لا أعرف الى أيّ مدى يمكن اعتبار هذا الحدث مهرجاناً. انه، على الارجح،
ويك أند سينمائي لطيف، ينطلق هذا المساء في مجمع "متروبوليس" وينتهي الأحد
المقبل. 3 أيام ونصف يوم من السينما اللبنانية، تلملم في طريقها منجزات
بصرية من هنا وهناك. بوتقة على طريقتنا الخاصة جداً، تذوب فيها خبرة
المحترفين بحماسة الهواة، الى جانب مَن يدخل الحياة المهنية بعد اكمال
الدراسة.
بعد تخليه عن اسمه الاصلي (".. نما في بيروت") في الأعوام الماضية، ثم
"تعرضه" للغياب العام الماضي لأسباب قيل إنها مادية، ها ان "مهرجان الفيلم
اللبناني" (23 – 26 الجاري) يعود، في ظروف استثنائية تمر فيها البلاد. بعض
الأمور تغيرت في ادارة المهرجان: اسماء جديدة حلت مكان أسماء قديمة فضلت أن
تشغل مناصب شكلية لا عملية، متيحة الفرصة لأذواق جديدة واتجاهات آمل الاّ
تكون تتوسل بالنجاحات العابرة ومنطق السوق والعلاقات والاخوانيات. وما
أكثرها في التظاهرات الثقافية. الموقع الالكتروني للمهرجان زُيِّن بصور بعض
الذين كان لهم دور في نشر سينمانا المحلية في الخارج، وهم مشاركون، بطريقة
أو باخرى، في هذه الدورة العاشرة. هناك أولاً غسان سلهب، هذا المتسكع في
الوجدان البيروتي، مُنِح ما بات يُعرف في العديد من اللقاءات السينمائية
"كارت بلانش"، اختار وفقه، فيلمين عن حركة الـ"بلاك بانترز"، أحدهما وثائقي
قصير لأنييس فاردا، أنجزته المخرجة الفرنسية القديرة عام 1968، وعنوانه
"النمور السود". شريط جاء في اعقاب ثورة ايار الستينية، صُوّر في أوكلاند
خلال التظاهرات ضد محاكمة هيو نيوتن، قائد حركة "النمر الأسود". أما ثاني
الفيلمين اللذين اختارهما مخرج "أرض مجهولة"، فهو، نوعاً ما، امتداد للأول:
"النفوذ الاسود شرائط متعددة 1967 ــ 1975" لغوران هوغو أولسون، عُرض في
كلٍّ من "سندانس" و"البرليناليه". انطلاقاً من مادة ارشيفية كانت ضائعة في
أسوج، للعقود الثلاثة الماضية، يروي الشريط (ساعة ونصف الساعة) معاناة
الجالية الافرو أميركية. علام يريد سلهب التأكيد من خلال اختياره هذين
الفيلمين، في ثقافة لبنانية متهمة على الدوام، وغالباً عن حق، بالتمييز
العرقي؟ هذا ما سنراه الساعة العاشرة من مساء غد. نصل الى الوجه الحزين
لجوسلين صعب التي تحدق في الفراغ. هي الأعرق خبرة والأكبر سناً وتجربة بين
كل الذين اختار المهرجان تكريمهم من خلال رفع بورتريهاتهم على ملصقات.
اختارت صعب إلقاء التحية على مدير التصوير ماجد قصير، الذي عمل للتلفزيون
الالماني لأكثر من 30 عاماً، قبل وفاته المفاجئة هذه السنة. فيلم آخر، هو
"حكاية الفراشة العذراء" لوليد العوني، سيكون محط أنظار ايضاً، بعدما دعمته
صعب، وهذا عرضه الأول مذ ابصر النور. شخصية ثالثة من شخصيات الدورة
العاشرة، هي نادين لبكي، سيكون لها لقاء مع الجمهور، السبت المقبل، الساعة
الثامنة والنصف. تبادل يقول المهرجان إنه سيكون حميمياً، ستنظّر فيه لبكي
عن الشهرة التي اكتسبتها بعد فيلميها، وارتباطهما بالواقع اللبناني. اذاً،
يفتتح المهرجان هذا المساء بحفل موسيقي لابرهيم معلوف (عضو في لجنة
التحكيم) ترافقه صور متحركة لهانس ريختر. بعده شريط لوفاء سيلين حلاوي اسمه
We might as well. ويُختتم الافتتاح بالفيلم الذي خصّه فيليب
عرقتنجي للراحل غسان تويني: "أرضٌ لرجل".
في الافتتاح وقفة ايضاً مع فيلم منتظر جداً: "خلف شجر الزيتون"
لباسكال أبو جمرا الذي عُرض في مهرجان كانّ الأخير ضمن "سينفونداسيون".
فيلم جيد، تعود فيه المخرجة الجنوبية الى مسألة حساسة لم تُحسم بعد، كونها
من المحرمات: قضية العائلات التابعة لجيش لحد. تقول ابو جمرا في مقابلة
نُشرت على "بلوغ" المهرجان: "موقف الأهالي [أزاء عائلات لحد] يرثه الاولاد،
فيقدم هؤلاء بدورهم على اطلاق الاحكام في حق هذه العائلات واعتبارها خائنة.
في فيلمي مثلاً، يعاني جورج، شقيق مريم، من شتائم رفاقه في المدرسة. هذه
الاهانات تشمل عائلات عدة تشعر بأنها مضطهدة وغير منصهرة في النسيج
الاجتماعي اللبناني. عشتُ وأياهم وأدركتُ مشكلاتهم. للأسف، هناك عائلات
تفكر في العودة الى اسرائيل. هذا كله دفعني الى الدفاع عن قضيتهم في هذا
الفيلم". يعلمنا المهرجان بأن هناك 27 فيلماً في المسابقة الرسمية و16
خارجها. جوائز عدة ستوزع على الفائزين يوم الأحد المقبل. بعد انسحاب بنك
عودة من المهرجان والغاء الدعم الذي كان يوفره، يبدو ان شركة النفط "توتال"
دخلت على الخط، وصار هناك جائزة باسمها. بالاضافة الى جائزة أخرى ستُمنح
لأفضل فيلم روائي من طرف المنظمة العالمية للفرنكوفونية، في حين تتكفل
وزارة الثقافة اسناد جائزة افضل فيلم وثائقي، من اختيار لجنة التحكيم
المؤلفة من ابرهيم معلوف وزياد عنتر وسوزان خردليان وكريستوف دونر.
11 من الأفلام التي تُعرض خارج المسابقة، هي اعمال تجريبية، ومن ضمنها
ايضاً افلام من توقيع سينمائيين أجانب، إما تناولوا حكاية لبنانية، وإما
اختاروا لبنان موقعاً للتصوير. هذه "الخدعة" التي ترمي الى تضخيم البرنامج،
لا تقتصر فقط على مهرجان الفيلم اللبناني، بل على مهرجانات خليجية تبرمج
افلاماً لمخرجين أجانب باعتبارها افلاماً عربية، فقط لأنها على صلة ما
بالعالم العربي. من الأشياء التي تنقصها مسوّغات سينمائية وتخريجات منطقية،
عرض أحد افلام المخرج الايراني اصغر فرهادي، "أولاد بلفيل"، بعدما أدهشنا
العام الماضي بـ"انفصال نادر وسيمين". يأتي العرض في اللحظة التي يستعد
فيها فرهادي لتصوير فيلم جديد له في فرنسا، من تمثيل ماريون كوتيار. ما
علاقة هذا الفيلم ببرمجة متجانسة تدور حول هموم متقاربة؟ لا جواب واضحاً من
المهرجان عن هذا السؤال. كل ما نعرفه ان هذا القسم، قسم الأفلام غير
اللبنانية، سيتعزز أكثر في السنة المقبلة.
"الربيع العربي" لن يغيب عن المهرجان الذي يعود بودّ وبالقليل من
الخجل. لن تكون هناك حصة مخصصة له، لكن يوم الأحد المقبل، وقبل الختام،
سيكون للجمهور موعد مع فيلم تابع لشبكة نشطاء ضد الحروب والنزاعات يطلقون
على انفسهم "ثقافات المقاومة" وشعارهم "أنجزوا الافلام لا الحروب". الفيلم
عنوانه
The suffering grasses ليارا لي، وهي مخرجة برازيلية كورية ملتزمة خط الأعمال النضالية،
انطلاقاً من المواضيع السائدة في الشرق الاوسط وافريقيا. فيلم يارا لي عن
الأزمة السورية التي تغرق يوماً بعد يوم في مستنقعات الطائفية والاقتتال
الغرائزي الوحشي. لكن يبدو ان المخرجة تدرك صعوبة الامر اذ تقول في مطلع
التريلر الخاص بالفيلم: ما بدأ صرخة للحرية، صار صرخة استنجاد. استكمالاً
للحديث عن سوريا، يُعرض بعد هذا الفيلم مباشرة "دمشق في خطورة الذكرى"
لماري سورا، زوجة الصحافي الفرنسي ميشال سورا الذي تم خطفه في بيروت عام
1985، ولم يجرِ العثور على رفاته الا بعد عشرين عاماً (خصه الراحل عمر
أميرالاي بفيلم وثائقي مع محمد ملص). تصور ماري سورا رحلتها الى العاصمة
السورية، لتتحول حجة شراء بيت في مكان غادرته منذ زمن بعيد، مناسبة
لاستعادة الذكريات الأليمة. كيف ينعكس ما يجري في المنطقة، من ثورات وثورات
مضادة، اولاً في ضمائر السينمائيين وثانياً في أفلامهم؟ ما هي آثاره
الايجابية، وهل تلك الاثار تمكن السينمائيين من تفكيك السينما وتحريرها من
معوقاتها التاريخية؟ وأخيراً: هل تتعامل المواهب الفتية مع كل ما يدور من
حولها باعتباره حقلاً معرفياً شديد الأهمية، أم انها تطبّق سياسة النأي
بالنفس أو الانعزالية؟ هذا ما نحن في صدد اكتشافه في الأيام القليلة
المقبلة، مع معرفتنا المسبقة، بأن بعض الأفلام، أو ربما كثراً منها، ليست
حديثة كفاية كي تنخرط في مثل هذه المستجدات السياسية والامنية والاجتماعية.
كريستوف كاراباش، "الخروف الأسود" للدورة العاشرة
هـ. ح.
المقال الذي نُشر في "النهار" (بتاريخ 2 آب 2012)، في قضية ابعاد
فيلمين لكريستوف كاراباش عن قائمة الأعمال المعروضة في الدورة التي تبدأ
هذا المساء، أزعج الجهة المنظمة لهذا الحدث. يقول المخرج ان اسباب عدم
اختيار الفيلمين رقابية وليست فنية. تدّعي ادارة المهرجان، عكس ذلك. لحسم
المسألة، تم التوافق على خطوة تعتبر سباقة، وهي خطوة جريئة، لو لم يرافقها
منطق التحدي من جانب المهرجان: تنظيم عرض للفيلم، قبل نحو اسبوع من بدء
المهرجان، لإتاحة الفرصة للجمهور كي يكوّن رأياً مستقلاً عن الفيلم، بعيداً
من وصاية اصحاب القرار.
اذاً، اعلن المهرجان رغبته في الردّ على المقال المنشور في هذه
الصفحة، عبر عرض الفيلمين، واحداً تلو الأخر، في الـ"آرت لاونج"، كورنيش
النهر. حضر عدد من المهتمين، جرى استقطاب بعضهم عبر "فايسبوك". بحسب
احصاءات المخرج، 26 شخصاً حضر "الكثير من الحبّ سيقتلك" (روائي طويل)، في
حين لم يتجاوز الستة عدد الذين بقوا لمتابعة "بيروت كاميكاز" (وثائقي
طويل). كانت الردود متفاوتة ومتشعبة، لكن الفيلم صدم عدداً كبيراً من الناس
بسبب لغته البصرية الحادة ومشاهده النيئة. يتكلم كاراباش عن "صدمة
ايجابية". أحدهم قال له: "عليّ تعاطي المخدرات لأستحمل فيلمك". آخرون لم
يستطيعوا تحمل ثلاثة مشاهد تحديداً: واحد نرى فيه حرق دولاب على الثلج وعلى
مقربة منه رجل تستسلم روحه، ويصدر اصواتاً كبقرة تتعرض للسلخ. في الثاني،
ترضع الشخصية التي يلعبها كاراباش من ثدي الفتاة الروسية التي يرعى شؤونها،
وفجأة نراه يبصق ما يتبين انه حليب. في الثالث، تستمني فيه الفتاة نفسها
مستخدمة رأس نيفا. هذا المخرج الثلاثيني الشاب، الذي يحب مراقبة المشاهدين
وهم يتفرجون على الفيلم، يروي انه رأى على وجوه البعض علامات الغضب
والاضطراب. ولكن، هذا كله، يفرح كاراباش، الميال الى الاستفزاز والعدائية،
وهو فرح ايضاً لأن الفيلم مُنع رسمياً في لبنان، اذ تلقى القرار من جهاز
الرقابة في الأمن العام.
في هذا السياق، يقول المخرج والكاتب جوني كارليتش، الذي قدم الفيلم
للجمهور: "إحدى مزايا كاراباش ان 30 الى 50 في المئة من الجمهور يترك
الصالة في وسط العرض، وهم في حالة غضب وقرف. كاراباش هو، يشعر بالفرح جراء
ذلك. يفرك يديه!".
ينبغي الحفر في ذاكرة كاراباش الشخصية للعثور على المكان الذي تتدفق
منه كل هذه الافكار المناهضة للسائد في مجتمع لبناني لا يزال محافظاً برغم
كل مظاهر الانفتاح. كاراباش لم يعرف والديه، كونهما قُتلا خلال الحرب في
حادث مفجع. كان برفقتهما عندما انفجرت سيارة مفخخة رمته في الجوّ ولم يكن
يبلغ الا سنة واحدة من العمر. مذذاك، يحمل على جسده الجروج جراء اصابته
بالشظايا. لم ينجُ والداه من الحادثة. أما هو فبقي على قيد الحياة. هذه
الحرب أثّرت فيه جسدياً وفكرياً. لهذه المأساة علاقة ما بتمرده. المخرج
الشاب جاء من بيئة لا تخلو من المعاناة، ولاسيما انه ابصر النور وتربّى في
سنوات الحرب الأهلية. ولكن ماذا في "الكثير من الحب سيقتلك"، الذي باتت
سمعته تسبقه؟ انه ببساطة امتداد لأفلام كاراباش السابقة، لكنه جاء أكثر
نضجاً وعنفاً وخبثاً وراديكالية. فتاة روسية (مارينا كيتاييفا) تترك باريس
متوجهة الى بيروت، وطموحها التحول راقصة كاباريه. بيد ان حلمها هذا في
الزمن اللبناني الباهت، يتكسر عند لقائها قوّاداً يلعب دوره كاراباش،
مضفياً عليه تصرفات الأزعر اللبناني الذي دخل الموسوعة من بابها العريض. لا
يضع كاراباش عائقاً بينه وبين مخيلته الخصبة، بل على العكس، يرمي كل
الحواجز جانباً. اسلوبه الذي يحثه على الانتقام من الواقع اللبناني يجعله
يبرع أحياناً كثيرة في رصد خصوصيات معينة واستخدام لعبة المرايا الفضاحة،
في حين يخضع لحالات سينمائية نابعة فقط من ينبوع الاستفزاز في أماكن أخرى.
سينما تذهب الى الهدف، من دون أن تتنازل عن حقها في تعطيل قدسية الاعراف
والقفز فوق الموروث الاجتماعي. في نظرة المخرج الكثير من الألم والحيرة
المربكة، نلمس ذلك لحظة بعد لحظة، إذ يورطنا فيه تدريجاً. ما يصوّره هو هذا
القاع اللبناني الذي لا يُحتمل. انه بلد الانهيارات المستمرة والمتواصلة.
يعرف كاراباش كيف يؤطره، وضمن اي حقيقة ذاتية، وكيف يجعلنا نحقد عليه. لغته
في كسر اللحظات والقفز اللامنطقي من مكان الى آخر والقطع الحاد يداعب مدارس
توليفية عدة (المونتاج من مسافة) أهمها نمط المخرج ارتافازد بيليشيان،
ولكنه يطالب ايضاً بصلة قرابة مع سينما بازوليني وفاسبيندر وتاركوفسكي.
طبعاً، لا قدرة مطلقة عندنا كي نصادق على مثل هذه الورقة. عالم كاراباش هو
عالم الهامش والرذالة والانحطاط، حيث العبث يخاطب السخرية، قبل ان يتحول
مجمل العمل "مانيفستو" في خدمة الفردية وضدّ كل اشكال العقل النفعي.
ينتعش الفيلم من الفراغات في الحبكة القصصية، ومن واقع تحوله التدريجي
كابوساً لا فكاك منه، الا بإبرام عقد خفي مع الشيطان. الحوارات خفيفة
ووظيفية، لكن عندما يأتي التعليق الصوتي، فهو لضرب كل شيء واحراق ما بقي من
صورة متحضرة للمجتمع اللبناني في الذاكرة الجمعية. على سبيل المثال: في
احدى اللقطات، يقبّل كاراباش الفتاة الهاربة الى الفردوس اللبناني، قبل ان
يبعد فمه عن فمها بعنف شديد ليبصق تلك القبلة ويقول: "رائحتكِ مثل رائحة
لبنان". كلمات قد يكون من الصعب على المشاهد التقليدي تقبلها، لكنها تعبّر
عن دواخل فنان لا يعرف المزاح. "الكثير من الحب سيقتلك" ليس بمزاح، انه
صفعة لن تنجو منها خدودكم.
طوني سكوت وغضب المدوّنين
هـ. ح.
طوني سكوت، مخرج الأفلام التجارية المشغولة بإيقاع جهنمي، مات
منتحراً، بعدما ألقى بنفسه من أحد اشهر الجسور في لوس انجليس. كان في
الثامنة والستين، وقيل بعد ساعات قليلة من وفاته إنه يعاني ورماً سرطانياً
في الدماغ غير قابل للشفاء. في فرنسا، حيث احتقار تاريخي لدى النقاد لأفلام
هذا المخرج، لم يعد خبر وفاة سكوت هو الخبر، منذ صباح الاثنين. الخبر الأهم
الذي صار على كل لسان ما كتبه عنه جيريمي كوستون في اسبوعية "تيليراما".
بكلمات قليلة، شنّ هذا الناقد هجوماً عنيفاً على افلامه، واصفاً اياها
بأنها شنيعة ومضرة للنظر. وذهب الجنون بهذا الصحافي حدّ انه حمّل نجاح
ريدلي سكوت، شقيق طوني مسؤولية انتحاره (!).
طبعاً، هناك أسباب تدعو الى رفض هذا الاستعجال في قول ما يتحمل تأجيله
الى حين تبرد جثة المرحوم. هناك مسوغات أخلاقية ومهنية "تمنع" من أن أكتب
رأيي الصريح بأفلام مصطفى العقاد، بعد ساعات من رحيله بتفجير ارهابي.
وخصوصاً ان الكاتب (كوستون) استند في روايته الى نظريات كشفت محدوديتها في
الساعات التي تلت رحيل سكوت. لكن الشعبوية المتحكمة بمواقع التواصل
الاجتماعي، وفي مقدمها "تويتر"، وسهولة النشر وابداء الرأي أحياناً بسوقية
لافتة، جعلت متصفحي الانترنت يتناقلون المقال ويراشقون صاحبه بالشتائم.
وقعت البقرة فكثر السلاخون. يُفهم أن تكون الكتابة عن الموت محرمة حتى في
الغرب العلماني الى حدّ كبير، لكن الهجوم على الكاتب كان من مبدأ سؤال أبله
وجِّه اليه غيابياً: من أنت؟ ما مدى فهمك بالسينما؟ كيف يحق لك القول عن
افلام مثل "توب غان" بأنها خرائية؟ هل انت صانع افلام؟ علماً ان اوسكار
وايلد كان وجد جواباً نهائياً عن السؤال الأخير، حين قال: لا داعي أن تكون
دجاجة لتشمّ رائحة البيض العفن.
الأسوأ من هذا كله: استُخدمت عبارة ديتوش الشهيرة للأسف: الفنّ صعب
والنقد سهل. ديتوش، هو الآخر، كان فاته ان النقد يمكن ان يكون فناً ايضاً.
سيل من السباب انهال من كل حدب وصوب، وكذلك حزم في المخاطبة، يعتقد المرء
معه أنه أمام محكمة عسكرية بقيادة أوغوستو بينوشيه، وان التعرض لأفلام سكوت
مثل التعرض لـ"الكتاب الأخضر" في عهد القذافي. حتى المهنيون لم يضبّوا
ألسنتهم: "سأبصق على وجهه [يتكلم عن زميل له] عندما اراه المرة المقبلة".
في مقابلة سابقة لـ"النهار" مع بيلا تار، قال ان رقابة الجمهور أكثر بشاعة
من رقابة السلطة. أما فرنسوا تروفو، فكم يبدو اليوم رؤيوياً، اذ كان يقول:
للكل مهنتان: مهنته والنقد السينمائي. في زمن يمكن طالب العلم والمعرفة أن
يقرأ ويشاهد ويكتشف ما هبّ ودبّ من بيانات على شاشة صغيرة يمسكها بيده، ثمة
هايد بارك، ثمة ديموقراطية جماهيرية قائمة على اضافة تعليق أو النقر على زر
"لايك"، كما ان القرار له في إلغائك أو ضمك الى عالمه. السلطة للقارئ اليوم
وسط هذه الفوضى المخيفة التي تتخبط فيها الصحافة، غير القادرة على مواكبة
السرعة التي تتطور بها وسائل المخاطبة، والباحثة دائماً عن سبل للوصول.
سابقاً، كان رقيب واحد يجلس خلف مكتب مهترئ في احد البلدان ذات الحكم
الشمولي. الآن هناك ملايين من الرقباء، مستعدون لأن يلعنوا البطن الذي خرجت
منه. أما المحاججة، ففي طريقها الى الزوال، ليأتي محلها الرأي الاستهلاكي
السريع. فعلى الانسان العصري الذي يحمل "اي فون" ويضع نظارات "راي بان" أن
يكون له رأيٌ في كل شيء: من حسنات القهوة الديكافييني الى الطريقة التي يجب
على البشير ان يحكم فيها السودان!
النهار اللبنانية في
23/08/2012
نسخة جديدة من «مهرجان الفيلم
اللبناني»
نديم جرجورة
بعد غياب عام واحد،
يعود «مهرجان الفيلم اللبناني» إلى واجهة المشهد المحليّ. المهرجان الذي
تأسّس في
العام 2001، حافظ على وتيرة أساسية في إحياء دوراته السابقة: الاهتمام
بالأفلام
اللبنانية، بتنويعاتها وأشكالها المختلفة. عُرف المهرجان،
سابقاً، باسم «نما.. في
بيروت». تحوّل الاسم إلى شركة إنتاج. تعاون بيار صرّاف ونديم تابت ووديع
صفي الدين
ودانيال عربيد، منذ البداية، على تنظيم دوراته السنوية. انسحب هؤلاء من
إدارة
المهرجان. هناك إدارة جديدة بقيادة سابيل غصوب. تسلّمت الزميلة
فاليري نعمة مسؤولية
الاختيار. هذا يعني أن المهرجان بدأ مرحلة جديدة من عمره. بدأ اختباراً
آخر، يُفترض
به أن يضعه في مواجهة تحدّيات الواقع السينمائي اللبناني.
التغيير مفيد
أحياناً. هذا ما حصل في إدارة «أيام بيروت السينمائية». المهرجان المختصّ
بالسينما
العربية شهد تغييرات داخلية. لم تعد هانيا مروّة وإليان الراهب في الواجهة.
تسلّمت
زينة صفير وسينتيا شقير دفّة المهرجان الذي يُقام مرّة واحدة كل عامين.
تغيّر موعده
أيضاً. بعد أن أُقيمت دوراته السابقة في تشرين الأول، بات
يُقام في آذار. دورته
السابعة تُقام بين 15 و22 آذار 2013. أما «مهرجان الفيلم اللبناني» فحافظ
على موعده
السنوي: الثلث الأخير من شهر آب. الدورة العاشرة تُقام بين 23 و26 آب 2012
(صالتا
سينما «متروبوليس» في «أمبير صوفيل» في الأشرفية). يُقام
الافتتاح 7,30 مساء اليوم.
8
مساء، تبدأ حفلة موسيقية سينمائية يُحييها عضو لجنة التحكيم العازف
الموسيقيّ
اللبناني إبراهيم معلوف، يليها عرض 3 أفلام: «خلفي شجر الزيتون» لباسكال
أبو جمرا،
وWe
Might As Well
لوفاء سيلين حلاوي، و«أرض لرجل» لفيلب عرقتنجي.
إلى جانب
إبراهيم معلوف في لجنة التحكيم، هناك الناقد السينمائي الفرنسي كريستوف
دونّير،
والصحافية والمخرجة الأرمنية سوزان خرداليان، والفنان اللبناني (فيديو
وتصوير
فوتوغرافي) زياد عنتر. لجنة التحكيم مُكلّفة باختيار 3 أفلام
لمنحها 3 جوائز: أفضل
فيلم روائي، وأفضل فيلم وثائقي، وأفضل أول فيلم. اللجنة نفسها ستُشاهد، إلى
جانب
المهتمّين بالأفلام اللبنانية، 16 فيلماً، علماً أن هناك 11 فيلماً إضافياً
تُعرض
كلّها خارج المسابقة الرسمية. لا تكتفي الدورة العاشرة بهذا
فقط. هناك لقاء مع
نادين لبكي الساعة 8 مساء السبت 25 آب. هناك «كارت بلانش» للسينمائي
اللبناني غسّان
سلهب الساعة 10 ليل غد الجمعة، اختار فيها فيلمين اثنين:
Black Panthers (1968)
للفرنسية آنياس فاردا، وThe
Black Power Mixtapes 1967 1975 (2011)
للسويدي غوران
هيوغو أولسّون. هناك «تحية لمجيد قصير» بإشراف السينمائية
اللبنانية جوسلين صعب،
التي رغبت في تكريم مدير التصوير اللبناني المتوفّى حديثاً (عرض مقتطفات من
أعماله
لمدّة تتراوح بين دقيقة واحدة ودقيقتين قبل كل حفلة عروض). بالإضافة إلى
هذا، هناك
ندوتان اثنتان: الأولى بعنوان «صُوَر ومتخيّل، أي مكان لهما في
السينما؟»، بمشاركة
الروائي والناقد الأدبي والسينمائي جيرار بجّاني، والزميل بيار أبي صعب،
والسينمائي
سيمون الهبر (9 مساء غد الجمعة). الثانية بعنوان «في ظلّ الجسد، الحركة في
السينما»، بمشاركة وليد عوني وألكسندر بوليكيفيتش (مُصمّما رقص
وراقصان) والممثلة
والراقصة أيضاً كارولين حاتم (يُعلن عنها لاحقاً).
إلى ذلك، اختارت إدارة
المهرجان فيلماً إيرانياً لعرضه في الختام (8 مساء الأحد) بعنوان «أطفال
المدينة
الجميلة» (2004) لأصغر فرهادي: في ليلة عيد ميلاده الـ18، مطلع الألفية
الثالثة،
يواجه أكبر (حسين فرزاده) حكماً بالإعدام. لكن صديقه علاء
(باباك أنصاري) وشقيقته
فيروزا (تاراني علّيدوستي) يسعيان جاهِدَين لإلغاء العقوبة.
أفضل عشرة أفلام جديدة أُنجزت في
العالم
نديم جرجورة
نشرت المجلة الفرنسية
السينمائية «استديو/ سيني لايف»، في عددها الصيفيّ (آب ـ أيلول 2012)،
لائحة بعشرة
أفلام سينمائية جديدة، اعتبرتها الصحافية الفرنسية إيريس مازّاكوراتي
«الأفضل
والأهم» بين أفلام عدة أُنجزت مؤخّراً، وستبدأ عروضها التجارية
الفرنسية مع نهاية
عطلة الصيف الجاري. في تقديم اللائحة، كتبت مازّاكوراتي أنه لمرّة أخرى،
«احتفظ
مطلع الموسم السينمائي الجديد بأعمال مختلفة ومتناقضة الأهمية والأساليب».
أضافت أن
«هناك
مفاجآت و«صفعات» سينمائية». اختارت عشرة أفلام من بين «أكثر الأفلام
انتظاراً». راعت في اختيارها أنماطاً مختلفة لترضي قرّاءها، وقرّاء مجلة
سينمائية
تُعتبر «شعبية»، كـ«استديو/ سيني لايف». بعض هذه الأفلام سيجد طريقه إلى
الصالات
اللبنانية خلال هذا العام.
Skyfall
لسام مانديس: جزء جديد من السلسلة السينمائية
الأشهر، عن جهاز الاستخبارات البريطانية
MI6
الذي تعرّض لضربة موجعة، متمثّل
بإطلالة ماضي مديرة الجهاز عليها، والبدء بمطاردتها. لكن
الولاء المتين الذي لا
يَفتُر، الخاص بجيمس بوند إزاءها، سيوضع موضع الامتحان. يُذكر أن دانيال
كريغ (العميل 007) مرتبط بعقد عمل لتنفيذ خمس
حلقات متتالية من السلسلة السينمائية، غير
أن هناك وشوشات تقول إنه يُمكن أن يكون هذا الفيلم «آخر عمل
يُشارك فيه بعض ممثلي
شخصيات بارزة».
The Bourne Legacy
لتوني غيلروي: عميل في «وكالة الاستخبارات
المركزية» يُكافح من أجل إنقاذ حياته. يجد نفسه متورّطاً في أحداث جرت
فصولها في
الأجزاء الثلاثة السابقة. في هذا الجزء الجديد، الذي غادره
الممثل مات دايمون (جايزون
بورن)، مثّل الشاب جيريم رينير شخصية آرون كروس.
Twilight Chapter 5: Revelation 2
لبل كوندون: بعد ولادة ابنتهما رينيمي، بات يُمكن لوالديها إدوارد
وبيلا الاتكّال على عشيرة «كولن» لمساعدتهما على حماية الطفلة
من أعدائهما
الدائمين: عشيرة «فولتوري».
The Gangster Squad
لروبن فلايشر: إنها لوس أنجلوس
في العام 1949، عندما تخلّت الشرطة، بسبب فسادها أو خوفها، عن مهمّتها
الأمنية،
فإذا بمجموعة من الرجال الشرفاء يُشكّلون فرقة رسمية لمواجهة
الإمبراطورية
المافياوية لميكي كوين.
Un Plan Parfait
لباسكال شوماي: كي تتزوّج الرجل الذي
تحبّه، علماً أنها مقتنعة بكونها هدف لعنة تُصيب العلاقات الأولى كلّها في
عائلتها،
قرّرت امرأة أن تغوي رجلاً آخر وتتزوّجه ثم تتخلّى عنه بعد حلول اللعنة،
لتتفرّد
بحبّها الأول.
Amour
لميكائيل هنيكي: الحبّ الذي جمع قلبي جورج وآن وروحيهما
على مدى سنين طويلة، يواجه تحدّياً قاسياً إثر تعرّض آن لإصابة في دماغها
جعلها
مشلولة بشكل كامل.
The Hobbit: An Unexpected Journey
لبيتر جاكسون: «بيبلو
ساكيت»، المُحاط بـ13 قزماً وبالساحر «غاندالف»، يخوض رحلة غير معقولة
ومليئة
بالمغامرات والتحدّيات والتشويق، لإنقاذ مملكة أقزام «إيربور»
من السطوة الطويلة
الأمد للتنين «سموغ» عليها.
Nous York
لجيرالدين نكّاش وإيرفي ميمران: مجموعة
أصدقاء من المدينة الفرنسية «نانتير» تلتحق بصديقين اثنين تغرّبا إلى
نيويورك. لكن
مصير هؤلاء جميعهم يتبدّل، لأن وقائع الحياة اليومية تُقدّم لهم شتّى أنواع
المغامرات والصدف والتفاصيل الهامشية.
Asterix Et Obelix: Au Service De Sa Majeste
للوران تيرار: بعد أن سيطر القيصر على الغالبية الساحقة من جزيرة
«بروتاني»،
لم يجد أبناء المدينة الوحيدة المستمرّة في مقاومته إلاّ الاستعانة
بالخدمات الجليلة لشعب «غولوا» الذي لا يُقهر.
Frankenweenie
لتيم بورتون:
الصبي فيكتور سيُعيد إحياء كلبه «سبارك» بفضل العلم، بعد أن مات فجأة،
مُضيفاً إليه
بعض التبديلات.
السفير اللبنانية في
23/08/2012
وطن الأحلام
بيار أبي صعب
«وطن الأحلام» الذي تبحث عنه جيهان شعيب، يصلح عنواناً للدورة العاشرة
من «مهرجان السينما اللبنانية» عند هذا المنعطف في تاريخها «الطويل»
نسبيّاً. ها هو فريق جديد يتسلّم المشعل من «... نما في بيروت»، مؤكّداً أن
تداول السلطة ممكن في «بلد العسل والبخور». سبيل غصوب وكارول مزهر وريتا
باسيل «شلّة على حدة»
Bande à
part، تنتمي إلى هذا الجيل الشاب «العائد» بعد غربة طويلة طبعت تكوينه
ووعيه ومراجعه، ليعيد امتلاك المكان الأوّل عن طريق العمل الثقافي.
وهذا سبب كافٍ للاحتفاء بالمناسبة التي تنطلق الليلة في «متروبوليس».
على البرنامج أعمال لروي عريضة وغيث الأمين وهادي زكّاك، وفيلم عن المناضل
المصري حمدين صباحي (خالد رمضان)، وعملان للنقاش في دائرة العلاقة الملتبسة
بالاحتلال (آلان صوما وباسكال أبو جمرة). الهويّة اللبنانيّة، هنا، تتسع
للسينما الألمانيّة الصامتة، وتزهو بمكوّنها الأرمني (تمارا ستيبانيان)،
وتصل إلى البرازيل (هرنان بلون)، وتقارع العنصريّة مع غسّان سلهب وأنييس
فاردا، وتلامس «جسد» جمانة حدّاد (أماندا حمصي)، وترقص في بيت بيروتي قديم
(وفا حلاوي)، أو في الذاكرة النهضويّة المصريّة («العائد» وليد عوني)...
وصولاً إلى الذروة مع الإيراني المضيء أصغر فرهادي. ماذا لو اخترنا «متروبوليس»
وطناً بديلاً؟
الأخبار اللبنانية في
23/08/2012
فريق جديد يدير دفة المهرجان
روي ديب
في عيده العاشر، سلّم «مهرجان السينما اللبنانية» القيادة إلى مجموعة
شبابية جديدة. مدير المهرجان الجديد سبيل غصوب (١٩٨٩)، ليس سوى أحد هؤلاء
الذين كان يجلسون في ظلمة الصالة يتابعون الأفلام طوال دورات المهرجان
السابقة. ها هو يصبح اليوم ربان السفينة، آخذاً المهرجان إلى تجربة جديدة.
يؤكد بيار صراف من مؤسسة «نما في بيروت» التي اطلقت المهرجان عام ٢٠٠١
أنّه كان ضرورياً تسليم «مهرجان السينما اللبنانية» إلى مجموعة جديدة
وشابة.
لذلك، ستتوالى كل سنتين أو ثلاث سنوات، مجموعة شبابية لتنظيم
المهرجان. إلى جانب غصوب (مدير المهرجان) هذه السنة، تعمل أيضاً فاليري
نعمة (مديرة البرمجة) وريتا باسيل (منسقة إعلامية). ويبقى بيار صراف، ونديم
تابت، وساندرا أرسلانيان جاهزين لتقديم المساعدة.
يؤكد غصوب الذي هو مخرج فيديو وأفلام قصيرة أنّ رغبته في عدم توقّف
المهرجان دفعته إلى تولّي المهمة. مع فريق العمل، سيدير المهرجان لسنتين
متواليتين على الأقل، لعلّ الخيارات الفنية تصير أوضح في العام المقبل، لكن
هذه السنة، كان الهدف محاولة حصر المهرجان والمحافظة على تنوعه. البرمجة
تقدم ٢٧ فيلماً، منها ١٦ فقط في المسابقة. وبموازاة عروض الأفلام، ستقام
لقاءات ونقاشات مع مخرجين لبنانيين حول أفلامهم والسينما والفنون عامةً.
يوضح غصوب أنّ خيار دعوة المخرجين كان لمحاولة فتح باب الحوار حول نوع
وهوية السينما اللبنانية اليوم. من هنا، جاءت أهمية إجراء لقاء مع نادين
لبكي حول فيلمها «وهلأ لوين» (25/8 ــ س:8:00)، بغض النظر عن قيمته الفنية.
ويعتبر غصوب أنّه على المهرجان أن يؤدي دوراً في خلق جسر بين اللبنانيين
المقيمين في لبنان وخارجه. ويجد أنّه لا يمكن الحكم بالتغرب على أي مخرج
لبناني لمجرد أنّه يقدم أفلاماً بلغة أجنبية، بل «علينا أن نواجه الأسئلة
الملحة التي تحاول تعريف السينما اللبنانية». من هنا أيضاً تأتي أهمية فتح
أقسام البرنامج على أفلام أخرى، مثل فيلم الختام للمخرج الإيراني أصغر
فرهدي (راجع المقال في الصفحة المقابلة). أما من ناحية موقع المهرجان من
المحيط العربي، فقد فضّل غصوب أن يبتعد هذه السنة عن تخصيص قسم لأفلام
«الربيع العربي»، ليس نأياً بالنفس، بل لأنّ «القيمة الفنية لأي فيلم تمثّل
العامل الأوحد لدخوله البرمجة وليس تصنيفه ضمن خانة سياسية ما كما يحصل في
شاهدنا في الكثير من المهرجانات في الفترة الأخيرة».
كارت بلانش | لا للعنصرية
روي ديب
عندما قرّر «مهرجان السينما اللبنانية» منح «كارت بلانش» لغسان سلهب،
كان السياق يدور في فلك «الربيع العربي»، لكنّ السينمائي اللبناني لم يرد
الحديث عن «ربيع تحوّل صيفاً فخريفاً، فشتاءً»، وخصوصاً أنّنا ما زلنا
نعيشه. موقف لطالما اعتمده سلهب منذ أن وجد أنّ صورة الواقع بعد حرب تموز
٢٠٠٦ أكبر من أن تتسع في أي صورة، فامتنع عن التصوير. اليوم، يرى صاحب
«أطلال» أنه إذا كان لا بد من التكلم عن الثورات، فإنه تجب محاولة فتح نقاش
موازٍ للواقع الحالي. هكذا، اختار موضوعاً لبرمجته حركة «الفهود السود»
لأنّهم مثلما جمعهم جان جينيه بالفدائيين الفلسطينيين، فإنّ «حركتهم ليست
بعيدةً عنّا».
في ١٩٨٦، شدت حركة «الفهود السود» مخرجة الموجة الجديدة أنييس فاردا.
غادرت السينمائية الفرنسية باريس ولم تشهد انتفاضة مايو ٦٨، بل فضّلت أن
تكون في قلب الحدث مع الثائرين ضد العنصرية، وفي لحظة مفصلية من تاريخ
الرجل الأسود الأميركي. في أوكلاند في كاليفورنيا، عاشت مع «الفهود السود».
استعارت كاميرا ١٦ ملم، وقصدت التظاهرات وقابلت قياديي الحركة، فأنجزت
شريطها الوثائقي «الفهود السود» (٢٨ د ـ 1968) الذي اختاره سلهب ضمن
برمجته. بعد أكثر من ٤٠ عاماً، وجد غوران هوغو أولسون أفلام ١٦ملم في أرشيف
التلفزيون السويدي تتناول «الفهود السود». بعكس فاردا، لم يعايش المخرج
السويدي تلك الحركة، لكنّ الأفلام المكدسة التي صوّرها مراسلو التلفزيون
أثارت اهتمامه. وفي ٢٠١١، أنتج وثائقي «قوّة السود» (ساعة و ٣٠ د) الذي
استند إلى مواد الأرشيف تلك، ليكون الفيلم الثاني في برمجة سلهب.
«سينمائياً قد لا يكونان من أفضل الأفلام التي تناولت الثورات، لكن
سياقهما هو الأهم» يقول سلهب. الزمن الفاصل بين الفيلمين، وموقع المخرج من
الحدث، أو المصيبة والصورة التي يجري إنتاجها وتوقيتها، كلّها أسئلة شغلت
سلهب، الذي يتشاركها غداً مع الجمهور.
«كارت بلانش» غسان سلهب: 10:00 مساء غد ــ يفتتح الحدث بعرض فيلم خاص
بـ «حركة مناهضة العنصرية في لبنان»
بوسترات شربل سعادة:
مداخلة فنية على جدران بيروت
روي ديب
منذ أسبوعين، بدأت تنتشر في بيروت بوسترات بالأبيض والأسود مع عنوان
«مهرجان السينما اللبنانية ـــــ الدورة العاشرة» وجاءت عبارة عن بورتريهات
لمخرجين لبنانيين: غسان سلهب، جوسلين صعب، هادي زكاك، نادين لبكي، إيلي
خليفة، ميريلا سلامة، شيرين أبو شقرا، رينيه عويط، جيل طرزي. فمن هو أجدر
بتمثيل مهرجان للسينما اللبنانية غير صنّاعها، وخصوصاً أنّنا أمام مخرجين
مستقلين بمعظمهم، وهم أيضاً يشاركون في الدورة العاشرة، أكان عبر عرض
أفلامهم، أو بطاقات برمجة، أو جلسات نقاش وحوار.... هكذا نرى المخرجين في
بورتريه قريب، على خلفية سوداء.
وكان الخيار باستعمال الإضاءة الخاصة بالسينما، وعدم اللجوء إلى تعديل
الصور غرافيكياً، بل استعمال الصورة الأصلية التي التقطتها عدسة المصور
شربل سعادة. يشرح الأخير خياره بأنّه أراد العودة إلى نوعية الصورة الأولى
التي عرفتها السينما بالأبيض والأسود من دون تعديلات. بذلك، لا ينحصر
البورتريه في الملصق بزمن ما، بل يصبح أزلياً. فضّل سعادة الابتعاد عن
تقنيات تجميل الصورة، مختاراً البورتريه الكلاسيكي. بلا شك، استطاع أن
يلتقط لحظة جميلة وعفوية وثاقبة لكلّ مخرج، فنجح في جذب المارة في الشارع.
هكذا، أضحى خيار تسويق المهرجان عبر بورتريهات فوتوغرافية مداخلة فنية
على جدران المدينة تبتعد عن الخيارات السابقة «السياحية/ الترفيهية» التي
جمعت الطربوش (التركي) بالفشار. علماً أن الملصق الخاص بنادين لبكي (تصوير
جو كسرواني) أتى غير متناغم مع باقي البورتريهات من حيث الإضاءة، والخلفية
البيضاء، وحتى الأكسسوار. ويبقى ملصق خُصص للمشاهد أظهر فتاةً تجلس في صالة
رافعةً رأسها إلى شاشة السينما التي تضيء وجهها. خيار مقاربة المشاهد كفرد
لا كجمهور غفير يملأ الصالة ملفت يظهر الأهمية التي يوليها المهرجان
للمشاهد بفرديته. وقد تكون المصادفة وحدها وجّهت تحية إلى بورتريه شيريهان
الذي التقطه المصور فؤاد الخوري في صالة سينما أيضاً، لكنّها مصادفة وتحية
جميلة إلى ممثلة شهدناها أخيراً في ميدان التحرير هاتفةً للحرية!
من البرنامج
TSTL
ــ غيث الأمين:
24/8 < س:8:00
للتجريب حصة كبيرة في المهرجان.
TSTL لغيث الأمين لا يعدو كونه أكثر من هذيان سينمائي من شاب قدم عدداً من
الأفلام الجيدة، كأنّ الأمين أراد في عمله انتقاد فكرة الأفلام التجريبية
برمّته، كأنه يقول «إنّ هذه السخافة ستستمر طويلاً» كما يبيّن عنوان الفيلم
نفسه.
«وطن الاحلام» ــ جيهان شعيب: 24/8 < س:8:00
يلي عرض فيلم غيث الأمين في «الصالة 2» تقديم شريط «وطن الاحلام» (85
د). فيلم جيهان شعيب التي ترعرعت في المكسيك. هنا، تعود مع مجموعة من
المخرجين اللبنانيين المغتربين، تطلق عليهم تسمية «أطفال الحرب»، بحثاً عن
«وطن الاحلام» وإعادة بناء انتمائها وهويتها.
«بعدنا» ـ روي عريضة: 25/8 < س:8:00
في «الصالة 2» يقدم روي عريضة «بعدنا» الذي يتحدث عن توفيق وزينة
اللذين تواعدا على مستقبل قضت عليه طبول الحرب، فاستسلم توفيق للهجرة. ويلي
الشريط جرعة من التجريب مع «قصة الفراشة العذراء» لوليد عوني الذي يستعيد
السينما الصامتة.
«أبو رامي» ــ صباح حيدر : 25/8 < س:8:00
ضمن عرض الساعة الثامنة في «الصالة 2»، يقدّم «أبو رامي» لصباح حيدر
الذي يبحث قصة سائق تاكسي يتزوج على زوجته سراً. هنا، تبدأ المشكلات بعد أن
تشعر الزوجة الأولى بتغيّر في تصرفاته. يلي الشريط عرض «بعدنا» لروي عريضة.
«مسنة» ـ زلفا سورات: 25/8 < س:6:00
في «الصالة 1»، يعرض «مسنة» لزلفا سورات الذي تلج فيه أزمة السنتين في
العلاقة الزوجية، ويبدو أنّها عملت على الناحية النفسية من شخصية الفيلم
الأساسية بما يكفي ليغطي على عيوب الشريط الأخرى، فتضع المشاهد أمام شخصية
مركبة تحاول كسر الرتابة التي تقتل الزواج.
«١٩ شباط» ـ تمارا ستيبانيان: 25/8 < :9:30
تقدّم تمارا ستيبانيان في «الصالة 1» فيلمها «١٩ شباط» الذي يتحدث عن
رجل وامرأة موجودين في القطار نفسه، لكن كل واحد في مقصورة مستقلة، ويكمل
أحدهما الآخر، غير أنّهما لا يلتقيان. فكرة الفيلم وتنفيذه جيدان، غير أنّه
كان بإمكان تمارا حذف الكثير من التفاصيل الزائدة.
الأخبار اللبنانية في
23/08/2012
السينما اللبنانية... رغــم كل شيء
الشباب استوطنوا أرض التناقضات والحنين
فريد قمر
المقاومة، العملاء الهاربون إلى فلسطين المحتلة، الصراع العربي
الإسرائيلي، بيروت التي تضيق بفضاءاتها الثقافية والقصص الفردية... كلّها
قضايا سيعكسها المخرجون الشباب والمكرّسون ابتداءً من الليلة. المهرجان
الذي ضخ دماءً جديدة في عروقه، سيشهد أيضاً عروضاً مثيرة للجدل، أوّلها
«خلفي شجر الزيتون»
ما الذي يملكه سينمائيّو لبنان غير شغفهم، وسط تقلّص المساحات
الثقافية؟ ما الذي يملكونه غير تمسّكهم بالأمل مع انقراض الوعي الجماعي
واتساع رقعة اليأس الوطني؟ ربما يملكون فقط تلك المتنفسات الفكرية ومنها
«مهرجان السينما اللبنانية» الذي ينطلق الليلة في «متروبوليس أمبير صوفيل»
بعدما نفض إدارته (راجع المقال أدناه). في الدورة العاشرة، تزدحم الأفلام
بتوقيع أسماء أسهمت في صناعة الفن السابع اللبناني كغسان سلهب، وفيليب
عرقتنجي والشاب هادي زكاك، وصولاً الى أفلام الهواة. ولأنّ المهرجان يشكّل
أرضيةً خصبة للتجديد، فما الضير ببعض الجنون والأفلام التجريبية؟
الافتتاح الليلة سيكون مع عرض «أرواح ما قبل الإفطار» (1928) للألماني
هانس ريختر (س:8:00) يرافقه بالموسيقى عازف الترومبيت المعروف ابراهيم
معلوف. هذا الأخير سيكون أيضاً عضو لجنة تحكيم المهرجان التي تضم الصحافي
كريستوف دونر، والمخرجة والصحافية سوزان خرداليان، والمصور والفنان زياد
عنتر. بعدها، يعرض أحد أكثر الأفلام إثارة للجدل: إنّه «خلفي شجر الزيتون»
لللبنانية باسكال أبو جمرة. يطرح الشريط قضية العملاء الهاربين الى إسرائيل
وخصوصاً عائلاتهم. الفيلم المثير للجدل، يطرح مأساة وطنية وإنسانية
واجتماعية، لكن من دون أن يغوص في أبعادها وخلفياتها. وختام الليلة الأولى
تحية الى الراحل غسان تويني في «أرض لإنسان» لفيليب عرقتنجي. اليوم الثاني
لن يقل تنوعاً، مع أفلام سيعلق بعضها في الذاكرة. تُفتتح «الصالة 1» بـ«رسائل
من غريب» (6:00) لكريستوف قطريب الذي يروي انقطاع التواصل بين الشعوب، قبل
أن يعرض الوثائقي السياسي «أخبرت للرئيس مبارك» (ضمن المسابقة) لخالد
رمضان. لا يعدو العمل أكثر من كونه فيلم هواة، لكن أهميته تكمن في تتبع
حمدين صباحي، تلك الشخصية التي تحظى باحترام المصريين. بعدها، يعرض «نقطة
تفتيش» لروبن عمار الذي يغوص في يوميات طفل غزاوي ومعاناته عند نقاط
التفتيش الإسرائيلية. ومن الأفلام التي ستثير جدلاً في اليوم الثاني «الخط
الأزرق» لآلان صوما (7:30 ـ ضمن المسابقة)، أحد أهم الأعمال من الناحية
الفنية. يقتفي الفيلم راعياً طفلاً اجتازت بقرته الخط الأزرق في جنوب لبنان
في تموز 2006 وكادت تثير حرباً لولا «شهامة» عسكري من اليونيفيل وآخر
إسرائيلي عرّضا حياتهما للخطر لإنقاذ الولد والبقرة! اللافت هنا هو سعي
المخرج إلى بث السم في الدسم، فيُُظهر الجنود الإسرائيليّين محبين للسلام
وما «عدوانيتهم» إلا بسبب خوف «مبرّر» من «أشرار» المقاومة اللبنانية.
كأنّنا بالشريط يمرّر خطاباً بأنّ المقاومة تقف في موقع المعتدي على حمائم
السلام في الجيش الإسرائيلي! أما في «الصالة 2» يوم الجمعة، فتعرض نغم عبود
فيلمها الروائي «خلف النافذة»(6:00 ــ ضمن المسابقة) الذي يحكي قصة طفل
فقير يعشق معلمة موسيقى تكبره بسنوات. ومن الأفلام القيّمة التي تعرض في
الصالة ذاتها وثائقي «بيروت بوينس ايريس بيروت» لهرنان بلون الذي يحكي قصة
سيدة أرجنتينية تبحث عن جذورها اللبنانية، فتقودها رسائل جدها الأول الى
قرية كفركلا الجنوبية التي شاءت الأقدار أن تكون في قلب الصراع العربي
الإسرائيلي.
اليوم الثالث من المهرجان يشهد تجارب جديرة بالمتابعة. تفتتح الصالة
رقم واحد فيلم أنطوان ناصيف الوثائقي: «مسرح بيروت» (حصة الساعة6:00) الذي
يوثّق لإقفال المسرح العريق. تبرز أهمية العمل في بحثه عن أسباب تآكل
المساحات الثقافية في لبنان. بيروت حاضرة أيضاً في «الصالة ٢» حيث يقدّم
هادي زكاك «تاكسي بيروت» (6:00) الذي ينتمي الى سلسلة تاكسي المدينة، حيث
يحاول رسم شخصية المدينة من خلال سائقي التاكسي، وهو مشروع نفذه في بعض
الدول العربية، قبل أن يطلق رائعته «مارسيدس».
أما الأحد، فتمنح لجنة التحكيم جائزة أفضل روائي، وأفضل وثائقي،
وجائزة العمل الأول، قبل أن تعرض أفلام ضيفة على المهرجان، وهي «أبناء
المدينة الجميلة» لأصغر فرهادي (8:00)، و«الأعشاب المعذبة» للارا لي (5:00
ـ صالة 2) و«دمشق في خطر الذكريات» (8:00 ـ صالة 2) لماري سورا.
«مهرجان السينما اللبنانية»: من 23 حتى 26 آب (أغسطس) ــ «متروبوليس
أمبير صوفيل» (الأشرفية ــ بيروت) ــ للاستعلام: 01/204080
الأخبار اللبنانية في
23/08/2012
أصغر فرهادي نزيل «المدينة الجميلة»
عثمان تزغارت / باريس
تزامناً مع عرضه في ختام «مهرجان السينما اللبنانية»، اكتشف الجمهور
الفرنسي شريط المخرج الإيراني مؤخراً. «أبناء المدينة الجميلة» وصف كبروفة
لرائعته «انفصال» التي حازت 70 جائزة، من بينها أوسكار أفضل فيلم
عندما أنجز أصغر فرهادي فيلمه «أبناء المدينة الجميلة» عام 2004، لم
يكن أحد في الغرب قد سمع بهذا السينمائي الإيراني الذي بدأ آنذاك يشقّ
طريقه بتميز على الساحة السينمائية لبلاده. لفت الأنظار بسماته الأسلوبية
المغايرة لما هو رائج في السينما الإيرانية. بخلاف معظم أقرانه من جعفر
بناهي إلى بهمان غوبادي، مروراً بآل مخملباف، لم يختر فرهادي المرافعة
السياسية المباشرة ضد نظام الملالي، بل اتخذت أعماله منحى سوسيولوجياً في
تفكيك البنى التقليدية التي تحكم قبضتها على المجتمع الإيراني، دينية كانت
أو أخلاقية أو اجتماعية.
باكورته «الرقص في الغبار» (2003) كان لها وقع القنبلة في الأوساط
الثقافية في بلاده، وكانت إيذاناً بميلاد معلم إيراني جديد يسير على خطى
عباس كياروستامي وأبو الفضل جليلي. كان واضحاً أنّ سينما فرهادي أقرب إلى
صاحبي «وسط أشجار الزيتون» و«دت يعني فتاة» منها إلى سينما الجيل الجديد في
إيران. هو استعار من كياروستامي أسلوب التورية في استلهام التراث الفارسي
القديم لمساءلة الراهن، ومن جليلي المنحى التشكيلي في رسم ملامح شخوصه ونحت
عوالم أفلامه بدقة متناهية، وتجميعها كقطع الـ
Puzzle
لتتداخل ضمن لعبة مرايا محكومة بثنائيات التكامل والتضاد/ التجاذب والنفور،
مشكّلة عناصر بورتريه جماعي يضيء على هموم الواقع الإيراني ومشاغله...
مع صدور عمله الثاني «شهري زيبا» (أبناء المدينة الجميلة)، سنة 2004،
اتضح للنقاد أن فرهادي لم يكتف بالسير على خطى معلّميه كياروستامي وجليلي،
بل طعّم أعماله بسمات أسلوبية خاصة. ولعل أبرزها تأثيرات تجربته السابقة في
التأليف المسرحي (قدّم أطروحة في الفنون الدرامية في جامعة طهران وبدأ
مشواره مؤلفاً مسرحياً). وقد انعكس ذلك في أفلامه من خلال أسلوبه المحكم في
إدارة شخوصه التي تتفاعل دوماً في فضاءات مغلقة، ما جعل عوالمه السينمائية
تتسم بإيقاع شديد البطء يفسح المجال لحوارات طويلة تدور في مشاهد ثابتة
تذكّر ببدايات الموجة الجديدة الفرنسية.
حظي «أبناء المدينة الجميلة» برواج شعبي كبير في إيران، ونال جوائز
عدة. لكن «المركز» الغربي لم يكتشف سينما أصغر فرهادي إلا مع فيلمه الثالث
«عيد النار» ثم تكرّس اسمه في مصاف كبار صناع الفن السابع، مع حصول عمله
الرابع «بخصوص إيلّي» على «الدب الفضي» في «مهرجان برلين» (2009)، وانتهاء
بالنجاح العالمي لرائعته «انفصال» التي حصدت ما يضاهي 70 جائزة دولية، من
بينها «الدب الذهبي» في «برلين» (2011) وأوسكار أفضل فيلم أجنبي (2012).
وإذا بالأوساط السينمائية الأوروبية تعيد هذا الصيف، اكتشاف «أبناء
المدينة الجميلة» الذي اعتبره النقاد نوعاً من «البروفة» الذي مهّد
لـ«انفصال». هو يتناول الإشكالات ذاتها التي أُثيرت في «انفصال» (ثقل البنى
الاجتماعية التقليدية، عقدة الذنب، تداخل قيم ومفاهيم الخير والشر...) من
خلال قصة علاء الذي يسعى إلى الشفاعة لصديقه المحكوم بالإعدام «أكبر» عبر
إقناع والد خطيبته التي قتلها بالصفح عنه. وترافقه فيروزة، شقيقة «أكبر» في
محاولاته المتكررة لإقناع الأب المفجوع بابنته، إلى أن يرضى الأخير بالعفو
عن أكبر، لكن بشرط غريب: أن يقبل علاء الزواج بابنته الصغرى المعوّقة، ما
يضع الأخير أمام معضلة شائكة لأنّ علاقة حب صامتة نشأت تدريجاً بينه وبين
فيروزة...
حقّق الفيلم مفاجأة هذا الصيف، حاصداً أكثر من مليون مشاهد في فرنسا،
ما جعل أكثر من موزع يتطلع إلى طرحه في عواصم أوروبية أخرى في الخريف
المقبل. تجدر الإشارة إلى أنّ الموزع «ميمنتو فيلم» تعمّد ترجمة عنوان
الفيلم بالفرنسية
Les enfants de Belle Ville، لإعطاء الانطباع بأنه يدور في «بيل فيل» في
الدائرة الباريسية العشرين، ما جعل كثيرين يعتقدون أنه الفيلم الذي أُعلن
خلال مهرجان «كان» الأخير أن فرهادي شرع في تصويره في العاصمة الفرنسية مع
النجمة ماريون كوتيار! لكن هذه الحيلة التسويقية لا تكفي وحدها لتفسير
إقبال أكثر من مليون فرنسي على العمل...
«أبناء المدينة الجميلة»: 8:00 مساء الأحد 26 آب ــ «الصالة 1» ــ «متروبوليس
أمبير صوفيل»
الأخبار اللبنانية في
23/08/2012 |