"عرس الآخرين"، و"محاكمة امرأة"، و"الغرفة السوداء"، و"فين ماشي يا
موشي"، و"المنسيون"، هي بعض من أعماله النابعة من أعماق المجتمع، والمعبرة
عن هموم ومعاناة الشعب المغربي.
إنه المخرج المغربي حسن بنجلون، الذي حاز العديد من الجوائز الدولية
والوطنية، وأصبح من أهم المخرجين المغاربة، عن ترأسه للجنة تحكيم مهرجان
سطات لسينما الهواة، باعتباره واحدا من أبناء سطات، الذين طبعوا المشهد
السينمائي المغربي، وعن مشاريعه المستقبلية، وٍرأيه في السينما المغربية
يفتح بنجلون قلبه لقراء "المغربية "في هذا الحور.
·
ماذا عن مشاريعكم المستقبلية،
وتحديدا أين وصلت مراحل الإعداد لـ"القمر الأحمر"؟
انتهينا من "الكاستينغ"، وسيبدأ التصوير يوم 17 ماي المقبل، لمدة ستة
أسابيع ونصف الأسبوع، ومن المنتظر أن يجري تصوير الفيلم في مدن
الدارالبيضاء، والقصر الكبير، والرباط، وطنجة، وسطات، والقاهرة.
وسيشارك في هذا العمل السينمائي الطويل، الذي تدور أحداثه حول الراحل
عبد السلام عامر، نخبة من أجود الممثلين المغاربة، وأتمنى من الله التوفيق،
لأن الفيلم يتطلب إمكانيات هائلة وتنقلات وأسفارا متعبة وممتعة في الآن
نفسه. الفيلم يتطرق إلى أربع مراحل من حياة عبد السلام عامر 1939- 1979.
·
لماذا وقع اختياركم على شخصية
الراحل عبد السلام عامر؟
لأنه يستحق ذلك، فهو موسيقار كبير وفنان من أجود ما جادت به الساحة
الفنية والعربية، ولا مثيل له في العالم العربي، من حيث إبداعه المتفرد، من
جهة، ولأن حياته اقترنت بالأحداث التي طبعت تاريخ المغرب المعاصر، وهذا هو
السبب والدافع الأساسي، الذي جعلني أفكر في اختيار الراحل عبد السلام عامر.
·
من سيلعب دور البطولة؟
لا يخفى على الجمهور الفنان المبدع والمتميز الأستاذ عبد الفتاح
النكادي، وهو المؤلف الموسيقي، الذي اقتنعت بقدراته الفنية لتجسيد هذا
الدور، وأشير هنا إلى أن النكادي، الذي سيؤدي دور عبد السلام عامر فنان
مغربي متميز، أنا مرتاح جدا للتعامل معه للمكانة التي يحظى بها هذا الفنان
في قلوب الجمهور المغربي، إذ استطاع أن يشق طريقه الفني بصمت ويوصل
إبداعاته لكل الناس بعد معاناة كبيرة. وللفنان النكادي تكوين موسيقي
أكاديمي غربي، وكنه استطاع أن يمزج بين ما هو غربي وما هو محلي فأنتج
موسيقى رائعة شدت اهتمام عموم الناس، وصفق لها العارفون بأسرار الموسيقى.
·
كيف ترون مستقبل السينما، في ظل
الحكومة الحالية ؟
أتمنى من الله ألا يكون هناك تراجع عن المكتسبات التي راكمها المغرب
في ظل الحكومات السابقة، ويبدو لي أن هذه الحكومة منفتحة ولها أرادة قوية
في الاشتغال على القضايا الكبرى للوطن والمواطن.
·
ماذا عن دعم القاعات السينمائية؟
سيجري دعم القاعات السينمائية من طرف هذه الحكومة كما سيجري دعم 200
فيلم كل سنة، وهذا مهم جدا كذلك، لأن 200 "تيلي فيلم" عبر كل القنوات
المغربية سيخلق نشاطا وحركة فنية، وفرصا للعمل في الوسط الفني، وأعتقد أن
هذا كذلك شيء جيد جدا.
·
باعتباركم ابن مدينة سطات، ما هو
تقييمكم لهذه الدورة من المهرجان؟
أظن أنها ناجحة بكل المقاييس، وأول شيء نلاحظه جميعا داخل هذه القاعة
هو امتلاؤها عن آخرها والجمهور، ما يزال واقفا لم يجد مقعدا فارغا، وآخرون
مازالوا يتوافدون على هذه القاعة الوحيدة بالمدينة، وهذا شيء يثلج الصدر
ويحفز الشباب على التعاطي مع الثقافة السينمائية.
·
ذكرتم في الدرس السينمائي الذي
قدمتموه في إطار فعاليات الدورة السادسة للمهرجان، مرحلة تاريخية معينة، ما
مدى انعكاس هذه المرحلة على أعمالكم السينمائية؟
بطبيعة الحال تلك المرحلة كانت بداية سنوات الرصاص، كانت مرحلة صعبة
تركت عدة آثار في نفوس كل المغاربة، خاصة الشباب، الذين كانوا على وعي بذلك
الوقت. وتجلى هذا بشكل واضح وجلي في فيلم "درب مولاي الشريف".
·
ماذا تقول لشباب هذا المهرجان؟
المهرجان هو لكل الشباب، أود بهذه المناسبة أن أتوجه لهذه الفئة من
المجتمع وأحثها على المثابرة والصبر والصدق في العمل، حتى يواصل مسيرته
الفنية.
الصحراء المغربية في
18/04/2012
وينسلت ترفض تصويرها قبل مغادرتها القاهرة بعد جولة سياحية
محافظ الأقصر : إشاعة إختفاء الممثلة البريطانية كيت وينسلت
إشاعة مغرضة
الاقصر أ.ش.أ : غادرت القاهرة اليوم النجمة البريطانية كيت وينسلت
بطلة فيلم "تيتانيك" متوجهة مع أسرتها إلى لندن بعد جولة سياحية شملت زيارة
المعالم الأثرية بالقاهرة والأقصر وأسوان في إطار من السرية التي حرصت
عليها منذ وصولها.
وكانت الممثلة البريطانية قد عادت من أسوان بعد جولتها السياحية للسفر
علي طائرة "بي إم آي" البريطانية المتجهة إلي لندن حيث كان برفقتها زوجها
وطفليها، ورفضت التصوير قبل صعودها للطائرة، وقالت لرجال الإعلام "أرجوكم
إبتعدوا حرصا على مشاعر طفلي لأنهما شعرا بالخوف".
وحرصت شركة السياحة المصرية التي نظمت رحلة "وينسلت" برفقة زوجها
وطفليها على فرض إطار من السرية على الزيارة حيث قامت بزيارتها في سرية
تامة مماتسبب في تردد شائعات بإختطافها خلال زيارتها لجنوب البلاد.
وذكر مندوب الشركة السياحة الذي أنهى إجراءات سفر الممثلة العالمية في
مطار القاهرة أن "وينسلت" أشترطت خلال زيارتها على شركة السياحة المرافقة
لها بعدم إرهاقها وإرهاق طفليها إعلاميا، حيث جاءت إلى مصر للتمتع بمعالمها
السياحية فقط كماحرصت علي رفض التعامل معها خلال تواجدها مع أسرتها
باعتبارها فنانة عالمية، وتحب أن تكون مجرد أم وزوجة لذلك طلبت السرية خلال
رحلتها وعدم إبلاغ الإعلام.
وقال: إن الإعلام كان وراء شائعة الإختطاف التي لم يكن لها أي أساس من
الصحة، وأنها كانت سعيدة طوال رحلتها والتقطت العديد من الصور التذكارية
وستروي ذلك لأصدقائها عند العودة.
وفى ذات السياق وصف محافظ الأقصر الدكتور عزت سعد ما تردد عن إختطاف
النجمة بأنه إشاعة مغرضة مناشدا وسائل الإعلام بتوخي الدقة والتأكد من نقل
الأخبار التي قد تعود بالضرر على مصر ، وبخاصة في هذه الفترة الحرجة التى
تمر بها البلاد.
وتساءل المحافظ قائلا " هل صاحب هذه الإشاعة الممثلة أو مدير أعمالها
..لتكون دعاية لها ؟!! أم أن هناك مغرضيين لهم رغبة في عزوف السائحين عن
القدوم إلى مصر بعد أن بدأت السياحة تسترد عافيتها ..وبخاصة بعد مهرجان
السينما الأفريقية ؟.وأوضح أن أهالي الأقصر يخافون على زوارهم الأجانب مثل
خوفهم على أبنائهم ، وأنه رغم الأحداث التي تمر بها البلاد فلم يسمع من قبل
عن حالة اختطاف لأى من السياح بالمحافظ.
وأردف قائلا إنه خلال مهرجان السينما الأفريقية الذي تم تنظيمه الشهر
الماضي بالأقصر ، كان الممثلون والنقاد والمخرجون يخرجون ليلا ونهارا بدون
حراسة أمنية ، وكان منهم من يمارس الرياضة اليومية بعد الفجر ..وأنهم
غادروا المحافظة في أمان.
ولفت إلى أن الممثلة (كيت وينسلت ) كانت قد وصلت إلى الأقصر في زيارة
خاصة يوم الجمعة الماضي، وقامت بزيارة المناطق الأثرية والسياحية بالبر
الغربي والشرقي ، وأقامت ليلة في الجناح الملكي بفندق "الونتر بالاس"
التاريخي ..وفي اليوم التالي بدأت رحلتها إلي أسوان عبر النيل..مضيفا "أننا
عرفنا من الشركة المنظمة للرحلة أنها قد طلبت أن تكون رحلتها السياحية لمصر
خاصة ، وأنها ترغب في عدم الكشف عن وجودها ورغبتها في إتمام الزيارة في
هدوء".
الشروق المصرية في
18/04/2012
الناقد وإشكالية تعريف مصطلح النقد السينمائي
عصام الياسري
استضاف منتدى بغداد للثقافة والفنون في برلين ـ الذي تأسس في أواسط
عام 2010 ويسعى إلى تأسيس فضاء ثقافي، ويفتح ذراعيه لاحتضان المساهمات
الإبداعية ومد الجسور من اجل تلاقح الأفكار وتنمية الحوار ـ مؤخراً الناقد
السينمائي المعروف محمد رضا في ندوة فكرية موسومة "حاضر النقد السينمائي"،
الموضوع الذي يتعلق بواحد من أهم الفنون" الفيلم" في حياة المجتمعات. ألا
أن النقد السينمائي لم يعد يقتصر على نخبة من النقاد المحترفين المتخصصين،
إنما دخل على هامشه من يجهلون تعريفه وحتى مناهجه البليغة.
والناقد السينمائي محمد رُضا لبناني المولد كتب النقد وهو في السادسة
عشرةمن عمره وأصبح محترفاً من العام 1969 حين أسندت إليه مهمّة الكتابة في
صحيفة يومية لبنانية أسمها "المحرر". في عام 1971 حقق وثلاثة من الأصدقاء
أربعة أفلام صامتة على هيئة كوميديات السينما الهوليوودية في العشرينات، ثم
أسس، مع المخرج جورج شمشوم والناقد أدغار نجار أول مجلة سينمائية لبنانية
"فيلم". غادر لبنان مع بدء الحرب الأهلية وحط في باريس ثم لندن حيث واظب
على إصدار "كتاب السينما: الدليل السنوي للسينما العربية والعالمية" من
العام 1984 وترأس تحرير مجلة "الفيديو العربي" وهو يكتب الآن صفحتي السينما
في كل من "الخليج" و"الشرق الأوسط". إلى جانب ذلك عمل مستشاراً لمهرجان دبي
السينمائي ومدير مسابقته، وكتب سيناريوهات وقدّم من إنتاجه وكتابته برامج
تلفزيونية عن السينما0 شارك في الكثير من المهرجانات العالمية وله العديد
من الإصدارات والمنشورات الهامة وعضو ثلاث جمعيات نقدية كما لديه مجلّتان
أَلِكْتِرُونِيَّتَانِ.
الحديث في موضوع النقد ونحن نتحدث هنا حصراً عن "النقد السينمائي"،
موضوعهام، سيما وإن دراسات علمية حول تعريفه بشكل دقيق، نادرة، أو تكاد أن
تكون في أغلب الأحيان قاصرة. وهناك ثمة اعتبارات لا تزال تقف عائقاً أمام
تطور أساليبه، أهمها: افتقار مراكز الأبحاث والأكاديميات والمعاهد
السينمائية على المستوى العربي إلى أقسام تخصص عصرية، وندرة المحترفين في
هذا المجال وإناطة مكاتب خاصة بهم في دور الصحافة والإعلام، الأمر الذي
أتاح لغير الحرفيين الذين يجهلون الفرق بين النقد والتحليل ولا يملكون
مهارات، يمارسون النقد دون أن تكون لديهم الكفاءة والاختصاص.
تساءل الناقد محمد رضا في مستهل الندوة: هل لا يزال النقد السينمائي
العربي أو العالمي ضرورياً في عصر التكنولوجيا ولماذا؟. وهل النقد إبداع ـ
أم غير إبداع؟. ألا أنه أجاب: لا أستطيع أن أحكم على ذلك، بقدر ما أجزم
بأنه خط فاصل بين الفيلم والجمهور.
ثم عرج لإيجاد مقاربات لتفسير فلسفة "النقد السينمائي"، وإشكالية
تعريف مصطلح "النقد"؟ ومن هو "الناقد"؟. وكلا التعريفان كما يقول مازالا
يثيران جدلاً فكرياً متصاعداً بين نقاد السينما العرب في وسائل الإعلام،
وكلمة "نقد" كما هو دارج في اللغة العربية، تعريفغير متوازن، ولا يتواءم مع
دلالات المصطلح في اللغات الأخرى كالإنكليزية والفرنسية والألمانية وغيرها،
حيث لا توجد مثل هذه المشكلة اللغوية، بين تعريف المصطلح ومصدر الكلمة. إذن
ما هو النقد ككلمة ومن ثم كمفهوم؟. أصل الكلمة لا يعني ما تعنيه اليوم. ليست هناك كلمة مرادفة والصياغة المعمول بها
تعني الإشارة إلى ما هو سلبيـ
حسب الكلمة ذاتها…
نقده بالعربية: أي دفع له، ونقده بالدارجة أي انتقد ما عليه.
قراءة الفيلم
أما الناقد كما يفسره المحاضر، فهو مَن يقوم بقراءة "الفيلم" قراءة
معرفية تتجانس مع اختصاصات مهنية وفكرية من حيث الدقة والموضوعية. كذلك هو
من يؤول على نفسه مشاهدة كل الأفلام بصرف النظر عن هويّتها ونوعها وما
يعجبه وما لا يعجبه.
من يتبحّر في ماضي السينما كما في حاضرها،
ويفهم في العناصر المكوّنة للفيلم، الفنية والتقنية والفكرية، ويستطيع قراءة الفيلم ليس بطروحاته الفكرية
أولاً بل بما يتألّف الفيلم مهنياً وفنياً. والمهم كما يقول: من يتمتّع برؤية إنسانية
ومهمّـة من النوع ذاته يراهما أساسيين للحياة على الأرض0
ما هو النقد السينمائي؟ هل هو عملية إبداعية؟ هل هو عملية ضرورية؟ من
يحتاج إلى الناقد والنقد؟ على هذه التساؤلات يجيب محمد رضا: كلها تتمحور
حول حقيقة أن العمل النقدي عمل في الأصل غريب وغير منخرط بين الأعمال
الثابتة والقائمة على حرفيات محددة كالإخراج والتمثيل والتصوير الخلكنه عمل قائم بلا ريب يرتاده حالياً عديدون ولو
أن معظمهم لا يعرف الكثير عن السينما لينقد فيها.. إذا ما كان ضرورياً فإنه
ليس ضروريا بمجرد طرحه، بل باستكشاف وظيفته التي هي اتخاذ خط وسطي يقع على
مسافة واحدة من العمل الإبداعي والجمهور،
توفير المعلومات الكاملة للمشاهد وتركه يختار. بذلك، تثقيفه لأجل أن يكون
مشاهداً أفضل وناقداً مستقلاً.
لكن هل النقد رأي؟ يقول هو أبعد ما يكون عن مجرّد رأي. هو علم ومعرفة يفلترهما الناقد في صياغة عليها
أن تتوجّه إلى جميع القراء بمختلف مستوياتهم بوضوح مهما كان الفيلم خاصّاً. كل إنسان لديه رأي. ما يميّز الناقد أن لديه المعرفة. "مع تحفظي على كلمة فِلتر. حيث لها مرادف أفضل
بالعربي، لا أعرف لماذا لم يستعملها؟ كاتب المقال" ويستدرج الناقد إلى
القول: علينا أن ندرك ما تفعله التكنولوجيا الحديثة بالنقد السينمائي.
ما فعلته هنا هي ما تفعله في كل مكان: تذويب الهوية الفردية إلى ذات تستطيع أن تشترك
في الكتابة وإبداء الرأي من دون مرجعية أو معرفة، وبالتالي تذويب الهويّات
الثقافية والوطنية إلى مفهوم القرية الكونية. هذا دفع بالعديد من الكتبة الحديثين إلى
الانتشار ما أسهم في تعميم النقد الناقص مقابل النقد الصحيح والتشويش على
استيعاب الجيل الجديد لماهية المطلوب والدور المناط بالنقد.
ولعلي بناءً على كل ما أورده الناقد محمد رضا أن أقول: إن تحليل
الفيلم في إطاره "النقدي" هو إجراء مختبري لتفكيك الصور المتحركة أي "عمل
الكاميرا"، بمعنى تفسير "نقاد السينما" لأحداث الفيلم وصناعته، لا إعدادهم
بروتوكولات.. أو بمعنى آخر هو اللحظة الحرجة لتقييم جودة الفيلم والتركيز
على عوامل الجذب فيه.
مع بداية النهضة التجريبية الأولى لإنتاج الأفلام، كان النقد
السينمائي في بداية القرن العشرين لم يصل بعد إلى مستوى من الأهمية. لكن
عندما بدأت الأفلام الدرامية تظهر وتكون من الناحية الفنية والتقنية أكثر
تعقيداً، ونزوع الفيلم بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية للانتقال من لغة
الخطاب إلى الاهتمام بالجوانب الجمالية، حيث كان انتقاد الفيلم في كثير من
الأحيان أداة للفكر السياسي والعقائدي، أصبح المشروع النقدي للأعمال
السينمائية مع موجة التغيير الجديدة لمفهوم الفيلم بشكل عام أكثر رَوَاجًا،
كما أفرز على المستوى العالمي نخبة من الكتاب للتخصص والاتجاه لممارسة هذا
النوع من العمل الصحفي ليصبحوا "نقاد سينما" محترفين في وسائل الإعلام. لكن
ما الذي قادهم لمثل هذه المهنة التي تتطلب الكثير من المتابعة والجهد؟.
أعتقد السبيل كان غايته ثلاثة أهداف: رغبة الناقد بناء علاقة ثنائية بين
الفيلم والمتلقي، إيجاد تمايز بين "توثيق الفيلم" وأوجه المقارنة في أساليب
الإنتاج، صحفياً كشف معايير الفيلم الفنية القيّمة وأهمها اللغة البصرية
والنص والحركة لإشباع فضول المتلقي إبداعياً.
إذن مهمة الناقد الرئيسية عند تناول الفيلم بالمستوى اللفظي والنقد
السينمائي المثالي، بالإضافة إلى تفسير خصائصه الجمالية والتعبيرية
والبنيوية المتنوعة، التصدي لمعلومات الفيلم وبياناته الإنتاجية والمرجعية
"البلد المنتج"، نوع وطول الفيلم، رجال الكاميرا، أسلوب التصوير، المخرجين
والممثلين والمنتجين، علاوة على الخبرات والمهارات التي يمتلكها طاقم
الفيلم من أليفه إلى يائه، وبالتالي، وهو المهم، ستصبح هذه التفسيرات
والتقييمات وسيلة لتواصل الفيلم مع الجمهور. وسوف يكون ناقد الفيلم وسيطا
بين المنتج والمستهلك وانتقاد الفيلم جزء من الصفقات بين المجتمع والسياسة
والاقتصاد.
والنقد السينمائي من وجهة نظري، بالإضافة إلى كونه حرفة وحلقة الوصل
بين السينما واندفاع الناس إليهاهو وسيلة لتقييم مقومات الفيلم الأساسية:
السيناريو والتصوير والمونتاج، أيضاً إضاءة جوانب الفيلم "البنيوية" على
قاعدة الدفع باتجاه الإثارة والتأمل، كما يُعتبر النقد أحد مكونات صناعة
"السينما" الفيلم وتسويقه. وإذا كان النقد السينمائي يعتمد الموهبة، فعلى
الناقد ألا يوغل في وصف "النقد للناقد" عندئذ يصبح النقد من الناحية
المعرفية والإعلامية لا قيمة له ولا ينسجم مع رغبات المتلقي واهتماماته.
عليه أن يقوم بترتيب الوصف وتفسير قيّم الفيلم المفصلية، الفنية
والجمالية، كجاذبية الظل والحركة أو الرمزية والانفعالات النفسية
والاجتماعية والسياسية، ليتسع النقاش ليس بين الحرفيين وأصحاب الاختصاص
وحسب، إنما بين القراء أيضا.. ويبقى "النقد السينمائي" بما في ذلك الحديث
أو استعراض فيلم ما في وسائل الإعلام كالصحف والمجلات أو الراديو
والتلفزيون، عمل صحفي اختصاصي له من الأهمية التنويرية في الحياة
السينمائية والمجتمع.
عين على السينما في
18/04/2012
ألعاب الجوع: الفاشية بكامل مجدها
هند هيثم
لم أكُن من المتحمسين لسلسلة "ألعاب الجوع"Hunger
Gamesمن
قبل. كانت إعلانات الفيلم قد أخذت في الظهور في دور السينما مُنذ الخريف
الماضي، وكُنت غالباً ما أرى إمّا صورة البطلة، كاتنِس إيفردين، ممسكة
بالقوس والسهم، أو شعار السلسلة، طائر قيق يتخذ هيئة العنقاء قابضاً على
سهمٍ في مخالبه، وحوله دائرة من نار. لا أعرف لِمَ لَم يبدُ لي هذا جذاباً،
رغم أنّه يُذكرني بقصةٍ كتبتها في طفولتي عن ملكةٍ بارعةٍ في التصويب
بالسهام. لم أشعر برغبةٍ في التساؤل عن مضمون "ألعاب الجوع"، وبدا لي الأمر
برُمته محاولة عاجلة لإيجاد خليفةٍ لسلسلة "توايلايت"، بالطريقة نفسها التي
خلفت بها "توايلايت" "هاري بوتر". ولمّا لم يكُن بيني وبين سلسلة
"توايلايت" (عمار)، فإنني كُنت آخر من يكترث بالسلسلة التي تخلفها.
غير أن ليلة الجُمعة تحتل مكانة فريدة في جدول الدارسين في الولايات
المتحدة الأمريكية. إنها الليلة السحرية بين الدراسة والإجازة: الليلة التي
تختلط فيها آمالُ الإجازة بكآبة الأسبوع وإدراك قِصَر نهاية الأسبوع. إنها
الليلة التي تُعرض فيها الأفلام الجديدة في صالات السينما، والليلة التي
توفِر فيها الجامعة وسيلة نقلٍ إلى صالة السينما التي تقع في مدينةٍ
مجاورة.
هكذا، وجدتُ نفسي بصحبة طُلابٍ آسيويين لم أرهم من قبل - ومن المُرجَح
ألاأراهم بعدها أبداً - في سيارةٍ تحمل شعار الجامعة، مُتجهين إلى سينما
ريف لحضور العرض المسائي الأخير. كان فيلم "ألعاب الجوع" قد أُطلِق
الأسبوع الماضي، وحظي باستقبالٍ حافل في شُباك التذاكر، إذ حقق نسبة
مبيعاتٍ تجعله يُنافِس سلاسل شهيرة مثل "هاري بوتر" و"قراصنة الكاريبي"،
خصوصاً وأنّه لم يصدر في هيئة ثلاثية الأبعاد، مما يعني أن إيراداته لم
تُضخَم. (سعر تذكرة الأفلام ثلاثية الأبعاد ضعف سعر تذكرة الأفلام العادية،
ما يعني أن أي فيلم ثلاثي الأبعاد يحتاج إلى نصف عدد مشاهدي "ألعاب الجوع"
- فحسب - ليُحقق نفس إيراداته.
يوم الجُمعة كان فيلمان آخران قد نزلا، "مرآتي، يا مرآتي!" الذي تقوم
ببطولته جوليا روبرتس ويروي قصة سنووايت وخالتها الملكة الشريرة بطريقة
يُفترض أنها فُكاهية. من مشاهدة تريلر الفيلم، قررت أنّه فيلمٌ خفيف العقل،
واستقر عزمي على ألا أشاهدِه في السينما أبداً، وأن أنتظر المُعالجة الأكثر
جدية لقصة سنو وايت، "سنووايت والصياد"، الذي تقوم ببطولته تشارليز ثيرون
في دور الملكة الشريرة، ويبدو من تريلراته أنّه سيتطرق لواحدٍ من موضوعاتي
المفضلة: السُلطة. هذا، إذا كُتِب لنا عمرٌ بإذن الله.
الخيار الآخر كان فيلم "غضب التايتنات"، الجزء الثاني من "صراع
التايتنات". ليس عندي مُشكلةٌ مع التايتنات إطلاقاً، لكن تصور هوليوود
الجديد لهم ولآلهة الإغريق لم يرُق لي، كما أن فكرة الفيلم الجديد لم تكُن
مُغرية: انصرف البشر عن آلهةِ الإغريق ففقدت قوتها، وجعل هذا التايتنات تفر
من تارتارُس وتُهدد البشر والآلهة. طبعاً، تفترض المُعالجة الهوليوودية أن
نصف الإله سام وورنغتُن سيُدمر التايتنات، فيكتشف البشر خطأهم، ويعودون
لعبادة زيوس. من دون نسيان دور الشقيق الخائن هادِس، الذي يرغب في قتل أخيه
والاستيلاء على عرشه. ريف فاينز يؤدي دور هادِس، لكنني لن أدخل فيلماً
ثلاثي الأبعاد تنقض علّي فيه وحوشٌ بشعة من الشاشة طول ساعتين، لأشاهد ريف
فاينز لدقيقة ونصف، يلوي نصفه العلوي فيها كأنه مُصاب بمغص، ويتحدّث كأنّه
تحت تأثير مُخدرٍ قوي. (لأن هذا تصور هوليوود عن إلهٍ شرير "ذي شخصية" يؤدي
دوره ممثلٌ شكسبيري بريطاني.
"ألعاب الجوع لو سمحت"
هكذا، أحمل التذكرة في يدي، وأتجه إلى مجمع قاعات السينما. يبدو أن
شكل رواد "ألعاب الجوع" موحَد، إذ يُشير لي مُحصِل التذاكر إلى القاعة
مُباشرة، من دون أن يسألني، أو ينظر في التذكرة، وشُباك التذاكر في مكانٍ
منفصل عن قاعات السينما، فلا يُعقل أن يكون قد سمع الفيلم الذي سأدخله.
كذلك، قدمت لي كافتيريا السينما كولا "ألعاب الجوع"، من دون أن أعرض
التذكرة، أو أقول شيئاً. هآنذا في صالة السينما، وقد اتخذت مقعداً فيها لم
أتخذه من قبل بسبب شدة الزحام. رغم أن العرض مُتأخر، إلّا أنّه كان ثمة
أطفالٌ في قاعة السينما مع أهلهم، وكان ثمة عجائز أيضاً. السواد الأعظم من
الحضور في القاعة كانوا من الشباب والوافدين حديثاً على الكهولة، كما كان
كُل الطلاب الآسيويين الذين جاءوا معي، ومعهم كولا "ألعاب الجوع"، كذلك.
الجزية
يتضح منذ البداية أن عنوان الفيلم - والسلسلة الروائية - حرفي: إنها
ألعاب الجوع، والجوع أولُ ما يُطالعنا منذ المشاهد الأولى. تنهض الطفلة
بريمروز إيفردين من نومها باكية لأنها حلمت بأنهم اختاروها للتضحية بها في
ألعاب الجوع، فتُهدئ أختها الكبرى كاتنِس (جنيفر لورنس) من روعها، وتقول
لها إن الاختيار لن يقع عليها، لأنها أدخلت اسمها مرة واحدة فحسب. تخرج
كاتنِس مُبكراً لأمرٍ ما، وفي طريق خروجها، يعترض هِرٌ منزلي طريقها
بالطريقة التي تتبعها القطط لتجعل من نفسها قريبة إلى القلب، فتتوعده: "لا
تحسبن أنني لن أطبخك يوماً!"
المقاطعة الثانية عشرة مُقاطعة من عُمال مناجم الفحم، تعيش في فقرٍ
مُدقِع. تعتاش كاتنِس من صيد الحيوانات البرية بالقوس والسهام، النشاط الذي
نعرف أنّه ممنوع بحُكم العاصمة، لكن كاتنِس وصديقها غيل يتحديان الحظر،
لأنّه ليس لديهما مورد عيشٌ آخر. يُعطي غيل لكاتنِس قطعة خبز قايضها بسنجاب
اصطاده، ويُخبرها بأنّه أدخل اسمه في السحب عدد مراتٍ كبيراً ليحصل على
المزيد من الحصص. يتضح أن معظم سُكان المقاطعة يُدخلون أسماء أبنائهم من سن
الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة في السحب السنوي على الضحايا الذين سيُمثلون
المُقاطعة في ألعاب الجوع، مُقابِل حصصٍ إضافية من الطعام والمؤن.
يبدأ السحب السنوي الذي تُديره موفدةٌ بغيضة من العاصمة، ترتدي ملابس
سخيفة - يُفترض أنها على الموضة - وتلون وجهها بشكلٍ غريب، وتصبغ شعرها
بالوردي. يخرج اسم بريمروز إيفردين في السحب فعلاً، طفلةٌ عمرها اثنا عشر
عاماً بلا حولٍ ولا قوة، فتتطوع كاتنِس بدلاً عن أختها، ويظهر في السحب اسم
آخر، بيتا مالارك، ابن الخباز الذي يتمتع بثراء نسبي يجعله من سُكان
المدينة (الأفضل). (ذوي الشعر الأشقر والبشرة الفاتحة.
يؤخذ كاتنِس وبيتا إلى العاصمة في قطارٍ سريع، ترافقهم الموفدة
البغيضة، إيفي (إليزابِث بانكس)، ومن يُفترض أن يكون مرشدهم، آيمتش (وودي
هارلسُن)، الفائز بألعاب الجوع في نسختها الخمسين. (ألعاب الجوع التي
يُشارِك فيها كاتنِس وبيتا النسخة الرابعة والسبعين.
يبدو الثراء الفاحش للقطار، والعاصمة، في تناقض شديد مع فقر المقاطعة
الثانية عشرة المُدقِع، وتتضح القصة شيئاً فشيئاً. ثمة كارثة ما أصابت
أمريكا الشمالية - الولايات المُتحدة بالذات - فتحولت إلى دولة تُسمى
"بانِم"، تتكون من عاصمة ثرية، واثنتي عشرة مقاطعة حولها، كُل مُقاطعة تختص
بإنتاجٍ شيء مُعين.
يبدو أنّه قبل أربعةٍ وسبعين عاماً، انتفضت المُقاطعات حول العاصمة في
ثورةٍ شاملة ضدها، وسحقت العاصمة الثورة، وأجبرت المقاطعات على العودة إلى
نطاق "بانِم". مُنذ ذلك الحين، أجبرت العاصمة كُل مقاطعة على تقديم جزية
دمٍ سنوية، في هيئةِ فتاةٍ وصبي بين الثانية عشرة والسادسة عشرة، يُختاران
بالقُرعة كُل سنة، للمساهمة في "ألعاب الجوع" السنوية التي تُبث متلفزة في
كُل أنحاء "بانِم"، وهدفها أن يقتل المتسابقون بعضهم بعضاً، ولا ينجو إلا
واحدٍ مِنهُم فحسب.
الميديا
المراحِل المُمهِدة لألعاب الجوع تبدو شبيهةً بتصفيات برامج الواقع
الشهيرة مثل "أميركان آيدل" (ونسخته العربية)، حيث يجلس مُذيع متأنق، يرتدي
زياً من أزياء العاصمة السخيفة، ويضع ماكياجاً غريباً، اسمه سيزار فلكرمان
("قيصر الوامض". تتكون أسماء رجال العاصمة من اسم أول روماني واسم أخير ذي
علاقة بهيئة الشخصية. مثلاً، يُسمى مُدير الألعاب سنيكا كرين، "سنيكا
(الشاعر) الكركي"، ويُسمى الرئيس كورنيليس سنو "الثلج") ليثرثر مع مدير
الألعاب والمراهقين الأربعة والعشرين الذين وقعت عليهم القُرعة ليكونوا
الجزية البشرية التي تدفعها المقاطعات للعاصمة.
منذ البداية، يُصِر مُدير الألعاب سنيكا كرين (ويس بنتلي) على أن
ألعاب الجوع تسلية تلفازية في المقام الأول، وعرضٌ مُمتع تتابعه بانِم
بكاملها. يبدو كرين مُقتنعاً بأنّه يُقدم عرضاً تلفازياً يهدّف إلى تسلية
المتابعين في المقام الأول، ويُهمِل عوامل الإذلال التي وّجِدت ألعاب الجوع
من أجلها، ويظهر فعلاً أن الكثيرين في العاصمة قد نسوا الغرض الأساسي الذي
صُنعَت من أجله ألعاب الجوع، وباتوا يتعاملون معها على أنها عرضٌ تلفازي
سنوي يشاهدونه بحماسة، ويرعون المشتركين الذين يروقون لهم فيه.
منذ البداية، تجذب كاتنِس الأنظار لأنها متطوعة، أول متطوعة في ألعاب
الجوع منذ وقتٍ طويل، ويجعل هذا الماكيير سينّا (ليني كرافيتز) يتعاطف
معها، ويُظهرها في أبهى حُلةٍ يستطيع ابتكارها. جرت العادة على أن يرتدي
أفراد الجزية ملابس تُمثل ما تشتهر بِه مُقاطعاتهم (عروض الميديا بالملابس
الشعبية التقليدية؟) لكن سينّا يرى أن الفحم مُمِل، لذا يبتكر زياً لكاتنِس
- ورفيقها - يجعل النيران تخرج من ثيابهما بينما يُساقان في عربةٍ بين
المشاهدين المتحمسين لانتقاء ضحاياهم المفضلين، ولتحية الرئيس كورنيليوس
سنو (دونالد سذرلاند) الذي يرتاب مُبكراً في جاذبية كاتنِس القوية.
تشتهر كاتنِس بلقب الفتاة النارية، ويّدعِم سينّا صورتها هذه بفستانٍ
يُطلق لهباً عندما يُقابلها المذيع سيزار فلكِرمان. يقولون لها إن الناس
تُريد تسلية جيدة، وإن الأمر عبارةٌ عن تمثيلية كُبرى، فتحاول كاتنِس أن
تلعب الدور. يستغل رفيقها بيتا مقابلته ليُصرح بحُبه لها، ورغم أن كاتنِس
تستشيط غضباً بسبب تصريحه، إلا أن مُدير الألعاب والمذيع ومرافقتهما
ومرشدهما يبتهجون بالأمر، لأنّه صار عندهم لُعبة تسويقية جديدة: "الحبيبان
المنكودان". هكذا، يصير على كاتنِس أن تكون حبيبة بيتا مالارك الذي لا
تطيقه بسبب تكبره، والمرة التي رمى لها برغيف خبزٍ على الأرض عندما كانت
عائلتها تتضور جوعاً.
في المراحل التمهيدية، تغضب كاتنِس من إهمال مدير الألعاب وضيوفه لها
بينما كانت تستعرض مهاراتها أمامهم، فتطلق سهماً يخترق تفاحة (كما في مثال
ويليام تِل الشهير)، وتفاجئ الجميع. رغم اللوم الذي يقع عليها من المرافقة
والمرشد، فإن كاتنِس تحصل على درجة 11، أعلى درجةٍ بين جميع المتسابقين في
المراحل التمهيدية بسبب إعجاب سنيكا كرين، مدير الألعاب، بروحها.
سنيكا كرين يملك روح المُخرج، إذ أنّه يُميّز شخصية كاتنِس المميزة
منذ البداية، ويُدرِك أنها (جوهرة) العرض. إنّه يُريد عرضاً ممتازاً،
وكاتنِس تملك شخصية فذة ستجعل من الدورة الرابعة والسبعين لألعاب الجوع
دورة مميزة، خصوصاً مع التعارض الكبير بين شخصيتها القوية وشخصية حبيبها
بيتا الخانِع. لكن سنيكا كرين لا يرى ما يراه الرئيس كورنيليوس سنو:
الشخصية القوية والجاذبية والاستقلالية كُلها أمورٌ منذرة بالخطر. إنها
عوامل أملٍ وثورة، وهدف ألعاب الجوع إذلال المقاطعات وإخضاعها، لا منحها
أملاً.
تبدأ ألعاب الجوع، وفي اليوم الأول، يُقتَل أحد عشر مُتسابقاً. ويتشكل
تحالف بين أفراد الجزية من المقاطعتين الأولى والثانية لصيد المتبقين،
وينضم إليهم بيتا لأنهم يريدون صيد كاتنِس أولاً، إذ أنها الخطر الأكبر
عليهم بسبب مهارتها في الصيد، وقدرتها على النجاة وحدها في البرية. تُمضي
كاتنِس مُعظم الأيام الأولى على حافة عالم ألعاب الجوع، بعيدة عن الأحداث،
وعن أعين مطارديها، مما يجعل سنيكا كرين حانقاً بسبب غياب الإثارة عن
اللعبة، لذا يأمر مُهندسي ألعاب الجوع بدفعها إلى مواجهة منافسيها، فتشب
النيران في القطاع الذي استقرت فيه، وتطاردها كُرات اللهب فتجرحها.
في النهاية، تجد كاتنِس نفسها في مواجهة صياديها، لكنها تتمترس فوق
شجرة، ويتدخل مُرشدها ليطلب من الرُعاة أن يُرسلوا لها دواء فتنجو.
المذبحة
تتحالف كاتنِس مع طفلةٍ في سن أختها، تدلها على عش دبابير تُسقطه
كاتنِس على مطارديها الذين يُخيمون تحت شجرتها. ما لا تعرفه كاتنِس أن
الدبابير مُعدلة جينياً لتسبب لسعتها الهلوسة، ورُبما الموت. تموت إحدى
المطاردات ويهرب الباقون، وتتعرض كاتنِس للسع فتدخل في نوبة هلوسة، وتسقط.
تعالجها حليفتها، رو، الخبيرة بالنباتات. رو، من المقاطعة الحادية عشرة،
تنجو من منافسيها الأضخم والأقوى عن طريق الفرار والتخفي والمعرفة
بالنباتات.
تُقرر كاتنِس - ذات الحس الأمومي الطاغي - حماية رو، وتتحالفان معاً
للإغارة على المعسكر الرئيسي الذي يستحوذ عليه الفريق المنافس. يكون الفريق
المنافس قد لَغّم الطعام، بانتظار أن تحاول كاتنِس الإغارة عليه. تجذب رو
الأنظار، بينما تُغير كاتنِس على المعسكر، وتكتشف وجود الألغام، وتتسبب في
بلبلةٍ فيه. تعود للبحث عن رو، فتجدها قد وقعت في شراك شبكةٍ نصبها أحد
المتنافسين. يقتل المتنافِس رو، فتقتله كاتنِس في ردِ فعلٍ عفوي.
تُقيم كاتنِس شبه جنازةٍ لرو، وترفع يدها بالتحية، فتصورها الكاميرات.
يرد أناس المقاطعة الحادية عشرة التحية لكاتنِس، ويندلع شغب عنيف، يُقاتل
فيه سكان المقاطعة الزراعية حافظي السلام (الشرطة/الجيش)، ويقتحمون مخازن
الغلال. إنها بذور التمرد والثورة التي رآها الرئيس سنو.
يذهب سنيكا كرين ليستأذِن الرئيس سنو في تغيير قواعِداللعبة، فالجمهور
باتَ متعلقاً للغاية بكاتنِس، ولا يرغبون في أن تصير قاتلة. يقترح كرين أن
تتغير القواعد، فيصير بإمكان شخصين النجاة من ألعاب الجوع، شريطة أن يكونا
من نفس المقاطعة، ويسخر الرئيس سنو من بيتا. يقول لكرين: "إنّه مجرد رجل
خانِع". يقول كرين إن الجمهور يتعاطف معه. يقول الرئيس سنو ساخراً إن كرين
أيضاً يتعاطف معه.
يسأله: هل جال في المقاطعات ورأى الرجال الخانعين فيها؟ كرين لم يزر
المقاطعات بالفعل، ولم يرَ خنوع رجالها وذلهم، لكن الرئيس سنو يعرف
المقاطعات، وقد رأى الذُل والخنوع فيها. ورغم أن الرئيس سنو يكره الشخصيات
المتمردة مثل كاتنِس، إلا أنّه يحتقر الخانعين.
حوار سنو وكرين في الفيلم من اللحظات النادرة التي تتجلى فيها الفاشية
بكامل مجدها في السينما. يقول سنو: "لِمَ نُقيم ألعاب الجوع كُل سنة؟ أليس
من الأسهل والأسرع أن نُعدِم أفراد الجزية مباشرة؟" يبدو كرين، مدير
الألعاب، المخرج، الفنان، مندهشاً من السؤال. ينبغي أن تكون ثمة ألعاب جوع،
وإلا، فلن يكون ثمة عرض، وسينفض الجمهور والسامر. سنو يقول إن كُل مقاطعة
تأمل أن يكون الناجي منها. إنّه الأمل المُخادِع الذي تهبه الألعاب
للمقاطعات، وواقعة أنّه لن يوجد ناجٍ من مُقاطعة إلا إذا قُتِل الباقون من
جميع المقاطعات.
هذا النوع من الأمل ما بُنيَت ألعاب الجوع لأجله. إنّه أملٌ للخانعين،
الخانعون الذين يقتل بعضهم بعضاً لأجل لقمة نجسة. سنو يحتقر الخانعين، لكنّ
العاصمة ينبغي أن تسود سيادة مُطلقة لا تشكيك فيها، ولا يخطر لامرئ أن
يُخالفها بأي شكلٍ من الأشكال.
يُعلَن عن إمكانية نجاة اثنين من المقاطعة نفسها، فتبحث كاتنِس عن
بيتا، وتجده جريحاً. تختبئ معه في كهف، ويبقيان وقتاً فيه، حتى يُعلَن أن
مُنظمي اللعبة قد تركوا لكل شخصٍ شيئاً يُعينه في المركز الرئيسي. تذهب
كاتنِس آملةً في أن تجد دواء يُعين بيتا، فتكاد متسابقة أخرى تقتلها، لولا
أن المتسابقة - بغباء - تقول إنها شاركت في قتل رو، فينقض عليها متسابق
عملاق ويقتلها، ويترك كاتنِس تفر هذه المرة، لأجل رو. إنّه متسابق من
المقاطعة الحادية عشرة كذلك، المقاطعة التي بدأت فيها أعمال الشغب عقب مقتل
رو وتحية كاتنِس.
تكتشف كاتنِس إنّه لا دواء في الحقيبة التي كادت تُقتل لأجلها، فتندمج
في الدور، وتتظاهر بأنها تُقبل بيتا. عقب ذلك، يصل الدواء من رُعاتها في
الألعاب، ويعود بيتا قادراً على السير، فيخرجان معاً. ينصب بيتا فخاً لإحدى
أفراد الجزية بتوتٍ من التوت المُعدل جينياً في ألعاب الجوع، فتموت مسمومة،
ويأخذان معهما التوت في رحلتهما.
يكاد أفراد الجزية ينتهون، مع مقتل الجزية من المقاطعة الحادية عشرة،
فيُطلِق فريق سنيكا كرين حيواناتٍ بشعة تُطارد كاتنِس وبيتا، إلى حيث
المواجهة النهائية.
في النهاية، تتراجع العاصمة عن وعدها. يجب أن تقتل كاتنِس بيتا أو
يقتلها ليخرج ناجٍ وحيد، فترفض كاتنِس، وتقرر أكل التوت المسموم مع بيتا،
مما يُجبِر سنيكا كرين على إطلاق سراحهما معاً من الألعاب، الأمرُ الذي
يجعل الرئيس سنو يستشيط غضباً.
الأم ضد الفاشية
الفيلم الجزء الأول من ثلاثية، وفي هذا الجزء، يظهر واضحاً أن كاتنِس
قد أغضبت السُلطة بسبب شخصيتها المتفردة، ورفضها الخضوع لألاعيبها. لم تكُن
كاتنِس تقصد غير أنها لا تريد أن تقتل أحداً، وهذا الفعل - بحد ذاته - تحدٍ
للسلطة.
في سلسلةٍ مثل "توايلايت" يحدث تشويه بالغٌ للشخصية الأنثوية، لكن
"ألعاب الجوع" تستعيد هذه الشخصية الأنثوية من التخريب الواقِع عليها،
وتجعلها سيدة قرارها. (السلسلتان من تأليف امرأتين: "توايلايت" من تأليف
ستيفاني ماير، و"ألعاب الجوع" من تأليف سوزان كولِنز). كاتنِس إيفردين
نموذجٌ أمومي فريد: إنها الأم الحافظة التي تُقيم عماد البيت بعد رحيل الأب
في حادثٍ في منجم. كاتنِس توفر الغذاء والحماية والرعاية لأختها وأمها.
(أمها تعيش تحت تأثير صدمةٍ عصبية شديدة، مما يجعل الأدوار تنقلب بينها
وبين كاتنِس). وحينما تقع الواقعة، وتذهب كاتنِس إلى الألعاب، فإن رعايتها
تمتد لتشمل رو، الطفلة التي في سن أختها، وبيتا الذي يُماثلها سناً، لكنّه
طفلٌ ضائع بحاجة إلى حنانٍ أمومي.
في آخرِ فيلمٍ من سلسلة "هاري بوتر"، "هاري بوتر وآثار الموت - 2"،
تنتصر الأمومة: ليلي بوتر، منيرفا مكونغال، هيرمايني غرينجر، مولي ويزلي
وجيني ويزلي، كما تنتصر الأم الكُبرى، الأم الحافظة: هوغوورتس. وترثي الأم
أبناءها الذين رحلوا، وتبكي أبناءها الذين نجوا، وتُسبِغ حنانها على عالمٍ
مُمزَق. في "ألعاب الجوع"، تصدم أمومة كاتنِس الرئيس كورنيليوس سنو
وتستفزه، كما تبثُ الحياة في النفوس الميتة في المقاطعة الحادية عشرة، من
دون أي خلفية أيديولوجية، الأمومة - في ذاتها - عملٌ مضادٌ للفاشية. إنها
قوة راسخة عاتية، غير مُسببة، ولا تتزحزح أو تتزعزع. تمنح بلا سبب، وتضم
الكُل في حنانها. ألا تنعي ليلي بوتر فولدمورت حين يموت؟
على كاتنِس الآن أن تنجو بنفسها من غضب الرئيس سنو. سنيكا كرين الذي
قدم واحدةً من أكثر دورات ألعاب الجوع بقاء في الذاكرة، أُعدِم، هكذا، من
دون محاكمات أو تفاصيل، والدور سيجيء على كاتنِس، إمّا عاجلاً أم آجلاً.
لقد شبَت النيران في الجمر تحت الرماد، وقامت قيامة كورنيليوس سنو وعاصمة
بانِم. (وبالقعل، فإن عنوان الجزء الثاني من السلسلة الروائية "شبّت
النيران").
العوامل الفنية
للأسف، لم يفعل غاري روس - مُخرج الفيلم - الكثير ليجعل الفيلم من
أكثر الأفلام بقاء في الذاكرة. كان لديه قصةٌ جيدة، وحافظ عليها، لكن
(صنعة) الفيلم متوسطة، حتى يكاد يكون قريباً من توايلايت. بناء العاصمة جاء
تقليدياً للغاية، بلا أي مجهودٍ لبناء مدينة مستقبلية تختلف - ولو بعض
الشيء - عمّا حفظه المرء في أفلامٍ سابقة، من "القاضي دريد" (1995) إلى
"ثُر" (2011). الكاميرا كانت هناك من دون أن يكون لها أي وجهة نظرٍ على
الإطلاق، وكأن مُدير التصوير لا يرغب في أن يتخذ دوراً فعّالاً في رواية
القصة.
التمثيل والأزياء كانا رائعين في الفيلم. مُعظم الفيلم يخلو من
الموسيقى، إلا أن الموسيقى القليلة الظاهرة فيه جميلة، والأغنية الختامية
"آمِن وسالِم" (بصوت تايلر سويفت) تُجِسد الروح الأمومية للفيلم.
الفيلم جيد عموماً، وأنصح بمشاهدته لهواة الأفلام الفانتازية، أفلام
الخيال العلمي، الأفلام المستقبلية، والأفلام ذات القصص المعادية للفاشية.
تصنيف الفيلمPG-13 أي: إرشاد عائلي لمن هم دون الثالثة عشرة. يحتوي
الفيلم على جُرعة عُنفٍ صادمة - وإن كان المخرج قد تعامل معها بطريقةٍ
ممتازة خففت من الصدمة على الشاشة - لذلك ينبغي الحرص عند مشاهدته مع
الأطفال. مع ذلك، إذا استقر عزمك على مشاهدة الفيلم، فأنصحك باصطحاب أطفالك
معك - أو الأطفال في عائلتك - وتشجيعهم على مناقشة ما يرونّه على الشاشة،
والحديث معهم عن طبيعة الأنظمة الغاشمة، وعن طبيعة الشجاعة والوفاء والولاء
والإخلاص. ومساعدتهم على التوصل إلى الطبيعة الفاشية للإعلام، والطريقة
التي تُسيطر بها السُلطات الغاشمة على شعوبها. من الطبيعي أن يتساءل
الأطفال عن سبب غياب الأهل في الفيلم. شخصياً، أظن أن هذا أبلغ تعبير عن
غياب الجيل إكس عن التأثير في العالم، وعن مُساهمتهم في تغوّل الفاشية الذي
يشهده العالم حالياً، لكن، رُبما يكون عندِك تفسيرٌ مختلف. المهم أن يكون
هذا في حسبانك عندما يسألك الصغار عنه.
عين على السينما في
18/04/2012 |