نجم كوميدي أثار الكثير من الجدل منذ بداية ظهوره بالسينما، حطم
مقاييس السينما المألوفة من خلال تقديم كاريكاتير صارخ اشتهر به، اعتاد علي
الهجوم والنقد اللاذع ولكنه مجاهد ومثابر وله وجهة نظر في كل ما يقدمه
ولاتزال أفلامه تحقق أعلي الإيرادات:
§
مازلت أسير شخصية اللمبي؟
- مستحيل الخروج من هذه الشخصية مرة واحدة لابد من الخروج رويدا رويدا
وهذا بالفعل ما حدث في فيلم الآن: «بم تك بم» فالكاريكاتير مختلف تماماً
بدليل أن كل شخص شبهني بشكل مختلف والآراء جميعها مختلفة والجمهور استحسن
الفيلم وكانت هذه هي المفاجأة.
§
صرحت أنك سوف تخرج من عباءة
اللمبي؟
- بالفعل قررت ذلك لإخرج من ذلك القمقم واستطيع تجسيد شخصيات كثيرة
أحلم بها، ولكني أخشي من كسر نجوميتي ورد فعل الجماهير نحوي مرة واحدة،
ولذلك بدأتها من خلال المشاهد التي حدثت في الـ18 يوماً فكنت بالفعل
بشخصيتي الحقيقية وساعدتني علي ذلك المنتجة الجميلة «إسعاد يونس» لأنها
معرفة قديمة من المسرح.
§
هكذا تعني أن المنتج له دور
أساسي في نجاح الفيلم؟
- طبعا وأكيد، فالمنتج هو مؤلف التوليفة كلها ويختار الفنان المناسب
لهذا الدور والفنانين المشتركين معه في هذه الحبكة الفنية بالشكل المناسب
لأنها في الأصل كيمياء وهارمونية منسقة بين الفنانين.
§
لكن فيلمك جاء في المركز الثاني
من حيث الإيرادات عكس ما كان يحدث في الماضي بم تفسر؟
- مسألة تقييم أول وثان مسألة موقع ليس أكثر وهذه خاصة بشركات الإنتاج
والتوزيع ويارب يكرم كل الناس لأننا في النهاية فنانون مصريون وفي بوتقة
واحدة والجماهير هي مقياس صعود وهبوط الفنان ويشرفني ويكفيني أن أفلامي لا
تخجل منها العائلة المصرية.
§
تجسيدك فيلماً عن الثورة أليس
مجازفة لأن الثورة لم تكتمل بعد؟!
- بالفعل أنا أري الوقت لم يأت بعد للمحاكاة عن الثورة، ولكن الفيلم
كان محاكاة عن تأثير الثورة علي الحارة الشعبية وتجسيد الحياة الفعلية من
خلال اللجان الشعبية التي حدثت بالفعل وإن شاء الله سوف نستكمل الأحداث
كجزء ثان للفيلم القادم.
§
كيف تري موسم السينما في عيد
الفطر؟
- موسم خطر جدا، وكان هدفنا تحريك السينما، ولذلك كانت الأفلام محدودة
جدا، وكان لابد من المجازفة من أجل انتعاش السينما والجميع كان ينتظر ويضع
الفيلم الخاص بي رهاناً الحمد لله السينما بدأت وتحركت وحققت إيرادات وشجع
ذلك الفنانين علي التصوير مثل أحمد حلمي، السقا، عز، وغيرهم وهذا الشيء
يحسب لي.
§
يضايقك لقب فنان شعبي؟
- هذا اللقب شرف ووسام علي صدري فأنا من الشعب وفني شعبي من أجل
الترفيه عن الشعب وأين أنا من العملاق فريد شوقي فنان الشعب، وملك الترسو؟
§
بعد كتابتك هذا الفيلم «بم تك
بم» الكل يتساءل: هل محمد سعد سوف يتجه فيما بعد إلي كتابة أفلامه بنفسه؟
- هذه تجربة لن أكررها، ولكن ظروف هذا السيناريو في ذلك التوقيت هي
التي فرضت ذلك لعدم وجود سيناريو جاهز والكل يخشي التجربة في موسم العيد
بعد الثورة وهذا المشروع أصلاً كان مكتوباً قبل الثورة فأخذته المنتجة
إسعاد يونس وقامت بتعديله ليناسب هذه الفترة، وتناولت شخصيتي الفعلية بشكل
سينمائي وفي نفس الوقت كنا نريد الاختلاف وعدم التقليد والتشابه.
§
محمد سعد كيف يري ذاته؟
- هذا سؤال صعب الرد عليه وكل إنسان يقاس علي مدي ثقافته وبيئته
وتجاربه الشخصية، وكل إنسان يراني بالشكل المناسب لوجهة نظره ومستوي ثقافته
وسلوكه وموقعه الاجتماعي.
§
أحلام محمد سعد الفنية؟
- أحلم بعمل فني للأطفال لأنهم يعشقون اللمبي وإذا وجدت عملاً للأطفال
مميزاً سوف أسرع وأهرول لتنفيذه.
§
محمد سعد مع الرقابة أم ضدها؟
- أنا مع الرقابة ولابد من وجودها لأن المبدع له وجهة نظر ربما تتعارض
مع التقاليد المصرية والعائلة الشرقية فلابد من وجود رقابة لحدوث التوازن.
§
كيف تري الشرطة؟
- يوجد الآن تصالح بين الطرفين واختلفت لغة الضابط مع المواطن، وكلنا
في الأصل أهل وعائلة واحدة أمهم مصر.
§
ولكن انتشرت الآن بلطجة الطريق؟
- ربما يكون «بلطجي غلبان» محتاجاً إلي قمة العيش وربما يكون للتمرس
ولكن في النهاية كل ذلك سوف يزول لأن الشعب لديه وعي الآن.
§
أيهما أقرب إليك: السينما،
التليفزيون، المسرح؟
- كلها شراييني، المسرح عشقي الأول وهو أبوالفنون لأنه يتغير كل يوم
حسب الظروف والارتجال سيد التمثيل وأساس الإبداع وإفيه علي الهواء وكلما
كان الممثل مبدعاً كان مرتجلا والمسرح منذ أيام الفراعنة، أما السينما فيها
تأكيد للذات وتفاصيل دقيقة وإحساس مختلف، أما الدراما التليفزيونية فأنت
ضيف علي كل بيت وكلهم عائلتك وهذا إحساس آخر لا يضاهيه إحساس آخر
والتليفزيون الآن في عصره الذهبي.
§
ولهذا يقال عنك إنك تخرج عن
السيناريو بسبب ارتجالك؟
- الارتجال يعني مشاعر وأفكاراً علي الهوا في لحظتها وغالباً يكون رد
فعله أعلي من المكتوب فالمفروض أن هذه ميزة وليس العكس لكي ينتقدوني، ولكن
يوجد بعض الفنانين ملتزمون بالسيناريو المكتوب.
§
لكن يقال إنك تتدخل في السيناريو
والإخراج؟
- أنا أترك كل شيء لأصحابه لأن الشركات المنتجة لأفلامي لها اسمها
ومكانتها وتاريخها فكيف اتدخل؟ وليس معني إنني استبدل بعض عبارات وجمل
بالسيناريو لكي أشعرها ويصدقها الناس أنني اتدخل.. لا.. أنا فقط أقول ما
أشعره.
§
لكن يقال إنك ديكاتور في العمل؟
- الديكتاتورية تعني عدم الكلام نهائيا، ولكن أنا رجل أؤمن بحرية
الرأي مع جميع الناس وزوجتي وألعب مع أولادي كالطفل.
§
ما الجديد لدي محمد سعد؟
- مشروع فيلم سينمائي لم يحدد اسمه بعد تأليف عمر سمير عاطف، وإخراج
نادر أحمد جلال وإنتاج الشركة العربية.
§
لماذا التكرار سينمائياً مع
الشركة العربية؟
- شركة مريحة جداً وأنا مرتاح نفسيا في التعامل معها والراحة عندي أهم
من المادة وربما مشروع سينمائي آخر من إنتاج شركة الأوسكار للمؤلف: أحمد
عبدالله والمخرج وائل إحسان.
§
هل تتمني أن يعمل أطفالك بالوسط
الفني؟
- اتمني أن يبتعد أطفالي عن هذا الوسط لأنه صعب وشاق جدا، وطريقي لم
يكن مفروشا بالورود، كما يعتقد الآخرون وأنا لا أنام ودائماً في حالة قلق
ماذا أقدم للجماهير في الفترة المقبلة؟ والوصول للنجاح سهل ولكن الأصعب هو
الحفاظ علي هذه المكانة.
§
من هم أبطال حياتك الفنية؟
- المخرج جلال الشرقاوي وسعد أردش ومحمد الدفراوي هؤلاء شهدوا لي
بالموهبة وشبهوني بالممثل جيم كاري.
§
كيف تواجه الانتقادات اللاذعة؟
- ابتعدت عن الصحفيين الذين لا يقدمون نقدا بناءً ولا يهمهم سوي
التجريح، وكأن بيني وبينهم ثأرا، ولكن دائما أرحب بالنقد البناء وأنا راض
عن نفسي تماماً ولا يهمني سوي إرضاء جماهيري لأنهم سبب نجوميتي.
§
ماذا فعلت بك النجومية؟
- النجومية جعلتني أكثر حرصا وخوفا ومسئولية وثقة الجماهير تفرض علي
تقديم رسالة إنسانية حقيقية من خلال الكوميديا ونحن ثروة قومية وانتعاشة
فنية وسياحية وسبب لأرزاق بعض الناس، ولذا فجميع الخطوات محسوبة علي.
§
هل يوجد ضمن خريطتك الفنية لمبي
قادم جديد؟
- لا.. إطلاقا.. اللمبي طالق بالثلاثة والقادم سيكون جديدا ومختلفا
وأفضل كثيرا من الماضي.
جريدة القاهرة في
05/06/2012
الفيلم المصري ومعركة الوعي الوطني
بقلم : د. وليد سيف
الحقيقة أن دراسة السينما والوقوف علي واقعها اليوم أصبح أمرا ملحا بعد ما
نجم عن مشكلات غياب الوعي عند قطاعات عريضة من المجتمع لعقود طويلة. وبعد
ما كشفت عنه حالة الحراك السياسي بعد 25 يناير عن ركام من الجمود والرجعية
والضحالة الفكرية التي خلفها النظام السابق في مختلف شرائح المجتمع بطول
البلاد وعرضها.. تلك القطاعات التي بدأت فصائل منها تسعي بجدية لفهم واقعها
المحيط بعد أن كانت في حالة من الغفلة. وبعد مرحلة السعي للمعرفة وسط تخبط
الاتجاهات والأفكار وتداخل المفاهيم أصبح علي السينما كأكثر الوسائط
التعبيرية شعبية دور أكبر. لا أحفل كثيرا بتلك الآراء التي تتعامل مع فن
السينما باعتباره وسيلة تربوية أو تثقيفية أو تعليمية. فمن المؤكد أن وسائل
الإعلام والثقافة وليس الفن والإبداع هي الأقدر علي لعب مثل هذه الأدوار.
وقد تساهم فنون أو وسائل أو وسائط أخري في تشكيل الوعي والذاكرة والثقافة.
لكن ليس بنفس القدر ولا القدرة التي تلعبها السينما، خاصة في مجتمع تنتشر
فيه الأمية والفقر، لتصبح الأفلام هي أقرب وأرخص وسائل الترفيه المتاحة.
النصر للثورة يتنامي دور السينما وتتزايد أهميتها وقيمتها في مراحل تاريخية
فارقة. ويصبح استلهام حكاياتها وشخصياتها أمرا مهما في البحث عن سبل وحلول
وخاصة مع مجتمع يتراجع فيه دور وانتشار الكتاب بل والجريدة. وتتراجع فيه
سبل اتصال الفرد بالعالم الحديث حتي ولو استخدم وسائله، بفعل انغلاق قطاعات
عريضة منه علي خطاب ديني قديم قد لا يلبي طموحه غالبا ولا يوجد إجابات علي
تساؤلاته الحديثة والمستحدثة. قد تلعب السينما أو فن الفيلم عموما بمختلف
أنواعه دورا في هذا ولكن يظل الفيلم الروائي خصوصا هو الأكثر انتشارا وصاحب
الغلبة مهما كانت مستويات أو قيمة الفكر الذي يطرحه. وسوف تظل الأفلام التي
تنتصر للمستقبل وللحرية وللقيم النبيلة بأسلوب فني راق هي الأقرب لوجدان
المشاهد والأكثر صمودا أمام الزمن بينما تتواري وتندثر الأفكار الرجعية
والانهزامية. ويستمر تيار السينما الجريئة والتقدمية ليصب في مجري نهر
المجتمع الثوري الساعي لتحقيق أهدافه الأساسية التي لا يتخلي عنها أي إنسان
حر وهي عيش - حرية - كرامة إنسانية - عدالة اجتماعية. السلام الكاذب وقد
أدلت السينما بدلوها في مختلف قضايانا الوطنية والقومية الملحة.. ربما علا
صوتها أحيانا أو خفت في أحيان أخري. ربما تعثر خطابها وشابته الركاكة غالبا
واتصف بالبلاغة والاستنارة نادرا ولكنه كان متواجدا ولو في نسبة ضئيلة من
إنتاجها. فكما شهد عام 1979 مثلا الحدث السياسي الخطير بتوقيع معاهدة
السلام، شهد أيضا أحداثا سينمائية مهمة ومؤثرة. كان من أهمها بداية توجه
مخرجنا الكبير يوسف شاهين نحو سرد سيرته الذاتية برائعته (إسكندرية ليه )
التي ظهرت علي شاشات السينما في 23 / 8 / 1979 - بعد مرور أقل من خمسة شهور
علي توقيع معاهدة السلام - والتي سوف تكون بداية سلسلة من الأعمال عن مسيرة
حياته، لا تعكس انكفاء فناننا الكبير علي ذاته بقدر ما تعبر عن اهتمامه
بتصوير الأجواء المحيطة بحياته. ومن داخل فيلم (إسكندرية ليه) في أربعينات
القرن الماضي نطل ولأول مرة علي صورة لليهودي المصري مختلفة تماما عن نمط
البخيل المستغل الخائن التي رسختها السينما المصرية في أدوار سينمائية
عديدة. سنري يوسف وهبي في دور اليهودي المصري الذي يذوب عشقا في حب وطنه
ويودعه مجبرا في كلمات أقرب إلي مقاطع الشعر. يأتي الفيلم متزامنا مع
المعاهدة ولكنه يتسق تماما مع فكر المخرج وتوجهاته الداعية للتعايش مع
الآخر والتسامح إلي حد التفريط والذي عبر عنه بوضوح أكثر في فيلمه السابق
(وداعا بونابرت) والذي يكاد يجعلنا نبكي ندما علي ما اقترفناه ضد الحملة
الفرنسية لأننا قمنا بالثورة علي الغزاة وطردهم مع أنهم أهلوا علينا بمشاعل
العلم والحضارة. وكان يكفي فقط أن نردد في وجههم هتاف البطل الشاعر الساذج
" مصر حتفضل غالية عليا". هناك العديد من الأعمال التي توالت لتعبر بشكل
واضح عن رفض التصالح مع العدو سواء من خلال إحياء ذكري الشهداء أو تمجيد
العمليات العسكرية التي قام بها أبناؤنا ضد العدو منها (يوم الكرامة )2004
أو التأريخ لاغتصابه أرض فلسطين في (باب الشمس) 2005 أو التعاطف مع
المقاومة الفلسطينية في (أصحاب ولا بيزنس ) و(بركان الغضب ) وغيرها .. ولكن
الفيلم الذي عبر بوضوح عن الرفض الشعبي للوجود الرسمي لإسرائيل في مصر هو
الهزلي الساخر( السفارة في العمارة ) والذي تجلي خطابه عبر العديد من
المشاهد والمواقف لكافة الشخصيات بدءا من رجال الدين واليساريين بل وحتي
رجال المرور باستثناء طائفة منبوذة من المنتفعين. وفي واقع الأمر لقد اختفت
غالبا عن السينما الأصوات الخافتة لدعاة السلام مع اليهود لتتصاعد بقوة عبر
ثلاثين عاما الأصوات المعارضة والرافضة لكل أشكال التصالح والتطبيع
والداعية لمقاطعة هذا الكيان الذي ما زال يغتصب أراض عربية ويمارس أقصي
أساليب العنف مع أشقائنا. ولا شك أن السينما المصرية بحسها التجاري الغالب
وسعيها لاستقطاب الجماهير لعبت علي الوتر المضمون واستثمرت الاتجاه الشعبي
الرافض للمعاهدة وعبرت بقدر استطاعتها في حدود الممكن رقابيا عما يلبي
رغبات جماهيرها وينفس عن غضبهم المشتعل. أكتوبر المسروق من القضايا التي
تلام السينما المصرية كثيرا عن تقصيرها تجاهها هي حرب أكتوبر. ففي كل عام
ومع حلول ذكري نصر أكتوبر 1973 يتكرر السؤال : لماذا لم تقدم السينما فيلما
يتناسب مع قيمة هذا الانتصار الكبير ؟ .. تمر السنوات ومازال السؤال هو
السؤال. ومازالت الإجابات أيضا هي نفسها، تدور كلها حول إدانة الفيلم
المصري والمنتج والسيناريست والمخرج والنجم. وكلهم بلا شك شركاء بدور كبير
في تدهور مستوي الصناعة بلا شك. ولكن بالنسبة لحرب أكتوبر علي وجه التحديد
ربما تبدو المسألة أكبر من إدانة أفراد أو صناعة بأكملها، حتي ولو كانت هذه
العناصر تلعب دورا في هذا التقصير. فالأحداث السياسية الكبري والفرحة
الوطنية العارمة إن لم يصاحبها تعبير فني بليغ في حينها فإنه قد يأتي بعد
أعوام من استيعاب الحدث وقيمته. ولكن هذا الغياب الكامل لنصر أكتوبر علي
الشاشة لا يعني سوي مشكلة في منظومة كاملة وفي رؤية شعبية ضبابية ورسمية
متخبطة وفي تضارب وارتباك في فهم واستيعاب الحدث. بل وفي حالة عامة من
الإصرار علي التجاهل لأسباب سوف نبحث فيها معا قد تخرج عن نطاق الفن. ولكن
من قال إن الفن ينعزل عن مكونات كثيرة اجتماعية واقتصادية وعسكرية وسياسية.
إن السبب الحقيقي الذي جعل إمكانية صناعة فيلم يعبر عن هذا النصر أمرا
مستحيلا هو أن حرب أكتوبر وغيرها من الحروب كانت الغاية القريبة منها هي
استعادة الأرض ولكن الغاية البعيدة لكل حروبنا هي الحرية. فهل استطاع
سياسيونا أن يجعلوا نصر أكتوبر ورقة رابحة في مفاوضاتهم من أجل الحرية.
الحقيقة أن حريتنا ظلت تتضاءل وتبعيتنا للإمبريالية الأمريكية تتزايد. فقدت
مصر حريتها بعد أن استسلمت تماما لأمريكا ومساعداتها ولصندوق النقد وشروطه.
وفقد المواطن المصري حريته وكرامته أمام حكومات متواصلة من الخاضعين لأوامر
الأمريكان. وهكذا كانت المسافة بين المواطن وشعوره بنصر أكتوبر يتضاءل، ولم
يكن بإمكان الاستعراضات السنوية في ذكراه بحضور المخلوع وزبانيته سوي وصلات
من المدح الكاذب والنفاق المكشوف لشخصه الكريه الذي احتكر نصر أكتوبر
لنفسه. فزاد الحاجز النفسي بين المواطن ونصره الذي حققه ولم يعد شريكا به.
بل كانت السياسات التي أعقبته سبيلا للنظام في مزيد من القمع للمواطن الذي
فقد حريته والتي لم يكن النصر سوي سبيل لها. المشهد الانتخابي تنشغل
السينما المصرية إلي حد مقبول بالمشهد السياسي، بصرف النظر عن مستوي عمق
الرؤية أو جدية الطرح أو حتي دوافع الاستغلال. فكثيرا ما تكون السياسة أحد
التوابل أو المشهيات الجاذبة للجمهور في السينما والإعلام أيضا. ولا شك أن
مدي الجدية في التناول والطرح قد تصل إلي أدني مستوياتها ليس فقط في أفلام
المقاولات ولكن في أفلام كبري للنجوم السوبر حين تنحصر أهدافها في المتاجرة
والادعاء ورفع أسهم النجم. وقد يغلب علي البعد السياسي طابع الترميز أو
التلميح مثل رائعة شاهين عودة الإبن الضال أو يصل التصريح إلي مداه كما لم
نر من قبل كما حدث مع «حين ميسرة» لخالد يوسف. و يصل الطرح السياسي إلي
أرقي مستويات الواقعية في العديد من أفلام الراحل عاطف الطيب مثلا. وقد
تتسم الرؤية بكثير من العمق والرقي الفكري في كثير من أعمال داود عبد
السيد. وفي ظل الظروف التي تمر بها البلاد بعد قيام ثورة، يري البعض أن
السينما تراجعت ويراها البعض انتكست أو وأدت إلا أنها وبالتأكيد صنعت شيئا
في روح العباد وتطلبت خطابا جديدا. وهي بالتأكيد ولا شك ساهمت بدور أو بآخر
في تحقيق هذه الثورة الموءودة إلي حين من خلال أفلام عبرت عن قضايا الوطن
وهمومه وفساد حكامه. ولكن دورها الآن يتزايد أهمية وأصبح خطابها أكثر خطورة
وتأثيرا، بصرف النظر عما يظهر بها من أعمال تجارية استهلاكية سيطويها
النسيان ربما قبل أن تتواجد في دور العرض أو تحقق عرضها الأول في القنوات
التليفزيونية. والحقيقة أيضا أن حدود تأثير الفيلم المصري تمتد بطول
الأقليم الذي انفجرت في مختلف أنحائه ثورات الربيع العربي والذي تعد
السينما المصرية اللغة الثانية المشتركة بين شعوبه بعد اللغة العربية. وإذا
كانت السينما في عمومها تخاطب جمهورا من الشباب بالدرجة الأولي، فإن خطاب
الفيلم المصري أصبح موجها إلي شباب شعوب ثائرة وساعية لتحقيق حرياتها وتلمس
تجارب حضارية وديمقراطية علي النمط الغربي في الغالب. وإن كان هناك تيار
إسلامي قوي يتلمس مرجعية دينية، إلا أن هذا القطاع في الغالب لا يحفل
بالسينما بالقدر المعتاد عند قطاعات أخري. وهكذا فإن الجانب الثقافي من
السينما أصبح يخاطب جمهورا علي درجة متقدمة من الوعي. وبذلك أصبح علي
فنانيها أن يبذلوا جهدا مضاعفا.
جريدة القاهرة في
05/06/2012
المخرجون يمدحون السادات
في أفلامهم.. والنقاد يصبون عليهم غضبهم
بقلم : محمود قاسم
محمود قاسم يكتب السينما تنتقد حكامها "3-4" المخرجون يمدحون السادات
في أفلامهم.. والنقاد يصبون عليهم غضبهم *السينما لم تنتقد أنور السادات
بما يتناسب لكنها رفعته إلي مصاف عالمية فلم يعجب ذلك النقاد فقام الكثيرون
منهم بانتقاد الرجل والأفلام في مقالاتهم كنوع من تصفية الحساب * حادثان
مهمان في النصف الأول من السبعينات من القرن الماضي جعلا صورة السادات
تتقدم بزهو ملحوظ علي شاشات الأفلام المصرية ثورة التصحيح وحرب أكتوبر *
السينما راحت تعزز المكانة السياسية للسادات من خلال فيلم "الكرنك" المأخوذ
عن رواية استمدها نجيب محفوظ من حكايات الشباب الذين كانوا يجالسونه في
مقهي ريش في بداية السبعينات قالوا إن أنور السادات كان يرغب في أن يعمل
ممثلاً سينمائياً في بداية حياته.. ودائماً لا أحب كلمة "قالوا" وليست لدىّ
وثائق بذلك، لكن الذين شاهدوا الرئيس الراحل وهو يدلي بحديث صحفي إلي مندوب
إذاعة مونت كارلو - تم تصويره تليفزيونياً، ورأيناه - يتأكد أن السادات كان
مغرماً بالكاميرا كثيراً.. ولعل الذين عاشوا العقد الذي حكم فيه مصر يعرفون
كم يحب "شو" الكاميرا. والسادات دخل تاريخ السينما، حين وافق علي عرض أول
فيلم انتقادي لثورة يوليو، وهو "ميرامار" لكمال الشيخ عام 1969، وحسبت له
هذه المبادرة، أي أنه رجل مستنير، يتقبل النقد، وأنه كان يحب السينما
ويتتبعها، فقد ذهب ليلة الثالث والعشرين من يوليو إلي السينما بينما زملاؤه
يسعون إلي قصر عابدين، كما أن السينما استعانت كثيرا بالخطاب، البيان، الذي
قرأه السادات لاعلان تولي الجيش السلطة في 23 يوليو 1952، وقد سمعنا هذا
البيان بصوته في أفلام عديدة. كما أن السادات هو الرئيس المصري الأوحد الذي
قدمت عنه شركة انتاج تليفزيونية عالمية فيلماً روائياً، قام ببطولته لويس
جوست، وأخرجه ريتشارد مايكل، وهو الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة في مصر، ومنع
من العرض، لأنه أظهر زعماء آخرين معاصرين للسادات بشكل سلبي خاصة جمال
عبدالناصر الذي لم يكن السياسيون الأمريكيون يحبونه كثيراً. ثورة التصحيح
حادثان مهمان في النصف الأول من السبعينات من القرن الماضي جعلا صورة
السادات تتقدم بزهو ملحوظ علي شاشات الأفلام المصرية، الأول حادث مصطنع،
وهو ما أطلق عليه نفسه، وأيضاً بعض الصحفيين الذين ساندوه ومنهم موسي صبري،
ثورة التصحيح عام 1971، ثم حادث مشرف وحقيقي، وهو عبور قناة السويس بواسطة
القوات المسلحة، في السادس من أكتوبر وقد عزف الرجل طوال حياته علي اسمين
من شهور السنة: مايو، وأكتوبر وساندته الأفلام علي أساس أنه بطل الحرب،
وصانع القرار، حسبما غني له عبدالحليم حافظ "عاش اللي قال". وقد ظهرت
الأفلام التي تمجد صانع قرار الحرب، قبل فترة من ظهور الأفلام التي تمجد
الرجل الذي فتح أبواب المعتقلات، كي يخرج منها الذين سجنوا في عصر
عبدالناصر، أو ما يسمي بأفلام "الكرنكة".. فقد حدث العبور في عام 1973، وفي
الذكري الأولي لانتصارات أكتوبر، كانت السينما تعرض أربعة أفلام علي الأقل
لتمجيد الحرب، والعبور، والجيش، وأيضاً صانع القرار الذي ظهر في أحد هذه
الافلام، وهو يخطب أمام الناس، ويقلد أبطال الحرب النياشين، والأنوطة
الشرفية، هذه الأفلام هي: "الرصاصة لا تزال في جيبي"، لحسام الدين مصطفي،
و"الوفاء العظيم" لحلمي رفلة في 6 أكتوبر 1974، ثم "بدور" لنادر جلال في 14
أكتوبر 1974 و"أبناء الصمت" لمحمد راضي في 16 نوفمبر 1974، وفيما بعد عرضت
أفلام مثل "حتي آخر العمر" في 5 أكتوبر 1975 لأشرف فهمي، و"لا وقت للدموع"
لنادر جلال في 24 سبتمبر 1976، و"العمر لحظة" لمحمد راضي في 3 سبتمبر 1978
. تكررت قصة السينما مع الحروب المصرية الاسرائيلية من جديد بالطريقة نفسها
التي حدثت عقب النصر السياسي في عام 1956، حيث سرعان ما تهافتت السينما
لعمل أفلام عن النصر وعن صانع القرار، وتم تمجيد "الريس" بشكل ملحوظ، فهو
صاحب قرار الحرب، وتم التعامل معه علي أنه القائد الأعلي للقوات المسلحة،
وقد تولد عن قيام الحرب بشكل مفاجئ، بعد فترة انتظار طويلة، وحرب استنزاف
مرهقة، وقلق اجتماعي، واحساس عام بالاحباط، نوع من الرضا السياسي علي
المستوي الشعبي، واكسب ذلك القائد الأعلي شعبية واضحة، وان كانت صورته لم
تبرز بنفس الوضوح الذي رأينا به المصريون يتغنون لعبدالناصر في فيلم
"بورسعيد" حيث ان هذه الافلام لم تكن تتضمن أي نوع من الغناء. وحساسية هذه
الافلام أنها رأت أن في عصر عبدالناصر هزيمة، وان عصر السادات ارتبط
بالنصر، وقد استقبل الجميع بعض الأفلام باهتمام شديد، خاصة النقاد الذين
ساندوا فيلم "أبناء الصمت" عن رواية لمجيد طوبيا، و"الرصاصة لاتزال في
جيبي" وهي أفلام كانت عن الجنود الذين حاربوا، وحققوا النصر، ودفع بعضهم
حياته فداء للوطن. حكايات ريش هذه السينما راحت تعزز المكانة السياسية
للسادات، من خلال فيلم "الكرنك" لحلمي رفلة، الذي عرض في 29 ديسمبر 1975،
المأخوذ عن رواية استمدها نجيب محفوظ، من حكايات الشباب الذين كانوا
يجالسونه في مقهي ريش في بداية السبعينات. قامت فكرة الأفلام التي سميت
بمراكز القوي، علي أساس أن النظام السياسي الحالي آنذاك قد قام بالقضاء علي
مراكز القوي، والمعتقلات السياسية، وقد صارت مصطلحات "مراكز القوي" بمثابة
"العلكة" التي تلوكها السيناريوهات في أفلام عديدة منها "امرأة من زجاج"
لنادر جلال، و"طائر الليل الحزين" ليحيي العلمي، و"وراء الشمس" لمحمد راضي،
صاحب أفلام عديدة عن انتصار اكتوبر، و"حافية علي جسر الذهب" لعاطف سالم،
وكلها عرضت في عام 1977، عدا "وراء الشمس" وايضا فيلم "أسياد وعبيد" 1978،
و"احنا بتوع الاتوبيس" لحسين كمال 1979 . هذه الأفلام راحت تفاضل عصرا عن
سابقه، دون أن تشير بشكل ملحوظ إلي أسماء الرؤساء للحقبتين، لكن الأمر كان
معروفا، والناس الذين شاهدوا هذه الأفلام كانوا يعرفون أن المقصود بنهاية
عصر المعتقلات السياسية والتعذيب للمقبوض عليهم خاصة الأبرياء، هو أنور
السادات. ومثلما حدث في عصر عبدالناصر، في أن الفيلم الأخير الذي مجد
الثورة، قد عرض باسم "غروب وشروق" لكمال الشيخ قبل رحيل عبدالناصر بسبعة
أشهر، ثم توقفت هذه السلسلة من الأفلام التي تمجد قيام ثورة يوليو، كما أن
فيلم "احنا بتوع الاتوبيس" كان تقريبا آخر فيلم يمجد صاحب "ثورة التصحيح"
كما سميت الأحداث، وقد حدث ذلك قبل مقتل السادات بعامين. أفلام المخابرات
النوع الثالث من الأفلام الذي مجد الرئيس ابان حكمه، كان عن دور
الاستخبارات العامة، وأيضا العسكرية، في تحقيق النصر، وقد تمت هذه القصص في
عصر السادات نفسه، مثلما رأينا في "الصعود إلي الهاوية" لكمال الشيخ 1978،
و"أريد حبا وحنانا" لنجدي حافظ الذي شاهده الناس قبل الفيلم السابق
بأسبوعين، وقد استمرت السينما في تقديم هذا النوع من الافلام حتي نهاية
القرن العشرين. من المهم أن نقول إن حسني مبارك، حين تولي الحكم، لم يبتدع
لنفسه ثورة، أو حدثا ينقلب به علي سابقيه، وانه ردد ذات يوم "أنا حسني
مبارك" لذا، فإن أمورا بدت معتدلة في سنوات الحكم الثلاثين، بمعني أنه كان
يسمح بالتمجيد، أو الذم للحكام السابقين، كل فنان حسب رؤيته، وبرز مصطلح
"ساداتي" في مواجهة "ناصري"، وفي هذا العصر، تم انتاج سير ذاتية حقيقية عن
الحكام السابقين، خاصة الذين خرجوا من العسكرية المصرية، ومن بين الأفلام
التي انتقدت الحقبة الناصرية، كان هناك فيلم "قانون ايكا" لأشرف فهمي عام
1991، و"اعدام قاضي" عام 1990 للمخرج نفسه، وهو الذي قدم في بداية حياته
فيلمه "ليل وقضبان" عام 1973، الذي سبق أفلام الكرنكة بكشفه لأساليب
التعذيب في المعتقلات. ونحن لسنا بصدد الحديث عن كيف انقلبت قصص الأفلام
المصرية ضد السادات، أسوة بما فعلت مع حكام سابقين، ولكن الغريب أن انتقاد
السادات سينمائياً لم يوجه إليه مباشرة فقد ساعد اغتياله علي زيادة التعاطف
معه، وسط أحداث مأساوية، مصورة بشكل مباشر، وشاهدها الناس علي الهواء.. وقد
بدا أن المعتقلين سياسياً في سبتمبر 1981، لم يتضمنوا سينمائيين، لذا، فلم
نشاهد فيلماً واحداً عن هذه الأحداث، كما أن فيلم "عيش الغراب" لسمير سيف
عام 1997، قد جعل بطله مصطفي شرف أحد الحراس الخاصين للرئيس المغتال يصاب
بحالة ندم شديدة لأن تقاعسه كان سبباً في مقتل الرئيس. سمير سيف، هو أول من
حاول اعادة تجسيد حادث المنصة بشكل مخفف في فيلمه "الغول" عام 1983، حين
جعل الصحفي عادل يقوم ببطح رجل الأعمال فهمي الكاشف ببلطة حادة، فيردد
الرجل وهو يقتل بالكلمة نفسها التي رددها السادات وهو يتلقي رصاصة القتل: "
مش معقول" وعلي التو، فإن اتباع القتيل يقذفون فوقه بالمقاعد حماية له من
محاولة طعن أو ضرب ثانية، وهو ما حدث ايضا في المنصة، وقد وقفت الرقابة
حازمة ضد هذا المشهد فقامت بتخفيفه بشكل ملحوظ، ويعني هذا أن الرقابة لم
تسمح للسينمائيين بالوقوف ضد السادات، أو السخرية مما حدث، وذلك عكس ما
فعلت الرقابة في سينما الكرنكة، حيث بدت كأنها تقول "هل من مزيد"، ورغم ذلك
فإننا نشاهد هذا المشهد كاملا الآن عند عرض الفيلم في القنوات الفضائية
خاصة بعد ابتعاد الحادث. حاث المنصة مصطفي شرف الدين، في فيلم "عيش
الغراب"، عمل حارسا ضمن الطاقم الخاص للرئيس السادات، وقد أصابه حادث
المنصة بطلق ناري، ويخرج من الخدمة، فيصاب باحباط واكتئاب، ويعيش مخموراً
لينسي واقعه المزري متهما نفسه باهماله الجسيم في عمله، وتسببه في قتل رئيس
الجمهورية، تفشل زوجته في اصلاح حاله فتحصل علي الطلاق وتنسحب من حياته مع
ابنتهما. إذن، فبعد رحيل الرئيس وبسبب وقائع الاغتيال، فإن الافلام نظرت
إليه علي أنه البطل، الشهيد الا مجموعة الافلام التي تعاملت مع التطبيع
المصري الاسرائيلي علي أنه جريمة خاصة في الفترة الاولي من المعاهدة
الاسرائيلية المصرية، حيث لم يتم توجيه الاتهام بشكل مباشر إلي الرئيس
السابق، بقدر ما هناك اشارة إلي أن هذه الزيارة هي سبب لتسلل الاسرائيليين
إلي مصر، بمؤامراتهم، والمخدرات التي تم تصديرها عبر سيناء. وأغلب السينما
المصرية، كان ضد المعاهدة، وقد بدا ذلك في فترة حكم مبارك، اكثر من سلفه
حيث إن السادات زج بكل معارضيه في السجون، علي اختلاف انتماءاتهم ولم تجرؤ
السينما علي انتقاده في حياته، وكانت فترة التطبيع في حياة السادات قصيرة،
لذا فإن الافلام التي انتقدت التطبيع دارت أغلب أحداثها في عصر مبارك. أما
أبرز الجوانب التي انتقد فيه عصر السادات سينمائياً، فهو صعود ردال
الانفتاح إلي أعلي مكانة في المجتمع، وتحقيقهم لثروات ومكانات هائلة في
فترات زمنية قصيرة، ولعل فهمي الكاشف في فيلم "الغول" هو من أبرز هؤلاء
الرجال، لقد كسب كثيرا من الانفتاح وهو أقرب إلي الرأسمالي الهارب توفيق
عبدالحي في رسم شخصيته، وقد رأيناه في الفيلم يقوم بتوظيف وزراء سابقين،
وقضاة كبار ليعملوا في اطار مؤسساته، ويدافعون عن ابنه نشأت في قضية قتل
ارتكبها، وتمكنوا من كسب القضية. فهمي الكاشف هو نموذج لعصر الانفتاح، الذي
أوجده أنور السادات، وقد انتقدت السينما مراراً ولسنوات طويلة الصعود
الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لهؤلاء الأشخاص الذين تم افرازهم في عصر
السادات، وزاد نموهم أكثر وأكثر، إلي حد الفساد اللامتناهي في عصر حسني
مبارك. هؤلاء الرجال رأيناهم في "أهل القمة" لعلي بدرخان 1981، و"الباطنية"
لحسام الدين مصطفي 1980، و"شعبان تحت الصفر" لبركات 1980، و"حتي لا يطير
الدخان" لأحمد يحيي 1984، و"الحب وحده لا يكفي" لعلي عبدالخالق 1981،
وغيرها. الجندي ومختار واذا توقفنا عند فيلم "الغول" فإن الكاتب وحيد حامد
يكاد يشير إلي شخصية سياسية واقتصادية كبيرة كانت قريبة من السادات، وقد
رأينا فهمي الكاشف يقوم بتأليف كتاب بعنوان "مشوار علي الأشواك" مثل
الشخصية التي يقصدها، وقد ركز الفيلم علي صور عديدة من الفساد الاجتماعي
والسياسي، مثل شرطي المرور الذي يعمل لمصلحة من يدفع له رشوة، وأمين الشرطة
الذي يقبض مظروفاً به نقود. لابد ان نعترف أن الثنائي نادية الجندي، ومعها
المنتج محمد مختار، قد شغف بالتاريخ المصري الحديث في القرن العشرين، وقد
قام الثنائي بالتعاون مع أكثر من كاتب سيناريو لاستحضار هذا التاريخ
وتقديمه ممزوجا بالكثير من قصص متخيلة، وقد بدأت هذه السلسلة من الافلام
عام 1988 بفيلم "ملف سامية شعراوي" لنادر جلال الذي رأينا فيه كيف كان
المشير عبدالحكيم عامر يتعامل مع ضباطه، وماذا حدث صباح يوم الخامس من
يونيه، وذلك دون أن يشير إليه بشكل مباشر.. وفيما بعد تم اسناد كتابة أكثر
من سيناريو تاريخي ظهرت فيه شخصيات صارت من حكام مصر، خاصة أنور السادات،
الذي ظهر في شكل تخيلي في فيلمين من بطولة نادية الجندي، وانتاج محمد
مختار، الأول هو عن الجاسوسة حكمت فهمي، اخراج حسام الدين مصطفي عام 1994،
وأغلب شخصيات الفيلم لعبت دورا سياسيا ومنها عزيز المصري، والراقصة حكمت
فهمي، والضابط أنور السادات والجاسوس الالماني جون آبلر المعروف ايضا باسم
حسين جعفر. ظهر السادات في هذا الفيلم كبطل سينمائي مغوار، بما يتفق وموقف
المخرج من الرئيس الراحل، فهو معجب به، وقد زار اسرائيل في الوقت نفسه،
الذي شن أكثر من هجوم علي عبدالناصر، وقد كان السادات هنا أحد الضباط الذين
يترددون علي الفريق عزيز المصري - عبدالناصر لم يظهر قط في الفيلم -
والفريق عزيز المصري يجتمع دوما بالشباب الوطني، ابان الحرب العالمية
الثانية، خاصة عام 1942، ومن بين هؤلاء بعض العسكريين مثل انور السادات،
الذي يقترح أن يتم الاتصال بالألمان من خلال حكمت فهمي، حيث دس الجاسوس
الالماني آبلر جهاز تجسس في عوامتها، ويوافق عزيز المصري علي الاقتراح.
وحسب الواقع التاريخي الذي قرأناه في أكثر من مصدر فإن السادات كان في تلك
الفترة ضابط اشارة - جسد الدور أحمد عبدالعزيز - وكل دوره هو أن قام بتركيب
جهاز للتجسس في عوامة حكمت فهمي، وقد صور الفيلم مجموعة الفريق عزيز المصري
علي أساس أنهم يسعون للاتصال بالألمان من أجل انقاذهم من الاحتلال
البريطاني وقد سعي الفيلم إلي اظهار السادات باعتباره مغامر، وبطل وطني،
ليس فقط من خلال مواقف بطولية، بل انه كلما ظهر السادات علي الشاشة تم عزف
لحن "بلادي بلادي" لدرجة أن الناقد كمال رمزي قد علق علي هذه النقطة في
مقال عن الفيلم قائلا: "والحق أن الموسيقي التصويرية في حكمت فهمي تتسم
بالمغالاة والاسراف، وتلجأ إلي الاستسهال". علي الهامش الصورة التي ظهر بها
السادات هنا أغلبها متخيل، حيث تكسوه بطولة خارقة، فهو يتسلل إلي عوامة
الضابط البريطاني ساسون عن طريق قارب صغير، وقد ارتدي زي الصيادين، ومعه
حكمت فهمي التي ستصعد إلي العوامة وتقوم بتصوير مستندات خاصة بخطة الهجوم
البريطاني المضاد لقوات الجيش الألماني الموجود في الصحراء الغربية لمصر.
أما المرة الثالثة التي ظهر بها السادات فهي عندما يقفز مع مجموعة من
الاصدقاء والرفاق إلي فكان اعدام حكمت، ويحصد الرفاق برصاصاتهم الجنود
والضباط الانجليز ويتمكنون من انقاذ حكمت فهمي، وذلك ايضا ونحن نستمع في
خلفية المشهد اللحن الشهير لسيد درويش "بلادي. بلادي". وقد ظهرت شخصية
السادات بشكل هامشي، في فيلم "جمال عبدالناصر" الذي أخرجه السوري أنور
قوادري عام 1957، وجسد الشخصية طلعت زين، ومن المعروف موقف السوريين من
السادات بسبب توقيع معاهدة كامب ديفيد، لذا، فإن السادات هنا، يبدو أقرب
إلي الكاريكاتير، يضع البايب في فمه، ويكاد يكون شخصا ثانويا في حياة
عبدالناصر، خاصة في الفترة التي يتوقف عندها الفيلم، أي بين عام 1935،
و1970 وفي هذا الفيلم كان هناك تركيز علي شخصيات أخري أكثر قربا من ناصر،
مثل عبدالحكيم عامر الذي تزوج من ممثلة مشهورة دون الرجوع إلي ناصر. الفيلم
التالي الذي كتبه بشير الديك وكانت شخصية أنور السادات، هي إحدي الشخصيات
الأساسية هو "امرأة هزت عرش مصر" الذي أخرجه نادر جلال عام 1990،\ وفيه منح
الكاتب لشخصية السادات دوراً بارزاً في السياسة المصرية قبل ثورة يوليو،
وقد جسد الدور الممثل جمال عبدالناصر، بينما تم تجاهل دور عبدالناصر تماما
للمرة الثانية في افلام نادية الجندي - بشير الديك، رغم اختلاف المخرجين
هنا، وأنور السادات هنا يلعب دورا بارزا في الاحداث السياسية فهو من
المقربين لنهي وشدي المقربة بدورها من الملك فاروق، وتسعي إلي التعاون مع
الضباط الأحرار للقيام بثورة ضد الحاكم، فنهي تشرف بنفسها علي تكوين تنظيم
سري ضد الانجليز يسمي "الحرس الحديدي" وتضم اليه مجموعة من الضباط، منهم
الضابط المستهتر مصطفي كمال، وايضا الضابط الوطني انور السادات، وايضا
مجموعة من الضباط الاوفياء للملك فاروق وعندما تصدم نهي في زواج الملك من
ناريمان، وطردها من القصر، فانها تصير عشيقة لمصطفي كمال، وتشارك في تكوين
خلية سرية مع الضباط، وتدافع بقوة عن أنور السادات، حيث يري الفيلم أنه
واحد من الأركان الاساسية لهذه الخلية السرية. أما مسألة انتاج فيلم عن
السيرة الحياتية لأنور السادات منذ شبابه وحتي رحيله في أكتوبر عام 1981،
فقد ظلت هاجسا لدي الممثل أحمد زكي الذي راهن نفسه انه يمكنه أن يلبس قناعا
لأي من الوجوه الشهيرة، مثل جمال عبدالناصر، وأنور السادات، والمطرب
عبدالحليم حافظ، وقد استعذب كثيرا نجاحه في فيلم "ناصر 56" وقرر أن يقوم
ببطولة فيلم "أنور السادات" المأخوذ عن سيرته المنشورة باسم "البحث عن
الذات" ودفع بالكتاب إلي كاتب ليس له باع في كتابة السيناريوهات، هو أحمد
بهجت، الذي فضل أن يستعرض حياة الرئيس الراحل في مرحلتين، الشباب، ثم في
مراحل أخري، وحتي وفاته، وذلك أسوة بما فعله انور قوادري مع عبدالناصر، أما
محمد خان، فهو لم يألف العمل في هذا النوع من الأفلام لذا جاء غريبا عليه،
وبدا الممثل كأنه تقمص شخصية السادات لدرجة المبالغة، وقد بدا ذلك في قيامه
بتحريك فكيه بشكل مبالغ فيه، خاصة وهو يتكلم عن مناحم بيجن. يروي الفيلم
حكاية انور السادات منذ شبابه المبكر، فظهرت عوامة حكمت فهمي من جديد ثم
فترة الشباب، والتحاقه بالكلية الحربية، وتعرفه علي الفتاة جيهان التي
تزوجته، وقيام ثورة يوليو.. والأحداث الكبري مثل العدوان الثلاثي، وعدوان
يونيه 1967، وقد سبق عرض الفيلم اشادة كبيرة وسباق بين المجلات والصحف علي
عرض صوره، ونشر أخباره، مثلما حدث في مجلة روزاليوسف الصادرة في 2 سبتمبر
عام 2000، حيث خصص عن الفيلم خمس صفحات نشر بها أربع عشرة صورة. الفيلم اذن
من انتاج احمد زكي الذي قوبل باستهجان شديد من الناصريين الذين وقفوا ضد
السادات، لأسباب عديدة، ولأن الممثل المتنج هنا، بدا أن تمثيله لدور "ناصر
56" هو من قبيل التمثيل، وربما ليس ايمانا بالشخصية التي جسدها، وقد جاء
انتاج وعرض فيلم "أيام السادات" في فترة بداية ازدهار التعامل الدرامي،
والسينمائي مع السير الذاتية، لشخصيات مشهورة، منها أم كلثوم، كنوع من
انعاش الذاكرة تجاه الماضي القريب، وقد بدت الدولة نفسها كأنها تعضد
الفيلم، حيث شاهده رئيس الدولة، واستقبل في مكتبه طاقم العاملين بالفيلم،
ومنح بعضهم أرفع أوسمة الدولة، وسام العلوم والفنون من الطبقتين الأولي
والثانية وهذا أمر نادر جدا في السينما المصرية. تصفية الحسابات إذن،
فالسينما لم تنتقد أنور السادات بما يتناسب وما كان متوقعاً، لكنها رفعته
إلي مصاف عالمية، وان كان النقاد لم يعجبهم الفيلم كثيرا.. فقام الكثيرون
منهم بانتقاد الرجل والفيلم في مقالاتهم، كنوع من كشف الحقيقة، وتصفية
الحساب، ولعل المقال الذي نشره رؤوف توفيق في مجلة "صباح الخير" تحت عنوان
"ايام السادات وايام الصدمات" بمثابة نقد السينمائيين لعصر السادات الذي
طرد فيه صحفيون من مؤسساتهم ليعملوا في الوزارات كموظفين، وأيام اعتقال
المعارضين، و"توالت الصدمات" من قرار الانفتاح الاقتصادي الذي أدي إلي تفسخ
المجتمع، إليق رارات رفع الدعم عن السلع الغذائية، والمظاهرات التي اندلعت
في 18 و 19 يناير وسماها السادات بانتفاضة الحرامية، بينما سماها الشارع
بانتفاضة الخبز، وكان من توابعها فرض قيود جديدة علي الصحافة، ثم قرارات
سبتمبر 1981، التي وضعت أكثر من 1500 مثقف ومفكر سياسي في المعتقلات. إذا
كان صناع الافلام في هذه الحقبة، قد حاولوا تمجيد السادات، الذي قام بتعديل
الدستور من أ جل أن يبقي إلي نهاية العمر، فاستفاد خلفه كثيرا من هذا
التعديل، فإن السينمائيين متمثلين في النقاد قد تعاملوا بشكل سلبي مع
الفيلم، مما فتح حلبة كبيرة للنقاش علي صفحات الجرائد، وهو أمر يحتاج دراسة
منفصلة، فقد جاء في مقال لخالد السرجاني، منشور في مجلة "سطور" انه "للاسف
فإن المشاهد يصاب بالاحباط الشديد من المستوي الذي عليه فيلم "ايام
السادات" علي الرغم من الضجة الاعلامية الدعائية السياسية الفارغة، والضجة
ايضا التي اثيرت حول الفيلم بعد عرضه، وعلي الرغم من الأوسمة التي منحت
للأبطال، حتي لذلك الذي لم يظهر إلا في مشهد واحد، أي أحمد السقا، الذي لعب
دور الطيار عاطف شقيق الرئيس السابق أنور السادات. بدت السينما في عصر
مبارك، كأنه وريثا لسابقه، فلم تنتقده في الأفلام، ولكن ذلك لم يمنع من
اكتووا بنيران الرئيس الراحل ان يكتبوا ضد الفيلم عشرات المقالات، التي
قللت من قيمته السياسية والتاريخ، حيث تعمل الفيلم علي رفع قيمة السادات
علي كل من كانوا حوله، ابتداء من الضباط الأحرار إلي الذين اقتلعهم من
السلطة في مايو 1971، والذين اختلفوا معه فيما بعد.
جريدة القاهرة في
05/06/2012 |