حين بدا أن الأفلام الأولى، تلك التي انطلقت في العقد الأخير من القرن
التاسع
عشر وحتى منتصف العقد الأول من القرن العشرين، إنما وُجدت لتبقى، بل أنها
مقبلة على
المزيد من التطوّر من مفهوم الفيلم الذي يتكوّن من لقطة واحدة فقط، الي
مفهوم
التنويع بين اللقطات ثم التنويع بين المشاهد وصولاً الى هضم مفهوم المونتاج
الى آخر
ما كوّن أساس الفيلم السينمائي الذي نعرفه اليوم، حين بدا كل ذلك آيل
للحدوث، كان
التمثيل للسينما مازال أرضاً جديدة لم يُختبر ولم تنتقل اليه التجارب
الشخصية التي
خاضها ممثلو المسرح أساساً. عدد كبير من الممثلين المسرحيين رفض اعتبار
السينما فن
من الأساس وبالتالي أن التمثيل يمكن له أن يكون فنّاً أمام الشاشة أيضاً.
أكثر من
ذلك، عدد من الممثلين والممثلات المسرحيين رفضوا العمل في السينما تحديداً
بسبب هذا
الاعتبار
لاحقاً مجالان آخران مرّا بنفس التجربة: التمثيل للأنيماشن، حيث كان
الممثلون المغمورون وحدهم هم الذين يمثّلون بأصواتهم، بينما الآن كبار
النجوم
يقومون بذلك، والتمثيل للتلفزيون: في مطلع الخمسينات عزف معظم الممثلين عن
العمل
لحساب ذلك الجهاز الصغير ذي الشاشة البيضاوية على أساس أنه أمر مهين لن
يقدم عليه
سوى من انتهت رحلته السينمائية، او ذلك الذي لم يبدأ بعد تلك الرحلة
الآن
التمثيل للأنيماشن والتمثيل للتلفزيون لا يعرف صغيراً او كبيراً، مشهوراً
او
مغموراً. كما كان الحال حين انتقلت السينما الى عقدها الثالث من العمر وصار
للتمثيل
السينمائي وجوداً يشمل مدارس وأساليب
في العالم العربي، لم يبتعد هذا المفهوم عن المفهوم الهوليوودي والغربي
عموماً
المذكور أعلاه. ممثلو السينما لا يظهرون على التلفزيون. ممثلو التلفزيون
خامة
مختلفة وغالباً ما هي بمثابة تمهيد للخطوة السينمائية، وهكذا
لكن الأحوال تغيّرت
منذ سنوات. وازدادت تغيّراً حينما أدرك الممثلون المشهورون سينمائياً أن
هناك
قطاراً يمر بهم ويتركهم على المحطّة. أفلام ومشاريع سينمائية لا تُعرض
عليهم بل
يختطفها الجيل الجدد قبل أن تصل الى المحطة حيث ينتظرون.
ومن موقف ينظر الى
العمل التلفزيوني نظرة متعالية، الى موقف يقبل بالعمل التلفزيوني من دون
سؤال.
فالثمن الذي على يسرا وليلى علوي وكمال الشنّاوي (من قبل) ومحمود ياسين
والهام
شاهين وآخرين دفعه للبقاء في العمل السينمائي صار مرتبطاً بالبرامج
والمسلسلات
الرمضانية وغير الرمضانية.
أعتقد أن كل ذلك لا يوصم الممثل بالعيب. أعني لا
تمنّعه السابق ولا قبوله الحالي لأن كلا الحالتين لهما علاقة بالوضع الذي
تعيشه
السينما حالياً.
المسألة هي أن الممثل لا يمكن له أن يفعل شيئاً غير التمثيل
(باستثناء
القلّة) وإذا لم يقبل بالتمثيل للتلفزيون او للمسرح او حتى للإذاعة، فلن
يمثّل إلا في المناسبات المتباعدة. في تلك المرّات القليلة الذي يتطلّب
فيها الفيلم
شخصية تجاوزت سن الشباب.
يقولون أن السينما تقدّمت وأنها سائرة على منهج
هوليوود. لكن في هوليوود لا زلت تجد ممثلون كبروا في السن ولا زالوا
نجوماً. وبعضهم
يترك التمثيل ليصبح مخرجاً او يمارس التمثيل والإخراج او التمثيل
والإنتاج.... في
الواقع السينما العربية التجارية لا زالت بعيدة سنوات ضوئية عن أي نجاح
حقيقي.
2
علاقات خطرة في "الفتاة ذات الوشم
التنين"
هذا فيلم تشويقي سويدي/ دنماركي/ الماني/ نروجي مأخوذ عن رواية للكاتب
البوليسي
السويدي ستيغ لارسون الذي بدأ حياته صحافياً وناشطا صحافياً ومات سنة 2004
بعد أن
أنجز ثلاثة روايات أوّلها "الفتاة ذات الوشم التنين" التي قام الدنماركي
نيلز أردن
أوبليف بتحقيقها كخامس أعماله الروائية الطويلة
البطولة هنا لشخصين يسعيان لكشف
ألغاز جنائية معاً. الرجل صحافي أسمه مايكل بلومكفيزت (مايكل نيفكست) وفتاة
متمرّدة
أسمها ليزبث (ناوومي راباس) تحقق أساساً في التهمة التي وُجّهت الى الصحافي
وقضت
بسجنه لثلاثة أشهر. قبل تنفيذ الحكم، يقبل مهمّة البحث في قصّة إختفاء
إمرأة شابّة
من قبل أربعين سنة. كل ما لديه لينطلق منه هو صورة فوتوغرافية قديمة.
المفارقة
التي تجمع هذا الجانب مع الفيلم الأرجنتيني الذي نال أوسكار أفضل فيلم
أجنبي هذا
العام وعنوانه "السر في عيونهم"، هي أنه يشترك مع ذلك الفيلم في توظيف
الصورة
الفوتوغرافية كمفتاح للتاريخ وللأحجية التشويقية بأسرها. الصورة التي تحمل
نظرة
خاصّة تساعد الصحافي، بطل الفيلم، على التقدّم في تحقيقاته كما لم يفعل
أحد من قبل
بما في ذلك البوليس نفسه. لقد لاحظ أن المرأة الشابّة تنظر منفردة الى وجهة
أخرى
بدورها. هناك صور كثيرة أخرى وإحداها لرجل في خلفية الصورة ووجهه بالتالي
غير واضح.
المحقق يستنتج أن المختفية كانت تنظر اليه بينما كان ينظر اليها. واكتشف
أنها لم
تكن سوى رقم في سلسلة إذ أنه سبق له وأن قتل سواها
إذ ينتقل الصحافي الى بيت
منعزل يكمن في قرية متباعدة المنازل فوق ثلوج الشتاء يجد نفسه في بيئة
جافّة وغير
مرحّبة. إنه كما لو أن هناك ستاراً من الكتمان يحاول افراد العائلة إحاطته
به لمنعه
من التقدّم في تحقيقاته، علماً بأن تحقيقاته لم تكن تتقدّم بصورة مجدية في
باديء
الأمر.
بالانتقال الى الفتاة ليزابث، المقصودة بالعنوان حيث يوجد وشم لتنين على
ظهرها، فإن الأحداث التي تواجهها تختلف تماماً. إنها من عائلة تركت لها
ثروة لكن
هذه الثروة آلت الى قريب يعتبر نفسه مسؤولاً عنها، وحين تتوجّه إليه لأول
مرّة
طالبة بعض المال يجبرها على ممارسة الجنس معها قبل أن يعطيها مبلغاً تشتري
به
كومبيوتر جديد عوض ذلك الذي ما عاد يعمل. في المرّة الثانية التي ذهبت بها
إليه،
يربطها ويعرّيها ويمارس معها جنساً غير إنساني. تخرج من عنده غير قادرة على
الحراك،
لكنها تعود بعد أيام. تفقده وعيه بآلة كهربائية وحين يفيق يجد نفسه مربوطاً
وعارياً. فجأة الجاني صار ضحية
لاحقاً حين تنضم الفتاة الى الصحافي في عمله يبدأ
الأخير مرحلة جديدة من تحريّاته. لقد اكتشفا معاً أن القتيلات السابقات كن
يهوديات
او ذوات أسماء يهودية. عليه تضيق التهمة على عم الفتاة المختفية ثم على
أبنه.
كلاهما لديهما نوازع نازية سابقة.
فيلم نيلز أردن أوبليف هذا، مثير للاهتمام
ومشغول بعناية أيضاً، لكنه لا يرتقي إلى مستوى الفيلم الأرجنتيني المذكور
"السر في
عيونهم" لأسباب مهمّة: الفيلم الأول لا ينسى الرومانسية ويجعلها محوراً
مهمّاً.
الفيلم الثاني يستبدل الرومانسية بمشاهد حب وعلاقات. الفيلم الأول تكفيه
جريمة
واحدة لسبر غور جوانب الحياة والسياسة، الفيلم الثاني يتحدّث عن جرائم لا
تنتهي (كما
نعرف في ثلث الساعة الأخيرة). و"السر في عيونهم" لا يستخدم مساعدة
الكومبيوتر
في حل الجريمة، لأن الجريمة وقعت قبل عصر الكومبيوتر. أما "الفتاة ذات
الوشم
التنين" فهو يستند الى الكومبيوتر مبتدعاً الصور (على نحو أن بعض الصور
ليست موجودة
في الحقيقة بل تم ابتكارها على الآبل ماكنتوتش. ما يدفع الى السؤال: هل كان
بإمكان
الصحافي معرفة الجاني وحل قضية اختفاء الفتاة صاحبة الصورة لو لم يعمد الى
الكومبيوتر؟ وإذا كان الجواب لا (وهو لا من فرط اعتماد الرواية والسيناريو
على
الكومبيوتر كعنصر) فما هو الجهد البوليسي الفردي الذي تقوم عليه القصّة؟
ثم
هناك مستوى الإخراج نفسه: الأرجنتيني كامبانيلا مرتاح وفيلمه آسر.
الدنماركي أوبلف
مشوّش ومتوتّر ولو أنه منفّذ حرفي جيّد. لكن الإهتمام في النهاية واحد: تلك
الصور
الفوتوغرافية التي تخترق فيها النظرات الورق التي طُبعت عليه لتطبّق المثل
المعروف:
الصورة بألف كلمة.
الجزيرة الوثائقية في
02/05/2010
بدرس .. القرية التي غيرت مسار الجدار..
الجزيرة
الوثائقية - خاص
"بدرس"
هو اسم قرية في الضفة الغربية قريبة من رام
الله... وهي اسم فيلم وثائقي من إخراج البرازيلية جوليا باشا، أثار ضجة
كبرى في عدة
مهرجانات آخرها الجائزة التي تحصل عليها في الولايات المتحدة الأمريكية ضمن
فعاليات
مهرجان تريبيكا هذا الأسبوع. كما تحصل مؤخرا على جائزة الجمهور الفضية في
مهرجان
برلين الأخير الذي انعقد في فبراير الماضي. كما لقي الفيلم استقبالا رائعا
في
مهرجان دبي الأخير.
"بدرس"
يروي قصة قرية فلسطينية أوقعتها
الجغرافيا والاحتلال الإسرائيلي أمام مسار الجدار العنصري العازل.. استطاع
أهلها
بالتعاون مع الجمعيات الحقوقية الدولية والجمعيات الفلسطينية، من تحويل
مسار الجدار
بشكل سلمي. وأبطال هذه الملحمة الإنسانية السلمية هم عايد مرار والتزام
مرار وكوبي
سنيتز، الذين بذلوا كل الجهود لاستنهاض الأهالي والجمعيات لمقاومة الظلم
والعنصرية.
الفيلم حامل لرسالة إنسانية موجهة إلى الجمهور غير العربي الذي لا
يعرف عن كثب معاناة الشعب الفلسطيني. لقد حضر الفيلم حوالي 350 متفرجا في
برلين
خرجوا بصورة عن معاناة البشر في بقعة من العالم اشتغل الإعلام العالمي
المهيمن على
إظهارها في شكل صراع متكافئ القوى. جاء الفيلم ليغير ولو قليلا هذه الصور
المغلوطة.
يبعث الفيلم أيضا رسالة سياسية مفادها أن هناك جدوى من النضال السلمي
ضد الاحتلال. حيث أن سكان بدرس ونشطاءها استطاعوا تغيير الأوضاع سلميا.
لذلك تقبل
دعاة السلام وأنصار الحل السلمي للقضية الفلسطينية الفيلم تقبلا خاصا كحجة
على جدوى
مسارهم. وقد عبرت الملكة نور عقيلة الملك الأردني الراحل الملك الحسين عن
هذا الرأي
حينما سلمت الجائزة لمخرجة الفيلم في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن المهم الإشارة إلى أن مخرجة الفيلم جوليا
باشا عضو في منظمة عالمية اسمها "رؤية عادلة للعالم". ومهمة هذه المنظمة هي
تكوين
قاعدة بيانات عن الانتهاكات الإنسانية في العالم وخاصة في الأراضي
الفلسطينية
المحتلة. وقد مثلت تجربة أهالي بدرس محاولة فريدة من نوعها في مجابهة
الاحتلال
الصهيوني. ألهمت المخرجة لإنتاج فيلم عن الموضوع. وقالت جوليا بشا إنها
أقنعت عايد
عرار بصعوبة على أن يكون بطل الفيلم لأنه يعتقد أن هناك أناسا في القرية
أكثر
تمثيلا منه للقضية. وهذا الشعور زادها إصرار على إظهار هذه القضية
للعالم.
الجزيرة الوثائقية في
02/05/2010 |