هناك 41 فيلماً مدرجاً على جدول العروض ما بين الأسابيع القليلة المقبلة
ونهاية العام القادم وكلّها بنظام الأبعاد الثلاثة . والفيلم الثاني
والأربعون يجهز بعدما كان عرض قبل تسع سنوات ببعدين وحقق حينها نجاحاً
كبيراً . إنه “تايتانك” للمخرج جيمس كاميرون المنتشي بنجاح فيلمه الجديد
“أفاتار” الذي صنع وعرض بالأبعاد الثلاثة الى درجة أنه ينوي الآن إعادة
“تايتانك” الى صالات السينما حتى يقطف ثمرة النجاح الحالي للأفلام المزودة
بهذا النظام .
كما هو معلوم، أنجز “أفاتار” أكثر من مليارين و660 مليون دولار وهو لا يزال
يدر نحو 20 مليون دولار من الأسواق العالمية كل أسبوع بعد أكثر من شهرين
على بدء عرضه . وفي الأسبوع الماضي افتتحت “ديزني” فيلماً جديداً بالأبعاد
الثلاثة هو “أليس في أرض العجائب” الذي انتشر بنسختين، واحدة بالبعدين
التقليديين وأخرى بثلاثة أبعاد . حصيلة ايراداته العالمية مع نهاية أسبوعه
الثاني وصلت الى 442 مليون دولار منها قرابة 300 مليون دولار سجلت من
النسخة الثلاثية .
لا أحد يتوقّع أن ينجز هذا الفيلم الغرائبي الذي حققه تيم بيرتون النجاح
ذاته الذي أنجزه فيلم جيمس كاميرون، لكن المتوقّع له إيراد كبير قد يتجاوز
الثمانمئة مليون دولار . تبعاً للمعدّل المذكور فإن أكثر من نصف هذا المبلغ
ناتج عن العروض ثلاثية الأبعاد له .
كما يعلم الجميع، يؤمّن نظام الأبعاد الثلاثة عنصر نتوء الصورة، فإلى جانب
البعدين الأفقي والعمودي المعتاد، يكوّن النظام المذكور القدرة على ابتكار
العمق وتجسيده فإذا به يخرج (وهمياً) من الشاشة المسطحة ليبدو كما لو أن
هذه الذراع الممدودة، او تلك الفراشة الطائرة او الصخرة المتدحرجة تركت
مكانها داخل الفيلم وتبوأت مكاناً آخر خارجه .
ومع أن عودة سينما الأبعاد الثلاثة (التي كانت ظهرت في أكثر من حقبة لسنوات
قليلة قبل أن تخبو) بدأت قبل نحو عامين من خروج “أفاتار” الا أن نجاحه
التجاري غطّى على كل تلك الأفلام السابقة في النظام ذاته ومنها “بولار
اكسبرس” و”كورالاين” و”مونسترز” و”فوق” و”يوم الحب الدموي” و”رحلة الى مركز
الأرض” وذلك لأسباب متشابكة من بينها وعي الجمهور بأن جيمس كاميرون سوف
يُقدم على إنجاز ما ليس له سوابق في هذا النظام، كما السمعة الكبيرة التي
أحاطت بالفيلم من قبل وصوله الى الشاشات، بالإضافة الى حقيقة أن “أفاتار”
هو قمّة حديثة في السينما الخيالية والغرائبية بحد ذاته، في حين أن معظم ما
سبقه من أفلام حديثة من هذا النوع كانت أقرب الى تحديث محدود للنظام الذي
تم ابتداعه وانتشاره في الخمسينات .
وكانت تلك الفترة شهدت الاندلاع التجاري الأول لنظام الأبعاد الثلاثة وذلك
بعد محاولات منفردة جرت فيما قبل . المبدأ آنذاك، كان -ببساطة- التلاعب على
المسافة بين العينين اليمنى واليسرى عبر استخدام كاميرتين متباعدتين
بسنتيمترات قليلة . هذا المبدأ لا يزال هو نفسه كونه علمياً يتعلق بالأسس
البصرية ذاتها وكيفية استقبالها لصور وهمية عند عرض هذه الصور من زوايا
محددة .
المختلف هو كل الآليات التقنية المبنية على هذا المبدأ والتي استنبطت
القدرة على تحوير أكثر اكتمالاً لما يصور بالكاميرتين، وبل تطوير ما يصور
بكاميرا واحدة لتحويله الى بعد ثالث كما الحال مع “تايتانك” وبضعة أفلام
أخرى قد يكون من بينها “جوز 3” الذي كان ستيفن سبيلبرج أنتجه والجزءان
السابقان له بالبعدين العاديين، بل إن اليابانيين والصينيين يجرون تجارب
على نظام أبعاد ثلاثي لا تستخدم بموجبه تلك النظارات الخاصة .
بعض الشركات اليابانية طرحت بالفعل نظماً أجهزة تلفزيون تبث ما يتبلور أمام
العين المجرّدة بثلاثة أبعاد.
هذا ليس من دون ثمن باهظ ستدفعه السينما في أمريكا كما خارجها، ففي زمن
يعتبر فيه الجمهور الجديد أن ما ليس تقنياً حديثاً لا يمكن له أن ينتمي الى
مداره المباشر، سيأتي ذلك اليوم الذي تنتفي فيه حاجته لمشاهدة أفلام ليس
لها الدواعي والعناصر الإنتاجية لارتداء نظام الأبعاد الثلاثة . بذلك
ستتحوّل هذه الأفلام الى نطاق تاريخي كما حدث مع التصوير بالأبيض والأسود
الذي اضمحل بعد سنوات من المثابرة على الألوان . وفي حين أن فشل الأبعاد
الثلاثة سابقاً كان مردّه الفترة الزمنية التي كانت لا تزال فيها الحياة
تعتمد على العنصر البشري قبل دخول الكمبيوتر والأنظمة الرقمية المختلفة كل
مساراتها، فإن فشل الأبعاد الثلاثة اليوم يبدو غير محتمل ليس فقط بسبب
نجاحه التجاري الجديد، بل بسبب المنحى الاستقطابي الذي اتخذه العلم في
العقدين الأخيرين من الزمن .
وربما من بين الدلالات في هذا الاتجاه أن مرحلة الخمسينات من القرن الماضي،
تلك التي شهدت أعلى قدر من إنتاج افلام هذا النظام قبل تهاويها، شهدت أيضاً
إنتاج أفلام مجسّمة من خارج النوع الغرائبي، فكان هناك أفلام بوليسية مثل
“أدر القرص للجريمة” ووسترن مثل “تازا، إبن كوتشيز” و”القانون وجاك وايد”
والرعب الكلاسيكي مثل “المخلوق من البحيرة السوداء” . أما اليوم فمثل هذه
الأفلام لا داعي لتطويرها لأن الأولوية للأفلام الخيالية المحضة من خيال
علمي الى فانتازيا وأنواع “الأنيماشن” .
“السر
في عيونهم” مفاجأة
أرجنتينية
لحين ظهور نتيجة جوائز الأوسكار قبل أسبوعين، كان معظم المتابعين
والسينمائيين على حد سواء يتوقّع فوز الفيلم الألماني “الشريط الأبيض”
لميشيل هنيكه أو فيلم “نبي” للفرنسي جاك أوتيار بأوسكار أفضل فيلم أجنبي .
لذلك، جاء فوز الفيلم الأرجنتيني “السر في عيونهم” بتلك الجائزة بمثابة
مفاجأة كبيرة سعيدة لكثيرين وحزينة للبعض خصوصاً المتّصلين بالفيلمين
المذكورين .
وكان من حق المتابعين توقّع فوز أحد هذين الفيلمين الأوروبيين، ليس فقط
لجودة كل منهما، بل أيضاً بسبب ما خطفه كل فيلم من جوائز مختلفة في
مهرجانات ومناسبات سابقة . فيلم هنيكه التقط، منذ أن عرض عالمياً لأول مرّة
في إطار مهرجان “كان”، ست عشرة جائزة أهمها السعفة الذهبية من المهرجان
الفرنسي وجائزتا الفيلم الأوروبي في حقلي أفضل فيلم وأفضل مخرج . ونال فيلم
أوديار نحو 29 جائزة بما فيها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان “كان” وجائزة
“بافتا” البريطانية وتسع جوائز “سيزار” السنوية الفرنسية بما فيها جائزة
أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل كتابة سينمائية وأفضل تمثيل أول (ذهبت للعربي
الأصل طاهر رحيم) .
من ناحيته، جاء الفيلم الأرجنتيني الذي أخرجه خوان جوزيه كامبانيللا من درب
مختلف . لم يسمع به كثيرون خارج إطار السينما الأرجنتينية ومعظم الجوائز
السابقة التي حصدها قبل الأوسكار كانت لاتينية المنشأ ومن بينها ثلاث عشرة
جائزة في ثلاثة عشر فرعاً من جوائز أكاديمية العلوم والفنون السينمائية
الأرجنتينية ذاتها .
الفيلم بدوره لا يقل قيمة عن “الشريط الأبيض” أو “نبي”، بل لعله يتجاوزهما
في بعض تصاميم المشاهد واللقطات التي تنحو الى الكلاسيكية . هو يلتقي مع
فيلم “الشريط الأبيض” في كونه فيلماً يدور حول لغز معيّن، لكنه يختلف معه
في أنه لا يكترث لإدانة جيل كامل ولا لاستنباط المناسبات للقطات طويلة
وأخرى صادمة . وبالمقارنة مع فيلم “نبي” يكاد لا يلتقي وإياه في أي شيء، لا
في الموضوع ولا الشكل المختار لمعالجته .
فيلم كامبانيلا الخامس منذ العام 1991 حين أخرج أول أفلامه الروائية
الطويلة يتعامل وجريمة اغتصاب وقتل ارتكبت سنة ،1974 وها هو أحد المحققين
(ريكاردو دارين) لا يزال يحوم حول ظروفها الغامضة فيعود إلى فتح ملفّاتها
ليقرأ فيها من جديد ولينبش تاريخاً مؤلماً لأكثر من طرف بما فيه طرفه هو .
هذه المرّة سيكتشف حقائق أكثر وسيجد نفسه أمام وضع لا يملك إزاءه إلا قدراً
من التمنّي لو أنه لم يفتح نافذة كانت أوصدت منذ ذلك الحين .
لا يملك “السر في عيونهم” عناوين كبيرة، وفي معالجته يبدو مثل تمثيلية
بوليسية ذات لمسات هيتشكوكية مصنوعة بسلاسة الأعمال التي كانت تحققها شركات
التلفزيون البريطانية للشاشة الصغيرة . وهذا هو المظهر الخادع، كمضمون
الفيلم، ففي طيّ المعالجة الفنية يكمن السر في أن المشاهد ينسجم مع المادّة
المطروحة، لا تشويقياً فقط، بل كتنفيذ لغوي لسينما لا تخشى أن تنتهج
أسلوباً كلاسيكياً صرفاً وتنتصر فيه .
السينما الأرجنتينية في السنوات الست الأخيرة شهدت نشاطاً أفضل من ذي قبل،
إذ شاهدنا أفلاماً عديدة نفذت إلى كبرى مهرجانات السينما بدءاً من “مفكرة
الموتوسيكل” لوولتر سايلز (2005) ووصولاً إلى أفلام حديثة مثل “الآخر”
لأريل روتر (نال جائزة الدب الفضي في برلين قبل ثلاث سنوات) و”أمّهات”
لأدواردو والجر و”الإشارة” لريكاردو دارين ومارتن هودارا . لكن “السر في
عيونهم” يبقى الإنجاز الأفضل لجانب فيلم وولتر سايلز (الذي تناول حقبة من
تاريخ جيفارا) وعلامة فارقة في سينما تعود إلى أكثر من سبعين سنة معظم ما
أنتجته بقي مجهولاً .
علامات
شادي عبدالسلام
لم يتسن لشادي عبدالسلام، الذي ولد في منتصف الشهر الحالي سنة ،1930 سوى
إخراج فيلم روائي طويل واحد هو الذي عرف بعنوانين هما “ليلة إحصاء السنين”
و”المومياء” وذلك سنة ،1969 أما أعماله الأخرى فخمسة منها وثائقية تتعامل
جميعاً مع الموضوع ذاته الذي تعامل معه فيلمه الروائي الطويل الوحيد: موضوع
أثر وحاضر التراث الفرعوني في مصر اليوم . هذا الأثر يزداد وضوحاً، لا على
الشاشة من فيلم لآخر فقط، بل من خلال إصرار المخرج على تناوله مرّة بعد
أخرى وبصور ومواضيع مختلفة .
إنه فيلم مركّب على نحو جمالي مكثّف . من حيث الموضوع هو عن موت كبير
القبيلة التي تشرف على مقابر فرعونية معيّنة لا يعرف مكانها سواه . قبل
وفاته يطلع ولديه على مكانها لأنهما سوف يتقاسمان المسؤولية من بعده وهما
يكتشفان، وقد رحل، أن الأسلاف (والدهما ومن قبله) كانوا يتاجرون بالآثار
ليس طمعاً بالثروة، بل لحاجة القبيلة إلى ما تعتاش عليه . وما يلبث أن يؤدي
ظهور المزيد من القطع الفرعونية المباعة في السوق السوداء إلى زيادة الضغط
على القبيلة للكشف عن الموقع وهذا ما يستجيب له أحد الشقيقين (الأصغر كما
أعتقد) وبذلك ينتقل الفيلم من اسئلة محقّة حول المسؤولية الفردية وغياب
الحماية الوطنية، إلى المعاني الواقفة خلف ضروريات الحياة بالنسبة لأناس
مضطرين للاسترزاق على عكس التجار الذين يبغون الإثراء وحده . فيلم شادي، من
حيث الموضوع، يزخر، بشكل هادئ، بالطروحات الاجتماعية والسياسية ملاحظاً
تسلسلاً في التبعات والمسؤوليات ترتفع لكي تطرح السؤال على الضمير الإنساني
حيال ما يعرضه .
إذ كتب المخرج السيناريو بنفسه اختار أن تنطق شخصياته الفصحى لسبب يبدو لي
ملتقياً مع الحالة الخاصّة التي نجح الفيلم في تمثيلها . حتى في سنة
إنتاجه، التي كانت البداية لحقبة شهدت أعمالاً رائعة من رعيل يوسف شاهين
وصلاح أبو سيف وتوفيق صالح وأشرف فهمي وسعيد مرزوق وعاطف سالم وكمال الشيخ
وسواهم، لم يكن هناك فيلم مشابه له . استخدام الفصحى كان (لأسباب مقبولة)
مُعدم، لكن الأهم هو أن الأفلام (الجادّة منها قبل غير الجادّة) لم تطرح ما
طرحه شادي عبدالسلام في صلب التراث المصري لناحية العلاقة بين المصري اليوم
والمصري الفرعوني المطل عبر التاريخ إلى الزمن الحاضر .
الناحية التي لا تقل أهمية هي تصوير عبدالعزيز فهمي وتصميم صلاح مرعي
للمناظر . ما أذكره من الفيلم بوضوح بعد مشاهدتين واحدة في بيروت والثانية
في لندن، هو لوحاته وحركة شخصياته فوقها . إذا ما كانت هناك لازمة يمكن وصف
هذا الفيلم بها فهي أن مخرجه نفّذ عملاً تم تصميمه بعناية متناهية للوصول
بالعمل للتعبير عن الفن بالفن . أكثر من ذلك لا أستطيع أن أجد كلمات مناسبة
أخرى .
م .ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
21/03/2010 |