حين قرر المخرج الأميركي
سيدني
لومِت،
في العام 1957 أن الوقت حان لدخول السينما مخرجاً استعار من
خلفيته المسرحية، ممثلاً ثم مخرجاً، عملاً كان كتبه
رينالد روز
كمسرحية تلفزيونية بعنوان
"إثنا عشر رجلاً غاضباً"
سنة 1954
ومنحها خبرته في إدارة الممثلين بعدما وافق هنري فوندا على بطولتها
وإنتاجها أيضاً
.
المسرحية تقوم على رصد اثني عشر محلّفاً (كلهم رجال) مجتمعين في غرفة
خاصّة للبت
في القرار الذي سيصدرونه على شاب متّهم بقتل رجل عجوز. الشاب يدّعي براءته.
المحلّفون (معروفون بأرقام فقط من 1 إلى 12) يدخلون القاعة على أساس
أنهم متّفقين
علي إدانته، لكن واحداً منهم (رقم 8) يكشف عن ريبته في أن الشاب مذنب فعلاً.
هذا
يُثير الجميع في البداية علي أساس أن قناعاتهم كانت جاهزة لإصدار الحكم
والانصراف
كل في سبيله. لكن حجّة رقم 8، وهو الدور الذي أدّاه هنري فوندا، من القوّة
بحيث
أنه، وطوال 96 دقيقة من الفيلم، سوف يكسب في كل تصويت يتم
أصواتاً جديدة لصفّه.
بما أن القرار المطلوب يجب أن يكون إجماعياً فإن متابعة التصويت ضرورية
للوصول إلى
نتيجة نهائية. في المقابل، هناك بضعة أفراد من هذه المجموعة تعارض احتمال
براءة
الشاب وأحدهم (رقم 3 كما قام به لي ج. كوب) هو الأكثر نزعة إلى العنف
والفاشية في
محاولته تجريم الشاب، لكي نكتشف في النهاية أن لديه مفهوماً
محافظاَ للغاية وأنه
ينظر إلى المتّهم نظرته لبعض الشخصيات والمواقف التي تعرّض إليها.
غني عن القول أن المخرج استعان بعدد من الممثلين
الذين لا يمكن تخطئة مفرداتهم في الأداء. وإذا كان هنري فوندا بمثابة النجم
بينهم،
نظراً لشهرته، فإن الباقين ممثلين لا يقّلون عنه إجادة خصوصاً مارتن بلسام
(رقم 1)
لي ج. كوب (3) إ. ج. مارشال (4)، جاك
ووردن (7) جوزف سويني (9) وإد بيغلي(10)..
لكن في طيّات العمل، ليست هناك فسحة يتمكّن فيها المشاهد من أن يكون
حرّاً في الموقف. سيدني لوميت، من هذا الفيلم وصاعداً، لم يعرف منح المواقف
معطيات
مثيرة للجدل، بل كان دائماً ما يعزز من يؤيده ويهوي بالمطرقة
على الباقين كما لو أن
الناس خلقوا بيضا أو سودا من دون تدرّجات. هذا لم يمنع من اعتبار الفيلم
أفضل ما
عرضه مهرجان برلين في العام ذاته ونال الجائزة الذهبية سنة 1957 وهي الدورة
التي
عرض فيها المخرج صلاح أبوسيف فيلمه الجيد "الفتوة"
قبل عامين أنجز المخرج الروسي
نيكيتا ميخالكوف
نسخة روسية عن ذلك الفيلم، كما هناك نسخة
سينمائية أميركية أخرجها وليام فرايدكن سنة 1997 لكنها لم تصل إلى مستوى
الأصل. لكن
نسخة ميخالكوف، وإن لن تترك الأثر ذاته، إلا أنه النسخة الأفضل
- حتى من نسخة
لوميت- كون المخرج برع في تحويل المسرحية وشخصياتها إلى الروسية، وأقدم على
ما
تحاشاه المخرج من تبرير للمواقف بطريقة مدروسة وتمكن من وضع الجريمة في صلب
الوضع
الاجتماعي. بالتالي، فإن المداولات تبحث في السياسة المحلية
والاقتصاد والمجتمع في
الوقت الذي لا يزال الفيلم يسرد وضعاً حادّاً ومشوّقاً في الأساس.
سيدني لوميت لمن
لا يعرفه جيّداً، ولا أدري متى آخر مرّة كتب أحد نقادنا البواسل شيئاً عنه،
مخرج
فعال في إدارته للممثلين، ليس فقط بسبب خلفيته المسرحية وحدها، بل بسبب أنه
ابن
مخرج وكاتب ومعلّم تمثيل مسرحي اسمه باروش لوميت (من يهود روسيا
المهاجرين) ولوميت
الابن تشرّب العلم الأول منه قبل أن يخرج مسرحيات باللغة اليديشية، التي هي
لغة
الأشخنازيين: يهود ألمان أرذوكوسيون لهم جذور أوروبية تعود
للقرن العاشر وهم
انتشروا بلغتهم هذه في روسيا والبلاد السلا?ية كون بعض مفرداتها جاءت من
اللغة
السلا?ية أيضاً (إلى جانب الألمانية والأرامية). هذه اللغة استخدمت في
المدن
الأميركية التي شهدت كثافة يهودية مثل نيويورك، وكانت هناك
مسرحيات وأفلام خلال
العشرينات والثلاثينات وبدأت الظاهرة تنجلي في مطلع الأربعينات.
بعض أعمال لوميت
المسرحية حملت جانبه الديني لما بعد تلك الفترة. في العام 1960 مثلاً أخرج
مسرحية
موسيقية من بطولة تيودور بايكل ولودفيغ دوناث وستيفان غيراش بعنوان
Dybbuk
وهي كلمة
يديشية تعني "الروح غير المستقرّة". هذه المسرحية مصوّرة كونها أنتجت لحساب
التلفزيون ضمن حلقات أسبوعية كان عنوانها "مسرحية الأسبوع" (أخرج منها
خمسة)
بعض أفلام سيدني لوميت عكست انحيازه الديني، الذي هو أمر مفهوم (أما
هل
هذا مقبول فهذا أمر آخر) في العام 1964 أنجز فيلماً عن الهولوكوست من بطولة
رود
ستايغر بعنوان "صاحب دكان المراهنات" أوThe
Pawnbroker.
فيه نرى الممثل يؤدي
أحد أفضل أدواره: يهودي نجا من الهولوكوست ولا يزال يحمل طعم المرارة في
فمه
مفتقداً الشعور بأية حياة أخرى لأي شخص كان. هذا إلى أن يتعرّض إلى تجربة
تغيّره
للأحسن، ثم تتركه عارياً من المشاعر من جديد.
فيلم حزين عن رجل حزين حاول أن يقول أشياء عن
المحنة والذكريات والجواب على سؤال حول إذا ما كان على شاوول
نازرمان أن ينسى أو لا
ينسى سنجد أن لوميت عاد إلى موضوع اليهودية في أعمال لاحقة، لكن الفيلم
التالي
لـ "صاحب دكان المراهنات" انتقل إلى موضوع مختلف هو الحرب الباردة وما بدا
حينها
حتمية السقوط في شرك الحرب النووية..
Fail-Safe
أو "أمن مزيّف" هو العنوان ويدور
حول طائرة حربية أميركية انطلقت خطأ حاملة قنبلة نووية ستلقيها على موسكو.
كل من
الرئيسين الأميركي (هنري فوندا) والروسي (نسمع صوته ولا نراه)
يحاولان إيجاد حل
لهذه الأزمة و..... يفشلان.
هذا الفيلم ورد سنة 1964 وهو جاد وإن كانت جودته
محدودة. في كل الظروف هو أقل جودة من فيلم ستانلي كوبريك الذي خرج أيضاً
سنة 1964
بموضوع مشابه وهو "دكتور سترانجلَ?: أو كيف توقّفت عن القلق
وأحببت القنبلة".
والمقارنة لابد منها ففيلم كوبريك أيضاً يتحدّث عن طائرة تنطلق حاملة قنبلة
نووية
ستسقطها فوق موسكو، وعن محاولات إنقاذ وضع لا يمكن إنقاذه. في الفيلمين
الطائرة
النووية لا تعود إلى حيث انطلقت قبل أداء مهمّتها حتى ولو
أمرها بذلك رئيس
الجمهورية. لكن في حين أن فيلم لوميت يضع اللوم على خطأ في الكومبيوتر
(أيامها كان
الكومبيوتر للاستخدامات العسكرية وحدها) فإن كوبريك يضع الخطأ على أهل
اليمين
العسكري حيث الجنرال الذي أمر بإقلاع الطائرة (سترلينغ هايدن)
يعيش وهم الحرب
الباردة في دمه مرتاباً بأن كل شيء حوله هو مؤامرة شيوعية.
تلخيص الفارق بين
الفيلمين هو أشبه بشخص لم يبتسم في حياته "أمن زائف" بشخص ساخر طول الوقت
(«دكتور
سترانجلَ?») والغلبة للساخر. فيلم كوبريك كوميديا سوداء تصل إلى حد تلخيص
زيف
الحياة السياسية في الوقت الذي تقرّب الأشياء إلى احتمالاتها
المزعجة.
عاد لوميت للنص المسرحي في فيلمه اللاحق "التل"
الذي أخرجه سنة 1965: قصّة سجن عسكري بريطاني قائم في صحراء شمالي أفريقية
خلال
الحرب العالمية الثانية - ولو أن التصوير تم في أسبانيا-
يديره ضابط يغض النظر عن
ممارسة السير جنت ولسون (هاري أندروز) السادية -الفاشية ضد
سجناء بريطانيين من
بينهم شون كونيري في محاولة مبكّرة له للفكاك من أسر شخصية جيمس بوند.
شاهدت الفيلم
في عروضه الأولى وأنا في مطلع الشباب وأحببته لكونه يحمل إدانة لنظام فاشي.
فيلم
انتقادي يستحق الإعجاب. ثم شاهدته، لغرض هذا المقال، وأدركت
هشاشته. طبعاً هو نقدي،
لكن على طريقة لا تخلو بدورها من "سادية" الرأي والقرار.
الجزيرة الوثائقية في
15/08/2010
لقاء مع مخرج (رمضان بعيون اجنبية) العربي ألتيت
لقد قمنا بتصوير ما رأيناه أمامنا
سأله: مجاهد
البوسيفي
يقدم المخرج المغربي العربي ألتيت في رمضان هذا العام
فيلما بعنوان ( رمضان بعيون اجنبية) على شاشة الجزيرة الوثائقية التي
التقته في هذا
الحوار للحديث حول هذا العمل وظروفه وحول مشاريع المخرج القادمة.
·
ينقسم المشاركون في الشريط –
رمضان بعيون أجنبية – لقسمين ..المستقرون
بالبلد والقادمون إليه خلال الشهر..ما ضرورات التقسيم فنيا وموضوعيا
برأيك؟.
صحيح أننا قسمنا المشاركين في الشريط إلى قادمين جدد ومستقرون بالمغرب
لسبب
رئيسي يتمثل في كون فكرة الشريط مبنية على محاولة الاقتراب من رؤية الأجانب
لشهر
الصيام وكيف يستطيعون التأقلم مع ما تفرضه خصوصية الشهر من محددات هامة تصب
في
احترام واحدة من أهم الشعائر الدينية لأهل البلد. فكان مطلوبا
منا التعرف على
الطريقة التي يتم بها التوفيق بين هذه المحددات والعيش بطريقة عادية
بالنسبة
للمقيمين والتمتع بالعطلة بالنسبة للسائحين القادمين من الخارج خصوصا وأن
الشهر
الفضيل يصادف ذروة موسم السياحة مثلا في شهر أغسطس.
لقد اخترنا التقرب من
الأجانب المقيمين لتقييم الفوارق التي قد يلحظونها على مناحي الحياة
بالمغرب خلال
شهر رمضان مقارنة ببقية الشهور باعتبارهم الأقرب إلى السكان الذين
يعاشرونهم طوال
السنة. وكان لزاما علينا أيضا أخذ وجهة نظر السياح المستجدين
للتعرف على مدى تطابق
انتظاراتهم وهم قادمون إلى البلد مع ما يجدونه على أرض الواقع وكيف يجدون
الأجواء
التي غالبا ما تكون غريبة عليهم.
تلك كانت الأسباب التي دفعتنا للتنويع في نماذج
الشخصيات التي اعتمدناها أبطالا للشريط علما أننا ركزنا بشكل
أكبر على المقيمين لما
تحمله وجهات نظرهم من طابع الواقعية والعمق أكثر من الزوار العابرين.
·
الشريط يتضمن مشاركات من عيون
مختلفة..منها المسلم ومنها غير المسلم
..هل كان هذا الأمر متقصدا خدمة لغرض العمل أم جاء محض صدفة؟
كما هدفنا إلى التنويع فيما تعلق بالإقامة بالبلد والزيارة المؤقتة،
فقد ارتأينا
التنويع في مجال ديانة المشاركين مع منح غير المسلمين نسبة أكبر. فالمهم
عندنا كان
نظرة الآخر بمختلف تجلياته لمعرفة كيف ينظر إلينا كأفراد يعتنقون ديانة
الإسلام
والى الدين الإسلامي ذاته اعتمادا على الأفكار المسبقة التي قد
يكون مشبعا بها لكن
أساسا بالاعتماد على ما لمسه من خلال معاشرته لنظرائنا المسلمين ببلد مسلم.
وقد
ارتأينا منح أجنبي مسلم مقيم بالبلد فرصة إعطانا وجهة نظره التي تختلف في
كثير من
أسسها على رؤى أبناء البلد الأم. فاعتناقه نفس الديانة يعطيه نوعا من
الشرعية في
"
الحكم " على الممارسة الدينية لأبناء البلد وكذا الأجواء الرمضانية
كما تعلمها
دينيا وكما هي ممارسة فعليا على أرض الواقع.
·
تنوعت خلفيات المشاركين من فنان
إلى مستثمر على صحفي ....هل منح ذلك
ثراء أكبر للعمل من وجهة نظرك؟
لم تتنوع الخلفيات على مستوى العمل فقط بل أيضا على مستوى البلد
الأصلي فكان
لدينا إفريقية وأوربيين أحدها فرنكفوني والثاني انجلوساكسوني بما يمثله ذلك
من
اختلاف في وجهات النظر والسلوك.
لقد اخترنا الصحافية لما تمنحه لها مهنة الصحافة
من فرص لاقتراب من الواقع الحياتي للبلد والمواطنين ولما يتملكه الممارس
لمهنة
الصحافة من حس الملاحظة والتحليل والنقد. فارتأينا أن الصحافية
المشاركة معنا ستكون
أقرب ما يكون من تلمس عمق الأشياء والنفاذ إلى التفاصيل الدقيقة خصوصا
وأنها عاشت
لفترة كبيرة بدولة السنغال مما جعلها تحتك كثيرا بالمسلمين وبأجواء رمضان
بالرغم من
ديانتها الكاتوليكية.
أما اختيارنا لمشارك مستثمر فكان بدافع رغبتنا في استعراض
التغييرات التي قد تطرأ على أماكن العمل خلال الشهر، وكيف أن مستثمرا
أجنبيا يأخذ
بعين الاعتبار طبيعة الشهر الفضيل وما يستدعيه من طريقة اشتغال
مختلفة تلاءم عادات
الشهر من جهة ومتطلبات موظفيه من جهة أخرى. وكان اختيارنا لمجال السياحة
مهما ما
دام هذا القطاع واحدا من أهم الروافد الاقتصادية للمغرب وله طبيعة خاصة لا
تتلاءم
دوما مع الأجواء الروحانية الرمضانية.
·
لمسنا تفهما كبيرا من قبل
المستثمر الأجنبي للعامل والموظف المسلم خلال
الشهر..هل كان الأمر عفويا حسب رأيك أم فقط مجاملة تخص
الكاميرا؟.
لقد قمنا بتصوير ما رأيناه أمامنا ولم نطلب من أحد أن يغير من سلوكاته
العادية
أمام الكاميرا. أعتقد أن الأمر متعلق أيضا بالسنوات الطويلة التي قضاها
المستثمر
الأجنبي بالمغرب بل هو من مواليد المغرب وبالتالي فإنه يعتبر نفسه بشكل من
الأشكال
من أبناء البلد. وربما يكون أجنبيا بثقافة محلية يكتسبها المرء
بمعاشرة المحليين.
كما أن طبيعة العلاقة بين رب العمل والعامل تبنى من جانب العامل وطريقة
تدبيره
للعلاقة البينية تلك.
·
استعنت بالباحث في المدن
الإسلامية جعفر الكنسوسي..الم تخشى خروج العمل
على سياقه العفوي ودخوله لسياق بحثي أكاديمي يضر بإيقاعه
العام؟
ربما سيلاحظ المتفرج أننا لم نفرد للأستاذ الباحث مجالا واسعا للحديث.
لكننا
احتجنا لتوطئة ضرورية للعمل قبل الدخول في عمق الموضوع. واعتقد أن تدخله لم
يؤثر
سلبا في طريقة المعالجة بل كان مؤطرا موازيا ليس إلا. واستطعنا الحفاظ على
الطابع
العفوي والمباشر لتدخلات مختلف الشخصيات التي شاركت في عملنا
مما منحه نوعا من
السلاسة والانسيابية والجو الروحاني المناسب لطبيعة الموضوع المطروق.
·
ماذا يعني لك التعاون مع الجزيرة
الوثائقية، وكيف ترى الوثائقي
اليوم؟
يعلم الجميع أن قناة الجزيرة الوثائقية هي حاضنة المشاريع الوثائقية
في الوطن
العربي. صحيح أننا اشتغلنا كثيرا في مجالي الدراما والبرامج التلفزيونية
لكننا
رأينا في الوثائقي إمكانية جديدة للتعبير عن مواضيع وانشغالات عديدة قد لا
يسعفنا
مجال التخييل في النبش فيها ومنحها المصداقية المطلوبة.
الفيلم الوثائقي أصبحت
له مدارس متعددة في الوطن العربي بفضل احتضان الجزيرة الوثائقية للعاملين
فيه بعد
أن كانوا لسنوات طويلة على هامش الفعل الإبداعي. وأملنا أن يستمر هذا الدعم
الإنتاجي الضروري للدفع بمجال الوثائقيات إلى ما هو أفضل.
·
ماهي مشاريعك القادمة؟.
نحن في المراحل الأخيرة للتحضير لتصوير شريط جديد خلال هذا الشهر
المبارك حول
موضوع " المرشدات الدينيات بالمغرب " وهو من إنتاج الجزيرة الوثائقية التي
اقترحنا
على الإخوة بقسم الإنتاج بها مجموعة من الأفكار التي نراها مناسبة لخطها
التحريري
آملين أن تلقى موافقته الكريمة.
وفي جانب آخر نضع آخر اللمسات على التعاقد على
مشروع شريط متعلق بظاهرة القرصنة التكنولوجية بالمغرب مع قناة
الجزيرة الإخبارية
في إطار موضوعات سلسلة " تحت المجهر " وكلنا أمل في أن نقدم انتاجات في
المستوى.
الجزيرة الوثائقية في
15/08/2010
العشم العربي .... الفيلم العربي بين المركز والهامش
لمى طيارة – دمشق
بين فترة وأخرى تسود الأجواء الثقافية والفنية
وتتصاعد خلافات ونقاشات حول مسألة السيادة الفنية والانفتاح
على الآخر ، وتبقى
دائما مصر قطبا في مواجهة الأقطاب العربية الأخرى باعتبار أن مصر رائدة
الفن
الدرامي ( سينمائيا وتلفزيونيا ) ، ومؤخرا بدأت النقاشات تأخذ بعدا آخرا
وخصوصا بعد
أن شعرت مصر بتراجعها عن مركز الصدارة، فبدت الدراما السورية وخاصة
التلفزيونية
منها تظهر على السطح وبقوة ، بل أكثر من ذلك بدأت العناصر
الفنية السورية تتدخل
وتتداخل بشكل كبير في الأعمال العربية الأخرى وخصوصا المصرية منها ،وجاء
أفول نجم
المحطات والقنوات التلفزيونية الأرضية وسطوع نجم القنوات الفضائية -الخاصة
تحديدا-
ليكسر حاجزا آخر أضعف قليلا أو كثيرا هيمنة
الدراما المصرية عربيا
.
هذه القضية
كانت مثار جدل بناء وحوار رصين على هامش انعقاد مهرجان الرباط السينمائي
لسينما
المؤلف المنعقد مؤخرا في الرباط في المغرب حيث ارتأت كل من قناة النيل
سينما
بالاشتراك مع القناة الأولى المغربية إلى جمع عدد لا بأس به من
نجوم وصناع السينما
في الوطن العربي تعزيزا للحوار وفتح هذا الملف الشائك من خلال سهرة
تلفزيونية اطلق
عليها اسم " العشم العربي "بثت يوم الخميس 5 اغسطس 2010.
أسئلة
كثيرة...
الكل يتساءل لماذا لا يتم ترويج
الفيلم السوري أو الجزائري أو المغربي أو التونسي أو غيره في
مصر؟ ولماذا لا تستقبل
دور العرض السينمائية في مصر أفلام العالم العربي؟ ولماذا لا يبث
التلفزيون المصري
أعمالا سينمائية عربية وخصوصا بعد أن أصبحت له قنوات متخصصة ؟؟ ولماذا تحب
السينما
المصرية أن تصّدر نفسها لتكون في بيوت جميع العرب ولا تحب أن يدخل على
بيتها
الفيلم العربي ...؟؟
دارت أسئلة كثيرة ومحاور عريضة وواسعة كانت أكبر من أن تحل
او تناقش فقط في حوار خاص أو مع بعض النجوم والفنانين اللذين في النهاية
ليسوا هم
أصحاب القرار في هذا الموضوع. ولكن ربما تكون هذه السهرة بذرة
لنقاشات اكبر
ولإيجاد حلول لمشكلة السينما العربية عربيا فيما بعد
..
الهدف الرئيسي من إقامة
هذه السهرة قبل تسجيلها فعليا كان الحديث عن مشكلة اللهجات
العربية الصعبة الفهم
وخصوصا بالنسبة لمصر التي اتهمت بالانغلاق على لهجتها ولا تبذل مجهودا لفهم
لهجة
بقية العرب وخاصة المغرب العربي. واعتبرت هذه المشكلة هي التي تمنع انتشار
الأعمال
الدرامية العربية بشقيها السينمائي والتلفزيوني إلى البلدان العربية وتقف
حاجزا
بينها وبين الجمهور. وأثناء مناقشة قضية اللهجة تحول الحوار فعليا إلى حالة
من
الصراحة والعتاب من النجوم العرب.
ولكن ...
لماذا مصر؟
لماذا نتجه دائما لمصر ونشعر أن المعنيين
والقائمين على هذه الصناعة يقفون في وجه الأعمال العربية
الأخرى، ولماذا ننقد مصر
لأنها لا تعرض سوى الأعمال المصرية والأمريكية والقليل من الأفلام الهندية
بينما لا
تجد الأفلام العربية طريقا لها، حتى وصل الأمر إلى تسمية الفيلم المصري
بالفيلم
العربي أما الفيلم الأجنبي فهو الفيلم الأمريكي تحديدا .
بالدرجة الأولى وكرد
على هذا التساؤل يذهب البعض إلى أن المتحكمين في حركة السينما في مصر لا
يقفون في
وجه العروض السينمائية العربية فقط، بل إنهم يقفون أيضا في وجه العروض
المصرية
المستقله ذات التوجه النخبوي ويقفون أيضا في وجه الأفلام
الأجنبية غير الأمريكية
أيضا، فلا تعرض فيلما ايطاليا أو فرنسيا أو إيرانيا ....الخ ، فهل المسألة
لها
علاقة بالأرباح والاحتكار. وهنا طرح سؤال آخر وهو هل أن هذا العالم
السينمائي
الافتراضي تحكمه فئات تديره حسبما تشاء فتروج لما يخدم مصالحها الشخصية
وثقافتها
وتغفل ما يخالفها ويتناقض مع مصالحها أم أن المسألة لا تتعدى
الربحية ( إنتاج رخيص
يحقق ربحية اكبر) ؟؟ الإجابة عن هذا السؤال رده فقط لدى شركات التوزيع
والإنتاج
السينمائي عامة..
وإذا كانت كلمة الربحية تعني أن دور العرض تشهد إقبالا
جماهيريا فهل هذا يعني أن الموزعين والمنتجين على وعي كامل بحاجيات الجمهور
ورغباتهم ؟ وإذا كانت هذه الجماهيرية تعني أن الفيلم جيد فهل
هو حقيقة فيلم جيد
يستحق المشاهدة أم أنه في الحقيقة فيلم رث ومتدني كتدني الوضع الاقتصادي
والثقافي
في بلادنا العربية ؟؟؟
عندما التقيت الكاتب مصطفى محرم صاحب القلم الرصين
ويعتبر من الكتاب الذين يوازون بنجاحاتهم وكتاباتهم الكتاب الكبار في مصر،
أخبرني
ولربما صدمني حينما تمسك برأيه بأن العمل الدرامي(وكان كلامه
متجه إلى السينما
تحديدا) "ما لم يحقق جماهيرية ومبيعات لا يمكن أن نعتبره عملا ناجحا بأي
شكل من
الأشكال".
في حقيقة الأمر رأي مصطفى محرم هذا يثير الخوف وهو الرجل المثقف،
الذي يميز الرث من الجيد فكيف لنا مثلا أن نعتبر ان أفلاما مثل سلسلة
(اللمبي)
للنجم محمد سعد هي أفلام ناجحة ؟وهل
نستطيع أن نعتبر ميل الجماهير لهذا أنواع من
الأفلام - التي يصنفها النقاد بأنها الرديئة- هو معيار لنجاح
الفيلم ومعيار للذوق
العام في مصر مثلا ؟؟
وكيف لنا أن نقول إن بعض الأفلام العربية التي كان لها حظ
الوصول لصالات العرض المصرية إنها أفلام فاشلة لأنها لم تستمر سوى أسبوعين
ولم تجد
اقبالا جماهيريا لها وهي التي كانت قد نالت جوائز عديدة وحظيت بإعجاب
النقاد مثل
الفيلم الفلسطيني "المر والرمان" و "سكر بنات" اللبناني وغيرها
من الأفلام، وهي ليس
لأنها أفلام نخبوية تطرح قضايا في الصميم لا يريد الجمهور
المصري المتعب والمكسور
الخاطر الذي يريد أن يدفع ماله لمشاهدتها بعد يوم طويل مجهد
.
وماذا سيقول
الأستاذ محرم عندما يعرف أن فيلما ناجحا في مصر لنجم الكوميديا عادل إمام
لم يستمر
عرضه سوى أيام في صالات دمشق أو تونس أو بيروت، فهل هذا يعني انه فيلم فاشل
؟؟
ولماذا لا نربط هذا التخلف السينمائي بتخلف الثقافة نفسها التي أدت
إلى
اختلاف ذائقة الجمهور الفنية وتراجعت بسبب وجود مؤسسات وشركات خاصة تعمل
منذ سنوات
على تخريب هذا الذوق لتمهد لنفسها سوقا رائجة لاستقبال
منتجاتها التي تصنعها
برغبتها وتدعي أن ( الجمهور عاوز كده) ؟ ومن قال إن الجمهور وحده يقرر ما
يريده أو
ما يحتاجه ؟؟
فهناك عشرات الأفلام إن لم نقل أكثر بكثير من
الأفلام السينمائية المصرية وغيرها التي يتم إنتاجها كل عام
غير صالحة للمشاركة في
المهرجانات السينمائية حتى العربية منها بل وغير صالحة للعرض المحلي أصلا ،
مع ذلك
تلقى رواجا وسوقا لها في مصر.
المشكلة
السينمائية عربيا عربيا..
المشكلة الأخرى التي تم تناولها
في هذا الحوار هي مشكلة عربية عربية ، فمثلا الأفلام السورية
والجزائرية ...الخ ،
لا تعرض في الصالات السينمائية المغربية والتونسية والعكس صحيح..
قد يبدو للبعض
وبنظرة سطحية أن مشكلة الدراما العربية وتحديدا السينمائية تكمن فيما ما
أطلق عليه
القائمون على السينما من منتجين وموزعين خطأ مشكلة اللغة (وهم يعنون بطبيعة
الحال
اللهجة ) ،وهو أمر قد يبدو في جانب منه احد أسباب الابتعاد عن
الأفلام العربية في
الأسواق العربية وخصوصا شمال أفريقيا الذين ينطقون العربية بلكنة خاصة
ويلونونها في
كثير من الأحيان باللغة الفرنسية، وهو أمر لا يمكن التنازل عنه من جانبهم
طالما أن
الدراما تعكس واقعا اجتماعيا لمجتمع ما، فكيف لنا أن نغير من طبيعة تلك
المجتمعات،
ولماذا لا نبدأ بالتدريج بفهمها وتقبلها كما تفعل هي حين تتقبل لهجاتنا
المحلية
سواء المصرية أو السورية واللبنانية وتتبناها .
على أية حال لا يمكن أن تكون
مشكلة اللهجات العربية هي السبب الحقيقي والوحيد وراء عدم
ترويج أو توزيع
الأفلام العربية عربيا، ولكن بالتأكيد هناك مشكلات أخرى تتعلق
بمسألة الإنتاج
نفسها فمعظم البلدان العربية فقيرة إنتاجيا لا يتعدى إنتاجها السنوي
فيلمين أو
ثلاثة أفلام ، فيما لو استثنينا المغرب الذي وصل إنتاجه إلى ما يقارب 15
فيلما
روائيا سنويا بدعم أوروبي صريح ، وهو رقم يحسب له الحساب في
الخارطة السينمائية
الحديثة، هذا الإنتاج الكبير والذي يسمح للمغرب كدولة بالتواجد في معظم
المهرجانات
السينمائية وخصوصا العالمية منها، لم يشفع له بالتواجد على الساحة العربية
وخاصة
المصرية منها .
ثم هناك مسألة تشمل أيضا معظم البلدان العربية فيما لو استثنينا
مصر والأردن وربما لبنان ، ألا وهي مسألة قلة صالات العرض السينمائية،
فمثلا في
مدينة دمشق كلها لا نجد سوى خمس صالات عرض وهذا لوحده يعتبر
كارثة على الموزع
والمنتج وعلى الصناعة برمتها، وبحسبة بسيطة سنجد أن أي فيلم عربي أو حتى
سوري سيكون
خاسرا فيما لو عرض سينمائيا، خصوصا مع وجود سوق الأفلام المقرصنة أما في
الأردن
فالمسألة مختلفة تماما فالأردن لا تعاني من مشكلة في الصالات بل تعاني من
الفقر في
الإنتاج الروائي رغم بعض التجارب ، والبديل لديها لشغل هذه
الصالات هو عرض الأفلام
المصرية والأمريكية وغيرها كحل لتغطية نفقات هذه الصالات
.
اذا ليست مشكلة ترويج
الفيلم العربي عربيا متوقفه على اللهجة ، وليست فقط مسألة انغلاق على الآخر
أو
انفتاح عليه، بل هي مشكلة اكبر من ذلك بكثير ولها أقطاب وأطراف عديدة ،
وحلها
الأكيد في قدرتنا على الإنتاج و التوزيع المشترك والقدرة على تحمل الخسارة
لفترة
محدودة، وأهم من ذلك رغبتنا في تحقيق تواصل ووحدة عربية ثقافية
وفنية عجزت الأنظمة
السياسية عن تحقيقها بينما تمكنت الدراما التلفزيونية مؤخرا من تحقيقها
وحصاد
نجاحها فنيا و ماديا ومعنويا .
الجزيرة الوثائقية في
15/08/2010 |