لم يكن فيلم صوفيا كوبولا الجديد «في مكان ما» جاهزا للعرض في مهرجان «كان»
السينمائي الأخير، والغالب الآن أنه سيتوجه إلى مهرجان فينيسيا مع بطلتيه:
بينيثو دل تورو وميشيل موناهان ومخرجته. في هذا الفيلم يؤدي دل تورو شخصية
جديدة تماما عليه: إنه نجم سينمائي (في الفيلم) يُعتبر نموذجا لأمثاله.
يعيش حياة رغيدة. يتلقف الإعجاب من الجميع ومعتاد على تنفيذ ما يريد من دون
حسابات. لكن هذا سيتغير حين تدخل ابنته (إيلي فانينغ) إلى حياته من جديد
وتبدأ تغييرها.
إذا ما كان «في مكان ما» فيلم يؤدي فيه دل تورو دورا جديدا عليه، فإنه ليس
الفيلم الوحيد في الآونة الأخيرة. دل تورو في السنوات الأخيرة استحوذ على
الاهتمام بفضل ما اختاره من أداءات. صحيح أن القلة اكترثت لمشاهدته في
شخصية تشي غيفارا في فيلم «تشي» قبل عامين، إلا أنه ملأ الفراغ في أكثر من
فيلم ناجح من قبل من
Traffic إلى
The Pledge ومن
The Hunted إلى
Sin City.
وُلد دل تورو الذي أجرت «الشرق الأوسط» معه هذا الحوار في هوليوود في
بويرتو ريكو سنة 1967 ابنا لمحاميين، ولو أن والدته ماتت وهو لا يزال شابا،
فلجأ الأب إلى الولايات المتحدة حيث ترعرع بينيثو قبل أن ينتقل إلى ولاية
كاليفورنيا لاستكمال دراسته. مارس لعبة البيسبول لكنه درس الإدارة والأعمال
لفترة قبل أن يتأكد أن ما يهواه في الواقع هو التمثيل. دل تورو أخفى عن
والده قراره هذا حتى نهاية الثمانينات عندما ظهر في عدد من المسلسلات
التلفزيونية من بينها الحلقات البوليسية المعروفة بـ«ميامي فايس».
سنة 1988 لعب دورا صغيرا في كوميديا بعنوان (Big Top Pee - wee)
الذي كان من بطولة الكوميدي بي وي هرمان، أتبعه بدور أكبر وأكثر لفتا للنظر
وذلك في «رخصة للقتل» سنة 1989 الذي كان آخر دور جيمس بوند لعبه تيموثي
دالتون. والسبحة كرت من هنا فظهر في سلسلة أفلام منها:
The Indian Runner, Fearless, China Moon, The Usual Suspect, Basquiat,
Tear and Loathing in Las Vegas
وفيها أكّد حضورا لافتا لسببين: موهبة حقيقية في تشخيص ما يؤديه، ووجه لا
يحمل وسامة متوقّعة، بل خشونة تمكّن من استخدامها في أدوار شريرة كما في
أدوار بطولية.
شاهدناه مؤخرا في «الرجل الذئب»: الابن الذي ترك لندن للبحث عن سبب مقتل
أخيه في الريف ليلتقي بأبيه (أنطوني هوبكنز) الذي لم تتح له فرصة التعرّف
عليه جيّدا منذ أن ترك البيت. يعضّه الذئب المسؤول عن قتل أخيه فينقلب
بدوره إلى ذئب شرس في كل ليلة بدر. باقي الأوقات نراه يسعى لتجنيب زوجة
شقيقه - التي قامت بأدائها إميلي بلَنت – الخطر، وهذا قبل أن يكتشف أن
والده هو الوحش الكاسر نفسه.
·
حب التمثيل قادك إلى السينما لكن
هل توافق أن التمثيل يتطلب رجل أعمال في هذه الأيام؟
- صحيح. في كل يوم عليك أن تدمج حبّك للتمثيل بالاحتمالات المهنية، إذا كان
هذا ما تقصده.
* نعم من ناحية أن اختيارات الممثل في زمن مضى كانت محدودة لأن الاستوديو
هو الذي كان يختار الأدوار أكثر مما يفعل الممثل.
- هناك حسنة في ذلك النظام.. نظام الاستوديو، وهو أنه كان يخطط لك وغالبا
ما يعفيك من المهمّة. طبعا هذا إذا ما قرر أنه سيستطيع أن يحصد «شباك
تذاكر» جيّدا منك. المسألة الآن هي رهن الممثل نفسه وتعود إلى معرفته. لا
أحد يريد تمثيل فيلم غير ناجح، لكن بالنسبة لي يجب أن أبحث عن توازن بين ما
أطلبه لنفسي كممثل وما أطلبه لنفسي كنجم، أو رجل أعمال.
·
دورك في «في مكان ما» جديد من
حيث إنه كوميدي. هل هذا صحيح؟
- نعم وكنت أبحث عن دور كوميدي حين تقدّمت صوفيا (كوبولا) بالعرض لي. فرحت
به كثيرا. الدور مختلف والسيناريو جيّد وهو ليس كوميديا مواقف هزلية بل
يتطرّق إلى العلاقة التي تربط شخصيّتي بشروط نجوميّته وبحياته كما بأسرته
ممثلة بابنته، لكن علي أن أصارحك. دوري في هذا الفيلم أصغر مما تعتقد.
·
هل من سبب أن معظم ما مثّلته
سابقا كان أدوارا جدّية؟
- لا بد أنه كان هناك سبب. ربما يتعلّق بمسألة النظرة التي تكوّنها الأفلام
الأولى. لقد حدث أنها كانت أفلاما غير كوميدية وحدث أنني لعبت دور الشرير
في أكثر من فيلم، إذن سألعب دور الشرير في أفلام أخرى إلى أن أجد البديل
المناسب.
·
من هنا هل يجوز القول إن دورك في
«وولفمان» كان مزدوجا؟ من ناحية أنت بطل الفيلم ومن ناحية أنت شرير الفيلم؟
- (يضحك) هذا وصف صحيح إذا كان هناك وصف صحيح. طبعا المسألة لها علاقة
بالشخصية ذاتها. طالما هو رجل فهو رجل صالح. فقط حين ينقلب إلى وحش لا يمكن
أن تعتبره إلا شخصية مخيفة.
·
لكن ربما من الصحيح القول إن
دورك في «في مكان ما» كفيلم كوميدي ليس سوى الأول في سلسلة «الحمقى
الثلاثة»
- هذا لا يزال فكرة. إذا ما استطاع الإنتاج إيجاد الممثلين الآخرين
المناسبين فإن هذا المشروع سيكون مثيرا لاهتمامي. إلى الآن ليست هناك
تواريخ محددة و«الكاستينغ» ليس نهائيا. كما تعلم هو عن الفريق الكوميدي
الذي ظهر في عشرات الأفلام والمسلسلات تحت ذلك الاسم «الحمقى الثلاثة» لذلك
سيعتمد الفيلم الذي سيتناول قصّة حياتهم على ممثلين بخصائص مميّزة. هناك
حديث أن جيم كاري وشون بن سيؤديان البطولة إلى جانبي وهذا ما أقصده بقول
إنه سيكون مثيرا للاهتمام إذا ما حصل.
·
فيلم «وولفمان» هو أوّل فيلم
تجاري تقوم ببطولته. لماذا؟
- ربما بعد 200 سنة سيكون «تايتانك» (يضحك). لا نعلم. (يضحك). أعرف ما
تقصده. بالشكل المباشر ربما معك حق. ذلك الفيلم لم يُعرض عليّ، بل تقدّمت
بفكرته إلى الاستوديو (يونيفرسال) كان معي وكيل أعمالي ريك يورن.
·
ما كان دافعك؟
- أحب أفلام الرعب الكلاسيكية الكبيرة التي كانت «يونيفرسال» تقوم بإنتاجها
في الثلاثينات. أفلام بيلا لاغوسي وبوريس كارلوف، لذلك اقترحت من البداية
أن تكون المعالجة موحية بتقديرنا لأفلام تلك الفترة. لم أرد فيلما حديثا
مليئا بالديجيتال. طبعا كان لا بد من اللجوء إلى المؤثرات الحديثة لكن ليس
بكثرة كما لا شك لاحظت. بذلك أعني أنه عوض أن تتكفّل المؤثرات بخلق شخصية
وحش على الكومبيوتر وتحرّكه على الشاشة، على الممثل، الذي هو أنا في هذه
الحالة، ارتداء بذلة الوحش كما كان الحال سابقا في سلسلة أفلام «المومياء»
مثلا أو كما كان الحال سنة 1941 عندما تم تقديم فيلم «وولفمان» الأول.
·
هل وجدت ترحيبا من قبل
«يونيفرسال» من البداية؟ كيف انتقلت الفكرة إلى التنفيذ؟
- طبعا كان لدى الاستوديو تحفّظات. جمهور اليوم مختلف، لذلك كان لا بد من
رفع نسبة مشاهد العنف والدم بعض الشيء. لكن الكاتب الأول للسيناريو (أندرو
ووكر) له الفضل الأول في صياغة التوازن الصحيح. هو الذي ضمّن من نريد إعادة
إحيائه من الفيلم الأول، مثل الرصاصة الفضية الوحيدة التي تستطيع قتل
الوحش، ومثل وجود الغجر في مكان الأحداث تماما كالفيلم الأول. لكننا في
المقابل منحنا الشخصية التي أدّيتها جوانب جديدة. في الفيلم السابق كانت
ضحية. في الفيلم الجديد نسبر غورها أكثر بكثير ونركّز على مسألة العلاقة
بينه وبين أبيه. أندرو ووكر أمّن أيضا الجانب الشكسبيري من الموضوع على
طريقة «هاملت».
·
هل أخذت شيئا من علاقتك بوالدك
لتصوغه في هذا المشروع؟ بالأحرى كيف كانت علاقتك بأبيك؟
- علاقتي بوالدي كانت صعبة في بعض المراحل، لكنه كان دائما حاضرا في بالي
خلال التصوير. خلال فترة مراهقتي كنت عصيّا متمرّدا وكان متشبّثا وعنيدا.
هذا يحدث كثيرا والآن نحن على أفضل حال. علاقتنا ممتازة. أنا فخور به وهو
فخور بي.
·
في أدوارك عموما شخّصت الجانبين
معا كما الحال في «وولفمان»: أنت مذنب وضحية معا. في «تشي»، أنت القائد
الثوري والمؤمن بالعنف حيال القضية. أقصد أن هناك دائما في أدوارك أكثر مما
يمكن استنتاجه في المرّة الأولى.
- سعيد باستنتاجك. الشخصية التي لا تظهر جانبا معارضا لها لا تشدّني كثيرا.
لقد لعبتها من قبل، لكن حتى في أفلامي الأولى كنت أسعى لترجمتها على شكل
مختلف على الشاشة. أنظر إلى كثير من الأفلام التي مثّلتها مثل «سن سيتي»
و«21 غرام» و«تشي» و«وولفمان» على أساس أنها أفلام تراجيدية. هنا هو
بالتأكيد لا يحب الاستجابة للوحش الذي في داخله.
·
هل كان من السهل عليك أن تلتقط
اللحظة التي انتهيت منها حين توقّف التصوير وخلعت البذلة حين عدت للتصوير
في اليوم التالي؟
- لم أمثّل مشهدين متتاليين داخل تلك البدلة. بل قسّمت المشاهد على نحو
متباعد، على يومين أو ثلاثة مثلا، لأنني كنت بحاجة إلى التنفس الطبيعي
بينهما. بشرتي كانت بحاجة إلى ذلك.
·
هل كان من الصعب أن تدخل إلى
وتخرج من تلك البدلة؟
- نعم. أولا تحتاج لأربع ساعات من المكياج والاستعداد. تصل إلى مكان
التصوير قبل الجميع لأن الباقين أيضا بحاجة إلى وقت لإتمام شخصياتهم.
·
لا يبدو لي أنك معني بالتخطيط
مسبقا على نحو طويل الأمد. قبل «تشي» غبت لعامين، ثم بعد هذا الفيلم لا
ندري.. كيف تخطط لمهنتك؟ هل أنت شديد الانتقاء؟
- أحب أن أركّز على مشروع واحد فقط. لكن لا تنسى أن الأفلام تختار الممثلين
أيضا. أعني أنا اخترت آخر فيلمين مثّلتهما «تشي» و«وولفمان» لكن معظم ما
مثّلته قبل ذلك وصل إلي كعروض. هذان الفيلمان أخذا وقتا طويلا وهذا ما
تلحظه حين تقول إنني غبت لعامين ما بين «تشي» و«وولفمان». هذه صحيح. لكن
لماذا؟ لا أعرف. أحب أن يكون لدي الوقت الكافي لأدرس الشخصية. من الصعب
التخطيط في هذه المهنة. كل شيء فيها عبارة عن مزيج من الأمور وعناصر العمل.
·
هناك ما يجمع بين «تشي»
و«وولفمان»...
- نعم. كلاهما من إنتاجي.. هناك أمر آخر.. في كليهما يموت الشخص في النهاية
(يضحك). أقصد أن كليهما مساء فهمه أيضا بالنسبة لكثيرين من الناس. هناك من
اتخذوا وحش «وولفمان» عدوّا من دون البحث عن الأسباب، وهناك من اتخذ «تشي»
عدوا لأسباب آيديولوجية محضة.
·
أي نوع من الأفلام تشاهد في
أوقات الفراغ؟
- يعتمد ذلك على الرغبة. لكني عموما أحب مشاهدة الأفلام القديمة.
·
ما هو الفيلم الحديث الذي شاهدته
وأعجبك؟
- أعجبني فيلم «المقاطعة 9» أعجبني فيلم «ذا هيرت لوكر» (خزانة الألم).
·
ما رأيك بالممثلين الذين توجّهوا
للإخراج من جيلك أو أكبر قليلا؟
- أحب أن أشاهد أفلامهم. أعتقد أن مل غيبسون يعرف كيف يختار عناصر أفلامه
ولديه رغبة في عدم النظر بعيدا حين يريد إيصال رسالة. أحب أفلامه كمخرج.
لكني في الوقت نفسه أحب كل الأفلام. وربما أتوجّه بدوري إلى الإخراج يوما.
أحب مشاهدة الأفلام القديمة خصوصا لأنه دائما ما يوجد جديد تكتشفه. خذ
أفلام جون فورد.. كلما اعتقد المرء أنه يعرفها ثم يشاهدها مرّة ثانية كلما
وجد أنها تحوي شيئا جديدا لم ينتبه إليه سابقا.
·
وأفلام دراكولا وفرانكشتاين
والوحوش.. صح؟
- صحيح. أحب هذه الأفلام. هناك فيلم شاهدته منذ سنوات ولا مانع عندي من
مشاهدته في كل مرّة.
·
ما هو؟
- هل شاهدته؟
The Black Lagoon.
كثيرون لا يعرفون عما نتحدّث عنه، لكني شاهدته أكثر من مرّة بالبعدين
وبالأبعاد الثلاثة. فيلم رائع أليس كذلك؟ أحيانا أتمنّى لو أن ذوق الجمهور
لم يتغيّر أو يختلف ليصبح ما هو عليه اليوم. هناك متعة كبيرة في تلك
الأفلام الأبيض والأسود التي تم إنتاجها في الخمسينات. سعيد أنك توافقني
على ذلك.
الشرق الأوسط في
25/06/2010 |