عام سينمائي آخر يسلّم نفسه لمنطق التقويم والمقارنات
التي باتت لعبة لا مهرب منها في الصحافة الحديثة. انها جردة سنوية تعطي كل
ذي حق
حقه، علماً ان المعايير التي نستند اليها لإسقاط هذا من حسابنا ولرفع شأن
ذاك، لا
يمكن ان تكون الا ذاتية، وبعيدة من الموضوعية غير المحببة في
هذا النوع من التمرين.
فلا علم دقيقاً في مجالَي النقد والفنّ عموماً، والسينما خصوصاً. للذوق
والمزاج
والتأثيرات المباشرة وغير المباشرة دور ما في حالتي الانجذاب والنفور، لكن
الكلمة
الفصل هي في المقام الأول للاحاسيس والانفعالات التي لا بد أن
تقترن بالاطلاع
والمتابعة المتأنية والقدرة على احالة هذا كله على مرجعية سينمائية
متماسكة. هي
ايضاً لعبة تستفز الذكريات المرتبطة بالصورة، تلك التي صنعت حيواتنا
الفعلية
والافتراضية على مدى الاشهر الاثني عشر التي تسربت بين مسامات
الشاشة وفي عتمة
الصالات المظلمة.
حكايات وشخصيات وحالات انسانية كثيرة أطلت علينا في 2010. ما
الذي يبقى منها بعد أن ننسى كل شيء؟ لا يمكن الردّ على هذا
السؤال الا بعد مرور
سنوات، عندما تكون علاقتنا بكل هذه الإنتاجات الفكرية والفنية قد تغيرت
ونضجت
وتعرضت لامتحان الزمن. لكن، مما لا شك فيه ان بعضاً من الذي اضحكنا أو
انتزع منا
الدموع أو جعلنا نفكر أو نحلم، سيبقى محافظاً على القدر نفسه
من التأثير، إن لم
يصبح حجمه مضاعفاً. أما البقية فستذهب أدراج الرياح. لعل أهمية اللعبة في
اننا
نراهن على خيارات قد لا تصمد أمام قسوة الزمن الذي قد يبرهن اننا مخطئون.
لكن كما
يقول كوبولا، فعدم المجازفة في السينما يوازي فكرة أن نمتنع عن ممارسة
الجنس ونتوقع
أن ننجب الأولاد. واذا كان العقل هو الذي يزين في مجمل المجالات، فالقلب هو
أفضل
الموازين في الفنّ السابع.
في نهاية كل عام، نجد أنفسنا أمام عملية تسلم وتسليم.
انها القصة الأبدية لليل والنهار اللذين يسلّم احدهما الآخر شعلة الحياة.
واذا كان
لا بد من خلاصة نقولها ونكررها للمرة الألف فهي أن السينما منجز لا يخبو
وهي لا
تزال قادرة على اعطاء أكثر من عشر تحف خالدة في عام واحد،
خلافاً لفنون أخرى تعاني
شحاً في النصوص الجادة. طبعاً، لا يزال هناك على رغم هذا كله، من ينتهج
منطق
التباكي ويمتهن الخذلان في مقالات مشغولة بعجل، تبشر بالنهاية المقبلة
للسينما.
أتساءل اذا كنا نعيش مع هؤلاء على كوكب واحد وما اذا كانت تصلنا اشعة الشمس
نفسها
في صباح كل يوم جديد. هذا يردّنا الى مشكلة قديمة جديدة: الهوة الموجودة
بين ما
يُعرَض في الخارج وما نكتشفه في المهرجانات من جهة، وما يصلنا
من هذه الأعمال الى
الصالات التجارية في بيروت من جهة أخرى. لقد بات معروفاً ان مستثمري
الصالات
والموزعين لا يأبهون بأي نوعية موازية للنوعيات التجارية السائدة. المرض
ذاته لا
يزال يعاني منه قطاع التوزيع منذ سنوات، لا بل تفاقم. هذا كله
متأتٍّ من قلة
الاهتمام بالسينما القليلة الانتشار واعتبارها مضيعة وقت ومال. الايرادات
في لبنان
تزداد عاماً بعد عام، وعدد الأفلام كذلك، لكن واقع التوزيع لا يزال يعاني
عشوائية.
هناك أفلام المايجورز الهوليوودية التي لا بد أن تجد لها عبوراً الزامياً
في
الصالات المحلية، وهناك من جانب آخر ما يُعرَف بالأفلام المستقلة. في كلا
المكانين،
صعب علينا هذا العام أن نجد عشرة أفلام مهمة لإدراجها في
اللائحة السنوية الخاصة
بأفلامنا المفضلة.
السينما تخاطب أكبر كمّ من البشر عبر القارات الخمس،
وتأسرهم بحكايات تخرج أحياناً من مناطق بعيدة نائية تجد مكاناً لها فجأة
على
الخريطة السينمائية من حيث لا ينتظر أحد. اذاً، الواقع السينمائي في الخارج
مختلف
عما هو عليه في لبنان. الأفلام المهمة تُنجَز وتُعرَض في أمكنة
كثيرة حدّ ان لائحة
من عشرين فيلماً شوهدت في المهرجانات الدولية، لم تكفِ لإدخال كل تلك
الأعمال التي
فازت بإعجابنا. فكان الحلّ نشر لائحة من ثلاثين فيلماً فيها عناوين من
تايلاند
والمغرب ولبنان والصين وروسيا وفلسطين ومصر، ما يدلّ ان مركز
الثقل لم يعد في مكان
واحد. وفي عصر العولمة السينمائية، فإن الفيلم الكبير يمكن أن يولد في اي
بقعة من
هذه الارض. اذاً، السينما بألف خير، ما يجب تصحيحه هو قنوات وصول تلك
السينما الى
صالاتنا المحلية. ولا تكفي مبادرة "متروبوليس"، كآخر حصن منيع أمام عزم
الرساميل
المطروحة وعزمها في سبيل نشر سينما مسطحة وغبية وقبيحة. المطلوب انفتاح
عقول
الموزعين وصيغة تجارية لا تعتمد فقط على الاستهلاك وقصر النظر.
فهؤلاء سيواجهون
غداً استحقاقات جديدة عندما تصبح صالات وسط بيروت جاهزة. فلننتظر لنشاهد
بأي أفلام
ستُملأ هذه الصالات؟
السنة المنصرمة لم تكن عاماً مخملياً بالنسبة الى السينما
الأميركية. انتهت الأزمة الاقتصادية بالنسبة الى عاصمة السينما المنتشرة
بكثرة،
وبدأت لديها أزمات من انواع مختلفة، في طليعتها شحّ المخيلة وانعدام
الأفكار التي
اجبرت سينمائيين أميركيين على اللجوء الى ريميكات أفلام
أوروبية. ظاهرة الابعاد
الثلاثة لم تفعل الا جذب المراهقين في انتاجات لم تعرف الى الآن من أين
تأكل كتف
هذا الاختراع. وحده جيمس كاميرون في "أفاتار" رفع الابعاد الثلاثة الى مصاف
"الثورة". البقية لم يكونوا الا اتباعاً ثقيلي الظل. في افضل الأحوال
يمكن تصنيفهم
مزوّرين فاشلين. لم يعد الحديث عن بروز سينما من منطقة معينة ممكناً. اذ لم
تكن
هناك منطقة سيطرت على أخرى في عام 2010، علماً ان سينمات الشرق الاقصى لم
تُقنع كما
كانت تقنعنا في السنوات القليلة الماضية، مع ان أحد أهم رموزها، ابيشاتبونغ
فيراسيتاخول، نال ارفع جائزة سينمائية في أهم مهرجان في العالم
(كانّ). لكن سنونوة
واحدة، على اهميتها، لا تصنع الربيع، ويجب الاقلاع عن عادة التكلم عن ظاهرة
في كل
مرة يصل فيلمان من بلد واحد الى النهائيات في مهرجان سينمائي من الفئة أ.
يأخذنا هذا الى واقع المهرجانات. بين كانّ وبرلين والبندقية، المهرجان
الايطالي
كان الأكثر قدرة على توفير الأفلام الكبيرة، على رغم انه ابعد
أمثال كشاش
وسكوليموفسكي من "الاسد" لمصلحة من قيل عنها انها صديقة سابقة لرئيس
اللجنة: صوفيا
كوبولا. في المقابل، باستثناء فيلمي فيراسيتاخول وبوفوا، لم يأت كانّ
ببرنامج مغر.
دورة 2009 كانت أفضل. برلين فاز ايضاً بأفلام متألقة ومنح التركي سميح
كابلانوغلو
دبّه الذهبي. عربياً، لا تزال مهرجانات الجيل الاول تدور في حلقة مغلقة من
الهنات
والمصائب يصعب الخروج منها، لأن هؤلاء يحتاجون الى اعادة هيكلة
وطرح أسئلة جديدة
وازاحة بعض الديناصورات المحنطين لمواكبة العصر الجديد ومتطلباته. تعبت
ألسنة
الزملاء الصحافيين وهم يروون تفاصيل الفوضى والسخرية التي عاشوها في مهرجان
القاهرة. دمشق استضاف هيفاء وهبي في حفل الافتتاح. أما قرطاج،
فلا يزال الداخل اليه
مفقوداً والخارج منه مولوداً. وفي حين ان مراكش وضع رأسه في الرمال، في
دورة ثلاثة
أرباع الأفلام المعروضة فيها تنتمي الى ماضي السينما، فقد أثبت كلٌّ من
مهرجان أبو
ظبي ودبي قدرتهما على التحول نموذجاً حقيقياً لبقية المهرجانات
العربية، على رغم
وجود المشكلات التي يمكن تفاديها في الدورات المقبلة. أما الدوحة ترايبيكا،
فالطريق
لا تزال طويلة أمامه...
محلياً، استقطب مهرجان "أيام بيروت السينمائية" الكثير
من المشاهدين في برمجة منجزة بعناية على رغم شحّ الامكانات.
على خطاه، مشى ايضاً
مهرجان الفيلم اللبناني (".. نما في بيروت"، سابقاً) الذي استطاع أن يطرح
الانتاج
المحلي في صيغة عصرية. وفي حين مرّ مهرجان بيروت السينمائي (لمديرته كوليت
نوفل)
مرور الكرام، أدى مهرجان السينما الاوروبية
دوره الترويجي النبيل أداء ممتازاً، على
رغم ان الكثير من الافلام عرضت بالـ"دي في دي"، مما خفف
الحماسة التي كان يظهرها
كثيرون حيال هذا المهرجان في الماضي. غني عن القول ان الرقابة اللبنانية
كانت تسهر
دائماً على أمن المشاهد وأخلاقيته، متعاملةً معه كقاصر.
السينما المصرية من
جانبها أنجبت بضعة أطفال حُملوا على الراحات: ابرهيم البطوط استحق بجدارة
الجائزة
الكبرى في الدوحة بفيلمه "الحاوي". أحمد العبدالله فاز في
قرطاج مع "ميكروفون". أما
"ستة، سبعة، ثمانية" فكان له حضور في لائحة الجوائز في مهرجان دبيّ.
لبنانياً، كان 2010
عاماً ممتازاً، مع حصول اربعة أفلام لبنانية على جوائز في ثلاثة مهرجانات
عربية: جورج هاشم فاز بجائزة المهر العربي في "دبي". وذهبت جائزة أفضل فيلم
عربي في
أبو ظبي لبهيج حجيج عن "شتي يا دني". أما "تيتا ألف مرة" لمحمود قعبور و"مرجلة"
لجوزف فارس، فلم يعودا خاليي اليدين من مهرجان الدوحة. وبرز فيلم "طيب،
خلص، يللا"
لرانيا عطية ودانيال غارسيا في مهرجان ابو ظبي حيث نال جائزة "آفاق جديدة".
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
أفلامنا الـ 9 المفضلة في الصالات المحلية
1
ــ "جزيرة مغلقة" لمارتن
سكورسيزي:
منذ اللقطة الاولى يحدد سكورسيزي النبرة التي ستكون
للفيلم. كل شيء يوحي بأننا أمام خلاّق يعرف ماذا يريد. ثلاث نوتات موسيقية
مرعبة ثم
نصير في الشريط حيث متاهات هيتشكوكية لا خروج منها في القريب العاجل.
الكاميرا
المثبتة على مقدمة السفينة، تتيح لنا عبر حركة أمامية
الاستمتاع بمشهد عريض لجزيرة
يأتيها اثنان لا نعرف من أين حقاً، لكن على الأقل نعرف ما المهمة الموكولة
اليهما.
في الواقع لقد استدعيا الى هذه الجزيرة حيث
أكبر مصحّ للأمراض العقلية لأن إحدى
المريضات لاذت منه بالفرار.
ما إن نصبح على البرّ حتى يتعكّر الجوّ بالاشارات
المبعوثة أكثر فأكثر. يشتغل سكورسيزي (مستنداً الى أصل أدبي
لدنيس ليهان يحمل
العنوان نفسه)، على العناصر الطبيعية (رعد وبرق وعواصف واعصار) التي ستكون
طوال
الدقائق الـ137 المقبلة السند الرئيسي للمخرج كي يستمد منها مناخ الفيلم
التشكيلي
(تصوير
بديع لروبرت ريتشاردسون، وابتعاد عن مصوّره المعروف ميشاييل بالهوز) ويلقي
عليها أفكاره الإخراجية العظمى.
أي سينيفيلي لن يخطر في باله مشهد المنارة في
نهاية "فرتيغو" وهو يشاهد تسلق تيدي الى اعلى البرج حيث البروفسور؟ أما
أكثر
المتعصبين لمعلم التشويق فسيجدون في رايتشل سولاندو الـ"ماك غوفين" (عنصر
محرك
يُستخدم كحجة لبلورة السيناريو) الذي كان يتحدث عنه هيتشكوك. هذه التأثيرات
كلها
يمسكها سكورسيزي ويضعها في تصرف الشكل الذي يجده ملائماً، وهو
شكل مستقى من أفلام
الرعب التي كانت رائجة في أربعينات القرن الماضي، أي في الفترة التي تدور
فيها
حوادث الفيلم. بالنسبة الى "شاعر" نشأ كاثوليكياً وجرّب البوذية، هناك سؤال
أخلاقي
غير محسوم بعد، يرد على لسان تيدي في السقطة النهائية للفيلم: "أيهما أفضل،
أن نحيا
كوحوش أم أن نموت كرجال؟".
2
ــ "في الهواء" لجايسن
رايتمان:
ابن سينمائي (أيفن) كرّس زمانه لأفلام معدومة
الفائدة، كان جايسن رايتمان قد وجد ضالته من خلال فيلمه السابق "جونو" في
قصة
مراهقة نموذجية، ذكاء وسلوكاً وخيارات. لهذه الشخصية ذات اللسان السليط
والمسكونة
دوماً برغبة في ايجاد حلول سريعة لكل علة من العلل التي
ستواجهها، يعثر رايتمان على
وجه آسر في شخص الممثلة الكندية ايلين بايج، التي تحمل مجمل الفيلم على
كتفيها وهي
بعد في الحادية والعشرين من عمرها.
يمكن القول الكلام نفسه عن "في الهواء" الذي
يحاول اعادة الشهامة الى الكوميديا الأميركية وتذكيرنا بأنها كانت يوماً ما
سفيرة
بلاد بأكملها. فجورج كلوني في دور راين بينغام، نموذجي حتى الملل، منظّم
تنظيماً
سمجاً، لكن ديكتاتورية الأزمنة الحديثة لا تدعه وشأنه، اذ عليه
أن يستخدم كل
الاناقة والذكاء للعبة سادية: طرد الناس من عملهم وجعلهم يعتقدون ان هذا
الصرف هو
لمصلحتهم. "القناعات سجن الحريات"، هذا ما يريدنا رايتمان أن نعرفه، ذلك أن
بينغام
مقتنع بصوابية فكره وخياراته الحياتية، حتى يأتي يوم يرى المقلب الآخر
للحياة
المثالية التي يعيشها. رايتمان يصور السقوط التدريجي والفظيع
للقناع من على وجه
كلوني في أجمل كوميديا تأتينا من أميركا منذ سنوات، كوميديا نيهيلية من
شأنها أن
تحدث ارباكاً في عقول الكثيرين ممن يعتقدون أن الكوميديا هدفها الضحك فقط.
3
ــ "دعني أدخل" لمات ريفز:
أحدث
أفلام مخرج "كلوفرفيلد" يأتي برصد للحركة السينمائية التي نشطت في
السبعينات وجاءت
بأفلام خالدة، مثل "ذا أومن" و"اكزورسيست" و"كاري". الشريط المتقن الصنع
(انظر الى
مشهد الحادث، مثلاً)، الذي يمزج الأولديز بالحداثة التقنية، تحية لاإرادية
الى تلك
المرحلة، يجدد النظرة الى فيلم الرعب الكلاسيكي انطلاقاً من الاطروحة
المناقضة لقصة "روميو
وجولييت". أوين، صبي في الثانية عشرة من العمر، ضحية بطش زملائه على مقاعد
الدراسة، في غياب الوالدين عن حياته وهمومه، وعدم دعمهما له، لا يعرف كيف
يدافع عن
نفسه ويردّ على القوة بالقوة، الى اليوم الذي تدخل الى حياته فتاة غامضة،
من عمره،
تعيش في المنزل المجاور مع رجل يُفترض أنه والدها. هذا كله
يدور في أجواء ليلية
معتمة، حيث يتم العثور يومياً على جثث، ولا فكرة لدى الشرطة عن القاتل.
يتطرق
المخرج مات ريفز الى انعدام الحب والحرمان اللذين يولدان هذا الشعور من
التهميش لدى
الفرد، ما يجعله يتمسك بأي بصيص أمل، حتى لو جاء هذا الأمل من مصاصة
دماء...
4
ــ "الكاتب الشبح" لرومان بولانسكي:
الحكاية عن رئيس وزراء بريطاني سابق يريد كتابة مذكراته.
مطاردات، دسائس ومؤامرات. هذا هو فيلم بولانسكي الذي نزل الى السوق، فيما
صاحبه في
اقامة جبرية. هناك محو تام لتيماته التي بنى عليها امجاده. حتى اننا لا
نكاد نصدّق
ما نراه: هل يعقل ان مخرجه هو ذاته الذي أغنى "المعبد"
السينمائي العالمي؟ أيعقل ان
يختفي المخرج الى هذا الحد خلف كتاب او نص او سيناريو، عندما
يكون اسمه محفوراً في
ذاكرة الصورة المخرّبة والشرسة وفي المخزون الثقافي الاوروبي؟ لكن نحن أمام
فيلم
خبيث. كي يقبل بولانسكي بأن يطل أقل من حجمه في فيلم لا يعكس آراءه في
العالم
والانسان الا قليلاً، يجب ان يكون متمسكاً بمبررات صلبة، منها
أن يكون الفيلم على
قدر عال من الخبث. ان يبني عالماً كاملاً من دون ان تجول فيها كاميراته
بحركات
بانورامية ضخمة، فهذا امر نادر في سينماه. هكذا هو بولانسكي: واضح وغامض في
الحين
نفسه. واضح لأنه يعمل بإحساس عال جداً، ويصوّر كما يتنفّس.
غامض لأنه يصوّر علاقته
بالحياة، ويفعل ذلك على نحو مبطّن، تاركاً خلفه علامات استفهام كثيرة تؤرق
المشاهدين أياماً بعد نهاية العرض.
5
ــ "استهلال" لكريستوفر
نولان:
شيّد كريستوفر نولان سمعته على ثابتة أساسية قادته من
حضن المهرجانات الى شاشات العالم الرحب، فتحول في أقل من عشر سنين واحداً
من
المخرجين الذين توقّع لهم هوليوود شيكات على بياض. هذه الثابتة تقوم على
النظر الى
الوجود من أكثر الزوايا تعقيداً ووضع عقبة أمام كل حلّ، وسؤال
جديد أمام كل جواب
محتمل. استطاع نولان ان يحوّل مادة تأمل عصية على التحليل النهائي كانت الى
الأمس
القريب حكراً على النخبة السينيفيلية، موضوع نقاش تهتف له قلوب أبسط
البسطاء،
متسلحاً بموهبة ضخمة لا نملك الا ان نبقى مبهورين أمامها. ليس
"استهلال" الاّ
تكريساً معلناً لهذا النمط الذي باشره مع "ميمينتو" عام 2000، مع اصرار
جديد،
يتفاقم منذ "الفارس الأسود"، على المؤثرات البصرية التي لا تحجب أي احساس
آدمي يمكن
أن يعانق الحوادث. يصيب نولان حيث يطيش سهم كثيرين، من خلال جعل الديكورات
الافتراضية تضحك للقلوب، والكلمات تأخذ مداها في وجدان
المتلقي. هذا كله، وعلاقته
بالواقع مشوشة، قسرية، ملتبسة، عقيمة، عضوية. لا يفعل نولان هنا الا أخذنا
في جولة
عبر المخاخ البشرية. لعبة دومينو أم تيه في دهاليز؟ ربما الاثنان معاً.
حتماً
الاثنان معاً.
6
ــ "الشبكة الاجتماعية" لديفيد فينتشر:
فينتشر يصوّر الحلم الأميركي في مرحلته الأكثر نضجاً. نعم،
هذا الحلم لم تحبطه الحروب المتتالية، ولم تسحقه هجمات 11
أيلول، وهو مستمر بأشكال
جديدة في عصر ثورة التواصل والتكنولوجيا الفذة. ينتقل براً وجواً ويغزو
العالم
بالذكاء والمعرفة. اذا كان هناك نقطة جوهرية يجوز الدفاع عنها في عمل
فينتشر، فهي
كامنة في المكوّنات التي يصنع منها شخصياته. الى فيلم مسطح
تقريباً، يدخل
كاراكتيرات صعبة المراس، رافعاً بها من شأن الفيلم الذي يمنح الكلام عادة
الى
المراهقين. هنا، المراهق الانطوائي، الذي يحمل في داخله احساساً بالنقصان
وخيبة
غرامية، يضع حداً لشخصية المراهق - الكليشيه التي فرضتها
هوليوود واستهلكتها حتى
الضجر في آلاف الأفلام. هنا، نحن أمام شخصية، من لحم ودم، مهووس وغير
اجتماعي، يلعب
لعبته ولا يكترث بأحد، ويضع نصب عينيه التعويض عن الخيبة الغرامية عبر جعل
الفتاة
التي يستهويها مجرد مجسم أو أيقونة (كما يقال بلغة الكومبيوتر)
على حاسوبه. إنجازه
الطليعي ينطلق من فكرة بسيطة وغير نزيهة: هو لا يتقبل منطق الاّ تكترث به
فتاة،
كونه يميل الى الاعتقاد بأنه بات يتحكم بخيوط العالم التكنولوجي، وعليه
تالياً أن
يتحكم بمخلوقاته.
7
ــ "بوتيش" لفرنسوا أوزون:
ما
الذي يدفع أوزون، الذي يقفز من موضوع الى نقيضه، ومن "جانر"
سينمائي الى شريط
تأليفي صرف، الى الذهاب الى ذلك الزمان وذلك المكان؟ يمكن العثور على
الجواب في
واقع
أن المسرحية التي يستوحي منها المخرج، قبل أن يشقلبها تماماً، تعبّر عن
فرنسا
الزمن الحالي بقدر ما تعبّر عن السبعينات. لعبة مرايا تتيح
لأوزون التأكيد أن "لا
شيء تغيّر" في بلاده منذ عهد فاليري جيسكار ديستان، سوى الأسماء والوجوه.
أما
الأساليب المنتهجة في الحياة السياسية فهي هي.
من خلال قصص متداخلة، أنجز أوزون
فيلماً ساحراً ذا متعة خالصة. هذا أقل ما يقال. انه سينمائي "نسائي" لا شك.
افلامه
تقارع البطريركية وتمرغ صورة الاب في الوحل. وهو أولاً وأخيراً خلاّق لئيم.
انطلاقاً من ذلك، سيجيّر كل سلطة الفيلم
الى دونوف، فيما هو سيراقب من على مسافة.
من ربة منزل يلقّبها زوجها بالـ"بوتيش"، ستصير صاحبة كلمة. كل شيء في
الفيلم يذكّر
بالسياسة المنتهجة في عهد ساركوزي. ثمة خط رفيع بين السخرية والازدراء. لكن
أوزون
يعرف جيداً اين يقف. الزاوية التي يشاهد منها ناسه، غاية في الأهمية. يملك
مخرج
"ثماني نساء" قدرة عالية على جعل كل شيء حفل كوكتيل سينمائياً من دون
الوقوع في فخّ
الاستعرائية. في الواقع، لا يمكن أخذ اطروحته حرفياً لأن الأشياء عنده تخفي
أكثر
مما تظهر.
8
ــ "الزمن الباقي" لايليا
سليمان:
للظالم والمظلوم قدر واحد في فلسطين: أن يعيشا معاً
حتى إشعار آخر. هذه الفكرة وحدها أرض خصبة لإيليا سليمان الذي يروي 60
عاماً من
التاريخ الفلسطيني، متنقلاً بتكثيف مبدع بين الشخصي والجماعي، في جديده
"الزمن
الباقي"، الذي شارك في مسابقة مهرجان كانّ السينمائي. يسعى سليمان دائماً
الى خلق
امكانات توصل المساحة الشعرية الى نوع من الدمقرطة، يستطيع المشاهد من
خلالها ان
يتشارك عملية انجاز الفيلم على النحو الذي يراه، وليس فقط
بالشكل الذي يريده
المخرج.
9
ــ "شو عم بصير؟" لجوسلين
صعب:
"الحياة
في لبنان صرنا نجدها في الموت"، تقول جوسلين
صعب بنوع من غصة، وهي تأمل أن يجد فيلمها مكانه في النقاش. لكن
يجب الاقرار بأن
اللغة التجريبية التي تأتينا بها لا تسهّل العملية على المشاهد، وخصوصاً ان
واقع
التوزيع في لبنان بات غير حاضن لتجارب كهذه وغير صبور معها. استناداً الى
بنية
حكائية تستلهم الميثولوجيات والقصص الشعبية، نجد أنفسنا في
صحبة كاتب (نصري الصايغ)
قادر على سرقة قلب امرأة. نوع من انشودة ترفض منطق الحبكة الكلاسيكية لصالح
لحظات
وجدانية تتطاير فيها قصائد الشعر ومقتطفات موسيقية بديعة وتسكعات لا تتضمن
بداية
ونهاية. عدم رغبة صعب في الاتيان بشيء كلاسيكي عن بيروت، يعزز
مضمون الفيلم الذي
تجوز قراءته في اكثر من اتجاه، ويدعو المُشاهد الى تعبئة الفراغات.
هـ. ح.
(هذه القائمة تشمل الأفلام
التي عُرضت في الصالات التجارية اللبنانية من 25/12/2009 الى 31/12/2010(
أفلامنا الـ 30 المفضلة في المهرجانات الدولية
1
ــ "فيلم اشتراكية" لجان لوك غودار.
2
ــ "رجال
وآلهة" لكزافييه بوفوا.
3
ــ "فينوس سوداء" لعبد اللطيف كشاش.
4
ــ "نسخة
طبق الأصل" لعباس كيارستمي.
5
ــ "أرواح صامتة" لألكسي فيدورتشينكو.
6
ــ "الحفرة" لوانغ بينغ.
7
ــ "قتل أساسي" ليرزي سكوليموفسكي.
8
ــ "العم
بونمي..." لأبيشاتبونغ فيراسيتاخول.
9
ــ "شعر" للي تشانغ دونغ.
10
ــ "كارلوس"
لأوليفييه أساياس (النسخة الكاملة).
11
ــ "حرائق" لدوني فيلنوف.
12
ــ "الصياد" لرفيع بيتس.
13
ــ "شقوق" لهشام عيوش.
14
ــ "اللصّ" لبنجامين
هايسنبرغ.
15
ــ "أرماديو" ليانوس ميتز.
16
ــ "المرة الرابعة" لميكل أنجلو
فرامارتينو.
17
ــ "يا فرحتي" لسرغي لوندزيتا.
18
ــ "صداع" لرائد
أنضوني.
19
ــ "وادي خالد" لكريستوف كاراباش.
20
ــ "تيتة ألف مرة" لمحمود
قعبور.
21
ــ "مرجلة" لجوزف فارس.
22
ــ "رصاصة طايشة" لجورج هاشم.
23
ــ "حاوي"
لابرهيم البطوط.
24
ــ "غابة نروجية" لتران آن هونغ.
25
ــ "تامارا
درو" لستيفن فريرز.
26
ــ "أورورا" لكريستي بيو.
27
ــ "حرقتهم الشمس 2"
لنيكيتا ميخالكوف.
28
ــ "الجنتلمان" لهانس بيتر مولاند.
29
ــ "كيف أمضيت
هذا الصيف" لألكسي بوبوغريبسكي.
30
ــ "الشغف" لكارلو مازاكوراتي.
(هذه القائمة تشمل الأفلام التي شاهدناها من
1/1/2010
الى 31/12/2010 في كل من مهرجان كليرمون فيران وبرلين وكانّ
والبندقية
وطنجة للفيلم المتوسطي(
راحــــــــــــــلــــــون
اريك رومير، مخرج فرنسي (1920)؛ آلان كورنو، مخرج
فرنسي (1943)؛ آرثر بن، مخرج أميركي (1922)؛ بلايك ادواردز، مخرج
أميركي (1922)؛
دنيس هوبر، ممثل ومخرج أميركي (1936)؛ كلايف دونر، مخرج بريطاني (1926)؛
ايرفين
كرشنر، مخرج أميركي (1923)؛ ماريو مونيتشيللي، مخرج ايطالي (1915)؛ دينو دو
لورنتيس، منتج ايطالي (1919)؛ برنار جيرودو، ممثل
فرنسي (1947)؛ برونو كريمر، ممثل
فرنسي (1929)؛ جين سيمنز، ممثلة بريطانية (1929)؛
باتريسيا نيل، ممثلة أميركية
(1926)؛ جون فورسايت، ممثل أميركي (1918)؛ ليزلي
نيلسون، ممثل كندي (1926)؛ برنار
بيار دوناديو، ممثل فرنسي (1949)؛ طوني كرتيس،
ممثل أميركي (1925)؛ جيل كلايبور،
ممثلة أميركية (1944)؛ فرنر شروتر، مخرج الماني
(1945)؛ لوران تيرزييف، مخرج فرنسي
(1935)؛ جورج ويلسون، مخرج وممثل فرنسي (1921)؛
نورمان ويزدوم، ممثل انكليزي
(1915)؛ كورين ريدغريف، ممثل انكليزي (1939)؛ لين
ريدغريف، ممثلة انكليزية (1943)؛
الطاهر شريعة، مؤسس مهرجان قرطاج (1927)؛ سوتيغي كوياتيه، ممثل ومخرج مالي
(1936)؛
غلوريا ستيوارت، ممثلة أميركية (1910)؛ كلود شابرول، مخرج فرنسي (1930).
النهار اللبنانية في
06/01/2011
من بينها رثاء كَتبه لنفسه
معرض لمقتنيات نجيب الريحاني يكشف عن لوحات ورسائل نادرة
القاهرة - دار الإعلام العربية
في ذكرى ميلاد الفنان الكبير نجيب الريحاني تقيم دار الأوبرا المصرية في
21-1-2011، معرضاً لأهم المقتنيات واللوحات التي ترصد مراحل حياة شارلي
شابلن العرب، من بينها 40 لوحة بريشة الفنان السكندري حمدي الكيال تروي
لحظات نادرة في تاريخ الريحاني، منها لوحة تعبر عن حزن الملك فاروق عليه
ولوحة أخرى تضم الريحاني مع أحد الكتاب الفرنسيين.
يقول الكيال إن اللوحات التي سيتم عرضها منها خمس لوحات تم عرضها منذ 45
عاماً بمسرح الريحاني ولوحات عرضت في يونيو الماضي بمكتبة الإسكندرية،
بالإضافة إلى لوحات لم تعرض من قبل.
المعرض يحضره عدد كبير من الفنانين، من بينهم الفنان صلاح عبدالله الذي
يستعد لتجسيد شخصية الريحاني في مسلسل تلفزيوني، وجينا ابنة الفنان الكبير
التي أكدت أنها سوف تساهم بتقديم بعض من مقتنيات والدها التي تركها قبل
وفاته؛ ومنها خطاب من أمها لوسي تركته للريحاني عند رحيلها، كذلك مخطوط بخط
يد الفنان الكبير يرثي نفسه فيه ولوحة كانت موجودة بالأوبرا رسمها أحد
الفنانين الإيطاليين للريحاني في دور "كش كش بيه" عام 1898.
جينا تشارك أيضا في الندوة التي ستصاحب المعرض ويديرها الناقد السينمائي د.
رفيق الصبان وتتحدث فيها عن علاقة أمها لوسي بالريحاني وتكشف عن أسرار
جديدة لم تنشر من قبل عن والدها.
ابنته تطمح في متحف
وفي تصريح لـ "العربية نت" أعربت جينا عن سعادتها باحتضان دار الأوبرا
للمعرض الخاص بأبيها وإقامة احتفالية لذكرى ميلاده، مؤكدة أنها بذلت جهداً
كبيراً في جمع أرشيف والدها، حيث ذهبت إلى خالة والدتها في فرنسا وحصلت
منها على صور للريحاني وأمها في صغرها وكذلك الرسائل المتبادلة بينهما.
وقالت: إن كل الصور المتعلقة بأمي لوسي اختفت بسبب قذف منزلنا بألمانيا في
الحرب العالمية بقنبلة حرقته ونحن داخله، وخرجنا من المنزل بأعجوبة عن طريق
حفرة بسطح المنزل.
وأشارت جينا إلى أنها كانت تطمح في إقامة متحف للريحاني يضم كل متعلقاته في
فيلته بحدائق القبة بمصر الجديدة والتي تحولت إلى قصر ثقافة فيما بعد، إلا
أن محاولتها مع وزارة الثقافة لم تفلح، ففكرت في منزله الذي كان يقيم به في
عمارة الايموبيليا بشارع شريف بوسط القاهرة لكن صاحب العقار طلب مبلغاً
كبيراً لم يكن بوسعها دفعه.
رسالة قبل وفاته بيومين
وكان الريحاني قد توفي أثناء عمله في فيلم "غزل البنات" في الثامن من يونيو
1949، حيث أصيب بمرض التيفود، وأرسل رئيس الديوان الملكي آنذاك أحمد حسنين
باشا ليجلب له حقنة من أمريكا حتى يشفى، لكنه مات عند وصول العقار، بحسب
رواية ابنته جينا، التي كشفت أيضا أن والدها أثناء تصوير فيلم غزل البنات
قال إنه يريد الموت لدرجة أنه كتب رسالة يرثي فيها نفسه أثناء وجوده
بالمستشفى قبل وفاته بيومين.
المعروف أن الريحاني ولد في حي باب الشعرية لأب من أصل عراقي في 21 يناير
1889 واشتهر الريحاني بشخصية "كشكش بيه" التي كان يقدمها على مسارح عماد
الدين إلى أن التقى بتوأمه الفني وصديق عمره الكاتب بديع خيري فقدما للمسرح
المصري 33 مسرحية منها "الدنيا لما تضحك، الستات مايعرفوش يكدبوا، إلا
خمسة، 30 يوما في السجن"، كما قدم عددا من أنجح الأفلام السينمائية منها
"سلامة في خير، سي عمر، أبو حلموس" وكان آخر ما قدمه هو فيلم "غزل البنات"
مع ليلى مراد وأنور وجدي.
العربية نت في
06/01/2011 |