“مخرجون كبار” مشروع سينمائي كان لابد أن يحدث يوماً ما وحدث هذا العام
بالفعل . سببه ما تعنيه السبعينات من القرن الماضي من أهمية على صعيد العمل
السينمائي حول العالم . فكرة المشروع الإتيان بعدد معيّن من المخرجين الذي
حققوا أفلاماً باهرة في تلك الحقبة ووضعهم أمام الكاميرا ليتحدّثوا عن تلك
المرحلة كما عن الأفلام التي حققوها آنذاك و-في الطي- لم لا يُعيد التاريخ
نفسه .
المخرج هو امرأة من أصل يوناني اسمها أنجيلا اسماعيلوس ولم يسبق لها أن
حققت فيلماً من قبل، لكنها اختارت هذا الفيلم تحديداً لتكشف عن جيل حديث
تنتمي اليه يكن لتلك المرحلة احتراماً كبيراً . المخرجون الذين اختارتهم
نخبة غربية متنوّعة ووضعت في بالها نحو مئة اسم في البداية واستخلصت منها
خمسين ثم أوجزت العدد إلى النصف واكتفت لاحقاً بعشرة . مع هذا الرقم يجوز
جداً أن يجد البعض أن فنّانه المفضّل ليس موجوداً، لكنه العدد الذي يتأّلف
منه فيلم تبلغ مدّة عرضة نحو ساعة ونصف الساعة وعند اسماعيلوس الأفضل سبر
غور شخصياتها عوض تحقيق فيلم ينتقل بين عدد أكبر من المخرجين بمساحات
كلامية أقل .
المخرجون الذين اختارتهم هم الإيطاليان برناردو برتولوتشي وليليانا كافاني،
والفرنسيان كاثرين بريات وأغنيس فاردا، والبريطانيان كن لوتش وستيفن فريرز
والأمريكيون جون سايلس وديفيد لينش، وتود هاينز ورتشارد لينكلتر .
هؤلاء الأمريكيون كلّهم من تربة السينما المستقلّة ينتجون أعمالاً تدعو إلى
الاحترام، ولو أن تود هاينس لا يحتكم إلى العمل السياسي كوجهة بل يبقى في
نطاق السينما العاطفية/ الاجتماعية . كذلك فإن الأسماء الأوروبية المختارة
لا شوائب فنيّة عليها وهي من بين من وضع السينما الأوروبية بأسرها في الصف
العالمي الأول . ورغم ذلك، فإن القول إن الفيلم قد لا يتضمّن من يعتقد
المشاهد أنه كان الأولى بالظهور، صحيح لناحية أن السينمات الأخرى، غير
الفرنسية والإيطالية والبريطانية والأمريكية غير موجودة مطلقاً . لا
السينما اليونانية ممثلة بعميدها ثيو أنجيلوبولوس ولا الروسية بأندريه
كونتشالوفسكي (مثلاً) ولا اليابانية او الصينية او المجرية أو الإسبانية
ولا العربية أيضاً .
كل واحد من المخرجين العشرة يتمتّع بوقت مماثل مع سواه والمخرجة تستغل ذلك
الوقت لكي تطلب من المخرج الحديث أولاً عن بدايته، وتتوالى القصص هنا
مدعومة ببعض المشاهد من الأفلام الأولى . بعد ذلك تدخل المخرجة عرين الأسود
بالحديث عن الظروف السياسية التي وقفت وراء بعض هؤلاء المخرجين، وهم جميعاً
حققوا أفلاماً تضرب على أوتار الحياة الاجتماعية من زواياها السياسية
الأكثر أهمية، سواء برتولوتشي ومراجعاته في تكوين الموقف السياسي (كان
شيوعياً إلى أن انهار النظام الشيوعي بأسره) أو بريات ودورها في تحريك
الثقافة الحسية دفاعاً عن المرأة، او الأمريكي جون سايلس وأعماله التي
حققها حول معالم الحياة في قرى وبلدات صغيرة، من أبرزها فيلم “النجمة
الوحيدة” الذي يتناول أحداثاً تقع في بلدة تكساسية صغيرة لتكشف تاريخاً
عنصرياً متحكّماً في البيئة المعاشة .
سايلس، كما يستوحي المرء من الفيلم، هو الأقرب أمريكياً إلى سينما
البريطاني كن لوتش، رغم الاختلاف الكبير في الأسلوب . الأول يلتزم بالقصّة
وتعاليم الأسلوب الأمريكي في السرد، والثاني يمضي عميقاً في منحاه
“الطبيعي” و”الواقعي” متناولاً مواضيع سياسية متحددة .
قائمة المخرجة الأصلية حفلت بأسماء أخرى: البريطاني روغ، الألماني فرنر
هرتزوغ، النمساوي ميشيل هنيكي والأمريكي روبرت ألتمن وكان ألتمن أول من رد
على رسالتها التي سألت فيها من اختارتهم اذا ما كانوا يوافقون على الاشتراك
في فيلمها، لكنه مات قبل أن تبدأ التصوير . مع نهاية العمل على الفيلم في
منتصف سنة 2009 كان لديها 250 ساعة صوّرتها في ثمانية عشر شهراً وكان عليها
أن تختار من بينها الساعة ونصف الساعة التي يتكوّن منها الفيلم (تحديداً 86
دقيقة) .
على كل ذلك، وبالرغم من تطرّق المخرجين إلى مراحلهم الثرية تلك، يبقى
الفيلم نوعاً من رفع القبّعة أكثر من المشاركة الفعلية عن كشف الغطاء عن
الحقبة وأهميّاتها السياسية والسينمائية . ما يجعل الفيلم أهلاً للثقة، إلى
جانب اختيارات المخرجة لمخرجيها، تعريفها لمن هو المخرج الكبير “انه المخرج
غير المتنازل الذي يسعى دائماً إلى تحقيق ما يريد هو وليس ما يريده شباك
التذاكر، أو ما يدخل في نجاح التجاوب الشعبي” . في ذلك هي على حق والمرء
يتمنّى لو أن الزمن الحالي لديه مخرجون وسينمائيون أكثر من هذا النوع .
"فينيسيا" ينجرف إلى السياسة
حتى الدقائق الأخيرة السابقة لعرض فيلم “أوكارديون” بقي الأمل سائداً في أن
يتمكّن المخرج جعفر بناهي من تحقيق المعجزة، والوصول إلى مهرجان فينيسيا
السينمائي المقام حالياً، والذي تكفّل بعرض ذلك الفيلم . المخرج الايراني
المعروف الذي قضى ثلاثة أشهر او نحوها في السجن لجريمة لم يرتكبها، وبدافع
عقابه على رأي وموقف حيال حرية التعبير، لم يستطع الحصول على إذن السلطات
الإيرانية بمغادرة البلاد، وعليه عرض الفيلم من دون حضوره .
الموضوع لم يمر هادئاً في وسائل الاعلام الايطالية التي تتغذّى هذه الأيام
على المشكلات المثارة من دون التعمّق بمضامينها . صحيح أن المنع هو نوع من
السجن الآخر، وهو ممارسة غير جائزة لا يمكن التعاطف معها تحت أي غطاء أو
تبرير، الا أن الصحيح أيضاً هو أن التوقيت يسمح لليمين وبعض اليسار
الايطالي على حد سواء بالهجوم على النظام الايراني .
سبق لمهرجانات عديدة دعوة أفلام ومخرجيها وسبق لعدد من المخرجين أن أخفق في
الحصول على تأشيرة للخروج من البلد، لأن السلطات اتخذت موقفاً معارضاً
لموقفه المنتقد . وكثيرون منّا يتذكّرون ما حدث للصينيين لزانغ ييمو وتشن
كايغي في التسعينات، كما للتركي يلماز غونيه في السبعينات، لكن ردّة الفعل
الغربية وإن كانت غير محبّذة، لم تكن استهجاناً غوغائياً واستغلالياً لمأرب
أكبر من بناهي وفعله .
والمرء لا يمكن أن يصدّق أن المدير الفني لمهرجان فنيسيا لم يكن على علم
(أو على الأقل على ارتياب) من أن السلطات الإيرانية ستمنع بناهي من السفر،
بعد كل ما أنجزه سجنه من دعاية له على عكس رغبتها . وفي حين أن عدم السماح
للمخرج المعروف بأفلامه الإيحائية نقدياً والجيّدة أسلوبياً وعرضاً، سيمنح
المخرج قدراً أكبر من الاهتمام والقيمة فوق ما كان أنجزه في هذا الشأن عبر
أفلامه مثل “الدائرة” و”المرآة” (أفضل تصوير لوضع المرأة في إيران) و”ذهب
قرمزي” (جيّد في إلقاء نظرة على احباطات الحياة على نحو عام)، الا أن
المسألة لم تعد تدخل نطاق حريّة التعبير، بل نطاق الحرب السياسية .
كل أفلام بناهي ليست متساوية الجودة، فيلمه الأخير مثلاً “أوفسايد” الذي
عرضه مهرجان برلين قبل عامين ليس جيّداً للغاية، بقدر ما هو مهم في أنه
ألقى نظرة أخرى جديدة على وضع المرأة الايرانية التي لا تستطيع حضور مباراة
كرة القدم حتى تشجيعاً للفريق الوطني . وفيلمه الجديد “أوكارديون” هو فيلم
قصير يتحدّث فيه عن الطبيعة البوليسية للسياسي غير القادر، اذا ما أراد،
على التجاوب مع الفن، فهو لا يجيده، حتى وإن حاول لعب الأوكارديون . إنه
ليس فيلماً جيّداً أيضاً بل نقطة ذاتية الشأن تعكس رأياً مهمّاً لا يحتاج
إلى شرح ومفاده واضح .
أيام الاعتقال التي عاشها بناهي بدءاً من الأول من مارس/آذار وحتى الخامس
والعشرين من شهر مايو/أيار الماضية، جمعت لبناهي الكثير من التأييد بين
السينمائيين والمثقّفين (كثيرون منهم من السينمائيين الايرانيين في الخارج)
وكانت لفتة واجبة . المرء يتمنّى لو أن السلطات الايرانية جابهت الموقف
الحالي بتصرّف ذكي، كأن تمنح المخرج فرصة التوجّه إلى المهرجان الايطالي ما
يضع حداً لاستغلال الجهات المؤيدة للكيان “الإسرائيلي”، وهي التي أرسلت
بأكثر من فيلم للاشتراك في هذه الدورة، بينها ما سيعرض داخل المسابقة .
وكانت هذه الجهات نالت، بلا وجه حق، جائزة المهرجان ذاته في العام الماضي
عن فيلم ملفّق يحمل عنوان “لبنان”، ويحمل على كل من اشترك في القتال في حرب
1982 الا الجهة “الاسرائيلية” وحدها .
لو فعلت السلطات الايرانية ذلك، لأحسنت حتى لو خاطرت بخروج العصفور بناهي
من قفصه واختياره اللجوء إلى أوروبا أسوة بكياروستامي ومخملباف .
علامات
بين راي وبونويل
اعترف المخرج الراحل لوي بونويل ذات مرّة بأنه أسند بطولة بعض أفلامه إلى
الممثل الإسباني (الراحل أيضاً) فرناندو راي “تعبيراً عن نفسي . لا أقول
إنه يمثّلني، لكنه يقترب من ذلك أكثر من سواه” . الممثل كان ذكر في بعض
أحاديثه أنه “امتداد لشخصية بونويل على الشاشة” .
هذا في الحقيقة واضح ومحيّر في آن معاً . هو واضح من خلال قيام المخرج
بإسناد أدوار معيّنة تختزن بعض التصرّفات والأفكار المشابهة، ومن شاهد فيلم
“ترستانا” (1970) قد يدرك معالم هذه الصورة أكثر مما لو شاهد الأفلام
الثلاثة الأخرى التي لعبها راي تحت ادارة بونويل وهي “رديانا” (1961)
و”اللطف الخفي للبرجوازي” (1972) و”الغاية الغامضة للرغبة” (1977) .
ثم هو محيّر لأن موقف المخرج من الحياة الطبقية واضح، ومن شخصيات العسكر
والسياسيين ورجال الأعمال ورجال الكنيسة واضح أيضاً، وراي لعبها، او لعب
معظمها، في تلك الأفلام . اذاً، كيف يكون تعبيراً عن المخرج اذا ما كان
يؤدي شخصية لا يتعاطف المخرج معها؟
وكان من الممكن جدّاً أن يبقى ذلك التعبير محدود الأثر لولا أن راي يسرد
الأفلام المذكورة صوتياً، باستثناء الفيلم الأول بينها . كذلك كان يمكن له
أن لا يشكّل أساساً لولا أن السبب الحقيقي الذي من أجله عاد بونويل إلى
فرناندو راي في أفلامه الأخيرة، يكمن في قدرة ذلك الممثل على اختزال الصورة
السلبية لمن هم في السُلطة الإسبانية او الفرنسية (حيث تقع الأحداث) او في
مؤسساتها القريبة على الأقل، وهو المنحى الانتقادي الذي خطّه بونويل في
معظم أفلامه .
بونويل كان يدرك، كأي مخرج جيّد، أي ممثل يصلح لأي شخصية، وراي كان يصلح
ليلعب الشخصيات التي تنتمي إلى تلك النوعيات المذكورة، فهو يحمل أنفة
إرستقراطية، ولا تستطيع أن تتخيّله في شخصيات كثيرة غير تلك التي مثّلها
(على وفرة ما مثّل من أدوار) . ولعل دوره في “اللطف الخفي للبرجوازي” خير
مثال ذلك، ففرناندو راي يلعب هنا شخصية سياسي (يعمل سفيراً) وأرستقراطي ثري
يختزل في تصرّفاته معظم ما هو محفور في البال من سلوكيات الشخصيات التي
لديها مصالح ومبادئ يمينية التوجّه تدافع عنها لإيمانها بها .
هذه الصورة ذات جوانب متعددة، لكنها قلّ أن تجد أفلاماً تدافع عنها وتحاول
صيانتها، فهي دائماً مُدانة . وهي أدينت في أفلام أخرى لغير بونويل ظهر
فرناندو راي فيها من أبرزها شخصيته الثعلبية في فيلم جون فرانكنهايمر
“الاتصال الفرنسي” حيث لعب فيه شخصية تاجر مخدّرات بالغ الثراء يتعقّبه تحر
أمريكي. بتخصيص المخرج جزءاً من الفيلم لإجراء مقارنة بين وجاهة الأول
وحياته التي تتسم بالبذخ وحياة الثاني المتواضعة معيشياً، لم يكن مطلوباً
من المخرج سوى أن يقوم كل من ممثليه فرناندرو راي في الدور الأول وجين
هاكمن في الدور الثاني بتمثيل شخصيّتيهما تبعاً للسيناريو الجيد الذي
استندت الأحداث اليه . وهناك المشهد الذي نرى فيه فرناندو راي وصحبه
يتناولون الغداء في مطعم باذخ، بينما يقضم الشرطي سندويشه الفقير وهو يقف
في برد نيويورك الشتوي .
لكن “الاتصال الفرنسي” يبقى فيلماً جادّاً حول موضوعه البوليسي، أما أفلام
بونويل فهي ساخرة بمجملها ما ينتج عنه نظرة أعمق إلى الحياة التي يقوم راي
بالانتماء إليها او على الأقل أكثر مدعاة للوقوف حيالها موقف المتبنّي او
الرافض لها .
عبر هذه السخرية يتضح ما كان محيّراً في كيفية احتفاء المخرج بشخصية هو
ينتقدها . نظرة واحدة لصورة فرناندو راي وهو يفتل شاربه في فيلم “تريستانا”
تحمل ذلك التجسيد المكثّف لما يرغب المخرج به .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
05/09/2010
توي ستوري- 3 :ألعاب تعاني من الرحيل
قيس
قاسم
أول فيلم من سلسلة «توي ستوري» شاهدته قبل خمسة عشر عاما، عندما رافقت
ابنتي الصغيرة الى احدى قاعات السينما. وقتها شعرت بأني تابعت فيلما مختلفا
عن غيره من أفلام الحركة «أنيماشن». وبعد أربع سنوات تقريبا من العرض الأول
طلبت أنا من طفلتي هذه المرة، وليست هي، أن تتهيأ للذهاب معي لمشاهدة الجزء
الثاني. أما الجزء الثالث فذهبت لمشاهدته وحيدا، في صالة حضرت اليها ثلة من
النقاد السويديين لم يتجاوز عددهم أصابع اليدين. ومع كل التباعد الزمني بين
المشاهدة الأولى والأخيرة، فما زال الشعور الأول الذي ولّده فيّ هذا الفيلم
قائماً. رغم كثرة المتغيرات الحياتية يبقى طعم الأشياء الحلوة، حاضرا. هذا
الاحساس بمتغيرات الزمن والاحتفاظ بطعم الأشياء الجميلة، ذكّرنا بها مجدداً
«توي ستوري-3».
من المؤكد أن متغيرات كثيرة جرت على الفيلم نفسه فأضيفت اليه شخصيات جديدة،
طبعا كلها من الدمى، وأحداثه انتقلت من مكان الى آخر وقصصه تغيرت وقائعها.
لكن المتغير الأكبر يتصل بمخرجه السابق جون لاسيتر، فقد ترك مهمة اخراج
الجزء الثالث هذه المرة الى زميلة لي انكريتش بعد ادارته الجزأين الأولين.
نعم ترك اخراج الفيلم أما سيناريوه فلم يتركه نهائيا، اذ تعاون مع أندريه
ستانتون على كتابته، ولهذا السبب ظلت حكاية «توي ستوري» محافظة على روحها
وقيمها. أما على المستوى التقني فأدخلت عليه المنجزات الحديثة الكثير ويكفي
أنه يعرض على الآن بنظام «3 دي» الجديد. أما بطله، اللعبة الكاوبوي وودي
(صوت الممثل توم هانكس) فما زال كما هو، رغم عوامل الزمن، الرجل المقدام
المحافظ على قيمه وأخلاقياته.
الرحيل
تناغم انضمام لي أنكريتش القريب الى فريق شركة «بيكسار» مع روح ما تقدمه من
أعمال للصغار. فالاعتماد على المشاعر والذهاب في عمق الصراعات الداخلية
لشخوص أفلامها حاضران هنا أيضا عبر حكاية «توي ستوري» الثالثة. فالهجران
والرحيل وما يتركانه من أثر حزين في النفس شكلا عماد الحكاية وتفرعاتها،
الحكاية التي استندت الى مكونين: الأول، ألعاب الأطفال والثاني البشر.
وكلاهما هم من الدمى المتحركة في الأخير، وهنا تكمن غرابة القصة أصلا.
فـ«قصة اللعبة» إذا ما أردنا ترجمة العنوان، هي قصة العلاقة بين الألعاب
ومالكيها. علاقة ألعاب حية، تحس وتشعر لكنها تتحرك داخل عالمها الخاص من
دون درايتنا نحن أبناء البشر. علاقة حسية بينهما والبشر الذين يمتلكونها.
وعلى ضوئها يتقرر مصير الألعاب نهائيا. وهذا ما لمسناه بأنفسنا عندما تمزق
شمل وودي وجماعته نتيجة خطأ ارتكبته بعفوية أم الصبي أندي (صوت الممثل جون
موريس) في زحمة استعداداته للانتقال الى سكنه الجامعي الجديد، تاركا منزله
وذكرياته وألعاب طفولته القديمة، إلا وودي، لعبة الكاوبوي التي كان يريد
الاحتفاظ بها ولهذا عزلها جانبا، في حين جمع بقية الألعاب في كيس واحد بغية
نقلها الى مخزن البيت. الخطأ حدث عندما اعتقدت الأم ان ابنها كان يريد
التخلص من كيس ألعابه، لهذا قررت تقديمه هدية الى إحدى دور رعاية الأطفال.
هكذا بدأت الحكاية، وكان على وودي بعدها العمل من دون كلل على لم شمل
جماعته وتخليصها من سوء المصادفة، والمصادفة أن دباً بنى مملكة للشر، ووجد
في المجموعة الضائعة جنودا جدداً أغواهم بالجنة الموعودة في الدار الجديدة
ولم يقل لهم كيف سيتلقون الذل والهوان على أيدي أطفالها المشاكسين. لقد كان
على وودي اخراجهم من الجحيم الذي وقعوا فيه خطأ رغم اختلافه المؤقت معهم.
متغيرات
في مسار هذه الحكاية تتكشف لنا أشياء كثيرة، من بينها أن فكرة الخير والشر
غير ثابتة. وتجارب الناس، نقصد الألعاب هي من يحسم أمر انتقالهم الى أي من
الجهتين. فالدب كان طيبا وكان محبا لصاحبه، لكنه تغير كثيرا عندما هجره
الأخير. لقد ترك الهجران في نفسه جرحا عميقا فقرر الانتقام والذهاب الى ضفة
الشر. وأصدقاء وودي لم يكونوا بعيدين عن هذه المتغيرات في المواقع. لقد
تركوا وودي وحده في الصراع من أجل العودة الى صاحبه الأول وفضلوا البقاء في
المكان المريح، كما ظنوا، على الكفاح من أجل قضية غير مجدية في رأيهم.
ولكنهم مع هذا (وهنا درس بليغ للصغار) وعندما اكتشفوا الحقيقة تراجعوا عن
مواقفهم، كما عادت الفتاة الجميلة الشقراء الى رشدها بعدما أغوتها وسامة
شاب كان متعاونا مع الدب. انها المصائر المتغيرة وفق ظروف قاهرة وحالات
نفسية متأزمة أحيانا ومستقرة في أحايين أخرى.
شريط الحركة هذا فيه تجسيد للكثير من هذه الحالات التي أخذت أكثر من مستوى
تعبيري. فالفرح كان يتجلى في الحوارات والحزن في السلوك الغاضب والعنيف
وقدرات الحاسوب روضت لتكثيف وابراز كل هذه العناصر الدرامية الملتبسة، ما
جعلنا نقف أمام عمل مبهر يتأثر به المشاهد بغض النظر عن سنه، كما هي الحال
مع بقية أفلام «بيكسار». وقد لاحظنا فيه تطورا سويا لاجزائه الثلاثة
المتباعدة، والتي حافظت على رقي مستوياتها وبشكل خاص الجزء الأخير الذي جاء
رشيقا خاليا من أي حشو متعمد، يراد به كسب الجمهور لغرض تجاري، مع انه حتى
اللحظة حصد رصيدا ماليا خياليا قارب المليار دولار أميركي، وله روضت تقنيات
الحاسوب بشكل عقلاني، فجعلت منه واحدا من أهم أفلام العام، وزادت بذلك من
احتمال حصوله على احدى جوائز الأوسكار، هذه المرة، أو على الأقل هو واحد من
أقوى المنافسين عليها!
الأسبوعية العراقية في
05/09/2010 |