في تجربته الإخراجية الأولى «الألماني» يناقش المخرج علاء الشريف
مشكلة البلطجة المنتشرة في الشارع المصري، مشيراً إلى أنه تعجل في عرض
الفيلم كي لا يتهم بالاقتباس، لا سيما أن غالبية دراما رمضان هذا العام
تناقش هذه الظاهرة بشكل أو بآخر.
·
كيف جاءتك فكرة فيلم «الألماني»؟
من الفيديوهات التي انتشرت عبر الإنترنت لعرض الأحداث في ميدان
التحرير خلال موقعة الجمل، وتخيلت أم شاب من البلطجية الذين دخلوا إلى
الميدان وهي تشاهد ابنها والمجتمع كله يطالب بقتله لأنه المسؤول عن ارتكاب
جريمة تم تصويرها وتداولها عبر الإنترنت.
·
لماذا لم تكتب الأحداث بهذه
الصياغة؟
استغرقت كتابة الفيلم حوالي شهرين وفضلت عدم التعرض للثورة، كي لا
يكون ساحة للآراء الشخصية، لأن معرفة انطباع مسبق عن الفيلم سيؤدي إلى منع
جمهور معين من الإقبال على مشاهدته وتشجيع جمهور آخر على الدخول، لذا فضلت
تغييب الزمان الذي تدور فيه الأحداث.
·
لم يشارك في الفيلم أحد نجوم
الشباك، بل استعنت بعدد كبير من الوجوه الجديدة.
كما ذكرت، كنت منتج العمل الأساسي، ولم أستطع أن أتفق مع نجوم كبار،
والاختيارات كانت في حدود المتاح بالنسبة إلي. أعتقد أن الوجوه الجديدة
التي استعنت بها كانت موفقة إلى حد بعيد، وجميع الممثلين بذلوا مجهوداً
كبيراً لأجل اتقان الشخصيات التي يجسدونها.
·
هل تشعر بالرضا عن الفيلم؟
بنسبة كبيرة، مع الأخذ في الاعتبار أن العمل تجربتي الأولى وواجه
صعوبات إنتاجية كثيرة، إذ كنت أنتجه في البداية على نفقتي الخاصة قبل أن
يدخل معي منتج شريك في نهاية العمل.
·
لماذا لم تطرحه بعدد كبير من
النسخ واكتفيت بـ25 نسخة؟
كان من المفترض أن يطرح الفيلم بعدد أكبر من النسخ، لذلك أُدرج على
خارطة الموسم الصيفي ولم يكن معه سوى «المصلحة» و{ساعة نصف»، لكن المنتجين
دفعوا بأعداد أكبر من الأفلام السينمائية في دور العرض من بينها «حلم عزيز»
و{جيم أوفر» وغيرها من أعمال تفضلها الصالات لأنها تضم نجوماً يجذبون
الجمهور، فلم يكن أمامي سوى طرح الفيلم بهذا العدد.
·
لماذا لم تفكر في تأجيله؟
لأن التأجيل لن يكون في صالح العمل، وسأتهم بالاقتباس من دراما رمضان
التي تتعرض لمشكلة البلطجة نفسها، حتى إن آسر ياسين يقدم مسلسلاً باسم
«البلطجي»، على رغم أنني كنت أول من فكر في تقديم عمل يتناول هذه الظاهرة.
عموماً، الخسارة من طرح الفيلم ستكون أفضل بكثير من مكاسب تأجيله إلى عيد
الفطر مثلاً، فالجمهور لن يذهب ويدفع ثمن تذكرة لفيلم سينمائي يتناول ظاهرة
شاهدها في رمضان بكثرة.
·
رافقت الفيلم دعاية محدودة
للغاية، ما السبب؟
الدعاية الضخمة تحتاج إلى ميزانية كبيرة لا أملكها، لذا اعتمدت بشكل
كبير على الدعاية بين الجمهور، وهو ما حدث فعلاً فحققت دور العرض حيث طرح
الفيلم إيرادات جيدة للغاية مقارنة بالأفلام التي كانت موجودة في الفترة
نفسها.
·
ما هي أصعب مشاهد الفيلم؟
المشاهد الخارجية التي صورناها في منطقة الحطابة. واجهنا صعوبة كبيرة
بسبب ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة، لكن مساعدة الأهالي لنا أعانتنا
كثيراً على إنجاز المشاهد بشكل جيد.
·
ثمة مقارنة بين فيلمك «الألماني»
و{إبراهيم الأبيض» لمروان حامد، الذي أدى بطولته أحمد السقا قبل سنوات؟
«إبراهيم الأبيض» أحد أجمل تجارب الحركة في السينما المصرية ولا يمكن
مقارنته مع «الألماني» لأنه فيلم اجتماعي في المقام الأول يرصد معاناة أسر
مصرية وليس فيلم حركة، فضلاً عن أن فكرة البلطجة يمكن تناولها بطرق مختلفة
وعبر تجارب فنية كثيرة، والفيصل في النهاية يرجع إلى طريقة السرد والتي
تفصل تجربة عن أخرى.
قصدت من خلال «الألماني» أن أقدم صورة للأشخاص الفقراء الذين يفضلون
العيش بعيداً عن المشاكل، لكنهم في النهاية يدفعون ثمن الأخطاء التي
يرتكبها الكبار. مثلاً، في الثورة المصرية، كان العمال الذين يرتزقون يوماً
بيوم أكثر الفئات تضرراً وعندما طالبوا بحقوقهم نظر إليهم كثر على أنهم
يرتكبون الخطأ الأكبر.
·
ألا ترى أن الاستعانة بالمذيعة
أنجي علي لم يكن له مبرر، خصوصاً أن أي ممثلة كانت لتقوم بدورها؟
تربطني علاقة صداقة قوية معها، وظهورها كان في شخصيتها الحقيقية لأني
كنت بحاجة إلى جعل الجمهور يصدق أنني فعلاً في أستوديو لإحدى المحطات. عرضت
الفكرة عليها فوافقت فوراً ومن دون تردد.
·
لماذا اخترت بطل الفيلم أكبر
سناً من الشخصية التي يقدمها؟
البلطجي لا يُحسب بالعمر، بل بطريقة تعامله مع الآخرين ومدى جرأته
وشجاعته، ومن الممكن جداً أن يكون البلطجي أصغرهم سناً. جاء اختياري محمد
رمضان لكونه الشخص الأكثر مناسبة للدور، فهو ممثل موهوب ويبذل مجهوداً
كبيراً في عمله وأعتقد أنه وفق إلى حد كبير.
·
يتضمن الفيلم بعض المشاهد
المثيرة المبالغ فيها، فضلاً عن كثرة الأغاني الشعبية غير الضرورية.
السينما صناعة، ويجب على القائم بها أن يقدم للمتلقي ما يريده، لأن
الجمهور هو الذي يدفع للمنتج كي يصنع فيلماً جديداً يرضي الناس ويرضيني
أيضاً كمخرج. أما بالنسبة إلى الأغاني الشعبية، فأعتقد أنها مثلت إضافة
حقيقية إلى الفيلم، بل إن الجمهور كان يريد أن توضع الأغاني كاملة وليس
مقاطع منها فحسب، كما أن عرضها على المحطات الفضائية كان بمثابة دعاية
مجانية للفيلم.
·
وجديدك؟
أحضر لفيلم كوميدي جديد أبدأ في تصويره قريباً بعد الانتهاء من اختيار
فريق العمل.
الجريدة الكويتية في
01/08/2012
إسماعيل ياسين… مليونير الضحك
حركاته وإيماءته وأسلوبه وشخصيته ومفرداته وطريقة أدائه كلها تحمل
بصمته الخاصة، «سكّته» المميزة في الكوميديا منحتنا بهجة وسعادة.
إنه إسماعيل ياسين النجم الذي تربع على عرش الضحك أربعين عاماً.
عاش إسماعيل ياسين طفولة بائسة غير مستقرّة، ولم يمض في المدرسة
الابتدائية سوى أربع سنوات انقطعت بعدها صلته بالتعليم إثر وفاة والدته،
وبعد خروجه من المدرسة عمل منادياً أمام محل لبيع الأقمشة، وكان من عشاق
صوت محمد عبد الوهاب وتمنى أن يكون مطرباً مثله.
أما ياسين أفندي، والده، فكان يريده أن يرث مهنته كصائغ للذهب في حي
الأربعين بالسويس، لكن إسماعيل تمرّد على هذه الرغبة لأن الفن كان يسري في
عروقه.
أربعة جنيهات
عرف الأب أن ابنه يغني في السيدة زينب مع إحدى الفرق الشعبية التي
تجوب الموالد، فسافر يبحث عنه دون جدوى، وقبل أن يعود إلى السويس وجده
أمامه يخبره أنه انضم إلى الفرقة ويعمل معها، وقرر الإقامة في القاهرة.
سرعان ما اكتشف «سمعة» أن النقود التي يحصل عليها قليلة فاضطر للعمل
كاتباً عند أحد المحامين بمرتب شهري قدره أربعة جنيهات، على الفور أعطى
إسماعيل أول ما حصل عليه لمؤلف مونولوجات وملحن، واشترى بذلة ببضعة قروش من
سوق الملابس المستعملة وقصد إحدى الصالات ليبدأ مشواره مع الفن.
حقق إسماعيل ياسين رصيداً من النجاح كمطرب مونولوجات يقدمها بين فصول
المسرحيات، فوقّعت بديعة مصابني معه عقداً بستة جنيهات في الشهر، وذاع صيته
حتى التفت إليه منتجو السينما ومخرجوها، فقدموه في أفلام كثيرة في دورٍ
ثانٍ، وأدى أدواراً متنوعة من بينها: الخادم والسائق والطباخ والحلاق
والعسكري والمليونير.
من خلال مسرح بديعة اكتشفه المخرج فؤاد الجزائري، فقدمه في فيلم «خلف
الحبايب» (1939) من ثم اختاره توغو مزراحي ليشاركه في فيلمين من إخراجه مع
علي الكسار: «علي بابا والأربعين حرامي»، «نور الدين والبحارة الثلاثة».
على رغم أن بداية إسماعيل في السينما كانت مع الفنان علي الكسار، فإن
الخطوة الأكبر حدثت عندما اعتذر المونولجست سيد سليمان عن تمثيل دوره في
مسرحية «حكم قراقوش» مع نجيب الريحاني، فطلب الريحاني من بديعة مصابني أن
ترسل إليه اسماعيل ياسين لتبدأ رحلة الفن بينهما سويّاً، ثم انهالت العروض
السينمائية عليه كمساعد لنجوم كثر على غرار كمال الشناوي، شكوكو، شادية،
سعاد محمد، ماري منيب ومحمود المليجي.
الآنسة حنفي
مع نهاية الأربعينيات جاءت البطولة في فيلم «الناصح» مع ماجدة إخراج
سيف الدين شوكت، فكان الفيلم فاتحة خير عليه وقدم بعده «البطل» و»ليلة
العيد».
أما نقطة الانطلاق الحقيقية فكانت في فيلم «الآنسة حنفي» (1954) إخراج
فطين عبد الوهاب الذي أخرج 17 فيلماً لإسماعيل سميت باسمه في سلسلة من أنجح
الأفلام الكوميدية في تاريخ السينما المصرية، منها: «إسماعيل ياسين في
مستشفى المجانين» و»في حديقة الحيوان» و»في الأسطول» و»في الجيش» و»إسماعيل
ياسين للبيع» و»إسماعيل ياسين في متحف الشمع»و «إسماعيل ياسين يقابل ريا
وسكينة»، وتعددت أفلامه حتى وصلت إلى 400 فيلم.
وبعدما حقق حلمه في السينما ومثل أمام معظم نجماتها قرر أن يكوّن فرقة
مسرحية مع صديقه المؤلف أبو السعود الإبياري.
400 بدلة
بين إسماعيل والأناقة علاقة خاصة، كان حريصاً على أناقته وفسر البعض
ذلك بأنه أراد تعويض افتقاده إلى الوسامة بالأناقة لدرجة أن زوجته، أثناء
انتقاله من شقته في شارع عدلي إلى فيلته في الزمالك، وجدت ما يقرب من 400
بدلة على أحدث خطوط الموضة، فأصدرت فرماناً زوجيا بعدم ذهابه إلى الترزي
لمدة عامين وإلا ستترك له المنزل.
وبعد ظهور التلفزيون (1960) لم يقدم سوى مسرحية واحدة هي «الستات ما
يعرفوش يكدبوا»، عندها أدرك أن زمانه انتهى، فآثر الانسحاب، إلا أنه لم يكن
يعمل حساباً للزمن ولم يستثمر أمواله، وكان قد بنى عمارة سكنية ليؤمن أسرته
من غدر الزمن، لكنه فقدها سداداً لضرائب متأخرة عليه.
فكر في الهجرة إلى لبنان إلا أنه لم يجد مكاناً فيه، فعاد إلى مصر
وتحالفت عليه الأمراض وكان أشدها مرض النقرس. أما آخر أعماله فهو فيلم
تلفزيوني بعنوان «وصية المرحوم» كتبه ابنه ياسين وأخرجه حمادة عبد الوهاب.
أصيب إسماعيل ياسين بالتهاب رئوي حاد دخل على أثره مستشفى المواساة في
الإسكندرية لمدة ثلاثة اشهر التزم بعدها الإقامة في بيته بناء على أوامر
الأطباء، إلى أن تٌوفي عام 1972 تاركا ثروة فنية ضخمة ومجداً لم يسبقه إليه
أحد من نجوم الضحك.
الجريدة الكويتية في
01/08/2012
الفيلم التونسي "ديما براندو"جلد الذات والسينما معا
رامي عبد الرازق
يعتبر "ديما براندو" أحد
مشاريع رضا الباهي التي تعثرت لسنوات خصوصا بعد وفاة الممثل الأمريكي
مارلون براندو
الذي كان من المفترض أن يكون فيلمه الأخير من إخراج الباهي.
يتخذ الفيلم تيمتين
اساسيتين الأولى هي تيمة الأفلام التي تتحدث عن أفلام, فأحداثه
تدور في قرية تونسية
نائية تعيش على حافة الزمن والحياة، يحلّ
عليها فريق تصوير أمريكي ليصور بها بعض
المشاهد ويستعين بأهلها ككومبارس, اما
التيمة الثانية فهي تيمة تسجيلية تكسر
الايهام وتصور لنا المخرج من خارج فيلمه,
يتحدث عن تجربته في صناعته وعن بدايات
الفكرة وكيف تطورت وآلت إلى ما آلت إليه
بعد موت براندو عام 2004.
لوم الذات
أم السينما !
يتخذ المخرج من فكرة الحديث عن فيلمه مساحة يعبر
فيها بشكل مباشر وأخلاقي جدا عن رأيه في الافلام الأجنبية التي تصور في
تونس منذ
منتصف القرن الماضي, وكيف انها تأتي لمجرد التصوير في الأماكن الطبيعية
الجميلة
وتستخدم أهالى القرى الجهلة الفقراء كمجاميع يمثلون ادوار العبيد او
الأشرار أو
الجنود القتلى, ويبرهن على رأيه بمشاهد ارشيفية من افلام صورت في تونس
وبتفاصيل من
داخل فيلمه الذي يقوم على نفس الفكرة.
يذكرنا هذا الأسلوب بما اتبعه يوسف شاهين
في رباعية السيرة الذاتية خاصة فيلم "اسكندرية كمان وكمان" عندما كان يكتب
الفيلم
وهو معتصم بنقابة المهن السينمائية ويعيش في نفس الوقت داخله ويرى نفسه ومن
حوله
شخصيات في فيلمه.
الفرق أن الباهي لا يضع نفسه وشخصيات من حوله بل يحاول تجسيد
افكاره بوضع اكبر قدر من التفاصيل المنفرة عن تصوير الأفلام السينمائية في
تونس
للبرهنة على صحة رأيه, وهو اسلوب غير فني في التعامل مع الأراء خصوصا أنه
أجبر
شخصياته على العديد من الأفعال والقرارات الغير مبررة دراميا لمجرد أن يدعم
فكرته
حول لا أخلاقية استخدام السينما الامريكية لأهل بلده او لسيطرة الآخر
الغربي بشكل
استعبادي على مقدرات اهل البلد.
شذوذ غير
مبرر
الشخصية الرئيسية هي أنيس الذي يشبه مارلون براندو في
شبابه والذي يستميله أحد الممثلين الامريكان لكي يقنعه أن يمثل مستغلا شبهه
ببراندو, في الوهلة الأولى يرفض الشاب بشدة ويبدو غير قادر بالفعل على
التمثيل لانه
لا يملك الموهبة, ولكن الممثل العجوز يشجعه إلى أن نكتشف انه يفعل ذلك لانه
يشتهيه
ويراوده عن نفسه, ولكن انيس يرفض في البداية ومع استحواذ فكرة السفر إلى
هوليود
عليه -على اعتبار انها حل لكل مشاكله العاطفية والاقتصادية-
يستسلم ويسقط في فراش
الشذوذ مع الممثل الأمريكي, ويذكرنا هذا الخط بشخصية الشاب
المهووس بهوليود التي
أداها الممثل المصري "اشرف عبد الباقي" في
فيلم المخرج زكي فطين عبد
الوهاب"رومانتيكا" والذي اسلم نفسه لرجل اجنبي شاذ وعده بتسفيره إلى
هوليود.
وشتان طبعا بين الشخصيتين, فالباهي لم يجعل رغبة انيس متجذرة في داخله
منذ الطفولة مثلا
بسبب شبهه ببراندو, وإنما بدا الأمر
كمغامرة عابرة تحولت إلى هوس
غير مبرر من الشاب, كذلك فإنه من الصعب
دراميا تقبل أن شاب كهذا من السذاجة بحيث
يسقط في هوة الشذوذ لمجرد أن رجلا عجوزا وعد بتحويله إلى نجم سينمائي في
أمريكا رغم
ان الرجل نفسه ليس نجما ذو حيثية.
إن علاقة أنيس بالممثل الأمريكي هي إدانة
أخلاقية للشباب التونسي الذي يبيع نفسه للغرب من أجل المال والشهرة ولكنها
ادانة
شديدة الافتعال والمزايدة بلا أسباب حقيقية اجتماعية كانت أو اقتصادية أو
حتى
سياسية فالفيلم المصور بالطبع قبل الثورة التونسية عزل القرية عن الواقع
السياسي
ربما تجنبا للخوض في الأمور التي كان محظورا الحديث عنها.
قبلة أمام
الضريح
أما حبيبة أنيس والتي تقبله في مشهد شديد الجرأة أمام
ضريح الشيخ الذي تتبارك به القرية فإنها تستسلم هي الأخرى لرغبة انيس
المهووسة في
السفر إلى أمريكا رغم ان تلك القبلة التي تكسر فيها تابوهات كثيرة تجعلنا
نشعر انها
لا يمكن أن تعيش بعيدا عنه, وبميلودرامية شديدة لا تجد امامها سوى أن تبيع
جسدها
لبقال القرية مقابل5000 دينار هي ثمن تذكرة سفر أنيس, لكي يتحقق ويصبح
نجما, وهذا
الخط ايضا شديد الأفتعال لأنه يريد فقط تدعيم رؤية المخرج عن سقوط الشباب
التونسي
من أجل المال على الرغم من ان شخصية الفتاة من البداية تبدو قوية ناضجة
تتمنع على
حبيبها نفسه وتحاول بشتى الطرق أن ترجعه عن افكاره المهووسة.
وإلى جانب شخصيات
أنيس وحبيبته هناك الرجل الفقير الذي يقدم
ابنته لأحد المصورين مقابل مبلغ من المال
لكي يصورها عارية كما يوحي لنا, وهناك عبيط القرية خدام الضريح الذي يقبل
أن يمثل
دور عبد ذليل يأتي السواح لمشاهدته في ديكور الفيلم بعد أن غادر الامريكان,
وهناك
الشاب صاحب محل الفيديو الذي يتعاون مع فريق التصوير الأمريكي بحكم لغته
الأنجليزية
ثم يتحول إلى مرشد سياحي ينصب على السواح بحكايات وهمية عن اسطورية المكان
والأثار
المزيفة الموجودة فيه, وهي شخصية اقرب"للخرتيه" وهي فئة الشباب المصري الذي
ينصب
على السواح الأجانب والتي نراها ايضا في فيلم "رومانتيكا".
ان الباهي يدين كل
اهل القرية التونسية بلا مبرر حقيقي سوى
رغبته في تقديم نقد اجتماعي وسياسي شديد
السطحية والفجاجة,ودون تعمق حقيقي في طبيعة المشاكل او تكوين الشخصيات.
الهجرة غير
الشرعية
إخراجيا
يبدو الفيلم تجربة بصرية متواضعة, مصورة
بشكل بدائي وغير متقن, وتبدو تقاطعات السرد
ما بين الفيلم الروائي والحديث التسجيلي الذي يقدمه رضا بصوته وصورته غير
متلازمين
ولا تربطهما وحدة عضوية متينة, بل مجرد حلية شكلية أو محاولة تجريب لا تليق
بمخرج
قدم أفلاما هامة مثل "شمس الضباع"
وكان لابد مع كم الميلودراما الفاقعة أن ينتهي
الفيلم بموت أنيس في محاولة هجرة غير شرعية إلى ايطاليا, لتبقى بذلته
البيضاء
الغارقة على الشاطئ رمزا لعدمية النهاية التي تنتظر أجيال الشباب التونسي
في رؤية
تشاؤمية أثبت الواقع عكسها بعد أن قامت ثورة الياسمين.
إن الباهي دون أن يدري
أدان السينما وحملها مسؤلية ما يحدث من
مشكلات لأبناء بلده وصور الأمريكان على أنهم
أبالسة كل همهم أن يستغلوا سذاجة أهل القرية وحاجتهم للمال, من خلال افكار
نمطية
وشخصيات مكررة استنفذت وهجها الدرامي مثل "عبيط" (الساذج) القرية والبقال
الشهواني
والحبيبة المضحية التي تسقط من أجل فتاها وعرافة القرية التي
تنصب على السواح باسم
الطالع والغيب.
اما الخط الخاص للفيلم بحديثه عن براندو فهو مجرد فضفضة دعائية
عن فيلمه الذي لم يتم ومشروعاته التي أحبطها القدر ولم يعكس ذلك حبا
للسينما بقدر
ما عكس حسدا لمن تمت مشروعاتهم بنجاح, ونتصور أنه لو تم مشروعه الأخير مع
براندو ما
اقدم على تصوير السينما الأمريكية على انها فريق من الذئاب القادمين لنهش
الشباب
التونسي بالشذوذ والعري.
الجزيرة الوثائقية في
01/08/2012
«أن تعيش» لكوروساوا:
حياة استثنائية للشهور الست الأخيرة
الكاتب: ابراهيم العريس
ماذا يفعل المرء إن كان يشعر في حياته بالملل بشكل عام، وبأن سنوات
الوظيفة الطويلة التي عاشها تبدو وكأنها لم تسفر عن أي نتيجة؟ ماذا يفعل
حين يخبره الطبيب والحال هكذا، أنه لم يبق له للعيش سوى ثلاثة أشهر، إذ
اكتشف إصابته بداء عضال؟ هل يحزن؟ هل يفرح؟ هل يشعر باللامبالاة... أو تراه
يجلس ساهماً يتذكر ما فعله في حياته نادماً على ما لم يفعله؟
> في العام 1952، وكان بعدُ في بدايات مجده السينمائي، طرح المخرج
الياباني أكيرا كوروساوا هذه الأسئلة على نفسه... والغريب أنه طرحها في وقت
كانت شهرته العالمية بدأت تترسخ، بعد الفوز الكبير الذي حققه فيلمه «راشومون»
في مهرجان البندقية، وفي وقت كان أنجز فيلم «الأبله» في اقتباس عن
دوستويفسكي، ويستعد لتحقيق واحد من أضخم أفلامه وأهمها: «الساموراي
السبعة». كل هذه الأفلام التي ذكرنا، لم يكن فيها من الحميمية شيء، ولم يكن
أيٌّ منها يحمل أسئلة خاصة كان من شأن كوروساوا أن يطرحها على نفسه... فما
الذي جعله يحقق فيلماً عابقاً بكل هذا الأنواع من الأسئلة في خضم هذا كله؟
ما الذي جعله يحقق فيلماً عن «الموت» معطياً إياه -ويا للتناقض- عنوان «أن
تعيش»؟!
> حقق أكيرا كوروساوا فيلم «أن تعيش» (ايكيرو) في العام 1952، ليُعتبر
بسرعة، وخصوصاً بعدما فاز بجائزة الدب الفضي في مهرجان برلين لذلك العام،
واحداً من أجمل أفلامه حتى ذلك الحين، وواحداً -بالنسبة إلى كثر من النقاد-
من الأفلام الأكثر انسانية في تاريخ الفن السابع... فيما نظر اليه آخرون
بأنه فيلم «وجودي» بامتياز، من ناحية كونه أتى في زمن كانت فيه أفكار
الوجودية منتشرة، والعالم يبحث عن ضوء في آخر النفق الذي أوصلته اليه
الحروب، ووجد الإنسان نفسَه مرميّاً وحيداً أمام مسؤولياته. والغريب أن
فيلم «أن تعيش» يحمل كل هذه المعاني على رغم بساطة موضوعه وحميمية أجوائه،
فموضوعه لا يتعدى حكاية موظف في الخمسين من عمره تقريباً، أجرى لنفسه
فحوصاً في مستوصف عادي ذات يوم، ليدرك من بعدها أن اصابته قاتلة، وأنه
سيموت عما قريب، لتأتي أجزاء الفيلم التالية مصوِّرة أجواء تلك الشهور التي
عاشها الرجل، كنجي واتانابي، وهو يودع الحياة، حيناً بمفرده وحيناً مع
أفراد راحوا يسايرونه، حتى كانت نهايته، التي سينتهي الفيلم دقائق من بعدها
وسط تأبينه من زملائه وأهله، ووسط الإيحاء بأن الرجل قبل موته تمكّن من أن
ينقل الى آخرين درساً في الإنسانية. وفي هذا المعنى، لن يفوت المتفرج أن
يلاحظ أن ثمة نزعة تفاؤل قوية تطغى على الفيلم، ليس بالنسبة الى مصير بطله،
بل بالنسبة الى النوع الإنساني نفسه.
> غير ان هذا كله لم يكن واضحاً عند أول الفيلم، حين يخرج واتانابي من
المستوصف وقد علم بالخبر المريع... فهو هنا يشعر بهزة رهيبة، ويبدأ محاولة
التمسك بأي خشبة خلاص تخفّف عنه قسوة ما يحدث له، من دون أن تخامره أي
أوهام بإمكان الإفلات من المصير. لكن الصدمة الثانية تأتيه في ذلك المساء
نفسه، حين يقصد ابنه المتزوج آملاً في أن يجد لديه عزاء وحناناً... غير أن
الابن يبدي من اللامبالاة ما يجعل خبر قرب الموت بالنسبة الى واتانابي يبدو
رحيماً. وهنا يحاول أن يسلك طريقاً آخر، يحاول أن يعيش عبر إنفاق ما لديه
من مدخرات، ذارعاً طوكيو طولاً وعرضاً. يعيش تلك الجولات بمرافقة كاتب شاب
يتناقش معه طوال الوقت حول خواء حياته الوظيفية: ثلاثون عاماً من الرتابة
ومن الأيام التي يشبه بعضها بعضاً، ثلاثون عاماً من البلادة ومن رصد ما
يدور في المجتمع من حوله من دون أن يفهم شيئاً، ثلاثون عاماً من المفاجآت
واللاأحداث على رغم الحروب والاضطرابات... كان هذا كله يحدث فيما واتانابي
يعيش فراغاً مرعباً، خارج كل شيء، مثل أي موظف روتيني. وإزاء اكتشافه واقع
عيشه هذا، تتفتح عينا واتانابي تحت تأثير الكاتب، ويقرر بالتدريج أن الأوان
قد حان له لكي «يعيش»... يعيش حقاً، ولو لأسابيع قليلة. وهكذا... يكتشف
معنى الصداقة في حياة الانسان، ثم معنى المسؤولية، فمعنى الحرية والالتزام
بالتدريج. الصداقة سيمارسها الآن مع موظفة شابة في المكتب كانت مساعدة له،
وهذه تفتح عينيه أكثر، وتخبره كيف أن كل الزملاء في المكتب كانوا يدعونه من
وراء ظهره «المومياء»... ثم تخبره أنها -مهما يكن من الأمر- لا تستطيع فعل
شيء من أجله. وهنا، وعلى ضوء هذا كله، لا يعود أمام واتانابي إلا ان يتخذ
القرار الكبير الوحيد في حياته، والذي سيعطي معنى لهذه الحياة، سيعود الى
المكتب ويمضي ما بقي له من وقت مناضلاً من أجل فرض الاستجابة الى طلب تقدمت
به نساء الحي وأُهمل بيروقراطياً، ويتعلق بتخصيص قطعة من أرض مهملة لتحوَّل
ملعباً للأطفال. أخيراً اذاً، جعل واتانابي لحياته هدفاً... وهو سعى وراء
هدفه هذا حتى تمكَّن من تحقيقه... وإذ تحقق المشروع، لم يعد أمام واتانابي
إلا ان يدرك أنه أخيراً عاش حقاً، وصار في امكانه أن يموت مطمئن البال. وهو
يموت بالفعل جالساً فوق أرجوحة للأطفال، ساكتاً متأملاً وقد أدرك أن
الأسابيع الأخيرة مكَّنت حياته من ألاّ تكون حياة غير مجدية.
> والحال أننا لن نرى هذا كله في النهاية بمثل هذه التفاصيل، كل ما في
الأمر أننا سنرى علاماته وإشاراته، ونجد أن في إمكاننا أن نفسره ونعطيه
معانيه. وواضح أن هذا كان مقصوداً بحذافيره من جانب كوروساوا، الذي شاء من
خلال هذه النظرة المواربة الى معنى «العيش» الذي جعله واتانابي لنفسه، أن
يجعل من كل متفرج متورطاً في الفيلم... وهذا التورّط يأتي من خلال لعبة
مزدوجة: إبعاد المتفرج عن التماهي مع حتمية موت واتانابي، جاعلاً من هذا
الموت شيئاً شخصياً من ناحية، ومن ناحية ثانية خَلْقُ تماهٍ تام بين
المتفرج وواتانابي بالنسبة الى السمات التي تتحرك لدى هذا الأخير، الذي
يصبح في نظر المتفرج شخصية عامة نموذجية، ببعده الملائكي من ناحية والوجودي
والشخصاني والإنساني من نواح أخرى... فهل في هذا التفسير شيء من الالتباس؟
بالتأكيد، ولكن ألا يمكننا أن نرى أن العالم كله إنما هو مصنوع من مثل هذا
الالتباس... الخلاق؟ وهل ثمة ما هو أكثر التباساً وقدرة على الخلق في الوقت
نفسه من تصوير موت تولد الحياة من رحمه؟
> لكن هذا ليس كل شيء. فإذا كان كوروساوا قد قدم في «أن تعيش» فيلماً
عن انسان وحيد يموت وقد قرر أن يعطي لحياته معنى إيجابياً يخدم الآخرين...
بل يخدمه هو نفسه أيضاً، فإن هذا المخرج، الذي كانت القضية الاجتماعية
بالغة الأهمية بالنسبة اليه في ذلك الحين، عرف في طريقه كيف يندد
بالتقليدية الاجتماعية والبيروقراطية التي كانت تلقي بثقلها الكئيب على
السيكولوجيا الجماعية في اليابان. ومن هنا، اعتُبر «أن تعيش» في حينه درساً
كبيراً في السينما وفي إمكانات فن السينما.
> حين حقق كوروساوا (1910-1998) فيلم «أن تعيش» كان في الثانية
والأربعين من عمره، وكان اسمه قد بات معروفاً في الحلقات السينمائية في
العالم أجمع، لكنه لم يكن قد أصبح بعد «إمبراطور» السينما اليابانية. هذا
اللقب صار له لاحقاً مع تزايد وتيرة نجاحاته وتحقيقه أفلامه الكبيرة، التي
أوصلته الى أن يعتبر في العام 1982 واحداً من أكبر عشرة مخرجين سينمائيين
في العالم، وذلك بعد عقد من محاولة انتحار فاشلة قام بها. ومن أبرز أفلام
كوروساوا: «قلعة العنكبوت» و «بين السماء والأرض» و «ذو اللحية الحمراء» و
«درسو اوزالا» و «كاغيموشا» و «ران» و «أحلام»...
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
01/08/2012
كريس ماركر:
وحدة عضوية بين الصورة والحياة
إبراهيم العريس
حتى وإن كان يمكن، في اختصار، التحدّث عن كريس ماركر بوصفه واحداً من
كبار السينمائيين في العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فإن هذا
التوصيف لن يعدو كونه مجتزأ، ذلك ان ماركر الراحل قبل ايام عن واحد وتسعين
عاماً، كان اكثر من هذا بكثير. كان مبدعاً شاملاً ووفير الإبداع في مجالات
شديدة التنوع بحيث اننا لو شئنا، فقط، تعداد انجازاته طوال ما يزيد عن سبعة
عقود في المجالات كافة التي ابدع فيها، سنحتاج الى ما لا يقلّ عن صفحتين من
صحيفتنا هذه. ومع هذا سيكون منطقياً ان نتوقف عند الأبرز بين تلك
النشاطات... ولكن، طبعاً، ليس على غرار بعض الإعلام الأميركي الذي إذ تحدث
عن رحيل ماركر خلال الأيام السابقة، ذكر بعض تلك الأعمال، لكنه اعتبر
مأثرته الأساسية تحقيقه فيلمه الأشهر
la jetee الذي ربما كمنت قيمته بالنسبة الى تلك الصحافة في
كونه الأساس الذي بنى عليه تييري جيليان فيلمه الشهير «12 قرداً». هذا
الكلام صحيح طبعاً، ولكن الأصح منه هو ان عالم، او عوالم - كما سنرى بعد
قليل – كريس ماركر، كانت اوسع كثيراً من ان «تختصر» بتلك الخبرية!
معانقة شاملة للإبداع
كان كريس ماركر سينمائياً وكاتباً ورجل تلفزة من الصنف المميز والذي
اضاف الى الشاشة الصغيرة كثيراً وأكثر مما يمكنها الزعم انها اضافت اليه.
وكان كاتباً ومصوراً فوتوغرافياً ورساماً وفنان «تجهيز» عرف كيف يستفيد من
امكانات هذا الفن الجديد والما-بعد-حداثي كي يقدّم تطبيقات عملية في مضمار
المزج بين الفنون والآداب. وكان ماركر مناضلاً سياسياً وسوريالياً
وواقعياً، ومناصراً للقضايا العادلة الكبرى في العالم. وكان ماركسياً
وناقداً للستالينية في الوقت نفسه... تُرى، أوَليس من الأسهل علينا هنا
والأوفر للوقت، ان نضع لائحة بما لم يكنه هذا الذي عاش القرن العشرين
وآماله وإحباطاته وثوراته الفكرية وخياناته مسجلاً معظمها بكاميراه ونصوصه؟
وألن يكون من المنطقيّ اكثر النظر اليه على ان فعل الصداقة قاد خطاه
منذ البداية الى النهاية؟ فعل الصداقة الذي جعله يحقق اعمالاً شديدة
الأهمية – انتهت بأن تعرض في التلفزة غالباً – عن مبدعين فنانين كانوا أو
صاروا اصدقاء له؟ فمن «عزلة مغني الأعماق» عن ايف مونتان، الى فيلمه «AK» عن المخرج الياباني الكبير آكيرا كوروساوا، الى الشريط عن سيمون
سينيوريه («ذكريات الى سيمون») الى «قبر الكساندر» عن المخرج الروسي
الكساندر مدفكين، وصولاً الى فيلمه الفريد عن آندريه تاركوفسكي بعنوان «يوم
من حياة اندريه آرسينيفتش» عرف ماركر كيف يجعل السينمائي والفنان نفسه مادة
غنية للسينما حتى وإن صنعت اصلاً للتلفزيون. وقد يكون في وسعنا هنا ان نقول
ان كريس ماركر كان، الى جانب روبرتو روسليني، واحداً من كبار فناني السينما
الذين ادركوا باكراً اهمية التلفزيون في حياة الفن السابع وبقائه. وهذا ما
عبّر عنه في أعماله وفي تصريحاته أيضاً.
رجل سينما اولاً وأخيراً
ومن هنا حين الحديث عن ماركر لا ينبغي ابداً ان ننسى للحظة انه كان
اولاً وأخيراً رجل سينما. ولكن سينما من نوع خاص جداً، وبالتالي من نوع
شديد الشمولية. اما خصوصيته، فإنها كانت هي ما جعل سينماه تسمى بسينما
«الفيلم/الدراسة»... في تزامن في هذا مع كبار من سينمائيي النوع ارتبط اسمه
باسمهم ليعتبروا من ورثة روبرت فلاهرتي وجون غريرسون وربما ايضاً جان فيغو،
الشرعيين، ونعني بهم جوريس ايفنز وفردريك وايزمان وحتى ريمون ديباردون بين
آخرين، وكلهم مبدعون سينمائيون جمعهم معاً استخدام جمالي مميز للصورة
المتحركة يخبئ وراءه – وليس دائماً وراءه – مواضيع انساسية متقدمة تقول
الزمن الراهن بقوة تعبيرية جعلت للسينما التوثيقية في احيان كثيرة، مكانة
تفوق مكانة السينما الروائية العظيمة في العالم... بل تمزج في شكل خلاق بين
الصنفين في بوتقة اقل ما يقال عنها انها عصية على اي تصنيف.
وكريس ماركر كان على اية حال عصياً على اي تصنيف هو الذي ولد العام
1921 في نوايي سور سين غير بعيد من باريس، وبدأ حياته المهنية وهو في بداية
عشرينياته، رحالة وكاتباً ومناضلاً سياسياً ومقاتلاً في صفوف المقاومة ضد
النازية ثم مناصراً للحزب الشيوعي الفرنسي انما على طريقة مجلة «إسبري»
اليسارية الشخصانية تحت رعاية الفيلسوف ايمانويل مونييه. وبعد الحرب وإذ
شعر ماركر (وكان اسمه في ذلك الحين لا يزال كريستيان فرانسوا بوش فيلنوف)
ان في وسعه الآن ان يبحث عن آفاق تعبير جديدة، التقى آلان رينيه الذي كان
يحضّر بداياته السينمائية غير بعيد من اجواء النقد الفرنسي الجديد الذي كان
يتحلق من حول شيخ النقاد السينمائيين في ذلك الحين، آندريه بازان. وعاون
كريس ماركر، رينيه الذي بات صديقاً له في تحقيق فيلمه «التماثيل تموت ايضاً»
بعدما عمل لفترة في احضان اليونسكو عبر افلام تعليمية. ومع ذلك التعاون
الأول مع آلان رينيه سيولد على الفور السينمائي الذي سيكونه ماركر خلال
اكثر من نصف قرن تال... ولكن بالتزامن مع ولادته كروائي اذ انه كان قد نشر
رواية له عنوانها «القلب النقي» مع جملة أشعار كتبها.
ومنذ ذلك الحين لم يتوقف ماركر عن الإنتاج ولم يخبُ لديه فضول راح
يقوده في دروب بدت دائماً من غير نهاية ومن غير حدود. فهو كان دائماً في
الصف الأول من الأحداث، السياسية وغير السياسية، يصوّر، يؤفلم، يكتب،
يرسم... وكذلك يشارك في الصخب السياسي. في اختصار، هنا يمكن القول انه كان
دائماً نموذجاً مبدعاً راقياً وطليعياً لما كان الفيلسوف الإيطالي انطونيو
غرامشي (مؤسس الحزب الشيوعي الإيطالي، ومن اول المعترضين على الستالينية
وجمودها العقائدي) يطلق عليه اسم «المثقف العضوي». ومن هنا نرى ماركر بين
المثقفين الفرنسيين المعارضين للحرب الفرنسية في الجزائر. ثم نراه من
المعترضين على «العدوان الثلاثي» على مصر – حتى وإن كان وقع ذات لحظة في
إغراء اعتبار «التجربة الصهيونية في فلسطين تجربة نضالية!! -، في وقت كان
فيه يحقق شرائط عن اوضاع ونضالات الطبقة العاملة. وهو، اذ حث ثورة الشباب
في ايار 1968 الفرنسي والأوروبي في شكل عام، رأيناه «يمتشق» كاميراه ويصوّر
– وغالباً هنا بالتعاون مع مجموعات عمل نضالي/فني على النمط اليساري الذي
ساد آنذاك. غير انه كان خلال تلك السنوات قد كوّن لنفسه رصيداً كبيراً ولا
سيما عبر سفرات آسيوية (كوريا الشمالية، فييتنام، الصين...) وأفريقية، كان
يعود منها دائماً بأفلام تراكم مزيداً من الأعمال السينمائية التي تضيء
هموم العالم. ومن هنا، حين راح في الستينات يتعاون مع مجموعات عمل نضالي/
فني مثل «سلون» ثم «ايسكرا»، كان من الواضح ان ثقله النوعي يعتبر رفداً
اساسياً لتلك المجموعات... والحقيقة انه هو نفسه سيعود الى التعبير عن تلك
المرحلة كلها في واحد من اهم وأجمل افلامه: «عمق الهواء أحمر» (1979) الذي
يعتبر اشبه بمحصلة توليفية لعمليه السياسي والفني، ولكن ايضاً لمسيرة جيل
كامل من اصحاب الفكر التقدمي واليساري الفرنسي.
عمل لا يحدّ
غير ان «عمق الهواء أحمر» ليس مأثرة ماركر السينمائية الكبرى الوحيدة
بالطبع... بل يمكننا هنا ان نضع لائحة في عشرات الأسماء، لكننا سنكتفي
ببضعة عناوين فقط، على سبيل المثال خالطين بين شرائط وأعمال تجهيزية، على
الطريقة التي كان ماركر يفضلها: فمن «بدون شمس» الى «ميراث البومة» ومن
«المستوى خمسة» الى «حين تشكّل القرن» مروراً بـ «فيلم صامت» و «ليلى
تهاجم» و «مختار في كوسوفو» و «20 ساعة في المعسكرات»... الى عشرات غيرها
من العناوين تراكم على مدى تاريخ هذا المبدع متن
سينمائي/كتابي/تصويري/تجهيزي يمكن اعتباره قريناً صلباً للزمن الذي أبدع
فيه.
الحياة اللندنية في
01/08/2012
«مهرجان القاهرة»...
معركة المصير المجهول
محمد الخولي / القاهرة
تزايدت أخيراً المخاوف من إلغاء الدورة الـ35 من «مهرجان القاهرة
السينمائي الدولي» للعام الثاني على التوالي، وخصوصاً أنّه حتى الساعة، لم
يجرِ اختيار إدارة تنظّم هذا اللقاء السنوي المقرر في تشرين الثاني
(نوفمبر) المقبل.
برزت تلك المخاوف عندما ألغت محكمة القضاء الإداري قرار وزارة الثقافة
المصرية القاضي بإسناد مهمة التنظيم إلى «مؤسسة مهرجان القاهرة» التي
يرأسها الناقد يوسف شريف رزق الله. وجاء قرار المحكمة بعد دعوى رفعها رئيس
«الجمعية المصرية لكتّاب ونقاد السينما» السيناريست ممدوح الليثي، محتجّاً
على قيام الوزارة بإسناد المهمّة إلى «مؤسسة مهرجان القاهرة» بدلاً من
جمعيته.
هكذا، جاء الحكم ليعيد إسناد المهمة إلى الجمعيات المتخصصة وفقاً
لشروط ومعايير شفافة ومعلنة سابقاً من دون أن يسمّيها. وقالت المحكمة إنّ
الجمعية التي يمثلها يوسف شريف رزق الله لم تكن تستوفي الشروط التي وضعها
مجلس إدارة «المركز القومي للسينما»، إذ كانت في ذلك الوقت جمعية تحت
التأسيس وغير مرخّصة، وهو ما عدّه الليثي مخالفة قانونية. وبناءً عليه، صدر
قرار المحكمة بسحب عملية تنظيم الفعالية السينمائية من جمعية يوسف شريف رزق
الله. المحكمة نفسها رفضت ما ساقه صاحب الدعوى ممدوح الليثي عن أن جمعيته
هي الأَولى بإدارة المهرجان، على اعتبارها الجمعية التي أسّسته عام 1976،
ونظمته لسنوات طويلة قبل أن تتولى وزارة الثقافة تنظيمه عام 1985. بعد هذا
الحكم، كثرت الشائعات حول إلغاء دورة هذا العام من المهرجان، بسبب غياب
منظم له، مع أنّ وزارة الثقافة أكّدت «أن قرار المحكمة لا يعني إلغاء
الدورة الـ35 من المهرجان، بل جرى تكليف مجلس إدارة «المركز القومي
للسينما» بوضع القواعد الخاصة بمهمة إدارة المهرجان إلى جمعيات أهلية
تتوافر فيها الشروط المطلوبة». وفي مؤتمر صحافي عقده أخيراً نيابةً عن
وزارة الثقافة، قال رئيس «المركز القومي للسينما» المخرج مجدي أحمد علي إنّ
الوزارة لن تتوانى عن العمل على إقامة المهرجان في موعده «للحفاظ على سمعة
مصر الدولية على المستوى الثقافي»، مضيفاً إن «إلغاء المهرجان قد يؤدي إلى
سحب الاعتراف الدولي به بسبب عدم إقامته للعام الثاني على التوالي»، علماً
أنّه غاب العام الماضي بسبب أحداث «ثورة 25 يناير». ويرى عدد من النقاد
والمهتمين بالفن السابع، منهم سمير فريد، أنّ الحل الوحيد الذي يخدم
المصلحة العامة الآن يتمثّل في اكتفاء «جمعية كتاب ونقاد السينما» بإقامة
«مهرجان الإسكندرية»، وبذل الجهود الكافية لإنجاحه وتغيير سمعته السيئة،
ريثما تتقدم «مؤسسة مهرجان القاهرة» مجدداً بطلب إلى وزارة الثقافة لإسناد
إدارة المهرجان إليها. بعد اجتياح المهرجانات الخليجية الساحة وفوزها
بالعروض الأولى للأفلام، واستقطاب النجوم العالميين والمصريين، ها هو
«مهرجان القاهرة» يواجه اليوم أزمة مصير بعد كل هذه العواصف التي تعرّض لها
في السنوات الأخيرة.
الأخبار اللبنانية في
01/08/2012
قيد التصوير | إنّه مصطفى «ش»
يوسف شيخو
كان اللواء مصطفى شمران (1932 ــ 1981) أول وزير دفاع إيراني بعد
الثورة الإسلامية (1979)، وقائداً لـ«الحرس الثوري». قبل أن تندلع الثورة،
نشط شمران في عدد من الدول العربية كمصر، ولبنان، وسوريا. وقف إلى جانب
السيد موسى الصدر في لبنان، ليكون أحد أبرز مساعديه، وشارك في تأسيس «أفواج
المقاومة اللبنانية» المعروفة باسم «حركة أمل». وكان له تأثير كبير في
شخصيات قيادية في الجنوب اللبناني، حتى إن والدة الراحل عماد مغنية تقول
«إن ابني تعلّم كل شيء من أستاذه مصطفى شمران». بعد انتصار الثورة، عاد
شمران إلى إيران، وتقلد منصب وزير الدفاع. وقاد قوات الحرس في مواجهات مع
الثوار الأكراد في مناطق بافه، ومريوان، وبانه، وسردشت... طائرة مروحية
تنطلق من معسكر في إحدى ضواحي طهران. هذا هو أول المشاهد التجريبية في فيلم
«ش»، أحدث أعمال المخرج الإيراني إبراهيم حاتمي كيا (الصورة) الذي يضيء على
أحداث حاسمة من حياة مصطفى شمران. وبحسب وسائل إعلام إيرانية، سيتناول
العمل يومين وليلتين من حياة القائد العسكري (16 و17 آب من عام 1979).
ويوضح منتج الفيلم مهدي كريمي، قائلاً إن عدداً من نجوم السينما
الإيرانية سيشاركون تمثيلاً في الفيلم، وعلى رأسهم فریبرز عرب نیا، وسعيد
راد، ومریلا زارعي، وإسماعيل سلطانیان.
ولا شك في أن حاتمي كيا الذي يُشيد الرئيس محمود أحمدي نجاد به
وبأفلامه، يسعى إلى إبراز شمران «بطلاً أسطورياً»، يجسد دوره فريبرز عرب
نيا الذي سبق أن أدى بطولة «وصال الطيبين» لحاتمي كيا عام 1992. أما سعيد
راد، فيؤدي شخصية ولي الله فلاحي، نائب القائد العام للقوات المسلحة
السابق. تصوير الفيلم الذي تولت «مؤسسة الفارابي السينمائية» رعايته، انطلق
من مدينة ساوة في جنوب طهران، لتنتقل عدسة المخرج بعد ذلك إلى أورامانات في
منطقة كرمانشاه الواقعة غرب إيران. ويسعى طاقم العمل إلى الانتهاء من جميع
مراحل الفيلم قبل نهاية العام الحالي بهدف المشاركة في «مهرجان فجر
السينمائي الدولي» في نسخته الـ 31 التي ستقام في طهران في شباط (فبراير)
المقبل.
الأخبار اللبنانية في
01/08/2012 |