عندما انهار الجدار العازل الذي كان يقسم أوروبا إلى شرقية وغربية، تبلور
مهرجان كارلوفي فاري كوسيط يجمع بين العالمين . قبل ذلك، كان مهرجان برلين
يلعب هذا الدور بسبب موقعه الفريد في مدينة هي ذاتها مقسومة إلى مدينتين
شرقية وغربية . لكن حينما توالت المتغيّرات السياسية والاقتصادية في
المعسكر الشيوعي، وتم توحيد المدينتين، لحق مهرجان برلين بالمتغيّرات
واختلطت أفلامه من دون تمييز قائم على المعادلة السابقة .
في ذلك الحين كان مهرجان كارلوفي فاري المقام في المدينة التشيكوسلوفاكية
المقصودة لحمّاماتها الطبيعية الصحية الساخنة مهرجاناً صغيراً إلى حد بعيد
يلعب دور “السنيد” في فيلم بطله مهرجان موسكو . فالمهرجان الروسي كان الأخ
الأكبر وكارلوفي فاري كان ظله التابع . أفضل الأفلام الشرقية كانت تقصد
مهرجان موسكو مع نخبة من الأفلام المنتمية إلى الدول التي كانت، في معظمها،
تتبع سياسة حليفة للمعسكر الشرقي، أو المصنوعة من قبل سينمائيين مناضلين في
إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا . في المقابل كان كارلوفي فاري مقتنعاً
بأن يكون نسخة أخرى يقام بالتناوب مرّة كل سنتين مع المهرجان الروسي .
في أواخر الثمانينات تبدّل الوضع سريعاً . تشيكوسلوفاكيا نفسها أصبحت (تشيك
وسلوفاكيا) وكارلوفي فاري (المنتمي جغرافياً إلى جمهورية التشيك) التقط
فرصة الخروج من تحت ظل الشقيق الأكبر وتبلور سريعاً كواحد من أهم
المهرجانات العالمية المقامة في أوروبا .
الدورة الخامسة والأربعون التي انتهت يوم الجمعة الماضي (التاسع من هذا
الشهر) جاءت في ظل ظروف مختلفة كثيراً عن الماضي . المشكلة التي تعيشها
الدول الاشتراكية حالياً لا علاقة لها بأي تبعيات أو معسكرات، بل متّصلة
بالوضع الاقتصادي الحالي القلق الذي تعيشه أكثر من دولة من بينها جمهورية
التشيك . على أن الملاحظ هو عدم تأثر المهرجان كثيراً بالظروف الاقتصادية
الحالية شأنه في ذلك شأن الإنتاج السينمائي الذي ارتفع في العام الماضي إلى
منسوب جديد حيث تجاوز عدد الأفلام الروائية والتسجيلية المنتجة خمسة وعشرين
فيلماً .
وفي حين أنه من الصعب معرفة سبب انتعاش السينما التشيكية في ظل ظروف صعبة
على غيرها من القطاعات، ليس صعباً بالمرّة ملاحظة الجهد الملحوظ الذي مارسه
المهرجان في دوراته الأخيرة ليواجه المنافسة القائمة بينه وبين المهرجانات
الأخرى المحيطة . هناك روتردام السينمائي الدولي من ناحية وسان سابستيان
الإسباني من ناحية أخرى، وأدنبره ولندن وروما بين أخرى منفتحة، مثله، على
أفلام العالم . بعض هذه المهرجانات، مثل روما وسان سابستيان، يتمتّع
بميزانية أعلى بأضعاف من تلك التي يعمل المهرجان التشيكي بمقتضاها .
أحد أكثر أفلام كارلوفي فاري التي تم عرضها هذا العام إثارة للاهتمام فيلم
تشيكي بعنوان “كوكي” الذي يجمع بين التصوير الحي والأنيماشن . هذا الفيلم
منتظر كونه من المخرج يان سفيراك الذي كان قدّم قبل خمس عشرة سنة فيلم
“كوليا” الذي ربح أوسكار أفضل فيلم أجنبي سنة 1996 . سفيراك اختفى فترة
طويلة قبل أن يجد العمل الذي يود العودة إلى السينما عبره . “كوكي” وُصف
بأنه “أفاتار” على طريقته الخاصّة .
أحد الأفلام التي التقطت نصيبها من الاهتمام عنوانه “بروتكتور” للمخرج
التشيكي مارك نايبرت: دراما تاريخية متوسّطة النتيجة على الرغم الجهد
الكبير المبذول لتحقيق ما يمثّل طموحات المخرج الفنية: في براغ سنة 1938
هناك مذيع معروف يعمل في الإذاعة التشيكوسلوفاكية الواقعة تحت سيطرة
الإعلام النازي . هو لم يكن نازياً، لكنه وجد العمل مذيعاً وداعياً للفكر
النازي كوسيلة لحماية زوجته اليهودية . لكن الأحداث ستكشف عن أن جهوده في
حماية زوجته الممثلة ستذهب أدراج الرياح وأن المصير الأسود ينتظرهما على حد
سواء . والسينما التشيكية ليست الوحيدة التي تمر بفترة مزدهرة تتجلّى في
اختيار 12 فيلماً من أعمالها في شتّى أقسام الدورة، بل هناك أيضاً السينما
البوسنية . وبعد اشتراكاتها الناجحة مؤخراً في مهرجانات برلين وترايبيكا
وروتردام، تبعث إلى كارلوفي فاري بإنتاج جديد آخر بعنوان “المهجور” لأديس
باكراش حول صبي في الثالثة عشر من عمره يبحث عن والدته بعدما تسببت الحرب
الأهلية قبل سنوات في ضياعها عنه . هناك مراسل فرنسي سيجد نفسه مندفعاً
لمساعدة الصبي في بحثه على الرغم من أن المسألة أكثر صعوبة مما يتبدّى في
مطلع سعيهما المشترك .
"وشم
التنين" نجاح دنماركي في
أمريكا
يثير النجاح التجاري الذي يحققه الفيلم الدانماركي “الفتاة ذات وشم التنين”
في السوق الأمريكية حالياً الكثير من الغرابة كونه لم يكن متوقّعاً على هذا
النحو مطلقاً . فالفيلم لا يحمل توقيع واحد من المخرجين الأوروبيين الكبار
في المجال الفني أو الإعلامي مثل الإسباني بدرو ألمادوفار أو النمساوي
مايكل هنيكه، ولا هو في الأساس مصنوع ليمثّل أسلوباً فنيّاً وتعبيرياً ما .
بل في أفضل حالاته فيلم بوليسي مقبول الصنعة لم ينجز في أوروبا النجاح الذي
يماثله ما ينجزه حالياً في الولايات المتحدة، باستثناء عروضه الدنماركية
ذاتها .
ما يؤيد الفيلم ويمنحه العنصر الأول من الاهتمام حقيقة أنه مقتبس عن رواية
للكاتب البوليسي السويدي ستيغ لارسون الذي بدأ حياته صحافياً وناشطا
صحافياً ومات سنة 2004 بعد أن أنجز ثلاث روايات أوّلها “الفتاة ذات وشم
التنين” . المخرج هو الدنماركي نيلز أردن أوبليف والبطولة لشخصين يسعيان
لكشف ألغاز جنائية معاً . الرجل صحافي اسمه مايكل بلومكفيزت (مايكل نيفكست)
وفتاة متمرّدة ليزبث (ناوومي راباس) تحقق في التهمة التي وُجّهت إلى
الصحافي وقضت بسجنه لثلاثة أشهر. قبل تنفيذ الحكم، يقبل مهمّة البحث في
قصّة اختفاء امرأة شابّة من قبل أربعين سنة . كل ما لديه لينطلق منه هو
صورة فوتوغرافية قديمة .
إذ ينتقل الصحافي إلى بيت منعزل يكمن في قرية متباعدة المنازل فوق ثلوج
الشتاء يجد نفسه في بيئة جافّة وغير مرحّبة . إنه كما لو أن هناك ستاراً من
الكتمان يحاول افراد العائلة احاطته به لمنعه من التقدّم في تحقيقاته،
علماً بأن تحقيقاته لم تكن تتقدّم بصورة مجدية في بادئ الأمر .
بالانتقال إلى الفتاة ليزابث، المقصودة بالعنوان حيث يوجد وشم لتنين على
ظهرها، تنتقل الأحداث إلى خلفية مختلفة تماماً فالفتاة من عائلة تركت لها
ثروة لكن هذه الثروة آلت إلى قريب يعتبر نفسه مسؤولاً عنها، وحين تتوجّه
إليه لأول مرّة طالبة بعض المال يجبرها على ممارسة أفعال غير أخلاقية قبل
أن يعطيها مبلغاً تشتري به كومبيوتر جديد عوضاً عن ذلك الذي ما عاد يعمل .
في المرّة الثانية التي ذهبت بها إليه، يكرر فعلته معها . تخرج من عنده غير
قادرة على الحراك، لكنها تعود بعد أيام . تفقده وعيه بآلة كهربائية وحين
يفيق يجد نفسه مربوطاً وعارياً . فجأة الجاني صار ضحية .
لاحقاً حين تنضم الفتاة إلى الصحافي في عمله يبدأ الأخير مرحلة جديدة من
تحريّاته . لقد اكتشفا معاً أن القتيلات السابقات كن يهوديات أو ذوات أسماء
يهودية . عليه تضيق التهمة على عم الفتاة المختفية ثم على ابنه . كلاهما
لديهما نوازع نازية سابقة .
فيلم نيلز أردن أوبليف، مثير للاهتمام ومشغول بعناية أيضاً، لكنه لا يرتقي
إلى مستوى “السر في عيونهم” لأسباب مهمّة: الفيلم الأول لا ينسى الرومانسية
ويجعلها محوراً مهمّاً . الفيلم الثاني يستبدل الرومانسية بمشاهد حب
وعلاقات . الفيلم الأول تكفيه جريمة واحدة لسبر غور جوانب الحياة والسياسة،
الفيلم الثاني يتحدّث عن جرائم لا تنتهي (كما نعرف في ثلث الساعة الأخيرة)
. و”السر في عيونهم” لا يستخدم مساعدة الكومبيوتر في حل الجريمة، لأن
الجريمة وقعت قبل عصر الكومبيوتر . أما “الفتاة ذات وشم التنين” فيستند إلى
الكومبيوتر مبتدعاً الصور (على نحو أن بعض الصور ليست موجودة في الحقيقة بل
تم ابتكارها على الآبل ماكنتوتش . ما يدفع إلى السؤال: هل كان بإمكان
الصحافي معرفة الجاني وحل قضية اختفاء الفتاة صاحبة الصورة لو لم يعمد إلى
الكومبيوتر؟ وإذا كان الجواب لا (وهو لا من فرط اعتماد الرواية والسيناريو
على الكومبيوتر كعنصر) فما هو الجهد البوليسي الفردي الذي تقوم عليه
القصّة؟
ثم هناك مستوى الإخراج نفسه: الأرجنتيني كامبانيلا مرتاح وفيلمه آسر .
الدنماركي أوبلف مشوّش ومتوتّر ولو أنه منفّذ حرفي جيّد . لكن الاهتمام في
النهاية واحد: تلك الصور الفوتوغرافية التي تخترق فيها النظرات الورق التي
طُبعت عليه لتطبّق المثل المعروف: الصورة بألف كلمة .
علامات
اختراع الصوت (2)
من البداية، انقسم السينمائيون بين من هم مع ومن هم ضد وصول الصوت إلى
السينما . معظم الكوميديين العاملين في السينما الصامتة، وفي مقدّمتهم
بَستر كيتون وتشارلي تشابلن، أبدوا معارضتهم للسينما الناطقة على أساس أنها
تأخذ من فن السينما الصامتة . هذا الموقف لم يكن عبثاً أو وهماً، فكلاهما،
وهما من أفضل نجوم الكوميديا، عانا من الوضع الجديد ولم يستطعا الامتزاج به
. فالصوت المستحدث كان يأخذ من الكوميديا الموقف المبني أساساً على الحركة
. الصوت يحوّل الكوميديا إلى سجال من النكات الصوتية، وهذا ما تبدّى سريعاً
حين دخل الأخوان ماركس العمل السينمائي في الثلاثينات فإذا بالحوار يصبح
أساس الكوميديا التي يقدّمونها .
تشابلن من ناحيته حاول المقاومة واستمر يحقق أفلامه الصامتة إلى العام 1936
حين أخرج “الأزمنة الحديثة” رافضاً مبدأ الصوت لمعظم الفيلم . المقطع
الوحيد الذي استخدم فيه الصوت كان في الفصل النهائي حيث يغني أغنية بكلمات
اختارها لكي لا تكون مفهومة .
كثيرون من الممثلين الصامتين فقدوا أعمالهم نتيجة النطق أيضاً بسبب من عدم
ملاءمة أصواتهم . فالصمت كان يخفي عيوباً متعددة في هذا المجال، أما حين
بدأت السينما تتكلّم فإن هذه العيوب المستترة انكشفت ووجد الممثلون
المعنيون أنفسهم قد خسروا جولتهم مع نطق السينما سريعاً .
آخرون رفضوا النطق من باب أن الأداء الصامت هو الوحيد الذي كانوا يرتاحون
إليه . وآخرون وُلدوا مع نطق السينما فتآلف الجمهور معهم سريعاً كما لو
أنهم واختراع الصوت جاءوا في علبة كهدية مشتركة .
من بين هؤلاء الممثلين الذين لم ينجحوا نطقاً كما نجحوا صمتاً ماري بيكفورد
ودوغلاس فيربانكس .
أول ما التفتت إليه هوليوود حين لاحظت النجاح الكبير للأفلام الناطقة هو
إطلاق نوعين من الأفلام المعتمدة كليّاً على الصوت: نوع الأفلام الغنائية
الاستعراضية، والأخرى المأخوذة عن المسرح وأعماله .
في أحيان كثيرة كان النص السينمائي لا يختلف مطلقاً عن المسرحية .
السيناريو كان يكتفي بنقل المشاهد المسرحية بحواراتها المكثّفة كما هي .
وسريعاً ما تبيّن أن السيئة الأساسية لنطق السينما تكمن في الحاجة إلى
معيار دقيق وتنظيم شامل بحيث يمكن الحد من طغيان الحوار على المشهد برمّته،
وهذا لم يُتح إلا بعد عقد من العمل ومحاولة إحداث توازن فعّال بين الصوت
والصورة بالنسبة للفيلم الجماهيري .
لكن نجوم المسرح لم يتركوا الفرصة المتاحة للانتقال إلى السينما تمضي من
دون استغلالها . على عكس بعض الممثلين السينمائيين في الفترة الصامتة، لم
يكن عند أي من هؤلاء المسرحيين مشكلة صوتية وإلا لما تبوأوا خشبة المسرح،
من هؤلاء الذين انتقلوا سريعاً إلى العمل السينمائي وأنجزوا فيه نجاحاً
كبيراً فردريك مارش وجيمس كاغني وإدوارد ج . روبنسون .
في العامين الأخيرين من عشرينات القرن الماضي، بدا واضحاً أن السينما
اجتازت مفترق الطرق واختارت وجهتها . وعلى الرغم من مصاعب الاختيار
والبداية وتعثّر حظوظ بعض السينمائيين وولادة جيل آخر، إلا أن ذلك كلّه كان
حلقة من حلقات التطوّر التي عاشتها السينما منذ ولادة الفيلم الأول سنة
1888 وحتى اليوم .
بعد تلك الفترة لن تتوقّف المحاولات لتطوير تقنيات الفيلم: المخرج روبن
ماموليان استنبط العجلات تحت الكاميرا لكي يتيح لها أن تتحرك بليونة . في
الأربعينات بوشر اللعب بالألوان (رغم محاولات سابقة تعود إلى العقد الأخير
من القرن التاسع عشر) . في الخمسينات بوشر تغيير حجم الصورة ومحاولة اعتماد
الفيلم ذي الأبعاد الثلاثة . في الستينات وُلدت السينيراما لتعرض الفيلم
على نحو بانورامي . ونحن نعرف الآن أن كل هذه المحاولات التطويرية هي قاعدة
السينما كما نعرف: الصوت المجسّم والفيلم ذي الأبعاد الثلاثة والسينيراما
التي أصبحت، على نحو أو آخر، ما يعرف اليوم بعروض “آيماكس” .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
11/07/2010
صالة لواحد
TOY STORY 3
الأشرار الصغار وألعابهم الجميلة
محمد رُضا
يستمتع الكبار قبل الصغار (او بنفس الدرجة على الأقل) بكل فيلم من سلسلة "توي
ستوري" يظهر في الأسواق. منذ خمسة عشر سنة حين تم تقديم الفيلم الأول، الذي
أنجز
أكثر من 360 مليون دولار عالمية، بسعر تذاكر ذلك الحين، تفاهم الكبار مع
الرسالة
التي يكنّها الفيلم ويبثّها إليهم: أنتم لا زلتم صغاراً تحنّون
الى لعب الطفولة.
الى الدمى التي على شاكلة الكاوبوي وشاكلة الهندي وشاكلة الفتاة الجميلة
(لعبة
الفتيات المفضّلة) والسوبر هيرو وسواها. ولأنكم لا زلتم تحنّون إليها والى
ما
مثّلته من براءة وأثارته من خيال أنتم هنا تقضون وقتاً مفضّلاً
بحجّة اصطحاب
أطفالكم الى صالات السينما، بينما أنتم تدركون أنكم أنتم من يرغبون في
مشاهدة هذا
الفيلم.
ليس هذا فقط ، أدّى نجاح الفيلم الأول لفيلم ثان اشتغل علي الطبيعة
البشرية ذاتها خرج الى الأسواق قبل عشر سنوات وأنجز 486 مليون
دولار حول العالم.
والآن، ها هو الجزء الثالث: اللعب ذاتها. البشر ذاتهم. الحنو صوب الطفولة
الذي لم
يتغيّر.
هذه المرّة تحت إدارة مخرج جديد أسمه لي أنكريك (مخرج الجزأين السابقين جون
لاسيتر اكتفي هنا بالمشاركة في كتابة السيناريو) لكن لا شيء
تغيّر على صعيد فنيّة
الرسوم ذاتها ولا على صعيد الشخصيات. نعم هناك شخصيات جديدة لكنها مُعالجة
بالطريقة
التقنية ذاتها ومكتوبة بالتوازن الدقيق الذي تمر به كل الحكايات: دفع
البراءة الى
الصف الأمامي، الحذر من التنازل عن المقوّمات الأخلاقية التي
تتحكّم في العمل
بأسره، والابتعاد عن العنف الذي نراه في شتّى الأفلام الأخرى، وبغزارة هذه
الأيام،
بما في ذلك أفلام أنيماشن أخرى.
هناك تفاصيل دقيقة أخرى لا يرضى صانعو هذه
السلسلة، وهم أيضاً صانعي أفلام "سيارات" و"إ-وول" و"مونسترز إنك"، التخلّي
عنها.
إنهم يريدون بعث الثقة بالعالم الذي نحن فيه وتعزيز أخلاقيات الزمن الذي
ولّى حين
كان الإخلاص عملة متداولة بين الناس. هذا ليس صعباً تطبيقه في هذه السلسلة،
وفي هذا
الفيلم تحديداً، لأنه يقوم على تفعيل هذه الكلمة ودفعها لتدخل صلب قاموس
الناس من
جديد. إنه حول أخلاص الألعاب لصاحبها وإخلاص صاحبها لها. طريق
باتجاهين تبيّنه
الأحداث أكثر من مرّة بينما لا تتوقّف عن إثارة الضحك ونشر المتعة
الترفيهية
البريئة.
الألعاب/ الشخصيات الرئيسية التي تشكّل عماد الفيلم هي وودي (صوت توم
هانكس) اللعبة الكاوبوي، بَز لايتيير (تيم ألن) اللعبة التي
انضمّت متأخرة والتي
تعمل على البطارية كونها تماثل شخصيات الفضاء، وجيسي (جوان كوزاك) اللعبة
الفتاة
ومستر بوتاتو هيد (دون ريكليس) وهو على شكل حبة بطاطا وزوجته مسز بوتاتو
هيد (إستيل
هاريس) ثم باربي وركس وبضعة ألعاب مختلفة وملوّنة أخرى. هذه
الألعاب، كما يعرف كل
من شاهد الجزأين السابقين، تدب فيها الحياة فتنطق وتتحرّك بعيداً عن ملاحظة
البشر
فقط. تنتمي الى الصبي آندي (جون موريس) الذي كبر الآن ويستعد لدخول
الجامعة. ماذا
سيفعل بتلك الألعاب؟ إنه على علاقة عاطفية وطيدة معها، لكن إذا
ما كان عليه انتخاب
لعبة واحدة يبقيها معه للذكرى فهي وودي لكنه، وهو الذي يستعد الآن لمغادرة
منزل
والديه الى الكليّة بعيداً، يرفض التخلّي عنها. سيضع الألعاب كلّها في
صندوق على
أن يرفع الصندوق الى الغرفة العلوية حيث المحفوظات وذلك
باستثناء وودي الذي سيضعه
في الصندوق الذي سيأخذه معه الى حياته الجديدة. والدته سوف تعتقد أن أبنها
يود
التخلّص من تلك الألعاب وستأخذها الى دار حضانة لتنضم الى مئات الألعاب
المنبوذة
هناك. على وودي، وقد أدرك الخطأ أن يفعل شيئاً. لكنه سيجد نفسه وقد انضم
لباقي
الألعاب في مصير من الصعب التخلّص منه. فالمكان الذي يبدو، من منظور
الألعاب، آسراً
وجميلاً في الوهلة الأولى، ومليئاً بالرفاق من الألعاب السعيدة، ثانياً،
ومكان لائق
بهم ثالثاً، يتم وضعهم في غرفة مخصصة لأصغر الأطفال عمراً وأكثرهم شراسة.
أنهم
أشرار الفيلم وهم من دون شخصيات منفصلة لكل منهم، بل جمع من
الصاخبين الذين يبدون
كما لو خرجوا من رسومات "ماد مغازين" وهم يعاملون الألعاب بكل ما أوتوا من
عزم:
يرفسونها، يدوسونها، يضربونها بالخزائن،
يحاولون خنفها، يسحلونها، يقتلعون
أطرافها، ثم ينصرفون حين يدق الجرس وتنتهي الفرصة. وتبقى تلك الألعاب
منهكة من
جراء ما حدث لها. متهالكة الى حيث عليها أن تأوى وتبيت.
للمكان قوانينه التي يديرها دب (صوت الممثل المخضرم ند بيتي) فيفرض على
الجميع أماكنهم ويحجر على حريّاتهم. وهو يبدو لطيفاً بادئ
الأمر، لكنه يكشف عن
قناعه وقناع حاشيته سريعاً. بذلك، فإن اللعب في هذا الفيلم هم كالبشر في
الدنيا:
مراتب وطبقات وحاكمون ومحكومون. ولو أن
وودي استطاع النفاذ بعدما فشل في إقناع
مجموعته بأن أندي لم يتخل عنهم كما يعتقدون. حينها كان هؤلاء
ما زالوا ينظرون الى
المكان الجديد الذين آووا إليه كما لو أنه كل شيء يصبون إليه.
الآن على وودي
البحث عن طريق للعودة الى صاحبه ولو أنه سيجد نفسه قد عاد ليساعد باقي
اللعب. في
الوقت الذي اكتشفت فيه تلك أن وودي كان على حق. هذا يقود الى
المغامرة الأكبر التي
هي عبارة عن مطاردة بين الدب وأعوانه لوودي ومجموعته والتي تنتهي بمرحلة
أخيرة
سأمتنع عن وصفها.
الآني
والمداهم
إخلاص وودي لمجموعته هو واحد من المفاتيح المتشابهة التي يبرزها الفيلم تحت
هذا
العنوان. هناك كما تقدّم إخلاص صاحب الألعاب أندي لها ورفضه
التخلّي عنها. ثم إخلاص
وودي إليه بعدما أدرك كيف اعتقدت أم أندي خطأ بأن أبنه لا يكترث لألعابه
فتصرفت من
عندها. وهذه الشيفرة المتداولة في الفيلم تعمل في ذات الخانة الأكبر التي
تحتوي على
تلك العلاقة التي لا تُنسى بين الكبار والصغار منا وبين ألعابهم. الفريق
الأول نبذ
هذه الألعاب لكن عديدين لا زال يحتفظ بأعز ما امتلكه منها، والصغار ربما
الآن صاروا
مترددين في "بعزقة" ما يملكون خوفاً من أن يكون مصيرهم مهدداً
كما شاهدوا في هذا
الفيلم.
سلسلة "توي ستوري" وأفلام بيكسار الأخرى تختلف عن كل ما هنالك من أفلام "أنيماشن"
متوفّرة باختلاف منهج الاستديو الفني والنوعي. المخرج الجديد لي أونكريك
لا يستطيع التخلّي عن شروط بيكسار في المعالجة حتى ولو أراد، وهو لم يفعل
محافظاً
على انتماءات الفيلم الفنية وتناسقه مع ما سبقه، لكنه وكاتبي
السيناريو (مايكل أمد
وجون لاسيتر) أفسحا مجالاً أكبر للشخصيات الآدمية لم يكن متوفّراً من قبل،
كذلك
عمل المخرج على تسريع إيقاع الحكاية ربما من باب أن الفيلم هذه المرّة ليس
جديداً
على المشاهدين كموضوع. بالتالي لا يمكن الركون الى كثير من المساحات
والتأمّلات
التي يُراد بها إيصال رسالة كونية (كما الحال في "إ- وول"). في
شتّى الأحوال،
بيكسار هي الاستديو الوحيد في الغرب الذي ينجز أفلامه الكرتونية على
الكومبيوتر
غرافيكس مع إصرار على المضامين الاجتماعية النقيّة التي وصلت، في "إ-وول"
الى مستوى
الرسالة السياسية حول البيئة وحب كوكب الأرض ومعاملته باحترام ونبذ سيادة
الاستهلاك الذي سيحوّل البشر الى شكل واحد من الأميين ثقافياً
والشرهين الكسالى غير
القادرين على القيام بأي تصرّف ذاتي.
واحد من طرق "توي ستوري 3" للتعويض عن
البعد الذهني الذي كان أكثر تواجداً في السابق، هو توظيف الحوار كمناسبات
للضحك.
وفي هذا المجال يصيب نجاحاً بلا ريب، لكن
أفضل لحظات الفيلم هي تلك التي يدهم الخطر
تلك الألعاب وليست تلك التي تهدف للضحك فالأولى تحمل في
ثناياها الآني والمداهم،
في حين أن الثانية ترتاح للصدى الذي تعلم أنها ستحدثه في ذوات مشاهدي
الفيلم.
الفيلم معروض بنظامي الشاشة ذات البعدين والشاشة ذات الأبعاد الثلاثة، وقد
فضّلت مشاهدة الفيلم ببعديه لكني قرأت لنقاد آخرين شاهدوا
النسخة المجسّمة وأثنوا
عليها. لذلك هو أمر متروك لمن يرغب. لكن جهد التقنيين واضح حتى في النسخة
ذات
النظام المعتاد. هذا النوع من الرسوم يقوم على الكومبيوتر "غرافيكس" الذي
ككل نتاج
آخر يعتمد على موهبة وبراعة ومفهوم مستخدميه لما يقومون به. المقصود هنا هو
القول
أن حقيقة كون الفيلم مصنوعاً على الكومبيوتر لا تعني لوحدها
قيمة. في عمومه، "توي
ستوري 3" نشاط فني أنجح مستوى وتنفيذاً من العديد من الأفلام الحيّة. مشاهد
المطاردات وحدها تحمل قيماً كبيرة كأفكار وكتنفيذ. بعض جزئياتها، لنقل
المشاهد التي
على الألعاب التسلل خارج الغرفة التي سُجنوا فيها، تحمل أفكاراً جديداً كما
أجواء
تشوقيه يشعر بها أبن العاشرة وإبن السبعين ومن بينهما على حد
سواء.
حين يأتي
الأمر الى التفاصيل، فهي أكثر مدعاة للصدق أيضاً من العديد من الأفلام
المتوفّرة
حولنا. هذه الألعاب لها شخصيّات مختلفة. بعض الجديد منها يستند
الى معيار نفسي
وبعضها يقف على شفير السقوط في الخداع العاطفي. بدنياً هناك مناسبات للخيال
لا تنسى
من بينها، كمثال فقط ، البطاطا التي تحوّلت الى رغيف والحمامة التي تحط
جانبه لكي
تأكله. هذا أكثر إثارة للرعب من كل ما يخرج من أفلام رعب، لأنه
يشتغل علي الخيال
وحده، فالطائر يترك الرغيف المقاوم وشأنه، لكن مجرد الشعور بالخطر كاف.
لكن
التفاصيل المقصودة، في نهاية الأمر، هي أكثر من مجرد مثل او مثلين، كما هي
ليست في
الحدث او في المرجع النفسي وحده، بل في الحركات الصغيرة التي
تتعجّب حين تراها..
كيف أن صانعي الفيلم لم ينسوها.
The End
الجزيرة الوثائقية في
11/07/2010 |