لا يفصل مدينة سلا عن العاصمة الرباط إلا نهر أبي رقراق، إذ يصعب
للزائر
الأجنبي الذي تطأ أرجله ضفاف هذا النهر أن يتخيل بأنه بين مدينتين، خاصة
وأن حركة
المرور بينهما لا تتوقف، مما يعني أنهما في نظره الخارجي مدينة واحدة
وتؤكدها أشغال
ترامواي التي تقترب من نهايتها لربطهما وتعزيز علاقتهما أكثر.
ورغم ذلك، فهما
مدينتان مختلفتان كثيرا في معمارهما وسلوك سكانهما وعمقهما التاريخي، علما
أن
العاصمة الرباط استفردت بأغلب الأنشطة لمدة عقود مضت. كانت جل الأنشطة
الثقافية
والفنية المهمة - وإلى الأمس القريب - تحتكرها العاصمة طبعا.
ومن بين الأنشطة التي أصبحت تتميز بها مدينة سلا منذ مطلع الألفية
الثالثة حيث
انتشر إشعاعها خارج أسوارها هو مهرجانها السينمائي الدولي الذي اختار له
خطا واضحا
يتمثل في أفلام المرأة.
يتخصص المهرجان، كما هو واضح من عنوانه، في أفلام
المرأة، بمعنى المهتمة بقضاياها لتكون التظاهرة السينمائية موقعا يتكثف فيه
النقاش
اعتمادا على الصورة السينمائية. وسواء أبدعت تلك الأفلام
المرأة المخرجة نفسها أو
الرجل السينمائي الذي يتناول قضاياها في أفلامه. وعليه، فالمهرجان هو تقاطع
بين رؤى
المرأة والرجل معا حول المرأة وهذا ما يسمح للأعمال أن تناقش بعضها.
إلا أن لجنة
التحكيم تتشكل فقط من النساء المشتغلات في حقول السينما كمخرجة أو منتجة أو
ممثلة
أو تقنية أو موزعة أو كاتبة السيناريو أو ناقدة سينمائية.
ستنطلق الدورة المقبلة
في مطلع هذا الأسبوع، يوم الإثنين 20 شتمبر الجاري، وستستمر خمسة أيام بعدد
من
الفقرات موزعة على مختلف مواقع مدينة سلا.
• الفيلم
الوثائقي قادم لا محالة
فبعد أن استقر المهرجان بقاعة "هوليوود" التي تحدثنا عنها في السنة
الماضية وعن
المهرجان نفسه (أنظر أرشيف موقع الجزيرة الوثائقية) يقرر هذه السنة أن
يتحول إلى
مهرجان سنوي قار. وبذلك يكون قد رسم طريقه بوضوح وبدأت تكتمل ملامحه في
الدورة
الحالية التي لم تتجاوز الدورة الرابعة بعد... ومازال يعد
بالكثير حسب ما صرح لنا
به مدير المهرجان السيد عبد اللطيف العصادي حين سألنه عن سبب الغياب
المستمر للفيلم
الوثائقي من المهرجان، سواء داخل المسابقة الرسمية أو على هامشها، إذ قال
بأن
المهرجان "لم يغفل الفيلم الوثائقي أو ينفيه من دائرة اهتمامه"
وإنما يؤكد " نحن في
طور البناء. ونضع كل مرة طوبة فوق أخرى بدءا بما هو أساسي
كالقاعة السينمائية
وترسيخ المهرجان في المدينة ...ونفكر جيدا في إدراج الفيلم الوثائقي
وتخصيصه بفقرة
خاصة تشمل مسابقة رسمية وتنظيم ورشات حوله وكل ما من شأنه أن يساهم ويساعد
على
تطويره في المغرب كجنس سينمائي له مكانته القصوى في الإنتاج
السينمائي" ويضيف مدير
المهرجان السيد عبد اللطيف العصادي في نفس السياق "ربما ندرج هذه الفقرة
ابتداء من
السنة المقبلة إذا نضجت الفكرة وسمحت لنا إمكانياتنا المادية بتحقيقها في
شروط
جيدة" إذ يؤكد " من السهل اختيار بعض الأفلام وإدراجها ... لكن
ليس هذا هو غرضنا أو
هدفنا بقدر ما نؤمن بضرورة ممارسة التأني في كل خطوة نقدم
عليها حتى تحظى
بمشروعيتها، وأن تكون إضافتها لها مبرراتها المنطقية، لأن الأصعب هو بناء
الأسس
الأولية وبعد ذلك يمكن إدخال تعديلات وتصويب بعضها إلى آخره". ليُسطر بوضوح
على
قناعته ويشدد عليها بكون "الفيلم الوثائقي الخاص بالمرأة قادم إلى مهرجانها
في سلا
بدون شك".
• سيتجدد
الموعد كل سنة
تأسس المهرجان سنة 2004 حيث كان قد أعلن حينها بأنه سينعقد كل سنتين
إلا أنه عرف
بعض المشاكل الموضوعية بحكم خصوصية المدينة نفسها. لكنه، عاد هذه السنة
لينظم دورته
الرابعة - كما أسلفنا أعلاه - بعد الدورة السنة الماضية (الثالثة) ليتقرر
عقده
سنويا. انتهزنا الفرصة لنتوجه بهذه المناسبة سؤالا في الموضوع
لمدير المهرجان، هل
تتوفر إدارته على هيكلة بأُطر وكذا ميزانية تسمح له بعقده سنويا؟ فكان
الجواب قطعيا "
طبعا – يقول السيد عبد اللطيف العصادي – إن الهيكلة التي تتحدث عنها موجودة
في
إطار جمعية أبي رقراق التي لها مقر وأطر. كما نحصل على دعم قار
يصل إلى 75 في
المائة من الميزانية، من مختلف الجهات المحلية والوطنية، عمومية كانت أو
خاصة. ولا
ينبغي أن نغفل جمعيات المجتمع المدني التي تساندنا بشكل مباشر في فعاليات
التنظيم،
وبالتالي يسمح وضعنا هذا بتنظيم المهرجان كل سنة وسنعمل على
تطوير مصادرنا لنطور
تظاهرتنا في العمق كما سبق لي أن ذكرت لك من قبل". ليستدرك مباشرة بعد ذلك
معطيات
جديدة - التي يذكرها لنا لأول مرة - إذ قال " تمكنا من اقتناء القاعة
السينمائية
هوليوود (900 كرسي) وترميمها وإصلاحها بكل محتوياتها وما
تتطلبه العروض ضمن مهرجان
احترافي يتضمن مسابقة رسمية ويحضره سينمائيون من مختلف بقاع العالم وبذلك
يملك
المهرجان قاعة سينمائية رسمية. بعد هذا المكتسب الجد الهام، فتحنا نقاشا
موازيا مع
عُمدة مدينة سلا وبلديتها ووزارة الثقافة لإثارة اهتمامهم
ونظرهم نحو الفضاءات
الأخرى المُغلقة بالمدينة كقاعة سينما الملكي مثلا والمركبات الثقافية التي
ينبغي
تجهيزها بآلات العرض وخلق شروط الفرجة السينمائية الجيدة بها".
• مستقبل
القاعة في الزمن الرقمي
وعلى ذكر قاعة "هوليوود" كان السيد عبد اللطيف العصادي قد صرح لموقع
"الجزيرة
الوثائقية" في السنة الماضية بكونها – أي قاعة "هوليوود" – ستشتغل طيلة
السنة وليس
خلال المهرجان فقط فإذا بها أغلقت أبوابها بعد أن أسدل الستار على الدورة
الثالثة
فلماذا لم يُترجم هذا الطموح على أرض الواقع؟
يجيب مدير المهرجان ومؤسسه، وهو
أحد العارفين بخفايا الفضاء السينمائي المغربي والعالمي
باعتباره إطارا مهما
ومتقدما بالمؤسسة الرسمية التي تُعنى بالسينما "المركز السينمائي المغربي"،
بأن "
إكراهات كثيرة جمدت هذا الطموح متمثلة أساسا في حقوق المؤلف والعرض
والواجبات
المالية لاقتناء الأفلام ونقلها وتأمينها والضرائب المتداولة
وغيرها من المتطلبات
التي يصعب الاشتغال بها وفي إطارها في ظل المشاكل التي تعرفها القاعات
السينمائية
حاليا" ثم يضيف السيد عبد اللطيف في لقائنا معه " لهذه الأسباب ارتأت إدارة
مهرجان
سينما المرأة أن تنظيم هذه السنة مائدة مستديرة مركزية لها صلة بالموضوع
تحت عنوان
"
مستقبل القاعة السينمائية في الزمن الرقمي" ونظرا لأهميتها العلمية
والتقنية
والقانونية فإن الأستاذ نور الدين الصايل هو الذي سيشرف على إدارتها
وتأطيرها، من
هنا تكمن غايتها، فهو في آن واحد المدير العام للمركز السينمائي المغربي
ونائب
الرئيس لمؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش كما يترأس مؤسسة
مهرجان السينما
الإفريقية بخريبكة ورئيس لجنة الفيلم بورزازات.
سيلتقي، حول هذا الموضوع الهام،
نخبة من المسؤولين ومدراء القاعات وكل من له علاقة مباشرة
بالسينما في أفق خلق شبكة
بين مسيري القاعات السينمائية ذات البعد الثقافي للتعاون في ما بينها.
وتشمل من
ضمنها الخزانة السينمائية بطنجة وقاعات ورزازات وخريبكة وغيرها. وطبعا
تشارك في
الندوة هاته مؤسسات من خارج المغرب للتعريف بتجربتها بهدف الاستفادة منها
واقتباس
جوانبها الإيجابية".
ويسترسل السيد العصادي في بسط برنامجه الذي سيمتد طيلة
السنة وليس إبان المهرجان فقط، بالقول أن قاعة "هوليوود" التي تشرف عليها
حاليا
جمعية أبي رقراق، المنظمة لمهرجان سينما المرأة، ستشرع ابتداء من شهر
أكتوبر بعرض
الأفلام المُبرمجة في المعاهد الثقافية الفرنسية وكذا جميع الأفلام
المغربية. كما
ستكون مفتوحة لعروض الأندية السينمائية" وبالتالي يؤكد السيد
العصادي على تصريحه
السابق (في السنة الماضية) وأنه سيدخل حيز التنفيذ هذه السنة وإن تأخر سنة
كاملة
لأسباب خارجة عن إرادة الجمعية. وفعلا، أكدت لنا مصلحة السمعي- البصري بقسم
التعاون
في السفارة الفرنسية أنه تمت برمجة أفلامها بقاعة "هوليوود".
سيكون أول عرض يوم 15
أكتوبر بفيلم وثائقي "القادمون".
• الحكم
للمرأة فقط
سيفتتح " المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا "، الذي سينطلق رسميا يوم
الإثنين
20
شتمبر ويستمر إلى غاية 25 من نفس الشهر، أنشطته بفيلم مصري "إحكي يا
شهرزاد"
للمخرج يسري نصر الله. ومن جهة أخرى سيكرم هذه السنة المنتجة المغربية سعاد
لمريقي
والسيدة جاكي بويط، مديرة مهرجان فيلم المرأة ب"كريتيل" في فرنسا، والممثلة
المصرية
سوسن بدر. أما "ضيفة" المهرجان فهي "السينما الإيطالية" الموقعة من طرف
المرأة حيث
تم برمجة 5 أفلام يعود تاريخ بعضها إلى سنة 2006 وأخرى للسنة الماضية. كلها
تتمحور
حول المرأة طبعا وكيف ترى المرأة نفسها في علاقتها بالرجل أو نظرتها للرجل.
12
فيلما يشارك في المسابقة الرسمية من جنسيات مختلفة كلها من إنتاجات السنة
الماضية (2009) باستثناء فيلم واحد من ألمانيا هو من إنتاج
السنة الجارية (2010).
وليس كلها من إخراج المرأة بل أيضا الرجل فالمقياس في عُرف إدارة المهرجان
هو أن
يكون الفيلم يتناول قضية المرأة بغض النظر على جنس موقعه. كما تقر إدارة
المهرجان
أيضا بأن لا يشارك في المسابقة الرسمية إلا فيلم واحد لكل بلد
وهو ما أكده لنا مدير
المهرجان السيد عبد اللطيف العصادي في استجواب معه قائلا " بما أن مهرجاننا
هو
تظاهرة دولية يُقام في زمن قصير لا يمكننا أن نقبل أكثر من شريط واحد عن كل
بلد بما
فيه المغرب حيث نرفض أن يشارك بلدنا بأكثر من فيلم بحجة أنه
يُقام في
المغرب".
الفيلم المغربي المشارك في المسابقة الرسمية هو "الدار الكبيرة"
للمخرج
لطيف لحلو وإلى جانبه الأفلام التالية "لا بافيلا" (إيطاليا) و"الخياطة"
(الصين)
و"أسعد فتاة في العالم" (رومانيا) و"فستان المساء" (فرنسا) و"حياة جديدة"
(كوريا)
و" المربية" (الشيلي) و"رجل على الجسر" (تركيا) و"لغز" (الأرجنتين) و"أورلي"
(ألمانيا)
و"الحلبة" (كندا) و" ولد وبنت" (مصر).
ستتبارى هذه الأفلام أمام لجنة
التحكيم التي تتشكل عضويتها من النساء فقط، وهو الاختيار الذي
استقر عليه المهرجان
بصفة دائمة. لجنة هذه السنة تترأسها الممثلة والروائية الفرنسية ماشا ميريل
وبعضوية
الممثلة المغربية سناء موزيان والجامعية الإيطالية آنا باستور والممثلة
السورية
جمانة مراد والمخرجة وكاتبة السيناريو البرتغالية تيريزا
فيلافيردي والسيدة فيرونيك
ميندوغا التي تشتغل كتقنية في فنون السينما والممثلة المصرية سمية الخشاب.
ستوزع اللجنة جوائز تهم السيناريو والتمثيل النسائي ... والرجالي
أيضا.. إلى
جانب جائزة خاصة بها والجائزة الكبرى طبعا.
• الاستنساخ...
نعم .. لا ..
"المهرجان الدولي لفيلم
المرأة بسلا" يشبه في محتوياته جميع المهرجانات المُنظمة
بالمغرب وكأنها هي نفسها
تنتقل من مدينة لأخرى فتغيب الخصوصيات تقريبا بحيث كلها تنظم ورشات
السيناريو كموضة
جديدة إلى حد يعتقد المرء أن جميع المغاربة سيصبحون كتابا للسيناريو، بل
يتوهم فعلا
من يمر من مثل هذه الورشات مدة خمسة أيام كافية لتجعل منه سيناريست،
فتذكرنا بتلك
الكتب الصغيرة المبتذلة التي تقول "كيف تتكل لغة ما في 5 أيام؟". وفي كل
المهرجانات
فقرات التكريم وحصة من "درس السينما" إلى آخره... وهو ما دفعنا لطرح السؤال
من جديد
على السيد عبد اللطيف العصادي على هذا "الاستنساخ" المرضي الذي مس جميع
التظاهرات
السينمائية بالمغرب فبرر ذلك بكون " لكل مهرجان عموده الفقري الذي يعتمد
على
المسابقة الرسمية ثم يحيطه بفقرات موازية أو على هامشه كمتنفس
للجمهور العام وساكنة
المدينة واهتمامات الشباب الخاصة ببعض حقول السينما". وقال أيضا " إن
مناقشات
الأفلام والندوات الصحفية لأصحاب الأفلام المشاركة هي بدورها موجودة في
جميع
المهرجان وتشكل الجزء المهم من التواصل واكتساب المعرفة
السينمائية".
هل هذا
يسري أيضا على عروض هواء الطلق التي تستنسخها جميع المهرجانات؟ إنها تتم في
ظروف
غير سينمائية حيث تسودها الفوضى وتربي الجمهور على سلوكيات غير صحية ينقلها
معه بعد
ذلك إلى القاعة السينمائية فتقتل السينما أكثر مما تنفعها،
أوجه كلامي إلى مدير
المهرجان فيجيبني بأن "جمعية أبي رقراق كانت في السابق تغير أماكن العرض
يوميا بحثا
عن الجمهور، وبدعوى توزيع حق الفرجة على الجميع، فتبين لنا خطأها لنقرر هذه
السنة
اختيار مكان واحد قار لعرض الأفلام في الهواء الطلق، وهو أكبر حي بمدينة
سلا. ونسعى
أن نشرك معنا الجمعيات المدنية المحلية والمؤسسات التعليمية القريبة في
تنظيمها في
شروط جيدة ومتحضرة تستحضر ثقافة القاعة السينمائية وإن تمت
العروض في الهواء الطلق.
والحي الذي اخترناه يقطن به وحده أزيد من 250 ألف نسمة (وهو أولاد موسى)
فضلا عن
الأحياء الملتصقة به أو القريبة منه، بل سننتقل أيضا إلى سيدي بوقنادل
(منطقة قريبة
من سلا) وحتى في المركب الثقافي سعيد حجي الموجود بسلا
الجديدة". ويضيف بأنه "لا
يرغب في الفلكلور وإنما في نشر ثقافة الصورة السينمائية بشروطها الجيدةن إن
مهرجان
سلا هو مهرجان ثقافي وفني وترفيهي وإنساني"
نوافذ كثيرة فتحها
المهرجان هذه السنة على الإنتاج المغربي بحيث خص نافذة على الفيلم القصير
النسائي
بالمغرب ونافذة على الفيلم الروائي المغربي الطويل.
الجزيرة الوثائقية في
19/09/2010
مغامراتٌ مهرجاناتيّة:
المسئول الإداريّ للمهرجانات
صلاح سرميني ـ
باريس
من الأحداث التي تُميّز المشهد الفنيّ، والثقافيّ الفرنسيّ، تحتلّ
مهرجانات
السينما مكانةً خاصّة، ومع الكمّ المُتزايد من المهرجانات الدولية الكبرى
التي
تستحوذُ على اهتمام وسائل الإعلام، وتفرض شروطها في سوق التوزيع، والصغيرة،
أو
البلدية التي تزدهر عاماً بعد عامٍ في جميع مناطق فرنسا، كيف
نحددُ معنى مهرجان
سينمائيّ، أو سمعيّ/ بصريّ من وجهة نظرٍ سينمائية، اقتصادية، أو اجتماعية.
يحاول
الكتاب الإجابة على هذا السؤال، ويُحيل مفهوم المهرجان إلى حقائق متباينة،
ومتناقضة، ويستندُ على نتائج مسحٍ وطنيّ واسع حول المهرجانات
الفرنسية بهدف إيجاد
تصنيفٍ لها، وفهم العلاقات التي تجمعها مع محيطها السياسيّ، الثقافيّ،
والاقتصاديّ(1).
***
يقدم لنا كتاب (مغامرات مهرجاناتيّة، المهرجانات السينمائية،
والسمعية/البصرية
في فرنسا) إضاءةً ساطعةً عن تساؤلاتٍ تتموقع في قلب الثقافة السينمائية
العربية، أو
تلك التي تحوم حول أطرافها، حيث يبدو ـ كما الحال مع الكتابة عن السينما ـ
انتشار
مفاهيم خاطئة عن المُهمّات الإدارية، والفنية التي يشغلها القائمون على
المهرجانات
السينمائية العربية التي انطلقت، وتطوّرت تقليداً، أو نقلاًُ عن المهرجانات
الدولية.
وبدورها، رُبما تصححُ هذه القراءة بعض المعلومات المُرتبكة، وتتحوّل
إلى مبادرةٍ لدراسةٍ مُعمّقة، وشاملة، تتطرّق إلى طبيعة المُهمات المُلقاة
على عاتق
الفاعلين في تنظيمها، إدارتها، وبرمجتها، وذلك بهدف الحيلولة دون تكريس
معانٍ
مُبهمة، غامضة، وحتى شكلية/وهميّة أحياناً: رئيس، مدير، مدير
فنيّ، مُبرمج، متعاون،
مستشار، مندوب، منسّق، متطوّع، ساعي أفلام (مُستوحاة من ساعي بريد)،
مُقترح، ناقل، ....والقائمة
طويلة للخدمات التي يحتاجها أيّ مهرجانٍ سينمائيّ.
ويُعتبر العنصر
البشريّ جوهرياً في تحديد الاتجاهات التي تسلكها المهرجانات، ويشير التكوين
التعليميّ، والمهنيّ للعاملين فيها إلى روحها، طموحها، ومسيرتها الإيجابية،
المُتواصلة، والمُتطورة(أو بالعكس).
وفي قلب الهيئة التنظيمية، هناك وظيفتان
على قدرٍ كبير من الأهمية: المسئول الإداريّ، والمسئول الفني.
فيما يخصّ الأول،
هو الشخص الذي تقع على عاتقه المسئولية القانونية، والجنائية للتظاهرة،
ويُمثلها
رسمياً أمام الآخرين، وخاصةً المُمولين، الداعمين، والشركاء.
وفي حالة جمعية
أهلية تخضعُ للقانون الفرنسيّ لعام 1901، يتولى هذا الدور غالباً رئيس
الهيئة
الإدارية.
وتتعلقُ المُلاحظة الأولى التي تفرض نفسها بالجانب الذكوريّ لهذه
الوظيفة، حيث 81.6% من
المهرجانات يشغلها رجال، في مقابل 18.4% من النساء
(حصيلة
دراسةٍ ميدانية لإجابات 126 مهرجان فرنسيّ).
قوانين الجمعيات الفرنسية
(والأوروبية
بشكلٍ عام) ذات المنفعة العامة، لا تسمح أبداً لمن يتولى هذا المنصب
الفخريّ، والتطوعيّ الحصول على أجرٍ ماديّ من أيّ نوع كان، ماعدا المصاريف
المُتعلقة مباشرةً بمهماته المُحددة في القانون الداخلي.
ولهذا، يتولى أشخاصٌ
آخرون تنفيذ الخطة العامة للهيئة الإدارية المُنتخبة من قبل الأعضاء عن
طريق
الجمعية العمومية السنوية، ولكن، للأسف، هذا لا يمنع شخصاً ما يفتقد
النزاهة من
الاحتيال، التلاعب والالتفاف على القوانين، وخاصةً عندما يتعلق الأمر
بمهرجانٍ صغير
تُنظمه جمعية يقودها زعيمٌ يعرف خبايا القانون، وثغراته، ويُدخل واحداً، أو
يُقصيه
وُفق مصالحه كي تصبح الهيئة الإدارية مكوّنة من أشخاصٍ إما متضامنين،
ومتواطئين، أو
جاهلين تماماً بآليات عمل الجمعيات، ولا يتعدى دورهم الشكليّ أكثر من
المُوافقة
العمياء على التقارير المالية، والأخلاقية السنوية مُكتفين
بقليلٍ، أو كثيرٍ من
المُميزات المادية، والمعنوية.
ووُفق الدراسة الإحصائية التي أجرتها مؤلفة
الكتاب"كريستل تاييّبير"، تتوزع الوظائف التي يشغلها المسئولين
الإداريين في حياتهم
اليومية وُفق النسبة المئوية التالية:
34.4%
يعمل في المجال التعليمي،
والتربويّ (وبشكلٍ خاصّ معلمين، ومستشارين تربويين).
27.8%
يعمل في قلب الصناعة
السينمائية، والسمعية/البصرية (مدراء شركات استثمارية
سينمائية، أو سمعية بصرية،
عامّة، أو خاصة، سينمائييّن، كتاب سيناريو، منتجين، تقنيين، ....إلخ).
13.3%
يشغلون مناصب في الإدارات المحلية، ويعملون لصالح التجمعات
الإقليمية.
12.2%
يعمل في مجالات التربية الجماهيرية، والتنشيط
الاجتماعيّ/الثقافيّ(مسئولين عن مراكز
الشباب، والثقافة، المسارح الوطنية، منشطين، مُدربي رياضة،
...).
7.8%
يعمل في
المجال الفني.
3.3%
يعمل في مجال الاتصالات.
3.3%
طلبة.
2.2%
يعمل في
المجال الاجتماعي.
2.2%
في مرحلة التقاعد.
12.2%
يعمل في قطاعاتٍ مختلفة(علم
الآثار، البناء المعماريّ، المعارض التشكيلية، الصحافة،
التمريض،
الهندسة،....).
وقد تمّ الحصول على هذه النتائج بدراسةٍ ميدانية لإجابات 90
مهرجان فرنسيّ.
وهكذا، يشغل المناصب الإدارية لثلث هذه المهرجانات أشخاصاً من
القطاع التربويّ، والتعليميّ، وتعود الأسباب إلى العلاقة الحميمة التي
تربطهم مع
تاريخ هواة السينما في فرنسا
(La cinéphilie).
من جهةٍ أخرى، ترتبط هذه النسبة
بالتعليم الجماهيري، وذلك بسبب تطوّر القطاعيّن حول نفس المعركة الجمهورية
من أجل
العلمانية.
وبنفس الطريقة، يمكن الإشارة بأنّ أكثر من ربع المسئولين الإدارييّن
للمهرجانات يعملون لحساب الصناعة السينمائية، والسمعية/البصرية، وبالتحديد
شخصياتٍ
تمتلكُ خبرةً مُعتبرة بالسينما، وإمكانياتها بالمُساهمة في
تزويد المهرجانات
باحتياجاتها الأكثر شمولاً .
المسئول الإداريّ في المهرجانات العربية
من المُؤكد، بأنّ المُعطيات السابقة لا تنطبقُ كثيراً على المهرجانات
السينمائية
في الدول العربية (وهنا لا أتحدثُ عن المهرجانات الأوروبية المُهتمّة حصراً
بالسينما العربية)، وفيها تتشابك المهمّات، وتصبح أكثر تعقيداً، أكان ذلك
في حالة
المهرجانات الحكومية، أو الأهلية التابعة بشكلٍ مباشر للمُؤسّسات الرسمية،
والمُرتبطة بخطتها العامة.
يشغل المناصب الإدارية للمهرجانات الكبرى أشخاصاً
يمارسون وظائفهم وُفق قراراتٍ، وتعييّناتٍ وزارية، كما الحال مثلاً في
مهرجان
القاهرة، ومهرجان دمشق، ويتشابه الأمر مع أيام قرطاج
السينمائية في تونس، حتى وإن
تمّ اختيار رئيساً من الوسط السينمائي كما الحال مع المُنتجة "درة بوشوشة"
حالياً،
والتي تُطعمُ ـ ربما ـ فريق عملها ببعض الأشخاص من خارج العاملين في وزارة
الثقافة.
في الكثير من المهرجانات السينمائية العربية، تقترب الحدود بين
المسئول
الإداريّ، وزميله الفنيّ، وفي بعض الحالات تتلاشى تماماً، وهكذا يشغلُ
الناقد
السينمائيّ "محمد الأحمد" منصب مدير مهرجان دمشق السينمائي الدولي انطلاقاً
من
إدارته للمُؤسّسة العامة للسينما، ونتوقعُ بأنه يهتمُ بكلّ الجوانب
الإدارية،
والفنية بالتعاون مع "رأفت شركس" السكرتير العام للمهرجان،
ويحظى الممثل "عزت أبو
عوف" برئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، و"د.سهير عبد
القادر" المدير
التنفيذيّ، بينما يشرفُ الناقد السينمائي "يوسف شريف رزق الله"
على الجوانب
الفنية.
وفي صيغةٍ أخرى، يتولى الإدارة العامة لمهرجان أبو ظبي السينمائي
الدوليّ "عيسى المزروعي" مدير المشاريع لدى هيئة أبو ظبي للثقافة، والتراث،
على حين
يعتبرُ "بيتر سكارلت" المدير التنفيذيّ، والذي يعنى رُبما بالجوانب الفنية،
والإدارية.
بالمُقابل، يمتلكُ مهرجان دبي السينمائي الدولي هيكيليةً تنظيميةً
مختلفة، حيث يعتبرُ "عبد الحميد جمعة" رئيساً، و"شيفاني بانديا" المدير
الإداريّ/التنفيذيّ، بينما يتولى السينمائي "مسعود أمر الله" مهمة المدير
الفني،
ويحتفظ الثلاثة بنفس الوظائف في مهرجان الخليج السينمائي في دبي ماعدا أنّ
"مسعود
أمر الله" يصبح مديراً يهتمّ بالجوانب الإدارية، والفنية.
وتشابه الصفة الوظيفية
لكلٍ من "بيتر سكارليت" في أبو ظبي، و"شيفاني بانديا" في دبي لا تعني
بأنهما يُنجزا
نفس المهمات في المهرجانيّن.
وفيما يتعلقُ بالمهرجانات السينمائية العربية التي
تُنظمّها الجمعيات الأهلية، كما الحال في المغرب مثلاً، والمُستوحاة من
التجربة
الأوروبية، أعتقد بأنّ الجوانب الإداريّة، والفنية تتداخل في
مهمات القائمين عليها،
ويبدو أكثر بأنّ مدير المهرجان (بالتعاون مع آخرين) يشرفُ على كلّ الجوانب
الخاصة
بالتظاهرة.
وعلى حدّ علمي، لا يوجد دراسةً بحثيةً حول المهرجانات السينمائية في
الوطن العربي، وهو السبب الذي يجعلنا هواة، ومحترفين نجهلُ طبيعة الوظائف
الفعلية
التي يتولاها القائمون عليها.
وعلى الرغم من وجهات النظر المُتسرّعة التي
يُطلقها بعض النقاد "العارفين بكلّ شيء" حول المهرجانات
الخليجية، أجد بأنّ الفضل
يعود لها في تأسيس تقاليد مهرجاناتيّة، وهي التي أدخلت على
سبيل المثال مفهوم
المُبرمج في هيكليتها التنظيمية (الدورة الثانية لمهرجان الشاشة العربية
المُستقلة
في الدوحة عام 2001، ومن ثمّ مسابقة أفلام من الإمارات في أبو ظبي منذ 2001
حتى
دورتها السادسة، تبعها كلّ المهرجانات الكبرى في دبي، أبو ظبي،
والدوحة).
بينما لم يستفيد أيّ مهرجانٍ عربيّ آخر من هذه المهمّة الجديدة التي
تعتمدُ
عليها معظم المهرجانات الأجنبية، وحتى التظاهرات السينمائية الموسمية التي
تُنظمها
مؤسّسات أخرى، مثل المراكز الثقافية الوطنية الكبرى"مركز جورج بومبيدو في
باريس"،
السينماتيك، والمتاحف،...
وأكثر ما فعلته المهرجانات السينمائية العربية
اعتمادها على مندوبين، مراسلين، أو متعاونين ينجزون بعض
الاتصالات الإدارية مع
المخرجين، أو شركات الإنتاج.
هوامش:
(1)ـ
كريستل تاييّبير، مغامراتُ مهرجاناتيّة، المهرجانات
السينمائية، والسمعية/البصرية في فرنسا، باريس، دار نشر "لارماتان"،
2009.
الجزيرة الوثائقية في
19/09/2010 |