نجاح واحد يفتح عادة الشهية على ما يماثله من أعمال، فإذا كان الفيلم يقوم
على فكرة هبوط وحوش فضائية من الكوكب الآخر وجدت في العام التالي، ولأعوام
كثيرة أفلاماً عديدة عن الموضوع ذاته، وإذا كان من نوع “السوبر هيرو” بحثت
الأفلام كلها عن أبطال خارقين للعادة لتقديمهم . وبطبيعة الحال، فإن أي
فيلم يتحدّث عن فتاة تحب شابّا لتكتشف لاحقاً إنه مصّاص دماء سيشق الطريق
أمام تنويعات مشابهة: هنا شاب يحب مصاصة دماء، هناك دراكولا عالق في الحب،
وفي فيلم آخر امرأة تبحث عن العريس المناسب وتجده ربما في فرنكنشتين . هذا
بالطبع عدا ولادة سيل من الأجزاء المتلاحقة من الفيلم الناجح ذاته .
هذا النجاح الذي يولّد نجاحات أخرى قد ينعكس أيضاً في الاستعانة بأفلام من
مراحل سابقة . أعمال الستينات والسبعينات من القرن الماضي طرحت للتداول في
السنوات العشر الأخيرة وبوفرة لمجرّد أن بعض هذه الأفلام حققت نجاحاً
كبيراً .
هذه الأيام وإلى السنوات الخمس المقبلة، نجد أن الحقبة العائدة بقوّة هي
الثمانينات .
أولاً، حظي فيلم “صراع الجبابرة” في الصالات حول العالم بنجاح كبير . إنه
فيلم فانتازي يعود إلى الأساطير اليونانية القديمة سبق للمخرج دزموند ديفيز
أن أنجزه سنة 1981 من بطولة هاري هاملين، النسخة الجديدة من إخراج الفرنسي
لويس ليترييه مع سام وورثنجتون في الدور الذي لعبه هاملين . الفيلم الجديد
أنجز للآن قرابة 450 مليون دولار ولا يزال في مقدّمة الأفلام المدرّة
للأرباح .
ثانياً، يستيقظ روّاد السينما قريباً على فيلم جديد- قديم آخر عنوانه
“كابوس شارع إيلم” . فيلم رعب من إخراج سامويل باير (وإنتاج المخرج عادة
مايكل باي) من بطولة جاكي إيرل هايلي . هذا الفيلم مأخوذ عن فيلم بنفس
العنوان تم إنتاجه سنة ،1984 وأخرجه حينها وز كرافن . هناك تغييرات في
القصّة، لكن الباقي أهم وأكبر مساحة: شخصية قاتلة مجهولة ذات سكاكين حادّة
بدل الأصابع يعيش حين تنام الضحايا . يقتحم الكلّية حيث الفتيات والفتيان
اللاهون عن كل شيء إلى أن يتمثّل خطره . الشيء الوحيد الذي يمكن ردعه عن
قتل ضحاياه هو أن يبقى هؤلاء مستيقظين، لأن اللحظة التي سيضطر فيها المرء
إلى النوم، حتى من شدّة الإرهاق، هي اللحظة ذاتها التي سيذبح الوحش البشري
ضحيّته . إنه الترجمة الفعلية لعبارة “مش حتقدر تغمّض عينيك” .
والآتي بعد ذلك أكثر . حسب تعداد أوّلي، هناك نحو ثلاثين فيلماً من تلك
التي نجحت في الثمانينات سيعاد تصويرها، او أن تصويرها انتهى فعلاً، من
بينها، على سبيل المثال فقط، الفيلم الكوميدي “أكاديمية البوليس” الذي كان
نجاحه في الثمانينات أوجد السبب لإعادة إطلاق أجزاء لاحقة . وهو في واقعه
ليس أكثر من مشاهد هزلية تصل إلى حد التهريج حول رجال شرطة أغبياء في مواقف
أكثر غباء .
هناك أيضاً عودة إلى الخيال العلمي كما وصفه جون كاربنتر حين أخرج “هروب من
نيويورك” (1981) . في ذلك الفيلم شاهدنا كيرت راسل يقتحم نيويورك التي
أصبحت معقل الأشرار ليبحث عن الرئيس الأمريكي الذي خطف . برك أيزنر، الذي
شاهدنا له قبل أسابيع قليلة “المخبولون” المنقول عن فيلم جورج أ . روميرو
المصنوع سنة ،1976 سيخرج النسخة الجديدة .
أيضاً في إطار السينما التشويقية العام هناك “روبوكوب” وهو فيلم خيالي/علمي
بوليسي لا يزال ماثلاً لكثيرين من الذين واكبوه سنة 1987 حين أخرجه بول
فرهوفن من بطولة بيتر وَلر ونانسي ألن . الفيلم الجديد المنوي تحضيره للعرض
في العام المقبل سيخرجه دارن أرونوفسكي الذي أخرج “المصارع” قبل عامين من
بطولة ميكي رورك .
في 1985 حقق المخرج تود هولاند فيلم رعب جيد بعنوان “ليلة مرعبة” وهذا
الفيلم الآن مبرمج للتصوير قبل نهاية هذا العام . مثله في ذلك الذي كان من
بين أنجح افلام الثمانينات الكوميدية وأخرجه حينها إيفان رايتمان .
وفي عداد الكوميديات البوليسية هناك “شرطي بيفرلي هيلز” الذي كان واحداً من
الأعمال التي رفعت شعبية الممثل إد مورفي . النسخة الجديدة قيد الكتابة
الآن على أساس أن يعود إلى بطولتها الممثل نفسه .
ولعل واحداً من أهم معالم هذا الإقبال على أفلام الثمانينات متمثّل بفيلم
واحد له أهميّته المطلقة وهو فيلم لمخرج معتزل اسمه جون ميليوس وعنوانه
“الفجر الأحمر” . السبب في أنه فيلم مميّز يعود إلى أنه سياسياً جسّد
الفترة التي انتج فيها . والثمانينات هي فترة الرئيس الأمريكي الأسبق
رونالد ريجان التي تميّزت بكونها شكّلت حوافز للمبادرات الاقتصادية
والسياسية . الفترة التي ترعرع فيها استخدام السينما كدعوة للقتال وكإعلان
حالة تفاؤل مطلقة بقدرة أمريكا على تحقيق الانتصار على العدو .
في ذلك الحين، تمحور “الفجر الأحمر” حول مجموعة من الشباب الأمريكي المحارب
وهي تتصدّى لغزو روسي، هذا في الوقت الذي كانت فيه الحرب الباردة ما زالت
مستعرة ولو بدرجة أقل حرارة من ذي قبل . هذه المرّة ومن زاوية البحث عن عدو
مناسب وجديد، فإن الغزو، يقول صانعو النسخة الجديدة، سيأتي من الصين .
شمس ميخالكوف: تحرق مرّتين
نيكيتا ميخالكوف واحد من المخرجين الروس المنتمين الي عصر ما قبل انهيار
الستار الحديدي الذين وجدوا أنفسهم منفتحين، كالنظام نفسه، على التحوّلات
التي انهت حقبة “الاتحاد السوفييتي” وما مثّلته من مفاهيم وسياسات اقتصادية
واجتماعية وعسكرية وعلمية، واستبدلتها ببث الروح من جديد في شرايين
الثقافات القومية داخل وخارج روسيا مع ما صحب ذلك من منح الجمهوريات التي
تشكّلت منها المنظومة السوفييتية حرّياتها واستقلالياتها (أو معظمها على
الأقل) .
هو مخرج اشترك في مهرجان “كان” أكثر من مرّة ومنها المرة التي عرض فيها
فيلمه الرومانسي “حرقته الشمس” سنة 1994 ويعود إلى المهرجان نفسه هذا العام
بجزء ثان من الفيلم ذاته مع توقّعات كثيرة تنتظر النقاد الذين أعجبهم
الفيلم الأول ويريدون معرفة ما الذي بقي لدى المخرج (الذي يرأس مهرجان
موسكو السينمائي أيضاً) ليقوله في إطار العودة إلى الماضي .
التوقّعات قد تتغيّر تلقائياً حتى من قبل عرض الفيلم وتُستبدل باستنتاجات
مؤدّاها أن المخرج ربما عمد إلى فيلم من الصعب عليه أن يلتقي وأذواق النقاد
خصوصاً الجدد، ذلك أن الآراء التي خرج بها النقاد الروس أنفسهم ليست مطمئنة
. هذا إلى جانب أن الجمهور أصدر حكمه وهو بمجرد عدم الاكتراث بمشاهدة
الفيلم الذي تكلّف 65 مليون دولار، وبذلك هو أغلى فيلم في تاريخ روسيا
علماً بأن تمويله الغالب روسي مع مشاركة فرنسية وألمانية محسوبة . وهو فيلم
عن الحرب العالمية الثانية ومواجهة الجنود الروس للجحافل الألمانية في
معارك طاحنة . والواضح أن المخرج، الذي تربطه بالكرملين صداقة وطيدة، سعى
لأن يكون الفيلم جاهزاً للاحتفال بالمناسبة السادسة والخمسين لانتصار الروس
على الألمان خلال تلك الحرب التي سقط فيها عشرات الملايين .
هذا المسعى ربما كان محموداً في زمن مضى، فموضوع الفيلم عولج مراراً
وتكراراً في السنوات التي تلت نهاية تلك الحرب . المشكلة هنا ليست في
التكرار، بل في أن تلك الأفلام كلّفت أقل و-يبدو- أنها كانت أفضل بكثير من
نسخة ميخالكوف المكلفة .
الناقد الروسي يوري جلاديشيكوف كتب يقول إن المشاهدين الذين عاصروا الفترة
أكّدوا أن الحرب لم تقع على الشكل الذي يقدّمها ميخالكوف، في حين أرجع
الناقد أوليج زولوتاريف السبب إلى أن الجمهور بات يعتبر المخرج ميخالكوف
بيروقراطياً ينتمي إلى الحكومة أكثر مما يعتبره مخرجاً سينمائياً .
إلى ذلك، فإن هيمنة الروح الإصلاحية الدينية الأرثوذكسية للمخرج تتبدّى في
الفيلم بكامله . هذا في الوقت الذي كان الدين محرّماً عملياً والحوافز
للحرب كانت وطنية أكثر من أي شيء آخر .
عزوف الجمهور عن مشاهدة الفيلم نتج عنه تحقيق نحو مليوني دولار في عطلة
الأسبوع الأول للعرض، بعد ذلك انحسر الإقبال طيلة أيام الأسبوع “كما لو أن
الفيلم على ضخامته وضخامة الحملة الإعلانية التي صاحبته، لم يكن”، كما قال
أحد المعلّقين الروس أيضاً .
ذات المعلّق، واسمه سيرجي راكين، قال لهذا الناقد، إن النسخة التي ستعرض في
مهرجان “كان” ليست هي المعروضة في صالات موسكو والمدن الروسية . النسخة
الروسية يبلغ طولها ثلاث ساعات، بينما نسخة “كان” تزيد عن الساعتين بقليل .
ومع أن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين حضر التصوير مرّة على الأقل،
وباركه في بعض تصريحاته متحدّثاً عن أنه يتوقّع فيلماً يشابه تلك الملاحم
التي اشتهرت السينما الروسية بإنتاجها سابقاً، إلا أنه لم يحضر العرض
الكبير الخاص الذي أقيم في صالة الكرملين . وذكر الماضي لن يكون في صالح
المخرج الذي لن يعترف بأخطائه، وإن فعل، فليس قبل نتائج “كان” . مشكلته هي
أن هناك الكثير من النقاد الذين يتذكّرون أفلامه تحت النظام الشيوعي السابق
التي كانت فنيّة محضة مثل فيلميه البديعين “خمس أمسيات” و”مقطوعة غير
منتهية” . هذا قبل أن يقرر بناء إمبراطورية من سينمائي واحد اسمه نيكولاي
ميخالكوف .
علامات
أنوك إيمي
ولدت الممثلة الفرنسية أنوك إيمي، التي ما زالت نشطة كممثلة، قبل 78 سنة في
باريس لأبوين ممثلين سابقين هما جنيفييف سوريا وهنري موراي . وبدأت رحلتها
السينمائية باكراً، إذ كانت في الرابعة عشرة حين ظهرت في فيلم للمخرج
الكلاسيكي مارسيل كارني بعنوان “زهرة العصر” الذي لم يعرض في صالات
السينما، لأن المخرج لم يستطع تصويره بأكمله . في تلك السن المبكرة أيضاً
بدأت التمثيل تحت إدارة المخرج، الذي كان من بين أشهر سينمائيي عصره أندريه
كايات، والفيلم الأول بينهما كان “عشاق يرون” الذي كتبه الشاعر جاك برييه
خصيصاً لها، كما يقول البعض .
السينمائيون الفرنسيون وبعض البريطانيين أُخذوا بجمالها في الخمسينات من
القرن الماضي فتنازعوا عليها . وجدناها تنتقل إلى بريطانيا لتظهر في فيلم
“السالامندر الذهبي” لرونالد نيم سنة 1950 ثم تعود إلى فرنسا لفيلمين مع
ألكسندر أستروك هما “الستارة القرمزية” (1952) و”علاقات خطرة” (1955- الذي
هو نسخة سابقة من الفيلم الذي قامت ميشيل فايفر ببطولته في الثمانينات) .
كذلك لعبت تحت إدارة جاك بيكر في “عاشقات مونبرناس” (1957) وهو فيلم كان
الفرنسي ماكس أوفولوس على أهبة البدء بتصويره قبل أن توافيه المنية .
ليس غريباً أنها استحوذت على الاهتمام: الفرنسيون يحبّون الكوميديا ويحبّون
التراجيديا وهي كانت وجهاً تراجيدياً جميلاً بعينين تعكسان حزناً يحار
المرء إذا ما كان وُلد معها أم صاغته الأيام . في أواخر الخمسينات وما بعد
وجدناها تنتقل من المخرجين الكلاسيكيين إلى المجدّدين حتى ولو في أدوار
صغيرة . ظهرت في فيلم جيد للمخرج المعتزل جان بيير موكي عنوانه
“المُطارَدون” . لجانب شارل أزنافور، وفي العام التالي كانت تقف تحت مظلّة
المخرج الإيطالي المبدع فرديريكو فيلليني في فيلمه “ثمانية ونصف” الذي
يُعاد عرضه سينمائياً في الولايات المتحدة هذه الأيام . وكان الأول من بين
فيلمين بينهما، الثاني “الحياة العذبة” سنة 1960 وهو العام الذي ظهرت فيه
ضاحكة لأول مرّة في فيلم للفرنسي جاك دمي عنوانه “لولا” . هذه الصورة
الجديدة للممثلة لم تدم طويلاً، وما استمر هو انتقالها للظهور تحت إدارة
عدد كبير من المخرجين غير المنتمين إلى مدرسة واحدة . إنها في “غير
المتوقّع” للإيطالي ألبرتو لاتوادا، وفي “جوستين” للأمريكي جورج كيوكر ثم
في “الحكم الأخير” لفيتوريو دي سيكا .
معظم المخرجين أشادوا بها، لكن الأمريكي كيوكر وصفها ب”الكارثة العظيمة”
كونهما لم يلتقيا على صفحة واحدة خلال التصوير، بل كل أراد من الآخر ما لم
يرد أن يعطيه . كيوكر كونه المخرج الذي سُمّي بمخرج النساء نظراً لمهارته
في إدارة ممثلاته (لدرجة أن كلارك جيبل لم يكن يريده ليخرج “ذهب مع الريح”
خوفاً من تحبيذه للنساء) فإن تلك الشهادة ربما كان لها أسبابها ولو أن ذلك
لم يوقف قطار إيمي مطلقاً . في العام الذي لعبت فيه تحت إدارة كيوكر مثلت
تحت إدارة الأمريكي سيدني لوميت في فيلم جمعها والممثل عمر الشريف بعنوان
“الموعد” .
كثيرة هي الأفلام التي مثّلتها وتصلح نموذجاً لدراستها، لكن عملها تحت
إدارة المخرج الفرنسي كلود ليلوش سيبقى بارزاً . هذا منحها فرصة أخرى
لتجسيد صورة المرأة العاشقة لقاء ثمن تراجيدي ما . الفيلم هو “رجل وامرأة”
أمام جان- لوي ترتنيان، وبعد عشرين سنة جمعهما معاً في “رجل وامرأة- بعد
عشرين سنة” وحقق معهما نجاحاً آخر .
لم تتوقف أنوك إيمي عن العمل منذ أن بدأت، وهي الآن لديها فيلمان جديدان
أحدهما، عنوانه “عشّاقها” من إخراج كلود ليلوش أيضاً وسينطلق في الصالات
الفرنسية في الشهر المقبل .
م .ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
02/01/2010 |