للأرقام سحر ودلالات.. فمثلما الرقم «٧» يبشر بالخير، بينما الرقم
«١٣» ينذر بالخطر، أما الرقم «٧٠» فهو يؤكد وجودى فى هذا المكان وعلى هذه
الصفحة أسبوعا بعد الآخر، فهذا المقال رقم «٧٠»، وبالصدفة يتبع عيد ميلادى
الـ٧٠ منذ أيام قليلة. لهذا العمود تاريخ طويل على الرغم من أنه ينشر أفقيا
على هذه الصفحات، فقد بدأ مشواره تحت نفس العنوان «مخرج على الطريق» نسبة
إلى فيلمى «طائر على الطريق» منذ أكثر من ١٥ عامًا وفوق الـ٢٠٠ مقال بداية
بجريدة «الحياة» اللندنية إلى «القبس» الكويتية وفترة تطوعية على صفحات
«القاهرة» الأسبوعية، ثم توقف تام إلى أن دعيت من قبل «التحرير» لأستمر فى
مسيرتى الذاتية.
كل هذا العدد من المقالات والكم من الكلمات تعكس انطباعات وتسترجع
أحداثا وترصد إحباطات وتخاطب أفكارًا تضعنى دائما أمام المرآة، وتفرض علىّ
مواجهات ومحاسبات مستمرة وأحيانا خليطًا من القلق والتوتر، فهو ليس
بالضرورة خط سير مستقيم فهو قد ينحرف أحيانا ليسلك طرقًا جانبية، ويُشَل
أحيانا أخرى مهددًا بالفناء. مع ذلك فأزعم وأؤكد لنفسى أمام مرآتى أن خط
السير سيجرى مثل تدفق الدماء فى العروق وسينبض بانتظام دقات القلب، ولن
يسمح للزهايمر الخبيث أن يغطى الذاكرة بالضباب أو يمحوها، وأن أتحرر بقدر
المستطاع من حواجز الحرج من الواقع أو ضمير التستر ومراعاة الآخرين. فالأنا
الآخر داخل مرآتى يبتسم لى ابتسامة لا أعرف إن كانت تسخر منى أو تطمئننى،
خصوصا أنا أخوض هذه الأيام عالم فيلمى الجديد «فتاة المصنع» بكثير من الحب
والآمال، أما ردى فهو فى نظراتى لنفسى الآخر أعترف له بأن فيلمى ليس
بالضرورى سيشع بالعبقرية، لكن فى نفس الوقت أتحداه بأنه سيعكس بكل بساطة
رؤيتى الصادقة لحياة شخصياته. فى فيلم «طائر على الطريق» هناك مشهد للشخصية
«فارس» (أحمد زكى) على شاطئ البحر وقت الغروب يراقب صبيا وطائرته الورق
تحلق فى السماء إلى أن يفلت خيطها من يد الصبى، فيطاردها فارس ويكاد يمسك
بالخيط الرفيع إلا أنها تهرب منه وتغيب مع الشمس، مثلما أهاب أن يهرب منى
خيط الذكريات وتجف مقالاتى وتغيب، لكن خيالى يعود إلى هذا الشاطئ الجميل
وهذه المرة مع شروق الشمس أمسك جيدًا بذلك الخيط كى يحملنى وأحلق مع
الطائرة فوق كل أحلامى، أحققها واحدًا تلو الآخر، فيلمًا بعد الآخر وبالمثل
تتنفس مقالاتى بكثير من الولع.
يا للهول…
محمد خان
October 24th, 2012 10:19
am
شهر أكتوبر ٢٠١٢ خاص جدًا جدًا بالنسبة إلىّ، فبجانب أن أمى رحمها
الله أنجبتنى فى هذا الشهر منذ زمن بعيد فمصيريًّا ارتبطتُ به طوال حياتى،
أوقّع حضورى كل سنة فى اليوم المحدد كى أسجل الأعوام سنة بعد الأخرى مثل
عداد النور، علما باحتمال أن تنقطع الكهرباء فجأة دون سابق إنذار. وحسب
المهوسين بعلم الفَلَك فتاريخ ميلادى ينتمى إلى برج العقرب الذى على الرغم
مما يشاع عنه من مخاوف وتحذيرات وجدته عكس كل التوقعات، وتغاضيت عن تخاريف
محللى الأبراج ولصق اتهامات العصبية والديكتاتورية بمواليده، فنعم وصفنى
نجم كبير فى يوم ما بالديكتاتور الناعم، فإن عصبيتى المفترضة دائما لحظية
تذوب فى ثوانٍ. فقد ولدت فى سنة برج الحصان حسب الصين، وهى السنة الذى ظهر
فيها النجم الهوليوودى همفرى بوجارت فى الفيلم الرومانسى وأحد كلاسيكيات
السينما «كازابلانكا» أمام السويدية الجذابة إنجريد برجمان وتظل جملته
الشهيرة للاعب البيانو فى ذكرى حبيبته «أعزفها مرة أخرى يا سام /Play it again Sam»
ترن فى أذنى كلما استمعت إلى تيمة الفيلم الموسيقية. فى نفس السنة التى
وُلدت فيها وتحت ظل برج العقرب ولد بعدى بنحو عشرين يومًا فقط مخرج آخر هو
مارتن سكورسيزى. أما جوائز الأوسكار فى ذلك العام فذهبت إلى الممثل جارى
كوبر عن دوره فى «الملازم يورك» ونالته جوان فوتين عن دورها فى فيلم
هيتشكوك «الشك»، وأحسن فيلم وإخراج حصل عليها جون فورد عن فيلم «الوادى
الأخضر»، ولا يمكن تجاهل ظهور عبقرية أورسون ويلز فى فيلمه الأول «المواطن
كين» الذى نال جائزة أحسن سيناريو. أما الحرب العالمية الثانية التى هيمنت
على الفترة، فعلامات نهايتها بدأت بانتصار الإنجليز على الألمان فى
العلمين، وانتصار الروس عليهم فى معركة ستيلنجراد. وفى هذه السنة أيضًا
بدأت حركة استقلال الهند من الحكم البريطانى بقيادة كل من غاندى ونهرو
لتلهم العالم، وكان فى علم الغيب أنه بعد عشر سنوات ستقوم ثورة تطيح بالملك
فاروق، وتؤسس جمهورية مصر العربية، وأن أرى العلم الجديد يرفع أمام قصر
القبة ونحن تلاميذ الابتدائية بمدرسة النقراشى نقف فى صفوف نحييه فى هذه
اللحظة التاريخية وينتابنا جميعا شعور بالعزة والفخر. أخيرًا لا بد أن
أواجه يوم الجمعة المقبل ٢٦ أكتوبر ٢٠١٢ وأقبل أنه عيد ميلادى السبعين
(70)، فى سنة برج التنين الصينى، وأنه سيكون يوم المحاسبة مع الذات، وحصر
الذكريات وسيرافقه صوت يوسف وهبى العميق يردد «يا للهول..»، وبالمناسبة كل
عيد أضحى وأنتم بخير.
كلاب فى حياتى
محمد خان
October 17th, 2012 10:04
am
علاقتى بالكلاب بدأت عبر شاشات السينما والتليفزيون من أيام سلسلة
أفلام الكلبة «لاسى» ومغامراتها وحلقات الكلب «رن تن تن» ومغامراته
البوليسية إلى الكلب الضخم «بيتهوفن» ومواقفه الكوميدية. طبعًا الكلاب
كثيرة فى أفلام عديدة، إما أحيانا تخدم الدراما بتأكيد وفائها للشخصية
الرئيسية وإما لتنذر بخطر قادم وغالبا لتمهد توطيد العلاقة الغرامية بين
البطل والبطلة.
اشتريت أول كلب فى حياتى عقب وفاة والدى فى لندن بغرض أن يؤنس والدتى
فى وحدتها وحزنها الشديد. كنت قد لمحته فى فاترينة أحد محلات الحيوانات
الأليفة، وعلى الرغم من أنه لم يكن من فصيلة أصيلة مما يجعله بزراميط فإن
لونه الأسود بالبقع البيضاء المتفرقة عليه والعيون الحزينة المستنجدة دفعنى
فورا إلى اقتنائه وسميته «جروبى» على اسم الكافيتريا الشهيرة وسط البلد،
حتى إنه كلما أناديه تعود ذاكرتى إلى القاهرة التى أفتقدها. للأسف ضيافتى
لجروبى لم تدم طويلًا إذ تهور وأسرع يعبر الشارع فدهسته سيارة.
أما «سمّر» فكانت كلبة أصيلة من فصيلة الكوكار سبانيل، تتمتع بشعر
ذهبى يلائم الصيف الذى سميتها عليه حسب اللغة الإنجليزية. علاقتى بـ«سمّر»
لم تدم طويلًا كذلك حين حان وقت العودة واضطررت إلى إهدائها لأحد المعارف
الذى أخبرنى فى ما بعد أن فراقى عنها أصابها بالاكتئاب وعجل من وفاتها.
كل من «جروبى» و«سمّر».. الكلب والكلبة من الممكن وصفهما بالحجم
المتوسط. أما كلبى الثالث فى حياتى «طوكيو» فكان من الحجم الصغير والوجه
المتحفز المبطط وانتماؤه إلى أصوله اليابانية أورثه ملامح شخصية الساموراى
أى المحارب، فأعتقد أن ضآلة حجمه مثل كل البنى آدمين القصيرين مدته
بالشجاعة العشوائية، فكان على أتم استعداد للهجوم على من أكبر منه حجمًا فى
لمح البصر. عكس الكلاب السابقة، مات طوكيو طبيعيا بعد عمر طويل. ثم هلّ على
حياتى كلب جميل القامة بلون سن الفيل، طيب القلب ومطيع وأمين فسميته «كليفتى»
بمعنى اللص الصغير عكس أخلاقه تمامًا، لكن بمناسبة مشروع فيلمى الديجيتال
الأول بنفس الاسم. كان كليفتى الكلب من فصيلة اللابرادور الشهير بطيبته،
الذى تصفه الكتب بوسادة للأطفال، فهو يتسم بالحنان نحوهم. العيب الأساسى فى
كليفتى أنه كان كلبا جبانا، يخاف كلاب الشارع، ومن أى رجل بجلباب، وقد فسرت
ذلك بأنه من المؤكد تجربته مع البواب أو الحارس فى أثناء حبسه عقب استيراده
من فرنسا كانت دون شك مريرة قبل أن أشتريه من سمسار للكلاب. للأسف لم يعش
كليفتى طويلا فقد أصابه تسمم من شىء التقطه من الشارع. ظهوره فى لقطة
الشاطئ فى أواخر الفيلم «كليفتى» أصبح بمثابة تحية لذكراه.
زيارات مهرجان قرطاج السينمائى
محمد خان
October 10th, 2012 9:59 am
أول زيارة إلى تونس كانت فى عام ١٩٨٤ للاشتراك فى المسابقة الرسمية
بفيلمى «خرج ولم يعد» فى مهرجان قرطاج السينمائى، وحصلت على التانيت الفضى،
وحصل يحيى الفخرانى على جائزة أحسن ممثل. مثل كل كواليس المهرجانات خصوصا
الليلية قبل إعلان الجوائز تبدأ التخمينات بين الضيوف وأحيانا تتسرب بعض
النتائج غالبًا من أعضاء لجنة التحكيم. الحقيقة أننى علمت بالجائزة فى مثل
هذه الليالى بأحد الحفلات، حيث لمّح لى الفنان نور الشريف بالجائزة، وكان
نور عضوًا فى لجنة التحكيم.
أتذكر فى صباح اليوم التالى، وأنا أعبر شارع بورقيبة فى اتجاهى إلى
الفندق أنى ألتقيت المخرج توفيق صالح الذى نصحنى بتجنب دخول الفندق، حيث
تسرب للجميع النتيجة، وصدمة فريق فيلم «حتى لا يطير الدخان» المشترك فى
المنافسة بطولة عادل إمام ومن إخراج أحمد يحيى، وكانا موجودين فى تلك
اللحظة فى بهو الفندق وفى حالة غضب شديد. الغريب أنه على الرغم من سعادتى
بالفوز انتابنى شعور بالحرج، وسلكت طريقًا آخر. فى ذات الصباح وصلنى خبر
رحيل المخرج الفرنسى فرانسواز تروفو أحد رواد الموجة الجديدة. فى طريقى فى
المساء إلى صالة العرض لاستلام الجائزة توقفت أمام محل ملابس فى الممر
المؤدى إلى صالة السينما وحفل الختام، واشتريت جاكت بليزر ارتديته، وصعدت
به على المسرح لأستلم جائزتى.
حضورى الثانى لمهرجان قرطاج ١٩٨٨ كان للاشتراك بفيلمى «أحلام هند
وكاميليا» خارج المسابقة، بينما فيلم زميلى المخرج خيرى بشارة «يوم مر..
يوم حلو» فى المسابقة الرسمية، الذى حازت بطلته الفنانة فاتن حمامة على
جائزة التمثيل.
مرت نحو ثمانى سنوات قبل أن أعود إلى مهرجان قرطاج ١٩٩٦ كعضو فى لجنة
التحكيم، وناضلت لتفوز إلهام شاهين بجائزة التمثيل عن دورها فى فيلم «يا
دنيا يا غرامى» للمخرج مجدى أحمد على. كان هذا انتصارًا بالنسبة إلىّ،
خصوصا أننى كنت قبلها فى لجنة تحكيم المهرجان القومى، وكان يرأسها سعد
الدين وهبة (رحمه الله) الذى اعترض بشدة أن تنال إلهام شاهين الجائزة،
معتبرا ليلى علوى هى بطلة الفيلم، ورافضًا رأى اللجنة أن البطولة ثلاثية
بين ليلى وإلهام وهالة صدقى. فى النهاية حصلت ليلى على الجائزة على الرغم
من حماس أغلبية أعضاء اللجنة لأداء إلهام، وقد تراجع معظمهم إرضاءً لسعد
الدين وهبة.
آخر زيارة لمهرجان قرطاج كانت عام ١٩٩٨ حيث كرمنى بعرض سبعة من أفلامى،
ومنحى من وزارة الثقافة التونسية وسام الاستحقاق الوطنى فى ميدان الثقافة.
أصحاب الذاكرة الخصبة
محمد خان
October 3rd, 2012 9:40 am
مثلما تثيرنى التفاصيل فى السينما فهى تثيرنى أيضا فى سرد التاريخ،
خصوصا فى كشف خبايا كواليس المطبخ السياسى، وإذا كان الأستاذ محمد حسنين
هيكل (مواليد ١٩٢٣) فى كتبه أو حواراته التليفزيونية، خصوصا فى برنامج
«تجربة حياة»، قد يدلى بتفاصيل يشاء هو كشفها أو أخرى يشاء إخفاءها إما
حماية لذاته وإما لغيره، ولكنه دائما وبذكاء شديد يترك العديد من النوافذ
مفتوحة ليحرض المشاهد أو المستمع أو القارئ على أن يطل منها ويستنتج ما
يوحيه هيكل أن يستنتجه. بالمثل تدهشنى التفاصيل التى يسردها الدكتور مصطفى
الفقى (مواليد ١٩٤٤) فى برنامجه «سنوات الفرص الضائعة». هناك مقولة إن
تفاصيل ما يدور بين شخصين لا يمكن توثيقها دون وجود طرف ثالث كشاهد، لأن من
دونه أصبحت تفاصيل ما حدث أو قيل قابلة للشك وأحيانا مُعرَّضة للتكذيب،
وإذا اقتنعنا بما رُوى لنا فهذا يرجع إلى مكانة الراوى من وجهة نظرنا فى
المجتمع. فى جميع الأحوال ما يبهرنى دائما هو الذاكرة الخصبة التى يتمتع
بها الاثنان، سواء هيكل الجورنالجى المخضرم والمحلل السياسى المحترف (١٧
سنة رئيس تحرير «الأهرام» وخدم فترة كوزير للإعلام فى عهد جمال عبد
الناصر)، أو الفقى الدبلوماسى المحُنّك والسياسى النشط (٧ سنوات سكرتير
مكتب مبارك وسفيرا فى النمسا). الاثنان شاءت ظروف كل منهما على حِدة أن
يحتكا بأصحاب القرار ومصائر الوطن فى أزمنة هامة من تاريخنا المعاصر. هيكل
مع عبد الناصر، والفقى مع مبارك. للأسف لم أتشرف بالتعرف على الأستاذ هيكل
إلا من خلال كتبه ومقالاته وحواراته، أما الدكتور الفقى، فقد شاءت الظروف
عام ١٩٩٧ فى أثناء وجودى فى النمسا مع وفد سينمائى، أن يتكرم ويدعونا
سيادته على الشاى وأدهشتنى ذاكرته الخصبة حين عاتبته أن طلبى للجنسية الذى
قدمته منذ بضع سنوات مباشرة لمكتب الرئيس السابق لم يتلقَّ أى رد فعل،
فأدلى الأستاذ مصطفى مفسرا أنه يتذكر جيدا هذا الطلب الذى ظل فى درج مكتبه
دون أن يعرضه على الرئيس، لعلمه أن مبارك كان يرفض تلقائيا منح الجنسية لأى
شخص عن طريقه مباشرة. وإذا طُرح التساؤل عن مدى صحة تفاصيل هذه المقابلة مع
د.الفقى فأؤكد وجود أكثر من طرف ثالث مثل الفنان يحيى الفخرانى، والسيد
مدكور ثابت مدير المركز القومى حينذاك، وكنا فى طريقنا للمشاركة فى مهرجان
براتيسلافا السينمائى فى سلوفاكيا (تشيكوسلوفاكيا سابقا قبل التقسيم) التى
تقع على حدود فيينا.
التحرير المصرية في
03/10/2012
وتآمر عليها النظام السابق..
فى "ساعة ونص" مصر تخلى عنها الإخوان !
كتب - صفوت دسوقي:
من المشهد الاول في فيلم «ساعة ونص» يشعر المتلقي بأن أبطاله يعانون
من الغربة والاغتراب في وطن كتب عليه القدر أن يدفع ثمن أخطاء حكامه..
يبدأ الفيلم بكارثة ويسقط عدد كبير من الضحايا وتتحول الكارثة الي خبر
في جريدة.. وتتحول الجريدة الي قرطاس طعمية.. يحمل هذا المشهد دلالات
مهمة.. أهمها ان الانسان بلا قيمة في وطن هو وأن فجوة واسعة بين الحاكم
والرعية ولعل المخرج المبدع وائل احسان أراد من الطلة الاولي أن يدفع
المتلقي الي إعمال العقل لذا بدأ بهذا المشهد واختتم الفيلم أيضاً به.
نماذج كثيرة قدمها المؤلف أحمد عبدالله ربما تختلف هذه النماذج في
الملامح والتفاصيل لكنها تتفق علي شيء واحد ووحيد وهو انهم ضحية مجتمع تخلي
عن أحلام أبنائه.. يقدم اياد نصار دور الناشط السياسي الذي نال قدرا وافرا
من التعليم وانتهي به المطاف الي بيع رسائل الحب في القطار. كان من الممكن
أن يكون كاتباً ومفكراً لكن الواقع المُر أحاله الي بقايا إنسان يعيش علي
هامش الحياة.. ويتحول القطار الي دنيا كبيرة مليئة بعناصر وملامح مختلفة..
ففي القطار كريمة مختار هذه الأم التي تخلي عنها ابنها بسبب عجزه عن مواجهة
ظروف وأعباء الحياة.. وفي مشهد شديد الجمال تبحث الام عن ابنها الذي تركها
وتعثر علي بائع الكتب «اياد نصار» وتطلب منه مساعدتها وأن يقرأ لها الورقة
حتي تصل الي العنوان الذي تقصده.. وعندما يقرأ الورقة يكتشف ان الابن تخلي
عن أمه ويطلب من يعثر عليها أن يساعدها علي الوصول الي دار مسنين.
مشهد مؤلم جمع بين اياد نصار وكريمة مختار ونجح الاثنان في تقديم
الحالة بانفعال صادق.. وفي القطار أيضاً اثنان من الشباب باع كل شيء من أجل
حلم العمل في الخارج «محمد رمضان - كريم محمود عبدالعزيز» لكن تسقط
أحلامهما وتنهار أمام شخص نصاب فيقرران العودة الي قريتهما للاحتماء
بأهلها.. ويموت الاول الذي دفعه الغدر الي بيع جزء من جسده لتوفير المال،
الحياة تغلي داخل القطار ولكنه رغم ذلك يمضي مسرعاً لا يتوقف وكأنه الايام
التي لا تتوقف عن الدوران.
وسط هذه النماذج المؤلمة تجسد الدكتورة «يسرا اللوزي» التي تحمل حلم
النجاح في عملها وتصطدم بعقلية زوجها «فتحي عبدالوهاب» الذي يغار منها
ويغار عليها ولكنه عندما يشاهدها تنقذ حالة من الموت يعجب بها ويقرر أن
يساندها في مشوارها. ويسرا اللوزي هي النموذج المشرق في الفيلم.. فكل
أبطاله يطاردون الامل ذلك الطائر الساحر الرشيق.. بداية من المطرب الجالس
علي رصيف المحطة والباحث عن فرصة للشهرة وانتهاء ببائع الكتب اياد نصار
الذي خرج به القدر عن القضبان وجعله أسير أمل بلا عنوان.
فيلم «ساعة ونص» يقدم مصر الذي تآمر عليها نظام مبارك وتخلي عنها
الاخوان.. زمن عرض الفيلم يجعله قوياً حيث يتزامن العرض مع غضب الشعب من
فشل الرئيس محمد مرسي في الوفاء بوعود المائة يوم.. فلم تتحسن الدخول ولم
تهدأ نار الاسعار ومازال الواقع مؤلماً.. السيناريو جاء جيداً ولكنه صادم
الي حد كبير ونجح في استفزاز مشاعر الجمهور. أداء محمد إمام وأحمد السعدني
وأحمد فلوكس وأحمد بدير جاء رائعاً ومختلفاً.. أسوأ الممثلين في الفيلم كان
ايتن عامر فهي لا تقدم أي خطوة جديدة وكذلك سمية الخشاب دورها ضعيف وأداؤها
باهت.. موسيقي ياسر عبدالرحمن رائعة ومعبرة عن روح الفيلم ولكن الخلل
الوحيد هو وجودها طوال زمن الفيلم. النهاية جاءت طبيعية حيث اكتفي المؤلف
بأن يترك النهاية مفتوحة فلا أحد يعلم هل انفجر القطار أم أنقذته العناية
الالهية.
باختصار فيلم «ساعة ونص» فيلم جيد لانه يقدم محتوي جاداً ويقدم مصر
التي تآمر عليها مبارك وتخلي عنها الإخوان.
الوفد المصرية في
31/10/2012
"شجاعة" أجمل أفلام الكارتون ثلاثية الأبعاد فى 2012
كتبت - حنان أبوالضياء :
فى عام 2012 أنتجت السينما العالمية العديد من افلام الكارتون ذات
تقنية ثلاثية الابعاد ولقد حظى فيلم «شجاعة» بقدر كبير من الاهتمام
الاعلامى والجماهيرى وخاصة انه يحمل روح شركة بيكسار التى ضمّـت الى شركة
ديزني .
وبالنسبة لى انا متحيزة لصبغة المرح واللامعقول الموجودة فى اعمالها
ومازلت أتابع كل جمعة مع الصغار فى عائلتى فيلم شركة المرعبين المحدودة,
«2001» والذى تم دبلجته فى مصر وقام ببطولته محمد هنيدى, واعتقد ان هناك
جزءاً جديداً من هذا الفيلم سيتم انتاجه قريبا استثمارا لنجاحه .وهناك
افلام شهيرة للشركة منها حكاية لعبة «1995» حياة حشرة «1998» حكاية لعبة 2
«1999» البحث عن نيمو «2003» الخارقون «2004» سيارات «2006» خلطة بيطة
بالصلصة «2007» وال - إي «2008» فوق «2009» حكاية لعبة 3 «2010» سيارات 2
«2011» ومؤخراً فيلم «شجاعة» وهو احد افلام ثلاثية الابعاد رحلات جليفر
Gullives,
الدب يوجي
Yogi Bear,
الطفلة الغامضة
Let me in،
تايتانك
Titanic،
المنتقمون
The Avengers
رقص الشارع الجزء 22
Streetdance
بروميثيوس
Prometheus،
إبراهام لنكولن: صياد مصاص الدماء
Abraham
Lincoln:Vampier Hunter
رجل العنبكوت المذهل
The Amazing Spider Man 3D
مملكة الشر: الجزاء-
Resident Evil: Retributio
.
فيلم «شجاعة» شارك فى كتابته أربعة كتّـاب عن قصّـة لبرندا شامبان،
وللاسف اننى لم اشاهد النسخة ثلاثية الأبعاد,والتى تعطيك قدراً كبيراً من
الابهار واكتفيت بالروح التى تسيطر عليك من مرح وسعادة وانت تتابع فيلم
كارتون وخاصة مع ألوانه المبهجة وموسيقاه واغانيه الرائعة ولكن اعتقد ان
الفيلم يحتاج الى تفكير قبل مشاهدته من قبل اطفال صغار. لأن به افكاراً بها
خطورة اذا غرست فى اعماق الاطفال وخاصة محاولة قتل أمٍ ابنتها، وتسميم
ابنةٍ لأمها، أو قتل الزوج زوجته وقصة الفيلم تدور حول الأميرة مريدا التى
أصبحت فى سن الزواج، أمها «إيما تومسون» زوجة الملك فرجوس «بيلي كونولي»
تطلب منها بإلحاح الزواج لإنجاب وريث العرش . لكن مريدا لا ترى ان هناك من
يصلح للزواج وتحلم بالانطلاق مع القوس والسهم الذى اهداه لها ابوها وهى
طفلة .يضيع السهم فتذهب للبحث عنه فى الغابة لتبدأ المغامرة.
تترات الفيلم استغلت لإعطاء خلفية لقصة الاميرة الصغيرة وهجوم دُبٍ
هائل سيؤدى دور شرير بالفيلم، ويفقد والدها ساقه في معركته مع الدب- «مردو»
.. الأميرة تعيش فى اسكتلندا ولديها ثلاثة إخوة توائم, تمارس الرماية
ببراعة .. يتقدم لها ثلاثة خطاب من العشائر الثلاث المكونة للمملكة مع
عشيرتها . العرسان هم أبناء مكنتوش، دنجوال، ومكغافن، يتبارون للفوز
بميريدا وتكون المنافسة في الرماية،ويفوز ابن زعيم دنجوال – المتخلف الى حد
ما عقليا وعندما تتبارى معه تفوز ، وتسبب حرجاً فيحدث خلافٌ مع أمها فتحرق
قوسها، فتذهب إلى كوخ الساحرة – وتعود بتعويذة تجعل امها دبا. وتجد العشائر
الأربع وقد وجه كل واحد فيهم السلاح الى الاخر . وتواجه غضب العشائر
لإحراجها لهم فى نفس الوقت يريد الدب مردو الفتك بميريدا، ويُطاردها ولا
تجد سوى مساعدة أمها لها.. وتوتة توتة تنتهى الحدوتة بعودة الام والابنة
على صهوة جواديهما، وقد تغيرت كل واحدة منهما نتيجة للتجربة القاسية التى
قربت بينهما. ولقد استفاد مخرج الفيلم ، مارك أندروز من عمله موظفا بشركة «Pixar» لإنتاج أفلام الرسوم المتحركة، وكتابة السيناريو لعدة أفلام من
أهمها فيلم «الرجل العنكبوت» عام 2002، كما شارك بورشة الكتابة الخاصة
بفيلم الرسوم المتحركة «سيارات» عام 2006، بعدها درس اندروز الرسوم
المتحركة في برنامج «CalArts»
لشخصيات الرسوم المتحركة. وفى 2005 كانت مرحلة جديدة بحياته حيث قام بإخراج
أول فيلم قصير له، وهو فيلم الرسوم المتحركة «One Man Band»
وقد شارك بكتابته أيضا ، كل هذا ساعده فى فيلم «شُجاعة» أول عمل يُخرجه
فاستطاع نقل العالم الإسكتلندي بتفاصيله ،ونقل البهجة من خلال شخصيات
الثلاثة توائم والمغامرة من خلال شخصية الأميرة.
الوفد المصرية في
31/10/2012
طقوس عربدة لرغباتنا الخاصة بنا
ترجمة: عباس المفرجي
بادِئ ذي بَدْءٍ، هذا هو بحق كتاب جيد جدا، ربما أفضل نظرة عامة عن السينما
كُتبت حتى الآن. إنه يتّقد بنفاذ بصيرة، ومغلّف بحكاية، وينبض بعاطفة
مشبوبة لوسيط كان تومسون منكبّا عليه، قلقا عليه وكاتبا حوله طوال حياته.
مع أن هذا قد لا يكون بصيرة أصيلة بالكامل، فإنّ تومسون يؤكد المرة تلو
المرة على حجته بأن جاذبية الأفلام تكمن في أنها تتلاعب بأحلامنا وأعمق
أشواقنا وتستغلها. يذهب الناس إلى السينما، يكتب هو، ليجلسوا في الظلام ((
مشاهدين طقوس عربدة لرغباتهم الخاصة بهم، تضيء على الشاشة ))، مع ذلك،
وبشكل متناقض، يمكن للأثر الصافي أن يكون مميتا للروح. عليه، كتابه هو ليس
فقط أنشودة تسبيح بـ’’ الصور‘‘ [ الأفلام ]، كما اعتدنا أن نسميها، بل هو
أيضا تعبير عن القلق (( حول الأثر العام للتخيلات المؤثرة وكيف نصبح بعيدين
عن الواقع أو يائسين منه )).
تومسون، الذي ولد في لندن لكنه يعيش الآن في سان فرانسيسكو، هو في السبعين
من العمر، وهذا يعني أنه ابن عصر الأسود والأبيض. إنه يكتب مع كل الإثارة
والترقب لدى صبي في الثانية عشرة من العمر، في يده قنينة كولا وفي الأخرى
علبة فُشار، في طريقه إلى واحدة من دور السينما المذهبة في الأيام الخوالي
ليشاهد بكل بهجة ورعب شهواني ريتا هايوورث تعرّي ذراعيها من قفازات طويلة
في " غيلدا ".
برغم إنه قادر على مناقشة الستوري آرك [ حبكة متطاولة أو متواصلة في قصّ
إيبيزودي في وسائط مثل التلفزيون وكتب المسلسلات المصورة ] أو نظرية المؤلف
كما يفعل أفضل النقّاد، فإنه لا يفقد البصر بواقع أن ’’ الموفي ‘‘ [ الفيلم
]، كما يدعوه، يقدّم لنا تسلية طفولية، بينما هو في نفس الوقت يضيء شعلة
داخل الشقوق الأعمق لأرواحنا التوّاقة.
مرة بعد مرة يعود إلى ثيمة الفيلم، كل فيلم، كخيال للايروتيكية والعنف، أو
الاثنين معا – (( إنه نمط من الفزع والشهوة. )) كاتبا عن تحفة جان فيغو "
لاتلانت "، يلاحظ أن (( فيغو آمن بأن كل حياة هي مجرد بشرة باهتة تكسو من
كل جانب حياة باطنية تغلي، وعرف أنه يمكن للفيلم أن يكشفها. ))
في صفحات سابقة، وهو يتأمل في اللقطة الافتتاحية الشهيرة في الفيلم
السوريالي الصامت " كلب أندلسي " للويس بونويل، التي تظهر فيها شفرة موسى
تقطع مقلة عين امرأة، يصرّ تومسون على أن (( التضمين اللجوج للصورة هو
القول، أوه، رجاءً، دعونا لا نروّج الأكاذيب القديمة حول تسلية المفيدة،
ونجوم أفلام وسهرات عظيمة – هذا هو سُعْر، مصمم على الجنس والعنف، ونحن
نتقدم في العمر ونحن نشاهده... الفن ليس استجماما، سلوانا، تمضية وقت،
أعمال ( رغم انه كل هذه الأشياء )؛ انه الحجر الذي تحدُّ عليه سكينك. ))
كتابه هو، كما يقول، حول الشاشات: (( انه مويبريدج إلى الفَيْس بوك. )) فهو
يبدأ من بدايات ’’ الموفي ‘‘ ( أجل، أحيانا تصبح فيه هذه الكلمة مزعجة إلى
حد ما )، والذي يعتبره صورة فوتوغرافية متوقفة الحركة لذلك الرجل الانكليزي
المثير للاهتمام ايدويرد مويبريدج – هو نفسه شخصية سوداوية. ولد مويبريدج
باسم ادوارد مويبردج في لينغستون أبّون تايمز في 1830. انتقل إلى أمريكا،
حيث تعرّض لحادث أصابه بضرر في دماغه، وحين، في عام 1875، قتل عشيق زوجته،
بنى دفاعه على ادّعاء الجنون؛ رفض المحلفون الادّعاء لكنه بُرّئ من التهمة
مع ذلك على أساس أن القتل مبرَّر. بتحديثها، يمكن للقصة أن تصبح فيلم إثارة
لطيفاً صغيراً بالأسود والأبيض من إخراج بيلي وايلدر أو هوارد هاوكس، وربما
مع سيناريو لرايمون تشاندلر.
يلاحظ تومسون أن سلسلة صور مويبريدج لحيوانات في حالة حركة، أو لرجال ونساء
عراة ماشين أو راكضين أو مؤدين وظائف عادية يومية، تخلو من شدّ درامي
جوهري، لا تروي قصة. (( كانت الصور هي الإحساس... انه يصوّر الناس، لكنه
أيضا يصور الضوء، الهواء والزمن العابر... تبدو الصور مسلوبة باللعب بالضوء
على الأجسام المادية الاعتيادية وبالتقدم البطيء والمتنامي عبْر الزمن. ))
.إنها أيضا تجعل الناس واعين بأنفسهم مشغولين في فعل المشاهدة.
ليس اعتباطا أن نسخة سانت بول من المسيحية تسم أشكالا معينة من النظر بسمة
الخطيئة. جزء من المتعة في كوننا مشاهدي أفلام هو انه مقابل بضعة نقود
معدنية يتاح لنا الربوض في الظلام لساعتين، نمتّع أعيننا بصور لمخلوقات من
لحم ودم تتحرك بأوضاع، لسنا متأكدين تماما بأنه من المباح لنا أن نشاهدها.
السينما تجعل منّا جميعا بصّاصين.
ثيمة تومسون السائدة هي التأثير القاسي، العميق والمدمّر للسينما علينا منذ
البدء. (( حاولت أن أُظهِر، )) يكتب، (( كم كانت مواقفنا من الحب، الهوية
الذاتية، الرغبة والمسؤولية تتشكّل بارتياد السينما. هذه المواضيع تتجمع في
موضوع واسع عن التمثيل: ما إذا كنا نحن أنفسنا أم أحد آخر يلعب دور أنفسنا.
ما إذا كانت الأفلام ملائمة لنا.
من جانبه، هو مستعبَد على نحو يائس للسينما، وكتابه هو حديث عاشق، مروَّع،
مستثار، وأحيانا نشوان بشكل تام. مع ذلك، حتى هو له لحظاته من الشك. (( كان
ثمة فترة – خمسين سنة، إن أردنا أن نكون كرماء – كان فيها الضوء ينوّر
ويتحرك وحتى يتحوّل. لكن بعدئذ بدأ تغيرٌ أصبح فيه الضوء محاكاة ساخرة
للتنوير ووسيلة لحبس الجماهير. ))
برغم أنه ليس لديه أية أوهام حول هوليوود والناس الذين يديرونها، فلا وجود
لأوغاد في كتاب تومسون. وهو يجد، مع هذا، سببا لأن يهزّ رأسه استنكارا على
ستيفن سبيلبرغ في صنعه فيلم " جاوز ". في هذا الفيلم، أنتج سبيلبرغ لعبة
مثيرة وحتى مغرية، لكنها كانت، في الجوهر، حول لاشيء على الإطلاق. يتخيّل
تومسون بعض قرّاء كتابه يعترضون على أن " كنغ كونغ "، على سبيل المثال، لم
يكن أيضا ’’ حول ‘‘ شيء هام، فيجيب: (( لكن إن وضعت " كنغ كونغ " و " جاوز
" في جملة واحدة، فعليك أن تحسّ بالدافع الشعري الساذج الذي يُلهِم الفيلم
الأول، والموضوعية الباردة في الثاني. ))
ما يقلق تومسون هو أن شيئا ما حدث للسينما في وقت ظهور " جاوز "، شيء ساخر،
شرير وربما حتى مهلك. جزء من المتعة التي نتجت عن " جاوز "، وأفلام الإثارة
الغبية الأخرى التي تحاكيه، يقول، (( هي أن الفوضى لم تعن شيئا. الاهتياج
يتفوّق على الإحساس. )) هذا هو الموقف المشاكس لكتاب " الشاشة الكبيرة ".
النهج المميت، طبقا لتومسون، الذي بدأ في السبعينات انتشر الآن عبْر بلايين
الشاشات الصغيرة التي غزت العالم، التوّهج المركّب على نحو بائس الذي يكون
منه العالم مرئيا من الفضاء الخارجي. أصبحت المشاهدة مجرد محدِّقة، فاغرة
الفم، بطيئة التنفس. (( الفَيْس بوك أخذ مسبقا اعترافاتنا الجادة عن أنفسنا
وتاجر بها من أجل الدعاية. ))
لا يمكن لتومسون أبدا أن يكون متهما بالتشاؤم، وكتابه هو احتفال مجيد بواحد
من أعظم الاختراعات البشرية: شكل من الشعر الجماهيري الذي كان الإغريق
سيقدرونه ويجدون متعة بالغة فيه. حتى لو أن النهاية ليل، فإن الأمسية كانت
متعة عظيمة: (( نحن رأينا أشياء مدهشة قريبة للموت؛ وحتى لو أن الأفلام
تموت، فإن الجنازة طويلة الأمد كانت عرضا للمشاهدة. )) مع ذلك، حين تسطع
الأضواء، فإن شيئا من الظلام يتلبث.
العدد الكبير من وسائل المشاهدة التي اجتاحت ’’ السينما ‘‘ في السنوات
الثلاثين الأخيرة ستتسارع وتنتشر، وهي بالطبع مفيدة ومربحة – انظر فقط إلى
الاقتصاد الذي أنتجته. أمن الممكن أيضا أن تكون سمة من السمات المميزة
للفاشية القادمة؟ لا تذعر، ستكون أكثر تهذيبا أو سهلة الاستخدام والفهم من
نسخة الثلاثينات، لكنها مميتة بقدر مولات التسوّق للأمريكان، وتفاهة العدد
الكبير جدا من مدارسها، والجنون الذي بلا نهاية لإعلاناتها، واللامبالاة
الحجرية للتكنولوجيا.
عن صحيفة الغارديان
المدى العراقية في
31/10/2012
«الممتثل» لبرناردو برتولوتشي: مسار فاشيّ صغير
إبراهيم العريس
هناك أفلام في تاريخ السينما تكون علامات كبيرة في هذا التاريخ، من
دون أن تكون أفلاماً من النوع الذي يسمّى «أعظم الأفلام في التاريخ»، ولا
هي تنهل قيمتها كذلك من كونها عرفت كيف تحقق مداخيل تجارية هائلة. كل ما في
الأمر أنها بعد فترة من عروضها الأولى التي قد لا تكون موفقة، وبعد فترة من
تجاهل النقاد لها، تصبح بصورة شديدة الغموض محلَّ اهتمام أنواع معينة من
جمهور محبي السينما وذات مكانة في تاريخ علاقة هؤلاء بالفن السابع. في
الحقيقة، يمكننا تسمية مئات الأفلام من هذا النوع، وقد يكون بينها أفلام
رديئة أيضاً –مثل أفلام الأميركي إد وود التي تعتبر مع هذا «أسوأ أفلام
حُقّقت في تاريخ السينما»!-، غير أننا سنتوقف هنا عند واحد من هذه الأفلام
من دون أن يعني هذا أننا لا نعتبره فيلماً كبيراً، مع الإشارة إلى تبنّي
الجمهور له ليصبح واحداً من أعظم الأفلام «الثانوية» في تاريخ هذا الفن.
ونعني بهذا فيلم «الممتثل»، للسينمائي الإيطالي برناردو برتولوتشي، الذي قد
يحلو للبعض اعتباره فيلماً بوليسياً أو سياسياً أو حكاية عاطفية أو فيلماً
عن مسيرة إنسان خلال العصور المضطربة، أو عن الحب والخيانة والصداقة في آن
معاً. ثم كيف لا يكون هذا كله فيلماً مقتبساً عن رواية لألبرتو مورافيا؟
> مهما يكن من أمر، فإن «الممتثل» فيلم متعدد المعاني، وهو في الوقت
نفسه واحد من تلك الأفلام الذكية القوية والعميقة التي اعتاد المخرجون
الإيطاليون الكبار تحقيقها بين الحين والآخر لتخدمهم في فضح الفاشية التي
هيمنت على بلادهم عشرات السنين. غير أن هذا الفيلم يرسم لنا في الوقت نفسه
صورة لتحوُّل مثقف عاش ضياعاً منذ طفولته، عميلاً سرياً ينفذ أوامر رؤسائه
من دون أي منطق أو تفكير أو اعتراض، كما هو حال هذا النوع من المخبرين،
الذين عادة ما يجدون أنفسهم ضالعين في خدمة السلطات الفاشية. ومن هنا،
اعتُبر الفيلم دائماً صورة سيكولوجية لذهنية العميل، ورسماً تاريخياً لجزء
من الأسباب التي تجعل إنساناً عادياً نموذجاً فاشياً، ومن هنا أيضاً أهمية
الفيلم في تاريخ هذا النوع من السينما... بل ربما أهميته أيضاً لناحية كونه
يحلل بشكل علمي شخصية الفاشي.
> عند بداية الفيلم، نجدنا ليس في أول الأحداث التي يرويها، بل في
بداية نهايتها: ففي هذا القسم، نرى مارتشيلو كليريتشي وهو يجهز لقتل أستاذه
في الكلية البروفسور لوكا كوادري. ولهذا نجدنا متنقلين معه في باريس بين
مشاهد من الحياة اليومية، ومارتشيلو وزوجته يجولان في المدينة إبان الحرب
العالمية الثانية، ثم ننتقل الى داخل سيارة يقودها شخص من الواضح مدى
دمويته، وإلى جانبه مارتشيلو... ومن الواضح هنا أن هذه السيارة وراكبيها
يطاردون البروفسور وزوجته في سيارتهما. وخلال ذلك ننتقل إلى مجموعة كبيرة
من فصول ماضية حدث بعضها قبل عقود وبعضها قبل مطاردة السيارة بفترة وجيزة.
والحقيقة أن هذه المشاهد الاسترجاعية تبدو من التعقيد والتراكم الزمني بحيث
أن كثراً من مشاهدي الفيلم أعلنوا أنهم لم يفهموا شيئاً عند مشاهدتهم
الفيلم للمرة الأولى، فما هو هذا الشيء الذي لم يبد لهم واضحاً؟ إنه بكل
بساطة حكاية مارتشيلو نفسه: مرة نراه يتناقش مع صديق له أعمى حول مشروع
للاقتران بفتاة يحبها، ومرة ثانية نراه يحاول الانضمام إلى الحزب الفاشي
الإيطالي، ومرة نراه في شرخ شبابه يزور أمه مدمنة المخدرات في الفيلا
العريقة التي تقيم فيها كابنة لطبقة اجتماعية عليا منهارة. ثم يزور أباه في
مأوى للمجانين. إن هذه المشاهد جميعاً تقول لنا ما الذي كانت تبدو عليه
حياة مارتشيلو بين سنوات مراهقته وزمن الأحداث الحاضرة، وهي –المشاهد–
تقودنا إلى طفولة هذا الشخص خلال الحرب العالمية الأولى، حيث كانت أسرته لا
تزال ثرية ومترفعة، لذلك تسعى دائماً إلى إبعاده عن مجتمعات الآخرين خوفاً
عليه. غير أن السائق الأرعن لينو سرعان ما يستميله بدعوى أنه سيريه مسدساً.
وحين يحاول لينو الاعتداء على الصبي، يلتقط هذا المسدس ويطلق النار على
السائق الذي يسقط مضرجاً بدمائه، بحيث نعتقد –ويعتقد مارتشيلو معنا– أنه قد
مات. ثم في مشهد لاحق وقد أضحى الفتى شاباً، نراه -إذ يبدو واضحاً أن هذه
الجريمة تعذب ضميره- يتناقش مع خطيبته حول ضرورة الاعتراف بالجريمة كي
يستطيعا الاقتران براحة ضمير. يعترف مارتشيلو اذاً أمام الكاهن، لكن ذنوبه
تبدو في الاعترافات أكثر كثيراً من مجرد قتله لينو. في البداية يقلق
الكاهن، لكنه ما إن يعرف أن مارتشيلو انضم إلى البوليس السري الفاشي، حتى
يهدأ ويعطيه الغفران!
> هكذا إذاً، بعد أن بيّن لنا الفيلم العلاقة بين الدين والفاشية
والجنس –المثلي خاصة–، صار يمكنه أن يتابع أحداثه، فنعود إلى الزمن الحاضر،
حيث يكلّف مارتشيلو وقد صار متزوجاً، بأن يساهم في باريس بمؤامرة أُعدّت
لاغتيال أستاذه السابق الذي يعتبر من أخطر معارضي الفاشية، الذين يحاربونها
انطلاقاً من منفاه في العاصمة الفرنسية. وهكذا يأخذ مارتشيلو زوجته
ويتوجهان معاً إلى باريس. وخلال تلك الرحلة، نستعرض حياة الزوجين وعلاقتهما
حتى اللحظة التي يلتقيان فيها البروفسور كوادري وزوجته الحسناء. وكوادري
طبعاً لن يثور لديه أي شك يتعلق بما يخطط له مارتشيلو. بالنسبة إليه هو
لقاء عائلي مع تلميذ له قديم. وإذ يمضي الثنائيان أوقاتاً مرحة وودية معاً،
يكون العملاء الفاشيون، ودائماً بالتعاون مع مارتشيلو، يسعون إلى تنفيذ
الخطة التي فحواها استدراج كوادري إلى غابة خارج باريس، للتمكّن من قتله
هناك بعيداً من الأعين. بيد أن الذي يحدث هنا هو أنه خلال أيام الرفقة بين
كوادري وزوجته من ناحية، ومارتشيلو وزوجته من ناحية أخرى، يغرم مارتشيلو
بزوجة أستاذه، التي في الوقت نفسه تستميل زوجة مارتشيلو لتمارس معه علاقة
شاذة، فيما يبقى البروفسور في منأى من معرفة أي شيء عن هذا كله. أما
المؤامرة فتواصل طريقها، ويتمكن مارتشيلو بالفعل من استدراج كوادري إلى حيث
سوف يقتل، لكنه في الوقت نفسه يرجو آنا، زوجة البروفسور، من دون أن يوضح
لها السبب، ألا ترافق زوجها في تلك الجولة بالسيارة في الغابة، لكن آنا لا
تصغي إلى ما طلبه منها مارتشيلو، بل ترافق كوادري. وهناك، وسط غابة مهجورة،
وإذ تتوقف سيارة البروفسور لبرهة، ينزل العملاء الفاشيون من سياراتهم
ويطلقون الرصاص بغزارة على البروفسور. أما آنا، فإنها حين تدرك ما الذي
يحدث، تلتفت لتشاهد مارتشيلو في سيارته، فتهرع إليه طالبة الحماية خابطة
على زجاج السيارة، لكنه يتجاهلها تماماً حتى يصل الفاشيون ويردونها قتيلة.
> وإذ يتوقف الفيلم بهذه الأحداث القاتلة عند هذا المشهد، ينتقل بنا
الى زمن لاحق: إلى العام الذي انتهى فيه الدكتاتور موسوليني وحزبه الفاشي،
الآن صار مارتشيلو رب عائلة له طفل صغير ويعيش حياة شديدة التقليدية. وذاتَ
لحظة، يتصل به صديقه الأعمى الذي كان فاشياً في السابق، طالباً منه أن
يلتقيه في الشارع حيث تدور تظاهرات عنيفة تعبّر عن فرح الشعب الإيطالي
بالتخلص من الفاشية. وإذ يلتقيان ويبدأ بينهما نقاش هادئ حول الأوضاع
الراهنة، يشاهد مارتشيلو شخصين يتجادلان، وسرعان ما يتعرف في أحدهما على
لينو، السائق الذي كان قد خيّل إليه أنه قتله في الماضي. على الفور ينتفض
مارتشيلو، إذ رأى الناس يبحثون عن الفاشيين للثأر منهم، فيشير إلى لينو
صارخا بملء فمه أن هذا الرجل فاشي ولوطي وأنه قد اشترك في اغتيال البروفسور
كوادري وزوجته... فلا يكون من جميع الناس إلا أن يهجموا على لينو ويضربوه،
في الوقت الذي يجد مارتشيلو نفسه، وبشكل غير واع، يشي كذلك بصديقه الأعمى
ايتالو.. فيقتاده المتظاهرون بدوره، فيما يواصل مارتشيلو طريقه وكأن شيئاً
لم يكن.
> منذ عُرض هذا الفيلم حقق شعبية كبيرة، وأعاد إلى الحياة كذلك رواية
ألبرتو مورافيا التي كانت منسية بعض الشيء. أما بالنسبة إلى مخرجه
برتولوتشي، فإنه حقق له مكانة إضافية كبيرة بين كبار معلمي السينما
الإيطالية، علماً بأن الفيلم من بطولة جان–لوي ترنتينيان والفاتنة دومنيك
ساندا. ومن الطبيعي ان نضيف إلى هذا كله أن فيلم «الممتثل» حين عرض عام
1970، للمرة الأولى، أعاد بسرعة فتح ملف الفاشية الإيطالية –والفاشية بشكل
عام– كحالة مرضية ترتبط بالجنس والدين أكثر منها حالة سياسية.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
31/10/2012 |