يكْتَرِث «تابو» (110 د.) للمخرج والناقد السينمائي البرتغالي ميغيل
غوميز بحكاية «الإمبريالي الأول» روبنسون كروزو وشتيمتها الأثيرة. فالمغامر
الحضري، وكان ذات مرّة عبداً لمغربي، أكّد لاحقاً ولعه في استعباد أفارقة
ومقايضتهم، قبل أن يجد انعتاقه الذاتي في جزيرة نائية، وعبر مسيحيته
وإنجيله، وتوجّهه إلى العمق الأوروبي مع عبده فرايدي، مزهواً بالانقلاب
التاريخي الذي حوّله من مستعبِد خاض غَمَرات الموت وتاجر، إلى داعية أفَلَح
في أنسنة أهل الغاب، وضمِّهم إلى ملّة صالحة.
في «تابو»، نرى الجدّ الأبيض مرتدياً الزيّ نفسه، وهو يَكْشِط الغابة
البكر بجَلَد ربانيّ، متعجِّلاً تأسيس مستعمرته عند سفوح الجبل الأفريقي،
ومُسخِّراً سواعد «عبيده» المرعوبين من الآلة وروحها الشيطانية، مثلما
يثيرهم صوت الرصاص ودوي البنادق، ويشلّ قدراتهم على الانتفاضة لعقود لاحقة.
بين الأجداد والأحفاد، رصد نصّ غوميز، القويّ بتفاصيله والمبتكر بسرديته
المبنية على صمت نادر، حقبتين وأخلاقيتين، هما أقرب إلى الزَّفرَات الأخيرة
للامبريالي البائد، الذي أصرّ على التشبّث بتناسله، على الرغم من موت أدوات
إنتاجه القديمة، وبوار عقائدها.
لا يحتاج إمبريالي الألفية الثالثة إلى حكايات، بل إلى تفوّق متآمرين
معاصرين، وحنكة لصوص متربّصين بالغنائم، وحِيَل قرارات دولية تبرّر
التبعيات الجديدة والاستبدادات الحداثية. عليه، افتتح غوميز عمله المُصوَّر
بالأبيض والأسود (إدارة ثرية لروي بوساس) في لشبونة اليوم تحت عنوان «فردوس
مفقود»، نتابع فيه حروب الحفيدة المتقاعدة بيلار ضد وحدتها، عبر نشاط
الإحسان الكاثوليكي، أي الاحتماء بالآصرة الدينية، وبحثها عن المؤازرة
لتخفيف خطايا الآخرين. قدّم غوميز هذه الشخصية الواقفة عند أعتاب الشيخوخة،
كاستكمال درامي لجارتها العجوز آرورا، المنتقمة من ثرائها الفاحش بصرف
أموالها على طاولات القمار، هي التي تعيش ظنوناً بأن «عبدتها» سانتا تمارس
تقاليد الـ«فودو» السحرية ضد كيانها وحياتها، إشارة إلى إصرارها على أن
المُعتَقد الوحشي يهدِّد الداخل الأوروبي. في المقابل، دلّتنا سانتا إلى
أساس نطفتها السوداء، ونراها تتابع حكاية كروزو عبر رسومات قديمة تتناثر في
غرفتها المتقشِّفة، فيما يسعفنا غوميز بشريط مواز، مُصوَّر بكاميرا 16 ملم،
يتابع جيلانات الإمبريالي الأول وتعرّفه الى الأرض البكر وبشرها الأجلاف
ومجد القوّة الذي بقي ينتظر، منذ الخليقة، مجيئه كي يحيل القارة جنّة
موعودة.
لن نعي مقاصد الهروب الرمزي لآرورا (لورا سوفيرال) نحو مكامن القمار
إلا عبر طلبها الغامض من بيلار، الخاص بتوصيل رسالة، قبل موتها، إلى عجوز
يدعى فينتورا، وهي جالسة وسط مجمّع تجاري، تُحرِّكها الكاميرا بين
المتبضعين كتحية لصاحب «النمور الثلاثة الحزينة» (1968) و«الزمن المستعاد»
(1999) الراحل التشيلي راؤول رويز. صاغ غوميز في المقطع الثاني المحكم
الصنع، الذي أسماه «الفردوس»، حكاية المحرَّم العائلي الذي ارتكبته الشابة
مع موسيقيّ قبل خمسين عاماً، وأنجبت ابنة لا تريد الاعتراف بأمومتها،
مكرِّسة بذلك التباساً وجودياً حول بيلار: هل هي من نسلها؟ هل دنّست
ولادتها دم امبرياليتها الخالصة؟ الإثم بين آرورا ـ فينتورا انتهى بسفك
الدم والثورة. حسم الأفريقيون تسيّد العائلة من دون إلغاء وجودها. هربت
البطلة إلى الوطن الأم لتقطع ألسنة التقوّل حول زناها، الذي اعتبرته حقاً
ذاتياً ورغبةً جسديةً صحّية، صَوَّر غوميز وقائعها على خلفية حفلات
الموسيقى وصخبها، الرقص وإيحاءاته الجنسية، الرفاهية وديكوراتها الباذخة
ورحلات صيدها، وأخيرا مواقعاتها الجنسية مع الحبيب الذي فرّ مُتخاذلاً.
أطلقت آرورا زفرتها الأخيرة لإعلان موت جرثومة سلطوية ضمنت في زمن غابر
هيمنتها على «مجتمعات جاهلة». بيد أن حقبة الحرب السايبيرية المعقّدة اليوم
أنهت تحوّلاتها، وأعلنت إبادة آخر سلالاتها غير النبيلة في أوروبا، هذه
القارة التي نعت امبرياليتها قبل قرن مضى، وتُعلن الآن عن أخرى أشدّ دموية
ومحقاً.
السفير اللبنانية في
19/04/2012
حظ سعيد..
فيلم يسىء للثورة.. والإفيهات مكررة
كتب رامى
عبدالرازق
تأخر أحمد عيد عاماً كاملاً عن اللحاق بعملية لملمة النقوط من تحت
أقدام الثورة التى أصبحت أشبه براقصة فى أفلام المشتغلين بصناعة السينما،
الكل يحاول أن يدفع أكبر عدد من الجمهور ليقوم برمى النقطة أسفل أقدامها
على اعتبار أنها الموضة الرائجة، بداية من صرخة نملة، وسامى أكسيد الكربون،
مروراً بتك تك بوم، وحتى فى شارع الهرم.
الفيلم كعادة الأفلام المصرية فى السنوات العشر الأخيرة أن تتم تسمية
البطل باسم ما يصلح لكى يكون جزءاً من العنوان، وبعد مشاهدة الفيلم سوف تجد
نفسك لا تدرى ما المقصود بحظ سعيد، هل المقصود هو تمنى الحظ السعيد للثورة
بشكل ساخر أم التآسى على حال سعيد وحظه السيئ كشاب يعمل بائعاً متجولاً
ومتزوجاً من فتاة لعوب لا يجد شقة ليستقر فيها وعندما يأتى اسمه فى كشوف
المحافظة للحصول على شقق–وهى تسمية قديمة نشك فى أنها لا تزال موجودة حتى
الآن أو حتى قبل الثورة.
سعيد نموذج للبطل النمطى أو بالأصح الأبطل، لأنه يتلقى الفعل طوال
الوقت ويقوم فقط برد الفعل، فهو شخصية ضعيفة الإرادة دراميا لا تحرك أى شىء
بل تتحرك وفقاً لقرارات وإرادات الشخصيات التى حولها ويبدو أن المؤلف لا
يدرك الفرق بين أن تكون الشخصية ليس لها انتماء سياسى أو فكرى معين وبين أن
تكون لا بطل، ولكن حتى لو كان سعيد بطلاً درامياً ذا إرادة وقرار فليس ثمة
ما يمكن أن يفعله وسط هذه الأحداث الكرتونية الساذجة بداية من مشهد ذهابه
للحصول على قرار علاج على نفقة الدولة من عضو مجلس شعب ودخول رجل أعمال
عليهم وإعطاء العضو له آخر استمارة علاج، لأن «عنده كحة» بينما أم سعيد
تعانى من التهاب رئوى وتليف كبدى، مروراً بعملية فتح المظاريف الغريبة ومنح
مسؤول المحافظة المتدين رشوة بطريقة خائبة من قبل المقاول الجشع الشهوانى
الذى لا يزال يتصور صناع الفيلم أن أسلوب اللعاب السائل على زوجة البطل
والهجوم عليها أمامه إفيه يستحق الضحك أو حتى الابتسام.
ناهيك عن عملية السخرية من الثورة نفسها للدرجة التى يتحول فيها شباب
التحرير إلى مجموعة من المطنطنين بشعارات «كلنا إيد واحدة فى الميدان»، ثم
الخوض الجاهل جدا فى شرح طبيعة التيارات الفكرية المختلفة كالعلمانية
والليبرالية والديمقراطية وهو ما يستوجب التوقف أمامه وسؤال صناع الفيلم عن
حقيقة مقصدهم! فلا مانع من عمل فيلم ضد الثورة إذا كان الكاتب أو المخرج
يملك ما يقوله ضدها، ولكن ما شأن التيارات الفكرية بهذه التوصيفات الأمية
التى يسوقها السيناريو عن الليبرالية والعلمانية! وعن محاولة إظهار أن
الميدان لم تكن تجمعه وحدة فكرية انسجامية رغم الاختلاف الأيديولوجى، بل
تغييب الشباب البسيط والذى ذهب فقط من أجل مصر! إلا إذا اعتبرنا أن شخصية
وفاء أخت سعيد هى نموذج لهذا الشباب! فهى فى الحقيقة نموذج دعائى فج شديد
السذاجة يتحدث بشعارات فارغة بل إننا نجدها على عكس ما شاهدنا فى موقعة
الجمل تقف فى الصفوف الأمامية وتتلقى حجر فى رأسها لمجرد أن يجعل السيناريو
سعيد تتقمصه روح نور الشريف فى مشهد الفينال بفيلم سواق الأتوبيس ويقوم
بإلقاء التوكيلات التى حصل عليها صارخاً يا ولاد الكلب.
أميز ما فى التجربة على المستوى الإخراجى هو القدرة على إعادة بناء
ميدان التحرير بشكله أثناء الثورة عن طريق استخدام الجرافيك والكرومات
(الخلفيات التى يتم إسقاط الصور عليها) وهو الشىء الوحيد الذى يحسب لطارق
عبدالمعطى وفريق العاملين معه على مشاهد الميدان، فالنسب واضحة وجيدة
وسليمة إلى حد كبير كما أن تفريغات وجوه وأجساد الشخصيات متقنة على
الخلفيات، أما باستثناء ذلك فهو مخرج متواضع الإمكانيات فيما يخص تحريك
ممثليه وصناعة الإفيه البصرى وإبراز الإفيه اللفظى. كذلك يعتبر «أحمد صفوت»
اكتشافاً حقيقياً بالفيلم من خلال شكل مختلف وروح تشخيصية فطرية وحية حتى
إن مشاهده ولقطاته القليلة سحبت البساط كثيراً من تحت أقدام أحمد عيد الذى
يقف ضعيفاً ومشوشاً وحائراً فى هذا الفيلم تختلط على لسانه اللهجة الفلاحى
لشخصية سكر التى قدمها بالتليفزيون منذ عامين مع اللهجة القاهرية لسعيد مع
بعض الإفيهات الملامحية والجسدية التى حققت شهرته فيما مضى، ولم تعد مجدية
فى إضحاك الجمهور أو جذبهم لمتابعته.
ريفيو
تأليف: أشرف توفيق ـ إخراج: طارق عبدالمعطى ـ بطولة: أحمد عيد - مى
كساب ـ إنتاج: سامح العجمى ـ مدة الفيلم: ١٠٠ ق
المصري اليوم في
19/04/2012
فيلم نجوم الغانـم عن أمل حـــــــــويجة
«أمل»..«ماوكلي»
سـوريـة و«مدهــــش» الإمـــــــارات
زياد عبدالله
كيف للبشر أن يظهروا أمام الكاميرا؟ أليست الكاميرا دافعاً كبيراً
للبشر لأن يكونوا على غير ما هم عليه؟ وما ان تدور الكاميرا حتى يبدأ البشر
بالتمثيل أمامها؟ هذه أسئلة تطال البشر العاديين ومتعلقة بداهة بالأفلام
الوثائقية، كون من يظهر أمام كاميرا الأفلام الروائية ليسوا إلا ممثلين
ومهمتهم أن يمثلوا، بينما يسأل الفيلم الوثائقي من يظهرون أمام الكاميرا
ألا يمثلون، لا بل إن تمثيل الشخصيات سيكون نقطة ضعف جسيمة في بنية فيلم
ينتمي إلى سينما الحقيقة، ولعل أحد أهم رهانات صانع الفيلم الوثائقي يتمثل
في قدرته على التقاط البشر في حياتهم العادية كما لو أن الكاميرا غير
موجودة.
في ما تقدم أول ما يمكن مقاربة فيلم المخرجة والشاعرة الإماراتية نجوم
الغانم «أمل» الفائز بالجائزة الثانية في الدروة الخامسة من مهرجان الخليج
السينمائي، وقد سبق له أن فاز بجائزة «المهر الإماراتي» في الدورة الثامنة
من مهرجان دبي السينمائي، وليكون الحديث الذي بدأت به عن التمثيل واللا
تمثيل أمام الكاميرا في الفيلم الوثائقي قادماً مما حمله فيلم «أمل»، الذي
إن كان له أن يندرج في تجربة الغانم الوثائقية فإنه يأتي مكملاً لمسعى
الغانم في توثيق الإمارات، وذلك في فيلمين سابقين شاهدتهما لها أي
«المريد»، و«حمامة»، وكلاهما عن شخصيتين إماراتيتين، ففي الأول كنا حيال
نبش لحياة المتصوف عبدالرحيم المريد وتتبع طرقه الصوفية وأتباعه في دبي،
بينما يمضي بنا «حمامة» إلى تلك المرأة العجوز في الذيد وطبها الشعبي
وقصصها وحيواتها، وليأتي «أمل» من الضفة الأخرى، إن صحت العبارة، بمعنى أن
كون الفيلمين السابقين جاءا بمثابة وثيقتين عن شخصيتين حاضرتين بقوة في
الحياة الإماراتية التي يصعب مقاربتها كما كانت أو كما استمرت رغم الأبراج
والطرقات السريعة التي تفصلها عنها أو تفصلنا كمتلقين عنها، وليكون «أمل»
عن الوافد إلى دولة الإمارات، أحلامه وكوابيسه، تطلعاته وخيبتها، وما بينها
حياته بالتأكيد.
بالعودة إلى ما بدأت به، فإن أمل عنوان الفيلم وشخصية الفيلم التي
يتمركز حولها ليست إلا ممثلة سورية اسمها أمل حويجة، وبالتالي فإن الحديث
عن ما تسلبه الكاميرا ممن يقف أمامها في فيلم وثائقي لن يكون وارداً، فنحن
أولاً وأخيراً أمام ممثلة وهي مشاركة أيضاً في كتابة الفيلم، بمعنى أنها
شخص يعرف جيداً كيفية التعامل مع سطوة الكاميرا، لا بل إن التمثيل جزء من
حياتها، والعكس صحيح أيضاً، وليبقى الرهان على الكيفية التي ستقاربها نجوم
الغانم، وتضبطها متلبسة في حياتها كما لو أن الكاميرا غير موجودة.
قبل المضي خلف ما يوثقه الفيلم، يجب التأكيد أولاً أن فيلم «أمل» فيلم
حيوي بكل ما تعنيه الكلمة، واتباع ذلك بوصفه بالحقيقي لن يكون متأتياً من
صفات ترمى هنا وهناك، بل بمعنى أن «الحقيقي» في الفيلم هو الشرط الرئيس
لنجاح أي فيلم وثائقي، وليست هذه الصفة تأتي من فيض مشاعر أو لحظات صادقة
يلتقطها الفيلم، بل من توليفته الفنية أولاً وأخيراً، وبالتالي الشكل
والاستثمار بالمادة الأرشيفية لحياة أمل حويجة نفسها التي تأتي متناغمة مع
شخصية الفيلم الرئيسة التي تظهر أمام الكاميرا لتروي وتمثل وتعيش، وتنتقل
من البيت إلى السوق إلى خشبة المسرح، ونتابع سردها وهي تقود سيارتها وتلتقي
زوجها الذي يعيش في اليونان وغير ذلك من أفعال حياتها.
يحمل الفيلم مفارقة على اتصال بسؤال مفاده: لماذا يكون على فيلم
وثائقي أن يوثق حياة ممثلة؟ وهناك إجابات كثيرة على سؤال كهذا، الأولى
تتمثل في كونه يضيء على جوانب خافية من حياة الممثلة، وهنا سيكون الحديث عن
نجمة شهيرة أو ما شابه، أو أنه يروي قصة من حياة تلك الممثلة لم تكن يوماً
في فيلم أو مسلسل من تلك التي شاركت فيها، أو لأن هذه الممثلة لم تكن
معروفة وهي التي تحمل مواهب كثيرة وقد ضاعت وتسربت من بين أصابع صاحبتها مع
تقدمها في العمر، وليكون ذلك هو تماماً ما تقف له أمل حويجة في فيلم نجوم
الغانم، وبكلمات أخرى فإن عدم ظهور أمل حويجة في فيلم سينمائي إلا في فيلم
ريمون بطرس «الطحالب» 1991 وبدور صغير سيقابله فيلم كامل عنها يكون
وثائقياً يتناول أسباب عدم ظهورها في فيلم آخر، لكن مع تحميل مسؤولية ذلك
للغربة، لسفرها من سورية والتحاقها للعيش في الإمارات، بعد حصولها على فرصة
عمل تتمثل بأدائها شخصية «مدهش»، وقد تم اختيارها من بين 150 متقدماً لهذا
العمل، حيث ستكون أمل هي مدهش والعكس صحيح، صوتاً وحركات، صوته صوتها وكل
ما يسأله الأطفال تجيب عنه بسرعة بديهة وطفولة لا تفارقها.
مع أمل حويجة سيتكثف كل ما يكون عليه المغترب/المغتربة، وأساليب العيش
التي يبتكرها في هذا السياق، وتحديداً في الإمارات، فهي تعيش على الدوام
بين عالمين، وكل ما تواجهه خاضع للمقارنة على الفور، إذ يكفي أن تشتري كل
ما يلزمها لتحضير التبولة لتكتشف أنه ما من أحد لديه الوقت ليأتي ويشاركها
أكلها، وبالتالي تعدل عن ذلك، وهنا سيستدعي منها ذلك استحضار سورية على
الفور، كما أن المسرح لن يكون في حياة أمل سوى تمارين على الأداء، وتمارين
صوتية ستكون بمثابة المؤثرات الصوتية أو الموسيقى التصويرية في الفيلم،
وبالتالي ستقارن ذلك بالمسرح في سورية، وما يصنعه أصدقاؤها مثل مي اسكاف
وناندا محمد وأمل عمران، وبالتالي استحضار ما كان يمكن القيام به لو بقيت
في سورية، سورية المملوءة بالمواهب، إن كان لنا أن نمرر ذلك كجملة
اعتراضية، مواهب في شتى مجالات الفن لا تجد لها موطئ قدم، مع فتح الباب
لمادة أرشيفية لأدوار أدتها أمل حويجة على الخشبة السورية، وفي هذا تمهيد
لما سيتصاعد في الفيلم، حيث ستكون الوحدة الكلمة المفتاح لما تعيشه أمل،
وأي شيء يخل بهذه الوحدة سيكون طارئاً، يستمر ساعات قليلة ثم يعود كل إلى
وحدته، بما في ذلك زوجها الذي يمضي معها أياماً أو اشهراً ثم يعود إلى
منفاه اليوناني، فالجميع مشغولون، ولا مجال لترف الحياة الاجتماعية ومعها
الحياة الفنية، وصولاً إلى ذروة كل ذلك في الربع الأخير من الفيلم حين
يتوقف كل شيء في حياة أمل وتدخل في نفق الملل، حينها فقط ستقرر العودة إلى
سورية وإحياء مسيرتها الفنية، لكن إنه توقيت سيئ، فهي سرعان ما تعود، فلا
مكان للمسرح والفن في سورية، السوريون يقتلون فقط في هذه الأيام، وعليه
فإنه ستعود مجدداً إلى الإمارات، لكن بشعر أبيض، تتركه ذلك كما يفعل
كثير من السوريين حداداً وحزناً على الحاصل في سورية اليوم.
فيلم «أمل» مصنوع بحرفية عالية، وله أن يأسرنا طوال الـ88 دقيقة التي
تشكل مدته، وهناك توظيف لكل ما في حياة أمل وما صنعته، بما في ذلك
«الدوبلاج» الذي كانت تعمل به، فتوصيف أمل بأنها «برية» تعشق الطبيعة،
سيكون على اتصال مع شخصية «ماوكلي» التي كانت تمثل صوته، حين تتوفى والدتها
فإن مشهد من ماوكلي وهو يركض في البراري والدموع تملأ عينيه سيكون معبراً
عنها تماماً، وربما أكثر من تلك اللقطات المأخوذة لها وهي تمشي في الصحراء،
إنه فيلم عن تعاسة من يمتلك موهبة ويفرط فيها وتسرقه الحياة التي تتصل هنا
بالغربة، وربما ما من أتعس من ممثل لا يمثل وكاتب لا يكتب ورسام لا يرسم!
الإمارات اليوم في
19/04/2012
«صناعة
الأفلام الوثائقية»..
لكل راغب في تصوير فيلم وثائقي
زياد عبدالله
أنوي هنا التقديم لكتاب سينمائي، لكنني لن أفوت فرصة التعريج على فعل
القراءة عموماً، الذي أدعي أنه مفتقد في يوميات الجيل الجديد من
السينمائيين العرب، هذا ليس اتهاماً أو توصيفاً، لكنه مقاربة لظاهرة تستدعي
التوقف حين تقع على كتّاب لا يقرأون وسينمائيين لا يشاهدون أفلاماً، طبعاً
هذا مدعاة للهجاء الطويل والتندر أيضاً وهذا يحدث في عالمنا العربي، لكن ما
يمكن الحديث عنه في هذا المقام هو سينمائيون لا يقرأون، في هذا ما يدفع
للاستغراب، خصوصاً حين يكون الحديث عن مخرج سينمائي، فمعنى أن يكون الإنسان
مخرجاً يتمثل باعتباره شخصاً صاحب رؤية ومايسترو تتناغم العناصر الفنية على
يديه، ولا أعرف كيف لهذه الرؤية أن تتشكل ما لم يقرأ، كيف له أن يكون
مخرجاً وهو لا يعرف تاريخ السينما.
صدور كل كتاب سينمائي مدعاة للاحتفاء، ومدعاة للسؤال أيضاً من يقرأ إن
كان السينمائيون لا يقرأون، تحتكم المكتبة العربية على مجموعة كبيرة من
الكتب السينمائية النقدية، ولعل المشروع الأكبر في هذا الخصوص يأتي من
سورية وإصدارات المؤسسة العامة للسينما، التي وصلت إلى أكثر من 150
عنواناً، وها هي إصدارات مشروع «كلمة» في أبوظبي تصدر كتباً سينمائية وصلت
إلى أربع إصدارات على الأرجح، نعرض منها هنا كتاب باري هامب «صناعة الأفلام
الوثائقية- دليل عملي للتخطيط والتصوير والمونتاج» ،2011 ترجمة: ناصر ونوس،
الذي يحمل في مقدمته لهذا الكتاب خصوصية ما متعلقة به تتمثل بأن هذا الكتاب
عن الفيلم الوثائقي، معتبراً أن المكتبة العربية فقيرة إن تعلق الأمر بهذه
الصناعة السينمائية، وفي هذا ما نصادق عليه ونحن نشاهد في كل عام انتاجا
متزايداً ومميزاً في الوقت نفسه إن تعلق الأمر بالفيلم الوثائقي، خصوصاً مع
وجود قنوات عربية أصبحت متخصصة في هذا المجال، وعليها أن تملأ ساعات بثها
الطويلة.
يشكل الكتاب، وهذا أهم ما فيه، بحثاً عملياً في الفيلم الوثائقي، لا
بل هو مبني من أوله إلى آخره على كيفية صنع هذا الفيلم بعيداً عن أية أدوات
نظرية واقتبس من مقدمة هامب «كتب هذا الكتاب لمن يريد صناعة فيلم وثائقي،
بأي دافع كان، خصوصاً لأولئك المهتمين بتسجيل السلوك في العالم الواقعي،
سواء من أجل إنتاج فيلم أو البحث في أحد المجالات». يتحرك الكتاب في النطاق
العملي لصناعة الفيلم الوثائقي، بدءاً من التصور الأولي للفيلم وانتهاءً
بعرض الفيلم، ومجابهة المشكلات التي تواجه صانع الفيلم الوثائقي، مثل
الافتقار إلى التخطيط وعدم كفاية الدليل البصري والفقر في تقنيات المقابلة
والتدخل الفضولي لطاقم العمل في شؤون الاشخاص أثناء التصوير.
ينقسم الكتاب إلى ستة أبواب موزعة على 590 صفحة، هي: ما الفيلم
الوثائقي، والتخطيط لفيلمك الوثائقي، وما الذي ستعرضه، وكتابة الفيلم
الوثائقي، وتصوير فيلم وثائقي، ومرحلة ما بعد الإنتاج، وتنقسم هذه الأبواب
إلى فصول تتركز على التفاصيل، مثل توزيع الأدوار واختبار الأداء ومتع
التصوير الخارجي ومزالقه، ومشابهة الحقيقة في الفيلم الوثائقي وغير ذلك من
تفاصيل يقدمها باري هامب من خلال تجربته الشخصية في هذا المجال، فهو كتاب
ليس مؤلفه إلا منغمساً تماماً في صناعة الفيلم الوثائقي، وبالتالي فإنه
يروي تجربته العملية في هذا السياق، وبناء الفيلم من أوله إلى آخره سيكون
وفياً لذلك بعيداً عن أية أفكار مسبقة، فالكتاب تجربة هامب والخلاصات التي
توصل إليها من خلال تجربته هو بالذات.
إنه كتاب للمبتدئين الذين يرغبون في خوض غمار تجربة وثائقية، وهو
مترجم إلى العربية بلغة واضحة ودقيقة، ولعل المترجم بذل جهداً مضاعفاً
بإلحاق الكتاب بملحق خاص بالمصطلحات السينمائية التي استخدمها ومقابلها
العربي، وفي هذا ما يجب أن يحتوي عليه كل كتاب سينمائي أو اختصاصي.
الإمارات اليوم في
19/04/2012
الدياسبورا.. في مهرجان الأفلآم الآسيوية بأمستردام
إنتصار الغريب
أختتم في أمستردام مؤخرا مهرجان الأفلام الآسيوية االخامس 2012 الذي
أقيم في بالي وتخلل عرضا حافلا لمجموعة من أهم الأفلام المستقلة
والوثائقية، وقد جاءت مشاركات هذا العام حافلة بالمواضيع الجادة و فوق
المستوى. حتى الظلام هناك أجمل في بلادي كما قال بدر شارك السياب ،
الدياسبورا هذا هو عنوان مهرجان الأفلام لأسيوية في الفترة من 4 إبريل حتى
8 إبريل الجاري، ويهتم عادة بالتجارب السينمائية الشابة التي تعرض حياة
الآسيويين في المهجر وتتناول الأزمات، صراع الحضارات أو بمعنى أصح
الدياسبورا . من الأفلام القصيرة حتى التجارية. على الرغم من الحضور الدائم
لبعض الدول الأسيوية وتمتعها بإقتصاديات هامة، لكن مازالت شعوبها تعيش خلف
ظلال فقر مدقع أو محاطة بقيود سياسية، أجتماعية أوثقافية.
أيضا الإضطرابات والظلم الواقع يفرز دائما الأبطال ويضعهم في الواجهة
كرمز لنهايات سعيدة، مثلما الفيلم الموسيقي الفيتناني" سايغون قصة حب" بعد
إنتهاء حرب فيتنام في30 أبريل 1975 أصبحت المدينة خاضعة لنفوذ الجيش
الفيتنامي وأطلق عليها الفيتناميون اسم تحرير سايغون، وهناك الفيلم
الياباني "البدلة الأنيقة" أو الفيلم الوثائقي المتوج " الموسم المحترق"
هناك أيضا السينما الأندونيسية عادت للظهور بموجة من الأفلام الكلاسيكية
والنتاجات الجديدة حول العشق المشروط للعائلة،التقاليد والوطن، ولكن أيضا
حول الآسيويين الذين ولدوا وعاشو في آسيا لكنهم مازالوا في شتات دائم كما
هو الإنسان في كافة بقاع الأرض، أكثر من 40 فيلما فريدا من الصين، اليابان،
كوريا، الهمد، أندونيسيا، فيتنام وهولندا.
اللافت للنظر دورس يونغ مؤسسة المهرجان والتي تعيش في هولندا منذ
مايقرب من عشرة أعوام بعد عودتها من أمريكا من أجل تشكيل محفل لإحتضان
المواهب الشابة ولدت في سان فرانسيسكو ونشأت في هونغ كونغ وتعيش في
أمستردام منذ عام 2002 ، ويعتبر المهرجان واحدا من أهم المناسبات الثقافية
الفنية في أوربا، أيضا يسلط الضوء على الأفلام المستقلة والوثائقية التي
تدورحول الدياسبورات الآسيوية والفروقات بين الأجيال التي عاشت خارج
بلدانها الأصلية.
مثل فيلم : شا يونغ هي" كوريا 2011 وفيلم " تون بابا" هولندا 2011
للمخرجة آناجريت ويتسما ويدور حول قصص العشق الممنوع، الآباء وابناء الجنود
الهولنديين والأمهات الأندونيسيات بعد الحرب العالمية الثانية. وفيلم "ظل
روحي" للمخرجة مارييت فيبر حول إمرأتين صينيتين من الجيل الجديد و " فيلم
خلف القناع" حول ثلاثة صينيين-هولنديين مراهقين في بحث دائم عن هويتهم
الأصلية.
من الأفلام الجادة المعروضة "حول شا يونغ هي" للمنتجة والمخرجة، أيضا
الكاتبة دين بورسهاي ليم، يدور الفيلم حول شا يونغ هي، تجهل هويتها ومن
تكون قبل أربعين عاما تبنتها عائلة أمركية وأخبروها في كوريا أن تخفي
هويتها نالأصلية، لكن لماذا طمست معالم هويتها ومن تكون شا يونغ الحقيقية،
قصة بحث حول الغموض الذي يكنف قصة فتاة تبحث عن إجابات كثيرة . يطرح الفيلم
إشكاليات كثيرة حول مسألة التبني وكيف يعيش الإنسان في ظل كذبة كبيرة لفترة
طويلة، مسألة الهوية، فقدان الذاكرة ويميط اللثام عن عمليات الخداع التي
تتم أثناء تبني الأطفال من دول العالم الثالث. في النهاية أوديسا إنسانية
وقوى خفية تلعب بمصائر الناس . والفيلم حاصل على عدة جوائز دولية في سان
فرانسيسكوولوس أنجلوس من ضمنها جائزة الجمهور كأفضل فيلم وثائقي وجائزة
التحكيم كأفضل مخرج، وأفضل نص.
خاص "أدب فن"
موقع "أدب فن" في
19/04/2012 |