عاد الفنان عادل إمام إلى القاهرة بعد زيارة قام بها لمدينة أربيل في
إقليم كردستان بالعراق، عاش فيها أجواء الزعامة والفن، وفي ظل تكريم وحفاوة
منقطعة النظير استطاع أن يحول الاحتفالية إلى مظاهرة حب ودعاء للشعب
المصري.
عن رحلته وأعماله الفنية وسماء مصر الملبدة بالغيوم والصراعات
السياسية وعمله الفني المقبل، فتح عادل إمام قلبه لـ«الشرق الأوسط» في حوار
قصير عبر الهاتف، لافتا إلى أن استقباله في أربيل كان كما قال صديقه المفكر
السياسي مصطفى الفقي أشبه باستقبال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في أي
دولة يذهب إليها.
وتابع الزعيم قائلا «بدأ الاحتفال برقصة شعبية بالعصا، وتذكرت في هذه
اللحظة كل ما يحدث بمصر، ونزلت دموعي، وقلت إن مصر لا تستطيع الرقص الآن من
القوة الغاشمة التي تطبق على صدرها، لا أستطيع أن أتحمل ما يحدث في بلدي
الحبيب، ولم أنفصل لحظة عن متابعة الأحداث التي كانت تجري أثناء تكريمي عن
مسيرتي الفنية، وكنت أتابعها من خلال الفضائيات». واستطرد قائلا «أثناء
تسلمي للدرع طالبت الموجودين في القاعة بالدعاء لمصر، قائلين في صوت واحد:
يا رب احفظ مصر.. يا رب احفظ مصر».
وأعلن إمام رفضه للإعلان الدستوري، معللا ذلك بأنه لا يصح أن تعطى
للرئيس السلطة الكاملة، فهذا أمر مرفوض. وعن إمكانية نزوله إلى إحدى
المسيرات التي يشهدها الشارع المصري الآن، أوضح «لو اضطرني الأمر سأنزل دون
تفكير»، وأضاف أن «الجالسين في المنزل لا يعني جلوسهم عدم اعتراضهم على ما
يحدث، فتوجد طرق كثيرة للاعتراض، وأعمالي وآرائي شاهدة على ذلك، بجانب
التحدث مع البسطاء والتحاور إلى النخبة ومنهم سياسيون وكتاب ومفكرون».
وحول الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي سيجري يوم السبت
المقبل، قال إمام «أصبحنا بلد استفتاءات وليست شهادات»، وتحدث بسخرية عن
الطريقة التي تم بها الانتهاء من الدستور، قائلا «مش عارفين نعمل دستور حتى
الآن؛ لكني لن أعيب على الشعب؛ لكن العيب على الحكماء، وعلى رأي هيكل يمكن
أن يستقيل السياسيون؛ ولكن لا يمكن أن يستقيل الشعب». ووصف إمام الشعب
المصري بأن «لديه الموروث الشعبي والثقافي داخل كل فرد منه، وبناء على ذلك
لن يقبل بأن يحكمه فصيل واحد، ولن يرضخ لذلك مهما حدث، وسيظل يرفض تحت أي
ظرف».
ورفض بطل «الإرهاب والكباب» الهجوم الذي يشهده الإعلام المصري من جانب
الفصيل الإسلامي، واصفا ذلك بـ«الهجمة السياسية الجاهلة»، مشددا على دور
الإعلام خاصة في الوقت الحالي. وقال إمام «الإعلام في تقدم لم يشهده من
قبل، واستطاع القائمون عليه إحداث طفرة، بصرف النظر عن اتجاهات البعض
لتأييد أو رفض لمواقف معينة، فالآن الخبر يصل للمشاهد أثناء حدوثه، ويوجد
الآن تحليل لكل وجهات النظر لكل ما يحدث، والمشاهد هو الوحيد الذي عليه
اختيار ما يريد أن يسمعه ويشاهده، والمشاهد المصري لا يستطيع أن يضحك عليه
أحد، ففي الوقت الماضي كان التلفزيون المصري الرسمي هو المصدر الوحيد
للأخبار؛ لكن الآن توجد قنوات كثيرة، وهو ما يعزز فرص الاختيار بشكل حر».
وعن العروض الذي تلقاها للانتقال للإقامة في دولة أخرى خاصة بعد رفع
قضايا ضده تتهمه بازدراء الدين، وبراءته منها، قال بشكل حازم «لن أترك بلدي
وترابه مهما حدث وتحت أي ظرف، وسأظل أدافع عنه بكل ما أملك، وسأموت فداه،
والشعب المصري هو الذي أعطاني الشهرة وللكثيرين، ولا يزال يعطي الكثير،
فهذا الشعب من أسمى الشعوب».
وعما يشغله الآن، قال بطل فيلم «حب في الزنزانة»: «أنا مهموم بما يحدث
في بلدي، وليس بمفردي، فزوجتي انتابتها حالة اكتئاب مزمنة من شدة حزنها عما
يدور في الشارع المصري، فهي كانت مؤيدة للثورة بقوة». وأشار إلى أنها الآن
يتم علاجها في باريس ويصاحبها شقيقها «وقد رافقتها لبضعة أيام قليلة لكني
اضطررت للعودة كي أهتم بعائلتي وأحفادي».
وعن رأيه في المظاهرات التي اندلعت مؤخرا، قال عادل إمام بنبرة أسى
«أدعو الله ألا نشهد دماء أخرى»، مضيفا أنه لا يستطيع النوم بعد الأحداث
الأخيرة التي شهدها قصر الاتحادية «وأقول للشهداء الذي راحوا دون ذنب
جزاؤكم عند ربنا ولن تذهب دماؤكم هدرا».
وطالب إمام الشعب المصري بالنزول إلى العمل «كي لا نتعرض لخراب في كل
المجالات الاقتصادية والاجتماعية الفنية وغيرها، وأتمنى أن ننتهي من
المشاكل في أقرب وقت، فكل وقت يمر له ثمن من دمار وخراب». ووجه بطل فيلم
«الإرهابي» رسالة لـ«الإخوان المسلمين»، قائلا «لا بد أن تتفاهموا وتجلسوا
للتفاوض مع القوة السياسة المعارضة كي نصل لحل يرضي جميع الأطراف، وأرجو أن
تتخلو عن الخناقات الفردية بين بعض الأطراف»، وطالبهم بالاستفادة من خبرة
هؤلاء «الليبراليين». وأضاف «نحن في نفق مظلم؛ ولكن ما زال لدي بصيص من
النور داخلي».
وأبدى إمام قلقه من الدخول إلى حرب أهلية، وقال «أصبحنا نشاهد هجوما
بشكل يومي على كل شيء في البلد، كالهجوم على النساء وعلى السيارات، وغيرهما
من الهجمات الواضحة من قبل البعض، لذلك أطالب بالاقتداء بروح شباب ثورة 25
يناير (كانون الثاني) الذين أبهروا العالم بالمظهر المشرف والرائع».
وعن براءته من تهمة ازدراء الأديان، قال «هذه الاتهام كان مؤلما لكل
عائلتي، والاتهام بالكفر نهاية المطاف لأي إنسان»، وأوضح أنه كان يتألم
عندما يسأله أحد من أحفاده عن معنى ازدراء الأديان فكان لا يستطيع الرد.
وتحدث بطل «شاهد ماشافش حاجة» عن عمله الفني القادم قائلا «أجهز
لمسلسل درامي بعنوان (العراف) يدور في إطار كوميدي لإضحاك الشعب الذي نسي
الضحك من كثره الأحداث الراهنة، وهو من تأليف يوسف معاطي، وإخراج رامي
إمام»، وأكد أن الأحداث ستتطرق من بعيد إلى أحداث من ثورة 25 يناير دون
الدخول في تفاصيل مباشرة. وعن نيته تقديم عمل عن ثورة 25 يناير، قال إمام
«أتمنى ذلك، لكن ليس الوقت مناسبا، فالثورة حتى الآن لم تكتمل؛ لكنها
ستكتمل في الفترة المقبلة».
وأنهى إمام حديثه قائلا «أنا مصري ابن ريف، ولدت في المنصورة، وعشت في
الحلمية الجديدة، كما عشت في الجيزة، ولن أترك شبرا في مصر من دون ذكريات
لي. بلدي بلد التاريخ والأصالة، كما تتلمذت على يد نجيب محفوظ وطه حسين
وعباس العقاد وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي والترمذي، وورثت منهم حب
الحضارة».
الشرق الأوسط في
14/12/2012
السنة تلهث وقد بلغت خط النهاية..
وهوليوود تنجح بفضل أبطالها الخارقين للعادة
لوس أنجيليس - محمد رُضا
* السينما العربية تعيش حالات متأزمة.. والغربية تعيش مأزق الخوف من
خسارتها وصلنا إلى الشهر الأخير من العام وصار من الممكن أن نعود إلى
الوراء باحثين عما قد يكون لافتا أو مميزا حدث خلاله. فإذا ما فعلنا ذلك
هالنا أن لا شيء جديدا يمكن أن نضيفه إلى ما سبق طرحه قبل عام: السينما
العربية تعيش حالات متأزمة على الرغم من النشاط والحركة التي تسودها،
والغربية تعيش مأزق الخوف من خسارتها ما حققته من نجاحات خلال الأعوام
القليلة السابقة. بل إن هناك مؤشرات تؤكد أن إجمالي الإيرادات في عام 2012
قد يكون أقل بنحو 20 في المائة عما كان عليه في العام الماضي.
* في السينما العربية
* السينما العربية ما زالت وضعا معقدا زادته «ثورات الربيع العربي»
تعقيدا. السينما مهددة اليوم في موقع القلب من هذه السينما أي في مصر
ذاتها. ليس أن السائد لا يزال أفلاما جماهيرية لأن هذا التوجه لن يضمحل أو
يتراجع، بل لأن عدد الأفلام المنتمية إلى النوع الترفيهي بات أقل من سابقه
كذلك نوعية الفيلم التجاري ذاته: هناك، كما الحال في «أنا بضيع يا بديع»
(على سبيل المثال) معالجة جديدة - لكن هل هي أفضل من المعالجات الكلاسيكية
في الإطار ذاته، هذا أمر مختلف.
إلى جانب ذلك، هناك ما يتربص بالسينما المصرية في المستقبل المنظور
فيما لو وصلت بعض الأطراف السياسية إلى السُلطة. فليس من بين برامجها ما هو
دفع للثقافة أو للفن. لذلك، ولو عمدنا إلى نزع القناع الذي وضعه بعض صانعي
السينما والمشتركين في التهليل لكل جديد، جانبا، لبدت السينما العربية على
حقيقتها العارية: تجارب في السينما أكثر منها السينما ذاتها. ومع أن بعض
النقاد يغدق في تفاؤله مستنجدا بحسنات أفلام قليلة، فإن السينما ليست
الأفلام والأفلام ليست السينما. هذا التفريق الغائب بين الناحيتين كفيل
بتفسير سبب من أسباب سوء الفهم الذي يقع فيه هذا البعض.
بالإضافة إلى هؤلاء، هناك الذين يكتبون محيين سينما في بلد واحد
معرضين عن البلد الآخر (أو قطاع كبير من البلدان الأخرى في الواقع) وهذا
حسب موقعه على خارطة المصالح. في الحصيلة، لغط كبير يتّخذ غالبا صفة
الدعاية ويتصف بلغة الطمأنينة ويهدف إلى تصوير نهاية سعيدة، تشبه تلك التي
غلفت معظم أفلام هوليوود الثلاثينات.
الواقع أن السينما العربية أبعد ما تكون عن الوضع الجيّد بمفهومه
العلمي. نعم هناك أفلام جيّدة من هنا وهناك (تصوّر لو لم تكن) لكن بضعة
أيام ماطرة لا تعني أن فصل الشتاء قد أزف. وفي حين أن بعض النقاد يدركون أن
السينما (في كل مكان) تتطلب عناصر أساسية لكي «تحدث» فإنهم حين يصلون إلى
موضوع السينما العربية نجدهم غير ملزمي أنفسهم بالبحث عن هذه العناصر بل
إغفال أهميّتها لصالح رصد الناتج. وبما أن عدم اكتمال العناصر يؤثر على
الناتج، فإن هذا الناتج لا يمكن أن يكون جيّدا وفي حالة وجود فيلم جيّد فإن
ذلك وضع ذاتي لا يشمل السينما ككل. أي مخرج حقق فيلما جيّدا في حياته يعلم
ذلك.
والأمر يزداد تعقيدا مع حدوث «ثورات الربيع»:
التطوّر المستمر الوحيد هو هذا الحاصل في منطقة الخليج وفي دولة
الإمارات العربية المتحدة بصورة أكثر تحديدا. ليس فقط أن الدولة أدركت
أهمية السينما كوسيط ثقافي وفني وحضاري وأمدّته للآن بما يلزم من دعم،بل
يُسجّل أيضا إقبال كبير على دور العرض وعلى ما يعرض في مهرجانات السينما
المتوفّرة في أبوظبي ودبي ما يعزز أرضية هذه النهضة.
باقي المنطقة عموما يتقدّم ولو تبعا لظروف بعضها المختلفة عن ظروف
بعضها الآخر. بعض الأسواق العربية ما زالت متراجعة عما كانت عليه، وبعض
صناعات دول هذه المنطقة من العالم ما زالت متوقفة علما بأنه من الطبيعي عدم
التوقّع، ضمن الظروف الاقتصادية والسياسية لعدد من هذه الدول، طفرة كبيرة
من الانتاجات.
* السينما العالمية
* في مطلع عام 2012 كتبنا هنا عن ذلك التقرير الذي نشرته صحيفة
«نيويورك تايمز» الأميركية ومفاده أن صالات السينما الأميركية سجلت، في عام
2011 نحو 500 مليون دولار أقل مما سجلته في عام 2010. هذا مقلق للسينما
الأميركية داخل بلادها. لكن المقلق أيضا هو احتمال أن يكون التراجع مستمرا
هذا العام أيضا، لأنه إذا ما نظرنا لما أنجزته الأفلام من نجاحات هذا العام
فإننا سنجد كثيرا من الأفلام التي لم تستطع اختراق سقف التوقّعات فسقطت. في
المقابل حفنة قليلة هي التي جذبت النجاحات الكبيرة وفي مقدّمتها «الفارس
الداكن يصعد» و«سكايفول» المعروض حاليا.
هذا ما يوعز لأهل السينما بالكثير من المخاوف خصوصا مع تعدد مذاهب
ووسائط تلقي الفيلم كما هو الحال اليوم وجرفه تقاليد مشاهدة الأفلام على
الشاشات الكبيرة في الصالات المخصصة للعروض الفيلمية.
وبينما انشغلت هوليوود منجرفة في تحقيق الثنائيات والثلاثيات
والرباعيات وسواها من السلاسل السينمائية فإن ليس كل جزء يحمل رقما كان
ناجحا هذه السنة. فـ«مخطوف 2» لم ينجز نصف ما حققه الجزء الأول في الأسواق
و«بارانومال أكتيفيتي 4» توارى عمليا بعد أسبوعه الأول، ويشعر أصحاب
«أنشودة توايلايت» بالارتياح كونهم أنهوا السلسلة بإعلان مسبق بأن هذا
الجزء الجديد هو آخر المطاف. وحتى فيلم الأنيماشن «مدغشقر3» اكتفى بنحو 217
مليون دولار وهو الذي هدف لضعف ذلك من نجاح.
في الواقع إنه إذا ما نظرنا إلى الأفلام التي أنجزت النجاح الأكبر هذه
السنة واحتلت المراكز الخمس الأولى إلى اليوم (أي باستثناء «ذ هوبيت» الذي
لن تتبلور إيراداته قبل نهاية هذا الأسبوع، فإن سؤالا ملحا يطالعنا: ماذا
كانت السينما الأميركية ستفعل لولا أفلام السوبر هيرو؟ فمن بين هذه الأفلام
ليس هناك أي فيلم لا يحتوي على بطل استثنائي ذي قدرات خارقة. في المركز
الخامس «سكايفول» بطولة جيمس بوند طبعا. في المركز الرابع مجموعة وحوش
«أنشودة توايلايت» وفي المركز الثالث «ألعاب الجوع» (ولو أن البطولة فيه
مختلفة إلا أن الفيلم هو خيال افتراضي). في المرتبة الثانية بين أنجح أفلام
هذا العام يكمن فيلم باتمان «الفارس الداكن يصعد» (جمع أميركيا فقط 448
مليونا) وفي الأول فيلم مطلع العام «المنتقمون» (بطولة عدّة سوبر هيروز)
الذي أنجز - أميركيا - أيضا 623 مليون دولار.
الأكثر لفتا للنظر هو أنه لا يوجد فيلم واحد لو وسعنا إطار التناول
ليشمل قائمة العشرة غير فانتازي أو خيال علمي بما في ذلك، وبطبيعة الحال،
الفيلمان الكرتونيان الوحيدان في هذه القائمة. فالمركز السادس لفيلم «سبايدر
مان المدهش» والسابع للأينماشن «شجاعة» والثامن للفيلم الكوميدي الغرائبي «تد»
والمرتبة التاسعة يحتلّها الأنيماشن الآخر «مدغشقر 3»، والعاشرة لفيلم
«دكتور سويس: ذ لوراكس».
أول فيلم على قدر من النجاح لا ينتمي إلى هذا الهامش العريض من
الأفلام هو «المهمّة: مستحيلة» الذي يحتل المركز الحادي عشر بعدما جمع 180
مليون دولار أميركية، علما بأنه لا يخلو من فكرة السوبر هيرو. يكفيه تمثيل
توم كروز معلّقا من برج خليفة.
جولة بين الأفلام الجديدة
* نقاد ومشاهدون لم يحظ الجزء الأول من ثلاثية «ذ هوبيت» بذلك الترحاب
الكبير الذي حظيت به ثلاثية «سيد الخواتم»، ونقاط اللقاء بين السلسلتين
متعددة من بينها أنهما اقتباسان من مصدر واحد هو أعمال الروائي جون رونالد
تولكين (المعروف بأحرف اسمه الأولى
J.R..R Tolkien)
ومخرجهما واحد، هو بيتر جاكسون ويدوران في عالم غرائبي. «ذ هوبيتز» في
الواقع هم أبناء الشعب الصغير حجما الذي انطلق منه ثلاثة في سلسلة «سيد
الخواتم» في رحلة خطرة للوصول إلى وادي الجحيم وإلقاء ذلك الخاتم المسحور
فيه تخلصا منه. هذه المرّة فإن الرحلة هي لواحد (في الأساس) من هذا الشعب
عليه أن يسبر غور مخاطر أخرى لأجل استعادة كنز كان سرق من هذا الشعب.
القول إن الجزء الأول من الثلاثية الجديدة لم يحظ بالاهتمام ذاته لا
يُقصد النيل منه. جماهيريا حطم الفيلم في عروضه الأولى مساء الأربعاء
الماضي أرقاما قياسية في الولايات المتحدة، وبالتأكيد سيتبوأ المركز الأول
في نتائج نهاية الأسبوع، لكن نقديا الأمر مختلف. شخصيا لم أجده في جردة قمت
بها لمعرفة آراء النقاد في أفضل أفلام السنة. ستة عشر ناقدا يمثّلون الصحف
والمجلات الأميركية «تايم» و«واشنطن بوست» و«نيويوركر» و«إنترتايمنت ويكلي»
من بين مجلات وصحف أخرى لم يضمّنوا لوائحهم لأفضل عشرة أفلام شاهدها كل
منهم ذكرا لهذا الفيلم، على عكس ما حدث في مطلع القرن الحالي عندما وردت
أجزاء «سيد الخواتم» في لوائح كثيرة. وفي المقالات المنشورة يوم الجمعة
الماضي هناك اثنا عشر ناقدا وجدوا الفيلم جيّدا وما فوق وإحدى عشر وجدوه
متوسّطا ما يجعل نسبة قبوله حاليا (أي قبل استكمال كل الآراء) متوقّفة عند
حدود 60 في المائة.
• هذا لم يحدث مع فيلم «زيرو دارك ثيرتي» الذي حظي فور إطلاقه بنسبة
عليا بلغت 98 في المائة من إعجاب النقاد. فيلم كاثرين بيغلو الذي يدور حول
العملية التي أدّت لمقتل بن لادن على رأس قائمة أكثر أفلام السنة ورودا في
لوائح النقاد حتى الآن. حسب
www.metacritic.com
فإن الفيلم جمع 24 نقطة يليه:
* «حب» لمايكل هنيكه: 16 نقطة. * «لينكولن» لستيفن سبيلبرغ: 13 نقطة
* «وحوش البراري الجنوبية»: 10 نقاط. * «مملكة مونرايز»: 10 نقاط.
مايكل أبتد، الذي يحتفي به مهرجان دبي في دورته الحالية، لن يخرج فقط
بالتكريم الذي يستحقه كمخرج بريطاني اشتغل في السينما منذ نحو ثلاثين سنة
حفلت بأفلام جيدة، بل أيضا بعقد لتصوير فيلمه المقبل «ثمانية أشهر في شارع
غزة» في بلد عربي، من المرجّح جدّا أن يكون دولة الإمارات العربية المتحدة.
الفيلم مأخوذ عن رواية تعود إلى الثمانينات بعد أن يتم تحديثها لتقع في
الزمن الحاضر، وهي من تأليف هيلاري مانتل وتدور حول امرأة أميركية تترك
الولايات المتحدة لتعيش في بلد عربي حيث تتلقف ثقافة مفاجئة ومختلفة وعن
الصداقة التي تنشأ بينها وبين امرأة عربية. يكتب السيناريو كريغ بولوتين
وهو كاتب سطر سابقا بضعة أعمال معروفة من بينها فيلم ريدلي سكوت «مطر
أسود».
لن يكون «ذ هوبيت»، إذ أعود إلى ما هو متوفّر اليوم من أفلام، هو
الوحيد الذي سيعرض على نطاق واسع خلال هذا الأسبوع (ويشمل هذا النطاق
الواسع الصالات الأوروبية والعربية على حد سواء) بل هناك أفلام أخرى ستبقى
محدودة التأثير بينها فيلم تشويقي عنوانه «شيء خسيس» لمخرج جديد اسمه دارين
سكوت وبطولة جون روبنسون وبريتني مورفي. وهناك دراما بعنوان «في خلية
النحل» وهو آخر ما مثّله مايكل كلارك دانكن عبر وفاته قبل نحو شهرين. كما
هناك فيلم كوميدي بعنوان «ضربة مال» مع جاسون ميوز وجوش هاموند. لفت
انتباهي أن الميزانية الأكبر لأي من هذه الأفلام لا تتجاوز 4 ملايين دولار،
وهذا على الأرجح تكلفة التحضيرات الإنتاجية لفيلم «ذ هوبيت» حين أخذ المخرج
بيتر جاكسون يصمم فيلمه على الدجيتال بالأبعاد الثلاثة قبل أن ينطلق
للتصوير في ربيع هذه السنة.
طبعا انطلاقة «ذ هوبيت» ستؤثر على ما ينجزه «سكايفول» حاليا من
نجاحات، وهو بعد أن تراجع في الأسبوع الماضي إلى المركز الثاني تبعا لهجمة
من «أنشودة توايلايت: انبلاج الفجر 2» عاد فتبوأ المركز الأول في الولايات
المتحدة. الملاحظ هو وجود سقطتين تجاريتين متتاليتين في الأسابيع القليلة
الماضية وكلتاهما لنجم معيّن: فيلم براد بت «اقتلهم بنعومة» مرّ عابرا أمام
المشاهدين وفي الأسبوع الماضي حط
Playing for Keeps في المركز السادس، بإيراد ضعيف وهو من بطولة
جيرارد بتلر.
بين الأفلام
* فيلم مكسيكي.. نوع آخر (3*) شمس إخراج: دانيال كاسترو زيمبارون.
دراما | المكسيك عروض: مهرجان مورليا الدولي.
هناك سينمتان تقدّمتا أشواطا هذا العام عما كانت عليه في العام السابق
وهما المكسيكية والأرجنتينية. و«شمس» نموذج لفيلم مكسيكي فنّي انتقل بين
بضعة مهرجانات لاتينية حاظيا باستقبال جيّد في كل مرّة. على هذا، القصّة
أضعف من الفكرة لكنها منفّذة جيّدا، كأسلوب عمل.
يفتح الفيلم على وجه رجل جالس في الجانب الخلفي من الشاحنة قبل أن تصل
الشاحنة إلى حيث لا تستطيع الاستمرار. يهبط منها ذلك الرجل حاملا أمتعته
التي تنضوي على خيمة صغيرة و«غالون» ماء. يمشي وحيدا في أرض مترامية. إنها
الصحراء. ثم يختار، وقد ساد الظلام، بقعة ليشعل نارا. إنه، كما نعلم في
اليوم التالي، عالم نباتات ويصرف بعض الوقت في رسم زهرة لنوع من الصبّار
النادر أمامه. بعد حين يقطع خلوته شاب هندي يطلب ماء. بعد انصرافه يطوي
الرجل خيمته ويرحل إلى منطقة أخرى. حين يمضي عليه أيام وينفد ماؤه يترك كل
شيء ويهيم في الصحراء إلى أن يسقط أرضا.
هنا ينفصل الفيلم في مفارقة غير واضحة: هناك زوجته (أو هل هي حبيبته؟)
التي تظهر فجأة منضمّة إليه في هذا الماراثون الطويل من المشي تائهين بحثا
عن ملجأ أو مخرج. تزورهما صور شتّى من الماضي خلال بحثهما هذا ويصلان إلى
حيث يعيش رجل من هنود وكساريتي
Wixarika
حيث يمنحهما بعض الماء (لا نشاهدها تشرب لكنه يفعل). بعد ذلك هما في رحلة
أخرى وصولا إلى موقع آخر حيث يقوم عجوز آخر بإيوائهما ومعالجة الرجل من
آلامه. ما بين المواطنين المذكورين مشاهد على شاطئ البحر. طبعا من السهل
إرجاع كل الجزء الذي تظهر فيه المرأة إلى هلوسة الرجل خصوصا بعد مشهد متأخر
نراه فيها يدخل حمّام منزل ليجد زوجته ميّته في مغطسه، لكن ما لا يجب أن
يحدث هو تصويره وقد آل إلى موت محتّم لأن المدّة التي نقضيها مع تلك
الهلوسة أطول مما يجب قياسا بكل فترة الفيلم. ما لدى المخرج فكرة جيّدة
عليه أن يصنع منها فيلما طويلا نصفها مع شخص واحد والنصف الثاني مع شخصين
وما خرج به قصّة تحتاج إلى رصف أفضل. في نهاية الفيلم بطاقة تفصح عن أن
الصحراء التي تقع فيها الأحداث هي أرض هندية عاشت فوقها قبيلة ويكساريكا
منذ مئات السنين على الأقل والآن هي قلقة من محاولات الرجل الأبيض غزوها
بحثا عن المناجم. لكن لا شيء في الحكاية يفي حق هذا الجانب. على صعيد بصري
محض، هذا الفيلم ولادة مخرج لم يسبق له أن حقق فيلما طويلا من قبل.
شباك التذاكر
* «سكايفول» عاد إلى القمّة هذا الأسبوع والباقي تهاوى عائدا درجات
إلى الوراء باستثناء «حياة باي» (افتتاح مهرجان دبي) و«لينكولن» اللذين
حافظا على وضعهما السابق. «لعبة الحفظ» جديد استقر في المركز السادس.
1 (2)
Skyfall: $11,253,932 (4*) 2 (3) Rise of the Guardians:
$10,540,619 (2*) 3 (1) The Twilight Saga: Breaking Dawn 2: $9,200,286
(2*) 4 (4) Lincoln: $9,114,452 (3*) 5 (5) Life of Pi: $8,305,946 (3*) 6
(-) Playing for Keeps: $6,808,116 * 7 (6) Wreck it Ralph: $4,903,744
(3*) 8 (8) Red Dawn: $4,261,566 (2*) 9 (9) Flight: $3,130,387 (3*) 10
(7) Killing Them Softly (3*)
سنوات السينما
1929 | شرق أوروبا وغربها
* …. وفي حين، وكما سبق وذكرنا، قدّم ألفرد هيتشكوك فيلمه المبكر
«ابتزاز» ووفّر كل من فيدور كينغ وأرنست لوبيتش ولوريل وهاردي وباستر كيتون
وروبن ماموليان أفلاما ممهورة بأسلوب كل منهم المختلف، كان هناك عدد آخر من
المخرجين ينجزون ما تبلور لاحقا كأسلوب عمل فني على نحو كبير من الذاتية.
في الحقيقة، شهرة ولهلم جورج بابست تأكدت في ذلك العام عبر «باندورا بوكس»
الفيلم الألماني الرائع الذي قامت ببطولته لويز بروكس.
إنه العام الذي شهد خروج «الرجل ذو الكاميرا السينمائية» للروسي دزيغا
فرتوف الذي سبق سواه في صناعة الفيلم التجريبي حيث لا يزال الفيلم مثالا
يُشار إليه إلى اليوم. مصوّر ذلك الفيلم هو ميخائيل كوفمن وشقيقه بوريس
انتقل إلى فرنسا حيث صوّر في العام التالي فيلما فرنسيا من النوع ذاته من
إخراج جان فيغو أعود إليه في الأسبوع المقبل منتقلين إلى سنة جديدة.
الشرق الأوسط في
14/12/2012
تسبق الأوسكار وتؤثر فيها
نقابة الممثلين الأمريكية تعلن ترشيحاتها
لجائزتها السنوية
محمد رُضا
أعلنت “نقابة الممثلين” الأمريكية ترشيحاتها لجائزتها السنوية للعام
،2012 وهي المسابقة التي ستعلن نتائجها في حفل رسمي مساء الأحد السابع
والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير المقبل .
منذ تسع عشرة سنة أضافت النقابة جائزة المتخصصة في حقل التمثيل إلى
مجمل الجوائز التي تحتشد في هذا الموسم، فهناك جوائز “نقابة المخرجين”
وأخرى من نقابة “الكتّاب” وثالثة ل “نقابة المصوّرين”، هذا بالطبع عدا عن
الجائزتين الأساسيّتين اللتين تحتفظان بالأهمية والإقبال الأكبر وهما
الأوسكار والغولدن غلوب .
هناك في الولايات المتحدة داخل وخارج هوليوود أكثر من مئة ألف ممثل
وممثلة بينهم نحو 100 ألف هم أعضاء هذه النقابة . لكن الترشيح العام الذي
أعلن قبل أيام قليلة قام به نحو 4200 عضو فقط تم تقسيمهم في لجنتين واحدة
للسينما والأخرى للتلفزيون . هذه الترشيحات التي تشمل بنوداً متعددة، تُحال
إلى كافة الأعضاء للتصويت وذلك قبل نهاية الشهر الحالي . وفي السنوات
الأخيرة ارتفع تأثير هذه الجائزة في الأوسكار من حيث إن ترشيحات الأوسكار
الأولى، تلك التي ستعلن في نهاية الشهر المقبل مستمدّة من نفس الأعضاء شرط
أن يكونوا منضوين أيضاً في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية . والوضع
هذا العام مثير للاهتمام، كون المنافسة شديدة وتلتقي فيها وجوه جديدة لم
يجر من قبل ترشيحها بأخرى مخضرمة .
ترشيحات التمثيل الرجالي في دور رئيسي: الممثل الكوميدي برادلي كوبر
مرشّح عن دوره في “سيلفر لاينينغ بلايبوك” وجون هوكس عن “الدورات” وكلاهما
جديد في هذه الترشيحات . ثم دانيال داي-لويس عن دوره مشخّصاً الرئيس
الأمريكي لينكولن في فيلم يحمل العنوان نفسه، وهيو جاكمان عن “البائسون” ثم
دنزل واشنطن عن دوره في “طيران” .
ترشيحات التمثيل النسائي في دور رئيسي: جسيكا شستين عن دورها في “زيرو
دارك ثيرتي” والفرنسية ماريون كوتيار (مسجلة في النقابة منذ أن أخذت تمثّل
أفلاماً أمريكية) عن “صدأ وعظام” ثم جنيفر لورنس عن “سيلفر لاينينغ بلايبوك”
وهيلين ميرين عن دورها كزوجة ألفرد هيتشكوك في “هيتشكوك” وأخيراً ناعومي
وووتس عن “المستحيل” .
أداء مميز لممثل في دور مساند: فيليب سايمور هوفمن لعب دوراً رائعاً
في “ذ ماستر” وحسب كثيرين هو أكثر الممثلين استحقاقاً . وألان أركين عن
“أرغو” والإسباني جافييه باردم عن “سكايفول” وروبرت دينيرو عن “سيلفر
لاينينغ بلايبوك” وتومي لي جونز عن “لينكولن” .
أداء مميز لممثلة في دور مساند: المقابل النسائي للجائزة السابقة تشهد
حضور سالي فيلد بعد غياب طويل وذلك عن دورها لاعبة شخصية أم الرئيس لينكولن
في “لينكولن” . أيضاً آن هاذاواي عن “البائسون” وهيلين هانت عن “الدورات”
ثم نيكول كيدمان عن “الصحافي” وانتهاءً بالبريطانية (وأكبر المتسابقات
سناً) ماغي سميث عن دورها في “فندق ماريغولد الغريب” .
إلى جانب هذه الأقسام تمنح النقابة جائزة لأفضل تمثيل جماعي، أي
لمجموعة كاملة من الممثلين والممثلات الذين اشتركوا في بطولة فيلم على نحو
متساو من حيث حجم الدور وأهميّته . وهناك خمسة أفلام في هذا النطاق وهي “أرغو”،
وهو فيلم الجاسوسية الذي يدور حول حادثة تهريب ستّة أمريكيين من إيران ومن
بين ممثليه بن أفلك وألان أركن وجون غودمان وكيري بيش من بين آخرين .
“فندق ماريغولد الغريب”: هذه الكوميديا البريطانية
تحتوي بين ممثليها الأول توم ولكنسون وجودي دنش وبينيلوبي ويلتون .
“البائسون”: هذا هو اقتباس آخر لرواية ألكسندر دوما المعروفة وتضم بين
ممثليها هيلينا بونام كارتر، آن هاذاواي، هيو جاكمان وراسل كراو .
“لينكولن” ويضم تحت “رئاسته”: هال هولبروك وسالي
فيلد وجوزف غوردون- ليفيت وجيمس سبادر من بين آخرين .
“سيلفر لاينينغ بلايبوك” هو دراما عاطفية خفيفة
ومن المشتركين فيها برادلي كوبر، روبرت دينيرو وكريس تاكر وجاكي ويفر . كما
هو ملاحظ فإن عدداً لافتاً من الممثلين الواردة أسماؤهم في هذه الأفلام
الخمسة مرشّحون أيضاً كممثلين منفصلين ما يشكّل سؤالاً حول المبرر الفعلي
لأن يتم ترشيح الممثل مرّتين، منفرداً وجماعياً كما لو أنه ليس هناك ممثلون
رائعون آخرون يستحقّون هذه التحية مروا تحت رادار نقابتهم .
أسماء في تاريخ الفن السابع
محمد صُبيح: وجه الشر الجميل
ليس هناك من يحفل اليوم لمراجعة تاريخ الوجوه الشريرة في السينما
المصرية . على عكس حالها اليوم، كانت في الخمسينات والستينات قائمة على عدد
كبير من الممثلين الذين كان المشاهدون في ذلك الحين يقبلون لمشاهدتهم وليس
فقط لمشاهدة البطل . لا نتحدث هنا عن ممثلين عمالقة في هذا النوع مثل محمود
المليجي، بل عن ممثلين لعبوا أدواراً ثانوية تحت جناحه حيناً وبعيداً عنه
حيناً آخر .
محمد صبيح كان الشرير اللافت دوماً في أدوار قصيرة . ملامح وجهه تدعو
المشاهد للحذر منه . نظرته مخيفة وحواره قليل وحين يهز رأسه موافقاً
لتوجيهات المعلّم تتوقّع شراً سيحدث . في “بين إيديك” و”هارب من الأيام”
و”الأبطال” و”أبو ربيع” وكثير غيرها جسّد صُبيح الشخصية على نحو بارع يكشف
الوجه الجميل للشر .
شاشة الناقد
قبضات حديدية من الماضي
The Man With Iron Fist
**
الرجل ذو القبضة الحديدية
إخراج:
RZA-
تمثيل: راسل كراو، بايرون مان، تشونغ لي، لوسي ليو
أكشن شرقي- الولايات المتحدة 2012
قيام المنتج والمخرج المسرحي روبرت فيتزجرالد ديغز باختيار الأحرف
الثلاثة الأولى لكي يشكّل اسمه الفني
RZL
هو أكثر لفتاً للنظر من فيلمه السينمائي
الأول . ولد في نيويورك وفي السبعينات كان صغيراً عندما أخذ يؤم صالة
السينما القريبة من منزل عائلته ليشاهد أفلام بروس لي والنينجا والكونغ فو
. لذلك، نستطيع أن نفهم ونتفهم، تأثر بتلك السينما واختار فيلمه الأول
تقديرا لها .
والسيناريو يبدو بالفعل كما لو أنه مؤلف من مشاهد أثّرت فيه أكثر من
سواها فأراد ضمّها إلى تجربته، أو من ملاحظات دوّنها ليوم أن يقف وراء
الكاميرا ويستخدمها . في الواقع تاريخ هذا الفيلم ليس بعيداً عن سينما
كوينتين تارانتينو ف “RZL” هو من وضع موسيقا فيلم تارانتينو “أقتل بل- 1” وتارانتينو هو الذي
يقدّم هذا الفيلم . أما ما على الشاشة نفسها فهو مزج بين تيارات داخل نوع
الأكشن مستخلص من أفلام النينجا الصينية كما من أفلام الساموراي اليابانية
. الحكاية يمكن لها أن تقع في الصين كما في اليابان، لكن نظم القتال مفتوحة
على هاتين المدرستين وسواهما أيضاً .
الأحداث تقع في الصين وتدور في رحى العهود السابقة حيث يقوم رئيس
ماليشيا (بايرون مان) بقتل رئيس العصابة التي ينتمي إليها وينطلق في حملة
من النهب والقتل . وهو الآن يريد إخضاع بلدة باسم “جانغل فيلاج” لسيطرته
والا فإنه سيقوم بتدميرها . من سيقف في وجهه سوى رجال ينتمون إلى منهج
تفكير مختلف يؤمن بالدفاع عن الحق . هذا الفريق مؤلّف من محارب باسم “إكس
بلايد” (يقوم به ريك يون) ومرتزق بريطاني (كريستوفر كراو) وRZL
نفسه .
من أعجبته هذه الأفلام سيجد في هذا الفيلم نوعاً من النوستالجيا
المحببة . غاية المخرج في الواقع هي إعادة تقديم هذه المدرسة من أفلام
القتال المعتمد على مهارات السيوف من دون إضافات أو تغييرات مهمّة . وهو
ينجح في جعل المشاهد يستعيد مثل تلك الأعمال السابقة كما لو كان يشاهدها
لأول مرّة . طبعاً المسألة كلها منتفاة الأهمية بالنسبة للمشاهدين الذين لم
يكترثوا يوماً لمثل هذه الأفلام .
لكن بصرف النظر عن آراء المنتمين إلى هذا الفريق أو ذاك، فإن الفيلم
لا يقصد أكثر مما يوفّره . لا يريد لنفسه أن يكون فعلاً فنيّاً أو
ميثالوجياً على أي صعيد . لا يرغب في أن يدخل سباق الأوسكار بل يكفه سباق
المشاهدين . وهذا ليس تبريراً لأنه حتى في الخانة الأخرى على الأفلام أن
تحمل فنّاً وحسن تنفيذ .
التنفيذ لا بأس به في أماكن هنا، لكنه ليس على نحو شامل . هناك حس بأن
الجميع يعلم أن الفيلم خفيف لذا يأتي التمثيل خفيفاً مستنداً إلى شخصيات
مكتوبة كما لو كانت لوحات جدرانية تصاحبها تعريفات محدودة .
أوراق ومشاهد
طريق الحريّة
(1982) ****
Yol
“طريق” له أكثر من قيمة وأحدها قيمة سياسية .
المخرج يلماز غونيه كان صوتاً مناوئاً للسلطة التركية . شاعر ومؤلّف
ومخرج سينمائي كردي جاهر بنقده للنظام حينها فلوحق وصودر ومنع ثم أُدخل
السجن . في الستينات والسبعينات أنجز عدداً كبيراً من الأفلام التي تبدو من
الخارج كما لو كانت أفلام أكشن ريفية مستوحاة من أفلام الوسترن الأمريكية .
في الصميم هي أفلام يسارية التوجّه ومشاغبة . وكانت أيضاً، وعلى عكس ما
كانت تتمناه الحكومة التركية، تجارية ناجحة . اسم غونيه بالنسبة للأتراك،
خصوصاً الأكراد منهم، كما اسم إنغمار برغمن بالنسبة للسويديينة معلم من
معالم الفن السابع .
في النهاية تم سجن المخرج لمنعه من العمل والتعبير وتخلّصاً من
نشاطاته . لكن السجن لم يمنعه من تحقيق هذا الفيلم . كتب السيناريو ثم
التقى بمساعده شريف غوران وأخذ يعطيه توجيهاته الفنية لكيفية تصويره . وهذا
امتثل . النتيجة هذا الفيلم الذي توجّه بعد ذلك إلى مهرجان “كان” والذي
أصبح الفيلم ما قبل الأخير للمخرج المذكور . ففي العام 1983 شهد المهرجان
كذلك فيلم غونيه اللاحق “جدار” الذي أنجزه سريعاً ومباشرة بعد هروبه من
السجن ولجوئه إلى سويسرا . وهو مات في السنة التالية (1984) عن 47 سنة فقط
.
“طريق” يدور حول خمسة مساجين متواجدين في جزيرة
إمرالي يُمنحون أسبوعاً من الحريّة ونتابع كلاً منهم في رحلته عائداً إلى
الحياة التي حرم منها . إلى عائلته وقريته و-أحياناً- إلى الأسباب التي
دفعت به إلى السجن . وفي حين يعود أربعة من السجناء إلى السجن كما هو مفترض
بهم، يقرر أحدهم البقاء حرّاً طليقاً ولو أدّى ذلك إلى ملاحقة القانون له
معرّضاً نفسه- إذا ما بقي حيّاً- لمعاملة قاسية قد يحرم فيها من إذن الخروج
مجدداً .
كل الحكايات (أو “الطرق”) تعكس قدراً كبيراً من مواقف غونيه المعلنة .
فهو لا يزال يتحدّث القهر والإحباط والوحدة والبحث اللامجدي عن السعادة .
وكما هي عادة المخرج حين كان حرّاً، التقط له شريف غوران الطبيعة في بعض
أوحش صورها . إنه كما لو أن أبطاله محكومون ببيئة لا تستطيع أن تتجمّل
لإرضائهم، فهم عاصروها على هذا النحو وعانوا من ثلوجها وذئابها ورجالاتها
القاسين . وفي هذا رمز للحكم العسكري الذي عانت تركيا منه طويلاً .
ر .م
Merci4404@earthlink.net
الخليج الإماراتية في
16/12/2012
"الرحلة
الأخيرة لأبوجا":
دروس درامية وأشياء أخرى
بقلم: أحمد شوقي
برغم كل محاولات الموضوعية يظل كل ناقد محتفظا ببعض الآراء الراسخة
داخله تجاه نوعيات معينة من الأفلام، ولكن هناك بعض الأعمال تدفعك دفعا نحو
إعادة تقييم قناعاتك المسبقة.
من بين هذه الأعمال الفيلم النيجيري "الرحلة الأخيرة لأبوجا" للمخرج
والمؤلف أوبي إيميلوني، الذي شاركفي المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة
السينمائي.
فعندما تقرأ ملخص حكاية الفيلم ربما تندهش لاختياره داخل المسابقة
الدولية، فالفيلم يروي كارثة جوية حدثت عام 2006 عندما سقطت طائرة ركاب
نيجيرية داخلية كانت تنقل ركابامن لاجوس إلى أبوجا، وهو ما يجعله ينتمي
تلقائيا إلى نوعية من الأفلام التي لا ينظر لها عادة باعتبارها أعمالاجادة
صالحة للمشاركة في المهرجانات، ويكتفي النقاد في معظم الأحوال بتصنيفها
كأفلام تشويق تجارية.
نفس النظرة يتم تفعيلها داخلك مع التتابع الافتتاحي للفيلم، وهو عبارة
عن انتقال للأمام "فلاش فوروارد" للحظة اكتشاف الركاب لوجود عطل سيجبر
الطيار على الهبوط بشكل اضطراري، وهي أيضا طريقة سردية تنتمي بالأساس
لسينما التشويق التجارية.
ولكن سرعان ما تتغير هذه النظرة ويزول التساؤل حول سبب تواجد الفيلم
ضمن المسابقة الأهم للمهرجان بمجرد تتابع مشاهد الفيلم الذي لا تتجاوز مدة
عرضه الساعة وربع الساعة، لتدرك أن وجود العمل بالمسابقة ينبع من التميز
السردي الذي يتمتع به، والذي يخرجه من حيز التشويق التجاري إلى ما هو أبعد
بكثير، سواء على مستوى حرفية النص الدرامي نفسه وطريقة التعامل مع الفكرة،
أو على صعيد تنفيذ الفيلم بإمكانيات لا يمكن وصفها بالكبيرة، أو فيما يتعلق
بالقيمة الفكرية التي يطرحها الفيلم بذكاء ودون أي صخب.
عن التعامل مع عنصري الزمن والشخصيات
موضوع الفيلم وضع اختيارات المخرج المؤلف تلقائيا أمام حقيقتين:
الأولى هي محدودية عنصر الزمن، فالأحداث تدور خلال فترة زمنية تبلغ حوالي
ست ساعات تبدأ في منتصف النهار وتنتهي بالدقائق التالية لسقوط الطائرة
مساءا، والثانية هي ضرورة تعدد الحبكات، فبدلا من أن يتحول الأمر إلى فيلم
من نوع الأكشن على الطريقة الأمريكية عن بطل منقذ على متن طائرة هاوية،
اختار أوبي إيميلوني أن يروي عدة حكايات متوازية تتم خلال اليوم وتتصاعد
لتبلغ ذروتها وقت علم الركاب بالهبوط الاضطراري.
الحقيقتان السابقتان تجعلانا نفكر تلقائيا في فيلم مصريحاول مؤخرا
انتهاج نفس المنهج هو فيلم "ساعة ونص" للمخرج وائل إحسان. ولكن على العكس
من الفيلم المصري الذي جاء عبارة عن سرد متواز لحكايات لا علاقة لها ببعضها
وتصعيدات غير منطقية في زمن درامي محدود، فإن صانع "الرحلة الأخيرة لأبوجا"
امتلك من الخبرة والوعي ما مكنه من التعامل بنجاح مع عنصري الزمان
والشخصيات.
فلن تلمح هنا هوسا بين النجوم ولا توازنا بين مساحات الأدوار، بل قسم
المؤلف حكاياته المتعددة بوضوح لحكايتين رئيسيتين لموظف فاسد معرض للفضيحة
وامرأة ناجحة تكتشف خيانة خطيبها، ومعهما عدد من الحكايات الفرعية منها
لاعب كرة شاب يستعد للاحتراف في أوروبا وزوج عجوز يسافر مع زوجته لإجراء
جراحة خطيرة وحكاية الطيار المخلص لزوجته رغم معاكسات المضيفات وحكايات
الموظفين المسافرين مع زميلهم الخائن في رحلة مكافأة عن أداءهم في العمل.
المخرج استخدم الحكايتين الرئيسيتين كمحرك للدراما، مع حكايتين أخرتين
لموظفين لم يلحقا بالطائرة لأسباب مختلفة، مع الاستغناء عن فكرة الزمن
الخطي التقليدي، لينتقل بحرية بين الحكايات الأربع وبين الرحلة الجوية
ذاتها التي يشهد زمنها تصعيد كل الحكايات، ولكنه تصعيد ملائم لكل حكاية
يمكن تصور حدوثه داخل الحيز الزمني المحدود الذي يعرضه الفيلم، فالتصعيد
الأكبر يتم في الحكايات التي يدخلها الفيلم وهي ساخنة بالأساس، فلا يمكن
تصعيد حكاية من الصفر إلى الذروة في مثل هذا الحيز الضيق.
الانتقال الحر بين الحكايات لا يتم بشكل ذهني يفقدك القدرة على
المتابعة، بل على العكس تماما يتم بوعي كامل بقيمة التشويق والجاذبية
الجماهيرية، لتشاهد في كل مرة تنتقل فيها لإحدى الحكايات حدثا يفسر لك جزء
من الحكاية ويدفعها خطوة نحو الأمام ويجعلك أكثر تعلقا بالشخصيات ورغبة في
معرفة ما سينتهي عليه مصيرهم.
وفي هذه النقطة تحديدا يكمن سر تميز الفيلم عن الكثير من المحاولات
التي تدور في نفس الإطار، فهو يقدم إنجازا مزدوجا باستخدام طريقة سرد
مغايرة وبالنجاح في توظيفها لتزيد الفيلم تشويقا وجاذبية للمشاهد، وهو ما
يعيدنا مجددا للمقارنة بالفيلم المصري الذي كان آخر ما شاهدناه من هذه
النوعية، والذي انتهج منهجا شديد التقليدية للحكي دون أن يوفق في جذب
انتباه المشاهد ودفعه للتماهي مع الحكاية، لنخرج من فيلم أوبي إيميلوني
باستنتاج مفاده أن اللعب في المضمون ليس دائما مضمونا، وأن التجريب لا يعني
دائما خسارة شريحة من الجماهير، بل إنه قد يؤدي لزيادة الجماهيرية فقط إذا
ما كان المجرب واعيا بأدواته السردية.
الاختيار الحر في نهاية الخائن
الحقيقة التي يدركها معظم من شاهد أعمالاتتعلق بحوادث الطائرات
والتفجيرات وغيرها من الكوارث التي تقع لتؤثر على عدد كبير من البشر
متبايني الشخصيات والأهواء، هي أن طبيعة الفاجعة عامل إغراء كبير يكاد يدفع
المؤلف دفعا نحو الأخلاقية والوعظ وتقرير مصير الشخصيات طبقا للحكم
الأخلاقي عليهم، ولذلك أمثلة كثيرة يصعب حصرها تسببت في كل مرة في تقليل
قيمة العمل الدرامية ليتحول إلى وعظة دينية أو أخلاقية. ولكن مؤلف "الرحلة
الأخيرة لأبوجا" لم يقع في هذا الفخ، ولم يحدد مصائر شخصياته طبقا على حكمه
عليهم، بل لم يوحد العامل المتحكم في النهايات كذلك، فبينما كان بعضها
نابعا من اختيار حر كالموظف الذي لا يصعد لمتن الطائرة استجابة لبكاء ابنته
التي طلبت منه عدم السفر، فإن بعضها جاء قدريا جدا كحالة الموظف الذي فاتته
الطائرة بسبب تأخره في النوم، وذلك بالرغم من أننا شاهدناه يكذب على زوجته
ويطلب من زميله أن يجد له امرأة يقابلها في أبوجا، أي أنه كان هدفا مثاليا
لانتقام العاقبة الأخلاقية لو كانت هي هدف المخرج.
وحتى الشخصية الوحيدة التي انتهت بنهاية مأسوية حقيقية وهي شخصية
الموظف الخائن، وعلى الرغم مما قد يبدو عليه الأمر للوهلة الأولى بأنه عقاب
القدر على أفعاله، فإن النظرة الأكثر عمقا لما حدث تجد أن كان صاحب اختيار
حر أيضا فيما انتهى إليه. فالأمر لا علاقة له بعاقبة قدرية تجعل نهايته
بهذه الصورة، ولكنه ببساطة كان اختياره الحر عندما لم ينفذ تعليمات الأمان
وقت تهاوي الطائرة، لأنه كان يعلم ببساطة أن حياته قد انتهت بعدما تأكد من
انكشاف جرائمه للجميع، لذلك فقد اتخذ اختيارا حرا بأن تكون نهايته هكذا كما
اتجه للانحراف من قبل بحرية أيضا. من هذا المنطلق فنهايته "إنسانية" تتعلق
ببناء شخصيته، وليست "أخلاقية" تتعلق بتقييم أفعاله.
في فن الطرح البعيد
وبعيدا عن الحالة التشويقية العامة والحكاية محكمة البناء وقيمة
الاختيار الحر، يمر الفيلم من بعيد على طرح اجتماعي ربما لا ينتبه
إليهالكثيرونممن يشاهدون الفيلم. فالرحلة التي تتعرض للحادث تتحرك من
العاصمة القديمة لاجوس للعاصمة الجديدة أبوجا، وفي الفارق بين المدينتين
يكمن هذا الطرح الفكري. فلاجوس كما نراها في الفيلم هي المدينة العجوز ذات
الشوارع المزدحة دائما، حيث يمكن أن تتأخر عن طائرتك بسببزحامالمرور،وأن
يقوم لص بسرقة هاتفك المحمول والهرب فلا تتمكن من ملاحقته وسط آلاف البشر،
ولكنها في نفس الوقت مدينة الدفء العائلي والزوجة المخلصة والإبنة التي
يتسبب حبها في إنقاذ والدها. أما أبوجا فهي العاصمة الحديثة غربية الطراز،
ذات ناطحات السحاب ومراكز الشركات الضخمة التي يحلم الموظفون بالانتقال
إليها، المليئة بالفنادق الفاخرة والفتيات اللاتي يتعرف الموظف الخائن
عليهنعبر الانترنت ليتفق مع إحداهن على ممارسة الجنس بمجرد وصوله لها.
العلاقة بين المدينتين في الثقافة النيجيرية علاقة فريدة من نوعها،
تختلف كثيرا عن أي دولة أخرى تمتلك مدينتين رئيسيتين أو عاصمتين. فأبوجا
مدينة تم تصميمها وبناءها من الصفر خلال الثمانينيات على الطراز الغربي
لتصبح العاصمة الجديدة بدءا من عام 1991 بدلا من لاجوس المنفجرة بأكثر من
عشرة ملايين نسمة يعيشون بها. لذلك فالرحلة من لاجوس لأبوجا هي رحلة نحو
الحداثة بمفهمومها الغربي، بما تتمتع به من مميزات ترفيهية وفرص في الترقي
بالعمل، وبما تسببه أيضا من تفكك أسري وتخلي عن الأحبة وفرص للفساد
والانحراف. وعلى من يرغب في قطع هذا المسار أن يأخذه بحذر ليحافظ على
اتزانه وهويته لأن الأمر أكبر من رحلة جوية بسيطة لا يتخطى زمنها ساعة
واحدة.
أفضل ما في هذا الطرح أنه يأتي بشكل ضمني خافت، ربما لا يدركه سوى
المطلعين على قصة المدينتين ودلالات كل منهما في الثقافة النيجيرية، وهو ما
يزيد الأمر قيمة ويؤكد على إجادة المخرج أوبي إيميلوني للوصفة المثالية
التي تقدم عملا يجمع بين الإمتاع والتجريب والقيمة الفكرية.
عين على السينما في
14/12/2012 |