شهد مهرجان «كان» المنضوي أخيراً، عدداً ملحوظاً من الأفلام التي تدور على
نحو مباشر او غير مباشر حول العالم العربي، فذهب بعضها الى التاريخ، كما
الحال في «روبن هود» ولو في إطار عبارة حوار واحدة ليحدد موقفه المعارض من
الحرب الصليبية، وكما الحال في فيلم جان- لوك غودار «اشتراكية فيلم»
مستعرضاً بطريقته الخاصّة القضيّة العادلة للحق الفلسطيني المسلوب، وبعضها
بقي في إطار الحاضر كما فيلم كن لوتش الجديد «طريق أيرلندية» وفيلم دوغ
ليمان «لعبة عادلة». هذا بحد ذاته مفهوم وطبيعي، لكن ما يأتي بجديد هو أن
هذه الأفلام جميعاً تقف موقفاً ايجابياً تجاه ما هو عربي. وداعاً للصورة
النمطية الرديئة ومرحباً بمحاولة فهم حقيقة ما دار وجرى من غبن تلقّفه
العربي طويلاً، ولو أن بعض الحق في ذلك عليه.
سيناريو بول لافرتي «طريق أيرلندية»، وهو سبق له أن كتب عدّة أعمال للمخرج
كن لوتش، يتحدّث عن مؤسسة أمن بريطانية تورد رجالها الى حيث تكمن الحروب
وما الذي يحدث عندما تعود جثّة صديق لبطل الفيلم فرغيس (مارك ووماك) فيصدمه
ذلك، إذ إن الفقيد كان من أعز أصدقائه، ومن أجله يقتحم الكنيسة ليلاً ويكسر
التابوت لينظر الى وجه صديقه للمرّة الأخيرة. لا نرى ذلك الوجه لكننا نفهم
أن الجثّة مزّقت بالرصاص، وهو أمر يزيد بطل الفيلم إصراراً على التحقيق
الفردي حول حقيقة ما حدث.
العنوان يرمز الى طريق تمتد في بغداد، لا يقول لنا الفيلم ما كان اسمها قبل
الاحتلال، لكن القوّات الغربية تسمّيها ببساطة «طريق أيرلندية»، وتصفها
بأنها أخطر طريق في العالم، وهي الطريق الذي - حسب رواية المؤسسة التي يعمل
بطل الفيلم فيرغيس لحسابها - نصب المقاومون العراقيون كميناً وقتلوا صديقه،
وذلك انتقاماً لقيام صديقه بقتل شخصيات بريئة.
كن فرغيس غير راض عن هذه الرواية، ولن يأخذ بها خصوصاً بعدما استحوذ على
هاتف نقّال صوّر الحادثة التي قتلت فيها القوات الأمنية التابعة لتلك
المؤسسة الخاصّة أبرياء في سيارة تاكسي، وكيف احتج صديقه على ذلك، ما
استوجب تصفيته قبل كشف الحقيقة. يبدأ فيرغس بحثاً عن الحقائق من تلك النقطة
وحتى نهاية الفيلم. وكلّما مضى أبعد قليلاً في تحقيقاته، تبيّن أن المسألة
لها علاقة بمحاولة التستّر على المذبحة حتى لا تضطر المؤسسة الى الدفاع عن
سمعتها وتخسر ملايين الدولارات على شكل مهام أمنية مستقبلية.
حقيقة بين طيّات الأكاذيب
الموضوع يمشي بوحي من المؤسسة الأمنية الأميركية التي طالتها فضيحة مماثلة
قبل بضعة أعوام، ولا تزال رغم ذلك تعمل داخل العراق متمتّعة، حسب وصف
الفيلم، بحرية عمل تفوق تلك التي للجنود البريطانيين او الأميركيين أنفسهم.
الفيلم بذلك يصبح مناسبة للنيل منها كما من الحرب العراقية بكاملها، وهذا
ليس عجيباً او غريباً من المخرج اليساري المعارض لوتش.
المشكلة هي أن الفيلم يصلح لأن يكون مادّة فيلم جماهيري وقع بين يدي مخرج
غير جماهيري (ولو أن له أتباع متخصصون) فصنع منه فيلماً ينتمي اليه كأسلوب
ما سيحد من ترويجه. فهذا الفيلم ينتمي كاملاً الى لوتش الذي عهدناه في
أفلامه السابقة حين يأتي الأمر الى المعالجة وأسلوب العمل بأسره، لكنه
بعيدٌ عنه بفراسخ بحرية كثيرة حين يأتي الأمر الى الموضوع، كما لو أن لوتش
قرر ذات مرّة الذهاب الى مدينة الملاهي مرتدياً ثياب السهرة.
الفيلم في هذا الشأن يبلغ نقاطاً منخفضة تجعله يبدو كما لو أنه قصّة
بوليسية لشخصيات معهودة في هذا الإطار، تحاول أن تجد الحقيقة بين طيّات
الأكاذيب. لكن على الرغم من أن المادة تسير على سكتي حديد سارت عليهما
أفلام التحقيقات البوليسية السابقة (مع اختلاف المضامين بالطبع) فإن المخرج
واع لأن يكسر الإثارة ويحد منها، حتى لا ينجرف الفيلم في دروبها على نحو
هوليوودي كامل.
هنا تبرز مشكلة أخرى لها علاقة بالسيناريو وتغاضي المخرج عن حلّها:
المشاه.دُ يبقى متقدّماً على الأحداث طوال الوقت، الى حد أنه حين تتساءل
زوجة الرجل المفقود حول احتمال أن تكون المؤسسة ذاتها هي التي «صفّت»
رجلها، يكون المشاهد قد كوّن هذه الفكرة قبل نحو ساعة كاملة. هذا يكشف عن
أن السيناريو كان بحاجة الى أحداث موازية تتيح قدراً أكبر من الافتراضات.
ولا يساعد الفيلم واقع أنه يعتمد على عدد محدود من الأماكن بحيث يصبح
التنقّل بينها أقرب الى مط ما هو معروف منذ البداية بانتظار المرحلة
المتطوّرة اللاحقة من هذه الأحداث.
تشويق سياسي
من ناحيته، فإن «لعبة عادلة» يبدو، للغرابة، أفضل شأناً من فيلم الفنان كن
لوتش لسبب وجيه: أراد أن يكون تشويقياً سياسياً ونجح في ذلك. المخرج دوغ
ليمان ليس له باع طويل في السياسة، لكنه يبرهن هنا على أنه يستطيع أن
يهضمها ويعرف كيف يتولّى مزجها في ثنايا موضوعه. هذا الموضوع ليس تحليلاً
سياسياً، لكن السياسة في صلب ما يدور وصلب موقف الفيلم حيال ما يعرضه.
الفيلم مأخوذ عن وقائع حقيقية حدثت مباشرة بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001
حينما قررت الإدارة الأميركية المضي قُدُماً في خططها غزو العراق، وبدأت
تبحث عن المبررات الكفيلة بمنحها «كارت بلانش» اخلاقي وسياسي لكي تفعل ذلك.
وهي وجدت بضعة مبررات بعضها الغالب افتراءات لم يكن لها نصيب من الصحة من
بينها قضية عميلة السي آي أيه فاليري بلام ولسون (ناوومي ووتس) وزوجها
السفير السابق جو ولسون.
هي كانت في صدد استخدام فتاة أميركية من أصل عراقي (ليزاز شارهي) لإقناع
أخيها حامد (خالد النبوي) بالكشف عما يمكن كشفه من أسرار العراق النووية
مقابل تأمين هروبه من العراق، وذلك سنة 2003 أي قبيل قصفها واحتلالها من
ق.بل الجيش الأميركي.
في الوقت نفسه كان زوجها جو ولسون (شون بن) في النيجر يقابل مسؤولين،
ويكتشف أن أحداً لم يبع النظام العراقي آنذاك اسطوانات نووية (سمّيت حينها
بالكعكة الصفراء) كما زعمت الإدارة الأميركية حينها، بالتالي فإن هذه
التهمة ليست صحيحة.
قصة حبلى بالمواقف
جو عاد الى الولايات المتحدة وأصر على كشف الحقيقة متّهما الإدارة بالتلاعب
وإعداد العدّة لضرب العراق بصرف النظر عن عدم وجود ما تدّعي وجوده من قوى
نووية. صوته يصل الى واشنطن التي تنتقم منه بكشف الغطاء عن عمل زوجته،
معرضة حياتها وحياة المتّصلين بها للخطر، بمن في ذلك حمد الذي كان وافق على
التعاون مقابل نقله الى خارج الوطن، والآن بات عليه تعريض حياته وعائلته
للخطر ببقائه في جوار النظام السابق الذي قد يكتشف ما فعل في أي لحظة.
بعد ذلك، ينتقل الفيلم الى العلاقة الأسرية التي اضطربت الى حد التوتّر بين
الرجل وزوجته. هو مصر على كشف الحقيقة وهي تدعوه الى أن يكف عن إثارة
المشاكل. مع إصراره تترك البيت مع ولديهما، وتعيش الى حين وجيز في بيت
والديها حيث تدرك أن ما يقوم به زوجها هو الصواب بعينه.
هذا عمل يحتاج الى التأييد من ق.بل الجمهور بعد فشل الأفلام الأميركية التي
تناولت الحرب العراقية. فيلم ليمان لا يحتاج أن يتوقّف مليّاً أمام التحليل
السياسي، فالقصّة حبلى بالمواقف التي لا ضرورة معها لأي تحليل. عالمه
مستوحى من تلك الأفلام المشابهة التي خرجت مباشرة بعد فضيحة ووترغيت
وبإيحاء منها. هو أيضاً فيلم نموذجي لشون بن الذي لا يختلف موقفه من سياسة
واشنطن عن سياسة الشخصية التي يؤديها هنا.
بطاقة الفيلم
• الفيلم: «لعبة عادلة»
Fair Game
• إخراج: دوغ ليمان
• أدوار أولى: شون بن - ناوومي ووتس
• النوع: تشويق سياسي (الإمارات/ الولايات المتحدة - 2010)
• الفيلم: طريق أيرلندية
Route Irish
• إخراج: كن لوتش
• أدوار أولى: مارك ووماك - نجوى نميري
• النوع: تشويق بوليسي (بريطانيا - 2010)
أوراق ناقد
ثرثرة حول فيلم
احتدم النقاش بين ناقدين. الأول حكَم على فيلم عبّاس كياروستامي بالإعدام،
والثاني قال، ربما نكاية، انه أفضل ما شاهده في المهرجان. وإذ أخذ كل منهما
يجمع أسبابه التي تدعوه الى ذلك الموقف، تبلور أن النقاش بدأ يخرج من
الفيلم الى السياسة. دَلَف الى موقف كل منهما من إيران، لكون المخرج
إيرانيا، ومن فرنسا، فالفيلم فرنسي، ومن أعمال عبّاس كياروستامي الى أعمال
المخرج الآخر جعفر باناهي المسجون حالياً في طهران لا لتهمة بل لموقف.
وكان لا بد للنقاش أن يتوقّف دون نتيجة لأننا، في العموم، لا نتّفق بل
نتعارض. لا نعمل لكي نفهم أكثر، بل لكي نثبت للطرف الثاني أننا ذوو حق فيما
نقول، معتبرين أنه من غير المسموح لأحد منا أن يتراجع عن موقفه ويفتح الجزء
الأعلى من جسده لاستقبال الحقيقة المناوئة فقد تكون هي الحقيقة الغائبة.
الأمر الثاني الذي لاحظته في هذا النقاش الذي استمر لنحو ساعة، كثرة
الاعتماد فيه على الخلط بين الفيلم وبين السياسة. الفيلم «نسخة مصدّقة»،
وهو أوّل أفلام كياروستامي منذ أن ترك بلاده إثر اضطرابات الانتخابات
الرئاسية قبل بضعة أشهر. جمع الممثلة الفرنسية جولييت بينوش ومغني الأوبرا
وليام شيمَل وطلب منهما الحديث بلا توقّف لساعة وخمس دقائق. الحديث في
الحب، والحديث في الفن، والحديث في الطبيعة، والحديث في تربية الأولاد، وفي
كل شيء آخر تقريباً ما عدا الضرائب والسياسة.
الطرف الأول من النقاش أعاب على كياروستامي تحقيقه فيلم بلا موضوع. الطرف
الثاني رأى أن الفيلم يحمل مواضيع شتّى وليس موضوعاً واحداً. الطرف الأول
وجد أن كياروستامي سمح لفرصة ثمينة بالإفلات من بين يديه، هي فرصة تحقيقه
فيلماً يُماثل أفلامه السابقة، تلك التي حققها في إيران، أهمية. الثاني
وجده قد تطوّر وأنجز فيلماً أفضل من أفلامه السابقة.
أين الحقيقة؟
كان يمكن لهذا النقاش أن يستمر صحيّاً ومفيداً لو لم يتحوّل من البحث
الحيادي عن الحقيقة الى التمسّك بالرأي، وصولاً الى أن يقول الطرف الأول
للثاني: «أنت غير ملم بما تتحدّث فيه» وأن يقول الثاني للأول: «رأيك
بالكامل غلط. أحسن أن ترى الفيلم مرّة ثانية قبل الحديث فيه». طبعاً بعد
ساعة او نحوها شوهدا على خير وئام وإن لم يتراجع أحدهما عن موقفه.
الحقيقة، تلك التي تساءلت أين هي قبل قليل، هي في الفيلم ذاته. ليس في
الموضوع وليس في الطرح، بل في الكيفية التي صوّر فيها المخرج عمله والكيفية
التي عالجه فيها. هي الوحيدة التي من خلالها يستقيم النقاش. كم من السينما
في هذا الفيلم؟ كيف اختار لقطاته؟ كيف ساق المواقف؟ كيف صوّر الفيلم وما
سياسته المونتاجية؟ بمعرفة هذه الجوانب سيسهل معرفة ما إذا كان الفيلم
جيّداً او لا، إذ لا يمكن معرفة ذلك بمدح المضمون او ذمّه وحده، او في
الأساس. فيلم مهم لأنه يتناول حياة شخصيّتين لم تلتقيا من قبل ووجدا
نفسيهما في لعبة نفسية عاطفية. قال أحدهما وأجاب الاخر: فيلم فارغ لا يقول
شيئاً.
في كلا الموقفين بعض الصحّة، ولو أنني مع ذاك الذي انتقد الفيلم لفراغه،
لكنني لو شاركت في المناقشة لوصلت الى تلك القناعات بطرح وجود او غياب
السينما التي في الفيلم، والتي ستوصلني الى ما إذا كان هناك مضمون حقيقي او
ثرثرة من باب أول.
القبس الكويتية في
26/05/2010
Shrek Forever
After
حكاية جديدة
مايك مايرز هو المخلوق الكبير الأخضر، ايدي مورفي هو الحمار، أنطونيو
بانديراس هو القطّ، كاميرون داياز هي الغول الشرير.. هذه هي قوائم الجزء
الثالث من سلسلة «شريك» الكارتونية الذي ينطلق قريباً للعروض. واللافت
الأول كثرة الأسماء المعروفة التي تُعير أصواتها لهذا الفيلم ومنهم، إلى
جانب المذكورين أعلاه، جولي أندروز في دور الملكة، وجون كليز في دور الملك
الذي نراه يساعد «شريك» في مهمّته التي وجده منشغلاً بها من جديد.
الفيلم، كما يقول مخرجه مايك ميتشل، فيه عودة الى عالم الجزء الأول: «الجزء
الأول كان البداية الصحيحة لكل شيء. الجزء الثاني كان استمراراً للقصّة
الأولى على أكثر من نحو. أما هنا، فنعمل لزيارة العالم الذي اكتشفنا فيه
«شريك» أوّل مرّة. لا نكمل القصّة بل نبتدع حكاية ومواقف جديدة».
وحسب شركة الإنتاج «دريمووركس» فإن هذا الجزء سيكون الأخير، وهي الآن واثقة
بذلك، حتى إن نجح الفيلم كما هو متوقّع له. السبب هو أن الحكاية في مثل هذه
الأفلام دائماً مهددة باستنفاد واستهلاك شخصياتها في أي وقت. لكن الممثلة
كاميرون داياز تقول: «إذا عاد المنتجون عن قرارهم هذا، فلن أتردد بقبول عرض
الاشتراك في أجزاء لاحقة. التمثيل في مثل هذه الأفلام متعة خالصة. أن أجد
نفسي في شكل مختلف تماماً على الشاشة أمر يجعلني أشعر بأني ولدت طفلة من
جديد».
Survival of
the Dead
جوع أبدي
لم يكن كل الذين شاهدوا فيلم جورج أ. روميرو الجديد «نجاة الموتى» في عرضه
الخاص في مهرجان فانيسيا السابق على مستوى واحد من ردّة الفعل حيال هذا
الفيلم المرعب الآتي كواحد من أجزاء سلسلة المخرج المعروف روميرو التي
انطلقت سنة 1968 بفيلم الأبيض والأسود «ليلة الموتى- الأحياء». حينها، كان
ذلك الفيلم إنتاجا صغيرا وثانويا بالأبيض والأسود حول تفشي فيروس ينتج منه
تحوّل المصابين الى ناهشي وآكلي بشر أصحاء. كان جديداً من نوعه في سينما
الرعب، وحمل مضامين اجتماعية تناوئ التعصّب وتشي بمسؤولية السلطات حيال ما
حدث.
إثر نجاحه غير المتوقّع أفرزت مخيّلة المخرج ذاته أربعة أجزاء لاحقة كلّها
تجمع بين ما هو حكاية رعب في الأساس ومضامين نقدية للحياة المعاصرة
وللإعلام والنظام بشكل خاص هي «فجر الموتى» ثم «يوم الموتى»، وبعدهما «أرض
الموتى» و«مفكرة الموتى»، والآن حان عرض الجزء الخامس من هذه السلسلة
الكلاسيكية.
العنف الذي نشاهده هنا ليس للتسلية، والموضوع الداكن ليس لذوي القلوب
الضعيفة. عبثية الأحداث تخفي وراءها توجه الناقد ذاته لمسؤولية الأصحاء في
تفشّي الفيروس، لكن تبقى يد المخرج قوية ومتماسكة وهي تطلق مشاهد الرعب
مفاجئة وبلا تنازلات. هذه السلسلة هي عن الجوع الأبدي لأناس رفضهم الموت،
فبقوا متمسّكين بالحياة فوق الأرض بين الحياة والموت. سابقاً عالج هذا
المخرج موضوعاته بأسلوب فني جيّد وهذا ما هو منتظر أيضاً هذه المرّة.
القبس الكويتية في
26/05/2010 |