أوحت صحيفة النيويورك تايمز أن ما زاد الأمر تعقيدا فى قضية الفنان
عادل إمام هو صداقته للرئيس المخلوع مبارك، وهو إيحاء ربما جاء نتيجة قراءة
الصحيفة الشهيرة للمشهد العام فى مصر، وهو الإقصاء والانتقام لكل من حُسب
على نظام الرئيس السابق، لكن مَن قال إن الفنان الكبير كان صديقا لمبارك؟
إننى أعتبر ذلك محض افتراء، ومخالفا للحقيقة، ومغايرا لواقع ينبثق من
تاريخ فنى لهذا النجم قدم خلاله مجموعة من الأفلام وحتى المسرحيات التى
وجهت انتقادات شديدة للنظام المصرى وسياسته التى ساهمت فى تراجع وإحباط
وانكسار المواطن المصرى، وشعوره بالانهزام، أمام متطلبات المجتمع، وأمام
سياسات اقتصادية وتعليمية وأيضا قرارات سياسية أصر النظام المصرى على السير
فيها وبها على أحلام وآمال الوطن والمواطن، وتعالوا نتذكر معا كيف شكل عادل
إمام ثنائيا رائعا مع المبدع الكاتب وحيد حامد وقدما معا أعمالا سينمائية
كانت بمثابة صرخات تحذيرية مهمة مما يسير عليه المجتمع، مثلما شاهدنا «طيور
الظلام» و«الإرهاب والكباب» و«النوم فى العسل» و«اللعب مع الكبار»
و«المنسى» وأفلام أخرى مثل «الإرهابى» و«حسن ومرقص» و«كراكون فى الشارع»
ومن قبلها «الغول» و«عمارة يعقوبيان» حتى ثلاثيته الفانتازية «رجب فوق صفيح
ساخن» و«شعبان تحت الصفر» و«رمضان فوق البركان».. كانت جميعها رسائل
سينمائية مهمة كشفت عن عوار حقيقى لنظام سياسى، والواقع أن إمام كان أكثر
النجوم ــ ربما ما يتمتع به من شعبية ــ جرأة فى تناول أعماله.
طرح عادل إمام فى «الغول» فساد الكبار، وفى «المنسى» طرح فكرة فساد
تزاوج رجال السلطة بالمال، وفى طيور «الظلام» طرح العلاقة السرية بين
التيارات الدينية والحزب الوطنى، وفى «الإرهاب والكباب» كشف المصاعب
اليومية التى يعانى منها المواطن المصرى نتيجة خلل النظام الإدارى، وفى
«اللعب مع الكبار» كان هناك فساد الكبار فى صورة مزعجة، وفى «النوم فى
العسل» وجدنا الكبت والديكتاتورية وكيف أثرت على عاطفة الشعب المصرى.. كل
هذا كان فى عصر الرئيس المخلوع وتقولون إن إمام كان صديقا لمبارك!
واقع الأمر أنه حينما تحتار فى حكم قضائى ــ وليس تعترض ــ تطفو على
السطح تأويلات وتفسيرات لهذا الحكم خاصة إذا كان واقعة كالصدمة أو المفاجأة
غير المتوقعة، لكن فى قضية عادل إمام ربما كان التأويل أو التفسير الوحيد
الذى ملأ وجدانى كان بمثابة تساؤل: ترى إلى أين نسير، وفى أى اتجاه؟ كيف
سيكون مستقبل الإبداع المصرى وكيف سيتعامل الفنان مع أدواره؟
فى وقت أصبح فيه لا يعلم حقيقة ما هو دوره القادم!!
تفاءلوا بحبس عادل إمام
خالد محمود
الخميس 26 أبريل 2012
صدمة موجعة حقا تأييد الحكم بحبس الفنان عادل إمام ثلاثة شهور مع
الشغل.. صدمة مؤلمة حقا أن تكون حيثيات الحكم ورفض معارضة الفنان كونه
متهما بازدراء الدين الإسلامى والتحقير من الزى الإسلامى والظهور فى أفلام
مثل «الإرهابى» و«السفارة فى العمارة» و«مرجان أحمد مرجان» وهو يسخر من
الأديان.
صدمة موحية ــ ذلك الحكم ــ بأن الفن سوف يلاقى ويلات العقاب
والمطاردة والتخويف وسوف يلاقى الفنان ويلات الحبس والبقاء بجوار مجرمين
نهبوا وسرقوا وازدروا كل القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية ونهبوا حق
الوطن والمواطن.
قال لى صديقى ظهر أمس الأول ــ عبر مكالمة تليفونية ــ «البقاء لله»..
قلت خير مين «.....».. قال: الفن.. وانتظرت صامتا على السماعة فى انتظار أن
يسترسل شيئا يوضح ما يريد قوله.. وقال: يبدوا أن الفن سيضمر وأن الفنان
سيتآكل وسينكمش داخل نفسه.. سوف يخاف، ويخشى أشياء عديدة، كل عمل أو مشهد
أو لقطة أو كلمة ستعرض عليه، سيخشى أن تحمل فى معناها الخفى الازدراء..
وبالتالى اتهام ودعوى قضائية من شخص ما وحكم قضائى.. ومصير مزعج بالسجن.
ثم قال صديقى: أيدوا الحكم على عادل إمام بالحبس مع الشغل.. عادل إمام
ثبتت عليه تهمة الإساءة للإسلام فى فيلم «مرجان والسفارة فى العمارة»..
البقاء لله.
وقلت له يا صديقى: لعلها لحظة نستفيق فيها، وتستنهض عزيمتنا ونستلهم
إرادتنا، ونعى أن الواقع صعب، والقادم أصعب.. وبما أن الفن دائما يجسد قيمة
الأمل، فلا بد أن ينهزم اليأس، ويجسد قيمة الحماس فى حياة مطمئنة، فلابد أن
يتلاشى الإحباط.
وأنا أشعر بالتفاؤل والأمل فى الغد، وأشعر أن ما حدث فى قضية عادل
إمام مجرد كبوة، وإن كانت هذه الكبوات تكررت كثيرا فى حقلى الثقافة والفن
عبر سنوات عصرنا الحديث.
انطباعات (تيتانيك) الأولى.. تدوم
خالد محمود
الجمعة 13 أبريل 2012
فى دنيا المشاعر.. الانطباعات الأولى تدوم، ولأن السينما هى عالم خاص
من القصص المليئة بالأحاسيس والمشاعر، فمشاهدها وحكاياتها تبقى فى مخيلتك،
تؤثر فى وجدانك، بل وتستدعى تلك المشاهد ــ أحيانا ــ حينما يمر أمام عينيك
فى شريط الحياة والواقع موقف مشابه، أو جملة تتلقنها من مخزونك المرئى
لتعبر بها عن حالك.
هنا أقصد بالتحديد القصص الرومانسية على الشاشة المقرونة فى نفس الوقت
بالكوارث أو الأحداث العظمى، وكما هى الحياة أصبحت الآن خليطا من هذه
الأحداث المؤلمة والمشاعر الفياضة.
وأعترف فور مشاهدتى النسخة الجديدة من فيلم «تيتانيك» أو لغز السفينة
تيتانيك ــ الذى قدمه المخرج العبقري جيمس كاميرون بطريقة تكنولوجيا الـ«3D»
ــ أننى لم أتفاعل معه بنفس قدر مشاهدتى الأولى لنسخته السابقة رغم كثافة
عناصر الإبهار الجديدة التى غلفت صناعة الفيلم، فتلك العناصر والمؤثرات
التى اقتحمت العرض بطريقة الـ3D، لم تشأ أن تزيد من جرعة انفعالاتى واندماجى وأن تستحوذ على مشاعرى
مثلما حدث معى فى العمل الذى قدم عام 1997 ويعيد النسخة الأم والأفضل من
الفيلم الأمريكى الشهير.
فالقصص الرومانسية حتى وإن كانت مغلفة بحادث بشع ومدمر، لا يمكن أن
يزيد من عمقها الإنسانى مؤثرات تكنولوجية حديثة، وإن كانت ربما تصلح فى قصص
أخرى مليئة بالمفاجآت. هنا أنا أختلف مع السيد كاميرون مخرج العمل الذى حقق
نجاحا مبهرا فى تلك المحطة وغيرها، فالواقعية الشفافة التى غلفت قصة ومأساة
غرق السفينة تيتانيك كانت من نجاح الجزء الأول، كانت العلاقة بين بطليها
عبر قصة الحب الجميلة والرائعة التى نشأت على متن السفينة وانتهت بدراما
مؤسفة، لا تحتاج إلى تذويقه ثلاثى الأبعاد فقد تعاطفنا وغامرنا بعواطفنا
وبكينا مع الشابين المفعمين بالحيوية جاك داسون «دى كابريو» وروزدويت «كيت
وينسلت» وهما يكافحان من أجل البقاء معا.. لهذا حقق الفيلم نجاحا تاريخيا
وتخطت إيراداته العالمية 1.8 مليار دولار، وظل على قمة الإيرادات منذ عرضه
فى عام 1997، وحتى عام 2010 عندما استطاع أخيرا فيلم «أفاتار» أن يحتل
القمة بعد 13 سنة عاشها الفيلم منفردا بقمة الإيرادات، ليصير الفيلم نفسه
لغزا لا يعرف أى شخص سر هذا النجاح والذى جعله يحصد 11 جائزة أوسكار رغم
أنه فيلم درامى مأساوى ويقوم ببطولته وجوه جديدة فى ذلك الوقت.
واقع الأمر أن النسخة الجديدة من تيتانيك عادت إلى الشاشة بمناسبة
مرور مائة عام على انطلاق السفينة يوم 10 أبريل حيث وقعت المأساة عام 1912
وهى الكارثة الغامضة التى لم يفك الزمن أسرارها إلى الأبد ليقوم المخرج
بتحويل الفيلم فى تجربة ثلاثية الأبعاد من أجل إثارة الجمهور، وهنا تبدو
الحسنة الكبرى هى تذكر مأساة تلك السفينة.. الأكثر من التعلق بالفيلم فقط
تفاعل المشاهد مرة أخرى بمشاهد الغرق القوية، وبالعلاقة بين روز وجاك،
وتذكر خلال 3 ساعات تقريبا قصة غرق السفينة ومعها 1500 شخص من ركابها الذين
كان عددهم 2200 لتتحول إلى أغرب حادث إنسانى فى التاريخ.
كان دافعى للذهاب لمشاهدة الفيلم ثلاثة أشياء هى أغنية سيلين ديون
الرائعة واستحضارها فى مشهد النهاية (سيواصل قلبى المشوار) والتى قالت فى
بعض كلماتها: كل ليلة فى أحلامى أنا أراك، وأشعر بك، هكذا أعلم أنك يا قلبى
ستواصل المشوار لكن بعيد عبر المسافات، لقد جئت كى تكشف لى أنك ما زلت
مستمرا فى الحياة.. الحب يلامسنا مرة واحدة، ويدوم طوال الحياة، ولا يتركنا
أبدا حتى نموت. لكننى لم أجد الأغنية مثلما لم أجد المشهد الرائع لرسم جاك
لحبيبته روز وهى عارية ويبدو أن الرقابة حذفته دون أن تدرى أنه يمثل بعدا
دراميا رائعا فى تلك العلاقة.
الشىء الثانى هو أداء دى كابريو وكيت وينسلت الذى كشف عن موهبة مبكرة
لهذا الثنائى، ورأينا كم حققا نجاحا كبيرا فى مشوارهما فيما بعد، وشاهدنا
كيت تتآلف فى «مخلوقات متوحشة، وهاملت، ودخان مقدس، والطريق الثورى،
والقارئ»، ووجدنا دى كابريو فى أدوار عظيمة مثل «جيلبرت جراى»، «روميو
وجوليت»، و«ذو القناع الحديدى»، و«عصابات نيويورك»، و«أمسكنى إذا استطعت»،
و«ج. إدجار» و«البداية».
وثالث ذلك الديكور الهائل للسفينة تيتانيك وبراعة جيمس كاميرون فى
استخدامه.. كنت أريد أن أشاهد البدايات الرائعة لأتذكر كم كان هؤلاء جميعا
بارعين فيما بعد، تأكدت مرة أخرى أن نجاحهم لم يأت من فراغ، وأنها لم تكن
مصادفة أن تحيل دى كابيرو وكيت مكانة رائعة فيما بعد، وأن يتربع كاميرون
على عرش السينما المثيرة وليكن لنا فى تيتانيك الأول وأفاتار وأفلام أخرى
مثالا.
لقد تفوق الأداء على التكنولوجيا.. أعاد الحادث آلامه لتسبح فى
الوجدان دون تأثر أكثر بالتلاعب بالصورة ومؤثرات الصوت وإذا كان صناع
الفيلم يرون أنهم يعطون فرصة لجيل القرن الواحد والعشرين لمشاهدة الفيلم فى
السينما مع تقديمه بخاصية ثلاثى الأبعاد، فإنهم محقون، فالجيل الجديد
يتفاعل أكثر مع التكنولوجيا والمؤثرات الحديثة، وخاصة الذين لم يكونوا قد
ولدوا قبل 15 عاما، فإننى أحتفظ ببكارة اندهاشى فى النسخة العادية وغير
العادية الأولى التى تأثرت وكثيرون معى.. بل وأتذكر جيلى تبادل كل تلك
المشاعر فى مشهد الغرق الأخير والحب والضياع والإحساس ببعض الأشياء، وكم
كانت ضخامة السفينة ومشاهد تصادمها مع الجبل الجليدى ومكافحة الركاب مليئة
بالحيوية وقوية ومشوقة.
كثير من الأفلام أعيد تقديمها لكنها لم تكن بروعة الصورة والانطباع
الأول، وإن كنت اعتبر أن منتجى هذا الفيلم قدموه مرة أخرى فهو لم يكن سوى
تحية كبيرة لطموح مخرجه الرائع جيمس كاميرون وتخليدا للذكرى المئوية لواحدة
من أكبر مآسى تاريخ البشرية.
تعددت الأفلام.. والكارثة واحدة
نجحت السينما فى إحياء قصص حقيقية ووهمية عاشها ركاب السفينة فى
لحظاتهم الأخيرة عبر مائة عام، ووجد الغرق المأساوى للسفينة هى خاصا لدى
صناع الأفلام خاصة الأمريكية ــ كما ذكر الباحث والناقد السينمائى محمود
قاسم فى دراسته الجديدة «100 عام تيتانيك.. الفيلم والحدث» حيث إن استعراض
المأساة بشخوصها وقوتها من خلال إنتاج أفلام ضخمة الإنتاج تجعل الناس
يشعرون بمدى الخسارة الفادحة التى مُنيت بها البشرية، لذا ظهر «تيتانيك»
سينمائيا بصور عديدة منها أفلام تدور فوق سطح السفينة قبل أن تغوص، ومنها
أفلام عن محاولات العلماء انتشالها وسط ظروف صعبة. ومن هذه الأفلام
«تيتانيك» إخراج الألمانى هربرت سلبين عام 1943، وفيلم آخر أخرجه جان ينجو
لسكو عام 1953 بطولة بربارا استانويك وروبرت واجنر، وفيلم «ليلة للذكرى».
وفى عام 1995 عادت السينما إلى مزج التسجيلى بالمتخيل فى فيلم يحمل
اسم السفينة أخرجته ميليسا بلتيه مدته 200 دقيقة وهو يقوم على تسجيل أقوال
الشهود الباقين على قيد الحياة وعلى الصور الباقية، كما جمع فيلم «انتشار
تيتانيك» إخراج جيرى جامسون عام 1980 الكثير من العاملين فى السينما وهناك
أيضا الفيلم الفرنسى «وصيفة السفينة تيتانيك» إخراج أندريه كونراك.
وبعد نجاح الفيلم الذى قدمه جيمس كاميرون، سارعت شركات عديدة لعمل
أفلام عن المصير المأساوى للسفينة، كما ذكر محمود قاسم، ففى عام 2000 قام
المخرج الإيطالى كاميليو تبتى بإخراج فيلم تحريك عنوانه «تيتانيك..
الأسطورة تذهب»، وفى عام 2010 قدم شون فان وايك فيلما عنوانه «تيتانيك ح».
كما سعى قاسم فى دراسته أيضا إلى عمل تفسير لغرق تلك السفينة من ناحية
ولنجاح فيلم تيتانيك ونجومه من ناحية أخرى، وكيف أن هذا النوع من الأفلام
يجدد نفسه دوما.
گيف تفكر(سينما الإخـوان)؟
خالد محمود
الخميس 5 أبريل 2012
ترى كيف تفكر سينما الإخوان؟ سؤال دار بذهنى وأنا فى طريقى لدار
الحكمة بعدما تلقيت دعوة لمشاهدة ثلاثة أفلام ما بين روائية وتسجيلية
وقصيرة من إنتاج جماعات إبداعية تنتمى للتيار الإسلامى. فى بداية الأمر
تصورت أنى سوف أشاهد أعمالا وثائقية أو تاريخية أو حتى روائية عن التيار
ذاته.. إنجازاته، معركته الانتخابية، كفاحه وتاريخ رموزه فى ظل النظام
السابق.. رؤاه وخططه المستقبلية.. لكن قلت ولماذا أسبق الأحداث، وأنا سوف
أكون فى قلبها بعد دقائق.
وصلت قاعة العرض، وجدت د. محمد النجار أحد المسئولين عن النشاط الفنى
بالجماعة يستقبل الحضور بابتسامة، وكان المشهد عبارة عن أسر.. أطفال ورجال
وفتيات وسيدات، وبالطبع كان العنصر النسائى يرتدين الحجاب.
بدأت الجلسة ببضع كلمات تؤكد مفهوم الفن الواعى والنامى والناهض
بالأمة وكأنها كلمات تمهد لمشهد صوفى قادم، وبدأ عرض الفيلم الروائى «عريس
لُقطة» وكانت المفاجأة انه عمل اجتماعى كوميدى، وكأن صنّاعه يغازلون التيار
السائد على ساحة السينما والمكتسح للايرادات أيضا. وهى نقطة ذكية تحسب
لطاقم العمل وما يقف وراءه من فكر، فالكوميديا اليوم سلاح ونمط سينمائى
جذاب، وإن كانت شخوص العمل هنا مختلفة عن تلك التى ألفها الجمهور ورواد دو
العرض، الحقيقة أن الكوميديا فى العمل متميزة وتعتمد على سيناريو بسيط
وإنتاج متواضع وحوار ربما يدور داخل كل الأسر اليوم وطوال العرض وحتى قبل
المشهدين الاخيرين وأنت ترى عملا يخلو من التنظير والشعارات وإن كانت
بطلاته ترتدين الحجاب.
الفيلم أنتجه فريق يُدعى «فكرة» ويبدو انه سيكون له شأن قادم فى مجال
الإنتاج السينمائى وإن كان يخطو الطريق خطوة خطوة من باب جس النبض، وهو ما
اعتبروه أول عمل سينمائى بالمعنى القريب من الشكل المتكامل للفيلم
السينمائى الطويل، وإن كانت مدته لا تتجاوز الساعة، وهو يطرح الصعوبات التى
تواجه الشباب فى الزواج، وخاصة الفتيات اللاتى تخشين من شبح العنوسة..
وبطلة القصة هى فاطمة التى تتفق مع أحد الشباب على الزواج والتقدم لأسرتها
لطلب يديها، اتفقت معه على كل شىء رغم علمها انه حرامى، وبالفعل يذهب
العريس الحرامى «اللُقطة» إلى أهل العروسة ليطلب يدها، نجد حوارا فانتازيا
يقترب من الكوميديا السوداء يدور بين العريس ووالد العروس الذى جسده الفنان
سامى عبدالحليم، وتتفجر المواقف الكوميدية حينما يخبر العريس الأب بأنه
يعمل حرامى مجوهرات ويحاول إقناعه بأنه عريس لقطة، فمن الشاب الذى يستطيع
اليوم تحقيق حلم الزواج وقادر على ثمن شقة تمليك أو حتى إيجار ويجهزها
ويدفع مهرا.. استطاع العريس إقناعه أنه الأفضل لابنته وأن الأب لو انتظر
عريسا شريفا ومكافحا جاهزا لابنته سيكون عمره قد وصل الخمسين.. وأنه هو
العمر الطبيعى لمن أراد أن يجهز نفسه بالحلال وذلك فى ظل بطالة ورواتب
متدنية حتى لو عمل ليلا ونهارا.
كانت المفاجأة المدهشة أن اقتنع الأب بفكر العريس الذى ساق كل
تبريراته للإقناع فى قالب كوميدى، ومن لحظة لأخرى نجد الأب ينتفض ويحتار ثم
يقرر الرفض.. ثم يعود يسأل العريس هو أنت حرامى قوى؟ جامد «يرد العريس»..
ونرى الأب يتفهم الموقف ويوافق على الحرامى خاصة عندما اضطر لإخفاء حقيقة
العريس فى وجود جارهم الضابط الذى حضر فى نهاية الجلسة. وتصورنا أن الأب
وجد فى الحرامى بحق العريس اللقطة، بل واقتنع بفكرة ابنه الطفل الشقى أن
الصغير عن طريق القرصنة فك شفرة حساب أحد بنوك امريكا وتحويل أموالها فى
حساب خاص بالأسرة.
ثم نرى بداية التغيير أو التمهيد له حيث نشاهد الأب وكأنه خلفه دوامة
صراع نفسى، مهموما حائرا يحدِّث نفسه وكأنه يبحث عن مبررات لاقناع نفسه
بقبول العريس.. لكن فجأة نجد ضميره أصبح يقظا، وهنا نرى مشهد النهاية أو
الرسالة التى يريد أن يوصلها الفيلم، وهى رسالة تبدو فى قوامها مباشرة بعض
الشىء.. فالأب يجلس بجوار ابنه.. ويسأل الابن يعنى ربنا ما قالش السرقة مش
غلط.. فيرد الأب: ما قالش، فيعاود الابن: قال إنها حرام.. فيهمس الاب
شاردا: حرام!! ثم يصمت.. بعد ذلك نرى الاب يقف فى البلكونة وينظر فى الافق
البعيد وهو يقول: السرقة مش غلط.. لا، السرقة حرام.. لا.. لا، ربنا قال
السرقة حرام.. وينتهى الفيلم وسط تصفيق المشاهدين الذين استقبلوا الحكم
والموعظة فى النهاية.. وربما لو لم تكن المباشرة فى هذا المشهد لخرج الفيلم
بروح مختلفة تحافظ على كيانه كعمل كوميدى غير إرشادى.. لكنه فيلم إخوانى!
قصة أحمد أبوهميلة واضحة الهدف حول ميزان القيم الاخلاقى (الحلال
والحرام).. وساعد على وصول رسالتها السيناريست الشاب أشرف يحيى بفكرة حوار
عبثى، لكنه يشير فى الوقت نفسه إلى بث إحساس لرفض المشاهد هذه اللعبة
والمساومة التى يمارسها ابطال القصة (الام والاب والابنة والابن) ضد نفسها
ومبادئها.. وهى الادوار التى جسدها سامى عبدالحليم وجهاد أبوالعينين وأحمد
الديدى الذى شارك فى الانتاج عبر حملته «بصمة بلون الفن» والذى اشار خلال
لقاء عقب العرض بأن الهدف هو إتاحة فرصة وأرضية للفن الهادف فى مصر انطلاقا
من اجواء الحرية بعد الثورة.. والواقع انه يرفض أن يكون الترفيه مرادفا
للفن، بل انه يؤمن بأن الفن به توجيه وابداع ونهضة، وانه يحلم عبر مشاريع
سينمائية قادمة بتوسيع الدائرة التى ضاقت حولها السينما، وأن يعود بالفن ــ
حسب رأيه ــ لقيمه الاصيلة.
وحمله «بصمة بلون الفن» وضعت مسارا للسينما المستقلة خلال المرحلة
المقبلة وهى ليست كالسينما التى تعرض بدور العرض، بل هم أطلقوا عليها
«سينما الشارع»، حيث يريدون أن يتركوا بصمة فى كل محافظة.. وجذب جمهور جديد
عبر حملة بجداول معلنة تطوف المحافظات وفى اماكن التجمعات وليس دور عرض حيث
يعرض الفيلم عبر ماكينة خاصة عن طريق الكمبيوتر.
بينما مخرج الفيلم ابوالمكارم العربى على مستوى آخر رغم رؤيته الثرية
إلا انها كانت تنقصها بعض الرتوش الفنية من ماكساج وغيره وربما يبدو ذلك
لتواضع الانتاج.
الفيلم الثانى الذى شاهدته بعنوان «كلمات» هو فيلم قصير عن سوريا، كان
اللافت للانتباه أن اول صورة تظهر لتليلر الجهة المنتجة «فكرة» وشعارها هو
عبارة عن لمبات اضاءة كرمز للاستفسار.
المشهد الأول لدقات ساعة حائط توحى بالقلق الذى ينتاب بطلة الفيلم وهى
بالمناسبة بطلة الفيلم السابق.. فتاة تجلس على كرسى فى عيادة دكتور امراض
نفسية متوترة تنتظر دورها، المشهد الثانى داخل غرفة الكشف نرى الطبيب الذى
يجسده د. محمد النجار يتكلم مع مريضه قائلا: هيه يا أستاذ ممدوح قلت ايه
عايز أسمع رأيك انت حافظ المسرحية كويس ومتدرب عليها؟ فيرد: أيوه حافظ
وأحسن واحد بشهادة المخرج، الطبيب: طب قلقان من إيه اول ما تقف على المسرح
خد نفس جامد، وقول.. ممدوح: الجمهور يستقبلنى وحش ويضحك علىَّ، الطبيب:
تمثيلك هيدمجهم وهيحبوك.. اتفقنا،، ما تنساش تتدرب كل يوم وهتقدر وتنجح.
كان المشهد مهما لإيمان صناع العمل بقيمة التمثيل، لكنه لم يكن قضية الفيلم
فهى تبدأ من المشهد التالى. تدخل مدام إيمان ـ محجبة أيضا وملامح صوتها بدت
حادة ـ فسألها الطبيب ما الحكاية؟ قالت: حاسة بضيق غريب، بقالى أسبوعين
حالتى زى الزفت، لا عارفه أكل ولا أنام ولا أهزر، أرق كتير، ثم تفاجئ إيمان
الطبيب بأنها لم تأت لتعرض سبب توترها النفسى، حينما أكدت له أنها تعرف
السبب.. المشكلة فى كلمات تسمعها يوميا هى وراء أزمتها كام كلمة بتسمعها
بشكل يومى فى التليفزيون والفيس بوك والجرائد تشعر باكتئاب عندما تسمع أى
كلمة فيها.. كأن الكلمات بها سحر وتدخل فى حالة كبيرة من الكآبة.
وعندما يسألها الطبيب عن تلك الكلمات تغمض عينيها وعبر أداء مسرحى
مبالغ فيه بعض الشىء لم تستطع أن تقولها، لكنها تكتبها على ورقة ونراها
كلمة كلمة على الشاشة.. «حمص.. حماه.. حلب.. درعا.. ادلب.. دمشق..
المعصمية» ثم نراها تقول: كل ما تييجى أخبار عن الثورة السورية.. كل ما
اشوف المجازر التى تحدث هناك.. عن ضرب نار أو استشهاد حد من الثوار..
اعتقالات.. هجوم الشبيحة.. أحس بحالة ذهول.. هو إيه اللى حصل فى العالم..
إيه اللى ممكن يحول إنسان زيى وزيك لوحش رهيب بالشكل ده.. يا دكتور أنا
يوميا أسمع حاجات غريبة صويت وصراخ.. هتافات الثوار ممزوجة بهتافات أمهات
الشهدا.. باشوف جنازات ادام عينى والشهدا بيبصوا لى ويضحكوا.. أشوف أطفال
حمص ودرعا وهم يصرخون من الرعب، أشوف بشار وماهر وشوكت وهم يضحكو ولا
هاممهم.. أنا فى ذهول ورعب منذ أسبوعين لا عارفه آكل أو أنام أو أعمل،
وتركت زوجى.. يسألها الطبيب: لما تسمعى خبر عن سوريا تقعدى أد إيه علشان
تشعرى بهذه الحالة؟ المريضة: أكتئب فورا.
يسألها: عندك أصحاب أو معارف فى سوريا؟ تقول لا.
المشهد التالى يجلسان أمام بعضهما يتقمص الطبيب شخصية مؤيدة للنظام
السورى ويطلب منها إقناعه بما هى مقتنعة به.. يسألها: ما الذى يجعلك
متضامنة مع الثورة والثوار فى سوريا.. مين قال لك أصلا إن دى ثورة؟
هى: من لا يراها ثورة يكون أعمى، لما كل المدن السورية تنتفض بالآلاف
ويكون الرد عليهم بالرصاص والدبابات 8 شهور، لما يستشهد الآلاف منهم ولا
يكسر من عزيمتهم ماذا تسمى ذلك.. ده مش مجرد ثورة.. دى لحظات هيحكى عنها
التاريخ. هو: دماغك مغسولة بالفضائيات واختراق قناة الجزيرة اللى وراها دول
هدفها إسقاط النظام فى سوريا وتقسيم الوطن العربى.. كفاية تخدعوا نفسكم.
هى: كفاية يا دكتور لا تحرق دمى.. الطبيب: أنا آسف يا مدام لازم أتقمص دور
المتضامن مع الثورة علشان أثير عقلك بمبررات مقنعة لما تؤمنين به.
هى: مخطط، ولو قناة الجزيرة تكذب.. العالم كله بيكدب أيضا، وكالات
الأنباء والقنوات كلهم عاملين مؤامرة على سوريا، مفيش غير التليفزيون
الحكومى وحده يجيب الحقيقة، ويا ترى قناة الجزيرة عملت شكل الشهداء
بالماكياج والشبيحة بالجرافيك.. وضرب النار من المدافع بالمونتاج.. فوقوا..
التاريخ مش هيرحمكوا.
الطبيب: الجيش العربى السورى دخل المدن ليحاصر العصابات الإرهابية
المسلحة؟ هى: مين الغبى اللى اختار ده، عصابات إيه اللى شغالة فجأة ومش
عارفين تقضوا عليها. هو: تنكرى إن فى مؤامرة على سوريا لعمل حرب أهلية
فيها. هى: النظام الديكتاتورى أكبر مؤامرة على سوريا، مفيش أخطر على سوريا
من نظام دمر البلد وقتل 40 ألف شخص خلينا فى ديل الأمم.. قارن بيننا وبين
تركيا، البرازيل، ماليزيا.. وأنت تعرف جريمة النظام... الشعب السورى عظيم
وغلطته أنه استنا عليكم طوال هذه الفترة لينال حريته.. بس ما تقلقش الغلطة
دى قريب جدا هتتصلح.. ولو الأسد عايز يصلح يطلع يتنحى دلوقتى، ويعمل
انتخابات برلمانية ورئاسية فورا.. يا دكتور اللى أنت مش فاهمه كلمات زى:
ديمقراطية.. حرية.. معارضة.. رأى آخر.. اللى أنت مش فاهمه إن أى ثورة.. شعب
غاضب لا يرحم.. بشار هو ابن على هو مبارك هو القذافى.. كلهم تماثيل ورق..
وبشار لم يتبق له أيام.. هنا يخبرها الطبيب بأنها لا تعانى من مشكلة.. عندك
شحنة غضب مكبوتة نتيجة تعاطفك مع شعب سوريا وقضيته.. وشعورك بالذنب إنك مش
قادرة تساعديهم ولذلك عندك شعور بالغضب والتقصير.. هى: والحل إيه؟
الطبيب: غمضى عينك ولا تفكرى فى شىء.. افتحى خيالك.. افتكرى أجمل
أصحابك ذكرياتك الجميلة فى الطفولة وأقول لك بعض الكلمات وفكرى فيها فى
المستقبل: دمشق.. حمص.. دير الزور.. حلب.. حماه.. حوران.. درعا.. جسر
الشعوب وتعود لتكتب على الورق: حرية.. انتخابات.. ديمقراطية.. نصر..
أحزاب.. تحرير الجولان.. وينتهى الفيلم وسط لوحة إهداء إلى شهداء الثورة
السورية العظيمة من أشقائهم المصريين، ونحن نسمع أغنية «ارحل يا بشار».
كان هذا حوار الفيلم وسط موجات متغيرة من الموسيقى، وأداء ربما يشبه
تحقيق شرطى وليس بين طبيب نفسى ومريضة.. وهو قطعا يشير إلى روح ورؤية وفكر
الإخوان السينمائى حينما يكونون على الشاشة.. هو يأخذك إلى الحدث ويضعك
مكان البطل ويقرر ما يؤرقك ويمنحك الدليل.
الفكرة تبدو فى مجملها جيدة.. لكنها كانت جادة فى الأداة بعض الشىء
خاصة من قبل فاطمة علاء الدين «المريضة» وبينما كان أداء الطبيب د. محمد
النجار واعيا فى إطار سيناريو وإخراج محكم فى إطار فكرة محددة لهشام عاصم.
الشروق المصرية في
05/04/2012 |