فى الكثير من الأحيان، يرتبط اسم الممثل الكبير، بدور معين، حقق به
شهرته الواسعة وكان سببا فى نجوميته، كأن الفنان خلق لهذا الدور بقدر ما
خلق الدور له.
تاريخ فن التمثيل، يؤكد بوضوح وبلاغة هذه الظاهرة سواء على المستوى
العالمى أو المحلى.. وسواء فى مجال المسرح أو السينما.. سارة برنارد،
الممثلة الفرنسية التي يصفها كتاب عصرها بـ «النابغة»، سحرت جمهورها، داخل
وخارج بلادها، بمعظم الأدوار التي أدتها على خشبات المسارح. لكنها، وصلت
إلى درجة رفيعة من الاكتمال، عندما تقمصت شخصية «هاملت».. وبرغم أن أورسون
ويلز، المفتون بتراجيديات ويليام شكسبير ـ قدم العديد من أبطالها ـ فإن
أداءه لدور «عطيل»، يعد إنجازه الأكثر أهمية والأعمق تأثيرا.
كذلك الحال فى مصر. لمعت روزاليوسف فى أدائها الذى أبهر جمهور مسرحها،
لشخصية الصبى «دافيد كوبرفيلد»، المعدة عن رواية تشارلز ديكنز التى تحمل
ذات العنوان.. وإذا كان يوسف وهبى وجد فى «راسبوتين»، تلك الشخصية العاتية
التى تمنحه فرصة تأكيد قدراته على أكمل وجه، حسب مفاهيم وقيم عصره، فإن
أداء أمينة رزق لـ«غادة الكاميليا»، الذى أسال دموع المتفرجين فى
الثلاثينيات، أكد حضورها القوى كواحدة من أهم الممثلات، لعقود طويلة قادمة.
المتأمل لتاريخ النجوم، أو الممثلين الذين أصبحوا كبارا، يجد أن
الواحد منهم يعيش فى البداية متخبطا، فى أدوار قد تكون جيدة أو رديئة. لكن
فى لحظة ما، كما لو كانت موعدا مسبقا، تتاح له فرصة أداء ذلك الدور الذى
ينطلق به إلى آفاق، ربما من المتعذر أن يصل إليها.. لولا تحقق هذا الموعد.
بالنسبة ليحيى شاهين (28 يوليو 1917 ـ 19 مارس 1994) جاء هذا الموعد
فى 30 أكتوبر 1944، حين وقف على خشبة المسرح ليؤدى دور البطولة فى مسرحية
«مرتفعات وذرنج».. نجح العرض نجاحا هائلا، وعن ليلة الافتتاح، كتب مخرجها،
فتوح نشاطى، فى مذكراته «ظهرت مرتفعات وذرنج على مسرح الأوبرا ونجحت نجاحا
أسطوريا، ومثل الجميع أدوارهم ـ كالملائكة ـ كما يقول الفرنسيون، وعلى
رأسهم يحيى شاهين الذى عايش دور هينكليف معايشة عميقة رائعة.. ولد فى تلك
الليلة وفى الليالى اللاحقة ممثلا كبيرا لم يلبث رجال السينما أن تخاطفوه
خطفا.
الانفعالات الحادة
«مرتفعات وذرنج»، الرواية الوحيدة التى كتبتها اميلى برونتى، وجد يحيى
شاهين فى بطلها ما يتوافق مع مزاجه وطبيعته الفنية. هيثكليف، المتجهم،
العنيف دامى القلب، المهزوم، الفقير، المرفوض فى البداية من قبل حبيبته
«كاترين» وأسرتها الغنية.. يختفى منسحبا، طوال ثلاث سنوات، يعود بعدها وقد
أصبح ثريا، أنيقا، وجيها.. وها هو يندفع محموما ليثأر من الذين أذلوه
وأهانوه، بمن فيهم «كاترين» نفسها، التى تزوجت وغدت أما، ولكن المرض تمكن
منها.. هيثكليف، يغدو قلبه نهبا لانفعالات عاصفة، متناقضة، ما بين الحب
الهائل والحقد المر. تتنازعه الرغبات. يريد أن يمتلك حبيبة لم تعد له، وأن
ينتقم من العالم كله.. إنه يكره، ويعشق، يتعذب ويدمر، يذيق حبيبته، حلمه
الضائع، ألوانا من الألم.. إنه أقرب إلى الوحش الجريح. وحين تموت «كاترين»
بين ذراعيه، يكاد يقترب من حافة الجنون.
هذا الدور المهم، هو جوهر أدوار يحيى شاهين.. فأدواره، فى مستوياتها
الأفضل، فى عشرات الأعمال التالية تعد تنويعات على هذا الدور الذى يبدو
أقرب إلى اللحن الرئيسى فى المعزوفة الموسيقية. بل يمكن القول بأن الكثير
من الوجوه التى جسدها، هى أقرب إلى الأقنعة التى مهما اختلفت درجة
شفافيتها، فإن ملامح «هيثكليف» تظل واضحة تحتها.
وليست مصادفة أن يختار يحيى شاهين «مرتفعات وذرنج» لينتجها، سينمائيا،
ويقوم ببطولتها بعد أكثر من عشرات سنوات، منذ قدمها على خشبة المسرح، وذلك
فى فيلم «الغريب» 1956، الذى اشترك فى إخراجه كمال الشيخ، مع فطين
عبدالوهاب.
فتح الأبواب
جاء يحيى حسن شاهين ـ وهذا اسمه ـ إلى السينما من عالم المسرح. فى عام
1935 التقى بالممثل ردمون تويما فى مكتب مدير شركة نسيج بنك مصر. كان يحيى
شاهين تخرج بتفوق فى مدرسة الفنون التطبيقية، وتم ترشيحه للسفر إلى «لانكشير»
فى بعثة لدراسة فن النسيج. وبينما هو يعد آخر أوراقه فى المكتب المذكور،
عرض عليه تويما، المثقف، المترجم، صاحب العين المرهفة، أن يلتحق بالفرقة
القومية المنشأة حديثا، التى ستراعيها الحكومة.. وافق الشاب فورا. وبدلا من
ذهابه إلى انجلترا، ذهب إلى «الفرقة القومية»، حيث قابل مدير الفرقة،
الشاعر خليل مطران، ووقع معه عقدا براتب كبير ـ حينذاك ـ قدره ثلاثة جنيهات
شهريا.
الواضح أن كلا من إدمون تويما، وخليل مطران، أدركا بحسهما الصادق ما
تتمتع به شخصية الممثل الجديد: حضور عميق، مؤثر، ثقة فى النفس، جرأة مهذبة.
وجه على درجة كبيرة من الصفاء، متسق الملامح، حيوية تبلغ حد الحماس،
واستعداد للعمل بلاكلل.. ولم تخب تقييمات وتوقعات تويما ومطران.
عايش الفنان الناشئ كبار الممثلين، على خشبة المسرح وفى الكواليس:
جورج أبيض، حسين رياض، فؤاد شفيق، أحمد علام، عباس فارس، سراج منير، زكى
رستم، دولت أبيض، زينب صدقى، أمينة رزق، نجمة إبراهين، زوزو حمدى الحكيم..
وتابع، فى البروفات توجيهات وملاحظات المخرجين المثقفين الذين ضمتهم
الفرقة: زكى طليمات، فتوح نشاطى، عزيز عيد.. وتعرف على روائع المسرح
العالمى: «أوديب» لوفكلميس، «الملك لير» و«تاجر البندقية» لوليام شكسبير،
«السيد» لكورنيل، «أندروماك» لراسين، فضلا عن المسرحيات المحلية، مثل «أهل
الكهف» لتوفيق الحكيم، و«قيس وليلى» لأحمد شوقى.. ولا يستطيع المرء أن يخفى
إعجابه بإنجازات المسرح المصرى، عبر تاريخه الطويل، الزاهر.. وفى ذات
الوقت، يحس بالأسى، وتنتابه المخاوف، بسبب قوى الظلام المتصاعدة فى الحاضر،
التى ترمى إلى نشر العتمة فى حياتنا الفنية، تاريخا وواقعا، وربما..
مستقبلا.
الانطلاق
بعد «مرتفعات وذرنج» بدأت البطولات: «رواية» لنيازى مصطفى 1946،
«سلطانة الصحراء» لنيازى فى العام التالى، «ليلى العامرية» لنيازى أيضا فى
عام 1948. وفيما يبدو أن نيازى مصطفى وجد فى قوة ومتانة بنيان يحيى شاهين،
فضلا عن جهارة صوته، ما يلائم الأدوار البدوية، بتلك اللهجة الفريدة التى
برع فى صياغتها بيرم التونسى، وكانت من أهم أسباب انتشار الفيلم المصرى
خارج الحدود، فى المشرق والمغرب العربى.
ظهر يحيى شاهين فيما يقرب من المائة فيلم، عمل مع أجيال ومدارس مختلفة
من المخرجين. كل منهم وجد فيه جانبا يعبر به عن رؤية ما، والبعض أدرك ما
يملكه من طاقة وقدرة، فمنحه عدة أدوار متباينة إن لم تكن متناقضة.
مع يوسف شاهين فى «ابن النيل« 1951، ينهض يحيى شاهين بشخصية الفلاح
المرتبط بأرضه، المحتضن لأسرته، معبرا، بخطواته الواثقة، وصوته الرصين،
وعزيمته التى لا تلين، عن الفلاح المصرى فى أصفى وأنبل حالاته.. وعلى
النقيض من هذا الدور يظهر فى «سيدة القطار» لشاهين 1952 كرجل فاسد حتى
النخاع. زوج مطربة شهيرة «ليلى مراد»، يبتزها، يسرقها، يدمن القمار إلى
الدرجة التى لا يتورع فيها عن الاختلاس، والتزوير.. ثم يحاول قتلها.. وإذا
كان شاهين، بوداعته فى «ابن النيل» يذكرنا على نحو بـ«هيثكليف» فى مرحلته
الثانية.
اسم «الشيخ حسونة» يرتبط فى الأذهان بيحيى شاهين. إنه أحد أبطال
«الأرض» ليوسف شاهين 1970. إنه هنا، مثل محمد أبوسويلم «محمود المليجى» من
أبطال ثورة 1919.. يعود من القاهرة إلى أرضه ليقف مع الأهالى ضد مصادرة
الأرض، معلنا ضرورة أن تقف البلد وقفة رجل واحد.. لكن حين يلتقى الباشا
المناور، الذى يلوح له بوعد بالغ الإغراء: لن تمس أرضك.. عندئذ، يشعرنا
يحيى الشاهين، وهو صامت أن «ثوريته» تبددت فى لحظة وأنه، بلا تردد، قبل
الصفقة، ويبدو كما لو أنه يريد أن يرحل سريعا إلى المدينة، هاربا، ويحاول،
بصعوبة، أن يخفى عصبيته، فهو يعلم تماما أنه ترك قطار الثورة، وباعها..
هكذا، كأن يوسف شاهين، ويحيى، بعدما يزيد على أربعة عقود، يتحدثان عن بعض
وجوه الأيام التى نعيشها الآن.
فى العام 1953، مثل يحيى شاهين شخصية «بلال.. مؤذن الرسول» لأحمد
الطوخى، وبرغم تواضع الفيلم فنيا، فإن يحيى استطاع أن يعبر عن قوة الإيمان
بداخله، الأمر الذى جعله يتحمل، بإرادة، قسوة ذوى القلوب المظلمة. النور
الداخلى لبلال، انتقل معه، على نحو ما، فى أفلام لاحقة، لعل أهمها «جعلونى
مجرما» لعاطف سالم 1954. إنه رجل الدين الورع، الرحمة تترقرق فى عينيه
المضيئتين بالمحبة والشفقة. إنه ملجأ الضائع، المطارد «فريد شوقى». إن يحيى
شاهين، بأدائه المتزن، وملامحه التى يكسوها طابع روحانى شفاف، يمنح هذه
الشخصية «الثابتة»، حضورا محببا، أقرب إلى العطر الرقيق، الذى يضفى على
الجو القاتم، نسمة حانية.
فى مقابل النماذج الثابتة، ذات البعد الواحد، فى «ابن النيل» و«بلال»
و«جعلونى مجرما»، قدم يحيى شاهين العديد من الشخصيات ذات الأبعاد المتعددة،
التى تتطور، وتنتقل من حال لحال. فى «هذا هو الحب» لصلاح أبوسيف 1958،
نشهده كحبيب رقيق، يعيش أياما حلوة مع عروسه «لبنى عبدالعزيز».. لكن الشك
يداهمه، فيغدو وحشا جريحا.. وفى «المعلمة» لحسن رضا 1958، المأخوذ عن
«عطيل» لوليام شكسبير، نتابع مخالب الشك الشرسة وهى تعتمل فى قلبه، وها هو
فى «لا أنام» لصلاح أبوسيف 1957، يكاد الجنون يطبق عليه من هول الشك..
وربما لن يجد الباحث ممثلا أفضل من يحيى شاهين فى مجال التعبير عن وطأة
وعذاب الشكوك، وقد يجد فى «رجل بلا قلب» لسيف الدين شوكت 1960 إبداعا
متفردا فى رصد حالة الرجل الذى وقع فى قبضة الشك، فالمصور الكبير،
عبدالحليم نصر، يتعمد أن يجعل نصف وجه يحيى شاهين غارقا فى الظلام، ويبدو
كما لو أنه يتصبب عرقا.. ولأنه يظن أن زوجته خانته مع رجل يمتطى جوادا، فإن
واضع الموسيقى المصاحبة، أندريه زنديلس، تعمد أن يجعل من صوت حوافز الجواد،
الممتزج بموسيقى مقبضة، مصدر عذاب للبطل.
الثابت.. والمتغير
الكثير من أدوار يحيى شاهين، تستحق وقفات طويلة، تفصيلة، من الصعب
تحقيقها هنا، ولكن الحديث عن فناننا، لا يمكن أن ينتهى من دون الإشارة،
والإشادة، بدوره الأخاذ، فى ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة، التى أخرجها حسن
الإمام: «بين القصرين» 1964، «قصر الشوق» 1967، «السكرية» 1973.
حافظ يحيى شاهين على جوهر شخصية أحمد عبدالجواد، ليس فى الفيلم
الواحد، ولكن فى الأفلام الثلاثة، واضعا نصب عينيه، فعل الزمن، وما يحدثه
من تغيرات، طبقا لقانون الضرورة.. إنه يتفهم تماما، الثابت الذى يظل باقيا،
والتغير الحتمى الذى لابد أن يحدث.. فى «بين القصرين» التى تبدأ قبل ثورة
1919، يبدو أحمد عبدالجواد فى قمة الصحة، فائر الرجولة، يقف على أرض
اقتصادية صلبة، صاحب إرادة من حديد، يفرد ظله القوى، المسيطر، فى البيت
والعمل، وحتى فى عوامة المجون.. يعبر يحيى شاهين عن تلك الملامح بنظراته
الواثقة وحركته الوئيدة، فضلا عن إحساس داخلى بالثقة فى النفس.. وفى «قصر
الشوق» يتعرض لما يشبه الهزيمة، حين ترفض الغانية زنوبة ـ بأداء نادية لطفى
ـ أن تصبح خليلته. يهتز، خاصة أنه أحبها فعلا، بالإضافة إلى أنه لم يتعود
أن يكون مرفوضا.. لكن أحمد عبدالجواد، يسترد صلابته وقواه وكبرياءه. لقد
بدا ضعيفا فى لحظة، بحكم الوهن الذى يتسلل إليه مع الزمن، لكن «ثوابته»
تحميه.. وفى «السكرية» يغدو عجوزا، منهك الصحة، يحتاج للمساعدة.. ومع هذا،
يحاول يحيى شاهين الاعتماد على ذراعيه حين يرفع جسمه الممدد على الفراش
ليسند ظهره على الوسائد، كما لو أنه يؤكد عنصر القوة والصلابة الأصيل فى
شخصيته.. يحيى شاهين، أحد ملامح الفن المصرى، خلال نصف قرن من الزمان.
محمد البساطى.. سينمائيـًا
كمال رمزي
الأربعاء 25 يوليو 2012
كل إبداعاته تصلح للسينما: اختيار موفق، مصرى تماما، لموضوعات تتعانق
فيها قضايا وطن منهك بمتاعب بشر يتشبثون بالحياة. يرصد، بعين مفتوحة على
آخرها، المشهد العام، بإيحاءاته، تكويناته، ألوانه. نظرة واحدة، شاملة،
سريعة، دقيقة، محايدة وموحية فى آن.. ثم، بعد سطور قليلة، تنتقل العين
اليقظة إلى قلب الواقع، وتتابع، حركة أبطاله، ليست المادية فحسب، بل
الداخلية أيضا، فبينما يرسم، بعباراته القصيرة، شكل نماذجه، بملابسهم،
وطريقة مشيتهم، وأسلوب حديثهم، يبنى بجلاء، أحاسيسهم، ذكرياتهم، نواياهم..
يستوى فى هذا شخصياته الأساسية والثانوية، ذات الملامح الخاصة التى لا
تختلط مع غيرها.. روايات وقصص محمد البساطى القصيرة، غالبا، تسرد عن طريق
الراوى، لا لأنه يعرف كل شىء، ولكن لأنه يعرف كيف يحكى عنها، ويعبر عن
أغوارها، ويصوغ حواراتها على نحو مكثف، درامى، مفعم بالمعانى، يكشف مناطق
من داخلية المتحدث، وشيئا عن المتحدث إليه، ويتقدم بالقصة خطوة للأمام..
قراءة أعمال كاتبنا الكبير، تبدو كمشاهدة أفلام سينمائية وليس مجرد
سيناريوهات محكمة، فالروائى يدرك. كمصور، أفضل زوايا التصوير، وينتقل
بسلاسة من لقطة عامة لغرفة واسعة، للقطة كبيرة، قريبة، لذراع تمتد من تحت
ساتر خشبى، بحثا عن جسد فتاة نائمة.. وثمة خبرة بفن المونتاج، فلا مشاهد
زائدة عن الحاجة، واللقطات سريعة، وعدد صفحات كل فصل لا يتجاوز عدد أصابع
الكف الواحدة. وللمؤثرات الصوتية دورها فى تدعيم أجواء الأجواء المتباينة،
حتى أن بعض الأعمال تحمل عناوين من نوع «دق الطبول» و«صخب البحيرة».
عملان، قدمتهما السينما المصرية: رواية «بيوت وراء الأشجار» التى
حققها محمد شعبان، فى فيلمه الروائى الوحيد، بعنوان «الشرف» عام 2000،
والقصة القصيرة «ابن موت» من مجموعة «أحلام رجال» التى أخرجها محمد كامل
القليوبى، بعنوان «خريف آدم» 2004، مستفيدا من قصص أخرى، مثل «الجواد
العائم» و«منحنى النهر» و«ضوء ضعيف لا يكشف شيئا».. وذكر لى الصديق العزيز،
محمد كامل القليوبى، أن البساطى، عاشق السينما، دأب على مراجعة خطوات كتابة
السيناريو، وجاءت ملاحظاته، سديدة ودقيقة.
فى الأجواء القاتمة لحرب 1967، تدور أحداث «الشرف» بطلة الفيلم
الرقيقة، الجميلة، ابنة بورسعيد، بأداء ناعم، متفهم، من جيهان فاضل، تغادر
مع شقيقها وزوجته، مدينتها الحبيبة، ليلا، عبر البحيرة، مع الآخرين، إلى
مدرسة للإيواء يكون نصيبها نصف فصل، تسكنه مع أسرتها. المكان ضيق وخانق،
تتزوج مجبرة بمن لا تحب، وحين يخفق قلبها بحب آخر، ينكشف أمرها. تحبس فى
حجرة ضيقة، يحاول حبيبها إنقاذها، لكن لمبة الجاز تقع فى الحجرة ليمسك
لهيبها بأكوام القش. ينتهى «الشرف» بنيران تزداد اشتعالا. وفيما يبدو أن
الجمهور لا يحب مشاهدة هزائمه على الشاشة، وبالتالى لم يحقق الفيلم نجاحا
يعتد به.. أما «خريف آدم»، فبرغم ظروفه الإنتاجية المتعثرة، استطاع أن
ينتزع كمية كبيرة من جوائز المهرجان القومى، هنا، أجواء الأخذ بالثأر، حيث
الضغينة، والانتظار المؤلم للانتقام، بأداء جيد من هشام عبدالحميد، وتعاسة
من قتل زوجها فى ليلة العرس، بتألق صامت من جيهان فاضل.. إنه فيلم مهم،
يفتح أمام السينما المصرية، أبواب عالم محمد البساطى، المليئ بالدرر
واللآلئ.
الديكتاتور
كمال رمزي
الأربعاء 18 يوليو 2012
أخيرا، عرض الفيلم الذى اكتسب دعاية واسعة أثناء تنفيذه، بفضل الأحداث
الساخنة التى اندلعت فى ليبيا من ناحية، والإعلان المدجج بصورة تشبه
القذافى من ناحية أخرى، ولكن بلحية شديدة السواد. احتل الفيلم ثمانى من
صالات السينما فى بيروت، وتغير الأفيش ليصبح ذات الممثل، ساشا بارون كوهين،
بذات الهيئة، يركب جملا، يسير به فى أحد شوارع نيويورك. وبينما تجاهلته
الصحافة الفنية فى لبنان، لم يتواجد فى دار العرض عدد من الأشخاص لا يتجاوز
عددهم أصابع الكف الواحدة. قال لى قاطع التذاكر إن الجمهور لم يحب الفيلم،
منذ أول حفلة له، وسيرفع فى آخر هذا الأسبوع.. بعد المشاهدة أدركت أن
الجمهور على حق، فالعمل، كوميديا سمجة، غليظة، شديدة الافتعال، تتجاوز هجاء
الديكتاتور، لتسخر من الشعوب العربية، فالبطل هنا، هو رئيس دولة اسمها
«وادية» على وزن «بادية»، والسكان يرتدون أحيانا الزى المغربى، والعصرى
أحيانا، وتعمد واضع الموسيقى أران بارون كوهين، أن يستعير بعض الجمل
الموسيقية العربية، وأن يبدأ الفيلم بأغنية «ياليل يا عين».
المخرج، لارى تشارلز، استوحى ملامح بطله من عدة رؤساء: أخذ من معمر
القذافى تقلب الانفعالات وانفلاتها، وطريقة حديثه، ذات الطابع المتسارع،
بالإضافة لاعتماده على النساء فى حمايته، وأخذ من أحمدى نجاد تهوره وإصراره
على مواصلة الأبحاث النووية وصناعة الصواريخ. وثمة محاكاة لغباء وغطرسة عمر
البشير، مع الإشارة لحاكم اسمه «الحافظ» ــ نسبة لحافظ الأسد، وثمة إسقاط
لتمثال الديكتاتور، على طريقة إسقاط تمثال صدام حسين، وفى الكثير من
المشاهد يرتدى بزة عسكرية مرصعة بنياشين عن حروب لم يخضها، ولا يتوقف عن
إصدار أوامره بشنق هذا، وذبح ذاك.. كل هذا وارد فى الكوميديا، لكن أن يتعمد
الفيلم إظهار الشعوب كمجرد رعاع وغوغاء فإنه الأمر الذى يدخل فى باب التجنى
على هذه الجماهير التى ثارت وتثور ضد الطغاة، والأدهى أن «الديكتاتور» يذهب
إلى أمريكا لحضور اجتماع هيئة الأمم، وهناك يلتقى شابة متحضرة، تؤدى دورها
ممثلة اسمها «أنا فارس»، تحبه، وتحاول أن تخفف من رعونته، وأن ترتقى به
إنسانيا.. إنها دائرة النور الوحيدة فى الفيلم الذى ينغمس فى كل ما هو شديد
الغلظة. فمثلا، يحاول الديكتاتور، بغباء، الوصول إلى بناية مقابلة، عن طريق
حبل مشدود فى الفضاء، عبر الشارع. وعند المنتصف، لا يستطيع استكمال ما
بدأه. يقترح عليه مرافقه أن يتخلص مما معه كي يصبح وزنه خفيفا. يخرج ما فى
جيوبه، ويلقيها، ولما لا يستطيع، يطلب منه صديقه أن يتبرز، وفعلا يفعل،
ويصاب أحد المارة إصابة بالغة بسبب تعرضه لسقوط غائط فى شكل الصاروخ، حسب
وصف المرافق.. ولن استرسل فى سرد تلك النماذج من الكوميديا الخشنة، الأقرب
للابتذال.
الممثل الذى أدى «الديكتاتور» ــ ساشا بارون كوهين ــ شقيق واضع
الموسيقى المصاحبة، هو امتداد ممجوج لأسلوب جيرى لويس وجين كارى، القائم
على الحركة الخارجية، دون صدق داخلى.. وفى الفيلم، يعود إلى بلده، بصحبة
الفتاة الديمقراطية المتحضرة. عقب زفافها، تهشم تحت قدميها لوحا صغيرا من
الزجاج. تقول له إن هذا من تقاليد أهلها، وتردف «أنا يهودية».. كلمتان لم
تثبتهما شركة الترجمة على الشاشة.. وهذا تدليس لا يقل عن تدليس الفيلم
ذاته.
الألمانى.. فى أحراش القاع
كمال رمزي
السبت 14 يوليو 2012
علاء الشريف، مخرج جديد، جرىء، طموح، واعد.. اعتمد، فى أول أفلامه،
على سيناريو كتبه بنفسه. تتجلى جرأته فى اختياره، ولو بحكم الضرورة، على
عدد كبير من الوجوه الشابة، لم تظهر من قبل على شاشة السينما. وبلا تردد،
خرج مع مصوره محمد حمدى، من جدران الاستوديو، وتحرر من الشقق المفروشة،
ليقتحم قاع المدينة، وهامشها، حيث الخرائب والمستنقعات والبيوت المتهالكة،
الآيلة للسقوط، شأن سكانها.. وبعيدا عن الموضوعات المألوفة، المتكررة، فى
أفلامنا المصرية، قرر، بطموح، أن يتعرض لقضية ملحة، واقعية، على قدر كبير
من الأهمية، هى: كيفية صناعة البلطجى؟
«الألمانى»، بأداء محمد رمضان، المصرى شكلا ومضمونا، يطالعنا فى
المشاهد الأولى، يقطع الطريق ــ أو الزقاق إن شئت الدقة ــ على شاب حديث
السن، يجرده من جاكتته، وحين يمتنع الضحية عن تسليمه تليفونه المحمول،
يطعنه «الألمانى» موديا بحياته.. الحادث، جرى تسجيله بكاميرا محمول، يصل
إلى إحدى قنوات تليفزيون، تعرضه فورا وبحماس، وبينما ترتبك الحارة، يذهب
مخرج البرنامج بحثا عن القاتل أو أحد معارفه، فالقضية على قدر كبير من
الإثارة. يلتقى بوالدته، عايدة رياض، التى توافق على الظهور فى القناة نظير
عدة آلاف من الجنيهات، ابنها القاتل فى حاجة لها، كى يتمكن من الهرب..
وأمام الكاميرات، تبدأ فى سرد حكايتها. وتتوالى مشاهد الفيلم كفلاش
باك، أو عودة للماضى، ومثل معظم أفلامنا التى تعتمد على الفلاش باك، لا
ينتبه المخرج، أو لا يكترث، بالتفرقة بين ما تعرفه الراوية، وما يعرفه صناع
الفيلم، فثمة عشرات المواقف، نراها على الشاشة، من دون حضور الأم. بعبارة
أخرى، لا يأتى السرد من وجهة نظر الأم بقدر ما يأتى من وجهة نظر المخرج
الذى يجسد الأجواء الخانقة لحارة منسية، يعيش سكانها فى فقر مدقع، ماديا
وروحيا، ويتابع، كيف رأى الطفل «الألمانى» والدته وهى تتعرض للمهانة، وأدرك
أنه إما أن يصبح جلادا أو ضحية، ومع اختياره لطريق الشر، يغدو بلطجيا،
يتاجر فى كل ما هو ممنوع، يفرد حمايته على بيت يدار للأعمال المنافية
للآداب، وهنا تظهر مشكلة فنية مزدوجة للفيلم، ذلك أن وجوهه الجديدة، خاصة
من البنات، فى مستوى يرثى له، تمثيلا، فالواحدة منهن تتبلد للحظات، أمام
الكاميرا، قبل أن تبدى الانفعال المطلوب، الذى يأتى، غالبا، مصطنعا..
والأخطر أن مخرجنا يقع أحيانا، فى مصيدة كليشيهات السينما المصرية، فثمة فى
البيت المشبوه، كالعادة، الرجل المخنث، ومديرة المكان البدينة، والضحكات
الماجنة المفتعلة.. وينغمس الفيلم، بلا مبرر، فى تقديم عدة أغانى، تعرقل
تدفق الفيلم، ولا تضيف جديدا، اللهم إلا تلك الأغنية البديعة، المفاجئة،
التى تعبر عن الفيلم كله، والتى يغنيها مطرب موهوب لا أعرفه، اسمه «سمسم
شهاب»، تقول كلماتها «لا بس وش مش وشى. تشوفنى تقول جبل واقف. وعامل إنى
مابخفش. لكن دايما باكون خايف». انها أغنية تجسد بدقة، وشفافية، حالة «الألمانى»،
المجرم المسكين، الذى يختبئ كفأر مذعور، خوفا من القبض عليه.. وها هو، فى
النهاية، يجهش ببكاء مر، عقب قيام صديقه وأستاذه «الأصلى»، هكذا اسمه ــ
بأداء جيد من ضياء عبدالخالق ــ بذبح الفتاة البريئة، كى يستولى على النقود
التى تحملها الفتاة البريئة للألمانى.. وعندما يهاجمه بطلنا، البلطجى
المهزوم، يقول الأصلى «انها تعاليم الشارع».. «الألمانى»، برغم عثراته،
يبعث الأمل فى مخرج واعد.. ننتظر فيلمه القادم.
ريم ماجد
كمال رمزي
الخميس 12 يوليو 2012
تضاعف احترامى للمذيعة المصرية، ريم ماجد، ذات الضمير اليقظ، والإحساس
المرهف، المنتبه، فضلا على أداء يبتعد عن المغالاة والافتعال، وفى ذات
الوقت، تثير فى برنامجها قضايا محورية ومصيرية، تمس حياة الناس والوطن، وهى
فى هذا تتحاشى فتنة التسخين التى يستجيب لها، وربما يؤججها، العديد من
المذيعين، وتحاول أن تضفى هدوءها على المتحاورين، بهدف الوصول إلى حقائق
الأمور، وإنارة مناطق الظلال الملتبسة فى الموضوعات المطروحة للبحث.. ريم،
قد تبدو محايدة، ولكن بمتابعتها، يدرك المرء أنها منحازة، وانحيازها، عادة،
فى اتجاه الطرف المظلوم، ومع الحق والصدق، ومن الناحية المهنية، تجيد فن
الإصغاء، ذلك الفن النادر الذى لا يتوافر كثيرا فى مذيعات مهمومات بإثبات
حضورهن المبهر، سواء بمقاطعة الضيوف والاستيلاء على الميكروفون، أو بتعمد
إبراز جمالهن، أو بارتفاع الصوت، كما لو أنهن يطبقن شعار «لا صوت يعلو فوق
صوت المذيعة».. وفى إصغائها، تشعرك أنها تسمع بعينيها وليس بأذنيها فقط،
والأهم، أنها تحظى بنوع من الألفة المحببة، من أقرباء الدرجة الثانية إن لم
تكن الأولى، تشارك عائلتها الكبيرة، مصر، فى الأفراح، وما أقلها، وفى القلق
والحيرة، تبحث، مع الجموع، عن مخرج للمآزق، وينفطر قلبها مع المسنين، كما
حدث حين تم العثور على جثث شهداء، من دون أسماء، فى إحدى ثلاجات مستشفى،
ويمتزج الحزن بالغضب، ويتبدى مؤثرا، عميقا، صادقا، على ملامحها المصرية
تماما، حين تتحدث عن مظلومين فى المعتقلات والسجون.
أما عن لماذا تضاعف احترامى لها، فبسبب عدة كلمات، فى شكل أسئلة،
واجهت بها مسئولا كبيرا.. قبل أن أسردها، أشير إلى بدايات الحكاية المتمثلة
فى مقتل الشاب السويسى على يد ثلاثة من الشباب أيضا، لأنه يقف مع خطيبته
أمام دار سينما.. وبعيدا عن التفاصيل، جاءت تصريحات وزير الداخلية، محمد
إبراهيم، ذات الطابع اللين، مع القتلة، صادمة للجميع.. وبالمناسبة، يذكرنى
الوزير، على نحو ما، بفناننا محمد السبع، المشهور بأدوار الرجل العاقل،
صاحب الخبرة العميقة بالحياة، المنوط به حل المشكلات والجمع بين الأفئدة
المتنافرة.. لكن لم يحدث أبدا، أن يتعاطف محمد السبع مع المجرمين أو
القتلة.. الأمر الذى وقع فيه الوزير، وهو يتحدث بصوت رقيق، مبتسما بتوقير،
عن التدين الذى اعتمل فى أعماق الشباب الثلاثة، وجعل الدم يفور فى عروقهم،
فاندفعوا إلى ما فعلوه.
ولأن الضابط، سواء فى الشرطة أو الجيش، عليه الالتزام، بلا تردد، لما
تقوله قيادته، فإن مدير الأمن فى السويس، اللواء عادل رفعت، سار على خطى
اللواء محمد إبراهيم، فأخذ يتحدث مع ريم ماجد، المنزعجة، فى برنامجها
«بلدنا بالمصرى».. وفيما يبدو أنه، بحماس، لم ينتبه إلى أنه أخذ خطوة أبعد
من خطوات رئاسته، فبدا كما لو أنه يكن احتراما وإعزازا للقتلة، وكاد يتغنى
بإيمانهم العميق، والتزامهم، زيادة عن اللازم، والأدهى أنه وهو يسرد وقائع
ما حدث، قال بتوقير إن «الأخ وليد» ــ وهو أحد المجرمين ــ وبطريقتها
الهادئة، الباترة، سألته ريم ماجد، ذات الضمير اليقظ: هل استخدامك لكلمة
«الأخ»، موقف، أم ذلة لسان؟.. سبع كلمات جاءت كفيلة بتصحيح بوصلة الحديث.
إبراهام لينكولن
كمال رمزي
السبت 7 يوليو 2012
العنوان الآخر، المكتوب تحت اسم الرئيس الأمريكى السادس عشر «1809 ــ
1865»، هو «صائد مصاصى الدماء». العلاقة بين العنوانين يجد لها المخرج
الروسى، تيمور بيكمامبتوف، الكازاخستانى الأصل، الذى درس المسرح بطشقند،
وعمل فى الإعلانات لفترة، وبعد انغماسه فى تصميم الديكورات، للمسرح
والسينما، اتجه للإخراج، ولفت الأنظار له حين نال العديد من الجوائز عن
فيلمه الأول الذى يتعرض للحرب واشتهرت أفلامه بالحركة الضخمة والصراعات
الدامية ذات البعد السياسى، وشارك فى مهرجان برلين «2007» بفيلمه «حراس
النهار» الذى يعتبر امتدادا لفيلم «حراس الليل» حيث يتواصل الصراع بين قوى
النور والظلام.
يبدأ «أبراهام لينكولن» بصوت الممثل بنجامين وكر، الذى يؤدى دور
الرئيس، وهو يسرد طرفا من سنوات طفولته.. بداية حميمة، يزداد دفئها بتلمس
علاقة الأم الملائكية بابنها. وفى مشهدين متواليين، يحدد الفيلم مساره:
صاحب المزرعة القاسى يعاقب الصبى الأسود «وليام» بوحشية. يحاول «لينكولن»،
الطفل، الدفاع عن صديقه. لكن سوط الرجل يرتفع فى الفضاء ليهبط بقوة على جسد
الطفل الأسود فيجأر «لينكولن» بالصراخ. لاحقا، يلتقى «وليام» شابا مع
«لينكولن» ويلازمه.. أما المشهد الثانى فيدور حول الأم المريضة التى تعانى
من آلام مبرحة، وبينما يعلن الطبيب عجزه عن علاجها، يلاحظ الابن، الممدد
بجانب والدته التى تلفظ أنفاسها الأخيرة، آثار أنياب مغروزة فى ذراعها.
يدرك أنها ماتت ضحية لمصاصى الدماء.
اعتمادا على هاتين الواقعتين يواصل الفيلم مساره. «لينكولن»، الذى يصل
بعد عناد لكرسى الرئاسة، يحارب على جبهتين: ضد نظام العبيد حيث تتمسك به
ولايات الجنوب التى يتهيأ للحرب. وضد مصاص الدماء المنتشرين، حتى فى ولايات
اشمال، وأخطرهم، بعض المقربين منه. ويغدو من المنطق أن ينضم مصاصو الدماء
إلى طغاة الجنوب، الأمر الذى يجعل الحرب أكثر صعوبة وأشد شراسة.. رؤية
الفيلم، نظريا، لا تخلو من وجاهة، فالربط الرمزى بين نظام العبيد وممارسات
مص الدماء، له منطقه المقنع. لكن المشكلة أن أسلوب الفيلم يأتى متنافرا بين
ما هو واقعى، يكاد يقترب من التسجيلى، والفنتازى، أو الخيالى، أو الإرعابى..
فالمعارك، إبان الحرب الأهلية «1861 ــ 1865» تندلع على الشاشة، بضخامتها،
ودمويتها، على نحو عميق التأثير، ولكن فجأة، تنطلق أشباح مصاصى الدماء،
بأنيابهم المخضبة بالدماء، فى اتجاه المشاهدين بقاعة العرض، مما يصيب
الأولاد والبنات بالذعر، خاصة أن الفيلم يعرض بنظام الأبعاد الثلاثة.. هنا،
يفشل تيمور فى المزج بين الأسلوبين مزجا تماما، فتبدو المسألة أشبه بخلط
الزيت بالماء، وربما كان هذا هو السبب فى الاستقبال النقدى الفاتر، على غير
العادة، بعمل من أعمال المخرج الروسى النابه، الذى فتحت له هوليود أبوابها.
ينتهى الفيلم بلينكولن فى طريقه لحضور عرض مسرحى، نعلم أنه سيلقى حتفه
برصاصة غادرة وهو فى مقصورته، وفيما يبدو أن المخرج لم يشأ إنهاء فيلمه
بمشهد تراجيدى مؤلم، قد يؤثر على رونق المثل العليا التى يجسدها الذى يؤكد
أنه إذا كانت نصف الأمة من العبيد، والنصف الآخر من الأحرار، فإن الأمة
كلها.. تعتبر من العبيد،.
«إبراهام لينكولن: صائد مصاصو الدماء».. يستحق المناقشة.
الشروق المصرية في
07/07/2012 |