فيلم “الغراب” المعروض حالياً بنجاح طفيف في صالات الإمارات، وينجز
أوروبياً نجاحاً أفضل لكنه ليس كبيراً، هو مزيج من الواقع (شخصية الكاتب
الداكن إدغار آلان بو) والخيال (قيامه بمساعدة الشرطة في محاولة معرفة
القاتل المتوحّش الذي يقتل ضحاياه مستوحياً الطريقة من روايات الكاتب بو) .
إنها تركيبة ناجحة في فيلم جيّد للمخرج جيمس ماكتيغ ومن بطولة مقنعة
للممثل جون كيوزاك في دور الروائي الشهير . يكفي الفيلم أنه يعود إلى
الماضي بعشق لأجوائه، وإلى شخصية بو باحترام على عكس ما فعله المخرج غاي
ريتشي في سلسلة “شرلوك هولمز” مختاراً تذويب الكيان الرئيسي للشخصية في ماء
مُحلى بالسكّر بدافع جذب للمشاهدة خصوصاً الجيل الجديد الذي ربما كان أكثر
الأجيال ابتعاداً عن قراءة
روايات آرثر كونان دويل واضع شخصية هولمز .
“الغراب” هي من بين روايات بو الأكثر شيوعاً في
السينما (أول محاولة لنقلها جرت سنة 1912) . وعالمها من الغموض والدكانة
جذب مخرجين من أنحاء مختلفة بثقافات متباينة من الأمريكي روجر كورمان،
والألماني أولي لوميل، والتركي كمال يلدريم والإسباني ريكاردو دو مونتريال
ما يكشف عن أنها أبعد من أن تكون رواية محددة بأحداث وشخصيات أمريكية محلية
. وهذا هو شأن أدبه عموماً الذي يصلح لأن يكون تعبيراً عن هويات بريطانية
وفرنسية وإيطالية ويابانية بمجرد تحويل شخصياتها مع الحفاظ على أحداثها
وأجواء هذه الأحداث .
من ناحيته، فإن إدغار آلان بو شخصية بالغة الأهمية على أكثر من صعيد
بما في ذلك نهايته الوخيمة، فإلى جانب أسلوبه الخاص وقلمه الأدبي النيّر،
كان الكأس والخيال الداكن مصاحبين له حتى وفاته عن أربعين سنة، عام 1849
متأثراً بمرض السل (ماتت به والدته) وباعتلال صحّته نتيجة الإدمان . هذه
النهاية المؤسفة يجعلها فيلم جيمس ماكتيغ بداية عمله ويعود إليها على نحو
دائري في نهاية فيلمه .
الحقيقة هي أن حياة بو لم تكن سوى سلسلة من الآلام والإحباطات ومشاعر
اليأس . كانت ذلك النوع من الإبداع المتّصل بالمعاناة . المثمر منها
والناتج عن ألوانها الداكنة . الحقيقة الأخرى هي أن أحداً، قبل بو، لم يضع
أسس الرواية المرعبة . إذا كان هناك فرد ما فهو لم ينشر والعالم القديم لم
يعرفه . ليس هذا فقط، بل إن بو أوّل من كتب روايات التحري البوليسية قبل
البريطانيين آرثر كونان دويل وأغاثا كريستي والفرنسي جورج سيمنون
والأمريكيين إيرل ستانلي غاردنر وإيرل در بيغرز وهم من جيل واحد وُلد بعد
وفاة بو بسنوات0
أول أعمال بو التي أسست شهرته كان “سقوط منزل آل آشر” التي وضعها عام
1839 وانتقلت إلى السينما مراراً وتكراراً وقد تبعها بروايات عدّة من
أهمّها وأشهرها في الوقت ذاته “قناع الموت الأحمر” و”القلب الراوي”
و”الخنفسة الذهبية” و”الحفرة ورقّاص الساعة” (التي يستعير منها “الغراب”
الجديد مشهداً) و”العقاب” من بين أخرى . وكلها عولجت سينمائياً أكثر من
مرّة منذ أكثر من مئة سنة عندما قام مجهول باقتباس رواية بو “قتل في شارع
المشرحة” التي كانت إحدى أكثر روايات الكاتب تردداً على الشاشة حتى مطلع
السبعينات من القرن الماضي . وما هو جدير بالملاحظة أيضاً أن اقتباس أعماله
الأخرى، مثل “القلب الواشي” و”التابوت” و”أنابل لي” و”عاشق من وراء القبر”
استمرت حتى الأعوام القليلة الماضية، وأن “التابوت” و”القلب الواشي”
مشروعان حاضران للتوزيع في النصف الثاني من هذا العام .
سينما العالم
سلفستر ستالون ورامبو خامس مرّة
في الوقت الذي لا يعتقد فيه أحد أن سلسلة “رامبو” يمكن لها أن تمتد
لتؤلّف دزينة كاملة من الأعمال، أو لكي تستمتع بحياة جيمس بوند السينمائية
التي تحتفل في العام المقبل بمرور 24 فيلماً عليها، الا أن سلفستر ستالون
لا يزال يرى أن لديه واجباً وطنياً عليه أن يؤدّيه . فهو أعلن قبل أيام أنه
سيعود إلى شخصية جون رامبو، ذلك المقاتل الفرد الذي خاض حروباً شعواء في كل
من فيتنام وأفغانستان وفي الولايات المتحدة ذاتها أيضاً .
يقول الممثل إنه يشتغل حالياً على سيناريو الفيلم، وإن الأحداث “قد”
تقع في المكسيك، فهو لا يريد تأكيد ذلك أو نفيه حتى لا يخسر من لا يزال
معجباً به بطلاً صنديداً يواجه الخطر بجرأة يحسده عليها البعض، مثل كل
هؤلاء الذين قلّدوا شخصيته أو من بنى مهنته على سينما من العضلات المفتولة
.
رامبو من صنع سينما عام 1982 عندما قام المخرج الكندي تد كوتشيف
بتحويل رواية ديفيد موريل “دم أول” إلى فيلم جيّد . هناك تعرّفنا إلى رامبو
العائد من فيتنام إلى أمريكا التي تريد أن تنسى بطولاته وحروبه باسمها، فما
كان منه الا تفجير البلدة التي أرادت أن تكافئه بالقبض عليه من دون سبب .
بعد ثلاث سنوات قام ببطولة “Rambo First blood 2”
الذي أخرجه جورج ب . كوزماتوس وفيه شاهدنا رامبو/ ستالون يعود إلى فيتنام
باحثاً عن المعتقلين الأمريكيين الذين لم تسع الولايات المتحدة لاستعادتهم
.
الجزء الثالث (سنة 1988) تعامل مع الحرب الأفغانية إنما تحت جناح
الاحتلال الروسي . بيتر ماكدونالد أخرج هذا الفيلم برغبة في تسليط الضوء
على المجاهدين الأفغان، هم أنفسهم الذين لم تعمد هوليوود بعد ذلك إلى
الحديث عنهم من المنظور البطولي ذاته، حالما رحل الروس ودخل الأمريكيون .
الجزء الرابع، أخرجه ستالون نفسه ودارت أحداثه في بورما . لسبب ما،
رامبو منسي في تايلاند إلى أن يُطلب منه المساعدة على تحرير فريق تابع
لمؤسسة اجتماعية وقعت في قبضة خاطفين مختلطين .
ستالون الآن في الخامسة والستين من عمره، وهو لم يعد يكترث لما حاوله
ذات مرّة وأخفق، وهو التنويع باحثاً عن أدوار درامية عميقة أو كوميدية
جيّدة . بديلاً، ينتقل الآن بين “روكي” و”رامبو” ومسلسله الثالث
“المستهلكون” الذي سنرى جزأه الثاني قريباً .
أوراق ومَشاهد
الممثلة
التي وقعت في الهاوية
“الهاوية” هو أول عمل سينمائي شيّد للسينما
الدنماركية . كذلك هو أول فيلم لمخرجه أوربان غاد (او جاد) الذي داوم على
إخراج الأفلام حتى مطلع السينما الناطقة سنة 1927 إلى ذلك، هو أحد أول
فيلمين من بين أفلام الممثلة أستا نيلسن التي ظهرت في 85 فيلماً ما بين
1910 و1968 وتوفّيت سنة 1972 عن 90 سنة .
اللقطة الأولى من الفيلم لها . إنها ماجدا وهي تنتظر الترام في
المدينة . تصعد، تبحث في حقيبتها لكي تدفع ثمن التذكرة . تقع منها رزمة
أوراق فيلتقطها على الفور الرجل الواقف في مقدّمة القطار (روبرت دينسن الذي
لم يسبق له أيضاً الوقوف أمام الكاميرا من قبل لكنه ظهر بعد ذلك في نحو 50
فيلماً حتى سنة 1929) . هذا التعارف يقود إلى وقوعه في حبّها وما نلبث في
لقطات موجزة أن نشاهدهما خطيبين . في أحد الأيام يقترح عليها الذهاب معه
إلى نزهة سيراً على الأقدام، لكنها لا توافق وتبقى واقفة عند مدخل الفيللا
. تمر فرقة تابعة لسيرك وصل لتوّه للمدينة . هناك تلتقي برودولف شتيرن (بول
ريومرت) لاعب السيرك المعروف ب”الكاوبوي” الذي يراها لاحقاً في السيرك مع
خطيبها . ماجدا تشعر بالحب نحوه وتوافق على الهرب معه . لكن رودولف بعد حين
يتعرّف إلى امرأة أخرى ويترك ماجدا تتقلّب في غيرتها . يدركها خطيبها
ويشجّعها على الهرب معه . لكنها مرّة أخرى تصدّق حبيبها الذي يقنعها
بالبقاء معه ويغرر بها من جديد . هذه المرحلة تنتهي بطرد ماجدا ورودولف من
الفرقة الاستعراضية ومحاولة الثاني إجبارها على الرذيلة وهو يعتقد أن الرجل
الذي ينتظرها في غرفة أحد المطاعم يبغيها لهذه الغاية، لكنه حبيبها يحاول
مجدداً مساعدتها على النفاذ من الفخ الكبير الذي وقعت فيه .
كتب المخرج القصّة بنفسه، ووضعها في مشاهد جيّدة التعبير . تخدم النص
في وقت كان الجميع فيه لا يزال يجرّب في هذا الاتجاه أو ذاك . اللقطات في
المشهد الواحدة متعددة أحياناً لكن المخرج حذر في كيف ينتقل بينها . المشهد
الأهم الذي بنى لسمعة الفيلم تاريخياً هو مشهد رقصة مثيرة تمارسها ماجدا
ولو ضمن إطار فني . هذا لم يكن معهوداً في ذلك الحين والبعض يستغرب حتى
الآن وجوده في فيلم من العقد الأول من القرن الماضي
اللافت هو أن رودولف شتيرن هو اسم يهودي (وهو الاسم اليهودي الوحيد
بين الشخصيات) ما يوعز بأن ذلك كان بإدراك وقصد مع العلم بأن مثل هذه
الشخصية اختيرت لغجري في أفلام لاحقة .
م .ر
merci4404@earthlink.net
الخليج الإماراتية في
06/05/2012
من إخراج أنجلينا جولي
«في
أرض الدم والعســـل».. فيلم النوايا الحسنة
زياد عبدالله
ما الذي يدفع أنجلينا جولي إلى إخراج فيلم عن حرب البلقان؟ كيف للنجمة
الأميركية أن تقارب تلك الحرب والمجازر التي ارتكبها الصرب ضد البوسنيين في
فيلمها In The Land of Blood and Haney «في أرض الدم والعسل» المعروض حالياً في دور العرض المحلية؟ أسئلة على
اتصال باستقبال الممثلة في دنيا الإخراج ونحن نتكلم عن أولى تجاربها، هي
التي تحتل أخبارها وسائل الإعلام وترافقها الكاميرا أينما حلت خصوصاً حين
يتعلق الأمر بشيء على اتصال بعلاقتها ببراد بيت، هي كثيرة التنقل أيضاً
كونها سفيرة النوايا الحسنة التي نجدها متنقلة من مخيم لاجئين إلى آخر ونحن
نشاهد مشاعر التأثر على وجهها أكثر مما يعانيه أولئك المهجرون!
الإجابة تأتي تماماً من حزمة كاملة من الأفعال الإنسانية التي تخوض
غمارها النجمة الجميلة، وهي في هذا السياق لن تكون لارا كروفت كما في «تومب
رايدر» أو «مسز سميث» ولا حتى «سالت»، حيث القدرات الخارقة التي تتحلى بها
وتقودها إلى اجتياز الصعاب والانتصار على الأشرار بمنتهى الخفة والذكاء وكل
ذلك بيدي امرأة جميلة تأخذ بعقول وألباب المشاهدين، ومع حفنة الأدوار تلك
التي قدمتها فإنها تقوم خارج الشاشة بتعقب البؤس البشري بوصفها سفيرة
النوايا الحسنة في الأمم المتحدة، وهي غارقة حتى العظم بالمآسي والمجاعات
وما إلى هنالك مما يمشي يداً بيد مع تقاضيها 20 مليون دولار على دورها في
فيلم «سالت» ومليوناً واحداً فقط على صوتها في «كونفو باندا»، ولعل ربع
مبلغ مما تتقاضاه السيدة جولي كفيل بحل مشكلات مئات آلاف الجياع في العالم،
لكن ماذا نفعل إن كان العالم يتغذى على العلاقات العامة الجوفاء التي تقول
لنا إن طلتها البهية كفيلة كما يقول الشيخ إمام في أغنيته الشهيرة «فاليري
جيسكار ديستان» «حتجيب الديب من ديلو وتشبع كل جوعان.. والعربيات حتموّن
بدل البنزين برفان»، هذه أغنية جديرة بأن تستقبل بها على طريقة الشيخ إمام
الساخرة، وكل ما تفعله هو التقاط الصور إلى جانب البؤساء ومن ثم تقوم
باختيار عدد من الأولاد الأفارقة - لا أعرف عددهم إلى الآن ربما خمسة -
وتقوم بتبنيهم بمنتهى العطف بما يرضيها هي وحدها، وصولاً إلى قرارها بخوض
غمار إخراج فيلم والذي عليه أن يأتي على اتصال بهذا السياق وليقع خيارها
على ما شهدته منطقة البلقان أو يوغسلافيا السابقة على اعتبار ذلك أيضاً على
اتصال بما يطال البشر مع اندلاع الحروب الأهلية، والتي تكون - أي هذا النوع
من الحروب - على قدر كبير من الوحشية، وليس في ما جرى للبوسنيين على يد
إخوتهم الصرب إلا ما له أن يكون التجسيد الأكبر لما يمكن للحروب الأهلية أن
تصل به من دموية وحملات تطهير عرقي مارستها القوات الصربية.
أفلام بوسنية مهمة جداً ستحضر قبل مشاهدة هذا الفيلم وبعده، كما هو
الحال مع فيلم «غربافيتشا» لياسميلا زبانتيش والذي نال الدب الذهبي في
برلين ،2006 ولعل عبارة ترد في نهاية فيلم أمير كوستاريسا الشهير «تحت
الأرض» 1995 لها أن تكون مرثية لبلد هو اتحاد جمهوريات يوغسلافيا تقسم بعد
حرب أهلية ضروس تقول «كان يا ما كان هناك وطن» بحيث ورثت هذا الوطن صربيا
التي أرادت حين أعلنت البوسنة استقلالها عنها أن تعيدها إلى سلطتها مهما
كلف الثمن، وهنا يمكن الحديث عن صراع بين المسيحيين والمسلمين وليكون
المسلمون أقلية في ذلك البلد تعرضوا إلى حملات منظمة من التصفية العرقية
وسلسلة منظمة من اغتصاب النساء على أيدي الجنود الصرب بما يصل إلى تعرض 50
ألف امرأة للاغتصاب كما يرد في نهاية فيلم جولي. ستختار جولي التي كتبت
وأخرجت «في أرض الدم والعسل» الطريقة الجاهزة لمقاربة الحرب، لتوضيح ما
يمكن أن يطرأ على البشر في الحروب الأهلية، ألا وهي مجاورة الحب للحرب،
وسيبدأ الفيلم مع أيلا (زانا مورنوفيك) وهي متوجهة إلى حفلة سرعان ما نجدها
وهي ترقص مع شاب نحيل وأشقر هو دانيال (غوران غوستيك)، ثم فجأة وعلى
الطريقة الهوليوودية الأسيرة يحدث انفجار، وبالتالي فإن علينا أن نعرف أن
الحرب أو الاضطرابات قد بدأت، ولننتقل زمنياً إلى أربعة أشهر بعد هذا
الحدث، حيث تكون الحرب قد بدأت ونحن حيال حملة تهجير للمسلمين من المناطق
الصربية، فكما يبدو فإن أيلا صربية لكنها مسلمة، وبالتالي تؤخذ إلى معسكرات
الجنود حيث سيجرى تحويلها ومن معها من نساء إلى خادمات للجنود الصربيين،
وهذه الخدمة تتضمن كل أنواع الخدمة بما في ذلك الجنسية، حيث سيتعرضن
للاغتصاب على الدوام من قبل الجنود، لكن أيلا ستحظى بحماية دانيال الذي
سنقع عليه وقد أصبح «كابتن» في الجيش الصربي أو كان كذلك ولم نكن نعرف،
وبالتالي فإننا سنتابع قصة الحب بين دانيال وأيلا، وملابساتها وصعودها
وهبوطها، وكيف لهذا الحب أن يتواصل بين رجل يقتل كل من ينتمون إلى دينها أو
عرقها، وامرأة يراها ذلك الرجل مصدراً للقلق والشك كونها تنتمي إلى من
صاروا أعداءه.
الخط العام للفيلم مبني وفق متطلبات الميلودراما، وكيف للحرب أن تحول
الجميع إلى ضحايا، وعدا ذلك فإن هناك مشاهد على اتصال بما يقوم به الجنود
الصرب من أفعال اغتصاب وقتل، وكيف يأخذون النساء دروعاً بشرية، وفي سياق
ذلك مساعي أيلا للهرب بمساعدة دانيال، إلى أن نصل إلى النهاية مع سماعنا في
الراديو موقف مادلين أولبرايت والايعاز الدولي للتدخل بعد ثلاث سنوات ونصف
من القتل والمجازر. هذه النهاية ستكون منفصلة عن منطق الفيلم الرتيب، حيث
ستعلن أن الحرب وانتماء الإنسان إلى فئة دون غيرها سينتصر على كل القيم
الإنسانية التي يحرضها الحب، وعلى عكس كل ما يضيء عليه الفيلم في البداية،
خصوصاً أننا نرى أيلا متيمة بدانيال والعكس صحيح، وكل ما يعتري علاقتهما
سرعان ما يبدده الحب، لكن وعلى الطريقة الهوليوودية فإن هناك ما لا نعرفه
سرعان ما سيصحو في النهاية ويفاجئنا، فما يجري في دواخل أيلا لا يعرفه أحد
إلى أنجلينا جولي وحين تقاسمنا إياه فستكون النهاية محققة لشروط المفاجأة.
«في أرض الدم والعسل» فيلم هزيل، مركب بما يخفي تفككه أيضاً، وهو إن كان
فيلماً يريد الإضاءة على ما حدث في البوسنة فهو لم يفعل لأنه أقل من الحدث،
وعلاقة الحب التي تريد لها جولي أن تكون حاملاً لذلك عاجزة عن جعلنا
مأخوذين بما نشاهده وليس في الأمر إلا تكراراً لمئات الأفلام التي شاهدناها
كما لو أن مشهد المتحف الذي يأخذ دانيال أيلا لمشاهدة اللوحات على ضوء
المصابيح هو المشهد عينه في «المريض الإنجليزي» حين يرفع الجندي الهندي
جوليت بينوش لترى رسوم الكنيسة على ضوء المصابيح.
الإمارات اليوم في
06/05/2012
كيف يمكن صنع فيلم من دون أسس سوى قواعد اللعبة
"اللقاءات
الدولية في بيروت" سينما جديدة وفن معاصر
نديم جرجورة
تستمرّ النشاطات السينمائية في رفد المشهد المحليّ بتنويعات بصرية
مختلفة، تثير أسئلة الاشتغال الفني، وتعيد رسم الحكايات ووصف الحالات
بأشكال متنوّعة. السينما، في هذه الأنشطة مفتوحة على شتّى الأنماط: أفلام
وثائقية تُحاكي الراهن من خلال استعادة الذاكرة والتاريخ الشفهيين. أفلام
روائية تؤكّد غالبيتها الساحقة أن مأزقها الإبداعي أخطر من أن يُحدَّد
بكلمات عابرة. استعادات كلاسيكية تُعيد الـ"سينيفيليّ" إلى زمن عابق بروائع
الإبداع. أشرطة فيديو تُقدّم تعبيراً اختبارياً عن معنى استخدام الكاميرا،
وعن كيفية تحويلها إلى عين راصدة تلتقط اللحظة، وتحاور الواقع، وتقتفي أثر
المخفيّ. هذا كلّه في انتظار بدء موسم المهرجانات السينمائية اللبنانية
والعربية والدولية، المُقامة في بيروت في النصف الثاني من العام الجاري.
بدءاً من الثلاثاء المقبل، في الثامن من أيار 2012، يفتح "مركز بيروت
للفن" (جسر الواطي، سن الفيل) أبوابه أمام حركة بصرية موزّعة على عروض
أفلام فيديو ومحاضرة وورشة عمل، في إطار "اللقاءات الدولية في بيروت، سينما
جديدة وفن معاصر"، الممتدة على ثلاثة أيام ثرية بغليان إبداعي مرتكز على
تفعيل العمل السينمائي من خلال وسائط اتصال مختلفة. ثلاثة أيام مفتوحة على
مصارحة الاختبار الحرّ في استخدام التصوير، وفي البحث البصري عن مدى قدرة
"الحرية الكبيرة جداً" على صنع صورة متحرّكة. تحضر هذه "الحرية الكبيرة
جداً" في ورشة عمل بعنوان "كتابة المُصادفة والمقترب الوثائقي"، المُقامة
في الأيام الثلاثة بين الثانية عشرة ظهراً والسادسة مساء، بإشراف الفرنسي
كريستيان باراني (مخرج أفلام فيديو)، الذي طرح أسئلة متعدّدة، يُمكن
اختزالها بما يلي: كيف يُمكن بناء فيلم بالمُصادفة؟ أو بالأحرى: كيف يُمكن
صنع فيلم من دون أسس أولية، ومن دون سيناريو؟ بالنسبة إليه، هناك "حرية
كبيرة جداً" تحرّر المخرج من كل قيد. لكنها حرية تتطلّب "قواعد لعبة"
أيضاً، يُفترض بالمخرج نفسه ابتكارها لتحديد شكل الصنيع الفني المُراد
صنعه. هذا، بحدّ ذاته، اختبار: ورشة العمل، التي تنتهي مساء الخميس المقبل
بعرض الأعمال الناتجة منها عند السابعة مساء (الدخول مجانيّ)، أوجدت
تحدّياً أمام الطلاّب الراغبين في المُشاركة فيها (بالإضافة إلى إمكانية
مشاركة آخرين أيضاً)، متمثّلاً بالمزج بين أقصى الحرية وأقسى الصرامة في
صناعة صورة متحرّكة: "يتفرّع الشكل من التجربة. لم يعد أساساً أولياً
يُفتَّش عنه"، كما قال باراني، الذي أكّد ضرورة عدم تصوير اللقطات نفسها
مرّتين، "كي نعي أهمية الصُوَر، وأهمية تقديم الآخر".
لعلّ ورشة العمل هذه تُشكّل الهدف الأساسي لـ"اللقاءات الدولية في
بيروت". فعلى الرغم من أهميتها في نبش المخزون الإبداعي في لاوعي المخرج،
أو في انفعاله إزاء اللقطة الراغب في تصويرها، تفتح ورشة العمل أفقاً في
ممارسة ما يُشبه التناقض الإبداعي بين حرية الاشتغال وصرامة قواعده في آن
واحد. لكن، إلى جانب ورشة العمل، هناك محاضرة للفرنسي كريستيان مرليو
(الثامنة مساء الأربعاء المقبل، الدخول مجاني)، المخرج الذي حقّق "قضية
أوسكار وايلد" في العام 2010، يطرح فيها أسئلة متعلّقة بـ"الرهانات الجديدة
في مجال الصورة المتحرّكة"، وبإشكاليات تقديم النتاجات الإبداعية للفنانين.
لا تكتفي هذه "اللقاءات الدولية في بيروت" بورشة العمل والمحاضرة.
هناك عروض يومية موزّعة على فصول ذات عناوين أتاحت للقيّمين على الدورة
البيروتية الثانية جمع أفلام متنوّعة، بدا أن مواضيعها وأشكالها مندرجة
فيها. ذلك أن "اللقاءات الدولية" تقدّم في كل عام برنامجاً مؤلّفاً من
السينما والفن المعاصر في ثلاثة مدن أساسية، هي: باريس وبرلين ومدريد. بفضل
هذا البرنامج، جمعت "اللقاءات الدولية" مئة وخمسين عملاً من أربعين بلداً،
ونظّمت عروضاً مختلفة ومعارض فيديو متعدّدة ونقاشات وطاولات مستديرة يومية.
في بيروت، وبالتعاون مع "مركز بيروت للفن"، تعرض "اللقاءات الدولية" ثلاثة
وثلاثين فيلم فيديو موزّعة على خمسة فصول: طيف (أربعة أفلام، الثامنة مساء
الثامن من أيار الجاري)، نكبات (ثمانية أفلام، العاشرة مساء الثامن من أيار
الجاري)، "هيبرسينما" (تسعة أفلام، العاشرة مساء التاسع من أيار الجاري)،
بلدنا لم يعد موجوداً (أربعة أفلام، الثامنة مساء العاشر من أيار الجاري)
وعمران (ثمانية أفلام، العاشرة مساء العاشر من أيار الجاري. يُمكن الاطّلاع
على الأفلام كلّها وعلى معلومات مختصرة عنها، على الموقع الإلكتروني
لـ"مركز بيروت للفن": www.beirutartcemter.org).
أفلام مفتوحة على فضاء الذات والمدن والأحلام الموؤودة، أو مصنوعة على
إيقاع تحوّلات مفاجئة أو مبطّنة، أو معقودة على تمتين أواصر الروابط
الإنسانية بين الكاميرا الفيديوية والمواد الملتقطة. أفلام تصوغ حكايات
مخرجيها مع الكاميرا، وترسم ملامح تورّطهم في التنقيب عن متعة الاختبار، أو
بالأحرى أقصى الاختبار البصري: إلى أي مدى يُمكن لكاميرا فيديوية أن تذهب
بصاحبها داخل توهان الحالة، وغليان البيئة في انقلاباتها المدوّية؟ أو ماذا
يعني أن تُعلِّق الكاميرا الفيديوية نفسها عدستها على لحظة أو حيّز جغرافي
أو حالة إنسانية فردية، لدقائق تطول أو تقصر؟
لا شكّ في أن البرنامج الكامل للأيام الثلاثة لـ"اللقاءات الدولية في
بيروت" يُشكّل مدخلاً إضافياً إلى محاورة الدلالات الإبداعية للصورة
المتحرّكة، ولعلاقة تقنية الفيديو بالابتكار البصريّ. فالأيام الثلاثة،
الممتدة على تنظير وعمل ميداني ومشاهدة اختبارات مختلفة، مفتوحة على نقاش
نقدي متعلّق بمعنى التقنيات المستخدمة في ملاحقة القصص المنثورة على جنبات
الطريق. والأفلام المختارة انعكاسات متنوّعة لأحوال وحالات واختبارات، تتيح
للمُشاهد المهتم فرصة التأمّل في تلصّص المخرجين على أمكنة وتواريخ وحكايات.
السفير اللبنانية في
06/05/2012 |