بعض الأفلام تعانى عيباً واضحاً وجوهرياً فى الكتابة هو تشوّش الفكرة، وعدم
قدرة كاتبها على الإمساك بها، ولذلك يبدأ من نقطة لينتهى الى نقطة أخرى
مختلفة، يبدأ وفى ذهنه أن ينتقل من الخاص الى العام، وينتهى وقد وجد نفسه
انتقل من العام الى الخاص، بل والخاص جداً.
إذا أردت نموذجاً واضحاً على هذا العيب، ستجده فى فيلم "المصلحة" الذى كتبه
وائل عبد الله، وأخرجته ساندرا نشأت، فالفيلم الذى يرصد فى بدايته عملية
تهريب عشرين طناً من المخدرات من بيروت الى جنوب سيناء مروراً بالأردن،
ينتهى الى معركة ثأر شخصية بين مهرّب الصفقة، وضابط صارم، قتل المهرّبون
شقيقه.
الفيلم الذى يبدأ بحملة أمنية تبرز وتؤكد أن وزارة الداخلية يقظة ومستعدة،
ينتهى وقد خرج الضابط عن أى انضباط أو قانون، وهو ينفّذ حكم الإعدام فى
الشخص الذى قتل شقيقه، يحدث ذلك أمام زملائه، وأمام كبير المهربين، وهو
بالمناسبة شقيق الأخ الذى نُفّذ فيه انتقام الضابط.
فيلمنا الذى يبدأ من العام (جهود مكافحة وزراعة المخدرات)، ينتهى الى
الخاص، بل والخاص جداً، عندما يتحول ضابط الداخلية الى رجل بوليس وقاض
ومنفّذ أحكام وعشماوى (الإسم الذى يطلق على الجلاد فى مصر) فى وقت واحد،
أما الدافع فهو أن يُشفى غليله بالإنتقام، وبالمرّة يمنع وصول شحنة
المخدرات الضخمة.
شهرة كبيرة
سبقت فيلم "المصلحة" شهرة كبيرة لأسباب متعددة منها أنه بدأ تصويره قبل
الثورة المصرية، واستُكمل بعدها، وسط أخبار متناقضة، بعضها يشير الى مساعدة
وزارة الداخلية للفيلم بوصفه يسجل أو يستلهم وقائع عملية تهريب حقيقية
ضخمة، بينما أشارت أنباء أخرى الى اعتراض الداخلية على بعض المشاهد، خاصة
تلك المتعلّقة بتجنيد ضابط المكافحة لمصادره السرية.
كان من أسباب شهرة الفيلم المسبقة أيضاً أنه يجمع لأول مرة فى بطولة مشتركة
بين اثنين من نجوم سينما الشباب هما أحمد عز وأحمد السقا، يُضاف الى ذلك
أنه فيلم السقا الأول من إخراج ساندرا نشأت التى اقتحمت بنجاح عالم أفلام
التشويق والحركة، وكانت قدّمت مع عز ووائل عبد الله، مؤلف المصلحة، أعمالاً
ناجحة مثل ملاّكى اسكندرية، الذى كتب وائل قصته، ومسجون ترانزيت، الذى كتب
له نفس المؤلف القصة والسيناريو والحوار.
الحقيقة أن وائل عبد الله لعب دوراً اساسياً فى دفع أحمد عز الى نجوم الصف
الأول بالإنتاج أو بالكتابة، فقد كتب له ايضاً فيلماً جيداً للغاية هو
الشبح من إخراج عمرو عرفة، كما ساهمت ساندرا فى اكتشاف امكانيات عز
الكوميدية فى فيلم الرهينة.
تقريباً نحن أمام فريق عمل متجانس يضمّ ساندرا وعزّ ووائل وصلاح عبد الله
الذى يشارك دوماً فى أعمالهم، بينما دخل على الفريق أحمد السقا برصيد كبير
من أفلام الحركة الناجحة التى بدأت بتقليد النموذج الأمريكى بإتقان لافت
كما فى مافيا وتيتو، ووصلت الى تقديم نموذج مصرى مدهش لسينما الحركة من
خلال قصة حقيقية تناولها فيلم "الجزيرة".
طموح
لاشك أن "المصلحة" يحمل طموحاً وجهداً كبيراً وخصوصاً من جانب الثنائى عز
والسقا، ولكن عدم ضبط الفكرة، وإفلات بعض التفصيلات، تسبب فى تقليل الحصاد
والناتج، يبدأ الفيلم بالدخول مباشرة الى موضوعه: رجال الأمن المركزى،
وبينهم الضابط حمزة (أحمد السقا)، يقتحمون حقلاً للبانجو زَرَعَهُ سالم
السالمى (أحمد عز) أكبر تجار المخدرات فى سيناء.
رغم سقوط قتلى من رجال سالم، ورغم إحراق البانجو، نراه مُصرّاً دون مبرر
معقول على أن يقوم بتهريب شحنة مخدرات ضخمة من بيروت الى جنوب سيناء عبر
الأردن، وذلك بمساعدة أبو فياض (صلاح عبد الله)، بصرف النظر عن غرابة هذا
التصرف بعد إحراق مزروعاته الممنوعة، فإن بطلنا البدوى السيناوى ، يبدو
أيضاً حائراً فلا نعرف هل هو مهرب أم مزارع، ولا نعرف كيف يطمئن على صفقاته
إذ أن مشاهد البداية تؤكد أنه معروف تماماً لضباط المكافحة، ويُفترض أن
يكون تحت المراقبة، وهذا أضعف الإيمان.
مع ذلك يسافر سالم الى بيروت مثل السائحين، ويعقد صفقته مع مهرب لبنانى، بل
ويجد وقتاً وروحاً معنوية بعد مقتل رجاله، لكى يوافق على الزواج من ابنة
المهرّب الجميلة نانسى (كندة علّوش)، ثم يتوجه بارتياح الى الأردن، للإتفاق
مع القائمين بالتهريب، وتتم تسمية الأصناف المُصدّرة باسم هيفاء، وابو
تريكة.
على الجانب الآخر، يقدم الفيلم بطله الثانى: حمزة ضابط بوليس رأيناه ضمن
ضباط الأمن المركزى، ولكننا سنسمعه وهو يقول إنه يعمل فى المباحث، له شقيق
ضابط ايضاً اسمه يحى (أحمد السعدنى)، عريس جديد على غادة حسناء (ياسمين
رئيس)، زوجة حمزة، اسمها حنان (حنان ترك)، لديها المشكلة التقليدية مع
زوجها الضابط المشغول والمعرَض للموت، ولكنه ينجو فى كل مرة بدعوات الأم
المصرية التقليدية (نهال عنبر).
تشاء الصدفة أن يقوم سليمان (محمد فراج)، شقيق سالم، بقتل يحى، شقيق حمزة،
بعد أن تصادف أن كان الأخيرفى كمين للتفتيش، وتصادف أن كان الأول يحمل معه
سجائر البانجو مع عشيقته شادية (زينة)، منذ تلك الحادثة، سيختلط الخاص
بالعام، سترتبك الخطوط، بعد أن طلب حمزة أن يُنقل الى جهاز مكافحة
المخدرات، ليتولى بنفسه أمر سالم وعصابته.
لعبة القط والفأر
يزيد من تعقيد خط الإنتقام الشخصى، أن سالم ينجح، رغم الحكم على أخيه
سليمان بالإعدام، فى تهريب شقيقه وإخفائه فى مخزن تحت الأرض، يصبح العداء
سافراً بين سالم وحمزة، ندخل فى لعبة أقرب الى القط والفأر تبدأ بمراقبة
أبو فيّاض، وتصل الى محاولة عجيبة، ولا يمكن تصديقها، يقوم من خلالها سالم،
بمساعدة زوجته اللبنانية نانسى، بتلفيق قضية مخدرات لـ"حنان" التى هى زوجة
لضابط فى جهاز مكافحة المخدرات ؟!
يقود حمزة بدوره محاولة مضادة أغرب بتجنيد المجرم الذى تم تهريبه مع
سليمان، يصل الى المجرم بسهولة بالغة، وبسهولة أكبر نكتشف أن عصابة سالم
استأمنت المجرم الهارب، وجعلته يعمل معها، نلاحظ أيضاً أن حمزة يصل حرفياً
الى تفاصيل عملية التهريب دون أن نفهم كيف وصلته تلك المعلومات.
هناك محاولة أخرى يقوم بها الضابط بمحاولة استمالة شادية للتعاون مع الشرطة
على قارعة الطريق! كانت المذكورة قد انتقلت الى منزل سالم بعد إخفاء سليمان
فى المخزن، وعندما يكتشف سالم أنها كانت عشيقة لأخيه، يضربها ويطردها من
القصر الذى يعيش فيه.
لعل مما أضعف هذا الجزء أن مشاهد تهريب الشحنة خارج الحدود كانت قليلة
جداً، بينما اقتصر الصراع على سالم فى مواجهة حمزة فى خليط بين الخاص
والعام، من تعليمات المسئولين الى اللعب على النساء، ومن المراقبة فوق
القلعة التى تكشف ما يحدث فى الأردن، الى تخلّص سالم وابو فياض من تاجر
منافس.
عندما تجتمع الخيوط فى مشهد النهاية بإخراج سليمان من مخزنه، واكتشاف
المخدرات القادمة من الأردن، يقوم حمزة بحصر الحكاية بأكملها فى الثأر
الشخصى، وذلك بقتل سليمان، وإحراق قلب سالم عليه، يحدث ذلك حتى قبل أن يسأل
عن الشحنة، لنكتشف أن تعبير المصلحة يعنى فى الفيلم الاسم الذى يطلقه
المهربون على صفقاتهم، ويعنى أيضا، وفقاً لهذه النهاية، أن الضابط الهُمام
استغل هذه المصلحة، لتحقيق مصلحته الخاصة، بالإنتقام لشقيقه!
فى آخر مشهد، سالم وحمزة فى نفس القفص انتظاراً لحكم القاضى، يتسلم سالم
مدية أو سكيناً، يتبادل الطرفان النظرات مع ثبات الكادر، لعبة المخدرات
انتهت الى لعبة الإنتقام، والمعركة الجماعية الأمنيّة انتهت الى تصفية
حسابات شخصية.
لم يفلح الحوار الظريف، وبعض اللمسات الذكية، فى سد الثغرات الواضحة، لابد
مع ذلك أن نشير الى أن الثنائى عز والسقا اجتهدا بصورة واضحة فى أداء
دوريهما، كان واضحاً أن المشاهد مقسومة بالعدل والقسطاس، وقد نجحا فى تقديم
مشاهد مشتركة، هى فى الحقيقة أفضل مشاهد الفيلم.
لمسات كوميدية
الاثنان قدّما لمسات كوميدية جميلة، وإن كانت مشكلة أحمد عز، فى عدم التحكم
فى صوته عند ارتفاعه، ما زالت قائمة وملحوظة مما يتطلّب تدريباً خاصاً
ومكثفاً، صلاح عبد الله قدم دوراً مميزاً وجيداً، بينما كان أحمد السعدنى
فى دور يحى، وياسمين رئيس فى دور عروسه، أقرب الى ضيوف الشرف، محمد فرّاج
كان لافتاً فى دور سليمان، هذا الممثل موهوب ويحتاج الى المزيد من الفرص.
ظلت الأدوار النسائية على الهامش: لولا مشاهد توريط الزوجة لكنّا نسينا
حنان تُرك، كندة علّوش وزينة قامتا بأداء شخصيتين غير مفهومتين، فلا نعرف
بالضبط كيف وافقت نانسى على مطالب سالم بهذه السرعة، ولم نفهم هل تحب شادية
سليمان، أم أنها تريد شقيقه الأقوى، أم أنها تريد أىّ عريس والسلام.
لابد أن نذكر أن خالد صالح ظهر فى مشهد واحد ظريف يقدم فيه دور أحد الدعاة
الجدد، بصفة عامة ، أثبتت ساندرا نشأت أنها مخرجة احترافية، تجيد أولا
إدارة ممثليها بعد اختيارهم فى أدوار مناسبة، كما أنها تفهم الى حد كبير
طبيعة النوع السينمائى الذى تشتغل عليه.
ربما أزعجنى هنا أنها أسرفت فى استخدام عدسة الزووم اقتراباً وابتعاداً حتى
فى المشاهد الأسرية الناعمة والحميمة، صحيح أنها صوّرت هذه المشاهد فى لقطة
واحدة ممتدة، ولكنها نقلت إلينا قلقاً غير مبّرر قبل لحظات القلق الفعلية
القادمة، كان مدهشاّ أيضاً أن الكادر المُهتز والذى يقترب ويبتعد بلا
هوادة، سرعان ما أصبح ثابتاً لكى تظهر صورة مبارك واضحة فى الخلفية، وهى
مشاهد تم تصويرها قبل الثورة، لا أعرف بالضبط لماذا تظهر صورة المخلوع فى
فيلم عن مكافحة المخدرات حتى إذا لم تقم ثورة ضده، ما علاقة الرئيس وصورته
بجهاز أمنى يقوم بدوره المكلّف به؟ لاشئ سوى النفاق أو الإستسهال أوالتقليد
أو الثلاثة معاً .
ولكن يُذكر لساندرا بشكل خاص نجاحها فى ضبط إيقاع الفيلم وتماسكه بمعاونة
المونتير أحمد حافظ، كانت هناك أيضاً عناصر مميزة اخرى مثل موسيقى عمرو
اسماعيل، وصورة إيهاب محمد على، وملابس خالد عبد العزيز ومها بركة، لاحظتُ
عموماً اختياراً جيداً لمواقع التصوير، وإنْ كانت شقة الضابط أفخم من
اللازم، وبدا قصر المهرّب سالم تقليدياً وكأننا شاهدناه من قبل.
فيلم "المصلحة" تجربة أثقلتها مشكلات السيناريو، ولكنها تستحق المشاهدة دون
إغفال لعثراتها، على الأقل ستشاهد اجتهاداً من نجمين، ومحاولة لم تكتمل
لفتح ملف تهريب المخدرات العابرة للحدود العربية، مما يجعلنا نحلم بعمل
قادم أكثر إتقاناً، يعرف موضوعه، ولا تفلت منه أفكاره.
عين على السينما في
15/05/2012
تاريخ الشارع المصرى كما ترويه نيفين شلبى
يسرا علي
قدمت المخرجة الشابة نيفين شلبي العديد من الأفلام الوثائقية حاولت من
خلالها عرض بعض النماذج الإنسانية بالمجتمع المصري في صورة تجسد بها معاناة
الإنسان البسيط وإن شئت قل الفقير، منها فيلم "عيلة الزبالين" الذي يصور
حياة عيلة في وسط القمامة وكيفية تأقلمهم وتقبلهم لهذه المعيشة كذلك فيلم
"فتاه 30" الذى يناقش قضية فتاه يفوتها قطار الزواج ماذا تفعل في حياتها
وبماذا تشعر وكيف تعيش وسط مجتمع لديه ثقافة لفظ عانس.. وغيرذلك من الأفلام
مثل "أم وليد سواقة التاكسي" و"سمك صغير".
ان اهتمام مخرجة شابة في بداية مشوارها بتقديم مثل هذه الأفلام يجعلني
أصفها بأنها تحمل مزيجا من الإنسانية والثورية.
لذلك آثرت تحليل واحد من أفلامها وهو "الشارع لنا" الذي يجسد الشارع المصري
قبل ثورة 25 يناير مروراً بها حتي اسقاط الرئيس السابق.
اختياري لهذا الفيلم جاء من منطلق أنه يؤكد أن الثورة لم تقم في يوم وليلة
ولا من مجرد دعوة علي الفيس بوك، ولكن عندما تتواجد ثلاث آلاف وقفة
احتجاجية وأكثرمن اثنين مليون مصري يكسرون حاجز الخوف، فهذا دليل على أن
قيام الثورة كان نتيجة حتمية.
وأري أيضا أن مثل هذه الأفلام التي تؤرخ لما حدث علي أرض مصر قبل الثورة
أهم وأعمق من تجسيد أحداث ميدان التحرير فقط، حيث أن النظرة للخلف تساعد
علي فهم وتخطي الحاضر والتنبأ والتخطيط السليم للمستقبل.
الشارع لنا
نبدأ من خلال ثلاث جمل وردت علي لسان بعض ضيوف الفيلم:
"احنا شعب مقهور ملوش حقوق"
"احنا شعب زي كل الشعوب لما يقدر يعمل ثورة هيعمل"
"الإضرابات مبتجبش نتيجة"
تعتبر هذه الجمل الثلاثة تعبيرا صادقاً ووافياً عن حال الشارع المصري قبل
قيام الثورة، وهذه الجمل بالتحديد تجسد الهدف التي أرادت المخرجة أن تبنيه
في الفيلم، وظهر ذلك من خلال الإضرابات والإحتجاجات التي تعرض لها الشارع
المصري قبل الثورة ، وأسباب هذه الإحتجاجات من ظلم وقهر تعرض له أصحابها من
أبناء هذا الشعب.
فالفيلم يؤرخللإضرابات والإحتجاجات التي حدثت في مصر منذ عام 2006 وحتى
عام 2011 من اضرابات عمال المحلة وأحداث انتفاضة القضاة، مرورا بجميع
الوقفات الإحتجاجية التي أثارت المجتمع أنذاك مثل اعتصام عمال بتروتريد
وعمال شركة أونسيتو للغزل والنسيج وكذلك احتجاجات الشعب علي مافيا الأراضي
وأيضا أحداث خالد سعيد، أي أن الفيلم يعتبر وثيقة تاريخية لأشد الإحتجاجات
التي حدثت أثناء هذه الفتره، لكن المقال لايتسع لذكر جميع ما ورد في
الفيلم.
جميع مشاهد الفيلم جاءت من خلال ذاكرة حية لهذه الأحداث، فالتصوير من قلب
الحدث وإفراد مساحة كبيرة لحديث أصحاب الإضرابات عن مأساتهم وماتعرضوا له،
في محاولة لإعطاء صورة مفسرة لما يحدث، مثل حديث الناشط السياسي كريم كوفو
وهو أحد موظفي بتروتريد ماحدث في هذه القضية، وهكذا مع بقية الأحداث في
الفيلم.
سمة الموضوعية والشمول في الفيلم تحققت من خلال وقوف الفيلم علي جميع فئات
المجمتع وعرض آرائهم ووجهات نظرهم فنجد محللين سياسيين ناقشوا ما حدث بكل
موضوعية مثل (كمال خليل): وهو أخذنا من بداية الفيلم حتي النهاية محاولا
الإجابة علي السؤال متي تحدث ثورة في مصر؟
أعضاء من الحزب الوطني ومجلس الشوري أي الفئة التابعة للنظام السياسي
القائم مثل د. جهاد عودة كانت آراؤه تدور حول أن المطالبات الإجتماعية
الفئوية نتيجة للديمقراطية التي يحاول تحقيقها النظام. الفيلم وضع أراءه في
موازنة لما يحدث في المجمتع محاولا الكشف والسخرية من هذه الآراء ومن
أصحابها بالطبع.
وأراء مواطنين بسطاء منقسمين إلي مشاركين وغير مشاركين في هذه
الإنتفاضات، المشارك كان يحمل تأييدا ودموعا وغضبا مثل أم تحمل طفها وتقول
( أنا مليش في السياسة بس شفت التزوير بعيني)، والغير مشارك كان يري أن
الإضرابات لا تأتي بنتيجة وكلمة مؤثرة من رجل يجلس علي القهوة يقول "احنا
شعب جاهل ،لأنه متعلمش إزاي يجيب حقوقه).
كذلك يحمل الفيلم روحا انسانية و ثورية عالية جداً لم تتجسد فقط في مشاهد
الإحتجاجات الحية بل من خلال المشاهد التي حاولت إلقاء نظرة تأملية يتخللها
موسيقي معبرة علي الفقراء في الشوارع، وعلي حال الشارع المصري علي وجه
العموم.
الصورة الفنية للمشاهد لم تكن بجوده عالية، فليست هناك تقنية جماليات
الصورة، وهذا أمر طبيعي في مثل هذه الأفلام التسجيلية التي تصور مايحدث في
الواقع بصورة حية وصعوبة تحكم المصور في تثبيت الكاميرا والتصوير بشكل
طبيعي في وسط هذه المظاهرات.
ولكن ما آخذه علي الفيلم افتقاره لتسلسل الأحداث، فلم يكن هناك داع لتكسير
الزمن وانحراف تسلسله حيث الدخول في أحداث عام 2006 علي سبيل المثال ثم
تركها لأحداث 2010 ثم الرجوع إليها أولأحداث 2009، التسلسل هنا في رأيي كان
حتمي لتسهيل المتابعة علي المتلقي، وللتهدئة من الروح الثورية العالية
التي طغت علي الفيلم، ولجعل المشاهد ينظر للأمور بنظرة تحليلية أكثر منها
ثورية. وأيضا التسلسل في المدن فبدلا من الإنتقال من القاهرة إلي
الأسكندرية ثم الرجوع مرة ثانية إلي القاهرة ثم الأسكندرية، وكان من الأفضل
إستخدام fade to black في
الإنتقالات من مدينة إلي أخري.
احتواء الفيلم علي بعض المشاهد التى لا داعي لها في سياق الأحداث مثل
المشاهد التي جاءت في جزء مافيا الأراضي وقتلهم لأحد الفلاحين لا داعي
لمشاهد (ولولة) النساء وصلاة الجنازة وخصوصا أنها مشاهد لم تحمل أي جودة
فنية علي الإطلاق كان يكفي عرض لحديث أهل الميت فقط و صور الجرائد
الأرشيفية التي تؤكد الحدث.
لم يقدم الفيلم تمهيدا لثورة 25 يناير ولم يفصل بينها وبين بقية الأحداث،
فالثورة هنا كان لابد أن تقدم علي أنها الحلم الذي تحقق أو أنها نقطة مضيئة
بعد ما مر من أحداث سابقة لها، وأيضا الفيلم احتوي علي مشهد لسيدة عجوز
تصرخ ضد الفساد تكرر هذا المشهد أكثر من مرة مع أحداث الفيلم ، ولا أعرف
بالتحديد ماهية تكرار هذا المشهد وزمنه _ وإن كنت لاحظت في بعض لقطاته رمز
لحركة كفاية _ هذا المشهد تم مزجه مع أحداث 25 يناير حيث صريخ هذه السيدة
إلي أن سقطت علي الأرض ولم تقم إلا عند أخر مشهد وهو (يافطة) رحيل النظام
وسط الميدان، شعرت من هذا بنوع من الرمزية أرادتها المخرجة حيث أن الدولة
تسقط ولا يعينها علي القيام مرة أخري غير رحيل هذا النظام، لكن إن كان هذا
قصد الفيلم من مزج مشاهد السيدة العجوز أثناء أحداث الثورة، فكان لابد من
توضيحها بصورة فنية وإخراجية تصل للمتلقي وحتي لا تكون مجرد مشاهد لإثارة
مشاعر المتلقي وذلك لأننا نعرض حقائق كافية أن تتحدث إنسانياً وتاريخياً
وسياسياً عن نفسها.
عين على السينما في
15/05/2012
القذافي وبن لادن في فيلمين وثائقيين
باريس- ندى الأزهري
مطلوب "حيا أو ميتا"
ايام اخيرة دامية، علاقات عاصفة وتحالفات لم تدم، شخصيتان شغلتا العالم
وكانت بانتظارهما نهاية شنيعة. ماذا جرى في كواليس "حرب" دامت أعواماعشرة
واخرى شهورا ثمانية؟ بعيدا عن الخبر اليومي العاجل تحاول الأفلام الوثائقية
التعريف بالحدث و القاء أضواء متنوعة عليه، بعضها كاشف وآخر يكتفي بازالة
شيء من العتمة، بعضها يعزز المعرفة فيأتي وكأنه مجرد شهادة مصدقة و آخر
يثير بلبلة في تلك المعرفة. فيلمان وثائقيان عرضا مؤخرا في فرنسا حاول
أحدهما الكشف عن ملابسات القضاء على بن لادن واهتم الثاني بانقلاب
التحالفات بين الغرب و القذافي. اعتمد الاثنان على الاستعانة بأرشيف غير
منشور و بشهادات لمؤثرين في الحدث، في أسلوب كلاسيكي تناوب فيه عرض
الشهادات مع الصور وقراءة التعليق.
"القذافي
حيا أو ميتا" للفرنسي انطوان فيتكين الذي عرضته القناة الخامسة، يبين
خلفيات العلاقة الصدامية والمتذبذبة بين القذافي والغرب. هذا الغرب الذي
كان المؤيد بل الداعي لعودة الديكتاتور الليبي إلى المسرح الدولي بعد عزل
دام سنوت، كان هو نفسه الساعي لمد يد العون لإسقاطه. بفضل شهادات لفاعلين
في صنع القرار في الحرب الليبية، كسفير الولايات المتحدة السابق في ليبيا،
ومحمود جبريل المسؤول السابق في المجلس الانتقالي... وغيرهم، ألقى المخرج
الضوء على ثمانية أشهر من الحرب الليبية، مركزا على الغرب ومسار تحولاته من
الثورة ومن القذافي تحديدا.
"أي
كلام عن احتمال للتغيير في ليبيا كان يبدو مستغربا حتى منتصف شباط" هكذا
كان يظن الجميع، إلى ان أشعل الفتيل توقيف صحافي في بنغازي ورد الجيش
بالسلاح على المتظاهرين. القذافي حاول الإيحاء منذ البدايات أنه غير متأثر
بما يجري فيما بدا الغرب "حذرا" إلى حين اقتناعه بطبيعة الحركة وبأنها
"انتفاضة شعبية قائمة على أساس وطني". عندها بدأت المواقف الدولية من ادانة
واضحة في الأمم المتحدة إلى دعوات لرحيل القذافي والحديث عن عدم شرعية
النظام.
يعرض الشريط على مدى ساعة ونصف بدقة وبأسلوب مكثف ومدعم بالشهادات والصور،
تفاصيل الانتقال من مرحلة استبعد فيها التدخل العسكري للغرب، لأسباب منها
أنه سيثبت نظرية المؤامرة التي كان يتمسك بها نظام القذافي، إلى مرحلة
المطالبة به. ويبرز دور فرنسا الرئيس في هذا القرار محللا موقف الرئيس
الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يقرر التدخل العسكري في ليبيا وهذا على الرغم
من اختلافه في الرأي مع الدول الحليفة التي كانت حذرة، من جهة لعدم معرفة
جيدة بالمتمردين واخرى لعدم معرفة ما ستكون عليه ردود أفعال القذافي. هل
كان موقفه نابعا، كما شعر الجميع حينها، من رغبته " بتحسين كل ما أساء
لصورته وصورة فرنسا بعد رد الفعل المتأخر على ثورة تونس؟"، ام "ليغطي
استقباله يوما "جلاد" العالم العربي"؟ مهما كانت الأسباب فساركوزي كان
الرئيس الغربي الأول الذي قبل اللقاء مع ممثلين عن الثورة. ويبين الفيلم
الدور المؤثر الذي لعبه الفيلسوف برنار هنري ليفي الذي زار بنغازي" واكتسب
ثقة عبد الجليل" وعرض على ساركوزي لقائه" فوافق فورا" . وكان مثيرا كشف
الفيلم لكيفية الاعتراف الفرنسي بالمجلس الانتقالي الليبي، كان قرارا
"فجائيا" اتخذه ساركوزي دون أن "يعلم به أحد ولا حتى وزارة الخارجية
الفرنسية".
ثم ينتقل الشريط لشرح تطورات الموقف الأمريكي، من تردد في البداية بسبب
محاذير التدخل والخوف من النظر إلى الحرب" كحرب الولايات المتحدة ضد الشعب
الليبي" فالعراق في الذاكرة، ثم نحو تغير في الموقف حصل بناء لعوامل منها
لقاء بين وزيرة الخارجية كلينتون ومحمود جبريل، والدعم العربي لخطة
ساركوزي، و تهديد القذافي باقتحام بنغازي وهو ما حفز أوباما على القبول
باقتراح كلينتون و اقتناعه بالمشاركة إن قام تحالف دولي يضم الأطلسي والدول
العربية.
وهنا يكشف الفيلم خلفيات القرار الدولي بالتدخل، فالموافقة الصينية
والروسية كانت لأن " ليبيا للغرب فليفعلوا ما يشاؤوا"! وعبارة وزير
الخارجية الفرنسية في الأمم المتحدة" استخدام كل الوسائل الضرورية" أتت دون
استشارة العرب، واصرار ساركوزي عند بدء الحرب، على أن يكون الطيران الفرنسي
هو الأول في القصف... ويعبر الشريط على تلك الفترة الحساسة التي كان فيها
الشعور بالفشل والشك بالوصول إلى مخرج مسيطرا لدى التحالف. وهنا يكشف
تفاصيل خطة جاسوسية اقترحها عثمان محمد على جبريل لاقتحام طرابلس" خطة
بسيطة ولكن مستحيلة بدون دعم الغرب". وقد دعمها الغرب رغم تردده حتى اللحظة
الأخيرة ورغم الشكوك التي بدأت تظهر حول مرحلة مابعد القذافي وقدرة المجلس
على التغلب عليه وحكم البلد بعده. كما يظهر القلق الغربي جليا من وجود
أشخاص مثل بلحاج في الثورة الليبية إلى أن تتم دعوته للقاء قوات التحالف في
الاليزيه. فترة لم تخلو من شد وجذب بين القذافي والغرب وبين الغرب والمجلس
الانتقالي ومحاولات لمبادرة سياسية التقى فيها ساركوزي مع مستشار للقذافي.
لكن كل ذلك انتهى مع اقتحام طرابلس رغم محاولة التحالف تأجيلها ورفض
المقاتلين. فكان سقوط طرابلس المفاجئ " أسرع مما كنا نتصور "بحسب مستشار
الرئيس الفرنسي.
أما القذافي الذي كان يناور ويسعى لمبادرات فقد كان دائما يشكك بالغرب"
وقفت مع الغرب ولكنهم جاءوا لقصفي". لقد قتل وظل المسؤولون الأمريكيون
ينفون علمهم بوجوده في القافلة.
تقيد
الفيلم بالسيناريو المعلن" تغير التحالفات وكواليسها" وسار على هذا الخط
حتى النهاية فلم يبد الحرب الليبية ولا ضحاياها ولامسيرتها إلأ بما يخدم
فكرته وكان تركيزه عليها وابتعاده عن التشتت بالتطرق إلى قضايا أخرى، رغم
أهميتها، نقطة تحسب للعمل.
المطاردة القاتلة لبن لادن
أما الفيلم الوثائقي الثاني وهو من انتاج ألماني أمريكي فقد عرضته آرتي
المحطة الفرنسية الألمانية وهو من إخراج ليسلي وودهد وتاليا تيبون.
"العدالة
أخذت مجراها" كانت عبارة الرئيس الأمريكي أوباما عند إعلانه عن مقتل أسامة
بن لادن على يد قوات أمريكية خاصة. جاء هذا عشر سنوات بعد إعلان جورج بوش
مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر" اريد بن لادن حيا أوميتا". اعتبرت العملية
"نصف فشل"، فلما استغرق القضاء على " العدو الأول للولايات المتحدة
الأمريكية" كل هذا الوقت من هذه "الدولة العظمى" رغم كل ما بذلته من جهود
وأموال؟ هذا ما يحاول الفيلم الإجابة عليه.
تبدو الإجابة الأولى في كشف غياب التنسيق الفعلي بين مؤسستين استخباريتين
السي آي ايه والاف بي آي، وفي تأخر اتخاذ القرار على مستوى الرئاسة في
القضاء على بن لادن في بداية ظهوره.
يركز الفيلم عبر شهادات غنية ومراجعة للأرشيف غير المنشور لوكالات
الاستخبارات الامريكية وللبنتاغون، على أن تأسيس القاعدة تم دون أن تلحظه
السي آي ايه، وكان لأهداف واضحة: تحرير فلسطين ونشر الإسلام والتغلب على
الغرب. بعد طرد بن لادن من السعودية، يلجأ إلى السودان في 91 حيث تنتبه
أمريكا له بعد تحول الخرطوم إلى
"عاصمة الارهاب العالمي". هنا يعترف رجال السي آي ايه بوجود تردد
وصعوبات واجهتهم لتوقيف بن لادن في الخرطوم رغم تحديه المتزايد للقوى
العظمى. لكن بعد اعتداءي نيروبي ودار السلام و فتاوى بن لادن باعلان الحرب
على الولايات المتحدة في 96 و98 بات الصراع عالميا وشعرت الولايات المتحدة
أنها في حرب فيسمح كلينتون، إنما بدون امر رسمي، بالقبض على بن لادن.
محاولات فشلت كلها كما نعرف وهذا رغم التمكن من تحديد موقعه في أفغانستان
بفضل التعاون مع القائد الأفغاني شاه مسعود، وتوفر فرص كثيرة للقضاء عليه.
لقد كان ثمة تردد في فعل ذلك لأسباب سياسية يتطرق إليها الفيلم بالتفصيل.
تؤكد شهادات مسؤولين أمريكيين أنه قبل أحداث 11 سبتمبر لم تكن حقا ثمة ردود
على ما يفعله بن لادن، وكأن ما يجري "مجرد سرقة سيارة"! كما أن التنافس
بين السي آي ايه وبين الاف بي آي، التي كانت تسعى لتجميع براهين ضد بن لادن
صالحة للقبول في المحاكم الامريكية، أدى إلى حصول أخطاء واعتراف المسؤولين
الأمريكين بفشلهم لاسيما في مهمتهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الذي"
كان يمكن تجنبه" بحيث عد " نقص في أداء النظام". فعلى الرغم من ورود تقرير
في آب 2001 للرئيس عن نية بن لادن ضرب الولايات المتحدة الأمريكية، أدى عدم
تسليم معلومات كانت بحوزة السي آي ايه منذ نوفمبر 2000 عن مرتكبي
الاعتداءات إلى الاف بي آي إلى ما حصل. ود دفع حرب الأقسام الاستخبارية
هذا، لاصدار قانون جديد في الولايات المتحدة تتشارك فيه كل الاقسام في
المعلومات.
لقد جرت محاولات عديدة للقضاء على بن لادن بعد سقوط كابول منها القصف
العنيف الذي تعرضت له منطقة تورا بورا، حيث استخدمت فيه أضخم وأثقل قنبلة
في العالم وكانت استخدمت للمرة الأخيرة في فيتنام، وكشف الفيلم عن رسالة
راديو أرسلها بن لادن لرجاله يبدو فيها نادما ويدعوهم للاستسلام فيما غادر
هو إلى باكستان.
أما ملابسات العملية النهائية فقد اشار الفيلم إلى "الرسول الكويتي" لبن
لادن الذي جاء ذكره لأول مرة في غوانتانامو عام 2007، وبعد تحريات تم
التعرف على سيارته عام 2010 وجرت مراقبتها حتى توقفت في باكستان أمام منزل
من 3 طوابق. تمت مراقبة البيت وبقي الامر سرا حتى النهاية، ولم يعلم به سوى
اثني عشر شخص فقط. إلى أن قرر الرئيس أوباما خيارا من ثلاثة الهجوم من
قبل قوى خاصة أو القاء صاروخ على البيت أو الانتظار لمعلومات إضافية.
فاختار الأول. لقد بين الفيلم صورا خاصة تبين متابعة المسؤولين الأمريكيين
لفريق الكوماندوس وبقائهم لمدة 15-20 د على جهل تام بما يجري. لقد كان
"انجازا كبيرا "ولكن ليس مرضيا الوصول إليه بعد هذه المدة باعتراف
المسؤولين.
يطغى في هذه النوعية من الأفلام محتواها "الغني" الباحث عن الموضوعية على
ما عداه، لكن السيناريو المحبك والايقاع المضبوط يجعلان الوصول إلى
المعلومة مشوقا. افلام كهذه توثق التاريخ القريب، هذا الذي عايشه المتفرج،
يصبغ عليها اهمية إضافية، إنما كذلك صعوبة مضاعفة تفرضها مقارنة دائمة بين
ما هو "معروف" وما هو" معروض".
الجزيرة الوثائقية في
15/05/2012 |