اعتبر محمد قاوتي، رئيس التعاضدية الوطنية للفنانين، أن القطاع
الثقافي والفني بالمغرب هش في يومه، وعلى المستوى المالي، والتكوين، وعلى
مستوى الوعي، خاصة أن الكثير من الفنانين لا يولون اهتماما كبيرا للجانب
الصحي، ولا ينخرطون في التعاضدية، التي يمكن لها، على الأقل، صون كرامتهم.
كما كشف قاوتي في هذا الحوار مع "المغربية"، بالأرقام عن عدد
المنخرطين في التعاضدية، التي تأسست سنة 2007، وكيفية استفادة المنخرطين من
خدمات هذه المؤسسة، التي كانت مطلبا نقابيا، طالما حلم الفنانون بتحقيقه.
وأوضح قاوتي أن "التشويش، الذي يمارسه البعض لتعطيل عمل التعاضدية، لا
أساس له من الصحة، ما دامت التعاضدية تخضع لمراقبة وضبط كبيرين، من طرف
مسيريها، ومن طرف الجهات الداعمة، ومن يرغب في الاطلاع على حسابها،
فليتفضل".
·
ما هو الوضع الحالي للتعاضدية
الوطنية للفنانين؟
- أكاد أقول إن الوضع عاد، فيه مواقع قوى، ومكان ضعف. التعاضدية مؤسسة
مرتبطة بدعم الدولة، وهذا الدعم يتأثر بالظروف الماكرواقتصادية المحيطة به،
وأقول إنه وضع عاد جدا، ويمكن أن أعطي بعض مؤشراته، فنحن على قرابة 4 آلاف
مستفيد، وخلافا عن السنة الأولى، فالأعداد في تزايد, وبالنسبة للسنة
الماضية ولهذه السنة، لم تحدث طفرة على مستوى المستفيدين.
·
كم يبلغ عدد المنخرطين
بالتعاضدية اليوم؟
- إلى غاية31 دجنبر 2011، بلغ عدد المنخرطين ألفا و58 منخرطا، و389
زوجا أو زوجة، و685 من الأطفال، والعدد الإجمالي هو ألفان و132 منخلرطا.
وهذا العدد يكلف مالية مهمة في العلاج وفي التسيير، لأن هناك أطرا تشرف
عليه، وهناك مصاريف مترتبة عن هذا التسيير. وفي ما يتعلق بالمالية العامة
للتعاضدية، فنحن ليس لدينا حاليا رقم مضبوط، ولن يكون لدينا عجز بل تكافؤ،
خلافا للسنوات الماضية التي كان فيها فائض، فكل السنوات ترتب عنها فائض في
مالية التعاضدية، وتكافؤ هذه السنة راجع إلى أن وزارة الاتصال لم تف بوعدها
كاملا، ولم تمكنا من 50 في المائة من الدعم المفروض أن تمنحه لنا.
·
هل تجاوزت التعاضدية مشاكلها
السابقة مع وزارة الثقافة بخصوص المنحة المخصصة لها، التي رفضها الوزير
السابق؟
- فعلا، كانت هناك مواجهات بيننا وبين وزارة الثقافة بخصوص المنحة
المخصصة للتعاضدية، لكن، بعد الحراك التعاضدي في ذلك الشأن، وبعد الانتباه
إلى أخطاء أساسية ارتكبت في معالجة هذا الملف من طرف موظفي وزارة الثقافة،
جرى الرجوع إلى جادة الصواب، ووقعنا اتفاقية جديدة مع الوزير السابق، فجرى
صرف المنحة للتعاضدية، وجددنا الاتفاقية السنة الماضية، وسمحت لنا
الاتفاقية الأولى بالحصول على الدعم، الذي كان ألغي بتاتا، وهو مليونا
درهم، إضافة إلى دعم 2011.
·
لكن، كان هناك إشكال في صرف
المبالغ المتأخرة؟
- الإشكال كان تقنيا فحسب، فما دامت مشروعية الصرف موجودة، فالإشكالات
الأخرى يجري التغلب عليها. وبناء على تلك المشروعية، وتفهم وزير الثقافة
السابق للأمر، ووزير المالية لطبيعة الموضوع الحساسة، جرى إيجاد الحلول
التقنية المناسبة، التي سمحت لوزارة الثقافة بصرف تلك المنحة دون إشكالات
قانونية.
·
لماذا تأخرت وزارة الاتصال في
صرف باقي المنحة للتعاضدية؟
- ليس لدي جواب الآن، سأقوم بالاتصالات اللازمة من أجل استرجاع تلك
المستحقات، التي التزمت وزارة الاتصال بصرفها للتعاضدية، ومراجعة اتفاقيتنا
معها بهذا الخصوص.
·
وقعت التعاضدية مجموعة من
الاتفاقيات مع عدد من الجهات، من بينها المستشفى العسكري بالرباط، فهل
أصبحت تلك الاتفاقية سارية المفعول؟
- فعلا، إنها سارية المفعول، وتهم جميع المستشفيات العسكرية بالمغرب،
يستفيد منها جميع المنخرطين في التعاضدية الوطنية للفنانين، مقابل أداء 10
في المائة فقط من كلفة العلاج، خلافا للمصحات الخاصة، التي يؤدي فيها
المنخرط 20 في المائة من كلفة العلاج، بناء على التعريفة الوطنية المرجعية
الموحدة (TNN) التي وضعتها وزارة الصحة لتضبط التعامل التجاري
في القطاع. فالمستشفيات العسكرية تتعامل بهذه التعريفة، وهذه المستشفيات
لها قيمة مضافة على مستوى التجهيزات والكفاءات الممتازة، التي تتوفر عليها،
إضافة إلى خدماتها الجيدة.
·
ألم تجد التعاضدية مشاكل في
تدبير ملفاتها الصحية، خصوصا أن هناك بعض الفنانين لا يستطيعون أداء 10 أو
20 في المائة من تكلفة علاجهم؟
- القانون الأساسي يمنح لرئيس التعاضدية بعض الصلاحيات، التي يستعملها
إذا لزم الأمر، لكنها صعبة، لأنه لا يمكن للتعاضدية أن تغطي مصاريف العلاج
الكاملة لجميع المنخرطين. لا يمكن الاستجابة إلا لحالات استثنائية، وفعلا
استجبنا إليها، ولا يمكنني ذكرها حفاظا لكرامة الناس، وغطينا مصاريف
التطبيب والعلاج مائة في المائة. إنها حالات استثنائية وخاصة جدا.
·
لكن، ألم يخلق هذا الاستثناء
حساسيات بين الفنانين؟
- حين يتعرض أحد الفنانين لوعكة صحية خطيرة، أو يخضع لتصفية الكلي،
فلا يمكن لنا رفض طلبه، كما لا يمكن للفنانين الآخرين، الذين ينعمون بصحة
أحسن من الآخرين أن يحتجوا على ذلك، لأن الصحة هي أهم شيء لدى الإنسان.
فيجب على الكل أن يطلب من الله الصحة والعافية، وليس المساواة أمام
التعويضات. فتلك الحالات الاستثنائية نادرة جدا، ولا تتجاوز أربع حالات منذ
تأسيس التعاضدية.
·
رغم وجود التعاضدية، فما يسود هو
خطاب الاستعطاف، وطلب الرعاية الملكية، هل لأن هذا الإطار يعجز عن التكفل
بهم؟
- أولا، من يقوم بهذه المبادرات له الحق في ذلك، والحق في التبرك
بالرعاية الملكية، ونحن لا نناقش هذا الأمر، لأن هناك حالات ربما عجزنا في
التعامل معها، لأنها تطلبت زرع رئة أو كلي أو غيرهما، فميزانية تلك العملية
أكثر من ميزانية التعاضدية ككل في سنة. نضم أصواتنا لهؤلاء المرضى شافاهم
الله، لأن يستعطفوا جلالة الملك، وأن يمن عليهم برأفته، وعطفه، وحنانه.
·
الطاغي في الوسط الفني هو لغة
التباكي والشكوى دائما، مع العلم أن أوضاع بعضهم لا تستدعي كل ذلك، ولا
تخول لهم أن يكونوا استثناء؟
- بدون تعليق.
·
لماذا؟
- لأنه يغلبني الحياء أن أتحدث عن هذا، لأنه شيء معروف، كما لا أرغب
في أن أدخل في سجال حول من يستحق ذلك، ومن لا يستحقه، ومن له عزة، ومن ليست
لديه. الأمور واضحة ومعروفة، والقطاع الفني في المغرب "تبخره كميشة
الجاوي".
·
من يستحق الرعاية لا يطلبها،
فهناك فنانون يشتغلون في الظل ويموتون في الظل؟
- أغتنم هذه الفرصة لأوجه نداء لهؤلاء الذين يشتغلون في الظل، ويمرضون
في الظل، ويموتون في الظل والصمت، وأطلب منهم الانخراط في التعاضدية، لأن
المشكل الكبير في القطاع الفني بالمغرب هو أن الفنانين لا يهتمون بتحمل
مسؤولياتهم، فهذا الموضوع يظل هامشيا بالنسبة إلى العديد منهم، وينتظرون أن
يلتفت إليهم رغم تهاونهم. فمن غير المعقول أن يظلوا خارج التعاضدية، مع
العلم أن قيمة الانخراط فيها زهيدة جدا.
·
ما هي قيمة الانخراط السنوي في
التعاضدية؟
إنها أتفه قيمة في العالم، فهي 700 درهم للمنخرط في السنة، و500 درهم
للزوج أو الزوجة، و300 درهم للطفل في السنة. بالمقابل فالملفات التي أتوفر
عليها في حدود الدراسة المالية الحالية، التي سننتهي منها قبل 31 مارس
الجاري، لكي نضع الدراسة المالية لـ 2011، تبرز أن كل منخرط في التعاضدية
يكلفنا قرابة 1000 درهم. هناك من يمرض كثيرا، وهناك من لا يمرض حفظه الله.
فانخراط 700 درهم هو قيمة نزلة برد، أما ما يستفيد منه المنخرط فهو أكثر من
ذلك، لأن الانخراط في التعاضدية فيه تأمين على صحته، وعلى صحة أبنائه
وذويه.
·
هل يستفيد من التعاضدية كل
الفنانين الذين يشتغلون مع مؤسسات تكفل لهم التغطية الصحية؟
- القانون الداخلي الذي تبنيناه أخيرا واضح في هذا الاتجاه،
فالمستفيدون من التعاضدية الوطنية للفنانين هم المنتسبون إليها فقط، ومن
ينتمي إلى تعاضديات أخرى فلا يمكن له الاستفادة من تعاضدية الفنانين. فهناك
فنانون مرتبطون بالإذاعة مثلا ، ولهم تعاضدية في الإذاعة، ولهذا فلا يمكن
لهم الاستفادة من تعاضدية الفنانين.
·
عدد المنخرطين في التعاضدية
الوطنية للفنانين قليل مقارنة مع عدد الفنانين بالمغرب، فما سبب ذلك؟
- لا يوجد لدينا، بعد، وعي بموضوع الصحة والتأمين على الحياة والآفات،
فالإنسان معرض لجميع الآفات، ويمكن له أن يخرج ولا يعود إلى بيته، فنحن
ضعفاء إلى الغاية. الفنانون كثيرون بالمغرب ولكن أمرهم غير مضبوط، فمن غير
المعقول أن يكون عددنا 2000 فقط، وكنت أعتقد أن منخرطي التعاضدية كان سيفوق
10 آلاف. لا توجد لحد الساعة دراسة دقيقة تحدد عدد الفنانين، ونوعيتهم،
ومجالات اشتغالاتهم. نحن في التعاضدية حددنا على الأقل الانتماء إلى هذا
القطاع في 11 مهنة، وحاولنا أن نلمس كل القطاعات المرتبطة بالفن والثقافة،
بمن فيهم التقنيون والإداريون.
·
إذن، المشكل هو مشكل جسم فني
بالأساس، وليس مشكل تعاضدية؟
- طبعا، المشكل ليس مشكل تعاضدية، بل هو مشكل مؤسسات مؤطرة للفعل
الثقافي والفني بالمغرب، مثل وزارة الثقافة، والاتصال، فهاتان الوزارتان
مرتبطتان بشكل عضوي بالجسم الثقافي والفني، وربما توفر دراسة عن القطاع
تؤول إلى هاتين الوزارتين بالدرجة الأولى، لتحددا الوعاء الذي يحوي الثقافة
والفن. من هؤلاء الناس، وما هي فئاتهم العمرية، وما هي مجالات اشتغالهم،
وهي دراسة علمية يمكن أن يتكلف بها مكتب دراسات متخصص. فالناس الذين
يشتغلون على الفولكلور، مثلا، ليسوا ممثلين جميعهم في التعاضدية، فهناك
جمعية في أكادير احتضنت هؤلاء الفنانين مشكورة، وتؤدي بدلا عنهم قيمة
انخراطهم في التعاضدية. وهي جمعية تضم أطباء، ولديهم دراية كبيرة بالجانب
الصحي وأهميته في حياة الإنسان.
·
ما تقييمك لإنجازات التعاضدية
منذ تأسيسها سنة 2007 إلى الآن؟
- عمل التعاضدية اليومي في صلب هدفها، فهي تعمل يوميا من أجل خدمة
المنخرط، والمنخرط فقط، لأن من لم ينخرط فيها فلا علاقة له بها. التعاضدية
لا تميز بين الفنانين، ولا تنظر إليهم بمقاييس معينة. فهناك حالات وردت على
التعاضدية لأشخاص غير منخرطين، فبقينا مكتوفي الأيدي، بل كان هناك سلوك
انتهازي من بعض الفنانين، الذين ينخرطون عندما يبرمجون إجراء عملية جراحية،
أو حينما تكون زوجته حاملا في الشهر السادس. فهذه صورة كاريكاتورية، لكنها
للأسف تعبر عن الواقع الذي نعيشه. لقد حاولنا محاربة هذه الحالة الانتهازية
لدى بعض الفنانين على مستوى القانون الداخلي، فالمنخرط الجديد يجب أن يقضي
90 يوما في التعاضدية لكي يستفيد، وخلال تلك المدة لا يمكن له الاستفادة من
خدماتها، حتى يثبت حسن نيته.
·
ألم يكن للتعاضدية لقاء مع وزير
الثقافة، مثل النقابات الأخرى؟
- سيكون لنا لقاء قريب مع وزير الثقافة، حينما نتوفر على الحصيلة
المالية لهذه السنة، لأن علاقتنا بوزارة الثقافة هي علاقة تقنية، إذ سنطلعه
على ما أنجزته التعاضدية، وعلى عدد المستفيدين من خدماتها، وعلى نوعية
الأمراض التي مرت علينا، لأنها الداعم الرئيسي للتعاضدية.
تحسن خدمات التعاضدية
- سقف علاج الأسنان ارتفع من 2500 إلى 5000 درهم.
- سقف العمليات أصبح غير محدد، وفي ما قبل كان لا يتجاوز 30 ألف
درهم.
- تصفية الكلي محددة ما بين 6000 و8000 درهم في الشهر.
عدد المنخرطين بالسنوات
السنوات: 2008 - 2009 - 2010 – 2011
المنخرطون: 422 - 791 - 997 - 1058
الأزواج: 188 - 312 - 370 - 389
الأطفال: 319 - 527 - 633 – 685
العدد الإجمالي: 929 - 1630 - 2000 – 2132
نوعية الأمراض التي تصيب الفنانين
1- مرض القلب والشرايين.
2- ارتفاع ضغط الدم.
3- السكري.
4- تصفية الكلي.
4- الأسنان، والأعين.
إضافة إلى الأمراض الموسمية الأخرى، مثل نزلات البرد وغيرها من
الأمراض العادية. أما الأمراض الخبيثة فقليلة جدا، ولو أن بعض الفنانين
يموتون بسببها، لأنهم لا يكتشفونها بشكل مبكر.
الصحراء المغربية في
17/03/2012
جليلة بكار أومأت إلى فلسطين
نور الدين بالطيب / تونس
حازت الممثلة التونسية «جائزة محمود درويش للحريّة والإبداع»، لكنّها
مُنعت من دخول فلسطين المحتلّة لتسلّمها. تكريم لمسيرة طويلة في المسرح
الملتزم، خطّتها إلى جانب رفيق دربها الفاضل الجعايبي. في رسالة مصوّرة إلى
أهل رام الله، تحدّثت صاحبة «جنون» عن كلمة الشعب وفلسطين والحريّة
منعت جليلة بكار (1952) من دخول فلسطين. الممثلة المسرحية والكاتبة
التونسية، كان من المقرر أن تشارك الثلاثاء الماضي في احتفال تسليم «جائزة
محمود درويش للحريّة والإبداع» التي حازتها هذا العام، إلى جانب الشاعر
الفلسطيني المقيم في الأردن زهير أبو شايب. لكنّ الفنانة الملتزمة لم تستطع
الوصول إلى «قصر رام الله الثقافي» بعدما امتنعت سلطات الاحتلال عن منحها
إذن دخول. لكنّ لجنة التحكيم منحت بكّار الجائزة، تقديراً لإيمانها بأنّ
«المسرح فعل وجود. وفعل جماليّ مقاوم، ينشد تأثيث ذاكرة المستقبل بما
يتعالى عليه من جراحات بني البشر وعذاباتهم».
بطلة «جنون» تسلّمت الجائزة من بعيد. بعثت برسالة مصوّرة جاءت مشحونة
بالمشاعر، وبدا واضحاً تأثرها بدلالة اسم درويش ورمزيّته في المخيال العربي
والتونسي، وفي وجدانها كفنانة ملتزمة ومسيّسة. عبر الشاشة، تكلّمت جليلة:
«منعوني، ظانين أنّ فلسطين بلد عادي، له حدود تقفلْ، وله شعب يحبسْ، وحارس
بيده مفاتيح، يقرّر من له حقّ الزيارة ومن يرفضْ. لكنّهم ضالّون، أغبياء لا
يفقهون؛ ففلسطين ليست أرضاً فقط. هي بلاد لا حدود لها، كفكرتنا عن المجهول
ضيّقة وواسعة».
حكت جليلة بلسان تونس الثائرة، بلسان بلاد البوعزيزي، مخاطبةً صديقتها
عايدة اليافويّة التي جعلتها بطلةً لمسرحيتها «البحث عن عايدة»: «لو كنتُ
عصفورة، لأخذتك على جناحيّ وطرت، ولرفرفت بك على أرض فلسطين، محلّقة فوق
سهولها وتلالها، جبالها وحقولها، تينها وزيتونها، من حيفا إلى نابلس، ومن
القدس إلى يافا، ولوقعنا على غصن شجرة البرتقال، في بستان بيتكم في حيّ
الرشيد في يافا، ولغنّينا أنشودة الحياة، إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا
بدّ أن يستجيب القدر».
سؤال الحريّة ليس جديداً على جليلة بكار. طرحته طوال مسيرتها عبر
كتاباتها المسرحية مع رفيق دربها المخرج المسرحي والمؤلف الفاضل الجعايبي
من خلال مقاربة جمالية تحفر في سؤال «الآن وهنا». غاصت في المكبوت السياسي
والنفسي والاجتماعي، فجاء مسرحها، يشبهنا تماماً، في ضعفنا وحزننا
وانكسارنا، وأحلامنا في مطلع الألفية الثالثة. كانت فلسطين السؤال الحاضر
الغائب دوماً في العديد من أعمالها، منذ بدأت رحلتها باكراً مع مجموعة
«المسرح الجديد».
تعدّ جليلة بكار من أبرز وجوه المسرح التونسي. بدأت رحلتها مبكراً مع
«المسرح الجديد» عام 1976. مع الفاضل الجعايبي، والفاضل الجزيري، ومحمد
إدريس، ورؤوف بن عمر، والشاعر الراحل الحبيب المسروقي، قدمت أعمالاً
مسرحيّة مرجعيّة منها «العرس»، و«غسالة النوادر»... لتستقلّ لاحقاً مع
الفاضل الجعايبي والحبيب بلهادي مطلع التسعينيات في تجربة جديدة، هي فرقة
«فاميليا». قدّمت الأخيرة مجموعة من الأعمال الجماهيرية، آخرها «يحيى يعيش»
الذي عرض في «مهرجان أفينيون» الفرنسي العام الماضي. كذلك، راكمت الفرقة
ريبرتواراً مهماً من الأعمال، مثل «كوميديا»، و«فاميليا»، و«سهرة
خاصة»و«عشاق المقهى المهجور»، و«البحث عن عايدة»، و«جنون» و«خمسون»...
ناضلت جليلة بكار طويلاً من أجل حريّة التعبير، وشاركت في التظاهرات
العمالية والاحتجاجية، وإضرابات الجوع، منذ أن كانت طالبة في كليّة الآداب
خلال السبعينيات. وقد عانت جليلة بكار ومسرح «فاميليا» من المنع، ولم تمرّ
مسرحيّة واحدة من دون مواجهة مع أجهزة الرقابة، وصلت حد المنع في «خمسون»
(2008). لهذا، لا يعدّ حصول بكّار على «جائزة محمود درويش للحرية والإبداع»
تكريماً لها فحسب، بل تكريماً للمسرح التونسي بأكلمه، ذلك المسرح الذي حمل
طويلاً هاجس فلسطين والحريّة.
النصّ الكامل لكلمة جليلة بكار
بعد حصولها على «جائزة محمود درويش للحريّة والإبداع» للعام 2012
كنت أودّ أن أكون معكم لأشكر مؤسّسة «محمود درويش» لمنحي هذه الجائزة.
كنت أودّ أن تطأ قدماي لأوّل مرّة تراب فلسطين، كنت أودّ أن أشتمّ
روائح فلسطين، وأن أشدّ على أياديكم، كنت أوّد أن ألتقي بصديقة العمر عائدة
اليافيّة. حلمت بهذه الزيارة، فشوّقت واشتقت كاشتياق المسلمة للكعبة.
لكنّهم منعوني. لا تهمّني الأسباب، ولا تهمّني الأطراف، هم منعوني، ظانين
أنّ فلسطين بلد عادي، له حدود تقفلْ، وله شعب يحبسْ، وحارس بيده مفاتيح،
يقرّر من له حقّ الزيارة ومن يرفضْ. لكنّهم ضالّون، أغبياء لا يفقهون،
ففلسطين ليست أرضاً فقط. هي «بلاد لا حدود لها، كفكرتنا عن المجهول ضيّقة
وواسعة». وهي ليست شعباً فقط. فهي ملايين من نساء ورجال العالم، حفظوها في
قلوبهم منذ أجيال. أحبّوها «وحبّها مرض وراثي». ففلسطين أصبحت منذ عقود،
كلمة الشاعر، ودمعة الطفل، وصرخة الصبية، وبندقية الفدائي، وقهوة الأمّ،
وحجر الانتفاضة، وغصن الزيتون، وحصار الزعيم، وصمود المقاومة، وهي الحنين
للتراب، والأمل والطوق للحياة، وهي الصبر على وعود الأشقّاء والأصدقاء، وهي
غضب، غضب، غضبْ، أمام حقّ اغتصبْ.
فليمنعونني من الدخول، ولينفوني من أرض فلسطين، فهل يستطيعون منعي من
الإبحار في أبيات شعر محمود درويش؟ وهل يستطيعون إسكات نبض قلبي كلّ ما
تنفست فلسطين؟ أغبياء هم جاهلون قوة كلمة واحدة
«فلسطين».
عميان هم. فأنا بينكم وهم لا يعلمون. وأنا حاضرة وهم الغائبون. فاسمحوا لي
أن أخاطب صديقتي عائدة. عايدة أتتذكرين آخر مرّة رأيتك فيها غداة الانتفاضة
الثانية؟ كنت على حافة قرن يحتضر، تقولين له انتصفت ولم تنصف، فلن تخرج من
غير أن تعدل. رأيتك تحمين طفلاً رامي حجر، رأيتك تواسين أمّا تنعي ابنا
درّة عين، رأيتك بجانب فتاة تصرخ في وجه جنديّ مدافعة عن بيت الشرق، رأيتك
مع اللذين جرفت منازلهم واقتلعت أشجار زيتونهم. ثمّ رأيتك ترفعين رأسك،
وتحدّقين في وجهي صائحة: «أنا وحدي مع شعبي، وأين أنت؟»
فترينني أهمم حائرة: «ما العمل؟ مددتُ يدي فقطعوها. أهديت دمي فهدروه.
صرخت فأضاعوا صوتي في غوغاء خطاباتهم. فاكتفيت بعدّ الموتى والتّصدي
للنسيان، حتّى احترق جسد البوعزيزي، والتهبت القرى والمدن، فكانت الصّرخة
الجماعيّة، صدىً وامتداداً لصرخة الشّهيد، صرخةً ترفض حتميّة الموت وتطالب
بالحياة.
صرخة الشّباب، شباب القرن الجديد. شباب عاش أمام التلفزيون الانتفاضة
الثّانية، وحرب العراق، وحرب لبنان، وحرب غزّة، لا حول له ولا قوّة. شباب
لم يعف من أيّ نوع من العنف والظّلم والقهر والاستبداد، لم يعف من الهزائم
والمظالم والتنكيل والإهانات التي سلّطت على آبائهم. شباب يرى حدوداً تنغلق
أكثر فأكثر، وجدراناً ترتفع أمام وجهه، أعلى فأعلى. فهبّ هذا الشباب
صارخاً، كفى؛ نريد الحياة، نريد الحريّة، نريد الكرامة، نريد العدالة،
فارحل أيّها الطاغية.
عايدة جئتك اليوم من بلد الثورة، لأمسك بيدك، وأهمس إليك: «لو كنتُ
عصفورة، لأخذتك على جناحيّ وطرت، ولرفرفت بك على أرض فلسطين، محلّقة فوق
سهولها وتلالها، جبالها وحقولها، تينها وزيتونها، من حيفا إلى نابلس، ومن
القدس إلى يافا، ولوقعنا على غصن شجرة البرتقال، في بستان بيتكم في حيّ
الرشيد في يافا، ولغنّينا أنشودة الحياة، إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا
بدّ أن يستجيب القدر، ولا بدّ للظّلم أن ينجلي، ولا بدّ للقيد أن ينكسر».
نبوءة البوعزيزي
لا تزال مجموعة «فاميليا» تجول بعرضها المسرحيّ «يحيى يعيش». العمل
الذي كتبته جليلة بكار والفاضل الجعايبي، وأخرجه الأخير، عرض للمرة الأولى
في نيسان (إبريل) 2010، وكان أشبه بنبوءة للثورة القادمة إلى بلاد الطاهر
الحداد، بما حمله من مشاهد عن سقوط ديكتاتور متغطرس. على الخشبة، تؤدي
جليلة بكار بطولة العرض، إلى جانب الممثلة التونسية فاطمة بنسيعدي، ومجموعة
من الممثلين التونسيين الشباب. بعد جولة على مسارح فرنسيّة عديدة، يحطّ
العمل رحاله قريباً في الدار البيضاء، وتحديداً على خشبة مسرح «مولاي
الرشيد» بين 7 و10 نيسان (إبريل) المقبل.
الأخبار اللبنانية في
17/03/2012
ندى
الأزهري:
السينما
الإيرانية من الداخل
محمود
الحاج محمد
طوال خمس سنوات قضتها في
إيران، كانت ندى الأزهري على اتصال يوميّ مع السينمائيين في بلاد الملالي.
حاورت مخرجين وممثلين وحضرت عشرات الأفلام ولامستْ واقع الفنّ السابع على
الأرض، لتخرج بكتابها «السينما الإيرانية الراهنة» (دار المدى). «المكتبة
السينمائية العربية بحاجة إلى مثل هذا الكتاب»، هذا ما يريد الناقد
والصحافي إبراهيم العريس في مقدمته للكتاب، وخصوصاً أنّ صاحبته عايشتْ عالم
السينما هناك أثناء تأليفه، فيما لا يزال متابعو السينما الإيرانية يكتبون
عنها «عن بعد». استغلت الكاتبة انتقال زوجها الدبلوماسي الفرنسي للعمل في
سفارة بلاده في طهران، لتنجز عملها. هكذا، التقت عباس كياروستامي، وأصغر
فرهادي، وجعفر بناهي وحاورتهم. وسلّطت الضوء على الكثير من الأسماء
السينمائية، والتفاصيل المهمّة التي لن يعرفها كثيرون إلا بعد قراءتهم
الكتاب. تقسّم الصحافية في جريدة «الحياة» عملها إلى سبعة فصول. من الفصل
الأول حتى الخامس، تحاور عدداً من المخرجين، مع قراءة لبعض أعمالهم.
تُخصِّص الفصل الأول
للمخرجَيْن الكبيرين: عباس كياروستامي وأمير نادري. بينما نقع في الفصل
الثاني على حوارات مع عددٍ من السينمائيات الإيرانيات، وقراءات في تجاربهنّ
أمثال رخشان بني اعتماد، ونيكي كريمي، ومانيا أكبري. في الفصل الثالث،
تحاور جعفر بناهي وأبو الفضل الخليلي الممنوعين من عرض أفلامهما في إيران.
بينما تخصّص الفصل الرابع لحوارَيْن مع المخرجَيْن الشابّين: أصغر فرهادي،
ورفيع بيتز. أما الفصل الخامس، فنستطيع من خلاله أن نطّلع على جانب من آراء
نقاد السينما في إيران، حين نقرأ حوارَيْن مع كلّ من فريدون جيراني وأميد
روحاني.
بعد هذه الحوارات،
تتفرّغ الكاتبة لتدوين قراءاتها ودراساتها في السينما الإيرانية. في الفصل
السادس، تحلّل وتعيد قراءة ثلاثة أفلام مهمّة في المشهد الإيرانيّ
الداخليّ. الفيلم الأول «المطرودون» (إخراج مسعود دهْ نمكي)، تعدّه نموذجاً
لأفلام «الدفاع المقدس» التي برزت مع بداية الحرب العراقية ـــــ
الإيرانية. الفيلم الثاني الذي أحدث عرضُه صخباً بعد منع دام سنتين، هو
«كتاب قانون» للمخرج مَزيار ميري. يصوّر هذا الفيلم «سلوكيات أسرة تقليدية
إيرانية متديّنة»، ويقدّم لنا «صورة ساخرة لطريقة المجتمع في فهم الدين
وتطبيق تعاليمه». أما الشريط الثالث فهو «باسيج» للمخرج مهران تمدن. بدءاً
من عنوانه (تعني الكلمة حُماة الثورة الإسلامية)، تجاوز العمل الخطوط
الحمر، فلم يمرّ من دون ضجيج وغضب حكومي.
في الفصل الأخير،
توسّع ندى الأزهري العدسة التي تنظر من خلالها إلى السينما الإيرانية. تعود
إلى البدايات في أوائل القرن العشرين. تبحث في تأثير الفنّ السابع وتأثّره
بالمتغيّرات الاجتماعية والسياسية. بعد ذلك، تشاركنا ملاحظاتها وتدويناتها
عن «مهرجان فجر السينمائي» (ذي الشعبية الواسعة داخل إيران وخارجها) في
أربعة مواسم (2007 ـــــ 2010). أخيراً، لا تنسى الكاتبة أن تعرّج على أكثر
شيء يؤثر في الإبداع في إيران: الرقابة. غدت الرقابة على السينما أشهر من
السينمائيين أنفسهم. يكفي أن نقرأ تجربة المخرجَيْن جعفر بناهي، ورضا
ساركانيان، لنعرف
ذلك.
الأخبار اللبنانية في
18/03/2012 |