لم يختر المخرج بحر كاظم
موضوع فيلمه الوثائقي (أحدب بغداد) لأن بطله ثابت الآلوسي كان
شخصية مثيرة للجدل
بكل ما تنطوي عليه هذه العبارة من معنى، بل لأنه موضوع إنساني وتعاني منه
شريحة
معينة من الناس. فقد قيل الكثير بحق هذا الرجل سلباً وإيجاباً، فهناك مَنْ
يراه
أفاقاً ودجّالاً ومُشعوِّذاً، وهناك مَنْ يراه شخصاً موهوباً
تجاوز حدود محنته
الجسمانية
وتغلَّب على التشوّه الخلقي الذي ألمَّ به منذ سن
السادسة حتى الثانية عشرة نتيجة سقوطه من مكان مرتفع جداً أقعدهُ طريح
الفراش في
المستشفى إلى أن أصبح على ما هو عليه كشخص أحدب لا يستطيع أن
يزاول نشاطاته اليومية
بحرية تامة، في العراق تحديداً، لأنه يتعرّض إلى مضايقة الصغار له، وسخرية
بعض
الكبار من حدَبَته التي لا دخل له في تكوِّنها.
ا شكّ في أن اختيار المخرج كان دقيقاً في انتقاء
الفكرة الرئيسية التي سيبني عليها فلمه الوثائقي القصير الذي لم يجتز
الإحدى عشرة
دقيقة وهي عاهة الإحديداب التي أصابته جرّاء سقوطه من مكان
شاهق وإصابته بالشلل
الذي أقعده لمدة ست سنوات، لكنه تماثل للشفاء وأصبح قادراً على المشي في
مجتمع (يراه هو قاسياً، وظالماً، وينظر للأحدب على
أساس أنه إنسان غير طبيعي) وربما تمتد
هذه الرؤية لتشمل كل ذوي الاحتياجات الخاصة. يصف ثابت الآلوسي
حياته في العراق في
مرحلتي الطفولة والشباب بأنها صعبة ومريرة جداً لأنه إذا مشيَ في محلّة أو
شارع فإن
الأطفال يتجمهرون خلفه مُردِّدين (أبو حديبة، شقّوا جيبه بالسكّينة)، ولا
يتوانى
بعضهم من رجمه بالحجارة وهو الذي يجد صعوبة في المشي، ولا
يستطيع الهروب والنفاذ
بجلده، فلاغرابة إذاً حينما يتجنّب الركوب في الحافلات، ويتفادى التنقّل في
المواصلات العامة، إذ وجد في سيارات التاكسي خلاصاً من هذه عبث الأطفال
ومشاكستهم،
وسخرية بعض الحمقى من الكبار الذين لا يجدون حرجاً في تجريحه
وإيذاء مشاعره
الداخلية المرهفة. حينما ترسّخ لديه هذا الإشكال لم يستعمل الآلوسي
المواصلات
العامة حتى في البلدان الأوروبية وبضمنها ألمانيا التي عاش فيها مدة طويلة
من الزمن
قبل أن ينتقل إلى لندن ليعيش ويعمل فيها مُجترحاً شهرته
الدولية التي طبقت الآفاق
فعلاً. آخذين بنظر الاعتبار أن الأوروبيين عموماً يبجِّلون ذوي الاحتياجات
الخاصة
ويحدبون عليهم، وثمة أمكنة خاصة بهم في الحافلات والقطارات وعربات المترو
وما إلى
ذلك. يُورد الآلوسي مثالاً مُؤلماً سيعتمده المخرج بحر كاظم
كفكرة رئيسية يبني
عليها سياق فلمه الوثائقي والرسالة الأخلاقية التي يروم إيصالها إلى
المتلّقي. يقول
الآلوسي بأنه حينما كان في سن السادسة عشرة ذهب لزيارة ابن خالته في منطقة
الفَضل
الشعبيّة حيث أوصله سائق التاكسي إلى مكان معين كان يتوجب عليه
أن يترجّل من
السيارة ويمشي لمسافة محددة في زقاق ضيق، ولم يستغرب هو التجمّع السريع
لنحو عشرين
طفلاً أخذوا يردِّدون هذه اللازمة المُفجعة (أبو حديبة، شقّوا جيبه،
بالسكّينة)
ويضربونه بالحجارة وهو القصير، العاجز الذي لا يعرف إلى أين يهرب، وبمِن
يلوذ؟
وحينما طلب النجدة من بعض الكبار في المحلة صادف شخصاً أحمق لئيماً قال له:
(لماذا
لا نمدِّدكَ على الأرض، وندع سيارة تمر بإطارها على ظهركَ لكي
تعدّل حدبتك)؟ لقد
طعنت هذه الفكرة قلب الآلوسي وأدْمتهُ، وأثرّت فيه، ودفعتهُ لأن يبتعد عن
هذا
المجتمع (الظالم) الذي يريد أن يعدِّل حدبته بعجلات سيارة! لقد هيمن عليه
هذا
الهاجس المخيف ودفعه إلى مزيد من العزلة، وصار يقف أمام المرآة
طويلاً محاولاً
تعديل حدبته الناتئة وإبراز صدره المقعَّر، غير أن جهوده العبثية كانت تذهب
أدراج
الرياح.
لم تكن هذه الحادثة المؤلمة هي الوحيدة في حياته، فإذا كان الإنسان
الأحمق الكبير الذي صادفناه قبل قليل ساذجاً ولئيماً فما بال الطبيب الذي
صادفه
الآلوسي في مستشفى اليرموك وهو يحاضر لبعض الطلبة المتدربين
حينما قال لتلاميذه بأن
هذا الأحدب، الذي طلب منه الاقتراب قليلاً، سوف يموت في سن الأربعين لأنه
أحدب
ويمتلك رئة صغيرة لا توفر له الكمية الكافية من الأوكسجين. أمَا كان الأجدر
به أن
يحترم هذا الشخص المُعاق الذي صادف أن يكون ملِّماً باللغة
الإنكليزية ويعرف تماماً
ما الذي قاله بصدد موته المرتقب؟ وفي لقطة مؤازرة لهذا المشهد يظهر الآلوسي
مرتدياً
جهاز التنفّس الاصطناعي الذي يستعمله ليلاً لكي ينام نوماً مريحاً لا
تتخلله
المصاعب التنفسية. لقد تثبتت عقدة الأحدب في داخل الآلوسي،
لكنها خلقت فيه بالمقابل
عنصر التحدي، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس صحيفة (أحدب بغداد) وقد أطلق هذه
التسمية
من التصوِّر الذي تولّد لديه بأنه يقاتل أعداءه بذات السلاح الذي يشهرونه
عليه، غير
أن هذا الأحدب يقول بالفم الملآن بأنه طموح، وحالم كبير، ولدية
تطلعات مثل بقية
البشر، وأكثر من ذلك فهو فلكي، بحسب ادعاءه، يتنبأ بالمستقبل، ويقرأ الغيب
بأكثر من
طريقة منها قراءة الكف، وقراءة البلورة الروحانية، والتمعّن في رواسب
القهوة في
الفنجان، وخاتم الحظ، وإيقاد الشموع الملونة.
لا يقدّم المخرج بحر كاظم مَشاهد
طويلة في هذا الصدد، لأن هدفه الأساسي كما أشرنا سابقاً هو
التركيز على الإشكالات
التي تولدها عقدته الجسمانية وما ينجم عنها من مشكلات جدية تؤرقه ليل نهار.
ومع ذلك
فقد رأيناه وهو يقرأ خطوط يد (زياد) ويخبره بأنه (عاطفي، وعملي، ورومانسي
مع
النساء)، كما أوقفه أمام البلورة الروحانية حتى يكتشف مخه وعرف
القوة المغناطيسية
الكامنة فيه، ثم طلب منه يعصر يده بقوة، وأخيراً استنتج بأن (زياد) شخص
جريء،
وحينما ينظر إلى فتاة ما فإنها تنجذب إليه بسبب المغناطيسية العالية التي
يتوفر
عليها. يخلص الآلوسي إلى القول مُجسداً الرؤية الإخراجية لبحر
كاظم بأن الظروف
الحياتية التي واجهها كانت صعبة جداً ولا تُطاق غير أنها فجّرت مواهبه
الصحفية
والفلكية على وجه التحديد، وحققت له هذه الشهرة الكبيرة التي دفعت بالعديد
من
الملوك والرؤوساء والشخصيات المهمة في العالم أن يدعوه
ويكرّموه أو يردّون على
رسائله في الأقل.
كما أثبت لطبيب مستشفى اليرموك خطأ توقعاته الطبيبة، فلم يمت
في سن الأربعين، وها هو يحتفل بعيد ميلاده الحادي والستين بين أهله وذويه
وأصدقائه
وحتى زوجته السابقة وواحدة من بناته الأربع بينما يَلقى هذا
المُعاق بدنياً
اهتماماً كبيراً من معظم النساء اللواتي كنّ يراقصْنهُ ويقبلْنهُ بين أوانٍ
وآخر.
تخلل الفلم بعض اللقطات والمَشاهد الخارجية
التي تكشف عن عناية الأوروبيين بذوي
الاحتياجات الخاصة حيث يصطحبونهم إلى الأنهر الحدائق العامة
بغية الترويح عنهم
والتخفيف من عزلتهم المنزلية، وإشعارهم بأنهم جزء حيوي من المجتمع، وأنهم
لا
يختلفون عن الناس الأصحاء طالما أنهم يمتلكون عقولاً متوهجة، وأحلاماً
كبيرة أفضت
بشخص مثل الآلوسي أن يطلق صحيفة مهمة، ثم يردفها بمجلة (البلّورة)، وأن
يزاول مهنة
التنجيم، ويشتهر بها، مستقطباً بعض الملوك والرؤوساء والشخصيات العامة إلى
مداراته
التي تمغنطها النبوءات المدهشة التي قد تصدق مرة وتخيب مرّات
عديدة. لابد من
الإشارة إلى أن المخرج بحر كاظم الذي ولد في كربلاء، ودرس في قسم الإخراج
بمعهد
الفنون الجميلة ببغداد، قد أنجز عدداً من الأفلام الوثائقية نذكر منها
(ذاكرة
المكان)، (7/7) و(أحدب بغداد).
المدى العراقية في
19/04/2012
"أزهار
الحرب "..
و اللعب على العاطفة
القومية
ترجمة: عادل العامل
يأمل السينمائي الصيني
البارز زانغ ييمو Zhang Yimou
أن يحقق نجاحاً كبيراً في الصين على الصعيد العالمي
بفيلمه الجديد، ( أزهار الحرب ). و السؤال هو : هل يا تُرى
بإمكانه أن يفعل
ذلك؟
إن فيلم ( أزهار الحرب )، الذي يُبرز نجم هوليوود المعروف كريستيان بيل،
مرشح لنيل جائزة الأكاديمية في الصين لأفضل فيلم أجنبيّ اللغة، و هو يعالج
موضوعاً
مألوفاً داخل الصين : احتلال اليابان الوحشي لمدينة نانجين
Nanjing
الصينية
الجنوبية في عام 1937.
وهذا الفيلم بميزانيته الضخمة هو آخر فيلم ينجزه
المخرج الصيني زانغ ييمو، مع نجم هوليوود كريستيان بيل الذي يقوم بالدور
الرئيس. و
قد أشار بعض النقّاد إلى أنه عمل فني مناصر للصين مبالغ فيه. وقد رد زانغ و
بيل
على ذلك من السجادة الحمراء، كما جاء في تقرير لأنجيلا يوه من WSJ.
وربما يكون
انجذاب المشاهدين الصينيين إلى الفيلم لذلك السبب، لكنه مع هذا عمل فني
مصور بشكلٍ
فخم، و له ما يشبه تأثيرات هوليوود الخاصة بحبكته التي لا تجر إلى صدمات
انفعالية.
ويركّز الفيلم، الذي افتُتح في الصين و بعدها بأسبوع في الولايات
المتحدة، على شخصية تُدعى جون ميلر، يمثلها السيد بيل، و هو حانوتي أميركي
فاسق وصل
نانجين ليدفن قس البلدة الكاثوليكي. فيجد مجموعة تحاول أن تنقذ تشكيلة من
التلميذات
الصينيات و المومسات المحليات اللواتي احتمين بالكاتدرائية من
فظاعة الاحتلال
الياباني.
إن تصوير السيد زانغا الوحشية اليابانية لا يترك للخيال إلا القليل.
فالمعالجة الدقيقة الفروق للشخصيات الصينية
في تباين شديد مع تصوير اليابانيين
كوحوش غريبة أحادية اللون. فنجد في لقطةٍ جندياً يابانياً
يطارد التلميذات الصينيات
عبر الكاتدرائية صائحاً : " أيها الملازم أسرع إلى هنا، لقد حصلنا على
عذارى!".
قد يكون هذا مرضياً مع حشد النظّارة في الوطن. لكن اللعب على العاطفة
القومية يخاطر بتنفير الجمهور الأجنبي الأوسع الذي يُفترض أن زانغ يتصيده
بوضعه
ممثلاً أميركياً في مركز الأداء.
عن
/ Scene Asia
المدى العراقية في
19/04/2012
من ذاكرة السينما..
"نابليون1927
"
لغانس
ترجمة: ابتسام عبد الله
بعد أن تم العرض الأول
لفيلم المخرج الفرنسي ابيل غانس ، "نابليون"، في باريس عام 1927 ، كتب غانس
(رسالة
إلى مشاهديه مناشداً إياهم مشاهدة الفيلم بعيون وقلوب مفتوحة وأضاف "لقد
بذلت جهداً
كبيراً لتقديم سينما أرقى وأفضل" . وفعلاً كان الفيلم قفزة في الفن
السينمائي
محققاً طموحات مهمة في السرد والتقنيات السينمية
.
إن الصورة العريضة للشاشة يمكن إعادتها إلى
غانس وفيلمه "نابليون" . وقد سجل ذلك الفيلم أول استخدام لآلة
التصوير اليدوية
وأيضاً درجات الألوان الخفيفة الرائعة ، وأخيراً اللقطات المصورة من الدرجة
أو من
سطح متذبذب الحركة أو من فوق حصان يعدو .
كان الفيلم مثيراً للدهشة ، ونسخته
الأولى كان طولها من 3 ساعات إلى 6 ساعات و28 دقيقة ( وفي
الأصل كان طولها 9 ساعات
) .
وعندما اشترت ميتروغولدوي ماير الفيلم ، اختصرت طوله إلى 70 دقيقة قبل
توزيعه في أميركا ، ما أثر كثيراً في الفيلم ، وشجع النقاد على الكتابة ضده
.
وواصل غانس تحسين الفيلم ، مضيفاً إليه الصوت (نسخة 1935). وبعد عدة
عقود
، أضاف إلى الفيلم المزيد . علماً أن المؤرخ البريطاني الشهير كيفين براولو
وآخرين
كانوا يفضّلون النسخة الأصلية من الفيلم.
وفي كتابه يقدم براولو قائمة بـ
19
نسخة من " نابليون " ، والنسخة العشرين لبراولو ، عرضت موجزاً في
مهرجان سان
فرانسيسكو للأفلام الصامتة .
وفي المرحلة الزمنية التي بدأ فيها غانس
(المتوفى
عام 1981) عمله في فيلم "نابليون" ، كان يعد واحداً من الطليعيين
السينمائيين بسبب فيلمه ، "أكيوز" العاطفي الذي قدمه عام 1919 ، معبراً فيه
عن غضبه
على الحرب العالمية الأولى ، وكان قد قدم أيضاً فيلماً جيداً بعنوان
"الطريق" ، عن
الرغبة اليائسة في عائلة فقيرة، عند خط القطار. وقد حقق الفيلمان نجاحاً
كبيراً،
وعن ذلك الفيلم قال الرسام التكعيبي الذي تحول بعدئذ إلى مخرج
سينمائي "إن غانس
ارتقى بالفن السينمائي إلى طائرة الفنون الجميلة" وأعلن جان كوكتو " أن
هناك سينما
ما قبل وما بعد فيلم "الطريق" كما أن هناك رسماً ما قبل وما بعد بيكاسو".
وقد جدد غانس رؤيته لنابليون عبر 6 أفلام ،فقد أخرج ، (أو أعاد إخراج
الفيلم الأول)
مراراً، وينتهي الفيلم في عام 1796 ، ونابليون يبلغ الـ 26 من العمر ، يقود
الجيش
الفرنسي نحو إيطاليا لما عرف بعدئذ بالحملة الإيطالية الأولى .
ولم يكن غانس
يهدف لتحقيق فيلم (ميلودرامي) عن البطل الفرنسي ، بل كان مولعاً بالتأريخ،
وقد
أرغمته ميزانية الفيلم على عدم تخطي حدودها، ولكنه مع ذلك أحدث ثورة في
السينما ،
محرراً آلة التصوير من جمودها ، لتكون في حركة دائمة .
لا يزال لفيلم غانس
معجبون في عالم السينما . وقد شاهده في العرض الأول له، المارشال بيتان
وشارل
ديغول، اللذان سيتحولان مع الأيام إلى عدوّين .
ومع الأيام والتطورات التي
حدثت في صناعة السينما ، اختفت النسخة الأصلية الكاملة لفيلم
نابليون، وغدت من
الأحلام التي يصعب تحقيقها ، حالها حال نسخة فيلم "الطمع" التي كان طولها
10
ساعات، ومن إخراج ايريك فون ستروهايم .
المدى العراقية في
19/04/2012
الرحالة الأخير.. قاسم عبد وميسون
باججي
عقيل عبد الحسين
البصرة.. حيث غادرها آخر
الرحالة، ترك انطباعاً سيئاً في النفس. فكم كان يذكر بين السطر
والسطر، وفي أثناء
وصفه المدينة بأنها الرعناء، لتقلب جوها. وهي الخريبة، لكثرة ما تعرضت له
من تخريب.
وهي، أيضا، المدينة التي لا تغادرها
العتمة، ولا يتركها الغبار، ولا ينقشع عن صدر
بيوتها الملح.
أما الوجوه فهي سمراء ومتعبة ومتبدلة. ماذا سيقول
عن البصرة؟ لا شي مما كان ينقله الأوائل في كتبهم، من حراكها الفلسفي
والفكري
والنحوي والشعري. لا شيء مما ينقله المصورون في صورهم عن حيوية
النخيل، ورقرقة
المياه، وانسدال الشوارع في الضوء الباهر. لا شيء.. لا شيء.. الرحالة
الأخير، الذي
قرر ألا يعود إلى البصرة، وألا يمر بها، وألا يقرأ كتابا عنها أو يسمع وصفا
لها،
وأن يطوي الفصول المخصصة لذكرها في الكتب، قرر ألا يخص البصرة بأي وصف.
وبينما كان
يتسلى بالكتابة عن مشاهداته فيها فيما يسير به جمله باتجاه
مدينة أخرى، هجس في نفسه
انه سيتلف هذه الصفحات التي ألجأته لها الضرورة والملل من طول الرحلة وطلب
التسلي
بالكتابة. غير انه لم يفعل لأن مشاغل أخرى شغلته ومدنا غيرها ألهته، ليترك
وصف
البصرة هذا مفتوحا لي – أنا القارئ – العنيد، العصي، الذي لا
يثق بأوصاف الكتاب،
ولا بمبالغات الرحالة، ومللهم السريع من المشاهدة، ومن اكتفائهم بظاهر
المشهد دون
باطنه. ثم ما الذي يمنعني، أنا قاسم عبد، من أن أتفحص البصرة بعين السينما
هذه
المرة، وحتما ستكون كرامة، وسيجتمع حولي المريدون، وسأصنع منهم
حلقة في مسجد
البصرة، وسأبين لهم أن الحاضر موصول بالماضي وليس من اختلاف إلا بالأدوات
وطريقة
استعمالها فـ (المابعد) موجود وهو الـ (المابعد) والعين المدربة هي التي
تصل إليه.
وكم كانت عين الرحالة الأخير ملولة وسوداوية حيث قالت إن البصرة خريبة
وإنها متقلبة
الجو وإنها خالية من أي شيء، وليس فيها من أمل..
سوف يجمع المريدون على صدق
قاسم عبد ويكثرون حوله ويثقون بآلته، وينهلون منه أسرار صنعته،
ليصنعوا الأفلام
الوثائقية وليمروا بالبصرة من جديد، وهم من أهلها، ويهجروا مقولة الرحالة
الأخير
ذلك الذي لم يكن يملك غير جمل، وحملاً من الورق الثقيل، ومحبرة، وأقلام
قصب،
وجراباً فيه صور قديمة للبصرة كان قد اشتراها من سوق للأثريات.
وسوف تعلم المريدين
ميسون باججي المونتاج لينتقوا من بين لقطاتهم أكثرها دلالة وقدرة على
الكلام من دون
كلام، ليكون لنا في البصرة لسان.. بعد أن يدققوا جيدا بسيماها البسيطة
المشرقة،
وبقصة شعرها الواثقة، وبملابسها المنتقاة كلقطات جميلة
متناسقة، وبارتعاشة يديها
المدربتين. سيكون قاسم عبد أكثر حماسة وأشد نفوذاً بينما يشير إلى كلام ذلك
الرحالة
وهو يحدث ميسون باججي قائلا وبسرعته الحماسية المفعمة ذاتها: ميسون.. كاد
يخدعنا
كلام ذلك الرجل، كاد يخدعني، في البصرة ما يستحق الرحلة من
جديد، البصرة ارض جيدة
لإنبات الأفكار وتطوير صيغ الاختراع والجدل والحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقيم قاسم عبد بمعاونة ميسون باججي
بالتعاون مع جامعة البصرة حاليا دورة عن الفيلم
الوثائقي هي الأولى من نوعها تشمل
محافظات البصرة والجنوب
المدى العراقية في
19/04/2012
صباح الفن
ربيع فاتن!
بقلم :- انتصار دردير
وسط حالة التخبط وفقدان الأمل التي نعيشها تذكرتها..
شعرت باحتياج لان اسمعها..
فهذا هو وقتها..
اذا لم تتحدث هي الآن..
فمتي تتحدث ومن يتحدث إذن..
لماذا تركنا ساحة الكلام للغوغاء والمدعين؟ اتصلت بها ولم ترد..
تقبلت الأمر فرقم هاتفي غير معروف لها.
النجوم الكبار ـ بل والصغار أيضا..
لا يرودن إلا علي الأرقام المسجلة لديهم..
قبل أن أعاود الاتصال بها فوجئت بمكالمة
منها لم اسمعها ثم عاودت هي الاتصال مرة أخري..
حين صافحني صوتها اذهلتني المفاجأة بادرتها قائلة:
اذن فقد جاء الربيع بحق وحقيقي..
انه ربيع فاتن حمامة ـ كان ذلك يوم شم النسيم ـ ضحكت بدا لي
وقتها وجه أنيسة البريء في فيلم »يوم سعيد«
طلبت منها اجراء حوار معها..
اعتذرت بلباقة قلت لها ان هذا هو وقت فاتن حمامة..
عبرت في كلمات قليلة عن ضيقها وحزنها علي المشهد الحالي في مصر.. قالت: ما
جدوي الكلام..
تتابع بخوف وقلق ما يجري..
أصررت علي أن هذا هو وقتها..
تملك الحب والمصداقية والتأثير..
لماذا لا تكون هذه القديرة ضمن لجنة صياغة دستور مصر.. حين يأتي اسم فاتن
حمامة لابد ان نتوقف طويلا قبل ان يأتي اسم أي ممثلة أخري بعدها.. لم اسعد
بلقائها حدثني عن جوانبها الإنسانية استاذي محمد تبارك ومدير التصوير وحيد
فريد رحمهما الله..
أما مشوارها الفني فأنا مفتونة به رسمت بأفلامها صورة شديدة
الرقي للمرأة في كل حالاتها..
مازلت أبكي بدموع ساخنة وأنا أشاهد ـ للمرة
المليون ـ »نهر الحب«
حين يأتي الحب في الوقت الخطأ..
اتعاطف مع لحظات ضعفها في
»دعاء الكروان« اتقبل شرها في »لا أنام«
اتوحد معها في
»أريد حلا« حتي حين فقدت أعصابها وتجرأت بلفظ »ابن..«
في »الخيط الرفيع« التمست لها العذر.
كل العذر..
أحبها ومازلت أنتظرها.
entsar13@hotmail.com
أخبار اليوم المصرية في
20/04/2012 |