يعتبر مهرجان الإسكندرية السينمائى لدول حوض البحر الأبيض المتوسط أحد
أهم المهرجانات السينمائية فى مصر والمنطقة العربية، نظراً لطبيعته التى
تعمل كوسيلة لتحقيق نوع من التواصل الثقافى
بين مصر وأوروبا، ولكن المؤسف أن مهرجان بهذا الحجم مات إكلينيكياً
بالنسبة لكثير من المهتمين بالفن السابع، مع محاولات التخريب المقصودة أو
غير المقصودة، والأزمات المتلاحقة التى ضربت دوراته واحدة تلو الاخرى, حتى
أطلق عليه بعض أعضاء جمعية كتاب ونقاد السينما المنظمة للمهرجان اسم
«مهرجان التصييف السينمائى» وهو ما يضرب دور المهرجان فى مقتل.
ورغم العشوائية التى اتسمت بها دورات المهرجان إلا قليلاً، هناك رياح
تغيير هبت على جمعية كتاب ونقاد السينما قد تنعكس إيجاباً على المهرجان
الذى يرأس دورته الثامنة والعشرين السيناريست وعضو مجلس إدارة الجمعية
الدكتور وليد سيف الذى جاء برؤية وبرامج مختلفة فى محاولة لإعادة الثقة فى
مهرجان الإسكندرية السينمائى، وهو ما نحاول ان نناقشه ونتعرف عليه بالإضافة
لإثارة قضايا وأزمات المهرجان المزمنة فى هذا الحوار..
·
<
كثيرة هى الانتقادات التى توجه لأفلام المسابقة الرسمية لمهرجان الإسكندرية
خاصة الدورة الماضية فهل تقدم الدورة القادمة وجبة سينمائية مختلفة؟
-
ما زالت لجنة المشاهدة تقوم بعملها ولكن هناك عددا كبيرا من
الأفلام الجيدة التى تلقاها المهرجان، ومن بين الترشيحات المبدئية للمسابقة
الرسمية فيلم «العدو» لديجان سيزيفيتش، الفيلم الأسبانى «الأمواج» لألبيرتو
موراليس، الفيلم الفرنسى «الوزير» لبيير شولر، الفيلم الكرواتى «دادى»
لألكا توزوفيتش، ومن الأفلام المرشحة لنيل شرف افتتاح الدورة الـ 28 الفيلم
التركى «لا تنسينى يا اسطنبول»
.
·
<
ولكن مهرجان الإسكندرية لا يحقق الهدف منه فى التبادل الثقافى والتواصل مع
دول حوض البحر الأبيض المتوسط؟
-
الدورة الثامنة والعشرون للمهرجان، هى الدورة الوحيدة التى حدث
خلالها اتصال مباشر ولقاءات مع سفارات الدول التسعة عشر المشاركة فى حوض
البحر الأبيض المتوسط، وهو ما قد ينعكس بالايجاب على المهرجان من حيث
التمثيل السينمائى لهذه الدول، خاصة اليونان التى سنرى مشاركة مميزة
لأفلامها بحضور النجمة اليونانية أريانا لابد بفيلم «ألبس» الحائز على
جائزة السيناريو فى الدورة الأخيرة لمهرجان فينيسيا، والفيلم إخراج يورجوس
لانفيموس ضمن برنامج «روائع متوسطية حديثة»، وفى القسم نفسه يشارك من
اليونان فيلم «جيس» لمينلاوس كراما جيوليس، وهو أحد أهم الأفلام المشاركة
فى الدورة الأخيرة لمهرجان سالونيك، كما تم الاتفاق مع المستشار الثقافي
الإيطالي علي دعوة النجمة الإيطالية مونيكا بيلوتشي لتكريمها وعرض فيلمها
«الأرملة الجميلة»، ويعرض المهرجان في قسم أفلام حقوق الإنسان الفيلم
الإيطالي «قيصر يجب أن يموت» الحاصل علي جائزة الأسد الذهبي لمهرجان
برلين، بحضور المخرجين الأخوين تافياني ومشاركتهما في المائدة المستديرة
التي تدور حول سينما الكرامة الإنسانية.
·
<
وما الجديد الذى تحمله هذه الدورة من فعاليات؟
-
تقام دورة المهرجان هذا العام تحت شعار الكرامة الانسانية،
وتتضمن الدورة برنامجاً جديداً بعنوان «سينما حقوق الإنسان»، ويقدم
البرنامج عددا من الأفلام المعنية بقضايا، التمييز ضد المرأة، وحقوق
اللاجئين والمهاجرين، والتمييز العنصرى، بالإضافة لحقوق معتقلى قضايا
الرأى، وتضم الدورة الجديدة مسابقة القلم الذهبى فى النقد السينمائي والتى
أعد لائحتها النقاد مجدى الطيب والأمير أباظة وياقوت الديب.
·
<
رغم كل هذه الفعاليات إلا ان مهرجان الأسكندرية كغيره من المهرجانات
المصرية يمكن اعتباره مهرجانا بلا جمهور؟
-
المعركة الكبيرة التى أخوضها فى هذه الدورة هى الوصول لجمهور
الإسكندرية، وهناك حلول لهذه الأزمة تتمثل فى توسيع مجال الدعاية للمهرجان،
الى جانب تنمية الوعى الثقافى خلال الشهور المقبلة، ولا أرى هذا معجزة، فما
علينا إلا التواصل مع حيز المهرجان، وهو ما حدث بالفعل من خلال منسقة
المهرجان فى الإسكندرية منى عبد السلام، والجولات التى أقوم بها للبحث عن
عناصر ترويج لإقامة عروض فى اماكن مختلفة.
·
<
استوقفنى تصريح للمخرج مجدى احمد على رئيس المركز القومى للسينما قال فيه
انه أحال القائمين على الدورة الماضية لمهرجان الإسكندرية للنيابة فما
أسباب هذا القرار؟
-
لا دراية لى بموضوع إحالة المسئولين عن الدورة السابقة للنيابة
وكعضو فى مجلس ادارة الجمعية المنظمة للمهرجان لم يتم ابلاغى رسمياً بإحالة
المسئولين عن الدورة السابقة للنيابة كما ازعم انه لم تكن بالدورة السابقة
رغم عدم مشاركتى فيها كمنظم اى مخالفات تستحق احالتها الى النيابة وفى رأيى
الشخصى ان الدورة الماضية اقيمت بأقل تكلفة ممكنة، وقد يكون هناك بعض
الاخطاء الفنية ولكن علينا أن نضع فى الاعتبار أن المهرجان الذى أقامته
الجمعية يعتبر هو المهرجان السينمائى الوحيد الذى أقيم فى عام 2011 وهذا
انجاز فى حد ذاته لأن القائمين على المهرجان أخرجوا هذه الدورة فى ظروف
صعبة للغاية.
·
<
من المعروف أن رئيس الجمعية ممدوح الليثى يسيطر على المهرجان منذ سنوات
طويلة ومن يصطدمون به يعتبرونه الرئيس الفعلى للمهرجان فما رأيك؟
-
ممدوح الليثى عقلية تمتلك خبرة ادارية ممتازة ولكن دائماً يحدث
الصدام بينه وبين المهرجان عندما تتعارض الامور الادارية مع الامور الفنية
وهى مسألة واردة ومتوقع ان تحدث فى اى دورة ولكن علينا ان نعتاد التعامل مع
من نختلف معهم فكريا وهو الدرس الذى تعلمناه من الثورة فهناك وجهات نظر
مختلفة داخل كواليس المهرجان ولكن الصدام يأتى من كون الليثى كرئيس للجمعية
مسئولا عن الأمور المالية والإدارية وهو ما قد يصطدم ببعض الفنيات فيحدث
الخلاف.
·
<
ولكن لا يخفى على احد تدخل رئيس الجمعية فى كل ما هو فنى و مالى حتى ان
البعض أشار الى تدخله فى منح جوائز وتكريمات المهرجان فكيف ستتعامل مع هذا الأمر؟
-
نحن بالطبع نتحدث عن الدورات السابقة لا نتحدث عن الوضع الراهن
وبالفعل هناك دورات كان يرأسها الليثى أو يسمح له رؤساؤها بالتدخل وهذا
الأمر مرفوض بالنسبة لى ومن المعروف اننى كنت نائباً لرئيس المهرجان فى
إحدى الدورات ورفضت طلب الليثى بتكريم بعض النجوم لمجرد انهم حضروا ختام
فعاليات المهرجان وهو ما نشرته وسائل الاعلام وقتها، ومن وجهة نظر محايدة
ارى ان لجوء الليثى لتكريم عدد كبير من النجوم يرجع لاهتمامه بالكم لا
بالكيف لتحقيق تغطية إعلامية كبيرة وهى وجهة نظر لها وجاهتها ولكنى أرى أن
الانتقاء اهم من الكم حتى وإن كان المردود الاعلامى أقل.
·
<
هناك أزمة تفتعلها وسائل الاعلام قبيل انعقاد اى من المهرجانات المصرية وهى
غياب التمثيل السينمائى المصرى فكيف ستواجه هذه الازمة خاصة مع ضعف الإنتاج
السينمائى؟
-
الإعلام فى مصر يصب كل اهتمامه على النجوم المحليين بغض النظر
عن أهمية نجوم مثل الاخوين تفيانى وهو شيء محبط للغاية خاصة وان الافلام
المصرية محدودة ولا تنطبق شروط المهرجان على اغلبها وهو ما دفعنا هذا العام
لتغيير لائحة المهرجان لجعلها تسمح بعرض أفلام الديجيتال داخل المسابقة
الرسمية وهو ما يمثل دفعة للسينما المستقلة التى يفوق انتاجها السينما
التجارية بمراحل وتعتبر بديلا ملائما لأزمة غياب الفيلم المصرى.
·
<
ألا تعتبر فتح المجال لأفلام الديجيتال للاشتراك فى المسابقة الرسمية خطوة
لإلغاء مسابقة الديجيتال؟
-
على العكس تماماً فمسابقة الديجيتال باقية ويرأسها هذا العام
الدكتور رفيق الصبان ولجنة تحكيم المسابقة يرأسها مدير التصوير السينمائى
سعيد شيمى بعضوية الناقد مجدى الطيب ويسرا اللوزى، ويضاف إلى فعالياتها
إقامة بانوراما للأفلام المتوسطية القصيرة تعرض أهم تجارب الفيلم القصير
التى أنتجت خلال العامين الماضيين وحصلت على جوائز من مهرجانات دولية وتأتى
هذه الخطوة كنوع من التمهيد المطلوب ليشاهد صناع السينما المستقلة نماذج
متميزة قبل تحويل مسابقة الديجيتال الى مسابقة دولية بداية من الدورة
التالية.
·
<
يتهامس البعض حول صراعات أعضاء الجمعية لتقسيم «تورتة» المهرجان ومناصبه
المختلفة فهل تؤثر هذه الصراعات على الدورة القادمة؟
لا أعتقد أن هناك من سيحصل على منصب إدارى إلا لو كان يستحقه وهناك
العديد من الخبرات الكامنه داخل جمعية كتاب ونقاد السينما يمكن اكتشافها من
خلال تداول السلطة فى المهرجان والجمعية وأرى ان هذا المهرجان يقام للجمهور
السكندرى لا للقائمين عليه او منظميه واكثر ما يهمنى هو استفادة اهالى
الاسكندرية من فعاليات المهرجان لذلك نعرض الافلام مجانا ولو لم يشاهد
جمهور الاسكندرية افلام المهرجان «تبقى كارثة».
·
<
لكن البعض يعتبر المهرجان بمثابة مصيف لأعضاء جمعية كتاب ونقاد السينما
الذين يتصارعون عليه؟
-
هذا الكلام غير صحيح فمهرجان الإسكندرية هو المهرجان الوحيد
الذى يجتمع فيه السينمائيون مع النقاد لأسبوع كامل يحدث خلاله حوار وتواصل
بين الطرفين ونتمنى أن يستوعب المهرجان كل المهتمين بالسينما ولكن للأسف
المهرجان يجمع عددا محدودا وبالتالى يتعرض المهرجان للهجوم كما ان المهرجان
كان منذ سنوات ساحة قتال لنجوم يتصارعون على جوائزه ولكن هذه المعارك هدأت
الآن كما ان المهرجان قدم دورات رائعة مثل الدورات الثلاث التى قدمها
الناقد رؤوف توفيق والدورة التى أدارتها الناقدة خيرية البشلاوى كذلك
الدورة قبل الماضية وقد تكون الدورة الاستثنائية للمهرجان التى أقيمت العام
الماضى فجرت بعض الأزمات ولكنها لا تلغى إنجازات المهرجان.
الوفد المصرية في
05/06/2012
أكدوا أنها بدون علم فاروق حسني
قيادات الثقافة تتهم لواءات بالاستيلاء على دور السينما
كتب – خالد ادريس
:
شن عدد من قيادات وزارة الثقافة هجوما شديدا علي نظام الرئيس السابق
حسني مبارك واتهموه بالاستيلاء علي المال العام في العديد من المشروعات
التى كانت موزعة علي قطاعات الوزارة.
وأشاروا ان هذه المشروعات كانت فقط للشو الإعلامي دون تحقيق أى مردود
لها علي المستوي الخدمي والشعبي من انشائها رغم تكلفتها التى قدرت
بالملايين من الجنيهات.
جاء ذلك خلال اجتماع لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشعب برئاسة محمد
الصاوي امس لمناقشة خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة
للعام المالي 2012/ 2013لقطاعات وزارة الثقافة.
وطالب مجدى أحمد علي رئيس المجلس القومي للسينما أعضاء اللجنة بضرورة
التدخل العاجل من اجل إعادة أصول وممتلكات المركز التى تم الإستيلاء عليها
في العصر البائد وبدون علم فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق خاصة "دور
السينما" وضمها للشركة القابضة للسينما والسياحة التابعة لوزارة الاستثمار
والتى يرأسها العديد من اللواءات التى لا تعلم شيئا من قريب أو بعيد عن
صناعة السينما وإداراتها.
وقال رئيس المركز القومي للسينما اننا نريد لأصولنا أن تعود لنا خاصة
أن هؤلاء اللواءات يتصرفون في إيرادات دور السينما وما تحققه من ارباح في
صورة صرف مكافأت وحوافز رغم أن الشركة القابضة للسينما والسياحة لاتملك أى
مستندات تفيد ملكيتها لدور السينما .
وأشار ان تلك الشركة قامت بتأجير جميع المخازن التابعة ايضا لدور
السينما في أغراض أخري بعيدة عن صناعة السينما . واضاف "في ظل ما قام به
العصر البائد من الإستيلاء علي اصولنا اصبحت مرتبات العاملين بالمركز هزلية
ومبكيه" ، واصفا تلك المرتبات بمثابة إعانة بطالة
.
وقال أن الأمور وصلت الى حد أننا عندما نستعين بكبار المخرجين نعطيهم
مكافأة لا تزيد عن 150 جنيه وأكد ان عودة الأصول الينا وهى دور السينما سوف
تخرجنا من الأزمة والمأزق والكارته في نفس الوقت ، خاصة واننا نحتاج إلى
إحلال وتجديد وتطوير المركز وشراء أوتوبيس لنقل المعدات وآخر لنقل
المواطنين واحلال وتجديد قاعة الوزير الأثرية بعد أن أصبحت خرابة. وقال أن
قاعة الوزير يمكن أن تصبح مركز دولي للمؤتمرات الثقافية.
من جانبه أكد سعد عبد الرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة أنه منذ توليه
رئاسة الهيئة منذ عام وشهرين اوقف نزيف اهدار المال العام وكافة الأمور
التى كانت تحمل الشو الإعلامي ووقف كافة الإنشطة الثقافية التى لم يكن لها
أى مردود إلا أنه أكد في نفس الوقت أن هناك بعض المشروعات التى بدأ العمل
بها تمثل بالنسبة له ورطة إلا أنه لا يستطيع وقف العمل بها لوجود عقود بين
الهيئة والمقاولين.
وتوقع السيد محمد علي رئيس المركز القومي للمسرح أن يشهد المركز عصرا
جديدا بعد سقوط النظام البائد ، وقال أن المسرح سوف يعود بقوة مثلما كان
بعد ثورة 1952 وقال أنه متفائل خاصة أن الإخوان المسلمين كان لديهم مسرح في
القاهرة والإسكندرية.
الوفد المصرية في
05/06/2012
المخرج مجدي أحمد علي لفاريتي أرابيا:
أخوض معركة لاسترداد أصول السينما المصرية
مجدي الشاذلي من القاهرة:
قال المخرج مجدي أحمد علي، رئيس المركز القومي المصري للسينما، أنه يخوض من
موقعه الحالي، معركة لاسترداد أصول السينما المصرية التي أخذتها وزارة
الاستثمار في غفلة من الزمن.
وأشار علي في حديث خاص لـ"فاريتي أرابيا"، أن هناك سرقات فاضحة لأصول
السينما المصرية حدثت في عهد حكومة الدكتور عاطف عبيد، وقال أن عبيد تعامل
مع السينما مثل البطاطس، وتاجر في الأفلام باعتبارها "مخزون سلعي"، فتم
تقييم 159 فيلما بمبلغ يزيد قليلا عن مليون جنيه مصري، وذهب هذا المبلغ في
صرف المرتبات والبدلات كشركة قابضة لا تخضع للدولة.
وأكد رئيس المركز القومي المصري للسينما، أنه لن يهدأ حتى تعود أصول
السينما المصرية بالكامل إلى وزارة الثقافة، لتقوم الوزارة بإدارتها
بنفسها، أو أن تشكل شركة قابضة لاستثمار هذه الأصول التي تدر أمولا طائلة،
في الوقت الذي ينتفع بأموالها جهات وأشخاص لا علاقة لهم بالسينما.
وتضم أصول السينما المصرية نحو 280 فيلما، و23 قاعة عرض سينمائي، ومدينة
السينما التي تضم 4 ستوديوهات. ورغم ذلك لا يستفاد من هذه الأصول بسبب
استمرار الخلاف حول من يدير أصول السينما المصرية، وما إذا كانت الدولة
ممثلة في وزارة الثقافة، أو قطاع الأعمال ممثلا في الشركة المصرية للتوزيع
والعرض السينمائي.
وعن تقييمه للأفلام التي شهدتها دور العرض منذ ثورة يناير، قال المخرج
الكبير: "لا شك أن هناك أنواع من الأفلام التي طرحت بهدف الترفيه، وهناك
جمهور مازال يقبل على هذه النوعية من الأفلام، ومن المؤكد ان هذا ليس هو
الفن الذي أحبه، ولا هذه هي الثقافة التي أعبر عنها، وأرى أن هذه الأفلام
لا تعبر عن اتجاه فني وأنما عن حالة نفسية، في الوقت الذي لا تجد فيه
الأفلام الجادة الفرصة للإنتاج في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مصر حاليا".
وفيما يتعلق بموقفه من الرقابة الفنية، قال: "سوف أظل أمارس دوري المناهض
للرقابة بكل أشكالها، مع ضرورة تنظيم عمل الإبداع، لأنه لا يوجد شىء مطلق
الحرية، ولابد من وجود اتحاد للفنانين ينظم عملية الإبداع لمنع الأشياء
التي تقع تحت طائلة القانون الإنساني، ومنها مثلا الكراهية بناء على الدين
أو الجنس او اللون أو العرق".
وأضاف: "إلى أن يحدث هذا، فأنا ملزم بقوانين البلد إلى أن أستطيع تغييرها،
ونحن نضطر أحيانا - وللأسف - أن نلجأ لقانون الرقابة على المصنفات الفنية،
ليحمينا من هجمات أخرى، وخاصة من ضغوط التيارات الدينية التي تزداد بصفة
مستمرة وأصبحت تشكل أزمات للأعمال الفنية".
وأوضح مجدي أحمد علي، أنه ينتظر بفارغ صبر انتهاء فترة عمله كرئيس للمركز
القومي للسينما، مشيرا إلى أن المنصب يعطله عن إنجاز العديد من الأعمال
الفنية، ومنها فيلمه "الدنيا أجمل من الجنة"، والذي واجهته مشكلة في
تمويله، وكذلك مسلسلات "بليغ حمدي"، و"محمد عبده"، و"الحكر"، وكلها أعمال
مؤجلة لما بعد خروجه من المنصب ربما خلال فترة الصيف الحالي.
وأبدى المخرج الكبير تفاؤله بدور الدعم الذي قدمته وزارة الثقافة من خلال
المركز القومي للسينما لأكثر من 35 فيلما، مشيرا إلى محاولاته لزيادة قيمة
الدعم الكلي للأفلام عن 20 مليون جنيه، أو على الأقل الحفاظ على هذا المبلغ
سنويا، لإحداث حالة رواج للإنتاج السينمائي في مصر خلال الفترة المقبلة.
فارييتي العربية في
05/06/2012
النمساوي" سيدل" :
مهمتي كوثائقي أن اقترب من الناس
حوار: إلينا كريستوبولو
ــ
ترجمة : رامي عبد الرازق
اعتبره المخرج الالماني الكبير فيرنير هرتزوج واحد من اهم عشرة مخرجين
في العالم بالنسبة له وقال عن فيلمه"حب الحيوانات":" لم يسبق لي من قبل أن
شاهدت فيلما في السينما جعلني انظر مباشرة إلى الجحيم بشكل حقيقي".
انه السينمائي النمساوي"إلريش سيدل"الذي ولد في فيينا عام 1952
واستطاع خلال ثلاثين عاما من تقديم الافلام الوثائقية والروائية أن يحصد
عدد كبير جدا من الجوائز الدولية الهامة في كلا المجالين حيث حصل فيلمه
الروائي الاول "يوم الكلاب" 2001 على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان
فينيسيا الدولي, كذلك اصبح من الاسماء المتكررة في قائمة التنافس على
السعفة الذهبية لمهرجان كان منذ عام 2007 عندما أختير فيلمه الهام" استيراد
وتصدير" ضمن برنامج المسابقة الرسمي وعاد هذا العام 2012 لينافس بفيلمه
الروائي"الجنة".
قام مهرجان سالونيك الدولي للافلام الروائية في دورته الثانية
والخمسين التي اقيمت في نوفمبر الماضي بتكريم"سيدل"على اعتباره أحد اهم
السينمائيين المؤثرين في السينما الاوربية الحديثة وقام المهرجان بتنظيم
برنامج استعادي لاهم افلام"سيدل" كذلك اصدر عنه كتابا تكريميا احتوى على
حوار مطول معه- والتي نقدمه هنا للقارئ العربي- كذلك عدة مقالات وقراءات
نقدية عن اسلوبه السينمائي الذي يجمع ما بين وثائقية الروائي وروائية
الوثائقي.
هنا نص الحوار والمعنون بالانجليزية "هل يزعجكم ذلك ؟؟ "
على اكثر من مجرد الصعيد الشخصي لقد سبق لك وان صرحت قائلا"ان صناعة
الأفلام التسجيلية هي احد مدارس الحياة الهامة لانها تعني ان تنظر إلى حياة
الأخرين, وان تخوض في عوالم غريبة والتي بدون الحالة الوثائقية لن تتمكن من
معرفتها ابدا"...
·
فهل صناعة الافلام الروائية لا
تسمح لك ايضا بالغوص في العوالم الغريبة او المختلفة؟
لا, فهناك اختلاف كبير بينهم, فأنا كصانع افلام وثائقية يجب أن اقترب
من الناس الحقيقيين وان انظر عن قرب لحياتهم الحقيقية, ومواجهة الظروف
الواقعية لحياتهم, كوثائقي فإنني اخوض في عوالم غريبة عني, واعيش مع اشخاص
لم اعرفهم من قبل حتى هذه اللحظة.
هذا الواقع الجديد الذي اعيش فيه معهم يصبح هو المادة والألهام على حد
سواء, اما في الفيلم الروائي/الخيالي فأن الفكرة واسلوب الاقتراب مختلفين,
في الفيلم الخيالي فإن الواقع مصاغ دراميا بشكل او بأخر, وموضوع في اطار
مختلف عن واقعه, وحتى الاشخاص الذين يؤدون ادوارهم فيه فأنهم يلعبون شخصيات
مختلفة تماما عن حقيقتهم في العالم الواقعي.
·
لقد تم تصنيفك على أنك مخرج
سياسي ولكن دون ان تكون انفعاليا, هل توافق على هذا التنصيف ؟ وكيف يظهر
هذا في اعمالك؟
سيدل: يمكن أن نعتبر افلامي سياسية إذا نظرنا إليها على اعتبار انها
تعكس صورا من مجتمعنا, خاصة المجتمع الغربي, انني ارسم العالم كما اراه,
واثير مناقشات ولكني لا ادين أحدا ولا احكم على أحد, انني لا احدد ما يمكن
أن يفكر فيه الجمهور, لانهم ببساطة يستطيعون بل ويجب عليهم ان يقوموا بذلك
بأنفسهم.
لقد قلت من قبل " أنني احاول ان اسير على حبل مشدود فوق الخط الفاصل
ما بين الاعداد الدقيق للفيلم والانفتاح على ما لا يمكن التنبوء به" هل
يمكن ان تذكر لنا مثالا يعبر عن حدوث "ما لا يمكن التنبؤ به" وكيف قلب من
موازيين الأمور في احد افلامك؟ ربما مثال قريب لقلبك او لا تزال تتذكره !
ما عنيته بهذا هو انه اثناء عملية"إنتاج"الفيلم وعلى الرغم من شهور
الاعداد وبعيدا عن التعليمات الصارمة التي اعطيها لممثليني فإنني انتظر تلك
الأمور التي تحدث بالصدفة حيث يمكن أن يتعرض الممثلين إلى تحدي ما وان
يحصلوا على"مساحة"خاصة بهم في نفس الوقت.
وهناك أمثلة لا تحصى على هذا, في فيلم "استيراد وتصدير" هناك المشهد
الذي تطلب فيه الممرضة من العجوز طريح الفراش ان يطعم كلبه, ما حدث ساعتها
أن العجوز اكل طعام الكلب بنفسه وهو امر حدث بالصدفة دون ترتيب, ومثل هذه
الامور حين تحدث فأنها تغيرمن دلالة الفيلم واحيانا من نهايات الأفلام.
في فيلم"ايام كلب" تنتهي القصة بالزوجين يقومان بالتأرجح على ارجوحة
للاطفال, هذه الفكرة جائتني هناك ولم تكن مرتبة ولكني شعرت بها بمجرد أن
رأيت تلك الارجوحة في موقع التصوير وكانت النهاية في السيناريو الاصلي
للفيلم مختلفة تماما.
·
يصفك المصور السينمائي "ادوارد
ليخمان" الذي عمل معك في اكثر من فيلم على انك صانع افلام صاحب رسالة ولكن
دون ان تكون اخلاقيا في نفس الوقت, وانت نفسك صرحت بأن"افلامي نقدية ولكنه
ليس نقدا تجاه افراد ولكن تجاه المجتمع, فلدي رؤية خاصة عن فكرة الحياة
بكرامة" ما هي رؤيتك بالنسبة للحياة بكرامة ؟ وما هي الرسالة الأخلاقية
التي تحتويها؟
انني اؤمن بأن ما قاله"ليخمان"يعني ان لدي موقف محدد تجاه الحياة
ولكن رغم ذلك فأنني في افلامي لا اقوم بفرض هذا الموقف على احد, بل انني
اتمنى ان اقدم فقط مجرد غذاء للأفكار, حتى فيما يتعلق برؤيتي لمعنى الحياة
بكرامة, فهو أمر متغير جدا ويمكن لكل متلقي ان يراه بشكل مختلف بل انه
يتغير من مرحلة حياتية إلى اخرى في حياة الانسان.
·
لماذا تجعل شخصيات أفلامك تحدق
دائما في الجمهور؟
سيدل: لان هذا هو ما يهمني , انني مهتم باللحظة التي تحدق فيها
الشخصية في الكاميرا واختبار ما يمكن ان يشعر به الجمهور جراء ذلك, فهل
يزعجهم ذلك؟ هل يجدوه غير محبب أو مقبول؟ هل يخيفهم هذا؟ هل هو امر حزين؟
ام هو على العكس مسألة طريفة؟
·
انت تبدو دائما في اغلب افلامك
وكأن ثمة حقيقة تحاول دائما ان تنقل رسالتها للناس فما هي؟
سيدل: انها حقيقة ان ما يروه على الشاشة فأنهم يرونه من خلال عيني انا.
·
ثمة اجواء غامضة تتمكن من خلقها
عبر اعمالك تترك الجمهور يتساءل بعدها اي مشهد كان حقيقيا وواقعيا واي مشهد
لم يكن! مما يجعلك فريسة لتساؤلات الجمهور حول نواياك وافكارك حول "الحياة
الواقعية" ؟
انني لا اخلق اية اجواء غامضة, ولكن من السذاجة أن يتصور المرء ان ثمة
حقيقة واحدة وأن ثمة أسلوب واحد لروايتها, هذه احد الامور المهمة التي
تطرح نفسها كأشكالية منذ اول فيلم وثائقي تم تصويره في تاريخ السينما, لانه
في اللحظة التي يحمل فيها احدهم كاميرا لتصوير شيئا ما فإن الناس يبدأون في
تغيير سلوكهم وطريقتهم في التعامل امام الكاميرا, انني فقط احاول من خلال
اسلوبي الخاص أن اصل للحقيقة وكأنها شئ زائد عن الحاجه بالنسبة لهم.
انني استخدم عناصر وثائقية في افلامي الخيالية, وفي افلامي الوثائقية
فانني استخدم عناصر مرتبة مسبقا من قبل الإنتاج لان ثقة المشاهدين في
افلامي يجب ان تبنى على مستوى اعلى من مجرد انتظار الحقيقة المجردة.
·
لقد قلت عن فيلمك الوثائقي"حب
الحيوانات":"ان الأمور في بعض الاحيان ذهبت إلى ابعد مما كنت اتخيل حتى
انني تصورت أنه لن يمكنني أن اظهر ما اقتربت منه داخل تلك الشقق ولقد اصبت
بالفعل في احيان كثيرة بالأحباط " ! ما هي الامور التي ازعجتك إلى هذه
الدرجة؟ وكيف تعاملت معها؟
ازعجتني هو تعبير خاطئ, أنني لم اكن منزعجا, ولكنني شعرت بأضطراب في
وعيي نتيجة لما رأيت, وعشت وتعلمت. ان الوحدة والفراغ العظيمين اللذان
رصدتها داخل هؤلاء الأشخاص هو ما جعلهم يتورطون في علاقات حب غير طبيعية مع
الحيوانات و لقد رايت ما لا احتمل من الاحضان والقبلات للكلاب, كل هذا
اشعرني بحالة احباط انسانية وليست فنية.
·
ولكنك صرحت بالفعل أنك تريد أن
تقدم فيلما عن الحب وان هدفك لم يكن الاكتشاف ولكن الحميمية. في الحقيقة
انك في"حب الحيوانات" اكتشفت بالفعل هذه الحميمية ولكن كعادة كل افلامك
يخلف الأكتشاف دوما حالة من الوحدة, لقد صنعت فيلما عن الاحتياج إلى الحب
واغلب شخصيات افلامك الوثائقية والروائية تشبه هذا الفيلم هل شعرت يوما
بانك تريد أو يجب عليك أن تساعد مثل هؤلاء الاشخاص ؟
بالطبع لا, فهذه ليست مهمتي, ولا يمكن أن تكون, ماذا افعل كي اخرج
هؤلاء الاشخاص من وحدتهم؟ أن ما افعله هو ان اقدم لهم الأشياء العادية التي
يفتقدونها , اوفر لهم بعض الصحبة اثناء التصوير, لقد دفعت لبعضهم فاتورة
الطبيب البيطري وساعدت اخر في تحريك ثلاجته, لو استمريت على علاقة بهم حتى
بعد نهاية التصوير, ان الصحبة التي اقصدها هي أني منحتهم جمهورا يشاركهم
تلك الوحدة عبر افلامي.
·
لقد قلت من قبل أن فيلم"موديلز" كان اصعب افلامك اخراجيا على الاطلاق هل لا
يزال هو الأصعب ام انك انجزت افلاما اكثر صعوبة منه؟
لا لم يعد هو الاصعب, لقد اصبح اخراج افلام مثل "استيراد وتصدير" او"الجنة"
اكثر صعوبة الجنة على سبيل المثال استغرق تصويره اربع سنوات( الجنة هو
الفيلم الذي شارك به في دورة مهرجان كان الاخيرة-المترجم) ما قصدته في
مسألة الصعوبة ان العمل مع الموديلز هو الامر الصعب لقد كانوا موديلز
حقيقيين وكانوا معتادين على التعامل بشكل سئ وعلى ان يلتقوا الاوامر طوال
الوقت, انهم يؤمنون ان المسألة كلها تتمحور حول المال, وفي بداية التصوير
لم يكونوا معتادين على اسلوبي الحر في التعامل والمبني في الاساس على الثقة
المتبادلة في القدرة على التعبير وليس في المقابل المادي فقط.
الجزيرة الوثائقية في
05/06/2012
ثوَّار السينما المصرية
(محمد
المصري )
في الأفلام العظيمة تَكون الشخصيَّات أكبر مِن عالَمِ الفيلمِ ذاته،
تَتحوّل مع الوقت، خصوصًا مع تكرار المُشاهدة، إلى لَحمٍ ودَم، يُمكن أن
تتخيَّل ردود أفعالها في المُواقِف المُختلفة، وأن تَراها في الشَّارِع أو
الأتوبيس أو العَمَل، ولذلِك فإن البعضِ مِنهم كان حَتماً في الثورة.
1- محمد
أبو سويلم «الأرض»: كُنّا
رِجَّالة ووقفنا وَقفة رِجَّالة
مثلما كان الشَّيخ «حافظ
سلامة» رَمزاً
لثوَّار السويس والمُقاومة الشعبية، كان أبَا «محمد
أبو سويلم» رَمزاً لثوَّار الفلاحين، يُعطِي للميدان شَرعيَّة
مُختلفة مِمّن سالتِ دماؤهم يومًا فوقَ الأرض الطِينيَّة.
تاريخه الطّويل في النّضال ضِد الإنجليز، للحفاظِ على الوطن، وضِد
الإقطاعيين، دفاعًا عن حقوق الفلاّحين، كان يَجب أن ينتهِ بثورة تَهدُف،
قبل أي شيء، لـ«العيش
والحريَّة».
كَهل عَجوز، تَجاوز المائة مِن عمره بقليل، لَكِنَّه ظَلّ في خَيمته داخل
الميدان طوال الثمانية عَشر يومًا، وصارِت الخَيْمَة نفسها أشبه بالقِبْلَة
التي يَتَّجِه الثّوار نَحوها، مَقامًا لوليّ يَبْتَهِل فيه النّاس للثورة.
لم يَعُد يَقوى على الهِتاف أو المَسِير، لكن ظَلّ واعياً لكُلّ ما يَحْدث
حوله، ومُجَرَّد تواجده في الميدان كان يُعِين الشَّباب على أوقاتِ اليأس
ليشتَدّ هِتافهم «مش
هَنِمْشِي».
عَاشَ عُمره الطويل «على
أمل تِتنفخ فينا الروح ونصحى من جديد»، وحينَ قامت ثورة، فَرِحَ «أبو
سويلم»، لأن
السنوات لم تَذْهب في الانتظارِ هَدراً.
وفي الأوقاتِ الكئيبة القاتِمة أكثر من غيرها يَبدو صَوت «أبو سويلم» واضحاً:
«نِزلنا
سوا يوم 25 يناير، وقفنا قُصاد المُدرَّعات وقنابل الغاز،
ليه؟! عشان كنا رجّالة ووقفنا وقفة رجّالة، وفـ28 يناير
شُوفنا الموت بعنينا، دَفنّا مِننا ناس عَ الكوبري، لا خوفنا ولا وَنّينا،
ليه؟ لإننا كنّا رجّالة ووقفنا وقفة رجَّالة، حَرَقنا الأقسام.. أسرنا
جِمَال.. جرَّينا الخوَنة قدّام عنينا، عشان كنا رجَّالة ووقفنا وقفة
رجَّالة، وجوا محمد محمود.. لما كانت حياتنا متعلَّقة بشعرة وبينا وبين
الموت خطوة واحدة، مخوفناش.. هَجمنا بصدورنا.. حاربنا عَدوّنا، ليه؟! عشان كنا رجّالة ووقفنا وقفة رجّالة».
فتجتَمِع الوجوه من جَديد.
2- فارس «الحَرّيف»: زَمَن
الثّورَة يا بَكْر
طوال الوقت كان كل ما يحاول فارس فعله هو أن يجعل حياة مَن حوله أفضل،
بجنيهاتٍ قليلة لكابتن مورو أو أبيه، بكلماتٍ طيّبة لسالِم أو لنرجِس،
بالرَبْتِ على كَتِف عبد الله أو مُحاولة إعادة دَلال إليه لتربية ابنهم.
فَارس يَلْعَن الفقر، ويكره القَهر، ويحتقر رِزق، لا يُفضَّل الأوقات
الصباحية التي يقضيها عاملاً بمصنع الجِزَم، بقدر اللّيل الذي يَقوم فيه
بأكثر ما يُحبُّه، لِعب الكرة بالقربِ من الكوبري، والشعور بما هو أكثر من
الاستمتاع «الانتصار،
الحريَّة».
ورغم أنه «لم
يَكُن له يوماً في السياسة»، ولم يَعْلَم بما حدث يوم الخامس والعشرين من يناير
لمدّة ثلاثة أيام، فإنه قادَ عقب صلاة الجّمعة، وبصدفةٍ بَحْتَة دون قصد،
إحدى المُظاهرات يوم الثامن والعشرين.
سنوات عمره الخمسين لم تَكن تعينه على الجري، ورغم ذلك كان يَقف في الصفوف
الأولى، والتُقِطَت له بعض الصور، في الفيديو الشهير فوق كوبري قصر النيل،
وهو يرتدي ملابسه الزرقاء المُمَيَّزة، ويَشتبك مُباشرةً مع المُدَرَّعة
التي هَرِبَت من أمامه هو والرفاق.
وحين دَخَلَ التحرير لم يَكُن يَفهم أن ذلك الذي حَدَثَ للتو قد صار «ثورة»، لكنه
كان سعيداً، ويشعر بالانتصارِ والحريَّة.
3- حسن «سوّاق
الأتوبيس»: يا
ولاد الكلب
على مدارِ حياته كلها كان حَسن يُعاني، دون أن يَشعر أحياناً من قَهْرِ
الآخرين، الطّباع التي تغيَّرت، واللهث وراء المادّة الذي يُجَرّف كل شيء
في طريقه، حتى وَرْشَة والده التي عاشَ فيها حَياته، حتى حَياة والده ذاتها.
والقاعدة الفيزيائية الأبسط تَقول إن «كل ضغط يجب أن يولّد انفجارًا»، وكان
انفجار حسن في النّشال الحَقِير، بصرخة سَمِعها كل المارة والأتوبيسات في
شوارع القاهرة، هو نَتيجة كل الكَبت الذي عاناه وشَعر به.
ما فَاتَ حَسن- الغاضِب
عن حق- أن النّشال ما هو إلا مكبوت مِثله، يُعاني قَهْراً
مماثلاً، وأن تُجَّار الانفتاح- رجال الأعمال- أعضاء
لَجنة السياسات في مرحلةٍ لاحقة، هم مَن يستحقون صَرخته.
في جُمعة «الغَضَب»، لم
يَخرج حَسن ليعبر عن أي موقف سياسي، كان فقط يُريد أن يَصرخ، وهو ما تلاقى
مع رغبة كَثيرين غَيره لم يريدوا سوا الصّراخ.
ورَّغمِ عودته لمنزله عقب الخِطَاب الثاني للرئيس المخلوع، فإن مَشهد
الجِمال والأحصنة التي تُهاجم زُملاءه الصارخين جَعلته يَعود للميدان
ثانياً، يَصرخ من جديد، يَصرخ ويصرخ ويصرخ، حتى هَدَأ.
4- يوسف
النّجَّار «الكيت
كات»: يركب
حُصان خياله
الغريب أن الشيخ حسني نفسه لم يُشارك في الثورة، حيث وجد نفسه عالقاً يوم
الثامن والعشرين من يناير وسط مُظاهرة ضخمة بدأت من إمبابة، دون أن يفهم ما
يحدث أو يستطيع الخروج منها، ومع كثرة الناس والحركة اللاإرادية خَرج من
المنطقةِ التي يَعرفها، خارج حدود الكيت كات وميت عُقبة، يَسير مع
الثَّائرين، ويَحِلّ الليل، يَسمع أصوات الدبَّابات والطّلقات، لا يستطيع
التنفس ويشعر بأنه سيموت حين تسقط بجانبه قنبلة غاز، ليغشى عليه قبل أن يصل
إلى الميدان، ولا يعود لمنزله قبل فَجر السّبت، مما أصابه برهبةٍ شَديدة من
الثورة، وظلّ موقفه منها سلبياً حتى التنحّي.
أما يوسف فقد كان هُناكَ، يَنتصر على العَجْزِ لأولِ مرّة في حياته،
يَتصالح مع أبيه، يُحب فاطِمة أكثر، يُمسك عوده ويُغنّي ألحان الشّيخ بين
الثوَّار، ويكون حُلم السفر الذي ظل يراوده لسنوات بعيدًا جدًا عن هُنا،
حين بدا أن الانتماء لا يَحتاج لأكثر من الشعور بالكرامة، ومُلْكُ الأرض قد
يأتي مع القليلِ من الحريَّة، والثورة لا تَحْدُث إلا مع حُصان من خَيال
* نقلا
عن صحيفة المصرى اليوم القاهرية
المصري اليوم في
05/06/2012 |