كان هناك زمن جاور فيه اسم ييرزي سكولوموفسكي اسم أي مخرج كبير من
ستينات وسبعينات القرن الماضي. هو بولندي كحال رومان بولانسكي، بل كتب
لبولانسكي فيلمه الأول «السكين في الماء» سنة 1962 أيام كانت بولندا تحت
نظام مختلف عن ما هي عليه اليوم. وفي حين كان مواطناه كريستوف زانوتسي
وآندريه فايدا يسطوان على الأضواء كمخرجين لامعين في سينما الوسط الأوروبي،
كان سكولوموفسكي وبولانسكي من أولئك الذين قد يثيرون المتاعب بسبب غرقهما
في المعالجات الداكنة، وهما انتهيا معا إلى لندن، حيث أخرجا بضعة أفلام من
إنتاج بريطاني، لكن في حين آثر بولانسكي الانتقال من كنف السينما
البريطانية إلى الأميركية ثم الفرنسية، بقي سكولوموفسكي في العمل داخل
شرايين السينما البريطانية التي كانت تسمى، في النصف الثاني من الستينات
والنصف الأول من السبعينات، «السينما الغاضبة».
تلك الفترة هي القمة بالنسبة لهذا المخرج العائد إلى مهرجان فينيسيا
السينمائي الدولي هذا العام، ففيها أنجز «مغامرات جيرارد» و«نهاية عميقة»
و«الصرخة» قبل أن يقل إنتاجه في الثمانينات ثم يختفي كليا في التسعينات
(باستثناء فيلم واحد من إخراجه بعنوان «مفتاح لثلاثين بابا» سنة 1991). في
عام 2008 عاد بفيلم مفاجئ وجيد دفع بالناسين لتذكره هو «أربع ليال مع آنا»
الذي، بمقارنته مع «نهاية عميقة» و«الصرخة» يفيد بأنه لا يزال قابضا على
رؤيته الداكنة لشخصياته ولمحيطها، وقويا في صياغة فيلم تشويقي قائم على
عناصر سرد غير هوليوودية.
وهو بحاجة إلى كل ما ملكت يداه من عناصر في نطاق عودته إلى السينما
وإلى سباقات المهرجانات. فيلمه المشترك في المسابقة الرئيسية لمهرجان
فينيسيا المنطلق في الأول من شهر سبتمبر (أيلول) وحتى الحادي عشر منه،
دراما تعد بأن تكون آسرة بعنوان هو «قتل جوهري». وكان سبق للمخرج أن نال
جائزة لجنة التحكيم الخاصة سنة 1985 عن فيلمه «The Lightship»
كما نال الذهبية الأولى ذاتها بعد ست سنوات حين قدم «مفتاح لثلاثين بابا»
سنة 1991.
«قتل جوهري» يختلف من حيث أنه تعامل مع موضوع يتعامل، على نحو قد يكون
غير مباشر، مع الحرب الأفغانية. بطله (فنسنت غالو) اسمه محمد، وهو من الذين
قبضت القوات الأميركية عليهم وارتأت نقلهم إلى نقطة تحقيق في مكان ما من
أوروبا الشرقية (تم تصوير الفيلم في بولندا) لكن حادث طريق يمكن محمد من
الهرب وينطلق إلى برية قاحلة إلا من أشجار شاهقة وثلج ممتد بلا نهاية.
العلامة الفارقة التي سنجدها في هذا الفيلم هو أن محمد سيدافع عن حياته ضد
مطارديه الذين، مثله، باتوا بلا هوية كونهم تابعين لقوات ليس من حقها أن
تعمل في أراضي دولة أخرى.
* جيل وراء جيل
* الصحافة الإيطالية لاحظت أن معظم المنتمين إلى المسابقة الرسمية
للدورة السابعة والستين من هذا المهرجان هم شبان. مجلة «سكرين
إنترناشيونال» قالت إن الوجود الشبابي طاغ بالفعل. لكن هذا يجب أن لا
يجعلنا غافلين عن حقيقة أنه في العام الماضي تم تقديم خمسة أفلام مسابقة
لمخرجين أول مرة. هذا العام، المخرجون الجدد ليسوا جددا تماما إلى هذا
الحد، بل وراء كل منهم بضعة أعمال تجعله مناسبا لأن يدخل منطقة الخبرة. إلى
جانب هؤلاء زمرة من الذين لديهم أعمال كثيرة من قبل كحال سكولوموفسكي. هذا،
وعلينا أن نلاحظ، ليس دائما، نتيجة خطة محكمة ومسبقة. مدير المهرجان
الإيطالي ماركو مولر تسلم، كما أخبرنا المهرجان برسائل خاصة، 2395 فيلما
طويلا أرسلت من 102 دولة، وعملية الاختيار لا تسبق مشاهدة حصاد العام من
الأفلام بل تتلوها، وحين يكون في المتناول مثل هذا العدد الكبير من الأفلام
لكي يتم الانتقاء من بينها (وهي أصلا من بين 4251 فيلما مختلفة الأطوال تم
تقديمها للمعاينة) فإن الناتج مفتوح على احتمالات. بكلمات أخرى، لو كان
هناك وجود لعدد كبير من الأفلام الجيدة التي حققها مخرجون من جيل الستينات
والسبعينات، لما تمت قراءة الواقع على أساس غلبة المخرجين الشباب أو
المنتمين، عمليا، إلى العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من هذا
القرن.
الأهم هو أن كل هذا يخبرنا شيئا واحدا: علينا أن نهيئ أنفسنا للتعامل
مع عدد متكاثر من المخرجين الجدد ليس في مستقبل فينيسيا فقط، بل في مستقبل
كل المهرجانات الأخيرة. رحلة بدأت بالفعل منذ سنوات لكنها ما زالت في
مطلعها في سياق طبيعة الأشياء وتعاقب دواليب الزمن.
البرنامج الذي تم تأليفه يحتوي على فيلم من إخراج صوفيا كوبولا التي
هي نموذج لمثل هذا التواصل بين الأجيال، فهي ابنة فرنسيس فورد كوبولا (صاحب
«العراب»، «سفر الرؤيا الآن»، «المحادثة» بين أخرى) الذي كان نجم المخرجين
الأميركيين في السبعينات إلى جانب مارتن سكورسيزي (شارك في دورة برلين
الماضية بفيلمه الجيد «جزيرة مغلقة») وستيفن سبيلبرغ (الذي عادة لا يشترك
في المسابقات بل خارجها).
فيلم صوفيا كوبولا بعنوان «في مكان ما».
نظريا؛ إذ لم يشاهد أي منا الفيلم بعد، هناك نقاط التقاء معينة بين
فيلم كوبولا هذا وفيلمها الأسبق «مفقود في الترجمة». واحدة من هذه النقاط
هي أن قصة كل منهما تفرض التصوير في فندق كبير («بارك هايات» في طوكيو في
الفيلم الأول وفي «شاتو مارمونت» في لوس أنجليس لهذا الفيلم) والمكان يصبح،
وهذه نقطة أخرى، جزءا من التركيبة العضوية للفيلم. أيضا، في «مفقود في
الترجمة» تقديم لحكاية نجم سينمائي أخذ غبار الأيام يعلوه (بيل موراي) وهنا
تقديم لحكاية مختلفة حول نجم سينمائي ولو أن هذا النجم لا يزال صاعدا
(يؤديه ستيفن دورف). فالقصة تدور حول نجم هوليوودي يعيش ليومه إلى أن يصير
لزاما عليه الاعتناء بابنته الصغيرة (يلي فاننغ) ليكتشف أن عليه العودة إلى
الطبيعة العاطفية التي تفرضها الحياة العائلية.
في حين تم تحديد الثاني والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) موعدا
لافتتاح لافت للفيلم في الولايات المتحدة لكي يلحق بسباق «غولدن غلوب»
و«أوسكار»، فإن مستقبل فيلم أميركي آخر نراه في فينيسيا غالبا سيكتفنه
الغموض. إنه فيلم بعنوان «وعود مكتوبة بالماء» لفنسنت غالو الذي نراه ممثلا
في فيلم ييرزي سكولوموفسكي كما تقدم.
* حذار من غالو
* غالو ليس مخرجا بلا شهرة، لكن شهرته معاكسة للمتوقع، ففي عام 2003
قدم على شاشة مهرجان «كان» السينمائي الدولي، فيلمه الأول كمخرج، بعنوان
«الأرنب البني»: رحلة اكتشاف للذات تبدأ وتنتهي من دون اكتشاف شيء. لكن
المخرج اكتشف هناك معنى أن يتم تقديم فيلم رديء في مجمع سينمائي على هذا
النحو، فقد أثار الفيلم غضب معظم الذين شاهدوه ونال مبرمجو المهرجان
الفرنسي قدرا لا بأس به من رد الفعل هذا على أساس أن هؤلاء يتمتعون، ولو
افتراضا، بالخبرة، مما يجعل قبول هذا الفيلم ورفض أي فيلم آخر في مقابله
أمرا غير مفهوم الدافع.
ماركو مولر، المدير الفني لفينيسيا يقول إنه وجد في فيلم غالو الثاني
«وعود مكتوبة بالماء» ما يبرهن على تقدم ملحوظ في أداء غالو مخرجا. على
الرغم من ذلك، فإن معظم الدلائل تشير إلى أننا أمام معاناة جديدة: أولا
الموضوع هو عن فتاة صغيرة مريضة وفاقدة الأمل في الشفاء تطلب من مصور
فوتوغرافي أن يقتلها. ثانيا، المصور الفوتوغرافي ليس سوى سايج ستالوني
(ولقبه ستوني!) وهو ابن الممثل سيلفستر ستالوني حين كان متزوجا من ساشا آش
وظهوره في السينما بدأ سنة 1999 مع أبيه في خامس أجزاء «روكي» لكن أفلامه،
كشهرته ما زالتا محدودتين. ليس في كل ذلك أي إدانة، لكن حين نعلم أن أسلوب
غالو في الإخراج هو ترك الكاميرا تدور على الممثل من دون سيناريو بينهما،
فإننا لا يمكن أن نتطلع بكل تلك الثقة صوب النتيجة.
يذكر هنا أن غالو هدف أساسا إلى إرسال الفيلم إلى دورة مهرجان «كان»
هذا العام، لكن الواضح أنه لم يستطع الإيفاء بالموعد المحدد للاشتراك
فاختار إرساله إلى فينسيا.
ما لا يحتاج إلى تأكيد هو أن الفيلم الثالث لمخرج أميركي يتجاوز بكثير
تلك الطروحات الآمنة التي للفيلمين السابقين «في مكان ما» و«وعود مكتوبة
بالماء». إنه فيلم جوليان شنابل «ميرال» وهو مهم على أكثر من صعيد وينتمي
أكثر إلى ما يُثيره «قتل جوهري» من علاقة بين سينما اليوم وأحداث العالم
السياسية. فهو يدور حول هيام الحسيني، الفلسطينية التي أنشأت «دار الطفل»
في مدينة القدس لتجمع فيها اليتيمات لتكتشف أنها لن تستطيع الفصل بين
الغاية التعليمية والإنسانية وبين الضغط العسكري والعنصري الذي يفرضه
الاحتلال الإسرائيلي للقدس، الذي يؤدي إلى الوضع غير الإنساني الذي نعلم به
جميعا. هذا موضوع مفاجئ للمخرج جوليان شنابل الذي تعامل سابقا مع الرسام
«باسكويت» في فيلم بالاسم نفسه سنة 1996 ومع حياة الصحافي الفرنسي المقعد
جان دو في «Diving Bell and the Butterfly».
لكن المخرج بين هذين الفيلمين تعامل مع مادة ساخنة سياسيا من قبل حين
أخرج سنة 2000 فيلم «قبل حلول الليل» حول الأديب الكوبي رينالدو أريناس
الذي حاول جهده الهرب من كوبا متابعا حياته منذ الصغر إلى حين نجحت محاولته
أخيرا.
لكن المثير للاهتمام في هذا الشأن هو أن الكاتبة الفلسطينية الشابة
رولا جبريل نجحت في نقل روايتها المنشورة تحت العنوان نفسه، «ميرال» إلى
هوليوود، وهذا أمر نادر بين المؤلفين العرب، كما أن التريلر الذي يستطيع
المرء مشاهدته على المواقع الإنترنتية، يوعز بموقف معاد لتصرفات الجيش
الإسرائيلي فنرى هدم المنازل والتدقيق في الهويات وملاحقة الأولاد وكل تلك
المظاهر التي ألبت الرأي العام إلى حد بعيد. طبعا سيبقى أن مشاهدة الفيلم،
الذي تشترك في تمثيله كل من هيام عباس وفريدا بينتو (لعبت البطولة الأنثوية
في «سلامدوغ مليونير»)، هي المحك على المدى الذي ذهب إليه المخرج شنابل في
محاولته نقل أحداث القصة والتطرق إلى الوقائع.
هذا ما ينقلنا إلى المشاركة العربية، وسنكون إما آملين للغاية أو
مازحين جدا لو قلنا إن كل دولة عربية أنتجت فيلما في تاريخها موجودة هذا
العام مما يعني نشاطا فنيا وإنتاجيا غير مسبوق.
لكن الواقع مختلف وعلى نحو ساخر: هما فيلمان وثائقيان فقط؛ واحد
لبناني بعنوان «عندما كنا شيوعيين» لماهر أبي سمرا، والمصري «ظلال» لماريان
خوري ومصطفى الحسناوي. لا نقصد التقليل من قيمة السينما الوثائقية، بل
الإشارة إلى الفقر العام للإنتاج العربي هذه الأيام.
* جمال أفريقي وانتقام ياباني
* البديل، إذا ما كان ذلك مبدأ صحيحا، هو وجود فيلم لمخرج عربي الأصل
في المسابقة، هذا المخرج هو عبد اللطيف كشيش صاحب الفيلم الناجح «كُسكُس
بالسمك» الذي التقط سنة 2007 أربع جوائز «سيزار» (المقابل الفرنسي
لـ«أوسكار») وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان فينيسيا نفسه، في حين
حظيت بطلته حفصية حرزي على جائزة «مارشيللو ماستروياني» للتمثيل.
«فينوس الأسود» هو عنوان فيلمه الجديد؛ وإن كان يعبر مبدأيا عن شيء،
فعن اختيار مثير للدهشة بقدر ما هو مثير للاهتمام. يذهب كشيش إلى التاريخ
ليقدم امرأة من قبيلة خوي القاطنة في الجنوب الأفريقي. في مطلع القرن
التاسع عشر تم إرسالها إلى بريطانيا وفرنسا لكي تقوم بجولة تستعرض فيها
زنجيتها عارية للأوروبيين الذين لم يكن معظمهم الكاسح قد شاهد وجها أفريقيا
أسود، فما بال وجه أنثى وجسدها أيضا؟
التاريخ أيضا موجود في نطاق الفيلم الياباني «ثلاثة عشر قاتلا» 13
Assassins للمخرج تاكاشي مييك البالغ من العمر خمسين سنة
الذي بدأ مهنته عام 1987 وما زال نشطا بعد نحو تسعين فيلما أنجزها منذ ذلك
الحين. في النصف الأول من هذا العام أنجز فيلمين وليس واحدا: «Zebraman»
وهو جزء ثان من فيلمه «سوبر هيرو» الذي أنجزه بنجاح كبير سنة 2004 وهذا
الفيلم الذي يدخل به قارعة فينيسيا مستوحيا المادة من فيلم سابق بالعنوان
نفسه أخرجه أييشو كودو سنة 1963 وسرد فيه حكاية ثلاثة عشر محارب ساموراي
يتحدون للهجوم على حاكم المقاطعة الشرير ورجاله. شيء قريب من كل فيلم
ساموراي وليس فقط فيلم أكيرا كوروساوا الكلاسيكي الصلب «الساموراي السبعة»
وسيكون منعشا أن نجلس لمشاهدة فيلم مغامرات بالسيوف الباترة عوضا عن أسلحة
اليوم الأكثر فتكا.
بالعودة إلى الإنتاج الأميركي الذي يطغى - عددا على الأقل - إذا ما
جمعنا إلى جانب أفلام المسابقة ما هو معروض خارجها أيضا، فإن فيلم الافتتاح
يرقص الباليه. إنه «البجعة السوداء» قصة عاطفية مع حياكة فنية موسيقية حول
منافسة بين راقصتين (نتالي بورتمن وميلا كونيس) على دورين في مسرحية من
المفترض أن تؤديهما راقصة واحدة ستلعب البجعة البيضاء والبجعة السوداء في
آن. هذه المنافسة ستقلب المعادلة حيث ستدرك الفتاتين أن لكل ظلالها السوداء
التي لم يهذبها الفن بعد.
المخرج هو دارن أرونوفسكي الذي قدم قبل عامين «المصارع» من بطولة ميكي
رووك. صراع على الحلبة الرياضية في ذلك الفيلم مستبدل بآخر في حلبة مختلفة.
وإذا ما انتهى المخرج ترنس مالك من مراحل ما بعد تصوير فيلمه «شجرة
الحياة» في الوقت المحدد (ولو في آخر لحظة) فقد يكون هو الفيلم المفاجأة
الذي سيتم الإعلان عنه خلال المهرجان ولو أن هذا مستبعد. إنه الفيلم الذي
طلبه «كان» ولم يستطع الحصول عليه (الذي إذا ما فاته فينيسيا فسيتجه إلى
برلين بالتأكيد) من بطولة براد بت وشون بن وتدور أحداثه حول ثلاثة أشقاء في
الخمسينات ومفهوم البراءة الخلقية والاجتماعية في ذلك الحين.
فيلم أميركي واحد لن يرى النور بالتأكيد على شاشات المهرجان الإيطالي
هو «الأميركي»، دراما تشويقية من إخراج أنطون كوربِن وبطولة جورج كلوني.
الفيلم توليفة كلوني الإنتاجية مستفيدا من نظام ضرائبي جديد يخول
السينمائيين إيجاد جزء من التمويل من داخل إيطاليا وهو الأول الذي استفاد
من هذا النظام، لذلك فمن المثير كيف ترك المهرجان الفيلم يمضي بلا عرض خاص
به. مولر في هذا النطاق يوضح أن شركة التوزيع الأميركية (فوكاس فيتشرز)
ستطلقه تجاريا في اليوم الأول من الشهر وهو يوم افتتاح مهرجان فينيسيا
وكانت الشركة ترغب في أن يتم افتتاح الدورة الجديدة به، لكن قرار مولر
وفريقه حبذ الافتتاح بفيلم «البجعة السوداء» مما جعل إمكانية عرض
«الأميركي» غير محتملة.
* غياب ه* ذا يعني أن جورج كلوني لن يكون هنا كعادته، كذلك سيغيب
المخرج الإيطالي بوبي أفاتي الذي طالما عرض أعماله في دارة فينسيا. لديه
فيلم جديد بعنوان «شباب بلا حدود» يتحدث فيه عن قصة حب بين رجل وزوجته
يزداد حنانها حينما يكتشف الزوج أنه مصاب بمرض فقدان الذاكرة. المهرجان
يقول إنه اضطر للتضحية بالفيلم لصالح أفلام إيطالية أخرى، والمخرج يقول إنه
هو الذي رفض عرض الفيلم في المهرجان بعد اكتشافه أنه سيُضحى به في المسابقة
واقترح عرضه خارجها.
ومن بين الغائبين أيضا حالة اسمها «السينما البريطانية» فللسنة
الثالثة على التوالي يغيب الفيلم البريطاني ولو أن ظهوره على شاشة مهرجان
«كان» ملحوظ في الدورات الأخيرة كلها تقريبا.
الأفلام الأخرى الموجودة في المسابقة تشمل «ثلاثة» للألماني توم تايكر،
والوجود الإيطالي مؤمن بأكثر من فيلم، من بينها فيلم من ثلاث ساعات ونصف
بعنوان «لقد صدقنا» من المفترض أن يكون دراما تاريخية.
إلى جانب فيلم عبد اللطيف كشيش المذكور أعلاه، فإن المشاركة الفرنسية
ملحوظة أيضا بفيلم لفرنسوا أوزون بعنوان «بيتوش» يلقي فيه المخرج نظرة على
الحياة الرغدة لزوجين (كاثرين دينوف وجيرار ديبارديو) يواجهان إضرابا في
المصنع الذي يملكانه. أيضا هناك فيلم بعنوان إنجليزي هو «القلة السعيدة»
Happy Few للمخرج أنطوني كوردييه.
وإلى جانب «13 قاتلا» الياباني هناك «آكشن» صيني في المقابل يوفره
المخرج تسوي هارك تحت عنوان «المفتش دي ولغز الشعلة الشبح»، هذا كله وسواه
داخل المسابقة. أما خارجها فالقائمة أطول وتتضمن - من بين نحو سبعين فيلما
جديدا - أعمالا لبن أفليك («المدينة») وشقيقه كايسي أفليك (الوثائقي «لا
زلت هنا») والإيطالي ميشيل بلاسيدو («ريناتو فالانسكا» - الوثائقي أيضا)
وهؤلاء هم ثلاثة ممثلين من مجموع أولئك الذين ينتقلون من أمام الكاميرا إلى
ورائها بحثا عن فرص التعبير وانتقاء المواضيع التي يرونها ملحة على صعيد أو
آخر.
الشرق الأوسط في
27/08/2010
ثقافات / سينما
المخرج الإيطالي فنسنزو ناتالي يخلق أنثى وذكرًا في كائن
واحد:
فيلم الخيال العلميّ سبلايس... امرأة تحمل من امرأة!
محمد حجازي
لم تترك السينما موضوعًا إلا وتناولته، خصوصًا بعدما تحولت إلى تجارية
وباتت صناعة يتوجّب عليها تلبية كافة الطلبات التي تردها من أنحاء العالم،
لتغذية آلاف الصالات والنوادي. ولم يكن ينقص تقنية المؤثرات الخاصة
والمشهديَّة سوى التطور المذهل الذي دخل عليها مع حضارة الإنترنت، حيث بات
كل مستحيل متاحا إلى حد الذهول: يمكن للمرأة أن تحمل من امرأة كما يمكن
تصنيع مخلوق أنثى وذكرًا في آن.
محمد حجازي من بيروت: "سبلايس" عنوان فيلم الـ"فانتازيا" العلميَّة
الذي أنجزه أوروبيون، وتصوّروا فيه إمكان الفوز بمخلوق قادر أن يكون أنثى
متى شاء أو ذكرًا متى قرّر ذلك. هذا ما توصلت إليه قريحة المخرج الإيطاليّ
"فنسنزو
ناتالي" الذي كتب السيناريو بالتعاون مع "أنطوانيت تيري براينت" و"دوغ
تايلور"، بحيث أطلقوا إلى الحياة المخلوق الحي "درين" وتؤدي الدور بامتياز
الممثلة "ديلفين شانياك". فبعد أبحاث أعدَّها العالمان كليف (أدريان برودي)
وألسا (سارة بولي)، تمكّنا من تحقيق تفوّق في بحث أوكل إليهما. إلا أنَّ
الإدارة الرسميَّة استمهلت العالمين كليف وألسا، ريثما ترتب الأوضاع
الجديدة للتعاطي مع الإنجاز الذي حقّقاه.
ووسط استغرابهما هذا الأسلوب، قرّرا المتابعة غير عابئين بإجراءات
الإدارة، وانعزلا في المختبر لدراسة إمكانية تطوير المخلوق الذي حصلا عليه.
مخلوق صغير
تتكلّل تجربة كليف وألسا بالنجاح، فيظهر فجأة مخلوق بحجم الهر يتحرك
بحيوية ثم يقفز، ويروح يكبر بسرعة الى أن يصبح بحجم كلب. تتولّد لدى ألسا
رغبة جامحة في التقرب من "ابتكارها" الجديد، وهي لا تدري كنهه بعد. خلال
وقت قصير، تكبر "درين" أكثر ليذهل العالمان لما وجداه أمامهما: شابة جميلة
كلها آدميَّة باستثناء الرجلين والذيل الطويل. يعمد العالمان إلى التواري
بها عن الأنظار، وتخبئتها في منزل مهجور تعود ملكيّته لأهل ألسا، حيث يمضي
الثلاثة ليلتهم هناك.
وعلى الرغم من وضعها في غرفة لوحدها، إلا أنَّ "درين" تسترق النظر إلى
العالمين وهما في وضع عاطفي. تطبع في مخيلة درين المشاهد التي رأتها،
وتستغلّ غياب ألسا عن المكان لتداهم كليف وتنفذ معه ما كان قد فعله مع
زميلته العالمة. في التوقيت نفسه، تعود ألسا إلى المنزل لتجد درين وكليف
يمارسان الجنس. ردّ فعل ألسا الغاضب ما لبث أن هدأ حين أقنعها كليف بأن
درين تمتلك جيناتها نفسها، وبالتالي فإنَّ الانجذاب الذي عبرت عنه طبيعي
جدًا.
كلام كليف أسعد ألسا، فراحت تعتني بـ "درين"، خصوصا الماكياج وكحل
العينين حتى اذا ما نظرت الى وجهها في المرآة اندهشت وبات تفكيرها أنثويا
بالكامل. وهنا كانت قضية جديدة نجح السيناريو في مفاجأة المشاهدين بها، ففي
لحظة غضب، توجّه ألسا صفعة لـ درين التي تبادرها بدورها بنظرة حقد غريبة،
وتتوجّه إلى سطح المكان وتفرد جناحيها محاولة الطيران. يلحق بها العالمان
ويطلبان منها بإلحاح العودة، إلا أنَّ درين ترفض الاستجابة وتطير من على
السطح. يخرج كليف وألسا للبحث عنها، ليجدا درين تأكل حيوانًا بريا، وذلك
بتأثير النصف الحيواني في تركيبتها.
يلاحظ العالمان أنَّ شيئا ما قد تغيّر في تصرفات درين، فتعمد ألسا الى
ضرب درين برفش على رأسها. تسقط درين جثّة هامدة، فيتصوّر العالمان أنَّ
مخلوقهما قد مات، فيعمدان الى دفنها.
بعد قليل، تنفض درين التراب من فوقها وتطير إلى أعلى شجرة، ثمّ تنقضّ
على شقيق كليف ويدعى غافن (براندون ماك غيبون)، وتغرقه وتتبعه بـ كليف
وترميه.
ليأتي المشهد الغريب، حيث تدفع درين العالمة ألسا بقوّة إلى الأرض ثم
المشهد الأكثر غرابة وجرأة، تغتصب درين العالمة ألسا مستعملة ذيلها، لنواكب
المشهد الأخير حيث تبدو ألسا حاملا في مرحلة متقدمة. والغريب هنا أن درين
لم تحمل من العالم كليف.
أي رسالة.. سبلايس
لم تفهم الرسالة التي أراد الفيلم إيصالها، ولا القصد من تقديم مخلوق
واحد بامكانه أن يكون أنثى اذا أراد وذكرا حين يقرر ذلك، الأمر الذي يطرح
التساؤل ما اذا كان يمهّد للتواصل مع أفكار أخرى ينوي الفيلم طرحها في
الجزء الثاني.
لكننا واقعا نريد اعتبار ما شاهدناه موقفا من فريق الفيلم يقول إنَّ
أحدا لا يستطيع بلوغ مرتبة الخلق الكاملة، فها هو المخلوق نصفه إنسان
والنصف الآخر حيوان، ويمارس دور الأنوثة والذكورة في آن، ويكون إنسانا
حنونا في لحظة ثم يتحول إلى حيوان مفترس في لحظة أخرى.
هذا المصنّف السينمائي من النوع الجدير بالدراسة، وكونه صناعة أوروبية
يجعل المشاهدين يأخذونه على محمل الجد، بعدما اعتادت هوليوود على بث
الأفكار الخرافية لترد على أيّ سؤال محرج بالقول "هذه سينما".
الفيلم توزعه غومون، احدى أكبر الشركات الأوروبية، ومقرها باريس. مدته
104 دقائق. وقد صورت مشاهده في عدد من المناطق الكندية، وتكمن خصوصية
الشريط في كونه عفويًا لايستعرض عضلاته التقنية، فيشعر المتابع أنَّ كلّ
شيء يعبر بشكل عادي جدًا.
إيلاف في
27/08/2010 |