لاشك ان نتيجة الانتخابات النيابية بمجلسيها فى مصر مثلت صدمة كبيرة
للسينمائيين والمثقفين بسبب صعود التيار الاسلامى الى قمة المشهد السياسى
فى مصر بعد عام من ثورة يناير المجيدة حيث حصل الاسلاميون على نحو 70% من
مجموع مقاعد مجلس الشعب وعلى اغلبية غير مسبوقة فى مقاعد مجلس الشورى .
لقد ساهم السينمائيون بقوة فى فعاليات ثورة يناير منذ بدايتها، ولن
ينسى ثوار ميدان التحرير اشخاصا مثل عمرو واكد وخالد ابو النجا وخالد
الصاوى وخالد يوسف وآخرين، كانوا يعتصمون مع جموع الثوار ولم يهدأوا حتى
اطاحوا بحسنى مبارك.
ان آمالا كبيرة عقدها السينمائيون على هذه الثورة، بعض منها كان هما
عاما اشتركوا فيه مع جماهير الشعب المصرى تحت شعار الثورة الرئيسى (عيش –
حرية – عدالة اجتماعية)، كما ان آمالا اخرى خاصة بمهنتهم كانت مطلبا ملحا
بالنسبة اليهم ، فيما يتعلق بتحرير الابداع الفنى بعيدا عن نظام الرقابة
الذى ينتمى الى نظام الدولة البوليسية، كما ساهم السينمائيون فى تظاهرات
تطالب بعودة اصول السينما الى وزارة الثقافة، وايضا فقد اعتصم مئات
السينمائيون فى نقابتهم وعلى مدى اشهر للمطالبة باعادة الانتخابات النقابية
لتصعيد قيادة نقابية جديدة تكون موازية لهذه الثورة.
لقد عاش السينمائيون مخاض الثورة وتنبأت بعض اعملهم بها مثل فيلم
(جنينة الاسماك) ليسرى نصر الله، وكان السينمائيون المصريون فى طليعة
الصفوف الثورية وظلوا مع ثورتهم طوال عامها الاول تحدوهم آمالا عريضة
ويقينا لا يتزعزع من ان الشعب الذى انجز هذه الثورة المجيدة سيعرف كيف
يحميها ويطور عليها وينطلق بها الى آفاق لانهائية، الى ان جاءت نتيجة
الانتخابات النيابية بمجلسيها فانقلب الحال رأسا على عقب ، ولم ينتهى الحال
باحساس السينمائيين بخيبة الامل ، لكنهم ايضا اصبحوا من اهم موضوعات المشهد
السياسى فى مصر لوقعوهم اجباريا على خط المواجهة مع الاسلاميين المعروف
عنهم معادة اى نشاط ثقافى وخاصة السينما حيث كان شائعا كراهيتهم الشديدة
للسينما بل واحيانا تكفيرها.
ان الصحف المصرية اولت هذا الامر قدرا من الاهتمام، ونقلت الصحافة عن
قادة الاخوان المسلمون وقادة التيار السلفى انهم لا يحملون موقفا مسبقا من
السينما ، وان الحال سيكون كما هو وان كانوا يحتفظون بموقف ثابت ومبدأى ضد
ما هو غير شرعى، لكن هذه التصريحات والتطمينات لا تكفى بالنسبة
للسينمائيين، لان العداء للسينما واضح وجلى وثمة شواهد كثيرة عدائية وعلى
مدى الاربعين عاما الاخيرة منذ بدأ ظهور التيار الاسلامى فى مصر.
ان محنة السينمائيين فى مصر الآن تستدعى مشهدا ممائلا فى ايران
ابتداءا من عام 1978 عندما اندلعت الثورة الايرانية، لقد انقسم الشعب
الايرانى بشأنها فى البداية بين جبهتين هما مجاهدى خلق ومجاهدى الشعب،
الاولى مثلت التيار الدينى بقيادة آية الله الخومينى ، والجبهة الثانية
كانت تمثل اليسار الايرانى وكان قويا ومؤيدوه كثيرين، لكن مسار الثورة
انحرف فى اتجاه الخيار الدينى فتم الانقضاض على مجاهدى الشعب وتم استخدام
الواعز الدينى فى حشد الشعب الايرانى عقائديا ضدهم الى ان خلت الساحة
للتيار الدينى فتسيد الاسلاميون المشهد السياسى منذ ذلك الحين وحتى الان .
لقد تأثرت السينما الايرانية سلبا فى الاعوام الاولى للثورة الايرانية
على اثر تصاعد النفوذ السياسى للتيار الدينى، وبات من المسلمات بالنسبة
للغالبية العظمى من السينمائيين، ان صناعة السينما فى ايران قد انتهت الى
الابد، حتى ان العديد من رموز السينما الايرانية قد رحلوا عن ايران
كمهاجرين فخلت الساحة ، لكن هذا الفراغ سرعان ما شغله سينمائيون جدد قدموا
الى السينما لتثبيت الثورة الاسلامية من خلال افلام من نوع جديد تنتمى الى
التيار الدينى وتخاطب الجمهور عن الجنة والنار والخطيئة والتوبة، ضمن
تضيقات اخرى تتعلق بحظر ظهور النساء سافرات وغير ذلك من اجراءات تتعلق
بمظهر الممثلات وموضوع الفيلم.
لقد كان محسن مخملباف واحدا من السينمائيين الجدد، ولقد تصادف انه كان
سجينا فى اثناء حكم الشاه بسبب اعتداءه بالضرب المبرح على جندى درك، ولذلك
فقد تم تحريره بعد نجاح الثورة، واُعتبر واحدا من ابطال الثورة، فرحبت به
الاوساط الثقافية والاعلامية، حيث بدأ عمله كصحافي وناقد ثم مؤلف روائي
وكاتب للسيناريو الى ان تفرغ للاخراج السينمائى - علما بأنه حاصل على شهادة
دراسية تعادل الثانوية العامة - وكانت افلامه الاولى دينية واحتفت بها
المؤسسة الدينية وشجعت افلامه الى حد عرضها فى الحسينيات ، وهو امر لم يحدث
من قبل ، فقد تفاجأ جمهور المصليين بان آلة العرض السينمائى والشاشة
موجودتان فى الحسينية وان افلاما يتم عرضها فى سابقة كانت الاولى.
ان هذا الجمهور لم يكن فيما سبق من مرتادى دور العرض السينمائى، مما
خلق جمهورا جديدا للسينما وقد ساعد ذلك على انتشار السينما اكثر من ايام
الشاه ، الا ان هذه السينما كانت ضعيفة ومباشرة وميلودرامية تستهدف الجانب
الدينى من حياه الناس وتهدف الى تثبيت التيار الدينى المستحدث والدفاع عنه،
ان هذه السينما جاءت لتحل محل السينما الايرانية الفنية التى كانت راسخة
ومعروفة عالميا من خلال مهرجانات السينما، لقد كانت هذه السينما متفوقة على
سينمات قومية اخرى مثل السينما المصرية، اما سينما التيار الاسلامى فقد
كانت ارتدادا حادا عن منجزات الايرانيين السينمائية ولم تحقق اى نجاح
عالمى، فهى سينما متخلفة ودعائية ولا يصح اعتبارها سينما.
لكن استثناءا حققه عباس كياروستامى، وهذا الفنان لم يكن محسوبا على
التيار الدينى، ولم يكن معروفا كصانع سينما احترافية قبل الثورة، فقد تخرج
من كلية الفنون الجميلة كفنان تشكيلى، ثم عمل مديرا بمركز للتأهيل الذهنى
للاطفال والمراهقين.
وقد كان من بين خطة هذا المركز انتاج افلاما تعليمية تخدم اغراض هذا
المركز، ومارس عباس كياروستامى كتابة واخراج الافلام لهذا المركز بميزانيات
حكومية ولاغراض غير ربحية ، وكان قد تعود على استخدام ممثلين هواه وفريق
سينمائى غير محترف ، لكن افلامه بدت رائدة فى بساطتها.
ان سبب استمرار عباس كياروستامى فى عمله السينمائى هى انه لم يضع نفسه
ابدا فى مواجهة مع نظام الملالى، لقد اختار موضوعاته بعناية من مفردات حياه
الناس العاديين مثل فيلمه ( اين منزل الصديق ؟ ) الذى يسرد فيه قصة طقل
اسمه احمد يشهد فى الفصل الدراسى عملية معاقبة لاحد زملاءه فى الفصل من قبل
الاستاذ، الذى يتوعد الاطفال بان يكتبوا الواجب الدراسى فى الكراسة الخاصة
بالواجب والمخصصة لكل طفل.
وعندما ينتهى اليوم الدراسى ويعود احمد الى منزله ويشرع فى كتابة
الواجب الدراسى لنفسه يكتشف ان كراسة زميليه معه، فيوقن بمخاطر ذلك على
زميله الذى سيتعرض للضرب حتما من المدرس لانه لن يستطيع كتابة الواجب فى
الكراسة، فيتخذ احمد قراره بالذهاب الى منزل صديقه لاعطاءه الكراسة، ونظرا
الى انه لا يعرف منزل صديقه فانه يتعرض الى التيه فى ازقة وحارات المدينة،
وعندما يتيقن من انه لن يصل الى منزل صديقه ابدا يقرر العودة الى منزله
ويبدأ فى كتابة الواجب الدراسى لزمليه فى هذه الكراسة ليحميه من عقاب
الاستاذ.
ان كل افلام عباس كياروستامى تتناول موضوعات مشابهة من حياة الناس
العادية، ولقد اهتم الناقد الامريكى جدفرى شيشاير ببحث اعمال عباس
كياروستامى وتوصل الى نتيجة مؤداها ان رؤية عباس كياروستامى هى رؤية
ابستمولوجية (توفيقية) فيبدو أنه قد آثر طريق السلامة بعدم الصدام مع
النظام السياسى لبلاده وفى نفس الوقت فان افلامه لا تنتمى الى هذا النظام
السياسى ولا تروج له.
ان الوقوف فى الموقف الوسط قد يكون خيارا ذكيا، لكنه بدا على ايه حال
عفويا من كياروستامى وكأن هذه الابستمولوجية هى خيارا اراديا وبدت ايضا
متناسبة مع افلامه ومع الشكل الحداثى لها تحت تأثير واستلهام نتاجات الموجة
الجديدة الفرنسية ، حتى ان نقاد العالم اعتبروا عباس كياروستامى اهم مخرج
سينمائى فى العالم فى تسعينيات القرن العشرين.
ان هذا النجاح العالمى لعباس كياروستامى لا يمكن النظر اليه كتتويج
لسينما اسلامية تبنتها ايران بعد الثورة ، فسينماه ليست هى السينما الرسمية
الايرانية وربما كان هذا ايضا من عوامل الاحتفاء بعباس كياروستامى على
المستوى العالمى، لكنه ايضا ظل ايرانيا، واخرج جميع اعماله فى ايران
باستثناء فيلم نسخة موثقة.
وعلى الجانب الآخر، فان الموقف مع محسن مخملباف مختلف كثيرا، فقد كان
واحدا من رموز السينما الدينية التى تُمثل الثورة الايرانية ورؤية نظام
الملالى عن السينما، لكن مخملباف غير ولاءه من مدينة قُم الايرانية الى
مدينة كان الفرنسية، فى دلالة واضحة الى تخليه عن الثورة، وربما كان هذا
ايضا واحدا من اسباب احتفاء مهرجانات السينما بافلامه الفنية، ان هذا
الاحتفاء وصل الى حد ان مستر تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى السابق قد
ترك مهام منصبه آنذاك ليذهب الى دار عرض سينمائى تعرض فيلم (جيبة) لمحسن
مخملباف وكان يحكى عن المجتمع الرعوى فى ايران وعن نوع من السجاد معروف
باسم ( جيبة).
لقد ظهرت سينما ايرانية قوية كان صانعوها يتكبدون مشاق كثيرة لصناعتها
بعيدا عن نظام الملالى وكانت هذه الافلام تحقق نجاحا نقديا كبيرا فى
مهرجانات العالم بينما يناوءها النظام الرسمى الايرانى، ان آخر هذه الافلام
وليس الاخير هو فيلم (طلاق) او(انفصال) الذى نال جائزة احسن فيلم اجنبى فى
الاوسكار الامريكى 2012 ، كذلك يجب التنوية عن افلام اخرى مثل فيلم (الفرس)
الذى تم صناعته باسلوب التحريك فى تجربة ريادية واستثنائية، وهو فيلم يُؤرخ
لتاريخ ايران الحديث منذ عام 1978 وحتى 2009 من خلال راوية الفيلم وهى طفلة
ايرانية تنتمى للطبقة المتوسطة ويتابع الفيلم حياتها طوال هذه السنين
منتقدا بقوة نظام القهر الذى يمارسه التيار الدينى على الشعب الايرانى،
وثمة امثلة اخرى كثيرة.
ان استدعاء هذا النموذج الايرانى ربما كان ضروريا لبدء النظر الى حال
السينما المصرية على ضوء التطورات السياسية التى حدثت بعد ثورة يناير
المجيدة حيث تسيد الاسلاميون المشهد السياسى، فهل هذه مجرد مقدمات لصعوبات
قد تشهدها السينما المصرية؟
اننى اسأل هذا السؤال وثمة ما يجعلنى اشكك فى اهميته، فالثورة المصرية
غير الثورة الايرانية، والظرف التاريخى الذى اندلعت فيه الثورتين مختلفا،
فنحن الآن فى عصر الفضائيات ولن يستطيع اى نظام سياسى مهما كانت شوفينيته
ان يكبل حرية ابداع السينمائيين.
لكننى من جانب آخر اجد لزاما على ايضا ان اضع الفرض الاسوأ، وهو ان
التيار الاسلامى سوف يشتد تدريجيا وسوف يتحكم تشريعيا فى شؤؤن السينما
وفنانيها بهدف توجيه هذه السينما لخدمة هذا التيار.
عندئذ يجب ان نتوقع نفس سيناريو السينما الايرانية، ويجب ان نتوقع
اختفاء للسينما التجارية واستبدالها بسينما دعائية، واذا توافرت سينما اخرى
فانها سوف تكون برؤية ابستمولوجية حتى تستطيع ان تفلت من الصدام مع السلطة.
ان هذه السينما الابستمولوجية سبق ان ظهرت فى مصر مع ظهور يسرى نصر
الله واسماء البكرى فى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات بفيلميهما
سرقات صيفية وشحاذون ونبلاء، كما ان الفيلمين كانا بمثابة ارهاصة لسينما
مغايرة بدأت ملامحها تتشكل فى مصر، لكان الوقت كان مازال مبكرا، كما ان
فيلم سرقات صيفية ليسرى نصر الله انتمى الى سينما الهواه رغم قيمة هذا
المخرج النقدية والبحثية التى لا تسمح لاحد بالتزايد عليه , لكن فيلمه هذا
وقف بعيدا تماما عن اى جمهور بما فيه جمهور الصفوة، فعنصر التمثيل كان
مؤلما جدا بسبب لجوء المخرج الى ممثلين هواه – بسبب شح التمويل – كما انهم
لم يبذلوا جهدا فى اداء ادوارهم فجاء الفيلم ضعيفا، لكنه على ايه حال قدم
اسما جديدا لمخرج لا يتعاطى مع ميراث استاذه يوسف شاهين ، وفضل ان يستكشف
سينما خاصة به ، وصلت الى اروع تجسدها فى فيلم المدينة الذى يروق لجميع
المشاهدين سواء المثقفين ام الجمهور العادى.
اما المخرجة اسماء البكرى فقد جاء فيلمها الثانى (كونشرتو درب سعادة)
اقل مستوى من فيلمها الاول كما انحسرت مشاركتها على اخراج الافلام
التسجيلية مثل فيلمها عن الجالية اليونانية .
لكن هذه السينما الابستمولوجية دخلت فى مرحلة الموجة مع ظهور اثنين من
مخرجى السينما الحداثية مؤخرا هما ابراهيم البطوط واحمد عبد الله اللذان
حققا نجاحا عالميا لفت اليهما انظار الوسط الثقافى فى مصر حتى بات من
المعتاد ان نرى افلامهما على شاشات الفضائيات.
ان افلام هذين المخرجين لا تُدين عصر مبارك ولا تصطدم معه، وهى نفس
الصيغة التى ستستمر اذا تسيد التيار الاسلامى المشهد السياسى فى مصر،
فالسينما الحداثية اقترنت ايضا بالابستمولوجية منذ ان اعاد عباس كياروستامى
صياغة هذه الحداثية اعتمادا على ميراث الموجة الجديدة الفرنسية ، وهو ما
جعل الحداثية المعاصرة هى فى التحليل النهائى سينما ابستمولوجية.
اننى اتوقع ان تنتعش هذه السينما وان يتزايد فنانوها لان القوانين
التشريعية لن تستطيع ان تنال منها، كما اتوقع انهيار السينما المصرية
التجارية واختفاء منتجيها وفنانيها تماما، فاداه التشريع فى يد الاسلاميين
وسوف يحكمون قبضتها على السينما باجبار النساء على الظهور محجبات ومنع
الاشارات الجنسية التى تعتمد عليها هذه السينما مثل فيلم شارع الهرم – مثلا
– ومعظم الانتاج السينمائى الحالى فى مصر.
لكننى اعود واشكك فى ذلك الى ان تتضح الصورة تماما فى السنوات القليلة
القادمة.
عين على السينما في
12/04/2012
"33يوماً":
المنتصر يكتب التاريخ بأيادٍ خشنة
ويكرس الرواية الرسمية لـ"حرب تموز" سينمائياً
هوفيك حبشيان
ستّ سنوات بعد "حرب تموز"، تموضعنا السينما قبالة ما عشناه في الأمس
القريب، في لبنان، طوال 33 يوماً، ذات صيف من عام 2006 المشؤوم. انها
الرواية شبه الرسمية لما حدث آنذاك، في حرب "لو كنتُ أعلم"، من خلال شخصيات
مقيمة في قرية عيتا الشعب الجنوبية.
انها حرب اسرائيل على "حزب الله" ولبنان، شُنت بعدما اختطفت المقاومة
اثنين من الجنود الاسرائيليين لاسترداد اسرى لبنانيين. حرب جيش وترسانة
جبارة ضد مقاومين بواسل. هذا كله، كان يجب أن يُنقل الى السينما عاجلاً أم
آجلاً، وها انه يُنقل بأضخم الامكانات المادية، بإخراج وتقنيات ايرانية،
وتوزيع أدوار لبناني وببركة من اعلى المراجع في قيادات المقاومة.
مبادرة، لا يمكن الا الاحتفاء بها لو لم تنم عن فكر محافظ الى هذا
الحدّ. ثم، النيات الحسنة لم تصنع يوماً أعمالاً ذات قيمة وعُمق فنيّ. فما
بالك اذا كانت النيات سياسية والمحظورات لا تحصى؟ الجهة المنتصرة ليست
دائماً الجهة الانسب لتروي قصتها. قراءة التاريخ تحتاج الى قفازات لا الى
أيادٍ خشنة، وهذا ما لا يملكه دائماً مَن كان على خطوط النار. الخيط الذي
يفصل الفنّ عن الدعاية رفيع جداً، وعلى المخرج المؤلف، وهو صاحب العمل
الأول والأخير والمسؤول المعنوي عنه، أن يعرف كيف يروّج للفكرة قبل أن
تقفز، من تلقاء ذاتها، ومن دون مساعدة أحد، الى أحضان البروباغندا. وقبل أن
تقع في مخالب التوظيف العقائدي.
جمال شورجة، مخرج "33 يوماً" لم يتجنب هذا: فهو يدرك حدود موضوعه،
والقيود التي يعمل ضمنها، والمجال الضيق الذي حظي به لطرح حكاية كان عليها
ان تتضمن: تفاصيل أكثر، مناطق رمادية، تناقضات، شدّ حبال بين الشكّ واليقين
وبين ما هو معلوم وما بقي عالقاً في الخفايا. لذا جاءنا بفيلم يفتقر أولاً
الى وجهة النظر. وثانياً الى القدرة على الاقناع. وثالثاً يعجز عن الارتقاء
بالواقع، الذي هو احدى وظائف السينما. ما نطلبه من فيلم روائي الا يلقننا
درساً في التاريخ، والا يضع أمامنا جملة بديهيات لاكتها الألسنة. السينما
ترتفع بالأشياء والكائنات الى مصاف الذهن، فوق مستوى العين. كتب غودار: من
أجل أن تشاهد التلفزيون عليك أن تخفض النظر، أما اذا اردت مشاهدة السينما
فعليك أن ترفع الرأس. هذه سينما لا ترفع الرأس، لأنها، تحديداً، انجزت لهذا
الغرض، ولهذا الغرض فقط: رفع الرأس. هذه السينما لا تلسع في أي مكان من
الرأس ولا تتحول "بحصة في حذاء"، كما كان يريد لارس فون ترير. لأن الفيلم
انجز ليريّح، ليفرغ الاحتقان، ليغدو لسان حال جهة لا تخفي رأسها تحت الرمال.
نحن أمام فيلم باهت على كل المستويات. ساعة ونصف الساعة من عمل يجد
صعوبة في الاقلاع. وعندما يتم الاقلاع، لا نذهب الى حيث يستحق الذهاب اليه،
بل نبقى في حلبة فيلم المقاومة، المصوغ بعضلات مفتولة، هي، هنا، الكمية
الكبيرة من مشاهد القصف والدمار والانفجارات التي لا تهدف الا لسدّ الفراغ
المروع الذي يعاني منه السيناريو، طامة الفيلم الكبرى. كان يمكن قول المزيد
مثلاً، داخل غرفة واحدة مع اصوات القنابل المتأتية من الخارج. كلما اتسعت
الرؤيا ضاقت العبارة. الاستعراض البصري هنا عملية ماكياج لنصّ مدجّن لا
يملك ما يعلنه عن الحرب، سوى انها "حرب ربحها البواسل لأنها محقة". هذه
ثابتة لا تحتاج الى فيلم. انها فكرة تصلنا سواء عبر سلوك المقاومين أو حتى
على لسان ضابطة اسرائيلية (دارين حمزة) تنصف الجهة الاخرى. أوكي على هذا
كله. أما أن تشبع القضية بخطاب ديني من نوع "الله معنا" انسجاماً مع فكرة
"النصر الالهي"، فهذا يجعل من الفيلم اضحوكة تقضي على كل احتمالات قبضه على
محمل الجد.
ينتهج الفيلم اسلوباً أميركياً في التصوير ويقدم لقطات مشبعة
بالموسيقى التصويرية. لكنه اسلوب انتهازي وشديد الانتقائية والسطحية: هذا
الـ"ستايل" يتمركز في الحركات البانورامية التي تتيحها رافعة الكاميرا
مثلاً، وهي حركات غالباً ما نراها في أفلام الوسترن. وهي تُستخدم هنا من
دون مسوغ، في ديكورات شيدت خصيصاً من أجل الفيلم. ينعكس الاسلوب المتأمرك
ايضاً في النحو الذي تُقدَّم به شخصية العقيد الاسرائيلي (بيار داغر) الذي
ما ان يدخل الكادر، للمرة الاولى، حتى يضع رجليه على الطاولة، ككاوبوي في
فيلم لسام بكينباه.
يصون النصّ صورة المقاومين بشتى الطرق، جاعلاً منهم انصاف آلهة،
ويجردهم من انسانيتهم. لا نرى أيّاً منهم إلى مائدة طعام، والوداعات بينهم
وبين نسائهم لا قبلة فيها، حتى حينما يكونون معهنّ داخل جدران اربعة،
لضرورات التملق لأدبيات المقاومة. لا نصدق لدقيقة واحدة أن كلا من باسم
مغنية ويوسف الخال، يمكن أن يزحفا في الوحل أو أن ينصبا كميناً. مشكلة
قميص، مشكلة تسريحة، مشكلة حوار، مشكلة لكنة: "آني هلأ تأكدت انه انتِ الي
أكثر من أي وقت"، يقول المقاوم لعروسه المتأففة. هذا كله يحدّ من امكان
التوحد معهم.
في المقابل، يحرص الفيلم على اظهار الضابطين الاسرائيلين اللذين يركز
عليهما بصورة "ذلك الشرّ الذي لا يمكن الدخول الى اعماقه"، مراهناً على
انعدام القضية عندهما والعقدة ازاءها. من خلال الصراع الذي سيجري بينهما،
يري الفيلم الشرخ الحاصل في صفوف الجيش الاسرائيلي، كما انه يضعنا أمام
جيلين: جيل يملك نظرة تقليدية للكيان الاسرائيلي، كيان يعتقد نفسه فوق
النقد، وآخر يدعو الى اعادة النظر في أشياء كثيرة. لكن في مجمل الأحوال،
تتعامل الكاميرا معهما باعتباطية شديدة واستعجال، حتى عندما تقول الضابطة:
"كل واحد منهم يساوي مئة من جنودنا، هؤلاء يضحون في سبيل بعضهم البعض،
هؤلاء لديهم عقيدة. عار علينا هذا الشيء".
في السينما، لا تجري الأمور كما تجري في الحياة. فمنح العدو بعض
الانسانية لا يعني منحه صك براءة أو اسباباً تخفيفية. واحد من أنجح الأفلام
عن هتلر هو "السقوط" (2004) لأوليفر هرشبيغل، لأنه لم يسعَ البتة الى أبلسة
الفوهرر، بل التأكيد انه لم يكن انساناً بدرجة اقل من غيره. وهذا ما يُرعب
في تجربته. النصّ المتهافت يعكس عدم كفاية فظيعة. ثمة كسل في الذهاب خلف
الأسلاك الشائكة للنظر في عمق التجربة الحربية. ما هي المقاومة؟ ما هو
الوطن؟ لِمَ نحارب؟ ما هي الحرية؟ كلها أسئلة لا يُعنى بها النصّ، ولا
يكلف المخرج نفسه عناء طرحها، مكتفياً بدراما مثقلة بالرموز. ويعلم مَن
يعلم ان الاشارات ليست دائماً خير صديقة السينما. فهي تهطل علينا كمطر
ساخن، من كل حدب وصوب. في بداية الفيلم مثلاً، هناك زواج يجهض بسبب اندلاع
الحرب. وفي نهايته ثمة طفل سيأتي الى الحياة. الحرب ستشتت الجميع وتفرقهم.
انه الامل الذي يقف. انها الحياة التي ستقول كلمتها في زمن العدوان.
فات المخرج أن هذا الرمز (الولادة والزواج)، كما كل رمز آخر، لا يمكن
الاعتماد عليه، فما بالك اذا كانت رموزاً تقليدية؟ ماذا يريد أن يقول لنا:
إن الحرب نقيض الحياة؟ في كل حال، هذا لا ينسجم مع خطاب فيلم يمجد الشهادة.
يموت المقاوم وتموت زوجته وهي تضع مولودها. مع القليل من سوء الطالع،
سيتحول الابن مقاوماً ويعلق صورة أبيه في صدر المنزل. وهنا، يختار المخرج
أن ينهي فيلمه، ينهيه حيث كان يجب أن يبدأ. وعلكيم السلام.
النهار اللبنانية في
12/04/2012
الرَّقابة لم تتأثَّر بالسلفيين ولا حذف من الأعمال القديمة
أحمد عدلي من
القاهرة
يبدو أنَّ ما تردَّد عن قيام الرَّقابة بحذف عدَّة مشاهد من أفلام
سينمائيَّة قديمة لا أساس له من الصِّحة، وسط تأكيدات بعدم تأثر الرَّقابة
بصعود الأخوان والسلفيين إلى سدَّة الحكم بعد حصولهم على الأغلبية في
البرلمان المصري الذي انتخب بعد الثَّورة.
القاهرة: بعد
اندلاع ثورة 25 يناير ونجاحها في أثناء مبارك عن الحكم، نشرت أخبار
تداولتها الصحف حول قيام الرقابة في التلفزيون بحذف مشاهد القبلات في
الأفلام السينمائية القديمة، وهو ما تم نفيه من قبل مسؤولي التليفزيون
المصري وقتها، الا ان هذه الاخبار عادت مجددًا لتتصدر الواجهة.
إمتنع مسؤولو الرقابة في التلفزيون عن الإدلاء بأي تصريحات رسمية بسبب
تعليمات عليا من وزير الاعلام، إلا أن مصادر قالت لـ"إيلاف" إن ما يتردد
ليس اكثر من اشاعات لا اساس لها من الصحة بدليل أن ما يذاع من اعمال قديمة
يتم من دون حذف.
وأكدت المصادر ان الرقابة في التلفزيون معنية فحسب بالاعمال الجديدة
التي ستعرض على التلفزيون خلال الفترة المقبلة، وليس لها علاقة بالاعمال
القديمة التي تعرض، مشيرة الى ان الرقابة في التلفزيون ستباشر عملها في ما
يتعلق بالدراما الرمضانية خلال الفترة المقبلة.
وعن منع فيلم "ابي فوق الشجرة" قال المصدر ان الفيلم ممنوع منذ طرحه
في دور العرض وهو ما جعله يستمر سينمائيًا حتى بداية انتشار الفضائيات،
وذلك بسبب القبلات الكثيرة التي يحتويها، موضحًا ان قرار المنع ليس جديدًا
على التلفزيون ولا علاقة له بالاخوان والسلفيين.
من جهته، قال الدكتور سيد خطاب رئيس هيئة الرقابة على المصنفات الفنية
لـ"إيلاف" إن الرقابة لم تتأثر بصعود التيار الاسلامي لان عملها تحكمه
قواعد وقوانين، موضحًا أن حرية الابداع بالنسبة إلى الرقابة خط أحمر وانهم
يعرفون جيدًا ما يجب تقديمه وما يجب حذفه.
وأوضح خطاب ان الدليل على كلامه اجازة غالبية الافلام على موافقة
للعرض من دون ان تكون عليها ملاحظات رقابية ومن بينها فيلم "على واحدة ونص"
الذي كتبت الصحافة عنه كثيرًا، لافتًا الى ان الاخوان والسلفيين ليس لهم
علاقة بعملهم لان مصر بلد الفنون ولا يعقل ان تتحكم فئة في صناعة الفن.
وكشف الدكتور محمد العدل عضو جبهة الابداع لـ"إيلاف" عن اجرائهم
اتصالات هاتفية مع مسؤولي التلفزيون للتأكد من صحة حذف بعض المشاهد من
الافلام القديمة وثبتت عدم صحتها، مؤكدًا ان جبهة الابداع سترفض اي حذف
للاعمال الموجودة في الارشيف لانها ملك لأصحابها وليست ملك أحد آخر.
وأوضح أن تأسيس جبهة الابداع تم لمواجهة اي محاولة من التيارات
الدينية للتأثير فيها، موضحًا أن هذه الحرية التي تم اكتسابها على مدار
السنوات لا يمكن لاي فئة ان تسحبها حتى لو كانت اغلبية في البرلمان او
اصبحت سلطة حاكمة.
إيلاف في
12/04/2012
طلبت منه كتابة السيناريو لها
كوستنر: الأميرة ديانا كانت ستقوم ببطولة الجزء الثاني من
فيلم «ذا بودي غارد»
كشف الممثل الأميركي كيفين كوستنر أن الأميرة الراحلة ديانا مطلقة ولي
العهد البريطاني الأمير تشارلز كانت بدأت محادثات للقيام ببطولة الجزء
الثاني من فيلم «ذا بودي غارد» (الحارس الشخصي) قبل وفاتها.
واعترف كوستنر في حوار أنه كان حريصا على قيام أميرة ويلز الراحلة
بدور البطولة في الجزء الثاني.
وقال كوستنر في حوار مع الإعلامي الأميركي اندرسون كوبر تحدثنا «أنا
وديانا بشأن الفيلم وأخبرتها أنني سأعتني بها مثلما اعتنيت بويتني».
وأضاف: «عندما توفيت تصدرت أخبارها في وسائل الإعلام وكنت أعرف أن نبأ
اعتزامها المشاركة في الفيلم قصة مشوقة ولكنني التزمت الصمت حتى علم صحافي
ماهر بهذا الأمر منذ عام وجاء لي وقلت نعم هذه قصة حقيقية».
وقال: «ليس أنها كانت ستقوم بالبطولة ولكن أننا تناقشنا بهذا الشأن».
وأشار كوستنر الذي تحدث سابقا عن نوايا ديانا تمثيل فيلم عام 2001 إلى
أن ديانا أرادت أن يكتب الفيلم لها وأنه قال «سوف أفصله لك إذا كنت مهتمة».
وردت عليه «إنني مهتمة».كما تحدث كوستنر الذي يروج لمسلسله «هاتفيلدز
وماكويز» في البرنامج الحواري عن الموت المفاجئ للمغنية وزميلته في فيلم
«بودي غارد» ويتني هيوستن وقال إنه حاول مساعدتها بكتابة خطابات لها.
قال: «هناك بعض الأشخاص الذين أحبوا ويتني وطلبوا مني خلال السبعة أو
الثمانية أعوام الماضية كتابة خطاب لها». وأضاف: «سوف تظل ويتني شخصا أقدره
لقد رأيت ما رآه غيري ولكن عندما طلب مني شخص كتابة خطاب فعلت ذلك ولا أعلم
ما إذا كانت قد قرأته».
الشرق الأوسط في
13/04/2012 |