حسب مركز إسرائيلي متخصص بالكشف عن غير اليهود الذين ساعدوا في حماية او
تهريب اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، تأتي بولندا في المقدّمة. فقد
تم إحصاء 6135 مواطناً بولنديا مسيحياً قدّموا تلك المساعدة حينما كانت
القوّات النازية تجمع اليهود او ترحلهم الى معسكرات اعتقال خارج وورسو ومدن
بولندية رئيسية أخرى. والمركز نفسه يقول ان العدد الإجمالي للأوروبيين
المسيحيين (او غير اليهود) الذين ساعدوا اليهود في الهرب او في الاختباء
بعيداً عن أعين النازيين خلال الحرب العالمية يبلغ 22765 مواطناً. ما يعني
أن نسبة كبيرة من المواطنين المسيحيين (الكاثوليك على الأخص) عرّضوا حياتهم
وممتلكاتهم للخطر في سبيل القيام بالفعل الصحيح في تلك الظروف.. نسبة لا
يوجد ما يوازيها من الأفلام الباحثة في الهولوكوست، وعددها بالمئات، التي
عادة ما تتحدّث عن الجلاد والضحية من دون طرف ثالث.
إرينا سندلر واحدة من اولئك البولنديين الكاثوليكيين الذين قاموا بمحاولات
ناجحة في هذا السبيل. المراجع القليلة المتاحة تتحدّث في أسطر معدودة
حولها، فتقول ان اسمها الكامل إرينا ساندلروا، ولدت سنة 1910 وتوفيت في
العام 2008، وأنها مسؤولة عن إنقاذ حياة نحو 2500 طفل. ولو أن الفيلم يحذف
كلمة نحو ويحدد العدد بـ 2500 من دون التباس، على ذات النحو الذي حددت فيه
الحركات الصهيونية أن عدد الضحايا اليهود في تلك الحرب (البشعة ككل الحروب)
كانوا ستة ملايين بالضبط. أرقام مبكّلة ولو أن أي رقم آخر، بصرف النظر عن
حجمه، كاف لوصم الفاعل بمثل تلك الجرائم غير الإنسانية.
فيلم لا يحكي الكثير
«القلب الشجاع لإرينا سندلر» ليس لديه الكثير حقّاً ليحكيه: إنه قصّة
العاملة في لجنة الخدمات الاجتماعية، إرينا التي نراها في أوّل الفيلم تدخل
بتصريح خاص، الى الغيتو اليهودي في قلب وورسو لتواسي وتداوي وتطعم بعض
المحتاجين. كدليل على ذلك نراها تخرج من حقيبتها كسرة خبز لا يزيد حجمها عن
نصف كف لتعطيها الى صبي يهودي وشقيقته. هل كانت هذه الكسرة هي كل ما تستطيع
إدخاله او أن ميزانية الفيلم لم تكن كافية لشريحة خبز كاملة؟
لا هذا ولا ذاك. المشهد، والكثير من المشاهد التالية، هو المقصود بذاته على
نحو يُراد به الرمز الى الواقع عوض الحديث عنه. وإذ يواصل الفيلم الحديث عن
إرينا وما تواجهه من حالات، فإن الكثير من المشاهد تتوالى في السياق نفسه.
لا شيء يفي بجهد لدراسة وضع، ولا يحاول الفيلم تعميق ما نراه لتشكيل وضع
يتجاوز حالة إعلان عن الموضوع من دون سبر غوره.
هذا النوع من المعالجة، غير الغريب عن الكثير من أفلام الهولوكوست يلخّصه
على نحو نموذجي مشهد لاحق نرى فيه الثلج ينهمر على ضوء مصباح ليلي. الغريب
في ذلك الثلج أنه لا يصل الى الأرض، فاللقطة ذاتها تظهر الأرض بلا ثلج.
الغاية هنا هي مناخية تبعاً لما تثيره مثل تلك اللقطة عادة من معانٍ مرتبطة
بالفترة من العام واستخدامها وقفاً على الفكرة وليس تعميقاً طبيعياً
وعملياً. على هذا المنوال تأتي المشاهد بأسرها مصحوبة بتلك النقرات
المنفردة على البيانو لزوم المسحة الحزينة.
كذلك، لا تبلور للشخصيات ولا ترسيخ لشخصية إرينا سندلر ذاتها لا في الواقع
ولا في الواقع الافتراضي الذي تدور فيه الأحداث. بذلك فإن الدراما تتحوّل
الى عملية تقديم حالة ما على الشاشة، من دون القدرة على النفاذ داخلها او
التعامل معها درامياً على النحو الذي تعامل فيه ستيفن سبيلبرغ مع موضوع
فيلمه «قائمة شندلر» او رومان بولانسكي مع موضوع فيلمه «لاعب البيانو»
وكلاهما يتضمّنان، كهذا الفيلم، شخصيات ساعدت يهوداً على النفاذ من
العنصرية النازية.
بكاء ونحيب
لكن «القلب الشجاع لإرينا سندلر» هو أكثر هذه الأفلام الثلاثة استغلالاً
لفكرة الحديث عن سندلر ليتحدّث عن اليهود والهولوكوست بشكل تعاطفي ساذج
واستعراضي لا أصالة فيه او عمق. ما يزيد من هذا الشأن حقيقة أن الممثلة آنا
باكوين، التي لعبت دور ابنة روبرت دينيرو في
Cape Fear
في التسعينات، تبدو معنية بتمثيل الإمارات البادية للاهتمام. الحق ليس
عليها لأن الشخصية كُتبت كسرد للأحداث وليس كبحث في دواخلها، لذلك كل
التعابير تبقى على السطح والأداء يصبح توظيفياً غير مقنع.
بالتأكيد، ارتفعت الأفلام التي تتحدّث عن شخصيات غير يهودية عملت على إنقاذ
ضحايا يهود منذ أن أنجز سبيلبرغ فيلمه ذاك سنة 1984 لكن الوظيفة المنوطة
مازالت واحدة: الحديث عن المحنة التي تعرّض إليها اليهود، وهو حديث استهلك
حتى من قبل فيلم سبيلبرغ، وما زاده سبيلبرغ الا استهلاكاً.
أزمة ضمير
البادي هو أن هذه الأفلام تتكاثر كلّما كانت هناك أزمة ضمير أوروبي وأميركي
حيال ما يحدث في فلسطين. بعد حرب غزّة الدامي، وما سبق ذلك من قتل عشوائي
للأبرياء من المدنيين في لبنان وفلسطين بأسرها، ومع المزيد من فتور درجة
التعاطف التقليدي حيال الكيان العنصري القائم، تأتي هذه الأفلام تحاول
ترقيع ما تمزّق مذكّرة بالأوضاع المأسوية (بلا ريب) التي عانى منها اليهود
خلال الحرب العالمية الثانية.
وفي غضون العام الماضي ومطلع هذا العام شاهدنا حفنة لا بأس بها: «تحد»
لإدوارد زويك حيث بطولات لمسلّحين يهود حاربوا القوّات النازية في بروسيا،
«الولد في البيجاما المخططة» لمارك هرمان حيث ابن نازي يتقرّب من صبي يهودي
ويرتدي مثله بيجاما مخططة، «آدام منبعثاً» لبول شرادر حول اليهودي الذي لا
يزال يعاني من شرخ نفسي حين وجد نفسه ناجياً دون باقي اليهود.
في «تعليم» للون شرفيك يبدو الموضوع العاطفي الاجتماعي الكامن بأسره في
لندن مناسبة للحديث أكثر وأكثر عن يهودية الشخصية الرجالية التي يؤديها
بيتر سارسغارد. «اليهودي سوس» لأوسكار رولر ينتهز فرصة الحديث عن الممثل
الألماني الذي اضطر ليلعب شخصية اليهودي القذر في فيلم بروباغاندا نازي
ليعرض الوضع ذاته. وفي الفيلم السلواكي «وعود مكسورة» شاب يهودي يعاني
الأمرّين للبقاء حيّاً وسط ظروف غير مواتية.
ليس أن هذه القصص ليست جديرة بحد ذاتها، او أن المرء عليه أن يطالب بمنعها،
لكن المشكلة هي أنها تواصل الحديث عن الضحية بذلك النَفس البكائي والناحب
ذاته الذي نستنكره في أفلام ميلودرامية هندية ومصرية قديمة، فما الذي
يجعلها مقبولة إذا ما جاءت من الغرب؟
كذلك فإن بعض هذه الأفلام لا تقول الحقيقة مثل «تحد» الذي يرتكز على عصبة
مسلحة فعلية قام ثلاثة أشقاء يهود بتأليفها للدفاع عن اليهود وتحوّلت الى
قوّة من بضع عشرات في غضون أشهر قليلة. ما لا يذكره الفيلم أن هذه العصبة
تعرّضت بالقتل لعائلات مسيحية بريئة، وأن بعض هذه العائلات رفعت دعوات
قضائية لم يبت فيها الى اليوم.
بوادر لمعالجات مختلفة
في المقابل، فإن هناك بوادر لمعالجات مختلفة حول الموضوع موجودة: فيلم
روبرتو بينيني «الحياة حلوة» (1997) يتحلّى بالجرأة ليكون كوميدياً من دون
أن يكون ساخراً، «القارئ» لستيفن دولدري يطرح للنقاش مسألة الغفران مطالباً
بأن يتم ردم الماضي بأكمله. وأخيراً رسم المخرج كونتين تارانتينو تاريخاً
مغايراً للمسألة برمّتها في فيلم
Inglourious
Basters حين أظهر مساواة في الجنون والعنف بين الطرفين
اليهودي والنازي، فالمجنّدون اليهود القادمون للانتقام من الألمان دمويون
يقدمون على سحق رؤوس أعدائهم او اجتزاز فروات رؤوسهم. أكثر من ذلك، فإن
الضابط الألماني أكثر ثقافة وجاذبية من الجنود الأميركيين اليهود وغير
اليهود بمن فيهم براد بت الذي يقود الفريق.
على ذلك، فإن الأفلام الساذجة حول هذا الموضوع، تلك التي تتعامل والعناوين
الخارجية للمحنة، والتي تغفل عن لفت النظر الى أن ما فعلته النازية باليهود
يكرره اليهود حيال الفلسطينيين، مثل «القلب الشجاع لإرينا سندلر» لا يزال
له موضع قدم في هذا الخضم. صحيح أن معظم أفلام الهولوكوست لا تحقق نجاحات
تجارية لكن المسألة عند صانعيها أن الموضوع يستحق الطرح بصرف النظر عن
الجانب التجاري.
بطاقة الفيلم
• الفيلم: القلب الشجاع لإرينا سندلر
The Courageous Heart of Irena Sendler
• إخراج: جون كنت هاريسون
• بطولة: آنا باكوين، مارسيا غاي هاردن، فيونا غلاسكوت
• النوع: دراما/ سيرة (هولوكوست)
• إنتاج: محطة
CBS الولايات المتحدة
أوراق ناقد
مهرجانات عربية
بين كل المهرجانات العربية القابعة في الصف الأول يتقدّم مهرجان دبي (الذي
يُقام في الشهر الأخير من كل عام) على سواه بالنسبة لعنايته المركّزة
بالسينما العربية. ولا أقول ذلك لأني على صلة وثيقة به، فقد تركت العمل
عليه قبل سنتين، بل لأنه الواقع على الأرض.
مهرجان دبي عرف من عامه الرابع كيف يجعل السينما العربية أرضيّته وسقفه، من
دون التخلّي عن اهتمامه بالسينما العالمية. المخرج العربي لديه أكثر من
فرصة للتسابق ونيل الجائزة، وذلك تبعاً لنوع الفيلم الذي أخرجه. فهناك ثلاث
مسابقات: واحدة للروائي والأخرى للوثائقي والثالثة للقصير. والقسم العربي
بمجمله بارز ما يجعل المهرجان أقرب الى البانوراما لأفضل ما تم إنتاجه من
أفلام خلال السنة.
المهرجانات الرئيسية الأخرى (أبو ظبي، القاهرة، مرّاكش، الدوحة) إما لا
تملك القدرة المادّية على التنافس، وتأتي إليها الأفلام بعدما عُرضت في كذا
مهرجان سابق، وإما أنها تملك تلك القدرة لكن اهتمامها الأول السينما
العالمية على اعتقاد منها أن ذلك مفيد.
طبعاً كل مهرجان له حد أدنى من الإفادة. يكفي أنه يلبّي حاجة المشاهد
المحلي في تلقّف أفلام لم يكن يحلم بأن يراها بسبب تقاعس الموزّعين عن
توفيرها. لكن هل المهرجان حفل كبير لتجميع الأفلام وعرضها، او هو نتاج
ثقافي قبل أن يكون استعراضا لعدّة مظاهر؟
السبب في أن «كان» و«برلين» و«فنيسيا» و«تورنتو» وسواها مهرجانات عالمية،
يعود الى الدور الذي تلعبه على صعيد العمل الثقافي، وهو الصعيد الذي
يمارسه، ولو بحدود الآن، مهرجان دبي. كل واحد من هذه المهرجانات آت إما من
لدن صناعة كبيرة قائمة، او كباب على سوق كبيرة قائمة.
مهرجاناتنا لا يجب أن تنسى لأننا لا نملك الصناعة الكبيرة أو السوق الكبير،
لذلك فإن وضعها العالمي هو تحصيل حاصل للتسمية التي أطلقتها على نفسها،
وللطبيعة الجغرافية للأفلام المعروضة.
هذا واقع وليس نقداً، وواقع أيضاً التخلّف في مجال دعم السينما العربية.
إنه أمر لا يحتاج الى كثير من النقاش القول ان كل السينمات في العالم
مدعومة بشكل او بآخر من الدول التي تنتمي اليها. البعض يقول أن ذلك ليس
صحيحا مشيراً الى السينما الأميركية كأبرز مثال، فهي سينما رأسمالية
استهلاكية بامتياز وليست مدعومة. لكنني أتجرأ للقول انها مدعومة: مدعومة
بقوانين تحمي حقوقها وحقوق العاملين فيها، مدعومة بآلية توزيع تسيطر على
أسواقها داخل بلدها وخاجه، ومدعومة بجمهورها الكبير في كل مكان.
لكن السينما العربية بحاجة الى دعم مؤسساتي ينتمي الى الدول عبر وزاراتها.
أقول ذلك وأعلم كيف أن المشكلة تكمن في أن الوزارات إما أنها تعتبر السينما
عبثا ترفيهيا، وليس أداة ثقافية إعلامية، او أنها لا ترى كيف يمكن لها أن
تدعم وفي ظل المصالح الشخصية والفساد الإداري وتباين الأمزجة. لكن الحقيقة
هي أن لكل شيء حل حتى لهذا القدر من الإشكالات، وإذا ما أراد مركز مسؤول،
وزاري او غير وزاري، الخوض في عملية دعم للعمل السينمائي فانه يستطيع
التغلّب على تلك الإشكالات لو أراد.
حول العالم تُقام مهرجانات للسينما الإسرائيلية وأخرى لما يُسمّى بالسينما
اليهودية، وهذه تمتد من استراليا الى المكسيك، ومن مدريد الى ملبورن، وهي
مدعومة.
هل لنا أن نتساءل: لماذا لا يوجد مهرجان ناجح للسينما العربية في الخارج؟
نعم نستطيع طرح هذا السؤال والجواب عليه ايضاً.
القبس الكويتية في
31/03/2010
حكايات وراء الكاميرا
فنسنت غالو..
البولندي المهاجر والأفغاني الهارب
قبل عام ونصف العام عاد المخرج البولندي ييرزي سكولومسكي الى السينما بعد
غياب سنوات، وأخرج فيلماً ينتمي الى حسنات بداياته بعنوان «أربع ليالٍ مع
آنا»
Four Nights With Anna
هذه الأيام يواصل المخرج الذي كان انتقل للعمل والعيش في لندن منذ
الستينات، الوقوف وراء الكاميرا ليؤكد أن عودته تلك لم تكن حادثة
استثنائية، مختاراً موضوعاً شائكاً من بطولة الفرنسية إيمانويل سينر
والأميركي فنسنت غالو.
الفيلم بعنوان «جوهر القتل»
The Essence of Killing
وتقع أحداثه في بريطانيا حول عضو في حركة طالبان يتم إلقاء القبض عليه
بعدما قتل ثلاثة أميركيين في أفغانستان، ويتم نقله الى بلد أوروبي للتحقيق
معه. لكن الأفغاني يفر من سجنه ما يُثير الرعب في كل مكان.
لا أدري إذا كان فنسنت غالو، الذي أخرج قبل سنوات ليست بالبعيدة فيلماً
أثار أعصاب جمهور مهرجان كان بسبب رداءة عنوانه «الأرنب البني»
The Brown Bunny، هو من سيلعب دور الأفغاني، لكنه سيؤدي دور مسلم اسمه محمّد في موضوع
يكفي لأن يُثير الاهتمام الى ما بعد عروضه الأولى.
كاري موليغن..
السيدة العادلة كاري موليغن
في العام 1964 قام المخرج الأميركي جورج كاكور الذي كان معروفاً بحسن
إدارته للممثلات عنوة عن الممثلين، بتحقيق فيلم عنوانه «سيّدتي العادلة»
My Fair Lady الذي سُمّ.ي عندنا، ولسبب غير محدد، بـ «سيّدتي
الجميلة»، وكان عملاً غنائياً (مقتبساً عن مسرحية) من بطولة أودري هيبورن
وركس هاريسون أنجز نجاحاً لا بأس بقيمته.
الآن تكشف الممثلة إيما تومسون عن أن الفيلم سيُعاد صنعه، وهي تعلم ذلك علم
اليقين لكونها كتبت السيناريو بنفسها. لكن تومسون، بطلة اقتباسات كلاسيكية
حديثة عديدة مثل
Sense and Sensibility وHowards
End تؤكد أنها لن تقوم بالبطولة، بل تقترح أن الممثلة
كار.ن موليغان، التي شوهدت مشتركة في سباق الأوسكار الأخير عن دورها في
فيلم «تعليم»، هي التي ستلعب الدور الرئيسي.
إذا كان هذا صحيحاً، وهو يبدو كذلك، فإن الإشاعات التي انطلقت سابقاً من أن
كايرا نايتلي هي من ستلعب الدور في حالة تحقيق هذا الفيلم، لم تكن صحيحة.
بالنسبة للدور الرجالي فان هيو غرانت يبدو مناسباً، لكن لا تأكيد بعد منه
او من سواه بأنه سيشترك فعلاً في الفيلم.
القبس الكويتية في
31/03/2010 |