnight Run، فيلم أكشن كوميدي يؤدي فيه دي نيرو شخصية «باونتي هنتر» عليه القبض
على محتال تطلبه العصابة والبوليس معاً. المهمّة تصبح أصعب حين يحاول صياد
جوائز آخر سرقة المحتال منه لكي ينال الجائزة.
أكد ذلك الفيلم حينها ميل الممثل المعروف للتمدد كوميدياً، او كوميدياً مع
أكشن طوال الخط، وشخصية تبدو حازمة وعنيدة، لكنها معرّضة للخطأ كسواها.
وهذا ما يبدو أن على دي نيرو تأكيده من جديد، إذ استقرأت الشركة المنتجة (يونيفرسال)
مزاج الممثل في جزء ثان يواصل تقديم تلك الشخصية في فيلم جديد، والممثل
عبّر عن موافقته المبدئية مشروطة بالطبع بالسيناريو الذي بوشر بكتابته
فعلاً.
ليس معروفاً بعد إذا ما كان سيطلب من الممثل الآخر الذي تناصف البطولة مع
دي نيرو لاعباً شخصية المحتال (تشارلز غرودين) العودة الى الكاميرا أيضاً،
او اعتبار أن دوره انتهى مع نهاية ذلك الفيلم وأن القصّة الجديدة عليها
تقديم شخصيات جديدة كلها باستثناء شخصية دي نيرو الذي لا غنى عنه.
القبس الكويتية في
10/03/2010 |