اللغة السينمائية تتجدد مثل كل شيء في الحياة ينبغي أن يخضع لقانون
التطور.. لا أتحدث عن التقنيات مثل «الدولبي»، والأبعاد الثلاثية،
و«الكومبيوتر غرافيك»، وغيرها من مستحدثات العصر، ولكن أسلوب السرد
السينمائي أيضا يتطور. إنه يشكل مفردات التخاطب بين المخرج والمتفرج، ولهذا
في بدايات السينما مثلا عندما كان يذهب البطل للسفر، كان ينبغي أن يراه
الجمهور في الطائرة، وقبلها وهو في المطار، بعد ذلك صار المتفرج يكتفي فقط
بلقطة له في الدولة الأخرى ليكمل هو باقي التفاصيل. ولهذا، عندما نشاهد
فيلما سينمائيا قديما نجد أنفسنا، لا شعوريا، نعود سنوات إلى زمن إنتاج
الفيلم.
وهكذا، قد نغفر تتابعا بين اللقطات نرى فيه معلومة درامية تتكرر أكثر من
مرة، أو لقطات تفصيلية نستطيع الاستغناء عنها، أو نتابع أداء ممثل يفتقد
الطبيعية، أو حبكة درامية مستهلكة، ولكن لا يمكن أن نغفر ذلك لفيلم جديد أو
لمخرج جديد نشاهد أول أعماله الدرامية. السينما مثل كل الفنون ينبغي أن
تخضع لرؤية عصرية، حتى لو كانت تتناول زمنا قديما.
استطاع مؤخرا أن يلحق بأفلام الصيف في السينما المصرية فيلم «الكبار»
للمخرج الشاب محمد العدل في أول تجربة له. الفيلم للكاتب المخضرم بشير
الديك. ولقاء الكاتب الكبير مع مخرج جديد أراه أحد أهم أسباب استمرار صناعة
السينما، إنه التلاقح بين الأجيال، هكذا مثلا نشاهد الكاتب الكبير وحيد
حامد يتعاون مع الجيل الجديد من المخرجين مثل محمد ياسين، ومروان حامد،
ومحمد علي. أيضا المخرج الكبير محمد خان يقدم أكثر من سيناريو للكاتبة
الشابة وسام سليمان.
لكن الشرط الوحيد للنجاح في هذا التلاقي هو أن يخضع لفكر هذا الزمن.. أن
نرى إيقاعا ورؤية عصرية درامية وبصرية. الكاتب بشير الديك له عدد من
الأفلام التي دخلت تاريخ السينما المصرية والعربية أذكر منها «سواق
الأتوبيس»، و«الحريف»، و«طائر على الطريق»، و«ليلة ساخنة»، و«ضد الحكومة»،
و«النمر الأسود»، و«أيام الغضب». كان «بشير» أحد الأضلاع الهامة والمؤثرة
في ما كان يعرف بـ«سينما الواقعية السحرية» في مصر، وكان من رموزها مع بشير
كل من عاطف الطيب، وخيري بشارة، ومحمد خان، وداود عبد السيد. بشير لم يكتف
فقط بالكتابة، ولكنه أيضا أخرج فيلمين؛ هما «الطوفان» و«سكة سفر».
إلا أنه قبل نحو 10 سنوات غاب جيل كامل من نجوم المخرجين والكتاب، وكان
بشير أحد هؤلاء الغائبين واتجه مثل الآخرين للتلفزيون، عندما وجدوا أنه
يمنحهم حق اللجوء الفني، ثم عاد للسينما. وطوال السنوات الأخيرة صار لا
يخلو شهر رمضان من مسلسل يكتبه بشير الذي كون «دويتو» مع المخرج السينمائي
نادر جلال، الذي اتجه هو أيضا للتلفزيون بعد أن كان بين الاثنين ثنائي،
وقدما عددا من الأفلام التجارية لنادية الجندي.
لا شك أن سيناريو فيلم «الكبار» تجد فيه هذا الإحساس كتركيبة درامية وبناء
شخصيات وكأنه فيلم يخرج من «الديب فريزر» بعد أن تم تجميده سنوات.. صحيح أن
أبطال الفيلم عمرو سعد، وزينة، وخالد الصاوي، ومحمود عبد المغني، هم نجوم
هذه الأيام، إلا أن الفيلم، ومنذ اللحظات الأولى التي يطل علينا فيها بطل
الفيلم عمرو سعد، نراه وكأنه فيلم قديم خرج من درج المكتب بعد أن ظل سنوات
غير قادر على التنفس!! يؤدي عمرو دور وكيل نيابة يشعر بالذنب لأنه أدان
بريئا تعرض لحبل المشنقة.. حاول إنقاذه، وجاء بالفعل بقرار من النائب العام
لإيقاف تنفيذ حكم الإعدام بعد أن توفرت لديه أدلة للبراءة، ولكن عشماوي كان
قد سبقه.. ويتحول مشهد الإعدام إلى كابوس لا يغادره في أحلامه أو يقظته.
بالطبع هذا المشهد شاهدته من قبل في عشرات من الأفلام المحلية والعالمية،
ولكن لا بأس لو أن لدى كاتب الفيلم بشير الديك ومخرجه محمد العدل إحساسا
طازجا يريدان توصيله للناس، ولكن شيئا من هذا لم يحدث.
وكيل النيابة استقال من سلك القضاء ليصبح محاميا بعد أن ظل إحساس الذنب
يطارده، وبدأ في تتبع قصة طفل تقتله عربة مسرعة يقودها أحد الأثرياء..
يترافع المحامي، إلا أنه يكتشف تغيير كل الأدلة التي تدين هذا الثري عندما
تراجع الجميع عن موقفهم، حتى أهل الطفل لم يستطيعوا الصمود، ويتم تكييف
القضية لصالح الأثرياء. وحتى أسرة الطفل، نشعر بأنهم خضعوا للتهديد.
المحامي ينشد العدالة، ولا يزال إحساسه بالذنب يؤرقه، فهو تسبب في قتل
بريء؛ صحيح أنه يساعد أسرة الضحية الذي تم شنقه، وهما زينة وأمها صفاء
الطوخي، في الحصول على شقة، ولكن زينة تنحرف لكي تستطيع أن توفر لنفسها
ولأمها الكفيفة الحدود الدنيا من الحياة. ولهذا، فإنه قبل نهاية الأحداث،
وعلى طريقة كل الأفلام المصرية القديمة، يطلب منها الزواج.
بداية دخول الأحداث لمنطقة ساخنة هي تلك التي نرى فيها مجموعة ما يسمى
بالعائلة.. إنهم أصحاب المصالح الذين يملكون البلد.. نرى شخصية الأب الروحي
المسيطر خالد الصاوي، الذي أضاف بعض لمحات للشخصية، مثل حالة الطفولة التي
تنتابه في علاقاته بمن يعملون معه، وأيضا علاقته بالأشياء الصغيرة التي
يسعده اللعب بها مثل زمارة قديمة، أو سلوك طفولي، لا يغادره وهو يلقي
التورتة في اتجاه من يعملون لديه.
عمرو سعد هو المحامي الذي يساندهم في لعبهم وليس لديه حل آخر بعد أن فشل
وأصيب بالإحباط، ولكن من يقترب ويدخل إلى هذه الدائرة لا يحق له الخروج
منها.. وهكذا يصبح دوره أن يرشو القاضي للحصول على حكم براءة، ويقبل بالفعل
القاضي الذي أدى دوره سامي العدل الرشوة ثم يطلق الرصاص على نفسه.
وتأتي النهاية تقليدية جدا بطلقة رصاص من عمرو سعد ينهي بها حياة خالد
الصاوي وينهي بها أيضا الفيلم.. بين المشنقة في البداية وطلقة النهاية تضيع
الروح السينمائية؛ كان المخرج محمد العدل، الذي شاهدت عددا من أفلامه
القصيرة، قادرا على أن يقدم حالة خاصة في فيلمه، ولو أنه أمسك بقصة العائلة
فقط ونسج عليها فيلمه، لكان لهذا الفيلم وقع وترديد لما يجري على أرض
الواقع، حيث يشعر الناس بأن أصحاب السلطة وعددا من رجال السياسة يمسكون
بمقاليد البلد. لكنه لم يملك تلك الرؤية التي ترنو للجديد، وظلت لدى المخرج
الجديد عين قديمة في الرؤية، واستسلم للسيناريو العجوز، ولم يلتقط دائرة
العائلة التي كان من الممكن أن تصبح بالنسبة له نقطة انطلاق لفيلم سينمائي
طموح.
عمرو سعد شاهدته في أدوار صغيرة من قبل، حتى جاءته القفزة الأخيرة مع
المخرج خالد يوسف في فيلمي «حين ميسرة» ثم «دكان شحاتة». البطولة في
الفيلمين للمخرج خالد يوسف، صحيح أن أداء عمرو كان لافتا، ولكن الجمهور جاء
للمخرج صانع الفيلم الذي امتلك قدرا من الجاذبية وليس لأسماء النجوم. وهي
من المرات التي صارت قليلة في السينما المصرية عندما نرى فيلما يحمل
جاذبيته الخاصة ويقطع الناس التذكرة للفيلم وليس للنجومية.
هذه المرة، عمرو سعد هو البطل المطلق، واسمه يسبق أيضا عنوان الفيلم
وبجواره صديق البطل الذي أدى دوره محمود عبد المغني، بكل ما تحمله هذه
الكلمة من ملامح تقليدية، فهو لا يفعل شيئا سوى أنه يسعى لإرضاء البطل..
وأيضا بطلة فقيرة (زينة) وأمها ضريرة، تعمل فتاة ليل لكي تكسب رزقها. البطل
التقليدي لا يمكن أن يكون هو بداية التعاقد بين عمرو سعد والسينما كنجم
شباك كما يتمنى.
ربما الوحيد الذي أفلت من كل تلك التقليدية وأشعرني بأنه يحاول أن يضيف
تفاصيل من عنده هو خالد الصاوي؛ فلقد كان هو الوحيد الذي منح شخصيته ملمحا
خاصا عصريا، بينما استسلم عمرو سعد للحالة العجوز التي ارتبطت بالفيلم
والشخصية.
محمد العدل شاهدت له من قبل عددا من أفلامه القصيرة؛ كان فيها لافتا، لكنه
في فيلمه الروائي الأول لم يستطع أن يمنح الشاشة أي ملمح عصري..
«الكبار» فيلم يخلو من روح السينما. صحيح أنه جاد، ولكن من قال إن الجدية
وحدها تكفي لصناعة فيلم سينمائي؟!
t.elshinnawi@asharqalawsat.com
الشرق الأوسط في
09/07/2010
صباح السبت
ياسمين
عبدالعزيز
اتابع النجمة ياسمين عبدالعزيز منذ ظهورها كوجه جديد وحتي فيلمها الاخير
»الثلاثة يشغلونها«
وهي نوع جديد من الممثلات اللاتي يجدن الاداء الشامل من رقص
وتمثيل وغناء حيث تمتلك حضورا قويا يخطف العين امام الكاميرا وهي في نفس
الوقت تتمتع بذكاء شديد في اختيارها لادوارها حيث تختفي وتعود من جديد بعمل
يضعها في مكانة مميزة وهو الشيء الذي لا تفعله
غيرها من الممثلات من ابناءالجيل الحالي الذين لايملكون طموح النجومية
مثلها.
وانطلاقا من هذا الذكاء والدقة في الاختيار نجحت ياسمين عبدالعزيز في توظيف
موهبتها من اجل ان تنتزع لنفسها مكانة لها بريق ولمعان في مجال العمل
الكوميدي وهو اصعب انواع الكتابة الدرامية وعندما يرزقنا الله بمؤلف او
كاتب موهوب في هذا المجال نتمني ان يكون هناك نجم او نجمة من اصحاب الاداء
الرفيع القادرين علي توصيل الرسالة التي يطرحها في السيناريو الذي كتبه
فالورق الجيد هو بداية الطريق الصحيح في صناعة فيلم ناجح.
وتلتقط ياسمين عبدالعزيز ورق يوسف معاطي وتتصدي لتوصيل رسالته فهي تمتلك »الطلة«
الحلوة المريحة للعين امام الكاميرا وينجح المخرج المتميز علي ادريس في
تحريكها بمهارة شديدة لدرجة تجعلها تستحوذ علي انتباه كل من ذهب لمشاهدتها
في احدث افلامها »الثلاثة يشتغلونها«
حيث راحت في خفة ودلع وشقاوة تناقش من خلال الشخصية التي
تجسدها »نجيبة متولي«
عدة ملفات مهمة في بناء درامي اعتمد علي
الزحمة في استخدام المواقف الكوميدية التي تدعوك للضحك والسخرية مما يحدث
من حولنا علي ارض الواقع بداية من اسلوب التربية في الاسرة التي هي النواة
الاولي في المجتمع ومرورا بأسلوب وطرق التعليم في مدارسنا وجامعاتنا وغيرها
من القضايا الاخري الساخنة المتعلقة بالحب والزواج وستر البنات بزوج ثري
ينتشلها من مأزق تدني الموارد المالية لاسرة اطاحت الخصخصة بكبيرها المسئول
عن زوجة وفتاة بمراحل التعليم العالي وتجبرها ظروفها علي العمل كمدرسة
بالقطعة لمساعدة الاب الغلبان الذي خرج علي المعاش مبكرا.
وتلك الاسرة التي تنتمي اليها »نجيبة متولي«
هي مسرح الاحداث التي انطلق منها يوسف
معاطي ليعلن بصراحة رأيه في اسلوب مناهج التعليم التي تحتفي بالطلبة
الاغبياء الذين يحفظون المواد الدراسية عن ظهر قلب ولا يملكون فكرا متجددا
يسعي للبحث والابداع والتميز ثم ينتقل من هذه النقطة الي عدة نقاط اخري
تتعلق بقيام بطلتنا نجيبة متولي بتنفيذ وصية الام بالبحث عن عريس ثري
فتلتقي بثلاثة شباب داخل مدرجات الجامعة التي تدرس بها وتصاب بصدمة شديدة
في الشاب الاول الذي يسرق مجهودها في النجاح بينما تفشل هي وترسب ثم تقابل
الشاب الثاني المؤمن بالافكار الاشتراكية ويجندها للترويج لافكاره ولكنه يتخلي عنها عندما يسقط في قبضة رجال الشرطة.
وتقابل »نجيبة متولي« الشاب الثالث وتتأثر بأفكاره المتطرفة وتدفع الثمن
غاليا وتصبح في حالة ضياع بعد ان فقدت توازنها وتلاشت شخصيتها بسبب النشأة
والتكوين والفكر المتجمد في التعليم وفي اسلوب التعامل مع الآخرين الذي
دمرها تماما!.
ووسط حواديت وتفاصيل كثيرة تقرر »نجيبة متولي«
تصحيح مسار حياتها وتلتقي بفتي احلامها
الذي يرتبط بها ويبني معها مستقبلا جديدا بوجهة نظر مختلفة تماما عن تلك
التي نشأت عليها وقلبت حياتها رأسا علي عقب الي ان تحرك عقلها وافرز فكرا
سليما وخاليا من الامراض الاجتماعية المتوارثة عن اهلها.
واذا كانت ياسمين عبدالعزيز قد امتعتنا ككوميديانة متميزة بعمل سينمائي جيد
الصنع فهناك نجوم كبار وقفوا الي جوارها وساهموا بجهد غير عادي فيما وصلت اليه من نجومية واذكر من
هؤلاء هالة فاخر وصلاح عبدالله ولطفي لبيب ورجاء الجداوي ويوسف داود ومعهم
النجوم محمد لطفي وشادي خلف ونضال الشافعي وامير المصري
والنجمة الموهوبة ميار الغيطي ويحسب للمخرج علي ادريس ايضا نجاحه في تقديم
النجم المحترم احمد عز في دور ضيف شرف ليكون مسك الختام لحدوتة دمها خفيف
صنعها باجادة تامة يوسف معاطي وقال من خلالها كل اللي نفسه فيه.
ويحسب ايضا لعلي ادريس محافظته علي الايقاع السريع للاحداث وتعاونه مع مدير
تصوير شديد التميز اسمه احمد عبدالعزيز واعجبتني ايضا موسيقي تامر كروان
والاغنية التي عنتها ياسمين عبدالعزيز من كلمات ايمن بهجت قمر ووضع الحانها
وليد سعد وكلها عناصر تم توظيفها لخدمة الدراما علي اكمل وجه وليس مجرد
الهيصة والفرفشة كما يحدث في بعض افلامنا الكوميدية التي ليس لها لون او
طعم او رائحة.
أخبار اليوم المصرية في
09/07/2010 |