إنها مفارقة لا تخلو من الغرابة: في حين أن السينما البريطانية تعاني من
فقدان هويتها، فإن ممثلاتها الناجحات في سينما اليوم لا يتوقفن عن إنجاز
نجاحات كبيرة في السينما العالمية. من الصعب على كثير من الناس ذكر خمسة
أفلام بريطانية في العام الماضي كان لها نصيب من النجاح، بينما يمكن دوما
الحديث عن تألق راشيل فايز أو كيت وينسلت أو هيلينا بونهام كارتر أو إميلي
واتسون أو كايرا نايتلي، أو - حديثا - كاري موليغن.
جميعهن من الجيل نفسه ولو أن بعضهن بدأ العمل بعد سنوات قليلة من البعض
الآخر. معظمهن بدأ في السنوات الأولى من التسعينات وبعضهن في نهاية هذا
العقد وبعضهن في أواخر الثمانينات لكن وضعهن اليوم متشابه من حيث المكانة
التي وصلن إليها.
راشيل فايز المولودة في لندن قبل 40 سنة من أبوين يهوديين هربا من مخاطر
النازية قبيل الحرب العالمية الثانية. الأب مجري والأم نمساوية والعائلة
عاشت على نحو متواضع في بداية الأمر حتى نجح الوالدان في شق طريقهما: الأب
اخترع أجهزة طبية والأم عملت طبيبة نفسية، هذا إلى أن انفصلا حين بلغت
الخامسة عشرة من العمر.
Weisz اسم العائلة عليه إشكال خاص. فهو يُكتب ويلفظ بـ«فايز»
وليس «وايز» كما هو منتشر، وكانت سابقا، حسب بعض المصادر، تصر على تصويب
الخطأ، أما اليوم فلم تعد تبالي لأن الجميع يقول «وايز». حين دخلت الجامعة
ألفت فريق تمثيل مسرحي وواحدة من مسرحياتها، وعنوانها «ألسنة ناطقة» نالت
جائزة من مهرجان أدنبرة، وهي الفترة التي بدأت خلالها قبول العروض
السينمائية في أدوار صغيرة أولا ثم كبرت بالتدريج.
في عام 1994 ظهرت في أفلام سينمائية وتلفزيونية متعددة وفي عام 1998 وجدت
نفسها في أول بطولة مشاركة في فيلم أميركي لجانب مورغن فريمان وكيانو ريفز
(
Chain
Reaction).
ومن حينها تنتقل بين أفلام أميركية وأفلام أوروبية وأحد أنجح الأفلام التي
مثلتها لحساب هوليوود كان فيلم المغامرات الفانتازية «المومياء» لجانب
براندون فرايزر سنة 1999 ومعه قامت بتأدية جزء ثان بعد خمس سنوات، لكنها
اعتذرت حين طُلب منها إعادة الكرة للمرة الثالثة.
فايز مقتنعة ولا تخفي في هذا الحديث تفضيلها تمثيل أفلام لديها قضايا جادة
تطرحها، هذا من دون أن تصرف النظر عن أفلام هوليوودية دارجة.
راشيل فايز متزوجة من المخرج الأميركي دارن أرونوفسكي ولديهما طفل في عامه
الثاني، ومثلت تحت إدارته فيلما لم يشهد نجاحا يذكر عنوانه «الينبوع»، لكن
ذلك لم يوقفهما عن الاستمرار. هي تنتقل على نحو متواصل من فيلم لآخر، وهو
أنجز نجاحه الكبير في العام الماضي عن فيلم «المصارع» بطولة ميكي رورك.
بعد «المومياء تعود» سنة 2001 قررت الاكتفاء من أفلام هذا المسلسل وحين عرض
عليك العودة في جزء ثالث اعتذرت.
·
ما الذي دفعك لهذا القرار حينها؟
هل كانت تلك مرحلة وانتهت وأردت الاشتراك في أفلام أفضل؟
- حين بدأت مهنتي كنت أقبل كل ما يعرض علي. كان علي أن أدفع فواتيري وأن
أجد لي مكانا في المهنة مع العلم أن اثنين في المائة من مجموع الممثلين في
العالم يعملون. الباقون عاطلون عن العمل وكان من الضروري أن أجد نفسي بين
العاملين باستمرار. القرار تداخلت أسبابه. لم أتخذه لأني تخطيت تلك المرحلة
أو أردت الاشتراك في أفلام أفضل لأنني كنت أظهر في أفلام جيدة - أقصد
متخصصة وفنية - قبل وبعد دوري في سلسلة «المومياء»، بل لأنني فكرت أن لا
شيء جديد أستطيع القيام به في الجزء الثالث ولم أكن أرغب في أن أكون الوجه
الناجح في أفلام المغامرات فقط. هذا هو السبب الأهم وراء قراري ذاك من دون
أن يكون السبب الوحيد.
·
هل تجدين نفسك اليوم بين وضعين،
في الأول تقبلين أفلاما تجارية من أجل المال، وفي الثانية أفلاما «فنية» من
أجل تحقيق طموحاتك الخاصة؟
- حقيقة لا أريد لهذا أن يحدث. لا أريد أن أصل إلى تلك النقطة في مهنتي. لا
أعتقد أن هذا حل ولو أنها مشكلة وأفهم تماما ما تقصده.
·
أحد الأفلام التي أظن أنها تنتمي
إلى النوع غير التجاري هو ذلك الذي تم تصويره قبل عامين ولم يعرض في
الولايات المتحدة بعد. «أغورا» الذي تم تصويره في إسبانيا!
- لا، المخرج أليخاندرو أمينبار وُلد في تشيلي لكنه يعيش في إسبانيا
والفيلم إسباني، لكن التصوير تم في جزيرة مالطا. نعم ربما ينطبق عليه
المثال لكنه عُرض في دول كثيرة خارج الولايات المتحدة في أوروبا وعندكم في
الكويت ومصر على ما أعتقد.
·
قيل حينها إنك اتخذت قرارا
بدراسة اللغة الإسبانية...
- نعم، فكرت في أن اللغة الإسبانية هي واحدة من أكثر لغات العالم شيوعا.
ولدت في إنجلترا وتعلمت الفرنسية كلغة ثانية ودرستها لأني لم أكن أريد أن
أجهلها. وهذا هو الحال أيضا بالنسبة للغة الإسبانية. ليس هناك داع أن لا
أجيدها. عملي مع أليخاندرو أعطاني الفكرة ووجدتها جذابة. أعجبتني. بصراحة
أعجبني أليخاندرو ووقعت في حبه (تضحك) وأردت أن أدرس هذه اللغة الجميلة.
·
لا تتعلمين اللغات فقط بل في
فيلمك الحديث (The Brothers Bloom)
تعلمت الغيتار والبيانو حسبما سمعت. هل صحيح ذلك؟
- لا، ليس صحيحا وسأقول لك لماذا: تعلمت الغيتار والبيانو والبانجو
والفيولين ولعبت الكراتيه والبينغ بونغ والرقص والراب والتزلج وألعاب الخفة
والورق والهارب (تضحك).. تعلمت كل ما طُلِب مني تعلمه حسب السيناريو. هذا
لا يعني أنني أجدت كل شيء. كان لدينا أسبوعان من التحضير فقط، فالتقطت كل
ما أستطيع التقاطه من مهارات. من الضروري أن تكون مقنعا حين تحرك أصابعك أو
يديك على آلة موسيقية وإلا سيكتشف المشاهد أنك تمثل.
·
التمثيل مضر للممثل.
- نعم، الممثل عليه أن لا يمثل بل أن يفعل. الممثل يصبح الشخصية كلها
بالتالي لا يعود يمثلها. سمعت أن كاثلين هيبورن قالت ذلك حين تقدم منها
أنطوني هوبكنز ليمثل معها وكان لا يزال جديدا. قالت له: لا تمثل، فقط تحرك.
·
أفهم أن تصوير هذا الفيلم تم في
صربيا. و«أغورا» تم في مالطا، و«المومياء» في المغرب ومصر وجزء منه في
صحراء أريزونا والاستديوهات في بريطانيا. هل أنت سعيدة بمهنتك من حيث إنها
تتطلب منك اكتشاف أماكن متعددة والاختلاط بثقافات ومجتمعات لا شك أنها
مختلفة؟
- كثيرا، نشأت في عائلة علمتني أن المجتمعات مختلفة وبعضها ربما أسعد من
بعض أو أفضل حالا لكن لكل منها خصائصه التي ينفرد بها ولهذا السبب علينا
تقديرها ومنحها الاحترام الذي تستحقه. لكن حتى على صعيد شخصي... أريد أن
أعطيك مثلا. دربني أستاذ موسيقى في جامعة بلغراد على الأوكارديون...
·
لم تذكري هذه الآلة في عداد
الآلات الموسيقية التي ذكرتها.
- لا، نسيت. هذا الأستاذ لم يتحدث بأي لغة غير الصربية. لا يعرف كلمة واحدة
من الإنجليزية. تصور. الآلة ذاتها معقدة ويعلمك إياها أستاذ لا يمكن
التواصل معه بالكلمات وعليك أن تنتبه إلى كيفية العزف وتقلده. كان ذلك صعبا
وبدا غير ممكن في البداية. لكنني أعجبت بالتجربة.
·
هل يتطلب العمل أيضا في أفلام
مختلفة الإنتاج، نصفها هوليوودي ونصفها أوروبي، قدرة خاصة من التخطيط؟ هل
تقومين بذلك لأنك تريدين احتلال موقع ما في هوليوود؟
- لا أسعى للبحث عن موقع لي في هوليوود لكني بالطبع مهتمة بالوجود في
هوليوود. أقصد على صعيد الأفلام. ليس عندي خطة معينة أقوم بتنفيذها ولا
أعمل على طريقة حان الوقت الآن لأمثل فيلما بريطانيا أو فرنسيا أو أميركيا.
أنتقل من عرض إلى آخر بمجرد أن يعجبني المشروع.
·
لو كان لك تحديد العناصر الأهم
لقبول مشروع حسب أولوية كل عنصر لديك ماذا تقولين؟
- السيناريو والإخراج، وكلاهما في أحيان كثيرة واحد لأنني مهتمة بالعمل مع
مخرجين يكتبون أفلامهم وسينما المؤلف تعني لي كثيرا لأن المخرج لا يكترث
لأن يرضي تقليدا معينا بل يريد أن ينجز ما يراه هو صائبا ومنتميا إليه. لقد
مثلت لو تذكر «الحدائقي الدائم». مخرج ذلك الفيلم «فرناندو مايريليس -
الناقد» هو من المؤلفين، كذلك أمينبار وريان جونسون «مخرج الأخوان بلوم».
أحب كثيرا العمل مع مخرجين من النوع المثير جدا للاهتمام.
·
قرأت على أحد المواقع أن لديك
مشروع فيلم يجمعك مع مخرجة لها وضع خاص!
- لا أفهم ما تقصده.
·
المخرجة هي مادلين ستاو، الممثلة
التي كانت قبل خمس عشرة سنة من الشهيرات في السينما. تحضر لفيلمها الأول
الآن كمخرجة واسمك في عداد الممثلين؟
- صحيح، لكن لا شيء نهائيا بعد لأن السيناريو لا يزال في طور التعديلات.
هناك ممثلون آخرون مرشحون مثل روبرت باتيسون وهيو جاكمان. أعتقد سيكون
مثيرا كمشروع وإذا ما جاء السيناريو كما أتمنى أن يكون، فلم لا. لم أمثل
فيلم «وسترن» من قبل.
·
هو فيلم وسترن؟
- نعم.
·
ماذا عن
The Wistleplower أعتقد أنك انتهيت من تصويره منذ بضعة أشهر.
- صحيح، صورناه في رومانيا وهو قصة حقيقية. هذه المرأة التي تعمل شرطية في
بلدة في ولاية نبراسكا التي عملت في قوات حفظ السلام في بوسنيا، واكتشفت
تجارة رقيق كانت الأمم المتحدة تعلم بها ولم تفعل شيئا حيالها إلى أن كشفت
الشرطية القضية.
·
إنه واحد من الأفلام الجادة التي
تقدمين عليها باندفاع حقيقي؟
- شكرا، أعجبني الموضوع كثيرا. هو واحد من تلك المحاولات التي يقدم عليها
عدد من السينمائيين الذين يريدون نشر وعي ما بقصة أو بواقعة حدثت. جديته
تأتي من هذا العامل أيضا. أقصد أن الموضوع جدي والرغبة في نقله إلى السينما
هو أيضا فعل جدي.
·
لاحظت أيضا أنه فيلم يجمع عدة
سينمائيات خلف وأمام الكاميرا. المخرجة «لاريسا كوندراكي» امرأة، وواحدة من
الكتاب امرأة والمنتجة امرأة...
- صحيح، لكن الأدوار ليست نسائية كلها. تكاد تكون متساوية.
·
بين الممثلات هناك فنيسا ردغراف.
ما رأيك بها؟
- تحمل معها إلى التصوير تاريخها وشموخها وكثيرا من احترام المهنة. هذا
بإيجاز ما اكتشفته. لقد جلست أتابع ما تقوم به. إنها تحسب حساب التفاصيل من
دون أن تنشغل بها وحين متابعتها تجد نفسك معجبا بحركتها وإلقائها. وهي محبة
جدا. كان العمل معها تجربة، وأنا لا أقول ذلك بخفة.
·
هل شاهدت أفلامها السابقة؟
- كثيرا منها، وأعتقد أنه من الغريب، وأستخدم هذه الكلمة إيجابيا، أن أحدا
لم يستطع تقليدها أو تجاوزها فيما تقوم به حتى حين كانت لا تزال شابة.
الشرق الأوسط في
09/04/2010 |