تتضمّن لائحة الأفلام الإيطالية المختارة في استعادة «متروبوليس» تسعة
أفلام للممثلين الإيطاليين مارتشيلو ماستروياني وفيتّوريو غاسمان، عناوين
متفرّقة أنجزها مخرجون يُعتَبرون من كبار صنّاع السينما الإيطالية، الناقدة
أوضاعاً عامة، والباحثة في تفاصيل الحياة اليومية. من بين هؤلاء، هناك
إيتوري سكولا (مواليد العام 1931)، الحاضر في «الاستعادة الإيطالية» بثلاثة
أفلام، هي: «دعنا نتحدّث عن النساء» (1964، الثامنة مساء السبت المقبل)،
فيلمه الأول كمخرج، و«لقد أحببنا بعضنا بعضاً كثيراً» (1974، الثامنة مساء
الخميس المقبل) و«العائلة» (1978، الثامنة مساء اليوم الاثنين). ودينو ريزي
(1916 ـ 2008) بفيلمين اثنين فقط، هما: «التفوّق على الذات» (1962، عُرض
مساء أمس الأول السبت) و«عطر امرأة» (1975، الثامنة مساء الجمعة المقبل).
الكوميديا
هذان مخرجان مختلفان. البدايات السينمائية الأولى لسكولا تمثّلت
بكتابته سيناريوهات عدّة، أخرج دينو ريزي بعضها، كـ«التفوّق على الذات».
مال سكولا، المتورّط في اللعبة الكوميدية قبل كل شيء، إلى نَفس سوداوي
لاحقاً، خصوصاً في «لقد أحببنا بعضنا بعضاً كثيراً»، الذي أدار فيه
فيتّوريو غاسمان، الممثل الذي أدّى دوراً رئيساً في الفيلم الأول لسكولا
«دعنا نتحدّث عن النساء» أيضاً. انتمى ريزي إلى ما يُعرف بـ«الكوميديا على
الطريقة الإيطالية»، المنتشرة في النتاجات السينمائية خلال خمسينيات القرن
الفائت وستينياته تحديداً. التزم سكولا قضايا الناس الهامشيين، مدافعاً عن
الناس «الغلابى» في قراءاته السينمائية الانتقادية أحوال البلد وناسه في آن
واحد. استخدم ريزي الكوميديا شرطاً لتفكيك المجتمع وحكايات ناسه.
«الكوميديا على الطريقة الإيطالية» نمط سينمائي عكس تحوّلات الراهن، بدءاً
من مطلع خمسينيات القرن العشرين، كـ«ردّ» ثقافي فني على الآثار المدمِّرة
للحرب العالمية الثانية. حافظ المخرجان على هذا الخط السينمائي، وتعمَّدا
إيلاء الفرد أولوية خطابهما الإبداعي. فإذا كانت «الكوميديا على الطريقة
الإيطالية» معنية بأن تكون الشخصيات المختارة حقيقية جداً وعادية جداً،
وحريصة على عدم دفع الهجاء الاجتماعي إلى ذروته، فإن التزام إيتوري سكولا
أحوال الناس الهامشيين استكمال للمعاينة الحسّية للتبدّلات الاجتماعية
والاقتصادية الإيطالية. مثلٌ أول: «العائلة». احتفال كارلو (غاسمان) بعيد
ميلاده الثمانين تحوّل إلى رحلة في الزمن، سمحت للعجوز استعادة حياته كلّها
بعيني باحث عن تطهّر ذاتي، وبإحساس راغب في فهم أحوال الدنيا والبلد
والانقلابات التي شهد مساراتها، بدءاً من «حفلة التنصير» في العام 1906.
عاش كارلو حيوات عدّة، إذ عرف «العصر الذهبي» لحياته شاباً، وخضع لابتزاز
السلطة الفاشية، وواجه تحدّيات الحرب العالمية الثانية، وعاصر الرخاء
الاقتصادي. هذا كلّه من دون نسيان بياتريس (ستيفانيا ساندريلّي)، المرأة
التي عشقها وتزوّجها. الاستعادة منفلشة على الذاتيّ والعام معاً. مثلٌ ثان:
«لقد أحببنا بعضنا بعضاً كثيراً». الصداقة الجامعة ثلاثة شبان هم جياني
(غاسمان) ونيكولا (ستيفانو ساتا فلوريس) وأنتونيو (نينو مانفريدي)، ركيزة
درامية لفهم اللحظة التاريخية المتمثّلة بالحقبة الأخيرة للحرب العالمية
الثانية. بداية الحدث واقعةٌ في العام 1944. الأصدقاء الثلاثة منصرفون إلى
محاربة النازية والفاشية. نهاية الحرب دعوة لهم إلى الانخراط في «حلم»
تغيير العالم. لكن الواقع دفع كل واحد منهم إلى اختيار طريق خاصّة به. مثلٌ
ثالث: «دعنا نتحدّث عن النساء». الفيلم الأول لسكولا كشف مهنيته الاحترافية
في صوغ متتاليات بصرية، شكّلت محتوى واحداً انطلاقاً من ممثل هو غاسمان،
قدّم تمريناً في حرفية التمثيل، بتأديته شخصية رجل امتلك نظرة ذكورية حول
المرأة.
رحلة
في «التفوّق على الذات» (أو «الحياة سهلة» كترجمة للعنوان الإنكليزي،
علماً أن العنوان الإيطالي هو «إل سورباسّو»)، جعل دينو ريزي بطله فيتوريو
غاسمان مرآة واقع ومسار: إنه منتصف شهر آب، وروما فارغة من ناسها. برونو
(غاسمان) الأربعيني عاشق السيارات الرياضية والنساء، التقى روبرتو (جان ـ
لوي ترانتانيان) طالب الحقوق الباقي في المدينة. معاً، ذهبا إلى أقاصي
الحياة، واختبرا تجارب العيش على الحافة، وكشفا حكاية بلد. أما «عطر
امرأة»، فقصّة ضابط أعمى، قام برحلة (هو أيضاً) مزدوجة: داخل ذاته الغاضبة
والقلقة، وفي جغرافيا البلد، بحثاً عن صديق قديم، أو عن تطهّر من ألم عتيق.
التطهّر قاس، والبحث عن صديق أشبه بالبحث عن الذات أيضاً. يُمكن القول إن
رحلتي الفيلمين مساران مرتبكان لشخصيات قلقة في عزلتها وانكماشها على
نفسها، ولحالات اجتماعية مُصابة بلعنة التحوّل.
بالإضافة إلى هذه الأفلام، هناك: «أنتونيو الجميل» (1960، الثامنة
مساء غد الثلاثاء) لمورو بولونيني و«صحراء التتار» (1976، الثامنة مساء بعد
غد الأربعاء) لفاليريو زورليني. ضمّ الأول ماستروياني وكلوديا كاردينالي،
في نصّ معقود على ثنائية الظاهر والمبطّن. وهو نصّ قرأ سينمائياً أحوال
المجتمع في صقلية، من خلال أنتونيو، صاحب الصيت اللامع في علاقاته
النسائية، الذي تنكشف حقيقته عند لقائه باربرا المتطلّبة. الثاني (مع
غاسمان) مختلف تماماً: قصّة مجموعة عسكرية مُكلّفة حماية قلعة معزولة في
قلب صحراء جبلية، من هجوم التتار. الأول مفتوح على بيئة اجتماعية مرهقة
بتــقاليد موروثة أحكمت سطوتها على المقيمين فيها. الثاني تصوير لمعنى
الانتصار للذات في لعبة الزمن والطبيعة والفضاء المعلّق على الحافة الأخيرة
للحياة.
السفير اللبنانية في
30/04/2012
«متروبوليس»
تفتح «دفاتر» السينما اللبنانية
روي ديب
خلال الأعوام الماضية، شهد الفن السابع اللبناني فورة ميّزها عنصران
جديدان: الإنتاج المحلّي وفتح الصالات أبوابها لعرضه. انطلاقاً من رسالتها
في دعم السينمائيين المستقلّين، تخصّص الجمعية المعروفة تظاهرة تقدّم
خلالها أبرز أعمال السنتين الأخيرتين
أصبح جلياً لكل من يتابع السينما اللبنانية أنّ السنوات الثلاث
الأخيرة شهدت إنتاجاً ملحوظاً لأفلام روائية ووثائقية. قد تتعدد الأسباب
والتحليلات لتنامي هذا القطاع. لكن بغض النظر عن القيمة الفنية للأفلام،
يبقى عنصران جديدان لافتان: الإنتاج والعرض. خلال الحرب الأهليّة وما
بعدها، كانت الأعمال اللبنانية تُنتج بتمويل أجنبيّ وخصوصاً فرنسي. لكن
اليوم، يمكننا الكلام عن إنتاج محليّ. خلال السنوات الأخيرة، تولت الأفلام
شركات إنتاج محلية، أو جاءت بإنتاج شخصيّ، أو كانت ذات إنتاجات مشتركة،
لبنانية عربية، أو لبنانية أوروبية.
وفّر ذلك للمخرج اللبناني هامشاً أوسع للعمل بعيداً عن معايير يفرضها
المنتج الأجنبي. من ناحية العرض، فإن معظم هذه الأفلام التي تنتمي إلى
سينما المؤلف، كانت تعرض في مهرجانات في بيروت، ثم كان بعضها يجول مهرجانات
دوليّة، ويحصد أحياناً بعض الجوائز، لكن من دون أن تتاح له ذلك فرصة العودة
إلى الصالات اللبنانية لعروض تجاريّة، فالقائمون على الصالات اعتبروها
نخبوية «غير صالحة» للجمهور العريض، أو بالأحرى غير مدرّة للأموال.
لا نبالغ في القول إنّه عند افتتاحها في «مسرح المدينة» عام 2006،
كانت «متروبوليس» أولى الصالات التي بدأت تكريس مبدأ عرض الأفلام
اللبنانيّة من دون أن يكون عدد الجمهور أو الربح المادي، المعيار الأساسي
في البرمجة. ونذكر هنا «أطلال» لغسان سلهب، و«خلص» لبرهان علوية. تبعتها
لاحقاً صالات أخرى، فبدأنا نشاهد عروضاً تجاريّة لأفلام لبنانيّة، بعضها
لاقى نجاحاً على شباك التذاكر. لكن معايير البرمجة ــ باستثناء «متروبوليس»
ــ ما زالت خاضعة لمنظومة الربح والخسارة التي قد تؤدي إلى سحب الفيلم منذ
الأسبوع الأول، أو حصر عرضه في صالة واحدة. صحيح أنّ التوجّه الربحي يخيّم
على الصالات السينمائية، فيما «متروبوليس» مخصصة للفن والتجريب، لكن صفتها
التجاريّة لا تعفيها من مسؤوليتها في دعم الأفلام اللبنانيّة وتسهيل وصولها
إلى الجمهور حتى «النخبويّة» منها.
من هنا، اختارت جمعية «متروبوليس» ــ بالتعاون مع «إم. سي. للتوزيع»
ــ تخصيص شهرين من برمجتها في صالة «متروبوليس أمبير صوفيل» لعرض أفلام
لبنانية أنتجت بين 2010 و2011، ولم تسنح لها فرصة العرض التجاري. وابتداءً
من 3 أيار (مايو)، سنكون على موعد مع «دفاتر يوميّة: شهر السينما
اللبنانيّة» حيث يهدف البرنامج إلى إطلاق تجاري لثمانية أفلام لبنانيّة حاز
بعضها جوائز في مهرجانات عربية وسيُعرض كل شريط لمدة أسبوعين وبمعدّل أربعة
عروض يوميّة.
يضم البرنامج 8 أفلام متنوعة مثل وثائقيّ «قطاع صفر» لنديم مشلاوي،
والشريط الروائيّ «طيب، خلص، يلا» للمخرجين رانيا عطية ودانيال غارسيا.
وسيتعرّف الجمهور إلى وثائقيات «اختفاءات سعاد حسني الثلاثة» لرانيا
اسطفان، ووثائقي «مرسيدس» لهادي زكاك، و«أبي ما زال شيوعياً»، لأحمد غصين،
وIt’s
All in Lebanon
لوسام شرف، و«الحوض الخامس» لسيمون الهبر، و«يامو» لرامي نيحاوي. ويختتم
البرنامج بعرض واحد من خارج البرنامج لفيلم زينة صفير «بيروت عالموس».
* «دفاتر
يومية: شهر السينما اللبنانية»: من 3 أيار (مايو) حتى نهاية حزيران (يونيو)
ـــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/204080
www.metropoliscinema.net
شبح الحرب
ما يجمع الأعمال الثمانية أنّها لبنانية ذات منحى شخصي، تقدم قراءة
لتاريخ لبنان الحديث انطلاقاً من وجهات نظر، وأماكن مختلفة. سيمون الهبر
اختار في «الحوض الخامس»رواية أبيه ورفاقه في مرفأ
بيروت خلال الحرب الأهلية. ونديم مشلاوي انتقى غيتو الكرنتينا في «قطاع
صفر» (راجع المقال أدناه). أما هادي زكاك، فيجول في سيارة «مرسيدس» على
ستين عاماً من تاريخ لبنان. كذلك، يواصل وسام شرف رواية قصة بلد لم تنته
فيه الحرب في It›s All in Lebanon.
أما رامي نيحاوي، فاختار العودة إلى طفولته في «يامو». ويعود أحمد غصين إلى
الرسائل المسجلة بين أمه وأبيه في «أبي ما زال شيوعياً». وتقدّم رانيا
اسطفان سيرة سعاد حسني في «اختفاءات سعاد حسني الثلاثة». أما رانيا عطيّة
ودانيال غارسيا فيغوصان في طرابلس عبر فيلمهما الروائي الأول «طيب، خلص،
يلا».
الأخبار اللبنانية في
30/04/2012
نديم مشلاوي مصوّراً أمراض المدينة
روي ديب
ينطلق برنامج «دفاتر يومية: شهر السينما اللبنانية» مع «قطاع صفر»
الوثائقي الأول لنديم مشلاوي («الأخبار» 2/4/2012) . اختار مشلاوي هنا أن
يقرأ تاريخ بيروت ولبنان، انطلاقاً من الكرنتينا. صوِّر الفيلم في المنطقة،
حيث تتوزع المشاهد بين المحجر الصحي، والمسلخ، والدباغة... وعلى خط مواز،
يتقاطع الفيلم مع مقابلات مصوّرة مع شخصيات من مجالات مختلفة، كالمهندس
برنار خوري، والكاتب حازم صاغية، واختصاصي علم النفس العيادي شوقي
عازوري... في «قطاع صفر»، يظهر جلياً التوجه في اللغة المطروحة والنضج
السينمائي لنديم مشلاوي. عمل يحمل بحثاً عميقاً، ولغة سينمائية مميزة
وجمالية عالية. ينطلق الشريط من الحجر الصحي، تلك المساحة المعزولة عن
المدينة التي كانت مخصّصة لاستقبال المسافرين قبل دخولهم بيروت، خوفاً من
أن ينقلوا داءً حملوه معهم إلى المدينة. المخرج سوف ينقلنا رويداً من
المكان الذي يحمي المدينة من الداء إلى قراءة لداء المدينة الذي تكمن
مفاتيحه في الكرنتينا.
تلك المنطقة المعزولة كانت على مر تاريخ لبنان الحديث، ملجأً للأقليات
مثل «عرب المسلخ»، والارمن، والفلسطينيين، والأكراد، والتجار من تركيا،
والأردن، والعراق. وبذلك، مثّلت صورة مصغّرة عن نسيج المدينة، وعلاقاتها،
وتعقيداتها.
منذ البداية، يقودنا حازم صاغية إلى قراءة مصطلح «عرب المسلخ» الذين
سكنوا المنطقة عبر إجراء مقارنة بين التمجيد المرافق للفظة «عرب» في اللغة
الفصحى وبين استعمالها في اللهجة الشفهية بطريقة محمّلة ببعد سلبي وتحقيري.
أطلق أهل المنطقة على الآتين للعمل في المسلخ مصطلح «عرب المسلخ» الذي يدلّ
على عدم قبول الآخر. أما عازوري، فينطلق من تشبيه الإنسان ومخاوفه النفسية
بالمدينة. الإنسان يحارب مخاوفه عبر إبعادها أو كبتها مثل رغبته في القتل
التي تعدّ من المحرّمات. كذلك تفعل المدينة التي تعزل مخاوفها من الغرباء
كي لا تقتلهم، كما عزلت بيروت وأهلها الأقليات في الكرنتينا. لكن ذلك
المحرّم الذي يشبه جميع المحرمات التي ترافقها رغبة دفينة بكسرها، ترجم في
تاريخ الكرنتينا عبر المجازر التي ارتكبت خلال الحروب بين الكتائب
اللبنانية، والفلسطينيين، والأقليات الأخرى. لا حضور للإنسان في الصورة إلا
في المشاهد المأخوذة من الأرشيف. أما شريط الصورة في الفيلم، فيظهر المكان،
أي الكرنتينا، خاليةً من البشر. كأن المخرج أراد أن يصوّر الحجر الشاهد على
ذلك التاريخ، والسينوغرافيا التي اختارتها المدينة وعزلت فيها الاقليات،
والغرباء، والداء. صحيح أنّ «قطاع صفر» يتضمن منحى توجيهياً، لكنّه يبقى
مهماً عبر طرحه قراءات لتاريخ لبنان الحديث مختلفة عما اعتدناها، ويحاول
مقاربة أسئلة على صعيد وطن يدعى لبنان، انطلاقاً من مساحة صغيرة تقع على
هامش عاصمته.
الأخبار اللبنانية في
30/04/2012
وحشا الشاشة الايطالية انبعثا في بيروت
يزن الأشقر
بدأت «متروبوليس أمبير صوفيل» بتكريم اثنين من عمالقة السينما: إنّهما
الممثلان مارشيلو ماستروياني وفيتوريو غاسمان اللذان نشاهد لهما أفلاماً
مرجعية في تاريخ الفنّ السابع
في استكمال لموسمها الجديد، تعود «متروبوليس أمبير صوفيل» لتقدم
استعادة جديدة لمحبّي الفن السابع في بيروت. هذه المرة، تحتفي الجمعية
اللبنانية باثنين من أبرز وجوه السينما الإيطالية: مارشيلو ماستروياني
وفيتوريو غاسمان ضمن تظاهرة «استعادة إيطالية: ماستروياني وغاسمان كبار
السينما الإيطالية» التي تستمرّ حتى الخامس من أيار (مايو). افتتحت
«متروبوليس» الاستعادة يوم الجمعة بماستروياني الذي تعرض له ثلاثة أعمال و6
لغاسمان. لا يمكن الحديث عن السينما في إيطاليا من دون ذكر مارشيلو
ماستروياني (1924ــــ 1996) الذي ذاع صيته عالمياً حين شارك في العديد من
الأفلام البارزة على أيدي مخرجين كبار. مع صوفيا لورين التي شاركته بطولة
14 فيلماً، شكّلا أحد أبرز الثنائيات على الشاشة الكبيرة. ويعدّ ماستروياني
الوحيد (مع جاك ليمن ودين ستوكويل) الذي نال مرتين جائزة أفضل ممثل في
«مهرجان كان السينمائي».
بعد بدايته المسرحية التي تضمنت دوراً في مسرحية «عربة اسمها الرغبة»
أخرجها لوتشينو فيسكونتي، حقق شهرة في إيطاليا في منتصف الخمسينيات. لحظه
فيلليني بعد أدائه دوراً في اقتباس فيسكونتي السينمائي لـ«الليالي البيضاء»
لدوستويفسكي عام 1957، فأسند إليه الدور في تحفته «الحياة الحلوة» (1960)
ولاحقاً في «ثمانية ونصف» (1963)، ليذيع صيته عالمياً.
بجدية وسخرية أيضاً، نجح ماستروياني في تقمّص أدوار عديدة، ساعدته
وسامته في ذلك. مثلاً، في شريط «بيل آنتونيو» (1960 ـــــ 1/5) لماورو
بولونيني، جسّد شخصية انتونيو الوسيم، الذي تظنّه النساء العشيق المثالي من
دون أن يدركن أنه لا يستطيع لعب هذا الدور في الواقع. وكنا قد شاهدنا يوم
الجمعة «طلاق على الطريقة الإيطالية» (1961) للمخرج بيترو جيرمي. في هذه
الكوميديا التهكمية، يلعب ماستروياني دور فيرديناندو الذي يرغب في الزواج
من قريبته آنجيلا، لكنّه لا يستطيع ذلك لأنّه متزوّج من روزاليا. وكون
الطلاق شبه مستحيل في إيطاليا الستينيات، يضع خطة يستفيد بها من سماح
القانون بقتل زوجته في حالة الزنا. الفيلم ينتمي إلى فئة أفلام موجة
الكوميديا الإيطالية التي بدأت عام 1958 واستمرت حتى أوائل الثمانينيات.
أعمال تهكمية تنتقد الطبقة الوسطى، خصوصاً بعد «المعجزة الاقتصادية»
والفورة الصناعية. كذلك عُرض أمس «الوليمة الضخمة» (1973 ــــ 29/4) لماركو
فيريري. الشريط الذي يشارك فيه ماستروياني يحكي قصة أربعة رجال يقررون
الانتحار جماعياً عبر الذهاب إلى فيلا في الريف لممارسة الجنس وتناول
الطعام حتى الموت. العمل دراما وكوميديا ساخرة وتهكمية توجه نقداً لاذعاً
للمجتمع البرجوازي.
«متروبوليس» تحتفي أيضاً بفيتوريو غاسمان (1922ــــــ 2000) عبر عرض
ستة أفلام له. شعبية غاسمان بدأت أثناء عمله ممثلاً مسرحياً محترفاً ثم ذاع
صيته سينمائياً في «الأرز المر» (1949). أدواره العديدة في أوروبا وهوليوود
تنوعت بين الرئيسية والثانوية، لكن ما طبعها احترافيته المهنية وصوته القوي
المتقلب، حتى أطلق عليه لقب «لورانس أوليفييه إيطاليا». أحد أبرز أفلام
غاسمان هو «الحياة السهلة» لدينو ريسي الذي شاهدناه ضمن تظاهرة
«متروبوليس». في الشريط الذي يعد أحد أهم أفلام «الكوميديا الإيطالية»،
يصوّب ريسي سهامه التهكمية إلى المجتمع الإيطالي في الستينيات من خلال
شخصية برونو المنفصل عن زوجته الذي يلتقي بالطالب روبيرتو ويمضيا الوقت
معاً. يعرض أيضاً الفيلم الكوميدي «لنتحدث عن النساء» (1967 ـــ 5/5) من
إخراج إيتوري سكولا حيث يؤدي غاسمان تسعة أدوار مختلفة. عام 1975، نال
غاسمان جائزة أفضل ممثل في «مهرجان كان» عن فيلم «عطر امرأة» (1974 ـــــ
4/5) من إخراج دينو روسي. أدى دور عميد متقاعد أصيب بالعمى خلال الحرب. وفي
طريقة عودته إلى نابولي برفقه مساعده تشيتشو الذي لا يعلم أن العميد ينوي
الانتحار، يأمر تشيتشو بمساعدته في العثور على نساء جميلات، ويدعي أنّه
يتمتع بحاسة شمّ تجعله يتعرّف إلى الحسناوات.
بالإضافة إلى ذلك، يعرض «أحببنا بعضنا كثيراً» (1974 ــــ 3/5) من
إخراج إيتوري سكولا، عن ثلاثة أصدقاء شاركوا في قتال النازيين عام 1944
ومسار حياتهم بعد انتهاء الحرب. الفيلم أيضاً مثال عن الكوميديا الإيطالية،
حيث تظهر شخصيات شهيرة مثل فيلليني وفيتوريو دي سيكا وماستروياني أيضاً. في THE DESERT OF TARTARS (1976
ـــــ 2/5) الذي أخرجه فاليريو زورليني، يشارك غاسمان مع وجوه عالمية أخرى
مثل جاك بيرين، وماكس فون سيدو، وفيرناندو ري ضمن شريط يحكي عن ضابط يحرس
قلعة حدودية. بالإضافة إلى ذلك، يعرض شريط «العائلة» (1987 ــــ اليوم)
لإيتوري سكولا الذي يتناول قصة كارلو منذ طفولته إلى أن أصبح كهلاً، ضمن
دراما تستكشف العلاقة بين أفراد هذه العائلة. لا تكتفي استعادة «متروبوليس»
بتسليط الضوء على اثنين من عمالقة الشاشة العالمية، بل تبدو الأفلام
المختارة فرصة ثمينة لمشاهدة أفلام مرجعية تضع الفنّ السابع في هدف مناقشة
ظواهر اجتماعية وسياسية بصورة جادة وتهكمية في آن معاً.
* «استعادة
إيطالية: ماستروياني وغاسمان كبار السينما الإيطالية»: حتى 5 أيار (مايو)
ـــ «متروبوليس أمبير صوفيل».
الأخبار اللبنانية في
30/04/2012
خارج الصالات: أفلام في الشارع
حسام السراي/ بغداد
وجه ثانٍ لبغداد خطّت ملامحه نشاطات تتميّز بجرأتها واقترابها من
المجتمع، على رأسها «مهرجان السينما المتنقلة الثالث» الذي يجول المحافظات
وتقام عروضه بين الشوارع والأزقة بمبادرة من «المركز العراقي للفيلم
المستقل» (منظّمة غير حكوميّة) و«مؤسسة عراق الرافدين». الجمهور البغدادي
كان على موعد مع الفيلم الوثائقي «في أحضان أمي» (الصورة) للمخرجين عطية
ومحمد الدراجي. يوثّق الشريط لمعاناة مجموعة من الأطفال اليتامى يسكنون
داراً مستأجرة يطالبهم صاحبها بمغادرتها.
ساحة التحرير، هي الأخرى، كانت على موعد مع فيلم «كرنتينا» لعدي رشيد.
يحمل العمل عنوان أحد الأحياء التي شهدت أهوال العنف الطائفي بعد عام 2006.
الشريط الروائي مكرّس للإضاءة على كم العنف الذي ظهر بعد عام 2003. تجري
الأحداث في بيت تسكنه عائلة مهجرة وقاتل يعيش في الطابق العلوي هنا.
وبعد «كرنتينا» عدي رشيد، شاهدنا أيضاً تحت نصب الحريّة، فيلم
«ريكورد» الذي يروي حكاية شاب يحاول تفجير نفسه في محطّة لنقل الركاب. وفي
نادي الصيد بجانب الكرخ في بغداد، كنّا على موعد مع فيلم «ابن بابل» لمحمد
الدراجي عن التغييب القسري والمقابر الجماعيّة والمصالحة الوطنيّة. («الأخبار»،
14/6/2010).
الى جانب ذلك، شهدت ساحة الفتح في بغداد عرض وثائقي «كولا» للمخرج
الشاب يحيى العلاق. يحكي العمل مأساة فتاة تدفعها ظروف عائلتها إلى التنكّر
بزي صبي كي لا تتعرّض للتحرّش في الشارع وهي تجمع علب الكولا والبيبسي
الفارغة لتبيعها، فيما يأخذنا المخرج حسن علي محمود الى كردستان العراق عبر
فيلمه «حيّ الفزّاعات»، حيث الفتى ميران الإقطاعيّ الكرديّ الذي يستغل أهل
قرية مجاورة لمزارعه، فيخزن محاصيله عندهم ويجبرهم على صناعة فزّاعات يبعد
بها أسراب الغربان التي تجتاح مزارعه. ولأنّ ذلك لم ينفع، يأتي بأبنائهم
لجمع عدد كبير من الحصى ووضعها في علب معدنيّة لإصدار أصوات تطرد هذه
الأسراب. وتكون وفاة أحد الأطفال سبباً للتمرّد على ميران. بعد تجواله في
بغداد والبصرة والناصرية، توجّه المهرجان أخيراً إلى محطته الأخيرة
كردستان. عروض تمثل رسالة احتجاج على تجاهل الثقافة وبُناها التحتية وتسعى
لاستقطاب الجمهور الى طقس المشاهدة، خصوصاً أنّ الأفلام التي يقدمّها حققت
نجاحات ونالت جوائز في أكثر من مهرجان عربي ودولي.
الأخبار اللبنانية في
30/04/2012
«وثائقيات
تونس» على هوى الثورة
نور الدين بالطيب/ تونس
تُختتم اليوم أيام الدورة السابعة من «وثائقيات تونس» (اللقاءات
الدولية للفيلم الوثائقي في تونس) التي تقيمها مؤسسة «ناس الفن»، وتوزّعت
عروضها بين قاعتي «المونديال» والمسرح البلدي. المهرجان الذي افتتحه شريط
سنية الشامخي «مناضلات»، خيّمت عليه أفلام تسجيلية ترصد التحولات السياسية
التي تعيشها المنطقة العربية منذ 14 كانون الثاني (يناير) 2014 حين فرّ
الرئيس زين العابدين بن علي بعد 23 عاماً من الحكم لتبدأ مرحلة جديدة أفضت
الى صعود الإسلاميين في تونس، وسقوط نظام القذافي في ليبيا، وسيطرة
الإسلاميين على البرلمان المصري، ومغادرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح
السلطة، وغرق سوريا في مستنقع من العنف يهدد وحدتها. شريط «مناضلات» لسنية
الشامخي استعرض مشاركة المرأة في الحياة السياسية في تونس من خلال
بورتريهات لناشطات مثل بشرى بالحاج حميدة وراضية النصراوي، اثنين من أبرز
وجوه اليسار التونسي، وممثلة حركة «النهضة» في المجلس التأسيسي سعاد
عبدالرحيم التي اشتهرت بعدم ارتدائها الحجاب رغم انتمائها إلى الحركة
الإسلامية.
يطرح الشريط سؤالاً عن مستقبل حضور المرأة في ظلّ صعود التيار
الإسلامي وخروج دعوات مطالبة بالتخلي عن «مجلة الأحوال الشخصية» (قانون)
التي تعد المكسب الأساسي للمرأة التونسية. كان الزعيم الراحل الحبيب
بورقيبة وراء صدور هذه المجلة التي منعت تعدد الزوجات في زمن كان فيه شيوخ
وعلماء جامع «الزيتونة» يتمتعون بسلطة معنوية ودينية كبيرة في الحياة
العامة.
هذا المناخ السياسي بتفاصيله رصدته أفلام المهرجان مثل «وداعاً مبارك»
لكاتيا جرجورة ومجموعة من الأعمال السورية التي أخرجها شبان سوريون مقيمون
في أوروبا بتمويل من قنوات أوروبية مثل «أرتي»، الى جانب شريط وثائقي
بعنوان «حاتم بالطاهر» أنجزه المخرج صالح الجدي عن شهيد الثورة التونسية
الذي اغتيل صباح 12 كانون الثاني (يناير) في مدينة دوز (أقصى الجنوب
التونسي)، ليكون اغتيال أستاذ زائر في الجامعات الفرنسية فضيحة حقيقية
لنظام بن علي الذي سقط بعد يومين. ومن أفلام الدورة أيضاً، «ظلال» للمنتجة
والمخرجة المصرية ماريان خوري، والمخرج التونسي مصطفى الحسناوي الذي توفي
قبل عام. يصوّر الشريط تأثير الضغوط العائلية في الانسان، فتقوده الى
مستشفيات الأمراض النفسية. ويتجوّل العمل في أروقة مستشفى الأمراض النفسية
والعصبية في منطقة العباسية وسط القاهرة. عرَض «وثائقيات تونس» أيضاً
أعمالاً من ليبيا، والجزائر، ولبنان، وتركيا، واسبانيا، وفرنسا،
والأرجنتين، مؤكداً أنّه صار موعداً سنوياً لمخرجي ومنتجي الأفلام
التسجيلية في الوطن العربي.
الأخبار اللبنانية في
30/04/2012 |