كانت جوليا روبرتس، المولودة سنة 1967، في الثالثة والعشرين من عمرها
حينما ظهرت أمام ريتشارد غير في «امرأة جميلة» سنة 1990، ولا بد أن معظمنا
يذكر النجاح الكبير الذي حققه ذلك الفيلم الذي سرد حكاية «سندريلية» أخرى:
فتاة بقلب من ذهب اضطرتها الظروف إلى أن تشتغل مرافقة لرجال الأعمال
والأثرياء لقاء مبلغ من المال. لكن حظها من الحب يرتفع فجأة عندما تلتقي
برجل أعمال مختلف يعاملها كإنسانة، وبالتدريج يقع في حبها، كما تقع هي في
حبه.
لم يكن ذلك فيلمها الأول إلى ذلك الحين (بل السادس) لكنه كان الأكثر
نجاحا. سبقه «ميستيك بيتزا» و«ماغنوليا فولاذية» وتبعه مباشرة «النوم مع
العدو» و«فلاتلاينرز» ثم فيلمها التشويقي القائم على التحقيق البوليسي
الوحيد بين مجموع أفلامها «ملف البجعة».
جوليا روبرتس التي أجرت «الشرق الأوسط» معها هذا لاحوار في هوليوود
لديها الحضور الذي يعبر عنها. ليس أنها هي ذاتها من فيلم إلى فيلم، بل
الحضور ذاته الذي دائما ما يذكرك بأنها جوليا روبرتس. هذا ربما باستثناء
مناسبات محدودة. مثلا دوريها في «مايكل كولينز» و«ماري رايلي»، وكل منهما
دار في زمن آخر وبلد آخر (أيرلندا وبريطانيا على التوالي) ويختلف دورها في
كل منهما عن دورها في أي من الأفلام التي مر ذكرها أو عن «إرين بروكوفيتش»
الذي نالت عنه الأوسكار.
نجاحها وإخفاقها لا علاقة له بالدور الذي تقوم به. إنها ضعيفة وهامشية
في «مايكل كولينز» وذات حضور جديد وصعب في «ماري رايلي». في أفلامها
الأميركية، الأمر لا يختلف، أفضل من المعتاد في «ملف البجعة» وأقل من
المقبول في «أحب المتاعب». ساحرة مجددا في «نوتينغ هيل»، وبطريقتها الخاصة
ومثيرة للتساؤل في «المكسيكي».
حتى «إرين بروكوفيتش» قسم النقاد من حولها. لقد خرجت بأوسكار أفضل
ممثلة بسبب لعبها شخصية حقيقية (ليست المرة الوحيدة كما سنرى) لكن هل كان
أداؤها أفضل من أداء إيلين بيرستين في «تحية إلى حلم» أو من أداء لورا ليني
في «تستطيع الاعتماد علي»، (كلتاهما نافست على الأوسكار لجانب جوان ألن
وجولييت بينوش) أم كان أكثر بهرجة؟
فيلمها الجديد «أكل دعاء حب؟» مأخوذ عن كتاب سيرة موضوع على شكل رواية
بطلتها (ومؤلفته) أسمها ليز غيلبرت. سبق للكتاب أن بقي على لائحة أفضل
المبيعات لنحو ثلاث سنوات.
الفيلم لا يبدو أنه سيبقى في «التوب تن» لأكثر من شهر واحد، على الرغم
من بداية قوية إذ حل في المركز الثاني. هي وباقي الممثلين، مثل ريتشارد
جنكينز، وبيلي كرودوب، وجيمس فرانكو، وخافيير بارديم، جيدون. الفيلم نفسه
لا يرتفع إلى المستوى الذي يجعل هذه الجودة تتبلور على نحو مناسب.
·
على كثرة الأكل الإيطالي الذي
شاهدناك تتناولينه في الفيلم اعتقدت أن وزنك زاد.. لكنني أراك ما زلت في
رشاقتك..
- (تضحك) شكرا. دعني أقول لك إنني لم أستمتع بطعام كما استمتعت خلال
تصوير هذا الفيلم.
·
هل كان الطعام الإيطالي أفضل من
الطعام الهندي مثلا؟
- طبعا لكل خصوصيته، لكن بالنسبة لي لا شيء يضاهي الطعام الإيطالي.
كنت آكل بشهية كما رأيت.
·
الفيلم كما نعلم جميعا مأخوذ عن
رواية نالت نجاحا كبيرا: نحو ثلاث سنوات في قائمة أفضل المبيعات حسب «ذي
نيويورك تايمز». هل كان نجاحها دافعا لك لكي تختاري هذا الفيلم؟
- نجاح الرواية في نظري أمر يخص الرواية وكانت تستحقه. نجاحها وجودتها
كعمل أدبي جانبان متلاحمان لا يمكن الفصل بينهما. لذلك ليس هينا القول إلى
أي جانب اتجهت. كل ما أعرفه هو أنه حين تم إرسال السيناريو لي لكي أقرأه
كنت في غاية الحماس. وسعدت كثيرا حين التقيت بالمخرج رايان مورفي ووجدت
لديه تفهما كبيرا للمادة الأدبية كمصدر للفيلم.
·
في أي مرحلة قرأت الرواية؟
- قرأتها بعد أشهر قليلة من خروجها إلى الأسواق. بعد فصلين وجدتها
آسرة. شخصية امرأة تبحث عن القيمة الأخرى للحياة التي لا تعرفها. تلك التي
هي خارج بيئتها الخاصة والتي من أجلها تسافر إلى بلدان بعيدة. إننا نعيش
مجتمعات مغلقة على الرغم من أننا نعتقد العكس. هناك انغلاق على النفس في
بعض أهم شؤون الحياة. لا نلتقي مع الآخر إلا في وضع من المصلحة أو من
العداء في حين أن المطلوب هو المعرفة التامة بعيدا عن المنفعة أو السياسة.
·
هل قابلت الكاتبة ليز غيلبرت؟
- نعم. قابلتها حين حضرت جزءا من التصوير في روما. كانت متعة فائقة
حين قابلتها. إنها إنسانة رائعة. أعتقد أيضا أن الوقت الذي تم فيه ذلك
اللقاء كان مناسبا. لم أرد في الحقيقة مقابلتها قبل بدء التصوير لأنني كنت
أرغب في أن أبقى مستقلة عن أي تأثير. وضعت ثقتي في المخرج والسيناريو الذي
كتبه. قلت لنفسي إن هذا السيناريو كاف لكي أبني شخصيتي عليه. وصراحة، لم
أكن أرغب في أن أكون هي، لأنني لا أعرفها. كنت أنوي أن أكون الشخصية التي
وضعها المخرج في السيناريو على اعتبار أنه لا يمكن لي أن أخطئ إذا ما فعلت
ذلك.
·
معك في البطولة عدد كبير من
الممثلين لم يسبق لك أن مثلت مع أي منهم من قبل: بيلي كرودوب، جيمس فرانكو،
ريتشارد جنكينز وخافيير بارديم. هذا أشبه بسلطة من الخبرات والأساليب..
- صحيح.. ولكل منهم شخصية تختلف. لا أقصد الشخصية داخل الفيلم فهي
مختلفة بطبيعة الحال، لكن الشخصية الخاصة بكل واحد وكيف يمثل دوره. ربما
المشاهد لا يستطيع التأكد من ذلك أو حتى معرفته، إذ يجب عليه أن يحضر
التصوير. سأذكر لك مثلا. حين التقيت بالممثل خافيير بارديم كانت لدي
مخاوفي. لم أكن أعرف أي نوع من الممثلين هو، لكنني شاهدت له الكثير من
الأفلام وآخرها كان «لا بلد للمسنين».
·
لعب شخصية القاتل في ذلك
الفيلم..
- نعم. وكان مؤثرا جدا لدرجة أني اعتقدت أنه ممثل صعب الشخصية أو...
كيف أقول؟ غريب وقلق، لكنه كان شخصية لطيفة جدا.
·
هل صحيح أنك كنت حذرة منه في
البداية. كان هناك نوع من تناقض أسلوب كل منكما في العمل؟
- نعم إلى حد ما صحيح. كنت حذرة من أن أجد نفسي مجذوبة في مسائل لم
أكن مستعدة لها. خافيير يحب أن يعقد جلسات قراءة وأن يندمج في الدور قبل أن
تبدأ الكاميرا بالتصوير. أنا مستعدة لكي أقف مباشرة أمام الكاميرا وأقوم
بدوري، وأتوقع من الآخرين الأمر نفسه. الحضور عندي يبدأ في البيت حين قراءة
السيناريو وحين تجلس مع المخرج وتتبادل وإياه الرأي. لذلك في البداية قلت
في نفسي أنا أعرف ما أريد وليس عندي داع لكي أعيد. لكن إذ تتحدث إليه وتلمس
حماسه واندفاعه تجد أن طريقته مثيرة. تجاوبت مع طريقته وعقدت معه جلسات
بعضها جلسات غداء عمل وكانت مفيدة بالفعل.
·
لديك فيلم سابق تعرفت فيه على
ثقافة الآخر، ولو من زاوية مختلفة جدا. في «حرب تشارلي ويلسون». كنت المرأة
الأرستقراطية التي تريد مساعدة الشعب الأفغاني على التحرر من الاحتلال
الروسي. هذان الفيلمان يختلفان كثيرا لكنك في هذا الفيلم تقتربين أكثر من
المعرفة الحقيقية..
- أرى ما تقصد. جوان هرينغ (في «حرب تشارلي ولسون») شخصية حقيقية كما
تعلم وهي شخصية معقدة جدا. امرأة حفلات اجتماعية راقية تدعو إليها
السياسيين وكبار الشخصيات. لكنها ليست شخصية خاوية بل لديها القدرة على
الاستحواذ على الاهتمام والتأثير في الحاضرين. أعتقد أنها مثيرة جدا
للاهتمام وما زلت أشعر بالامتنان لأن مايك (نيكولز - المخرج) اختارني لهذا
الدور. وهي كما تقول. تتعرف على الآخرين من زاوية تستطيع أن تقول عنها إنها
علوية. في حين أن ليز غيلبرت تتعرف على الناس والبلدان والثقافات من زاوية
مختلفة تماما. إنها تندمج.
·
هل لديك قناعات سياسية خاصة
بالنسبة للحرب الأفغانية، أو بالنسبة للحرب التي خاضتها الولايات المتحدة
في العراق. كيف تنظرين إلى كل ذلك؟
- لا أدري إذا ما كنت أريد أن أتحدث في هذا الموضوع. أنا هنا لأتحدث
عن الفيلم وأجيب عن أسئلة سينمائية تتعلق بمهنتي. في الوقت ذاته لا أمانع
القول إن الوضع لم يعد كما كان من قبل. أبيض وأسود. مع وضد. هناك أشياء
كثيرة على كل فريق أن يأخذها بعين الاعتبار. وفي الحقيقة أعتقد أن رغبة ليز
غيلبرت كشخصية في الفيلم لا تختلف عما أقوله. إنها تبحث عن الإنسان الجديد
إذا ما كان موجودا. عن الحقيقة وسط هذا العالم المركب.
·
هل فاجأك حين قرأت ذلك السيناريو
بالأحداث التي وردت فيه والمنقولة بالطبع عن أحداث حقيقية؟
- إلى حد بعيد. لم أكن أعرف شيئا عن الموضوع. الفيلم كما تعلم يتحدث
عن كيف حرصت الخارجية الأميركية على التعاون مع المقاومين الأفغان لطرد
الجيش الروسي من هناك. لكن ذلك بحد ذاته كان مفاجئا لي. حين سألت المخرج عن
الموضوع، وأنا أعتبره واحد من أذكى 5 أشخاص على هذا الكوكب، قال إنه أيضا
لم يكن يعرف شيئا عن هذا الموضوع.
·
قبل قليل، حين تحدثت عن لقائك
بالمؤلفة ليز غيلبرت ذكرت أنك لم ترغبي في مقابلتها في مطلع التصوير. وربما
لو لم تأت ليز إلى التصوير ما تمت المقابلة.. أذكر أن ذلك حدث معك حين لعبت
شخصية جوان هرينغ. ذكرت في المقابلة التي تمت آنذاك بأنك لم ترغبي في
لقائها أيضا.
- لا. ليس أني لم أكن أرغب في لقائها، بل كان لدي الكثير من المواد
والمعلومات حولها بحيث أصبح لدي معرفة تمكنني من تمثيل الدور. ما أعتقد أنه
يحدث معي في هذه الحالات وملاحظتك شديدة الحذق. علي أن أقول إنني لا أرى
الحاجة إلى التعرف على الشخصية التي أقوم بتمثيلها إلا إذا كانت المعلومات
عنها غير متوفرة. إلا إذا كانت هناك حاجة عندي لاستكمال رسم للشخصية. هذا
لا يعني أبدا أنني لا أرغب في لقاء صاحبة الشخصية.
·
يبدو لي أن منهجك قائم فيما
ذكرتيه إلى الآن على معالجة سينمائية محضة في مقابل اقتراب مسرحي بالنسبة
لخافيير بارديم، وفي مقابل الكيفية التي تؤدين فيها الشخصية الحقيقية
بالاستناد كليا إلى السيناريو..
- هذا صحيح جدا. أعتقد أن على السيناريو أن يكون كافيا في هذا الخصوص،
وأنا قد أضيف إليه إذا لم تكن الشخصية حقيقية، وسعيت لكي أعرف أكثر.
·
هناك فترة ليست بالبعيدة بدا
لمتابعيك أنك لا تصرين على اختيار أدوار أولى. كما لو أنك تكتفين بأدوار
محدودة كما فعلت في «اعترافات عقل خطير» وسلسلة «أوشن». هل هي ملاحظة
صحيحة؟
- نعم. أحيانا ما تكون الأولوية هي الاشتراك مع مجموعة ممثلين تحب
الظهور معهم ويكون السيناريو مكتوبا على نحو يوحي لك بأن الفيلم سيكون
ناجحا، بصرف النظر عن حجم الدور. دوري لم يكن أصغر أو أكبر من أدوار براد
بيت ومات دايمون والآخرين في «Ocean Eleven».
·
هناك تلك الأدوار الرئيسية التي
لا بد أن يلاحظ المرء أنك انتقلت بها من شخصية الفتاة البسيطة كما في
«امرأة جميلة» و«عرس أعز صديقاتي»، إلى شخصيات أكثر عمقا. متى يأخذ الممثل
مثل هذا القرار؟
- لا أدري. ربما ليس قرارا على الإطلاق. حتى في الفترة الأولى التي
تتحدث عنها وجدت نفسي في شخصيات عميقة. لا أعتقد أن دوري في «النوم مع
العدو» لم يكن عميقا، أو «ملف باليكان». المسألة هو ما يعرض على الممثل في
مراحل مختلفة، وحين يكون في مرحلة أولى والنجاح حليفه، فإن الكثير من
الأدوار المختلفة ترسل إليه.
·
حين فزت بالأوسكار عن دورك في
«إرين بروكوفيتش» سنة 2000 كنت قد أصبحت نجمة منذ بضع سنوات. هل ترك
الأوسكار تأثيرا على مسار مهنتك؟
- كنت سعيدة جدا بحصولي عليه و«إرين بروكوفيتش» لا يزال عندي من أفضل
أفلامي. لكن لا علم لي أنه أثر في مهنتي على النحو الذي ذكرت. كما تقول،
كنت سلفا أصبحت نجمة.
·
إذا ما أخفق لك فيلم ما على نحو
جماهيري، هل تشعرين بانزعاج؟
- أعتقد أن هذا طبيعي. أريد لكل أعمالي أن تنجح، لكن هل هو أمر منطقي؟
كل الممثلين لديهم أعمال ناجحة وأخرى غير ناجحة وأخرى في منتصف الطريق بين
النجاح وبين الفشل.
·
ماذا لو تكرر الفشل؟ أقصد متى
تشعرين بأن المسألة تتطلب إعادة فحص، فلربما الجمهور يريد أن يقول شيئا
للممثل.
- بالنسبة لي لم أصل إلى هذه المرحلة بعد. سأقول لك حين أفعل (ضحك)،
لكن أعلم أن هذا حدث وقد يحدث لأي منا في أي وقت. نعم يتطلب الأمر حينها
مراجعة دقيقة. لكن في أحيان كثيرة الحقيقة ليس على الممثل أو ما يقوم به أو
كيف يقوم بما يقوم به، لها علاقة بالجمهور أيضا أو ربما بسوء تخطيط من قبل
الشركات التي تقوم بالإنتاج أو التوزيع.. هناك الكثير من الأسباب.
·
هل ما زلت تعتبرين نفسك واحدة من
المجموعة التي تحتوي على مات دايمون وبراد بيت والمخرج ستيفن سودربيرغ..
فقد كان لديكم عدة أفلام مشتركة؟
- نعم. وما زلنا أصدقاء ومتعاونين. براد بيت هو المنتج المنفذ لهذا
الفيلم («أكل دعاء حب؟») وستيفن هو واحد من القلائل الذين أثق في نصيحتهم.
مستعدة للذهاب إلى آخر الدنيا إذا ما كان يشير علي بذلك.. نعم كلنا ما زلنا
أصدقاء وهذا وضع لا يتكرر كثيرا في الوسط الذي نعمل فيه. عادة كل ممثل
مشغول بما يقوم به، والعلاقات متباعدة وظرفية. لكننا نبقى على اتصال وهذا
أمر جيد.
الشرق الأوسط في
20/08/2010
الفيلم الفرنسي «الإيطالي» يتناول العنصرية ومشكلة الاندماج
باريس: سيمون نصار
يقول كاد ميراد بطل فيلم «الإيطالي» الذي عرض مؤخرا في الصالات
الفرنسية، إنه حين بدأ العمل التلفزيوني لأول مرة في عام 1990 في فرنسا لم
يكن يفكر لحظة في تغيير اسمه الأصلي من قدور مراد إلى كاد ميراد. الفتى
المسلم ذو الجذور الجزائرية، وأثناء وجوده في القناة الأولى الفرنسية، في
بدايات عمله السينمائي سمع بعض التأفف من عدد من العاملين والمخرجين في
القناة حول اسمه وأصوله، رغم أنه ولد في فرنسا ووالدته تعيش فيها منذ عام
1950، أي منذ ما قبل استقلال الجزائر عن فرنسا في عام 1962 مثل الكثير من
الجزائريين.
وقتها قرر قدور أن يغير اسمه أو على الأقل يحرف في اسمه لكي لا يبقى
دائما يلعب أدوار الفتى العربي في الأفلام التي يدخل فيها. كان يكره ذلك
ولا يزال. هذا الفيلم الذي لعبه مؤخرا استثناء، ربما لأنه قرر أخيرا إبراز
بعض من معاناته الشخصية مع العنصرية.
يروي الفيلم قصة شاب عربي يعمل في معرض للسيارات الإيطالية في مدينة
نيس الجنوبية. الفتى الذي يعيش وحيدا في نيس يخفي اسمه وأصوله العربية
ويدعي أن أصوله إيطالية واسمه دينو، ولكي تكتمل حبكته فإنه يلبس الصليب في
رقبته ويتحدث الفرنسية بلكنة إيطالية، كما أنه يتحدث بضع كلمات إيطالية لكي
يبعد أي شك يحوم حوله. وفي إجازته الأسبوعية يزور أهله بالقرب من مدينة
مرسيليا التي تعج بمواطنين من أصول مغاربية وجزائرية تحديدا. لكن مفارقة
تحدث في القصة.
يمرض والد دينو قبل أن يهل شهر رمضان بأيام. يدخل المستشفى ويطلب من
ابنه الكبير مراد أن يصوم عنه شهر رمضان لأنه غير قادر على صيام الشهر ولا
يمكنه أن لا يصوم لأن هذا فرض واجب فرضه الإسلام على كل المسلمين، ولذلك
فهو يطلب منه أن يصوم عنه الشهر.
دينو لا يعرف شيئا عن رمضان، لم يصُمه في حياته، لا يعرف عن الإسلام
شيئا أيضا كغيره من أبناء المهاجرين في فرنسا. وتبدأ المفارقات في عمله
وحياته ومع صديقته الفرنسية التي لم يحلُ لها دعوته إلى منزل أهلها
ليتعرفوا عليه إلا في رمضان. المحصلة أنه ينكشف وتنكشف قصته وإخفاؤه
لأصوله، يترك العمل وتتركه صديقته، يخسر كل شيء ولا يبقى معه شيء. يذهب إلى
بيت العائلة لكنه لا يدخله، بل يذهب إلى مقهى، وبعد ذلك يجد نفسه في مقر
للبوليس الفرنسي. الشرطة تعتقد أنه جاء من الجزائر حديثا كغيره من الذين
يأتون خلسة. يعيدونه إلى الجزائر، وهناك أيضا يتعرض للسجن ولا يعرف أحد
هويته إلا حين يحضر والده لأخذه لتتغير حياته بعدها. كل هذا السيناريو يحصل
في قالب درامي جميل وخفيف، يظهر من ضمن ما يظهر معاناة المهاجرين مع
أسمائهم في فرنسا، ليس بسبب الإرهاب وليس بسبب مرحلة ما بعد الحادي عشر من
سبتمبر (أيلول)، بل بسبب العنصرية المتغلغلة داخل المجتمع الفرنسي.
قد تكون هذه القصة عادية في بلد آخر، شخص مدّعٍ ينتحل شخصية أخرى غير
شخصيته الحقيقية للهرب من مرار العنصرية القميئة والنظرة الدونية. لكن في
فرنسا، هي قصة الكثير من الناس، الذين بسبب ما يواجهونه في حياتهم اليومية
يغيرون أصولهم وأسماءهم من أجل تحقيق الذوبان الكامل في المجتمع الذي لا
ينظر إليهم سوى على أنهم غرباء. والفيلم الذي يأخذ من قصة كاد ميراد
الشخصية بعض الأحداث، ويكاد يكون فيلما شخصيا، هو فيلم عن هذه المعاناة
التي يصل عدد أبطالها إلى عدة ملايين، وهم عدد المسلمين من أصول مغاربية في
فرنسا.
الشرق الأوسط في
20/08/2010
العروض مستمرة في
«مهرجان
الفيلم اللبناني»
سخرية مرّة ودماء
وحفريات الذاكرة الفردية
نديم جرجورة
بدأت الدورة التاسعة
لـ«مهرجان الفيلم اللبناني» مساء أمس الأول الخميس، في إحدى صالتي سينما «متروبوليس/ أمبير صوفيل». التقديم، الذي
قاله مدير المهرجان بيار صرّاف، مختصرٌ
ومفيد. إنه صورة عامّة عن أبرز العناوين. الافتتاح بسيطٌ
ومتواضع. احتشد جمهور كبير
في الصالة الأولى، لمشاهدة أربعة أفلام: شريطا «فيديو كليب» أُنجزا بطريقة
مغايرة،
قليلاً، عن المعتاد؛ وفيلمان قصيران. الملاحظة الأولى كامنةٌ في أن اختبار
العمل
البصري في مجال الـ«فيديو كليب»، في فيلمي «تخبّط» لغسان
حلواني وتامر أبو غزالة
و«مسموح لصق الإعلانات» لطارق شمالي، أفضى إلى مزيج السخرية والإبداع.
النكتة
المبطّنة حاضرة. السخرية المريرة. الأغنية التي ألّفها أبو غزالة تحوّلت
إلى مشهد
بصري مشغول بتقنية التحريك. براعة حلواني في هذا المجال باتت
واضحة. مسألة
الإعلانات مختلفة. اختار شمالي عدداً لا بأس به من الإعلانات التلفزيونية
القديمة،
وولّفها في سياق جميل وساخر. ولّف أيضاً لقطات من زمن مضى. جعل التوليف
(فيّاض صعب)
طريقاً إلى استعادة بعض الذاكرة، وشيئاً من الذكريات.
اختلاف
الفيلمان
القصيران «العمود الخامس» (أو «هنكيرورت زوراسوني») للأرمني فاتشي
بولغورجيان و«زمن
الرصاصة» لـ«المواطن العالمي» إيرفي جاكوبوفيكس، مختلفان. حفر الأول في
الراهن. صنع
الثاني خطاباً ملتبساً ومفكّكاً (على المستوى الدرامي والجمالي) ضد صدام
حسين في
لحظة متأخّرة. الاشتغال السينمائي واضحٌ في الفيلم الأول.
بهتان الصورة والمعنى
والتفاصيل والسرد والخطابية طاغٍ في الفيلم الثاني. الأرمني بولغورجيان
عاين لحظات
بؤس عاشها الصبي هراغ في نزاعه مع نفسه وأبيه ووالدته المتوفاة والناس
المقيم بينهم
ومعهم. لم يُسرف في البكائيات. حافظ على قسوة اللحظة، من دون
بلوغ مرحلة جلد الذات.
استلّ حبكته من واقع العيش اليومي، من دون تصنّع أو ادّعاء. اشتغاله
السينمائي بسيط
ومتواضع. لاحقت الكاميرا التفاصيل. نقلت مشاعر وآلام وخبريات. المخرج
العالمي
جاكوبوفيكس (جاء في سيرته أنه «كان، لمدّة طويلة، مدير اختيار
الممثلين لأكبر صانعي
الأفلام مثل رادو فيهاليانو وأليخاندرو إيناريتو وريدلي سكوت وماثيو
كاسوفيتز») غاص
في تعقيدات الصراع الدموي الآني في العراق، بين احتلال أميركي وذكريات
صدّامية
مأسوية وقسوة الحياة اليومية للأكراد. الترجمة الموضوعة في
الكرّاس الخاصّ
بالمهرجان لعنوان الفيلم هي «موعد الحفلة الراقصة». الترجمة العربية
للعنوان
الفرنسي: «زمن الرصاصة». لا تكمن المسألة في العنوان، أو ترجمته. المشكلة
مختلفة:
خلل السيناريو والتمثيل أفضى إلى سرد مملّ لحكاية معروفة. الخبث السياسي
المبطّن
مدعاة سخرية. العلاقات القائمة بين الشخصيات مرتبكة، ارتباك آلية تحديد
الشخصيات
وكيفية رسمها.
في المقابل، هناك فيلمان وثائقيان لبنانيان يُعرضان غداً الأحد
في الصالة الثانية: «شو صار؟» (2009، 75 دقيقة) لديغول عيد (الثامنة مساء)
و«أمي،
لبنان وأنا» (2009، 72 دقيقة) لأولغا نقّاش (العاشرة إلاّ
ربعاً ليلاً). الرابط
بينهما: استعادة ذاكرة فردية، مرتبطة بالجماعة. الحفر في جذور الجماعة،
انطلاقاً من
الحالة الذاتية. العائلة محور أساسي في الفيلمين. التاريخ الشخصي أيضاً.
الماضي
الأليم والمسارات الناتجة منه. هذه كلّها باتت، في الأعوام
القليلة الفائتة، أموراً
أساسية في الاشتغال الوثائقي اللبناني. نبش الماضي الفردي، للإطلالة على
تفاصيل
مفتوحة على بيئات وحكايات عامّة. الخطوة مهمّة. الحالة اللبنانية محتاجة
إلى مزيد
من الحفر في الذاكرة والتاريخ. سواء كان التاريخ فردياً أم جماعياً. لا
تزال أسئلة
الحرب، وما قبلها وما بعدها، معلّقة. كثيرون ينفضّون عنها،
بحجّة عدم الرغبة في
استعادة ما انتهى. أو ما يظنّون أنه انتهى. يقولون إن الحرب انتهت. إن
صفحتها
المريرة طُويت. ينسون، أو يتناسون أن الحرب الأهلية اللبنانية لم تبدأ في
الثالث
عشر من نيسان 1975 أصلاً، بل قبل أعوام عديدة على الموعد
الرسمي لاندلاعها، وأن
الحرب نفسها لم تنته في الثالث عشر من تشرين الأول 1990، لأنها مستمرّة في
جعل
الحياة اليومية لمئات آلاف اللبنانيين، المقيمين في بلد يظنّون أنه بلدهم،
جحيماً
لا يُطاق، بسبب نزاعات الطوائف وقادتها.
حفر
الحفر في الذاكرة الفردية مهمّ
للغاية. نبش الماضي غير المدفون أصلاً. أما الذين دفنوه،
فيتوهّمون أنهم خرجوا من
أتون الخراب العظيم المقيمين فيه من دون أن يدروا. فيلما ديغول عيد وأولغا
نقّاش
منتميان بشدّة إلى مجموعة أفلام لبنانية أرادت العودة إلى الماضي لفهم، أو
لمحاولة
فهم ما جرى ويجري. المضمون أهمّ وأقوى. الأسئلة المطروحة متصلة بالآنيّ،
اتصالها
بالأمس والغد معاً أيضاً. عيد، المهاجر إلى فرنسا منذ سنين طويلة، أراد أن
يعرف من
قتل أفراداً عديدين من عائلته، في إحدى المراحل البشعة للحرب الأهلية
اللبنانية،
ولماذا. في التاسع من كانون الأول 1980، ارتكب مسلّحون
لبنانيون جريمة بشعة في
القرية الشمالية اللبنانية إدبل (قرية المخرج نفسه)، ذهب ضحيتها رجال ونساء
أبرياء،
من بينهم والدا المخرج وشقيقته. نقّاش رأت، في معاينة الماضي من خلال عيون
أم وخالة
وأقارب، محاولة جادّة لفهم مسارات بلد ومجتمع وأناس، ولإدراك
مغزى التحوّلات
الحاصلة. إزاء هذا كلّه، لم يعد الشكل البصري مهمّاً. لا ألغي أولوية
السينما، أو
المعالجة الفنية البصرية. «1958» لغسان سلهب مثلاً وازن بين شكل سرديّ
متمكّن من
لغته السينمائية، ومضمون مزج التجربة الفردية من خلال الأم بالتاريخ الشفهي
لبلد
ومجتمع وأناس. آخرون اختبروا هذا، وإن لم تبلغ أفلامهم مرتبة
رفيعة المستوى
سينمائياً. أقول إن هذا ليس مهمّاً. أو يُمكن التغاضي عنه قليلاً، مع
التشديد على
إمكانية جعل اللغة السينمائية أساس البناء البصري. فإزاء البحث في الذاكرة
الفردية
وأرشفتها بصرياً لحماية الاختبارات الإنسانية، ببشاعتها وآلامها وقسوتها
وحلاوتها
أيضاً، من الاندثار، أشعر بأن المثابرة في هذا الاتجاه تأكيد
على المعنى الإنساني
الأسمى للعلاقة بين المرء وذاكرته. تأكيد على وجود ارتباط إنساني شفّاف
أيضاً بين
السينمائيين وحكايات الأهل والأجداد والأقارب والمعارف، وهي حكايات مفتوحة
على
العام أيضاً. هذا ما فعله ديغول عيد وأولغا نقّاش. هذا ما
يُفترض به أن يؤدّي إلى
جعل السينما مرآة لإبداع مرتكز على الحكاية الفردية، أو على مسعى فني
وثقافي
وإنساني وأخلاقي إلى تحصين هذه الذاكرة من الموت.
كلاكيت
شرنقة قاتلة
نديم جرجورة
منذ أعوام عدّة، أُتيحت
للمهتمّين بالشأن السينمائي في لبنان فرص مختلفة للاطّلاع على
النتاج البصري
الطالبي. عدد الجامعات الخاصّة فاض على الحدّ المعقول، في بلد صغير كهذا.
المتخرّجون كثر. سوق العمل السينمائي ضيّقة للغاية. الغالبية الساحقة من
هؤلاء تعمل
في الإعلانات والإنتاجات التلفزيونية ومهن بصرية أخرى. مع هذا، تضخّ
الجامعات
والمؤسّسات التعليمية، سنوياً، أعداداً هائلة من طلاّب ظنّ
معظمهم أن السينما «برستيج»
اجتماعي، يسمح لهم بالتنقّل من مهرجان إلى آخر، في هذا البلد أو ذاك.
منذ أعوام عدّة، بات المعنيون بالشأن السينمائي المحلي قادرين على
مراقبة مسار
الإنتاج الطالبي. مناسبتان سنويتان أساسيتان، تتيحان مُشاهدة هذا الإنتاج:
«مهرجان
الفيلم الطالبي» (نادي لكل الناس) و«سينمائيات» (إهدنيات). هناك مناسبات
سينمائية
أخرى أيضاً، كـ«مهرجان الفيلم اللبناني» و«أيام بيروت
السينمائية» و«مهرجان بيروت
السينمائي الدولي» و«مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية». هذه مناسبات
أشمل
وأعمّ. اللقاءان السينمائيان الأساسيان (هناك مناسبات جامعية أيضاً)
نافذتان
جميلتان تُطلّان على واقع يزداد سوءاً، عاماً إثر آخر. الطلاّب
الموهوبون يتناقص
عددهم. الأمية متفشّية. الجهل بأبسط قواعد اللعبة السينمائية فادح. الثقافة
معدومة،
أو شبه معدومة. هناك، في المقابل، إشارات بديعة. طلاّب قليلون أثبتوا
امتلاكهم
حساسية إبداعية خفرة. أثبتوا وجود بذور جيّدة لثقافة بصرية
وسينمائية مهمّة. أثبتوا
تمكّنهم من المفردات الأساسية للإنجاز السينمائي. هؤلاء قليلون للغاية.
حضورهم يكاد
يختفي، أحياناً، أمام سياسات الإدارات العامة للجامعات. أو في ظلّ الانهيار
الفظيع
في المستوى الثقافي اللبناني العام. أو وسط الشقاء الإنساني
والتمزّق الاجتماعي
الخطرين.
اللقاءات السينمائية كلّها منابر للتواصل مع الجميع، تقريباً. اختيار
الأفلام في بعضها خاضعٌ لمزاجية الإدارات العامة للجامعات، غالباً. مع هذا،
لا بُدّ
من اختيار أفلام جادّة ومهمّة. أفلام تقول شيئاً إبداعياً
صرفاً. تنبع من المعنى
الإبداعي للفن السابع. تقدّم شهادة حقيقية عن براعة الوعي المعرفي والعلمي
والثقافي
بالسينما. أفلام لا تبلغ مرحلة النضوج، لكن أصحابها خطوا خطوات أولى في
طريق
النضوج، وإن احتاجوا إلى فرص أكبر ودعم أعمق، خارج الإطار
الضيّق للجامعات
والمؤسّسات الأكاديمية، المحتاجة غالبيتها إلى إعادة تأهيل فعلي. أصحاب هذه
الأفلام
مطالبون بمزيد من الاجتهاد، وإن داخل البؤس اللبناني القاتل. اللقاءات
السينمائية
محطات سنوية يُفترض بها ألاّ تبقى مجرّد احتفال عابر. ليست مسؤولة هي عن
تردّي
الحالة التعليمية. لكنها معنية بالبحث الجدّي عن الأفضل
والأهمّ، بدلاً من خضوع ما
لمزاجية إدارات وأساتذة، وبعض هؤلاء الأخيرين مصابون بألف مأزق.
ما يُنجزه
الطلاب الجامعيون يعكس واقع الحال اللبنانية. إنهم، بطريقة ما، انعكاس
لبيئاتهم
اللبنانية. الضياع. القهر. المتاهات. الارتباك. الألم. انكسار الأحلام.
الخيبة.
انخفاض مستوى الثقافة والاجتهاد. الأمية. هذه تفاصيل جوهرية. بعض هؤلاء نجح
في
الخروج من الشرنقة القاتلة. لكن حمايته مفقودة، أو شبه مفقودة.
السفير اللبنانية في
21/08/2010 |